الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[٧٣] ـ (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها) بعضها (تَأْكُلُونَ) ويخلق الله بدله.

[٧٤] ـ (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ).

[٧٥] ـ (لا يُفَتَّرُ) لا يخفف (عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) آيسون ، ساكتون حيرة.

[٧٦] ـ (وَما ظَلَمْناهُمْ) بالعذاب (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) نفوسهم بجرائمهم الموجبة له.

[٧٧] ـ (وَنادَوْا يا مالِكُ) وهو خازن النّار (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ليمتنا (قالَ) ـ بعد مائة عام أو ألف ـ : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) في العذاب بلا موت ، قال تعالى ـ بعد جواب مالك ـ :

[٧٨] ـ (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) على لسان رسولنا أو كلاهما قول الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لأنّه شاقّ وقد ألفتم راحة الباطل.

[٧٩] ـ (أَمْ أَبْرَمُوا) أحكموا (أَمْراً) في كيد «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) محكمون امرا في مجازاتهم.

[٨٠] ـ (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) ما يسرّونه في نفوسهم (وَنَجْواهُمْ) ما يتحدّثون بينهم خفية (بَلى) نسمع ذلك (وَرُسُلُنا) الحفظة (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) ذلك.

[٨١] ـ (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) فرضا (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) للولد ، لأنّ تعظيمه تعظيم لوالده ، والنّبيّ مقدّم في كلّ حكم على امّته ، سيّما ما يتعلّق بتعظيم المعبود لكنّ التالي منتف فكذا المقدم.

والغرض المبالغة في نفي الطرفين وبيان انّ إنكاره للولد ليس لعناد بل لو وجد لكان أحق بعبادته.

قيل : معناه ان كان له ولد بزعمكم فأنا أوّل العابدين لله الموحّدين له ، (١) وقرأ

__________________

(١) قاله مجاهد ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٧.

١٨١

«حمزة» و «الكسائي» «ولد» بضمّ الواو وسكون اللام (١).

[٨٢] ـ (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) بنسبة الولد إليه.

[٨٣] ـ (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) القيامة.

[٨٤] ـ (وَهُوَ الَّذِي) هو (فِي السَّماءِ إِلهٌ) معبود ، وبه يتعلّق الظرف وكذا : (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ) في صنعه (الْعَلِيمُ) بكلّ شيء.

[٨٥] ـ (وَتَبارَكَ) تعظّم (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) علم وقت قيام القيامة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) التفات الى الخطاب للتهديد ، وقرأ «ابن كثير» و «حمزة» و «الكسائي» بالياء (٢).

[٨٦] ـ (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) لهم عند الله كما زعموا (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) بالتوحيد (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ما شهدوا به وهم الملائكة و «عزيز» و «عيسى» فإنّهم يشفعون للمؤمنين بإذنه.

[٨٧] ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) يعترفون به لوضوحه (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن عبادته الى عبادة غيره.

[٨٨] ـ (وَقِيلِهِ) وقول الرّسول ، ونصب مصدرا لفعله المقدّر أي : وقال قيله ، أو عطفا على محلّ «السّاعة» وجرّه «عاصم» و «حمزة» عطفا عليها ، أي : وعلم قيله (٣) (يا رَبِ) وقيل هو قسم جوابه (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ). قال تعالى :

[٨٩] ـ (فَاصْفَحْ) أعرض (عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) منكم أي متاركة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) تهديد لهم ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» بالتّاء (٤).

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٥٥.

(٢) حجة القراءات : ٦٥٥.

(٣) حجة القراءات : ٦٥٥.

(٤) حجة القراءات : ٦٥٦.

١٨٢

سورة الدّخان

[٤٤]

سبع أو تسع وخمسون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (حم). [٢] ـ (وَالْكِتابِ) والقرآن (الْمُبِينِ) للأحكام وغيرها.

[٣] ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) هي ليلة القدر ، ابتدأ فيها انزاله وانزل فيها جملة من اللّوح الى سماء الدّنيا ، ثمّ انزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نجوما وبوركت لذلك ولنزول الرحمة وقسم النّعم واجابة الدّعاء فيها (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) فلذلك أنزلناه.

