بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

فَضَحِكَتْ)(١) ، وضحكها كان للتّعجّب. ويدل على ذلك قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)(٢)

وقول من قال : حاضت ليس ذلك تفسيرا لقوله : (فَضَحِكَتْ) كما تصوّره بعض المفسّرين فقال : ضحكت بمعنى حاضت ، وإنما ذكر ذلك تنصيصا (٣) بحالها ، فإنّ الله تعالى جعل ذلك أمارة لما بشّرت به ، فحاضت فى الوقت لتعلم أنّ حملها ليس بمنكر ؛ إذ كانت المرأة ما دامت تحيض فإنّها تحبل.

وقد يستعمل الضّحك فى السّرور المجرّد كما فى قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ)(٤).

__________________

(١) الآية ٧١ سورة هود

(٢) الآية ٧٢ سورة هود

(٣) فى الأصلين : «تقصيا» ويبدو أنه محرف عما أثبت ، وهو من الراغب وكأنه ضمن التنصيص معنى التنويه فعداه بالباء.

(٤) الآيتان ٣٨ ، ٣٩ سورة عبس

٤٦١

٣ ـ بصيرة فى ضحى

الضّحو ، والضّحوة ، والضحيّة ـ كعشيّة : ارتفاع النهار. والضحى فويقه. ويذكّر (١) ويصغّر (٢) ضحيّا بلا تاء. والضحاء ـ بالفتح والمدّ ـ إذا كرب (٣) انتصاف النّهار ، و ـ بالضمّ والقصر ـ : الشّمس.

وأتيتك ضحوة ، وضحاء ، وضحيّا ، أى ضحا. وأضحى : صار فيها. وضاحانى (٤) رسولك. قال تعالى (وَأَخْرَجَ ضُحاها)(٥).

وضحى يضحى ـ كرضى يرضى ـ : تعرّض للشّمس ، قال تعالى : (لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(٦) ، أى لك أن تتصوّن من حرّ الشمس.

وضحّى قومه : غدّاهم فتضحّوا ، ودعاهم إلى ضحائه (٧). وضحّى إبله : رعاها ضحاء.

وضاحية كلّ شىء : ناحيته البارزة. وضواحى الإنسان : ما برز منه ، كالكتفين والمنكبين ، ومن الحوض : نواحيه.

وليلة ضحياء وإضحيانة وإضحية : مضيئة. ويوم ضحياة (٨).

__________________

(١) أى ويؤنث أيضا. وحمل تأنيثه على أنه جمع ضحوة ، وتذكيره على أنه اسم على فعل صرد ونغر. وانظر التاج.

(٢) أى فى لغة التأنيث لئلا يلتبس بتصغير ضحوة. فاما على لغة التذكير فالأمر ظاهر.

(٣) أى قرب

(٤) أى أتانى ضحوة

(٥) الآية ٢٩ سورة النازعات

(٦) الآية ١١٩ سورة طه

(٧) أى طعام الضحى

(٨) ورد هكذا فى القاموس. وقال الشارح : «هكذا فى النسخ. والصواب اضحيان بكسر الهمزة ، وآخره نون ، أى مضىء ، لا غيم فيه ، كما هو نص المحكم».

٤٦٢

٤ ـ بصيرة فى ضد

الضّدّان : الشيئان اللذان تحت جنس واحد ، وينافى كلّ واحد منهما الآخر فى أوصافه الخاصّة ، وبينهما أبعد البعد ؛ كالسّواد والبياض ، والخير والشر. وما لم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما الضدّان ؛ كالحلاوة والحركة. قالوا : والضدّ أحد المتقابلات ، فإن المتقابلين هما الشيئان المختلفان اللذان كلّ واحد قبالة الآخر ، ولا يجتمعان فى شىء واحد [فى وقت واحد (١)]. وذلك أربعة أشياء : الضدّان ؛ كالبياض والسّواد ، والمتضايفان ؛ كالضّعف والنصف ، والوجود والعدم ، [و](٢) كالبصر والعمى ، والموجبة والسّالبة فى الأخبار ، نحو : كلّ إنسان هاهنا ، وليس كل إنسان بههنا (٣).

