بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

وقوله تعالى : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ)(١) ، قيل : هو جمع ساق ، نحو لابة (٢) ولوب ، وقارة (٣) وقور. ورجل أسوق ، وامرأة سوقاء : بيّن (٤) السّوق : عظيم السّاق. والسوق م (٥) والجمع : أسواق.

والوسيقة والسّيّقة : الطريدة الّتى (٦) يطردها (٧) من إبل الحىّ. قال (٨) :

وما النّاس إلّا مثل سيّقة العدا

إن استقدمت نحر وإن جبأت عقر

جبأت : خنست (٩) ، وجبأت : توارت ، وجبأت عينى عنه : نبت. والمرء سيّقة القدر : يسوقه إلى ما قدّر له. قال :

وما النّاس فى شىء من الدّهر والمنى

وما الناس إلّا سيّقات المقادر (١٠)

__________________

(١) الآية ٢٩ سورة الفتح.

(٢) اللابة : الحرة ، وهى أرض ذات حجارة سود.

(٣) القارة : من معانيها الجبيل الصغير المنقطع عن الجبال.

(٤) هذا الوصف راجع الى (أسوق) وكذا (عظيم الساق). وفى الراغب : «بينة السوق عظيمة الساق» ، وهو راجع الى (سوقاء).

(٥) أى معروف. وهو اصطلاحه فى القاموس. وفى الراغب : أنه الموضع الذى يجلب اليه المتاع للبيع.

(٦) سقط فى ب.

(٧) أى يطردها العدو.

(٨) أى نصيب بن رياح ، كما فى التاج.

(٩) أى تأخرت.

(١٠) أنشده فى الأساس من غير عزو.

٢٨١

٤٩ ـ بصيرة فى سول وسيل وسوم

السّول (١) : الحاجة الّتى تحرص عليها النّفس ، قال تعالى : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)(٢).

والتّسويل : تزيين النّفس لما تحرص عليه ، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن ، (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ)(٣). وقيل : السّول فى معنى الأمنيّة ، غير أنّ الأمنيّة فيما قدّر ، والسول فيما طلب.

وسال الشىء يسيل : جرى. وأساله : أجراه ، قال تعالى : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)(٤) : أذبناه له. والإسالة فى الحقيقة حالة فى القطر تحصل بعد الإذابة.

والسّيل : أصله مصدر ، وجعل اسما للماء الذى يأتيك ولم يصبك مطره.

والسّوم : أصله الذهاب فى ابتغاء الشىء ، فهو لمعنى مركّب من الذهاب والابتغاء للشىء ، فأجرى مجرى الذهاب فى قولهم : سامت الإبل فهى سائمة ، ومجرى الابتغاء فى قولهم : سمته كذا ، قال الله تعالى : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ)(٥). وقيل : سيم الخسف فهو يسام الخسف. ومنه السّوم فى

__________________

(١) السول بالواو بدلا من الهمزة. وكان الأولى الا يذكر هنا ، وقد سبق له فى أول الباب.

(٢) الآية ٣٦ سورة طه وقراءة (سولك) بالواو تنسب الى أبى جعفر وآخرين كما فى الاتحاف.

(٣) الآية ٢٥ سورة محمد.

(٤) الآية ١٢ سورة سبأ.

(٥) الآية ٤٩ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخرى.

٢٨٢

البيع ، فقيل : صاحب السّلعة أحقّ بالسّوم. وقيل : سمت الإبل فى المرعى ، وأسمتها وسوّمتها. قال تعالى : / (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ)(١)

والسّيمى والسيماء والسّيمياء : العلامة ، وقد سوّمته أى أعلمته. وقوله تعالى : (مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(٢) بكسر الواو أى معلمين لأنفسهم أو لخيولهم ، أو مرسلين [لها] ، لما فى الحديث : «تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت».

__________________

(١) الآية ١٠ سورة النحل.

(٢) الآية ١٢٥ سورة آل عمران.

٢٨٣

٥٠ ـ بصيرة فى سام وسين وسوى

السآمة : الملالة ممّا يطول لبثه ، فعلا كان أو انفعالا ، قال تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ)(١).