[٤] ـ (فِيها يُفْرَقُ) يفصل (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) محكم ، أو ذو حكمة من الآجال والأرزاق وغيرها الى القابلة ولذلك انزل فيها القرآن الحكيم.

[٥] ـ (أَمْراً) حال من «امر» لأنّه موصوف أو من ضميره في «حكيم» أو نصب ب «أعنى» مقدّرا ، أو حالا من أحد ضميري «أنزلناه» ويراد به ما يقابل النهي أي أمرين أو مأمورا أو مصدرا لفعله المقدر أو ل «يفرق» لتضمّنه معنى يؤمر (مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) بدل من «انا كنّا منذرين» أي أنزلنا القرآن لأنّ من شأننا إرسال الرّسل

١٨٣

بالكتب الى عبادنا.

[٦] ـ (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) لأجل رحمته لهم ووضع «ربّك» موضع الضمير إيذانا بأنّ الرّبوبيّة اقتضت الرحمة (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) للأقوال (الْعَلِيمُ) بالأحوال.

[٧] ـ (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) خبر آخر أو استئناف ، وجرّه «الكوفيّون» بدلا من «ربّك» (١) (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) فيما أقررتم به من انّه ربّما علمتم ذلك أو موقنين بشيء فأيقنوا بذلك.

[٨] ـ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ثم ردّ كونهم موقنين بقوله :

[٩] ـ (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) في الدّنيا أو يستهزءون بنا.

[١٠] ـ (فَارْتَقِبْ) فانتظر لهم (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) يوم قحط بحيث يرون فيه من شدّة الجوع كالدخان بينهم وبين السماء ، وقد قحطوا حتى أكلوا الجيف.

أو يوم تأتي بالدّخان الّذي هو من اشراط الساعة يملأ ما بين المشرق والمغرب ، ويمكث أربعين يوما فيدخل في انوف الكفّار وآذانهم ويصيب المؤمن كالزكام.

[١١] ـ (يَغْشَى النَّاسَ) قائلين : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ).

[١٢] ـ (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي ان كشفته عنّا.

[١٣] ـ (أَنَّى) من اين (لَهُمُ الذِّكْرى) التذكر بذلك (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) لهم ما هو أعظم منه كالقرآن فلم يتذكروا.

[١٤] ـ (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ) يعلّمه بشر (مَجْنُونٌ).

[١٥] ـ (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) القحط بدعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الدخان المؤذن بقرب الساعة (قَلِيلاً) زمانا قليلا (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) الى كفركم

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٤.

١٨٤

بعد الكشف.

[١٦] ـ (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) يوم القيامة أو يوم «بدر» ظرف لما دلّ عليه (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) لا له (١) لمنع «انّ» منه ، والبطش : الأخذ بقوّة.

[١٧] ـ (وَلَقَدْ فَتَنَّا) امتحنّا (قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) معه (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ) هو موسى (كَرِيمٌ) على الله ، أو شريف النسب.

[١٨] ـ (أَنْ) بأن أو أي (أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) أرسلوهم معي أو أدّوا اليّ ما آمركم به من الطاعة والإيمان ، يا عباد الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) على ما حملته من الرسالة.

[١٩] ـ (وَأَنْ لا تَعْلُوا) تتجبروا (عَلَى اللهِ) بترك طاعته (إِنِّي) وفتح «الحرميّان» و «أبو عمرو» : «الياء» (٢) (آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ببرهان واضح على رسالتي فتوعّدوه بالرجم ، فقال :

[٢٠] ـ (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) التجأت إليه (أَنْ تَرْجُمُونِ) بالحجارة أو الشتم ، واثبت «ورش» الياء وصلا (٣).

[٢١] ـ (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) تصدقوا قولي (٤) وفتح «ورش» «الياء» (٥) وأثبتها وصلا في (فَاعْتَزِلُونِ) فاتركوني ، لا لي ولا عليّ.

[٢٢] ـ (فَدَعا رَبَّهُ) حين يئس من ايمانهم (أَنَ) بأنّ (هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) مشركون.

