بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

١٦ ـ بصيرة فى صفح

نظر إليه بصفح وجهه ، وبصفح وجهه. وضربته على صفحه وصفحته : على جنبه. وجلا صفحتى السّيف ، وكتب فى صفحتى الورقة.

وتصفّح الشىء : تأمّله ، ونظر فى صفحاته. وتصفّح القوم : نظر فى أحوالهم ، ونظر فى خلالهم (١) هل يرى فلانا.

وصفحت عنه : أعرضت عن ذنبه وعن تثريبه. وهو أبلغ من العفو ، (وقد (٢)) يعفو الإنسان ولا يصفح. وصفحت عنه : أوليته صفحة جميلة.

وقوله تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ)(٣) أمر للنّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخفّف على نفسه كفر من كفر ؛ كما قال : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)(٤).

ومن المجاز قوله تعالى : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً)(٥). وقوله : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(٦) أمر للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتّجاوز عن جنايات المؤمنين.

__________________

(١) فى الأصلين : «أخلالهم» ويصح على أنه جمع خلل. وما أثبت من الأساس.

(٢) كذا. والأسوغ ، فقد.

(٣) الآية ٨٩ سورة الزخرف.

(٤) الآية ٨٨ سورة الحجر.

(٥) الآية ٥ سورة الزخرف.

(٦) الآية ٨٥ سورة الحجر.

٤٢١

وقوله : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا)(١) إشارة إلى الآباء والأزواج بالعفو عن الأولاد والعيال.

وقوله تعالى : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)(٢) إشارة إلى أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنه بالتجاوز عن ذنب مسطح بن أثاثة فيما أخطأ من الخوض فى حديث الإفك.

__________________

(١) الآية ١٤ سورة التغابن.

(٢) الآية ٢٢ سورة النور.

٤٢٢

١٧ ـ بصيرة فى صفد

الصّفاد ـ ككتاب ـ : القيد والغلّ. وكذلك الصّفد بالتحريك ، ويجمع على أصفدة وصفد وأصفاد ، قال تعالى : (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ)(١). وصفده يصفده صفدا ، وصفّده تصفيدا : شدّه وأوثقه. وأصفده بمعناه.

والصفد والإصفاد : العطاء اعتبارا بما قيل : أنا مغلول أياديك ، وأسير عطاياك. قال الأعشى يمدح هوذة بن علىّ ويهجو الحارث بن وعلة :

وإنّ امرأ قد زرته قبل هذه

بجوّ لخير منك نفسا ووالدا (٢)

تضيّفته يوما فأكرم مقعدى

وأصفدنى على الضمانة قائدا (٣)

وتقول : الصّفد صفد ، أى العطاء قيد. قال النّابغة :

هذا الثناء فإن تسمع لقائله

فلم أعرّض ـ أبيت اللّعن ـ بالصّفد (٤)

__________________

(١) الآية ٤٩ سورة ابراهيم ، والآية ٣٨ سورة ص.

(٢) يريد بجو : اليمامة من بلاد العرب.

(٣) فى اللسان «الزمانة» بدل «الضمانة» وكلاهما الداء. وقوله قائدا ، أى من يقوده إذا كان ضعيف البصر.

(٤) من قصيدة له يمدح بها النعمان بن المنذر. وانظر مختار الشعر الجاهلى ١٥٥.

٤٢٣

١٨ ـ بصيرة فى صفر

الصّفرة : لون بين البياض والسّواد ، وإلى السّواد (١) أقرب ، ولذلك قد يعبّر بها عن السّواد. وقال الحسن فى قوله تعالى : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها)(٢) : سوداء شديدة السّواد. وقيل صفر من الأضداد ، يقال على الصّفرة وعلى السّواد ، ولا يقال (٣) فى السّواد : فاقع ، وإنّما يقال : حالك.

وقوله تعالى : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ)(٤) ، قيل : جمع أصفر ، وقيل المراد : الصّفر المخرج من المعادن ، ومنه قيل للنّحاس : صفر ، وليبيس البهمى (٥) صفار.

وقد يقال الصّفير للصّوت حكاية لما يسمع. ومن هذا ، صفر الإناء : إذا خلا حتى يسمع منه صفير لخلوّه ، ثمّ صار متعارفا فى كلّ خال من الآنية وغيرها : إناء صفر ، ويد صفر ، ويستوى فيه الواحد والجمع. وقد صفر صفرا. وفى الحديث : «صفرة فى سبيل الله خير من حمر النّعم» ، وهى الجوعة وخلوّ البطن. ونعوذ بالله من قرع (٦) الفناء وصفر الإناء. وهو

__________________

(١) فى الاصلين «البياض» وما أثبت من الراغب.

(٢) الآية ٦٩ سورة البقرة.

(٣) هذا فيه الرد على تفسير الحسن.

(٤) الآية ٣٣ سورة المرسلات

(٥) هو من النباتات

(٦) قرع الفناء : خلوه من الغاشية أو من يغشونه

٤٢٤

أجبن من صافر ، وهو طائر ينكس رأسه ، ويتعلّق برجليه طول الليل ، وهو يصفر حذارا ألّا يؤخذ (١).

وصفرت وطابه (٢) ، وصفر إناؤه : كناية عن الموت ، / قال (٣) :

وأفلتهنّ علباء جريضا

ولو أدركنه صفر الوطاب

__________________

(١) أى لئلا يؤخذ. وفى التاج : «خيفة أن ينام فيؤخذ».

(٢) جمع وطب ، وهو ما يوضع فيه اللبن.