(مِنْ طُورِ سَيْناءَ)(٢) قرئ بفتح (٣) السّين وكسرها (٤). والألف فى (سَيْناءَ) بالفتح ليس إلّا للتأنيث ، لأنّه ليس فى كلامهم فعلال. وفى (سِيناء) بالكسر يصحّ [أن تكون (٥)] الألف فيه كالألف فى علباء وحرباء ، [وأن تكون الألف للإلحاق بسرواح (٦)]. وقيل طور سينين (٧).

والمساواة : المعادلة. واستوى الشيئان ، وتساويا ، وساوى أحدهما صاحبه. وساوى بين الشيئين ، وسوّى بينهما ، وساويت هذا بهذا وسوّيته به. قال الرّاعى :

بجرد عليهنّ الأجلّة سوّيت

بضيف الشتاء والبنين الأصاغر (٨)

__________________

(١) الآية ٤٩ سورة فصلت

(٢) الآية ٢٠ سورة المؤمنين

(٣) قرأ بالكسر نافع وابن كثير وأبو جعفر ، وقرأ الباقون بالفتح ، كما فى الأتحاف.

(٤) زيادة من الراغب ، ووزن سيناء على الأول فعلاء كوزن علباء ، وهو عصب العنق. والوزن على الثانى فيعال. وقوله : كسرواح ، كأنه محرف عن صرواح ، وهو قصر قديم باليمن يزعمون أن الجن بنته لبلقيس ، أو عن سرداح ، والأولى أن تكون للالحاق بديماس كما فى البيضاوى ، وعلى كلا الوجهين لا تكون الألف للتأنيث ويكون منع الصرف للعلمية والتأنيث. والحق أن الكلمة أعجمية ، ولا يقال أن الألف للتأنيث أو الالحاق ، ومنع الصرف فيه للعلمية والعجمة.

(٥) ورد هكذا فى الآية ٢ سورة التين.

(٦) يريد بالجرد خيلا قصيرة الشعر رقيقته ، والأجلة : جمع جلال : جمع جل ، وهو كالثوب يوضع على الدابة توقى به من البرد ، فالأجلة جمع الجمع.

٢٨٤

أى يصونها صيانة الضيوف والأطفال. وسوّيت المعوجّ فاستوى.

واستوى يقال على وجهين :

أحدهما : يسند إلى فاعلين فصاعدا ، نحو استوى زيد وعمرو فى كذا ، أى تساويا.

والثّانى : أن يقال لاعتدال الشىء فى ذاته ، نحو قوله تعالى : (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى)(١).

ومتى عدّى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٢) ، وقيل : استوى له ما فى السّماوات وما فى الأرض بتسويته تعالى إيّاه ، كقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَ)(٣). وقيل معناه : استوى كلّ شىء فى النسبة إليه ، فلا شىء أقرب إليه من شىء ؛ إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالّة فى مكان دون مكان. وإذا عدّى بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه ، إمّا بالذّات ، وإمّا فى الرّفعة ، أو فى الصّفة.

وقوله : (خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ)(٤) ، أى جعل خلقك على ما اقتضت الحكمة. وقوله : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها)(٥) إشارة إلى القوى التى جعلها مقوّية للنفس فنسب الفعل إليها ، ولا شك أنّ الفعل كما يصحّ أن ينسب إلى الفاعل يصحّ أن ينسب إلى الآلة وسائر ما تفتقر إليه ؛ نحو سيف قاطع. وهذا

__________________

(١) الآية ٦ سورة النجم

(٢) الآية ٥ سورة طه

(٣) الآية ٢٩ سورة البقرة

(٤) الآية ٧ سورة الانفطار

(٥) الآية ٧ سورة الشمس

٢٨٥

الوجه أولى من قول من قال : أراد (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) يعنى الله تعالى ، فإنّ (ما) لا يعبّر به عن الله تعالى ؛ إذ هو موضوع للجنس ولم يرد به سمع يصحّ.

وقوله : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)(١) فالفعل منسوب إلى الله تعالى. وقوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها)(٢) ، فتسويتها تتضمّن بناءها وتزيينها المذكور فى قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا)(٣).