وكثير من المتكلّمين وأهل اللغة يجعلون كلّ ذلك من المتضادّات. ويقولون : الضدّان : ما لا يصحّ اجتماعهما فى محلّ واحد. وقيل : الله تعالى لا ندّ له ولا ضدّ له ؛ لأنّ الندّ هو الاشتراك فى الجوهر ، والضدّ هو أن يعتقب الشّيئان المتنافيان فى (٤) جنس واحد ، والله تعالى منزّه عن أن يكون له جوهر ، فإذا لا ضدّ له ولا ندّ.

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) زيادة من الراغب

(٣) فى الراغب : «هاهنا» وهو أولى لأن (هاهنا) من الظروف المختصة ، فهو منصوب أو مجرور بمن أو الى

(٤) فى الراغب : «على»

٤٦٣

والضّديد بمعنى الضدّ ، والجميع : أضداد ، يقال : / لا ضدّ له ولا ضديد ، أى لا نظير له ولا كفء له. وقال أبو عمرو الضدّ : مثل الشىء ، والضدّ : خلافه : (فسّرا به (١)) من الأضداد.

وقوله تعالى : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)(٢) ، قال الفرّاء : أى عونا فلذلك وحّده. وقال عكرمة : أى أعداء. وقال الأخفش : الضدّ يكون واحدا ويكون جمعا. وقال الأزهرىّ : يعنى الأصنام التى عبدها الكفّار تكون أعوانا على عابديها.

وضادّه ، وهما متضادّان ، أى لا يجوز اجتماعهما فى وقت واحد ، كالليل والنّهار.

__________________

(١) كذا. وقد يكون الأصل : «فسر بهما فهو»

(٢) الآية ٨٢ سورة مريم

٤٦٤

٥ ـ بصيرة فى ضرب

ورد الضّرب فى اللغة والقرآن على وجوه :

الضّرب : الخفيف من المطر. والضّرب : الصفة (١) والصّنف من الأشياء. والضّرب : الرجل الخفيف اللحم. قال طرفة بن العبد.

أنا الرجل الضّرب الذى تعرفوننى

خشاش كرأس الحيّة المتوقّد (٢)

الضّرب الإسراع فى السّير : (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ)(٣) ، (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ)(٤).

الضّرب : الإلزام : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)(٥) ، أى ألزموهما.

الضّرب بالسّيف وباليد : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ)(٦) ، أى بالسّيف ، (وَاضْرِبُوهُنَ)(٧) ، أى باليد.

الضرب : الوصف : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً)(٨) ، أى وصف ، (نَضْرِبُها لِلنَّاسِ)(٩) ، أى نصفها.

__________________

(١) فى الأصلين : «الصيغة» وما أثبت من اللسان والتاج.

(٢) هو من معلقته : والخشاش : الماضى من الرجال.

(٣) الآية : ٢٧٣ سورة البقرة.

(٤) الآية : ٢٠ سورة المزمل.

(٥) الآية : ٦١ سورة البقرة.

(٦) الآية : ١٢ سورة الأنفال.

(٧) الآية : ٣٤ سورة النساء.

(٨) الآية : ٢٤ سورة ابراهيم.

(٩) الآية : ٤٣ سورة العنكبوت والآية ٢١ سورة الحشر.

٤٦٥

الضرب : البيان : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ)(١) ، (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ)(٢) أى بيّنّا.

ويقال : ضرب على يديه : إذا أفسد عليه أمرا أخذ فيه. وضرب القاضى على يده : حجره (٣). وضرب على المكتوب. وضرب الجرح والضّرس : اشتدّ وجعه. وضرب الشىء بالشىء : خلطه.

وقوله تعالى : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ)(٤) أى أنمناهم ، وقيل : منعناهم السّمع ؛ لأنّ النّائم إذا سمع انتبه.

وضرب العرق ضربانا : نبض. ولحى الله زمانا ضرب ضربانه ، حتى سلّط علينا ظربانه (٥).

وضرب خاتما. وضرب اللبن. وضرب مثلا.

وأضرب فى بيته : إذا لم يبرح منه ، وأضرب عن الأمر : عرف عنه. والضريبة : الطبيعة.

وضرب الدّهر بينهم : فرّق. وضربته العقرب : لدغته. وضرب

__________________

(١) الآية : ٢٩ سورة الفرقان.