[٢٣] ـ (فَأَسْرِ) أي فقال تعالى : فأسر (بِعِبادِي لَيْلاً) ووصل «الهمزة» «نافع»

__________________

(١) اى ليس ظرفا ل «منتقمون».

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٥.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٦.

(٤) في «ألف» : تصدّقوني.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٦.

١٨٥

و «ابن كثير» (١) (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) يتبعكم فرعون وقومه.

[٢٤] ـ (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) ساكنا أو منفرجا على هيئته بعد ما عبرته وذلك أنّه أراد أن يضربه ثانيا لينطبق خوفا أن يدركهم القبط ، فأمر بتركه كما هو ليدخلوه (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) فدخلوه فاغرقوا.

[٢٥] ـ (كَمْ) كثيرا (تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).

[٢٦] ـ (وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) مجالس حسنة.

[٢٧] ـ (وَنَعْمَةٍ) تنعّم (كانُوا فِيها فاكِهِينَ) ناعمين.

[٢٨] ـ (كَذلِكَ) أي الأمر كذلك (وَأَوْرَثْناها) أي هذه المعدودات (قَوْماً آخَرِينَ) هم بنو إسرائيل ، وقيل غيرهم (٢).

[٢٩] ـ (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) مجاز عن صغر قدرهم إذ كانوا إذا عظّموا مصيبة هالك يقولون : بكت عليه السماء والأرض وكسفت له الشمس ، أو كناية عن انّهم لم يكن لهم عمل صالح يرفع الى السماء.

سئل «ابن عباس» : هل يبكيان على أحد؟ قال : نعم مصلّاه في الأرض ومصعد عمله في السماء.

وعن «الصادق عليه‌السلام» : بكت السماء على «يحيى بن زكريا» وعلى «الحسين بن علي عليه‌السلام» أربعين صباحا ولم تبك إلا عليهما ، (٣) سئل فما بكاؤها؟ قال : كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) ممهلين.

[٣٠] ـ (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) استعبادهم وقتل أبنائهم.

[٣١] ـ (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من «العذاب» فتح بحذف مضاف ، أي : عذابه أو يجعله عذابا لفرط عتوّه ، أو حال منه أي كائنا من جهته (إِنَّهُ كانَ عالِياً) متجبرا (مِنَ الْمُسْرِفِينَ)

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٩٠.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٦٤.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٦٤.

١٨٦

في الطغيان.

[٣٢] ـ (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) اي بني إسرائيل (عَلى عِلْمٍ) منّا باستحقاقهم ذلك (عَلَى الْعالَمِينَ) عالمي زمانهم.

[٣٣] ـ (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ) كفلق البحر وتظليل الغمام وغيرهما (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) نعمة واضحة ، أو امتحان بيّن.

[٣٤] ـ (إِنَّ هؤُلاءِ) أي كفّار مكة (لَيَقُولُونَ) :

[٣٥] ـ (إِنْ هِيَ) ما الموتة الّتي يعقبها حياة (إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) وهي حال كونهم نطفا ، أنكروا موتة بهذا الوصف إلا هذه ، أو معناه ما النّهاية والعقابة إلّا الموتة الاولى ، وليس اثباتا لثانيه بل كقولك : حجّ زيد الحجّة الاولى فمات (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) بمبعوثين.

[٣٦] ـ (فَأْتُوا بِآبائِنا) خطاب للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في وعدكم بالبعث.

[٣٧] ـ (أَهُمْ خَيْرٌ) أعزّ وأشدّ (أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) وهو «الحميري» صاحب الجيوش وباني «الحيرة» (١) و «سمرقند» ، كان صالحا وقومه كفرة ، وسمّي به لكثرة اتباعه.

والتبابعة ملوك اليمن كالأكاسرة للفرس (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم (أَهْلَكْناهُمْ) بكفرهم ، استئناف أو حال بتقدير «قد» وهو تهديد لكفّار «قريش» (إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) فاستحقّوا ذلك وهؤلاء مثلهم.

[٣٨] ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) عابثين ، بل خلقناها لغرض صحيح ومنافع للخلق دينية ودنيويّة.

[٣٩] ـ (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) إلّا محقّين في ذلك ، إذ به يتمّ أمر المعاش والمعاد (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لتركهم النّظر.

