بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

السّابع : الزّاى الأصلى من نحو : زمر ، ووزم (١) ، ورزم (٢).

الثّامن : الزّاى المبدلة من الصّاد ؛ نحو الزّراط فى الصّراط.

التّاسع : الزّاى اللّغوى : قال الخليل : الزّاى : الرّجل الكثير الأكل ، قال :

إذا احتفل السّراة تكون داء

وعند النّاس زاى جعظرىّ (٣)

__________________

(١) من معانى الوزم قضاء الدين ، وجمع القليل الى مثله

(٢) يقال : رزم البعير اذا كان لا يقوم هزالا

(٣) هو الغليظ الأكول

١٢١

٢ ـ بصيرة فى الزبد والزبر والزج

الزبد ـ محرّكة ـ : زبد (١) الماء. وأزبد البحر : صار ذا زبد ، ومنه أخذ الزّبد لمشابهته إيّاه فى البياض. وزبدته ـ كنصرته ـ : أعطيته مالا جمّا (٢) كالزبد كثرة ، وأطعمته الزّبد (٣).

والزّبر : الكتابة الغليظة ، والتهديد ، وقد زبر يزبر كنصر ينصر. والزبر أيضا : العقل ، فلان ما له زبر. والزّبور : الكتاب المسطور. وسمّى كتاب داود عليه‌السلام زبورا لأنّه نزل من السّماء مسطورا. والجمع : زبر ككتب. قال الشاعر :

/ فى ديار خاليات

من أمارات السرور

مقفرات دارسات

مثل آيات الزّبور

وقال تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٤) ، وقرئ (٥) بضمّ الزّاء ، وذلك جمع : زبر (٦) كظرف وظروف. وقيل : الزّبور كلّ كتاب يصعب الوقوف عليه

__________________

(١) وهو ما يكون على وجهه كالرغوة

(٢) فى القاموس : «زبد له يزبده : رضخ له من ماله» والرضخ : اعطاء اليسير. ولكنه تبع هنا الراغب الذى يغرى بالاشتقاق اللغوى ، وقد يخالفه الاستعمال

(٣) جاء الزبد فى قوله تعالى : (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) فى الآية ١٧ سورة الرعد

(٤) الآية ١٦٣ سورة النساء ، والآية ٥٥ سورة الاسراء

(٥) هى قراءة حمزة وخلف ، كما فى الاتحاف

(٦) جعله فى التاج جمع زبر ـ بالكسر ـ بمعنى المكتوب. وفى الراغب : «وذلك جمع زبور بحذف الزيادة ، كقولهم فى جمع ظريف : ظروف ، أو يكون جمع زبر ، وزبر مصدر سمي به كالكتاب ثم جمع على زبور ، كما جمع كتاب على كتب»

١٢٢

من الكتب الإلهيّة. وقيل : الزّبور : اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الأحكام الشرعيّة ، والكتاب لما يتضمّن الأحكام والحكم.

وقد ورد ما يشتق من هذه المادّة فى القرآن على خمسة أوجه.

الأوّل : بمعنى قصص القرون الماضية : (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)(١) ، أى حديث الأوّلين ، (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)(٢).

الثّانى : بمعنى كتاب المتأخرين : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ)(٣).

الثّالث : بمعنى اللّوح المحفوظ : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ)(٤) أى فى اللّوح.

الرّابع : بمعنى كتاب داود : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٥).

الخامس : الزّبر مثال (٦) صرد ، جمع زبرة للقطعة العظيمة من الحديد. واستعير للجزء. وقوله تعالى : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً)(٧) ، أى صاروا فيه أحزابا.

والزّجاج ـ مثلّثة الزاى ـ : حجر شفّاف ، واحدته بهاء ، قال تعالى (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ)(٨)

والزّجّ : حديدة أسفل الرّمح ج (٩) زجاج. زجّجته : جعلت له زجّا (وأزججته : جعلت له زجا) (١٠) ، وأزججته : نزعت زجّه.