(٢) الآية : ٤٥ سورة ابراهيم.

(٣) أى منعه التصرف فى ماله. والمشهور فى هذا حجر عليه. وقد تبع صاحب الأساس

(٤) الآية ١١ سورة الكهف

(٥) فى أ : «طيرانه» وفى ب «طيريانه» وما أثبت من الأساس. والظربان : دويبة تشبه الكلب القصير منتنة الريح والفسو.

٤٦٦

مناقب جمّة واضطربها : حازها. وهم ضرباء أى قرناء (١). وأضرب البرد النبات : أفسده. ورأيت ضرب نساء ، أى نساء. قال الراعى :

وضرب نساء لو رآهنّ راهب

له ظلّة فى قلّة ظلّ رانيا (٢)

وضرب الزمان : مضى. قال ذو الرمة :

فإن تضرب الأيّام يا مىّ بيننا

فلا ناشر سرّا ولا متغيّر (٣)

وضرب الدّراهم اعتبارا بضربه بالمطرقة. وضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة. وضرب العود والناى والبوق يكون بالأنفاس.

والمضاربة : ضرب من الشركة. والمضرّبة : ما أكثر بالخياطة ضربه.

والتضريب : التحريض والإغراء ، كأنّه حثّ على الضرب.

والضّرب محركة : العسل.

__________________

(١) فى الأصلين «قرباء» والمناسب ما أثبت فان الضريب : النظير والمثل

(٢) قلة الجبل : أعلاه ، و (رانيا) وصف من رنا : أدام النظر مع شغل قلب وغلبة هوى

(٣) ورد هذا البيت فى الاساس شاهدا على قولهم : ضرب الدهر بيننا : فرقنا ، وكذلك جاء فى اللسان : والبيت فى الديوان ٢٢٥ وفيه «تحدث» فى مكان «تضرب»

٤٦٧

٦ ـ بصيرة فى ضر

ضرّه ضررا وضرّا ، وضرورة وضروراء ، وضاروراء ، وهو سوء الحال ، إمّا فى نفسه ؛ كقلّة العلم والفضل والعفّة ، وإمّا فى بدنه ، كعدم جارحة ونقص ، وإمّا فى حالة ظاهرة من قلّة مال وجاه. والمضرّ بمعناه (١)

وقد ورد فى القرآن واللغة على وجوه :

١ ـ بمعنى البلاء والشدّة : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ)(٢) ، (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ)(٣).

٢ ـ بمعنى الفقر والفاقة : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ)(٤) ، (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ)(٥) ، أى ما قدّر من الفقر.

٣ ـ بمعنى القحط والجدب ، وضيق المعيشة : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ)(٦)(مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ)(٧) ، أراد به قحط المطر.

__________________

(١) كذا فى الأصلين. وقد يكون : «الضر» بضم الضاد.

(٢) الآية ١٧٧ سورة البقرة.

(٣) الآية ١٣٤ سورة آل عمران

(٤) الآية ١٧ سورة الانعام

(٥) الآية ٣٨ سورة الزمر

(٦) الآية ٢١٤ سورة البقرة.

(٧) الآية ٢١ سورة يونس

٤٦٨

٤ ـ بمعنى اختلاف الرّياح والأمواج وخوف الهلاك / : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ)(١).

٥ ـ بمعنى المرض والوجع والعلّة : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ)(٢) ، أى العلّة ، (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ)(٣) ، أى من علّة.

٦ ـ بمعنى [نقص] القدر والمنزلة : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً)(٤) أى لن ينقصوه ، (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ)(٥) : ما ينقصونك.

٧ ـ بمعنى الإيذاء وإيصال المحن ، فى معارضة المنفعة والراحة : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ)(٦) ، (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً)(٧).

٨ ـ بمعنى الجوع والعرى : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ)(٨). وله نظائر.

وقوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً)(٩) تنبيه على قلّة ما ينالهم من جهتهم ، وتأمين من ضرر يلحقهم ، نحو : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)(١٠).

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة الاسراء

(٢) الآية ١٣ سورة يونس

(٣) الآية ٨٤ سورة الأنبياء

(٤) الآيتان ١٧٦ ، ١٧٧ سورة آل عمران ، والآية ٣٢ سورة محمد

(٥) الآية ١١٣ سورة النساء

(٦) الآية ١٣ سورة الحج.