__________________

(١) الحيرة : بالكسر ثم السكون ... مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة ـ (معجم البلدان).

١٨٧

[٤٠] ـ (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) الحكم بين الخلق ، أو فصل الحق من الباطل (مِيقاتُهُمْ) موعدهم (أَجْمَعِينَ) للعذاب الأكبر.

[٤١] ـ (يَوْمَ لا يُغْنِي) بدل من «يوم الفصل» (مَوْلًى) بقرابة وغيرها (عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) من العذاب (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يمنعون منه.

[٤٢] ـ (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) بالعفو عنه ، أو بالإذن بالشفاعة له ، ومحلّه نصب بالاستثناء أو رفع بالبدليّة (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه من أعدائه (الرَّحِيمُ) بأوليائه.

[٤٣] ـ (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) فسرت في الصّافات (١).

[٤٤] ـ (طَعامُ الْأَثِيمِ) الكثير الإثم ، قيل : أريد به «أبو جهل» وأضرابه (٢).

[٤٥] ـ (كَالْمُهْلِ) هو العذاب من نحاس ونحوه ، أو درديّ الزّيت «تغلى» (٣) (فِي الْبُطُونِ) أي الشّجرة ، خبر ثالث ، وقرأ «ابن كثير» و «حفص» بالياء (٤) والضمير للطّعام والجملة حال منه.

[٤٦] ـ (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) الماء الشديد الحرارة.

[٤٧] ـ (خُذُوهُ) ويقال للزّبانيّة : خذوا الأثيم (فَاعْتِلُوهُ) جرّوه بعنف وغلظة ، وضمّ «التّاء» «الحرميّان» و «ابن عامر» لغتان (٥) (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) وسطه.

[٤٨] ـ (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) أي من الحميم الّذي يلزمه العذاب ، فذكّر العذاب للمبالغة ، ويقال له تقريعا وتهكّما :

__________________

(١) سورة الصافات : ٣٧ / ٦٢.

(٢) نقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٥ : ٦٧.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يغلى» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٦٥٧.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٤.

١٨٨

[٤٩] ـ (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) بزعمك ، كان يقول : ما بين جبليها اعزّ وأكرم منّي ، وفتح «الكسائيّ» «إنّك» (١).

[٥٠] ـ (إِنَّ هذا) العذاب (ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) تشكون.

[٥١] ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ) مكان اقامة ، وضمّ «نافع» و «ابن عامر» «الميم» (٢) (أَمِينٍ) أمنوا فيه من المكاره.

[٥٢] ـ (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) بدل من «مقام» يؤذن باستكماله الملاذ من منظر ومأكل ومشرب وبيّن الملبس في : [٥٣] ـ (يَلْبَسُونَ) خبر ثان أو حال من ضمير الجارّ أو استئناف (مِنْ سُندُسٍ) ما رقّ من الحرير (وَإِسْتَبْرَقٍ) ما غلظ منه (مُتَقابِلِينَ) على الأسرّة للاستئناس.

[٥٤] ـ (كَذلِكَ) الأمر كذلك (وَزَوَّجْناهُمْ) من التّزويج ، يعدّى بنفسه وبالباء أو قرنّاهم (بِحُورٍ عِينٍ) بيض ، واسعات العيون من نساء الدّنيا أو غيرها.

[٥٥] ـ (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ) يحكمون ويأمرون بإحضار أيّ فاكهة اشتهوا في أيّ وقت (آمِنِينَ) من مضرّتها وغيرها.

[٥٦] ـ (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) منقطع أو متصل ، إذ المؤمن عند الموت مشارف الجنة ، وفيه مبالغة في دوام الحياة ، كأنّه قيل ان أمكن ذوق الموتة الاولى في المستقبل فهم يذوقونها (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ).

[٥٧] ـ (فَضْلاً) أي اعطوا ذلك تفضّلا لأنّ استحقاقهم له انّما هو بتفضّله بتكليفهم وتمكينهم مما استوجبوا به ذلك (مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الظفر بالبغية مع سلامة من المكروه.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٥٧.

(٢) حجة القراءات : ٦٥٧.