__________________

(١) الآية ١٨٤ سورة آل عمران

(٢) الآية ١٩٦ سورة الشعراء

(٣) الآية ١٠٥ سورة الأنبياء

(٤) الآية ٥٢ سورة القمر

(٥) الآية ١٦٢ سورة النساء ، والآية ٥٥ سورة الاسراء

(٦) كذا فى ب ، وفى ا «مثل»

(٧) الآية ٥٣ سورة المؤمنين

(٨) الآية ٣٥ سورة النور

(٩) اى الجمع له

(١٠) سقط ما بين القوسين فى ب

١٢٣

٣ ـ بصيرة فى الزجر والزجى

والزخرف والزرب والزرع

الزّجر : طرد بصوت ، ثم يستعمل فى الطّرد تارة ، وفى الصّوت أخرى.

وقوله تعالى : (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً)(١) أى الملائكة الّتى تزجر السّحاب وقوله : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ)(٢) ، أى طرد ومنع عن ارتكاب المآثم ، وقوله : (وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)(٣) أى طرد.

والتزجية : دفع الشّىء لينساق ، كتزجية السّحاب. وبضاعة مزجاة (٤) : يسيرة حقيرة. قال الشاعر :

* وحاجة غير مزجاة من الحاج*

أى غير يسيرة يمكن دفعها وسوقها لقلّة الاعتداد بها.

والزّحف : انبعاث مع جرّ الرجل كانبعاث الطّفل قبل المشى (٥).

والزّخرف : الذّهب ، قال تعالى : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ)(٦)

__________________

(١) الآية ٢ سورة الصافات

(٢) الآية ٤ سورة القمر

(٣) الآية ٩ سورة القمر

(٤) ورد فى الآية ٨٨ سورة يوسف ، والتلاوة : «يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ»

(٥) جاء الزحف فى قوله تعالى : (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) فى الآية ١٥ سورة الانفال

(٦) الآية ٩٣ سورة الاسراء

١٢٤

أى ذهب مزوّق. والزخرف : الزينة المزوّقة. وقوله : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(١) ، أى المزّوقات من الكلام.

وذكر فى القرآن على أربعة أوجه.

الأول : بمعنى الذّهب : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ)(٢).

الثانى : بمعنى التّخت والمتّكإ : (وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً)(٣).

الثالث : بمعنى الزّينة : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها)(٤).

الرّابع : بمعنى مزوّقات الكلام : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ)(٥).

والزرابىّ : الطّنافس (٦) قال تعالى : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(٧) ، وقيل : هى ضرب من الثياب محبّر منسوب إلى بلد ، الواحد زربيّة.

والزّرع : الإنبات ، وحقيقة ذلك مخصوصة بالله تعالى ، فلهذا قال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(٨) فنسب الحرث إليهم ، ونفى عنهم الزّرع ، ونسبه إلى نفسه تعالى. وإذا نسب إلى العبد فمجاز ؛ لأنه فاعل للأسباب الّتى هى سبب الزّرع ، كما تقول : أنبتّ كذا

__________________

(١) الآية ١١٢ سورة الأنعام

(٢) الآية ٩٣ سورة الاسراء

(٣) الآيتان : ٣٤ و ٣٥ سورة الزخرف

(٤) الآية ٢٤ سورة يونس

(٥) الآية ١١٢ سورة الأنعام

(٦) جمع الطنفسة ، وهى بساط خمل رقيق

(٧) الآية ١٦ سورة الغاشية

(٨) الآية ٦٤ سورة الواقعة

١٢٥

إذا كنت من أسباب إنباته. / والزرع فى الأصل مصدر ، وعبّر به عن المزروع ؛ كقوله : (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً)(١). قال الشاعر :

لعمرك ما المعروف فى غير أهله

وفى أهله إلّا كبعض الودائع

فمستودع قد ضاع ما كان عنده

ومستودع ما عنده غير ضائع

وما النّاس فى شكر الصنيعة عندهم

وفى كفرها إلّا كبعض المزارع

فمزرعة طابت وأمرع زرعها

ومزرعة أكدت على كلّ زارع

والزرع ذكر فى ثمانية مواضع من القرآن :

الأوّل : فى ذكر بساتين آل فرعون : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ)(٢).