(٧) الآية ١١ سورة الفتح

(٨) الآية ٨٨ سورة يوسف

(٩) الآية ١١١ سورة آل عمران

(١٠) الآية ١٢٠ سورة آل عمران

٤٦٩

وقوله : (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ)(١) إلى قوله : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) ، فالأول يعنى به الضرّ والنفع اللذين بالقصد والإرادة ؛ تنبيها أنّه لا يقصد فى ذلك ضرّا ولا نفعا لكونه جمادا. وفى الثّانى يريد ما يتولّد من الاستعانة به وعبادته ، لا ما يكون منه بقصد.

والضرّاء تقابل بالسّراء والنّعماء ، والضرّ بالنّفع.

ورجل ضرير : كناية عن فاقد البصر. والضّرير : المضارّ.

(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)(٢) ، يجوز أن يكون مسندا إلى الفاعل ، كأنّه قال : لا يضارر ، وأن يكون مسندا إلى المفعول ، أى لا يضارر بأن يشغل عن صنعته ومعاشه باستدعاء شهادته.

وقوله : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها)(٣) ، فإذا قرئ بالرّفع (٤) فلفظه خبر ومعناه أمر ، وإذا فتح (٥) فأمر.

والاضطرار : حمل الإنسان على ما يضرّ. وهو فى التعارف : حمل (٦) على أمر يكرهه ، وذلك على ضربين : أحدهما اضطرار بسبب خارج كمن يضرب أو يهدّد حتى ينقاد ، أو يؤخذ قهرا فيحمل على ذلك ؛ كما

__________________

(١) الآية ١٢ سورة الحج.

(٢) الآية ٢٨٢ سورة البقرة.

(٣) الآية ٢٣٣ سورة البقرة.

(٤) الرفع قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب ، والفتح قراءة الباقين.

(٥) كذا. والأولى : «حمله».

٤٧٠

قال تعالى : (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ)(١). والثانى بسبب داخل ، وذلك إمّا بقهر قوّة لا يناله بدفعها هلاك ؛ كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار ، وإمّا بقهر قوّة يناله بدفعها الهلاك ؛ كمن اشتدّ به الجوع فاضطرّ إلى أكل ميتة ، وعلى هذا : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ)(٢).

وقوله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ)(٣) هو عامّ فى كلّ ذلك.

__________________

(١) الآية ١٢٦ سورة البقرة

(٢) الآية ١٧٣ سورة البقرة ، والآية ١٤٥ سورة الأنعام ، والآية ١١٥ سورة النحل.

(٣) الآية ٦٢ سورة النمل

٤٧١

٧ ـ بصيرة فى ضرع

الضّرع لكلّ ذات ظلف أو خفّ. اللّيث : الضرع للشّاة والبقرة ونحوهما ، وللنّاقة خلف.

أبو زيد : الضّرع جماع. وفيه الأطباء وهى الأخلاف ، واحدها طبى وخلف. وفى الأطباء الأحاليل ، وهى خروق اللبن.

ابن دريد : الضرع : ضرع الشاة. والجمع : ضروع. وشاة ضرعاء : عظيمة الضّرع.

والضّريع : نبات أخضر منتن الرّيح ، يرمى به البحر.

وقال أبو الجوزاء : الضّرّيع : السّلّاء. وجاء فى التفسير أنّ الكفّار قالوا : إنّ الضّريع لتسمن عليه إبلنا ، قال الله تعالى : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)(١).

وقال ابن الأعرابىّ : الضريع : العوسج الرّطب. فإذا جفّ فهو عوسج. فإذا زاد فهو الخزيز.

ابن عبّاد : الضريع : يبيس كلّ شجر. قال : والضريع : الشراب الرّقيق.

الليث : الضّريع : الجلدة التى على العظم تحت اللحم من الضّلع. قال :

__________________

(١) الآية ٧ سورة الغاشية.

٤٧٢

والضّريع : نبت فى الماء الآجن (١) ، له عروق لا تصل إلى الأرض. وقال غيره : الضّريع الخمر.

ويقال للرّجل إذا استكان وخضع وذلّ : ضرع وضرع ، وضرع ضرعا وضراعة. وقوم ضرع.