١٨٩

[٥٨] ـ (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) سهّلنا القرآن بلغتك ليفهموه (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتّعظون لكنّهم لم يتعظوا.

[٥٩] ـ (فَارْتَقِبْ) انتظر ما يحلّ بهم (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) منتظرون بك الدوائر.

١٩٠

سورة الجاثية

[٤٥]

ست أو سبع وثلاثون آية مكية إلّا آية (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا ...)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (حم). [٢] ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) هو كأوّل المؤمن (١).

[٣] ـ (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بتقدير مضاف أي خلقهما أو بدونه (لَآياتٍ) على وحدانيّة الصّانع وقدرته وحكمته (لِلْمُؤْمِنِينَ) لأنّهم المنتفعون بها.

[٤] ـ (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) «ما» عطف على المضاف ، بتقدير : مثله أو بدونه (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) رفعت حملا على محلّ اسم «انّ» ونصبها «حمزة» و «الكسائي» حملا على الإسم (٢).

[٥] ـ (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) مطر لأنّه سبب الرّزق (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) تقليبها في مهابّها

__________________

(١) ينظر اوّل سورة المؤمن (٤٠).

(٢) حجة القراءات : ٦٥٨.

١٩١

وأحوالها ، وأفردها «حمزة» و «الكسائي» (١) (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) بالقرائتين وفيهما عطف على عاملين : «في» والابتداء ، أو «أنّ» إلّا ان يقدّر «في» أو ترفع «آيات» بتقدير : هي ، أو تنصب بتقدير : أعني.

[٦] ـ (تِلْكَ) الآيات المذكورة (آياتُ اللهِ) دلائله (نَتْلُوها عَلَيْكَ) متلبّسين أو متلبسة (بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ) أي بعد آيات الله.

وقدّم اسم «الله» مبالغة كأعجبني زيد وكرمه ، أو : بعد حديث الله أي القرآن.

وآياته : حججه ، (يُؤْمِنُونَ) وقرأ «ابن عامر» و «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» «بالتاء» (٢).

[٧] ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) كذّاب (أَثِيمٍ) كثير الإثم.

[٨] ـ (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ) القرآن (تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ) على كفره (مُسْتَكْبِراً) على الإيمان بها (كَأَنْ) هي المخففة ، واسمها ضمير شأن مقدّر أي كأنّه (لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) تهكّم.

[٩] ـ (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا) أي : القرآن (شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) استهزأ بها ، وأنث الضّمير لأنّ «شيئا» بمعنى آية ، أو لاستهزائه بكلّ الآيات إذا سمع بعضها (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ذو إهانة. والجمع للمعنى.

[١٠] ـ (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) قدّامهم أو خلفهم وما توارى عنك فهو وراؤك ، تقدّم أو تأخر (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) من مال وغيره (شَيْئاً) من عذاب الله (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) من الأصنام (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الشّدة.

[١١] ـ (هذا) أي القرآن (هُدىً) بالغ في الهداية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ)

__________________

(١) حجة القراءات : ١١٨.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٧.

١٩٢

أشد العذاب (أَلِيمٌ) (١) ورفعه «ابن كثير» و «حفص» (٢).

[١٢] ـ (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ) بكم (بِأَمْرِهِ) بتسخيره (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بالتّجارة والغوص وغيرهما (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النّعم.

[١٣] ـ (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أي خلقها لانتفاعكم (مِنْهُ) حال أي سخّرها كائنة منه ، أو خبر محذوف أي هي جميعا منه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيها.

[١٤] ـ (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) أي قل لهم : اغفروا «يغفروا» فحذف الأمر لدلالة جوابه عليه (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) لا يتوقّعون وقائعه بأعدائه أو لا يخافونها أي لا تكافئوهم على أذاهم ، وقيل نسخ بآية السّيف (٣) (لِيَجْزِيَ) وقرأ «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» بالنون (٤) (قَوْماً) هم المؤمنون أو الكفّار ، أو كلاهما (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المغفرة أو الإساءة أو كليهما.

[١٥] ـ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) إذ لها نفعه وعليها ضرره (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) فيجازي كلا بعمله.