الثانى : ما منّ الله به على سائر الخلق ، فى قوله : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ)(٣).

الثالث : فى خلوّ وادى مكة منه : (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)(٤)

الرّابع : فى تعبير يوسف رؤيا الملك : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ)(٥).

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة السجدة

(٢) الآيتان ٢٥ ، ٢٦ سورة الدخان

(٣) الآية ١٤١ سورة الأنعام

(٤) الآية ٣٧ سورة ابراهيم

(٥) الآية ٤٧ سورة يوسف

١٢٦

الخامس : فى قوله : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ)(١).

السّادس : فى قوله : (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(٢).

السّابع : فى تشبيه حال أهل الإسلام فى ظهورهم به : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ)(٣).

الثّامن : فى تشبيه تقوية الخلفاء الأربعة إيمانهم بالصدق والإخلاص به : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ)(٤). قال الشاعر :

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا

ندمت على التفريط فى زمن البذر

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة الواقعة

(٢) الآية ٢٩ سورة الفتح

١٢٧

٤ ـ بصيرة فى الزرق والزرى والزعق

والزعم والزف والزفر والزقم

الزّرق ـ محرّكة ـ والزرقة ـ بالضمّ ـ : لون معروف بين البياض والسّواد. زرقت عينه ـ كفرح ـ زرقة وزرقانا. والزّرقة أيضا : العمى ، ومنه قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ زُرْقاً)(١) أى عميا عيونهم لا نور لها.

وزريت عليه : عبته. وأزريت به : قصّرت به. وكذلك ازدريت به (وزريت عليه : عبته (٢)) زريا وزراية ومزرية ومزراة وزريانا بالضمّ (٣). وزراه (٤) أيضا : عاتبه. وازدراه واستزراه : احتقره ، قال تعالى : (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ)(٥) أى تزدريهم أعينكم ، أى تستقلّهم وتهينهم. وأزرى بأخيه : أدخل عليه عيبا أو أمرا يريد أن يلبّس عليه به.

والزّعاق (٦) ـ بالضم ـ : الماء المرّ الغليظ لا يطاق شربه

وزعقه كمنعه : ذعره.

__________________

(١) الآية ١٠٢ سورة طه

(٢) ما بين القوسين مكرر مع ما سبق ، وكأنه أعاده ليذكر المصادر

(٣) كذا فى القاموس ، وفى الشرح : «كذا هو مضبوط فى نسخ التهذيب. وفى نسخ المحكم : بالتحريك»

(٤) كذا فى الاصلين والذى فى اللسان والقاموس (زرى عليه) فى هذا المعنى ، وفى اللسان : «زارى فلان فلانا اذا عاتبه»

(٥) الآية ٣١ سورة هود.

(٦) تبع فى ايراد هذه المادة الراغب ، وهى ليست فى الكتاب العزيز

١٢٨

والزّعم ـ بتثليث الزاى ـ : القول الحقّ ، والقول الباطل ، ضدّ ، والكذب.

والزّعمىّ : الكذّاب والصّادق. وقيل : الزّعم حكاية قول (يكون) (١) مظنّة للكذب ، ولهذا جاء فى القرآن فى كلّ موضع ذمّ القائلون به.

والزّعيم : الكفيل ، وقد زعم به زعما وزعامة ، وسيّد القوم ورئيسهم المتكلّم عنهم ، والجمع : زعماء. والمزعم : المطمع. قال (٢).

وزعمتم أن لا حلوم لنا

إن العصا قرعت لذى الحلم

وتركتنا لحما على وضم

لو كنت تستبقى من اللّحم

ووطئتنا وطأ على حنق

وطء المقيّد يابس الهرم

وقد ورد فى القرآن على ثمانية أوجه :

الأوّل : بمعنى شرع أهل الجاهلية : (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ)(٣).