وتضرّع إلى الله تعالى : ابتهل وأظهر الضّراعة. الفرّاء : جاء فلان يتضرّع / ويتعرّض ، بمعنى واحد : إذا جاء يطلب إليك الحاجة.

وقوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)(٢) ، أى يتذلّلون فى دعائهم إيّاه. والدّعاء تضرّع ؛ لأنّ فيه تذلّل الرّاغبين. وقوله تعالى : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)(٣) ، أى مظهرين الضّراعة ، وهى شدّة الفقر إلى الله تعالى ، وحقيقته الخشوع. و (خُفْيَةً) ، أى تخفون فى أنفسكم مثل ما تظهرون.

وتضرّع الظلّ : قلص. وتضرّع : تقرّب فى روغان كضرّع تضريعا.

والمضارعة المشابهة ، وأصلها التشارك ؛ نحو المراضعة وهو التشارك فى الرضاعة ثمّ جرّد للمشاركة.

__________________

(١) هو الذى تغير الا أنه يشرب.

(٢) الآية ٤٢ سورة الأنعام.

(٣) الآية ٦٣ سورة الأنعام.

٤٧٣

٨ ـ بصيرة فى ضعف

الضّعف والضعف : خلاف القوّة. وقد ضعف وضعف ـ الفتح عن يونس ـ فهو ضعيف. وقوم ضعاف وضعفاء وضعفة. وفرّق بعضهم بين الضّعف والضعف فقال : [الضعف] ـ بالفتح ـ فى العقل والرأى ، والضّعف بضمّ ـ فى الجسد. ورجل ضعوف ، أى ضعيف. وكذلك امرأة ضعوف.

وقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ)(١) أى من منىّ. وقوله تعالى. (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٢) ، أى يستميله هواه.

وقال ابن عرفة : ذهب أبو عبيدة إلى أن الضّعفين اثنان (٣) ، وهذا قول لا أحبّه ؛ لأنّه قال الله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ)(٤) ، وقال فى آية أخرى : (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ)(٥) فأعلم أن لها من هذا حظّين.

وقوله تعالى : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ)(٦) ، أى لو ركنت إليهم فيما استدعوه منك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات ؛ لأنّك نبىّ يضاعف لك العذاب على غيرك ، وليس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نقص فى هذا الخطاب ولا وعيد ، ولكن ذكّره الله تعالى منّته بالتثبيت بالنبوّة.

__________________

(١) الآية ٥٤ سورة الروم.

(٢) الآية ٢٨ سورة النساء.

(٣) يريد اثنين مضافين الى الشىء ، فيكون المجموع ثلاثة. وبذلك يستقيم الرد عليه الآتى.

(٤) الآية ٣٠ سورة الأحزاب.

(٥) الآية ٣١ سورة الأحزاب.

(٦) الآية ٧٥ سورة الاسراء.

٤٧٤

وقوله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا)(١) قال أبو بكر : أراد المضاعفة ، فألزم الضّعف التّوحيد ؛ لأنّ المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع. قال : والعرب تتكلم بالضّعف مثنىّ فيقولون : إن أعطيتنى درهما فلك ضعفاه (٢) ، يريدون مثليه. قال : وإفراده لا بأس به ، إلّا أن التثنية أحسن.

وقال أبو عبيدة (٣) : ضعف الشيء مثله. وضعفاه مثلاه. وقال فى قوله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ)(٤) : يجعل العذاب ثلاثة أعذبة ، قال : ومجاز يضاعف : يجعل إلى الشىء شيئان حتى يصير ثلاثة.

وقال الأزهرىّ : الضّعف فى كلام العرب : المثل إلى ما زاد ، وليس بمقصور على المثلين. فيكون ما قال أبو عبيدة صوابا ، بل جائز فى كلام العرب أن تقول : هذا ضعفه أى مثلاه وثلاثة أمثاله ؛ لأنّ الضعف فى الأصل [زيادة (٥)] غير محصورة ، ألا ترى إلى قوله عزوجل : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا)(٦) لم يرد مثلا ولا مثلين ، ولكنّه أراد بالضعف الأضعاف. قال : وأولى الأشياء فيه أن يجعل عشرة أمثاله كقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٧) ، الآية فأقلّ الضعف محصور وهو المثل ، وأكثره غير محصور.