[١٦] ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) التوراة (وَالْحُكْمَ) الحكمة ، أو فصل الخصومات (وَالنُّبُوَّةَ) إذ كثر فيهم الأنبياء (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) اللذيذات المباحة (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) عالمي زمانهم.

[١٧] ـ (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) دلالات من أمر الدّين أو أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعته (فَمَا اخْتَلَفُوا) في ذلك الأمر (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «أليم» بالرفع ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٩ و ٢٠١.

(٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٣٩.

(٤) حجة القراءات : ٦٦٠.

١٩٣

حسدا وبغضا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) بحكمه (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بالمجازاة.

[١٨] ـ (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ) طريقة (مِنَ الْأَمْرِ) أمر الدّين (فَاتَّبِعْها) أعمل بها (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الحقّ ، التابعين لأهوائهم في عبادة الأصنام.

[١٩] ـ (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ممّا أراد بك (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يتناصرون على الباطل (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) ومن كان الله وليه فلا يبالي بتناصرهم.

[٢٠] ـ (هذا) القرآن (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) معالم تبصّرهم محجّة النجاة (وَهُدىً) من الضلال (وَرَحْمَةٌ) نعمة من الله (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بالوعد والوعيد.

[٢١] ـ (أَمْ) بمعنى بل وهمزة الإنكار أ(حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) الكفر والمعاصي (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الكاف ، ثاني مفعولي «نجعل» (سَواءً) (١) خبر ، مبتداه : (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) والضمير ، إما للكفّار فالجملة بدل من الكاف والمعنى انكار استواء حياتهم ومماتهم في الكرامة كالمؤمنين أو للمؤمنين فهي حال منهم ومعناه كالأوّل أو للفريقين فهي حال من الموصول الثاني ، وضمير الأوّل ومعناه انكار استوائهم حياة وموتا ، إذ عاش هؤلاء على الطّاعة وماتوا على البشرى ، وأولئك على الضّدّ أو استوائهم بعد الموت في الكرامة كما استووا في الحياة في الرزق والصحة ، ونصب «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» «سواء» (٢) بدلا من الكاف بمعنى مستويا ، وما بعده فاعله أو مفعولا ثانيا والكاف حال والضمير للكفّار كما مرّ (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بئس حكما حكمهم هذا.

[٢٢] ـ (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ومقتضاه أن لا يساوي الكافر

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «سواء» بالنصب ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٦٦١.

١٩٤

المؤمن (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) عطف على «بالحق» لأنّه بمعنى العلّة أي للعدل أو ليدلّ بها على قدرته ولتجزى (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في الجزاء.

[٢٣] ـ (أَفَرَأَيْتَ) اخبرني (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) لطاعته له في دينه ، وقدّم ثاني المفعولين عناية به (وَأَضَلَّهُ اللهُ) خلّاه وما اختاره (عَلى عِلْمٍ) منه بأنّه أهل الخذلان ، أو وجده ضالا على حسب ما علمه (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) وفسرّ في البقرة ، (١) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «غشوة» (٢) (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) بعد أن خلّاه وضلاله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتذكّرون.

[٢٤] ـ (وَقالُوا ما هِيَ) ما الحياة (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) الّتي نحن فيها (نَمُوتُ وَنَحْيا) تموت الآباء وتحيى الأبناء ، أو يموت بعض ويحيى بعض بأن يولد (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) إلّا مرور الزّمان ، ضمّوا الى انكار المعاد انكار المبدأ (وَما لَهُمْ بِذلِكَ) المقول (مِنْ عِلْمٍ) مستند الى حجّة (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) يخمّنون تخمينا.

[٢٥] ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ظاهرات الدّلالة على نقيض ما قالوا (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) مستمسكهم الّذي يقابلونها به (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سمّى حجّة على زعمهم فإنّ عدم حصول الشّيء حالا لا يستلزم امتناعه مطلقا.

[٢٦] ـ (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ) احياء (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ) لا شكّ (فِيهِ) لثبوته بالحجّة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لتركهم النّظر.

[٢٧] ـ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو القادر على ما يريد (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) ويبدل منه (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) الفاعلون للباطل.

[٢٨] ـ (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) باركة على الرّكب أو مجتمعة (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا)

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٧.

(٢) حجة القراءات : ٦٦١.