الثانى : بمعنى دعواهم : (هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا)(٤).

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) أى الحارث بن وعلة ، وذو الحلم عامر بن الظرب حكم العرب ، كان يقرع له العصا اذا زاغ فى الحكم لكبر سنه فينبه. والوضم : ما يقطع عليه الجزار اللحم. والهرم. نبت من الحمض. وانظر الحماسة ٤٥ بشرح المرزوقى

(٣) الآية ١٣٨ سورة الأنعام

(٤) الآية ١٣٦ سورة الأنعام

١٢٩

الثالث : فى إهمال الأصنام إمامهم يوم القيامة : (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(١).

الرّابع : بمعنى إنكارهم البعث : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)(٢).

الخامس : دعواهم فى نفى الحشر : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً)(٣).

السّادس : دعوى اليهود أنّهم أحبّاء الله : (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ)(٤).

السابع : بمعنى أيّهم كفيل بإقامة حجّة ربوبيّة الأصنام : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ)(٥).

الثامن : بمعنى ضمان وكيل يوسف فى الكيل : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)(٦).

زفّ الظليم يزفّ زفيفا : أسرع ، والرّيح : هبّت فى مضىّ. وقوله تعالى : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ)(٧) فيمن (٨) قرأ مشدّدة أى يسرعون ،

__________________

(١) الآية ٩٤ سورة الأنعام

(٢) الآية ٧ سورة التغابن

(٣) الآية ٤٨ سورة الكهف

(٤) الآية ٦ سورة الجمعة

(٥) الآية ٤٠ سورة القلم

(٦) الآية ٧٢ سورة يوسف

(٧) الآية ٩٤ سورة الصافات

(٨) هم من عدا حمزة من القراء فانه قرأ بضم الياء من أزف

١٣٠

و (يَزِفُّونَ) أى يحملون (١) أصحابهم على الزّفيف ، و (يَزِفُّونَ)(٢) بالتخفيف بمعناه ، مضارع وزف يزف وزيفا : أسرع.

وزفر يزفر زفيرا ، وهو اغتراق (٣) النّفس للشدّة. وقيل : الزّفير : ترديد (٤) النّفس حتى تنتفخ الضّلوع منه ، قال تعالى : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ)(٥) فالزّفير : أوّل صوت الحمار ، والشّهيق : آخره ، لأنّ الزفير إدخال النّفس ، والشّهيق آخره.

والزّقّوم : الزّبد بالتّمر ، وشجرة بالبادية ، وشجرة بجهنّم ، وطعام أهل النّار (٦).

__________________

(١) فالهمزة للتعدية والمفعول محذوف. ولا حاجة لهذا ، اذ يقال : أزف الظليم فى معنى زف

(٢) هى قراءة أبى حيوة ، كما فى العباب. وقال اللحيانى : هى قراءة حمزة عن الأعمش عن ابن وثاب. وانظر التاج فى (وزف)

(٣) يقال : اغترق النفس : استوعب فى الزفير.

(٤) فى الراغب : «تردد»

(٥) الآية ١٠٦ سورة هود

(٦) ورد الزقوم فى قوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) فى الآية ٦٢ سورة الصافات. وورد أيضا فى الآية ٤٣ سورة الدخان ، والآية ٥٢ سورة الواقعة

١٣١

٥ ـ بصيرة فى الزكاة

زكا يزكو زكاء وزكوّا : نما. والزكاة : النّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى. ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيوية والأخرويّة ، وقوله تعالى : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً)(١) إشارة إلى ما يكون حلالا لا يستوخم عقباه. ومنه الزكاة لما يخرجه الإنسان من حقّ الله تعالى إلى الفقراء ، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة ، أو لتزكية النّفس أى تنميتها بالخيرات والبركات ، أو لهما جميعا ؛ فإنّ الخيرين موجودان فيها.

وقرن الله تعالى الزكاة بالصّلاة فى القرآن تعظيما لشأنها.