والسّوىّ يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط ، من حيث العدد والكيفيّة. ورجل سوىّ : استوى أخلاقه وخليقته عن الإفراط والتفريط. وقوله : (قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ)(٤) ، قيل : يجعل كفّه كخف الجمل لا أصابع له ، وقيل : بل يجعل أصابعه كلها على قدر واحد ، حتى لا ينتفع بها ، وذلك أنّ الحكمة فى كون الأصابع متفاوتة فى القدر والهيئة ظاهرة ؛ إذ كان تعاونها على القبض أن تكون كذلك.

وقوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها)(٥) أى سوّى بلادهم بالأرض ، نحو : (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٦). وقيل : سوّى بلادهم بهم ، نحو قوله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ)(٧) ، وذلك إشارة إلى ما قال عن الكفار : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)(٨).

__________________

(١) الآية ٢ سورة الأعلى

(٢) الآية ٢٨ سورة النازعات

(٣) الآية ٦ سورة الصافات

(٤) الآية ٤ سورة القيامة

(٥) الآية ١٤ سورة الشمس.

(٦) الآية ٤٢ سورة الكهف ، والآية ٤٥ سورة الحج

(٧) الآية ٤٢ سورة النساء.

(٨) الآية ٤٠ سورة النبأ

٢٨٦

ومكان سوى وسواء : وسط. وقيل : سواء ، وسوى ، وسوى ، أى يستوى طرفاه. ويستعمل ذلك وصفا وظرفا ، وأصل ذلك مصدر.

وقوله : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)(١) ، أى عدل من الحكم. وقوله : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(٢) أى يستوى الأمران فى أنهما لا يغنيان.

وقد يستعمل سوى وسواء بمعنى غير ، قال (٣) :

* فلم يبق منها سوى هامد*

وقال (٤) :

* وما قصدت من أهلها لسوائكا*

وعندى رجل سواك ، أى مكانك وبدلك.

والسّىّ : المساوى ، مثل عدل ومعادل ، تقول : سيّان زيد وعمرو. وأسواء : جمع سىّ ، مثل نقض وأنقاض ، يقال : قوم أسواء ، أى مستوون. والمساواة متعارفة فى المثمنات ، يقال : هذا الثّوب يساوى كذا ، وأصله من ساواه فى القدر.

__________________

(١) الآية ٥٨ سورة الأنفال.

(٢) الآية ٢١ سورة ابراهيم.

(٣) أى أبو ذؤيب الهذلى. وعجزه : * وسفع الخدود معا والنؤى* وانظر ديوان الهذليين ١ / ٦٦.

(٤) أى الأعشى. وصدره : * تجانف عن أهل اليمامة ناقتى*

٢٨٧

٥١ ـ بصيرة فى السوء

وهو كلّ ما يغمّ الإنسان من أمور الدّارين ، ومن الأحوال النفسيّة والبدنيّة والخارجة : من فوات مال ، وفقد حميم.

وقوله تعالى : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)(١) أى غير آفة بها وفسّر بالبرص ، وذلك بعض الآفات التى تعرض لليد.

وعبّر بالسوأى عن كلّ ما يقبح ، ولذلك قوبل بالحسنى ، قال : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى)(٢) ، أى عاقبة الّذين أشركوا النّار ، كما قال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى)(٣).

والسّيّئة : الفعلة القبيحة ، وهى ضدّ الحسنة ، وأصلها سيوئة ، فقلبت الواو ياء ثمّ أدغمت فقيل سيّئ. وأفعال سيّئة. وفلان يحبط الحسنى بالسوأى ، وقد ساء عمله.

والحسنة والسّيّئة ضربان :

أحدهما بحسب اعتبار العقل والشّرع ، نحو المذكور فى قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها)(٤).

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة طه ، والآية ٣١ سورة القصص

(٢) الآية ١٠ سورة الروم

(٣) الآية ٢٦ سورة يونس

(٤) الآية ١٦٠ سورة الأنعام

٢٨٨

والثانى : بحسب اعتبار الطبع ، وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله ، نحو قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ)(١) ، وقوله : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ)(٢) ، أى مكان الجدب والسنة (٣) الخصب والحيا. (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ)(٤) ، أى يطلبون العذاب. وقوله : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ)(٥) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالضّمّ ، يعنى الهزيمة والشرّ. وقرأ الباقون بالفتح ، وهو من المساءة ، أى ما يسوءهم فى العاقبة.