١٩٥

كتاب أعمالها ويقال لهم : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

[٢٩] ـ (هذا كِتابُنا) اضافة الى نفسه لأنّ الحفظة كتبوه بأمره (يَنْطِقُ) يشهد (عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) نستكتب الحفظة عملكم.

[٣٠] ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) جنّته (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) الفلاح البيّن.

[٣١] ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) فيقال لهم : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن قبولها (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) بتكذيبها.

[٣٢] ـ (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌ) كائن لا محالة (وَالسَّاعَةُ) القيامة : ونصبها «حمزة» عطفا على اسم «انّ» (١) (لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) انكار لها (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) أي ما نحن إلّا نظن ظنا (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) إتيانها.

[٣٣] ـ (وَبَدا) ظهر (لَهُمْ) في الآخرة (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي جزاؤها (وَحاقَ) حلّ (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي العذاب.

[٣٤] ـ (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) نترككم في العذاب (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) كترككم العمل للقائه (وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يمنعونكم منها.

[٣٥] ـ (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) استهزأتم بها (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فأنكرتم البعث (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) التفات ، وفتح «حمزة» و «الكسائي» «الياء» وضمّا «الرّاء» (٢) (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلب منهم العتبى ، وهي ان يرضوا ربّهم بالتوبة إذ لا تنفع حينئذ.

[٣٦] ـ (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خالق جميع ذلك.

[٣٧] ـ (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ) العظمة (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا يستحقها سواه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في سلطانه (الْحَكِيمُ) في تدبيره.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٦٢.

(٢) حجة القراءات : ٦٦٢.

١٩٦

سورة الأحقاف

[٤٦]

اربع أو خمس وثلاثون آية مكية إلا آية (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (حم). [٢] ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) كأوّل الجاثية.

[٣] ـ (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) متلبسة بالعدل والحكمة للدلالة على وحدانيتنا وقدرتنا (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) لإفنائها ، هو يوم القيامة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) من القيامة والجزاء (مُعْرِضُونَ) عن التفكر فيه.

[٤] ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام ، مفعول اوّل (أَرُونِي) تأكيد (ما ذا خَلَقُوا) مفعول ثان (مِنَ الْأَرْضِ) بيان ل «ما» (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) شركة في خلقهما ، والمراد انّهم لم يخلقوا شيئا من هذا العالم فكيف يستحقّون العبادة (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) القرآن الناطق بالتوحيد (أَوْ أَثارَةٍ) بقيّة (مِنْ عِلْمٍ) تؤثر عن الأوّلين بصحة دعواكم انّها شركاء لله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم ، وقد انتفى ما يدلّ عليها عقلا ونقلا بل دلّ العقل والنّقل على بطلانها.

[٥] ـ (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا) يعبد (مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)

١٩٧

أي الأصنام لا يقدرون على اجابتهم الى ما يسألونه ابدا (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ) عبادتهم (غافِلُونَ) لا علم لهم بها لأنّهم جمادات.

[٦] ـ (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا) أي الأصنام (لَهُمْ) لعبدتها (أَعْداءً) يضرّونهم (وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) جاحدين ، بلسان حالهم أو مقالهم.

[٧] ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ظاهرات (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) القرآن أي في شأنه (لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) بيّن السّحريّة.

[٨] ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) انكار تعجيب من حالهم (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ) فرضا (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ) من عذابه (شَيْئاً) أي لا تقدرون على دفعه عنّي ، فكيف افترى عليه (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ) تندفعون (فِيهِ) من الطّعن في القرآن (كَفى بِهِ) تعالى (شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فيصدقني ويكذبكم (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لمن تاب وآمن فلم يعاجلكم بالعقوبة.

[٩] ـ (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً) بديعا (مِنَ الرُّسُلِ) أي اوّل رسول بعث فادّعى ما لم يدّعوا (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) مفصّلا في الدّارين إذ لا اعلم الغيب ، و «ما» استفهاميّة مرفوعة أو موصولة منصوبة (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) وليس لي ان ابتدع من عندي شيئا (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) للإنذار بالآيات البيّنات.