وبزكاء النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق فى الدّنيا الأوصاف المحمودة ، وفى الآخرة الأجر والمثوبة ، وهو أن يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره. وذلك ينسب تارة إلى العبد لاكتسابه ذلك ، نحو قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٢) ، وتارة إلى الله تعالى لكونه فاعلا لذلك فى الحقيقة نحو : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ)(٣) ، وتارة إلى النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكونه واسطة فى وصول ذلك إليهم ، نحو : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)(٤) ، وتارة إلى العبادة الّتى هى آلة فى ذلك ، نحو : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً)(٥).

__________________

(١) الآية ١٩ سورة الكهف

(٢) الآية ٩ سورة الشمس

(٣) الآية ٤٩ سورة النساء

(٤) الآية ١٠٣ سورة التوبة

(٥) الآية ١٣ سورة مريم

١٣٢

وقوله : (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)(١) أى زكىّ الخلقة ، وذلك على طريق ما ذكرناه من الاجتباء ، وهو أن يجعل بعض عباده عالما وطاهر الخلق لا بالتعلّم والممارسة بل بقوّة إلهيّة ، كما يكون لكلّ الأنبياء والرّسل. ويجوز أن يكون تسميته بالزّكىّ لما يكون عليه فى الاستقبال لا فى الحال. والمعنى سيتزكّى. وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ)(٢) أى يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكّيهم الله ، أو ليزكّوا أنفسهم ، والمعنيان واحد. وليس قوله (لِلزَّكاةِ) مفعولا لقوله (فاعِلُونَ) ، بل اللّام فيه للقصد وللعلّة (٣).

وتزكية الإنسان نفسه ضربان : أحدهما بالفعل وهو محمود ، وإليه قصد بقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٤) ، والثانى بالقول كتزكية العدل غيره ، وذلك مذموم أن يفعل (٥) الإنسان بنفسه ، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)(٦) ، ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلا وشرعا ، ولهذا قيل لحكيم : ما الّذى لا يحسن / وإن كان حقّا؟ فقال : مدح الإنسان نفسه.

وفى أثر مرفوع : «ما تلف مال فى برّ ولا بحر إلّا بمنع الزّكاة».

__________________

(١) الآية ١٩ سورة مريم

(٢) الآية ٤ سورة المؤمنين

(٣) تبع فى هذا الراغب ، وقد عدل عن تفسير الزكاة بمعناها المتعارف ، وأن قوله مفعول لقوله : «فاعِلُونَ» أى مؤدون لها : لأن السورة مكية ، ولم تفرض الزكاة الا فى المدينة وقد أجيب عن ذلك بأن الزكاة فرضت فى مكة ، وانما جاء فى المدينة بيان أنصبتها وكانت فى مكة غير معينة المقادير ، ومن ثم مال البيضاوى الى تفسير الزكاة بقرينة الصلاة ، وانظر شهاب البيضاوى ٦ / ٣٢٠

(٤) الآية ٩ سورة الشمس

(٥) كذا. والأولى «يفعله»

(٦) الآية ٣٢ سورة النجم

١٣٣

ويقال : زكاة الحلىّ إعارتها. وقال عليه الصلاة والسّلام : «حصّنوا أموالكم بالزّكاة (١)» ، وقال الشاعر :

وأدّ زكاة الجاه واعلم بأنّها

كمثل زكاة المال تمّ نصابها

وقال :

حبّ علىّ بن أبى طالب

دلالة باطنة ظاهره

تخبر عن مبغضه أنّه

نطفة رجس فى حشى عاهره

ومن تولّى غيره لا زكت

زكبته فى الدّنيا والآخرة (٢)

وورد فى القرآن على ستّة عشر وجها :

وذلك بمعنى الأقرب إلى المصلحة : (هُوَ أَزْكى لَكُمْ)(٣).

وبمعنى الحلال : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً)(٤)

وبمعنى الحسن واللطافة : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ)(٥) أى ذات جمال.