وقوله : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا)(٦) ، فساء هاهنا تجرى مجرى بئس. وقوله : (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٧) ، نسب ذلك إلى الوجه من حيث إنّه يبدو فى الوجه أثر السّرور والغمّ. وقوله : (سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً)(٨) : حلّ بهم ما يسوءهم.

وكنى عن الفرج وعن العورة بالسّوءة ، قال : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)(٩) ، وقال : (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما)(١٠).

واستاء من السّوء افتعل منه ؛ كما تقول من الغم : اغتمّ. وفى حديث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رجلا قصّ عليه رؤيا فاستاء لها ، ثمّ قال : «خلافة نبوّة ، ثمّ يؤتى الله الملك من يشاء».

__________________

(١) الآية ١٣١ سورة الأعراف

(٢) الآية ٩٥ سورة الأعراف

(٣) السنة هنا الجدب ، فالعطف للتفسير.

(٤) الآية ٦ سورة الرعد

(٥) الآية ٩٨ سورة التوبة

(٦) الآية ١٧٧ سورة الأعراف

(٧) الآية ٢٧ سورة الملك

(٨) الآية ٧٧ سورة هود

(٩) الآية ٣١ سورة المائدة

(١٠) الآية ١٢١ سورة طه

٢٨٩

الباب الرابع عشر

فى الكلمات المفتتحة بحرف الشّين

وهى : الشين ، والشبه ، والشت ، والشتاء ، والشجر ، والشحّ ، والشحم ، والشّحن ، والشّخص / ، والشدّ ، والشرّ ، والشرب ، والشرح ، والشرد ، والشرط ، والشرع ، والشرف ، والشرق ، والشرك ، والشرى ، والشطر ، والشط ، وشطن ، وشطا ، وشعب ؛ وشعر ، وشغف ، شغل ، شفع ، شفا ، شفق ، شق ، شقو ، شكّ ، شكر ، شكل ، شكو ، شمت ، شمخ ، شمر ، شمس ، شمل ، شمال ، شنأ ، شهب ، شهد ، شهر ، شهق ، شهو ، شوب ، شيب ، شيخ ، شيد ، شور ، شوظ ، شوك ، شيع ، شىء.

٢٩٠

١ ـ بصيرة فى الشين

وترد على وجوه :

الأوّل : من حروف الهجاء ، شجرىّ من مفتح الفم جوار مخرج الجيم ، يذكّر ويؤنّث. شيّنت شينا حسنة وحسنا. وجمعها : أشيان وشين ، وشينات.

الثّانى : الشين فى حساب الجمّل : اسم لعدد الثلاثمائة.

الثالث : الشين الكافية : يختصرون (١) من الشهادة والشراب على الشّين ، كما قال:

سعدت شهدت يا مرعى المساعى

فيا لله من سين وشين

أى من سعادة وشهادة.

الرّابع : الشين المكرّرة ، نحو : عش ، وعشش.

الخامس : الشين المدغمة ، نحو : طشّ ، ورشّ.

السّادس : شين العجز والضّرورة ؛ كما فى أهل الهند وبعض الأطفال يجعلون السّين شينا ، والشين سينا.

__________________

(١) كذا فى الأصلين. والأولى «يقتصرون»

٢٩١

السّابع : فعل مجهول من الشّين ، تقول : شين زيد.

الثامن : الشّين الأصلىّ ، نحو شين : شعر ، وعشر ، وعرش.

التّاسع : الشين المبدلة من كاف خطاب المؤنث ، نحو : بش وعليش ، قال (١) :

فعيناش عيناها وجيدش جيدها

ولكنّ عظم السّاق منش دقيق

العاشر : الشين اللغوىّ. قال الخليل : الشّين : الرّجل الشبق الكثير الوقاع ، وأنشد :

إذا ما العلب (٢) ماه بحاجبيه

فأنت الشّين تفخر بالوقاع

__________________

(١) أى المجنون ، كما قيل. وانظر التاج «كش».