[١٠] ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) اخبروني (إِنْ كانَ) أي القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) «الواو» للحال أو للعطف على الشّرط وكذا : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) هو «ابن سلام» ، وقيل : «موسى» عليه‌السلام (١) وشهادته هي ما في التوراة (عَلى مِثْلِهِ) مثل القرآن وهو ما في التوراة ممّا يطابقه أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله (فَآمَنَ) أي الشّاهد (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن الإيمان ، وجواب الشرط بما يتبعه ، ألستم أظلم النّاس بدليل : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بكفرهم بما ثبت بالبرهان انه من عند الله.

__________________

(١) نقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٥ : ٨٤.

١٩٨

[١١] ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) في شأنهم (لَوْ كانَ) أي ما أتى به «محمّد» (خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) ونحن أرفع منهم حالا.

قاله قبائل من العرب حين أسلم آخرون أو قريش لفقراء المؤمنين أو اليهود لابن سلام وأضرابه (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) حذف عامله أي ظهر عنادهم (فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) أي أساطير الأولين.

[١٢] ـ (وَمِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن ، خبر (كِتابُ مُوسى) مبتدأ (إِماماً وَرَحْمَةً) حال عاملها الظّرف (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) للكتب قبله (لِساناً عَرَبِيًّا) حال من الضمير في «مصدّق» (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقرأ «نافع» و «ابن عامر» و «البزّي» ـ بخلاف عنه ـ بالتّاء (١) (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) عطف على محل «لينذر».

[١٣] ـ (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) أقرّوا بوحدانيّته (ثُمَّ اسْتَقامُوا) على طاعته.

وسأل بعض الشيعة الرضا عليه‌السلام عن الاستقامة؟ فقال : هي والله ما أنتم عليه (٢)

(فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) و «الفاء» لتضمّن الإسم معنى الشرط.

[١٤] ـ (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً) يجزون جزاء (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الطاعات.

[١٥] ـ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (٣) وقرأ «الكوفيّون» : «إحسانا» (٤) (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) ذات كره أي مشقّة ، وضم «الكوفيّون» و «ابن ذكوان» «الكاف» فيهما (٥) (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) فطامه أي مدة حمله ورضاعه التّامّ المنتهى

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٦٢ ـ الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧١.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٢.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «إحسانا» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧١.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٢.

١٩٩

بالفصال (ثَلاثُونَ شَهْراً) وهذا مع قوله : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (١) يفيد انّ أقلّ مدة الحمل ستّة أشهر كما نبّه عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة ولدت لستّة أشهر ، فأمر عمر برجمها فمنعه محتجا بذلك ، فصدّقه عمر ، وقال : لو لا عليّ لهلك عمر (٢) (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) كمال قوته (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) وهو وقت استحكام العقل والرّأي (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني ، وفتح «الياء» «ورش» و «البزّي» (٣) (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) بها ، وهي نعمة الدّين وغيرها (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) واجعلهم محلا للصّلاح لأجلي (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) ممّا تكرهه (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المخلصين لك.

والعجب ممن يدعي نزولها في «ابي بكر» مؤيّدا له بأنّه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه ، مع اعترافه بأن السورة مكية ولا خلاف في أنّ أبا قحافة لم يسلم إلّا بعد الفتح ، ومع نقله انّ في الصحابة من اسلم هو وأبواه قبل الهجرة كعمّار (٤).

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : انها جرت في الحسين عليه‌السلام (٥).

[١٦] ـ (أُولئِكَ) أي أهل هذا القول (الَّذِينَ) «يتقبّل» (٦) (عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يثابون على طاعاتهم ، فالمباح حسن ولا يثابون عليه «ويتجاوز» (٧) (عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) وقرأ «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» بالنون فيهما (٨) (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) معدودين فيهم

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٣.

(٢) حديث صحيح ، ثابت ، متواتر مسلّم عند الفريقين وله مصادر كثيرة.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٥.

(٤) هذا جواب عمّا في تفسير البيضاوي.

(٥) انظر تفسير البرهان ٤ : ١٧٣.

(٦) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «نتقبّل» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٧) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «نتجاوز» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٨) حجة القراءات : ٦٦٤.

٢٠٠