وبمعنى الصّلاح والصّيانة : (أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً)(٦) أى صلاحا.

وبمعنى النبوّة والرسالة : (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)(٧) ، أى رسولا نبيا.

__________________

(١) من حديث خرجه الطبرانى وأبو نعيم. ونظر تمييز الطيب من الخبيث.

(٢) الزكبة : النطفة. وفى الأصلين : «قد زكت زكية» وظاهر أنه تحريف عما أثبت

(٣) الآية ٢٨ سورة النور

(٤) الآية ١٩ سورة الكهف

(٥) الآية ٧٤ سورة الكهف

(٦) الآية ٨١ سورة الكهف

(٧) الآية ١٩ سورة مريم

١٣٤

وبمعنى الدعوة والعبادة : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(١).

وبمعنى الاحتراز عن الفواحش : (ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً)(٢).

وبمعنى الإقبال على الخدمة : (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ)(٣).

وبمعنى الإيمان والمعرفة : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ)(٤) أى لا يؤمنون.

وبمعنى التوحيد والشّهادة : (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى)(٥).

وبمعنى الثناء والمدح : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)(٦).

وبمعنى النّقاء والطّهارة : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٧).

وبمعنى التّوبة من دعوى الرّبوبيّة : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى)(٨).

وبمعنى أداء الزّكاة الشرعية : (آتُوا الزَّكاةَ)(٩) ، (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ)(١٠). ولها نظائر كثيرة.

__________________

(١) الآية ٣١ سورة مريم

(٢) الآية ٢١ سورة النور

(٣) الآية ١٨ سورة فاطر

(٤) الآية ٧ سورة فصلت ، وقد عدل عن تفسير الزكاة بمعناها المتبادر لما تقدم فى آية المؤمنين ، فالسورة هنا أيضا مكية. وقد قدم البيضاوى هذا التفسير المتبادر ، وأجاب البيضاوى بمثل ما أجاب به فى آية المؤمنين أن الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين الانصباء ، كما فى قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) وانظر شهاب البيضاوى ٧ / ٣٨٨

(٥) الآية ٧ سورة عبس

(٦) الآية ٣٢ سورة النجم

(٧) الآية ٩ سورة الشمس

(٨) الآية ١٨ سورة النازعات

(٩) الآية ٤٣ سورة البقرة. وتكرر فى مواطن أخرى

(١٠) الآية ٥ سورة البينة

١٣٥

٦ ـ بصيرة فى الزلل والزلفة والزلق والزمر

والزمل والزنم والزنى والزهد

زللت تزلّ ، وزللت تزلّ زلّا وزليلا ومزلّة وزلولا وزللا وزلّيلى أى زلقت. وأزلّه غيره. والمزلّة والمزلّة : موضعه. وقيل للذّنب من غير قصد : زلّة ، تشبيها بزلّة الرّجل ، قال تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ)(١) ، ومنه قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ)(٢). واستزلّه : إذا تحرّى زلّته. وقوله : (اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ)(٣) أى استجرّهم حتّى زلّوا ؛ فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخّص الإنسان فيها تصير مسهّلة لسبيل الشيطان على نفسه.

وزلزله زلزلة وزلزالا ـ مثلّثة الزّاى ـ : حرّكه ، فتزلزل ، وتكرير حروفه تنبيه على تكرّر معنى الزّلل فيه. وقوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً)(٤) أى زعزعوا من الرّعب. وإزلزل : كلمة تقال عند الزلزلة.