(٢) فى التاج : «الصلب»

٢٩٢

٢ ـ بصيرة فى شبه

الشّبه ، والشّبه ، والشّبيه ، حقيقتها فى المماثلة من جهة الكيفيّة ؛ كاللّون والطّعم ، وكالعدالة والظلم. والأصل فيه هو ألّا يميّز أحد الشيئين عن الآخر ؛ لما بينهما من التشابه ، عينا كان أو معنى. وقوله تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(١) أى يشبه بعضه بعضا ، لونا وطعما وحقيقة ، وقيل : متماثلا فى الكمال والجودة. وقوله : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ)(٢) معناهما متقاربان (٣). قال تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا)(٤) أى تتشابه. ومن قرأ (تَشابَهَ) على لفظ الماضى) جعل لفظه مذكّرا ، و (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)(٥) أى فى الغىّ والجهالة.

وقوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(٦) ، المتشابه من القرآن : ما أشكل تفسيره ؛ لمشابهته غيره : إمّا من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى. وقال الفقهاء : المتشابه : ما لا ينبئ ظاهره عن مراده. وحقيقة ذلك أنّ الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب : محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه ، ومتشابه من وجه. فالمتشابهات فى الجملة ثلاثة أضرب :

__________________

(١) الآية ٢٥ سورة البقرة.

(٢) الآية ٩٩ سورة الأنعام.

(٣) فى الأصلين (يتقاربان) ، وما أثبت عن الراغب.

(٤) الآية ٧٠ سورة البقرة. وهذه القراءة التى أوردها المؤلف قراءة الأعرج ، كما فى البحر المحيط ١ / ٢٥٤. وهى قراءة شاذة. والقراءة التالية هى قراءة العامة.

(٥) الآية ١١٨ سورة البقرة

(٦) الآية ٧ سورة آل عمران

٢٩٣

متشابه من جهة اللفظ فقط ، ومتشابه من جهة المعنى فقط ، ومتشابه من جهتهما.

فالمتشابه من اللّفظ ضربان : أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إمّا من جهة غرابته ؛ نحو : الأب (١) و (يَزِفُّونَ)(٢) ، وإمّا من مشاركة فى اللّفظ ؛ كاليد (٣) والعين (٤).

والثّانى يرجع إلى جملة الكلام المركّب ؛ وذلك ثلاثة أضرب :

ضرب لاختصار الكلام ؛ نحو قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٥).

وضرب لبسط الكلام ، نحو : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٦) ، لأنّه لو قيل : ليس مثله شىء كان أظهر للسّامع.

وضرب لنظم الكلام ، نحو : (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً)(٧) ، تقديره : الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا.

والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله عزوجل ، وأوصاف القيامة. فإنّ تلك الصّفات لا تتصوّر لنا ، إذ كان لا يحصل فى نفوسنا صورة ما لم نحسّه ، أو لم يكن من جنس ما نحسّه.

__________________

(١) فى الآية ٣١ سورة عبس.

(٢) الآية ٩٤ سورة الصافات.

(٣) نطلق اليد على العضو المعروف ، وعلى الجاه والقوة والقدرة ، وتطلق العين على الجارحة المبصرة وعلى عين الماء.

(٤) الآية ٣ سورة النساء.

(٥) الآية ١١ سورة الشورى.

(٦) الآيتان ١ ، ٢ من سورة الكهف.

٢٩٤

والمتشابه من جهة اللّفظ والمعنى خمسة أضرب :

الأوّل : من جهة الكمّيّة ؛ كالعموم والخصوص ، نحو : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(١).

والثّانى : من جهة الكيفيّة ، كالوجوب والندب ، نحو قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٢).

والثالث : من جهة الزّمان ، كالنّاسخ والمنسوخ ، نحو قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(٣).

والرّابع : من جهة المكان والأمور التى نزلت فيها ، نحو قوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها)(٤) ، وقوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ)(٥) ، فإنّ من لا يعرف عادتهم فى الجاهلية يتعذّر عليه معرفة تفسير هذه (٦) الآية.