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة سبأ.

(٢) فى الأصلين : «ضعفه» وما أثبت من اللسان.

(٣) فى اللسان والتاج : «أبو عبيد». وكذا فى تعليق الأزهرى الآتى : «أبو عبيد».

(٤) الآية ٣٠ سورة الأحزاب.

(٥) زيادة من اللسان.

(٦) الآية ٣٧ سورة سبأ.

(٧) الآية ١٦٠ سورة الأنعام.

٤٧٥

ورجل مضعوف على غير قياس ، والقياس مضعف. وحمير تسمّى المكفوف ضعيفا ، وقيل فى قوله تعالى : (إِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً)(١) أى ضريرا.

وأضعاف البدن : أعضاؤه. وأضعفه : جعله ضعفين. واستضعفه : عدّه ضعيفا. قال الله تبارك وتعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ)(٢). وتضعّفه بمعناه. ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أنبّئك بأهل الجنّة. كلّ ضعيف متضعّف ذى طمرين (٣) لا يؤبه به ، لو أقسم على الله لأبرّه». وضاعفه أى أضعفه من الضّعف ، قال الله تعالى : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)(٤).

وقال الراغب استضعفته : وجدته ضعيفا. وقوبل بالاستكبار : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا)(٥).

وقوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً)(٦) ، فالثانى غير الأوّل ، وكذا الثالث. فانّ قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أى من نطفة أو تراب. والثانى : هو الضّعف الموجود فى الجنين والطّفل. والثالث : الذى بعد الشيخوخة وهو المشار إليه بأرذل العمر. والقوّتان : الأولى : هى التى تجعل للطفل من التحرك وهدايته

__________________

(١) الآية ٩١ سورة هود ، وقد ذكر البيضاوى التفسير بالأعمى وقال : «وهو مع عدم مناسبته يرده التقييد بالظرف» وفى الشهاب ٥ / ١٣٠ : «ووجه عدم مناسبته أن التقييد بقوله : (فِينا) يصير لغوا ، لأن من كان أعمى يكون أعمى فيهم وفى غيرهم».

(٢) الآية ٩٨ سورة النساء.

(٣) الطمر : الثوب الخلق البالى.

(٤) الآية ٢٤٥ سورة البقرة.

(٥) الآية ٣١ سورة سبأ.

(٦) الآية ٥٤ سورة الروم.

٤٧٦

لاستدعاء اللبن ، ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء. والقوّة الثانية : التى بعد البلوغ. ويدل على أنّ كلّ واحد من قوله : (ضَعْفٍ) إشارة إلى حالة غير الحالة الأولى ذكره منكّرا ، والمنكّر متى أعيد ذكره وأريد به ما تقدّم عرّف ، كقولك : رأيت رجلا فقال لى الرّجل ، ومتى ذكر ثانيا منكّرا أريد به غير الأوّل ، ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(١) : لن يغلب عسر يسرين

وقوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٢) فضعفه كثرة حاجاته التى يستغنى عنها الملأ الأعلى. وقوله : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً)(٣) فضعف كيده إنما هو مع (من صار) من (٤) عباد الله المذكورين فى قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ).

والضّعف من الأسماء المتضايفة التى يقتضى وجود أحدهما وجود الآخر ؛ كالنصف والزوج ، وهو تركّب قدرين متساويين ، ويختصّ بالعدد. فإذا قيل : أضعفت الشىء وضعّفته وضاعفته : ضممت إليه مثله فصاعدا. وقال بعضهم : ضاعفت أبلغ من ضعّفت ، ولهذا قرأ أكثرهم (يُضاعَف) قال تعالى : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها)(٥) ، ومن قال : ضعفته بالتخفيف

__________________

(١) الآيتان ٥ ، ٦ سورة الشرح.

(٢) الآية ٢٨ سورة النساء.

(٣) الآية ٧٦ سورة النساء.

(٤) سقط ما بين القوسين فى ب. وما أثبت من أ ، وفيه (صدره) بدر (صار) والتصحيح من الراغب.

(٥) الآية ٤٠ سورة النساء.