والزّلفة والزلفى والزّلف : القربة والمنزلة ، قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً)(٥)

__________________

(١) الآية ٢٠٩ سورة البقرة

(٢) الآية ٣٦ سورة البقرة

(٣) الآية ١٥٥ سورة آل عمران

(٤) الآية ١١ سورة الأحزاب

(٥) الآية ٢٧ سورة الملك

١٣٦

وقال : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى)(١) وهى اسم المصدر كأنّه قال : ازدلافا وجمع الزّلفة : زلف. وقال العجّاج :

ناج طواه الأين ممّا وجفا

طىّ اللّيالى زلفا فزلفا

سماوة الهلال حتّى احقوقفا (٢)

والزّلفة أيضا : الطائفة من أوّل اللّيل ، والجمع : زلف وزلفات وزلفات. وقوله تعالى : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ)(٣) أى ساعة بعد ساعة يقرب بعضها من بعض. وعنى بالزّلف من اللّيل المغرب والعشاء. وأزلفه : قرّبه.

وقوله تعالى : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ)(٤) قال ابن عرفة : أى جمعناهم. قال : وأحسن من هذا : وأدنيناهم يعنى إلى الغرف ، قال : وكذلك : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٥) أى أدنيت. والمزدلفة سمّيت بها لقربها من منى. وازدلف إلى الله بركعتين : تقرّب.

والزّلق والزّلل بمعنى ، زلق كفرح و (نصر (٦)) : زلّ. وأزلق فلانا ببصره : نظر إليه. قال تعالى : (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ)(٧). وقرأ أبىّ بن كعب : وأزلقنا / ثم الآخرين (٨).

__________________

(١) الآية ٤٠ سورة ص

(٢) يصف بعيرا أهزله السفر. وقوله : وجفا ، فالوجيف : ضرب من السير. زلفا فزلفا : أى منزلة بعد منزلة. سماوة الهلال : شخصه. واحقوقفا : اعوج ومال

(٣) الآية ١١٤ سورة هود

(٤) الآية ٦٤ سورة الشعراء

(٥) الآية ٩٠ سورة الشعراء

(٦) زيادة من القاموس. وفى ب. «زلق يزلق وزلق يزلق»

(٧) الآية ٥١ سورة القلم

(٨) الآية ٦٤ سورة الشعراء

١٣٧

والزّمرة ـ بالضّم ـ : الجماعة من النّاس ، والجمع زمر ، لأنها إذا اجتمعت كان لها زمارا وجلبة. والزمار ـ بالكسر ـ : صوت النّعام.

والتزميل : الإخفاء. والتّزمّل : التلفّف. وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) أى يا أيها المتزمّل (١) فى ثوبه ، وذلك على سبيل (٢) الاستعارة ، وكنى (٣) به عن المقصّر والمتهاون فى الأمر ، وتعريض به (٤).

والزنم والمزنّم : الدعىّ ، والرّجل المستلحق فى قوم ليس منهم ، قال (٥) :

وأنت زنيم نيط فى آل هاشم

كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد

والزّناء والزنى : وطء المرأة من غير عقد شرعىّ وملك يمين. زنى يزنى زنى وزناء ، وزانى مزاناة وزناء بمعناه. وزنّاه (٦) : نسبه إلى الزّنى.

وهو ابن زنية ـ بالفتح وقد يكسر ـ ابن زنى.

والزهيد : الشىء القليل. وزهد فى الشىء يزهد زهدا وزهادة : رغب عنه

__________________

(١) يريد أن (الْمُزَّمِّلُ) أصله المتزمل ، فأبدل التاء زايا وأدغمت فى الزاى. والمراد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) قيل : انه كان متزملا حقيقة فى قطيفة لما أصابه من الرعدة من دهشة الوحى. وقد خوطب بما هو عليه تأنيسا له ، على عادة العرب فى اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التى هو عليها ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى رضى الله عنه : قم يا ابا تراب. وانظر البيضاوى وكتابة الشهاب عليه. هذا ويريد بالاستعارة التوسع فى الكلام وما يشمل الكناية

(٣) تبع فى هذا الراغب. وقد وقع فى نحوه الزمخشرى ، وهجن فعله بأنه لا يليق بحضرة الرسالة. وانظر المرجع السابق

(٤) هو عطف على قوله : «على سبيل الاستعارة». وفى ب «التربص» تصحيف.