الخامس : من جهة الشروط التى بها يصحّ الفعل أو يفسد ؛ كشروط الصّلاة والنكاح.

__________________

(١) الآية ٥ سورة التوبة.

(٢) الآية ٣ سورة النساء.

(٣) الآية ١٠٢ سورة آل عمران.

(٤) الآية ١٨٩ سورة البقرة.

(٥) الآية ٣٧ سورة التوبة

(٦) أى آية النسىء وكذا الآية قبلها ، وما فيها من اتيان البيوت من ظهورها ، فقد كان من عادة الأنصار اذا حجوا فرجعوا أن يدخلوا بيوتهم من غير أبوابها ، فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه ، فقيل له فى ذلك فنزلت الآية. وانظر تفسير القرطبى ٢ / ٣٤٦ فأما النسىء فقد قيل. ان العرب فى الجاهلية كانوا اذا احتاجوا الى الحرب فى المحرم جعلوه حلالا وأخروا حرمته الى صفر بدله فهذا معنى النسىء ، وهناك أوجه أخر فى تفسيره ، وانظر تفسير القرطبى ٨ / ١٣٦.

٢٩٥

وهذه الجملة إذا تصوّرت علم أن كلّ ما ذكره المفسّرون لا يخرج عن هذه التّقاسيم ، نحو من قال : المتشابه الم ، وقول قتادة : المحكم الناسخ ، والمتشابه المنسوخ ، وقول الأصمّ : [المحكم حجة (١) ظاهرة. وقول غيرهم :] المحكم ما أجمع على تأويله ، والمتشابه ما اختلف فيه.

ثمّ جميع المتشابهات على ثلاثة أضرب :

ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه ؛ كوقت السّاعة ، وخروج دابّة الأرض ، وكيفيّة الدّابّة ، ونحو ذلك.

وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته ، كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة (٢).

وضرب متردّد بين الأمرين ، نحو أن يختصّ بمعرفة حقيقته بعض الرّاسخين فى العلم ، ويخفى على [من] دونهم ، وهو المشار إليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ فقّهه فى الدّين وعلّمه التّأويل (٣)» ، وقوله لابن عبّاس مثل ذلك. فإذا عرفت هذا الجملة عرفت أنّ الوقف على قوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ)(٤) ووصله بقوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٥)

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) فى الأصلين : «العقلية». وما أثبت عن الراغب

(٣) هذا من دعاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن عباس. وقد ورد فى البخارى فى كتاب العلم. واللفظ فيه : اللهم علمه الكتاب. فأما الرواية التى هنا فهى عند البغوى فى معجم الصحابة ، كما فى شرح القسطلانى ١ / ٢٠٤ من طبعة بولاق. وظاهر قول المؤلف أن هذا القول ليس فى ابن عباس ، وهو فى هذا تابع للراغب.

(٤) الآية ٧ سورة آل عمران

٢٩٦

جائزان ، وأنّ لكلّ واحد منهما وجها ، حسبما دلّ عليه التّفصيل المتقدّم.

وقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً)(١) يعنى ما يشبه بعضه بعضا فى الإحكام ، والحكمة ، واستقامة النّظم.

وقوله : (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(٢) أى مثّل لهم من حسبوه إيّاه.

والشّبه من الجواهر : ما يشبه لونه لون الذّهب.

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة الزمر.

(٢) الآية ١٥٧ سورة النساء

٢٩٧

٣ ـ بصيرة فى الشت والشتاء والشجر

الشتّ : تفريق الشّعب. يقال شتّ جمعهم شتّا وشتاتا. وجاءوا أشتاتا : أى متفرّقين فى النظام. وقوله تعالى : (مِنْ نَباتٍ)(١)(شَتَّى) أى مختلفة الأنواع. وقوله : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)(٢) ، أى هم بخلاف من وصفهم بقوله : (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)(٣).

شتّان : اسم فعل ، يقال : شتّان ما هما ، وشتّان ما بينهما ، إذا أخبرت عن ارتفاع الالتئام بينهما.

شتا وأشتى ، وصاف وأصاف. والمشتى والمشتاة للوقت والموضع.