٤٧٧

ضعفا فهو مضعوف قال : الضّعف مصدر ، والضّعف اسم ، كالثّنى والثّنى. فضعف الشيء هو الذى تثنيه. ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد مثله ، نحو أن يقال : ضعف العشرة ، وضعف مائة ، فذلك (١) عشرون ومائتان بلا خلاف. وعلى هذا قال : (٢)

جزيتك ضعف الودّ لمّا اشتكيته

وما إن جزاك الضّعف من أحد قبلى

وإذا قيل : أعطه ضعفى واحد اقتضى ذلك ومثليه ، وذلك ثلاثة ، لأنّ معناه الواحد واللذان يزاوجانه ، وذلك ثلاثة. هذا إذا كان الضّعف مضافا ، ((٣) [فأما إذا لم يكن مضافا (٤)] فقلت : الضعفين ، فإنّ ذلك قد يجرى مجرى الزّوجين فى أنّ كلّ واحد منهما يزاوج الآخر ، فيقتضى ذلك اثنين ؛ لأن كلّ واحد منهما يضاعف الآخر ، فلا يخرجان عن الاثنين ، بخلاف ما إذا أضيف الضعفان إلى واحد فيثلثهما (٥) نحو ضعفى الواحد) (٦).

وقوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً)(٧) ، قيل : أتى باللفظين على التأكيد ، وقيل : بل المضاعفة من الضّعف لا من الضّعف ، والمعنى :

__________________

(١) ب : «يقتضى».

(٢) أى أبو ذؤيب الهذلى. وانظر ديوان الهذليين ١ / ٣٥.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٤) ما بين القوسين المعقوفين زيادة من الراغب.

(٥) أى يكملها ثلاثة.

(٦) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٧) الآية ١٣٠ من سورة آل عمران.

٤٧٨

ما تعدّونه ضعفا هو ضعف أى نقص ، كقوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ)(١)

وقوله : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ)(٢) فإنّهم سألوه أن يعذّبهم عذابا بضلالهم وعذابا بإضلالهم ، كما أشار بقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٣).

وقوله : (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ)(٤) ، أى لكل منهم ضعف ما لكم من العذاب. وقيل : أى لكل منكم ومنهم ضعف ما يرى الآخر فإن من العذاب ظاهرا وباطنا ، وكلّ يدرك من الآخر الظاهر دون الباطن ، فيقدّر أن ليس له العذاب الباطن.

قال المتنبّى فى لفظ الضعف (٥) :

ولست بدون يرتجى الغيث دونه

ولا منتهى الجود الذى خلفه خلف

ولا واحدا فى ذا الورى من جماعة

ولا البعض من كلّ ولكنّك الضّعف

ولا الضّعف حتى يتبع الضّعف ضعفه

ولا ضعف ضعف الضّعف بل مثله ألف

__________________

(١) الآية ٢٧٦ سورة البقرة.

(٢) الآية ٣٨ سورة الأعراف.

(٣) الآية ٢٥ سورة النحل.

(٤) الآية ٣٨ سورة الأعراف.

(٥) من قصيدة يمدح فيها أبا الفرج أحمد بن الحسين القاضى.

٤٧٩

٩ ـ بصيرة فى ضغث وضغن

ضربه بضغث ، أى بقبضة من قضبان صغار أو حشيش بعضه فى بعض. وضغّثه : جعله أضغاثا.

وقوله تعالى : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ)(١) هى ما التبس منها ولم يتبيّن حقائقها. وضغث الحديث : خلطه.

والضّغن والضغن والضغينة : الحقد. وقد ضغن كفرح. وتضاغنوا واضطغنوا : انطووا على الأحقاد. وبينهم أضغان وضغائن. وهو ضغن علىّ ومضطغن ومضاغن إلىّ.

وناقة ذات ضغن : تنزع إلى وطنها. وامرأة ذات ضغن : تحبّ غير زوجها. قال الرّاعى :

وصدّ ذوات الضّغن عنىّ وقد أرى

كلامى تهواه النساء الطوامح

وقناة ذات ضغن : فيها عوج ، قال :

إنّ قناتى من صليبات القنا

ما زادها التثقيف إلا ضغنا

__________________

(١) الآية ٤٤ سورة يوسف.

٤٨٠