(٥) اى حسان يهجو ابا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. وانظر الديوان

(٦) ورد هكذا فى القاموس. وفى الشرح : «هكذا فى النسخ. والذى فى المحكم : أزناه : نسبه الى الزنى»

١٣٨

أو رضى بيسير منه. والزّهد (١) : الرّضا بالقليل ، قال تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)(٢).

وقد أكثر المشايخ من الكلام فى الزهد ، وكلّ أشار إلى ذوقه ، ونطق عن حاله ومشاهدته.

فقال سفيان الثورىّ : الزّهد : قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباءة. وقيل : الزّهد فى قوله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(٣)

وقال ابن الجلاء : الزهد : هو النّظر إلى الدّنيا بعين الزّوال لتصغر فى عينيك ، فيتسهّل عليك الإعراض عنها.

وقال ابن خفيف رحمه‌الله : علامة الزهد وجود الراحة فى الخروج من الملك. وقال أيضا : هو سلوّ القلب عن الأسباب ، ونفض الأيدى عن الأملاك. وقيل : هو عزوف القلب عن الدنيا بلا تكلّف.

وقال الجنيد : هو خلوّ القلب عمّا خلت منه اليد.

وقال عبد الواحد بن زيد : ترك الدّينار والدّرهم.

وقال أبو سليمان الدّارانى : ترك ما شغل عن الله تعالى.

وقال الإمام أحمد : الزّهد على ثلاث درجات : ترك الحرام ، وهو زهد العوامّ. وترك الفضول من الحلال ، وهو زهد الخواصّ. والثالث (٤) : ترك ما شغل عن الله ، وهو زهد العارفين.

__________________

(١) الكلام على الزهد من هنا الى آخر الفصل آخر فى ب وجعل فى آخر باب الزاء فى بصيرة مستقلة

(٢) الآية ٢٠ سورة يوسف

(٣) الآية ٢٣ سورة الحديد

(٤) ا ، ب : «ثالث» والمناسب ما أثبت.

١٣٩

وهذا الكلام من الإمام يأتى على جميع ما تقدّم من كلام المشايخ. ومتعلّقه ستة أشياء لا يستحق العبد اسم الزّهد حتّى يزهد فيها ، وهى : المال ، والصّورة (١) ، والرّئاسة ، والناس ، والنفس ، وكلّ ما دون الله تعالى. وليس المراد رفضها من الملك ؛ فقد كان سليمان وداود ـ عليهما‌السلام ـ أزهدى أهل زمانهما ، ولهما من المال والنّساء والملك ما لهما. وكان نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أزهد البشر على الإطلاق ، وكان له تسع نسوة. وكان عثمان وعلى وزبير وابن عوف من الزّهّاد ، مع ما لهم من الأموال ، وكذلك الحسن بن على. ثم من السّلف عبد الله بن المبارك ، والليث بن سعد ، وسفيان ، كانوا من الزّهّاد مع مال كثير.

ومن أحسن ما قيل فى الزهد كلام الحسن : ليس الزّهد فى الدنيا بتحريم الحلال ، وإضاعة المال ، ولكن أن تكون بما فى يد الله أوثق منك بما فى يدك ، وأن تكون فى ثواب المصيبة إذا أصبت بها ، أرغب منك فيها لو لم تصبك.

وقد اختلف الناس فى الزهد ، هل هو ممكن فى هذه الأزمنة أم (٢) لا؟ فقال ابن (٣) حفص : الزهد لا يكون إلّا فى الحلال ، ولا حلال فى الدّنيا. وخالفه النّاس ، وقالوا : الحلال موجود ، والحرام كثير. وعلى تقدير ألّا يكون فيها الحلال يكون هذا أدعى إلى الزهد فيها ، وتناوله منها يكون كتناول المضطر للميتة والدّم ولحم الخنزير.

__________________

(١) كأنه يريد بالصورة خلقه وحسنه ، أو هى المظهر فى كل شىء

(٢) كذا ، والأولى : «أو»

(٣) فى الرسالة ٧٣ : «أبو حفص»

١٤٠