والشّجر من النّبت : ما له ساق ، يقال : شجرة وشجر ، كثمرة وثمر. وأرض شجراء ، وواد شجير : كثير الشّجر. وهذا الوادى أشجر من ذلك.

والشّجار والمشاجرة والتشاجر : المنازعة. وشجرنى عنه : صرفنى. وشجره بالرّمح : طعنه به ، وفلان من شجرة مباركة : من أصل مبارك.

وقوله تعالى : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ)(٤) ، أصحّ الأقوال فيها أنها النخلة. ومن العرب من يقول : شجرة وشجرة ، فيكسر الشين ويفتح الجيم ، وهى

__________________

(١) الآية ٥٣ سورة طه

(٢) الآية ١٤ سورة الحشر

(٣) الآية ٦٣ سورة الأنفال

(٤) الآية ٢٤ سورة ابراهيم

٢٩٨

لغة بنى سليم. قال تعالى : (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(١) وقال : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ)(٢) ، وقال : (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ)(٣) ، وقال : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٤) ، وقال : (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ)(٥) ، وقال : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ)(٦).

وشجر [الأمر (٧)] بين القوم شجورا : إذا اختلف الأمر بينهم. قال تعالى. (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ)(٨) ، قال الزجّاج : أى وقع من الاختلاف. وقال الأزهرى : فيما أوقع خلافا بينهم.

والشجر : الأمر المختلف ، وما بين اللّحيين عند العنفقة ، وقيل : مجتمع اللّحيين. ومنه : تفقّد فى طهارتك المنشلة (٩) والمغفلة (١٠) والرّوم (١١) والفنيكين (١٢) والشاكل (١٣) والشجر. [والشجر] أيضا : الذقن. ومنه قول عائشة رضى الله عنها : «توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين شجرى ونحرى» هكذا رواه (١٤) الأصمعىّ بالجيم والشين.

__________________

(١) الآية ١٨ سورة الفتح

(٢) الآية ٣٥ سورة النور

(٣) الآية ٧٢ سورة الواقعة

(٤) الآية ٦ سورة الرحمن

(٥) الآية ٥٢ سورة الواقعة

(٦) الآية ٤٣ سورة الدخان

(٧) زيادة من القاموس.

(٨) الآية ٦٥ سورة النساء

(٩) المنشلة : موضع الخاتم من الخنصر

(١٠) المغفلة : العنفقة.

(١١) الروم : شحمة الأذن

(١٢) الفنيكان : العظمان الناشزان أسفل الأذنين بين الصدغ والوجنة.

(١٣) الشاكل : البياض الذى بين الصدغ والأذن

(١٤) والرواية المشهورة «بين سحرى» وتقدم فى مادة سحر.

٢٩٩

٤ ـ بصيرة فى الشح والشحم والشحن والشخص

شحّ به : بخل مع حرص ، قال تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١). والشحّ : ضدّ الإيثار ؛ فإنّ المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه ، والشحيح حريص على ما ليس بيده ، فإذا حصل بيده شحّ وبخل بإخراجه. فالبخل ثمرة الشحّ ، والشحّ يأمر بالبخل ؛ كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إيّاكم والشّحّ فإنّ الشحّ أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا (٢)». فالبخيل : من أجاب داعى الشّحّ ، والمؤثر من أجاب داعى الجود والسّخاء والإحسان. ورجل شحيح ، وقوم أشحّة ، قال تعالى : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ)(٣).

وخطيب شحشح : بليغ.

والشحم معروف ، وجمعه : شحوم. وشحمة الأذن : معلّق القرط. وشحمة الأرض : الكمأة البيضاء ، ودودة بيضاء.

رجل مشحّم : كثير الشّحم ، وشحم : محبّ للشحم ، وشاحم : يطعم أصحابه الشحم ، وشحيم : كثر (٤) على بدنه.

__________________

(١) الآية ٩ سورة الحشر ، والآية ١٦ سورة التغابن.

(٢) ورد فى رياض الصالحين (باب النهى عن البخل والشح) بلفظ : «واتقوا الشح فان الشح أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» وهو فى صحيح مسلم.

(٣) الآية ١٩ سورة الأحزاب

(٤) أى كثر الشحم

٣٠٠