(٣) أى امرؤ القيس. وعلياء : قاتل أبيه. يقول : ان الخيل لم تدركه. وانظر الديوان ١٣٨.

٤٢٥

١٩ ـ بصيرة فى صفن وصفو

صفن الفرس يصفن صفونا : قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة ، قال تعالى : (الصَّافِناتُ الْجِيادُ)(١). وصفن الرّجل : صفّ قدميه ، وصفن به الأرض : ضربه به (٢).

ومهر (٣) صافن ، وخيل (٤) صفون وصوافن. وتفسيره فى قول الشّاعر :

ألف الصّفون فلا يزال كأنّه

ممّا يقوم على الثلاث كسيرا

صفا الماء صفا ، وصفوا ، وصفاء ، فهو صاف. وصفّيت الشّراب بالمصفاة. وأخذ صفو الماء وصفوه ، وصفوته وصفوته. وصفا الجوّ : لم تك فيه لطخة غيم ، ويوم صاف وصفوان : بارد بلا غيم وكدر. واستصفاه : أخذ صفوه ، واختاره ، كاصطفاه. وصافاه وأصفاه : صدقه الإخاء.

والصّفا : من أعظم المشاعر بمكة بلحف (٥) جبل أبى قبيس ، وقد بنيت عليه بتوفيق الله تعالى دارا فيحاء ، يستجاب فيها الدّعاء ، عجّل الله بمنّه إليها الرّجعى.

__________________

(١) الآية ٣١ سورة ص

(٢) كذا فى الأصلين. والواجب : بها أى بالأرض. وقد سقط هذا اللفظ فى القاموس ، ويبدو أنه زيادة من الناسخ

(٣) فى الأصلين «بئر» والظاهر انه محرف عما أثبت

(٤) فى الأصلين : «جبل» تصحيف.

(٥) لحف الجبل : أصله.

٤٢٦

وإلى المناسقة بين الطّواف والمسعى قال تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(١).

وقال : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ)(٢) واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده صافيا عن الشّوب الموجود فى غيره ، وقد يكون باختياره وحكمه. واصطفيت كذا على كذا ، أى اخترت ؛ قال تعالى : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ)(٣).

والصّفوان ، والصّفواء ، والصّفا بمعنى (٤) ، قال : (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ)(٥).

وأصفى الشّىء : اختاره. وقال : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ)(٦) والمصفّى : المنقّى من الشّوائب والكدورات ، قال : (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)(٧).

__________________

(١) الآية ١٥٨ سورة البقرة

(٢) الآية ٧٥ سورة الحج

(٣) الآية ١٥٣ سورة الصافات

(٤) هو الحجارة الملس.

(٥) الآية ٢٦٤ سورة البقرة

(٦) الآية ٤٠ سورة الاسراء

(٧) الآية ١٥ سورة محمد

٤٢٧

٢٠ ـ بصيرة فى صل وصلب

صلّ الحديد صلّا وصليلا : صلصل. وسمعت صلصلة اللّجام وصليله ، وصلاصل السّلاح. قال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ)(١) ، وهو الطين الحرّ خلط بالرّمل فصار يتصلصل إذا جفّ ، فإذا طبخ بالنّار فهو الفخّار. وقيل : الصّلصال : الطّين المنتن ، من قولهم : صلّ اللّحم إذا تغيّرت رائحته. وقيل : أصله صلّال فقلبت إحدى اللّامين صادا. وقرئ : (أإذا صللنا) (٢) أى أنتنّا وتغيّرنا ، من قولهم : صلّ اللحم.

وتصلصل الغدير : إذا جفّت حمأته (٣). وطين صلّال ومصلال : يصوّت كما يصوّت [الخزف](٤) الجديد (٥) قال (٦) :

فإنّ صخرتنا أعيت أباك ولن

يألو لها ما استطاع الدهر إخبالا (٧)

ردّت معاوله خثما مفلّلة

وناطحت أخضر الجالين صلّالا (٨)

__________________

(١) الآية ١٤ سورة الرحمن

(٢) فى الآية ١٠ سورة السجدة. وقراءة العامة : (ضَلَلْنا) بالضاد المعجمة. وقراءة الصاد المهملة تعزى الى على وابن عباس والحسن والأعمش وأبان بن سعيد بن العاص ، وهى قراءة شاذة.

(٣) الحمأة : طين أسود

(٤) زيادة من اللسان

(٥) فى الأصلين «الحديد» والتصويب من اللسان.

(٦) أى النابغة الجعدى

(٧) يريد بالصخرة المجد والشرف. وفى اللسان «فلن» فى مكان «ولن»

(٨) «خثما». جمع أخثم من خثم المعول : صار مفرطحا ، وذاك عيب فيه.

٤٢٨

أى ناطحت الصّخرة المعاول (١). وغلط أبو نصر الجوهرىّ فى إنشاده (٢) وفى تفسيره (٣) :

الصّلب : الشّديد. وبه سمّى الظّهر صلبا وصالبا (٤). قال عبّاس ابن عبد المطّلب رضى الله عنه :

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق (٥)

أى من صلب. وقوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ)(٦) فيه تنبيه أنّ الولد جزء من الوالد. وصلب الشّىء صلابة وصلب ـ ككرم وسمع ـ : قوى واشتدّ. والصّلب ـ بالتّحريك ـ : الصّلب من الظهر. قال العجّاج يصف امرأة :

ريّا العظام فعمة المخدّم

فى صلب مثل العنان المؤدم (٧)

__________________

(١) فى الأصلين : «للمعاول». وتقرأ (المعاول) بالرفع ، و (الصخرة) بالنصب أى أن المعاول ناطحت الصخرة وقد أحاط بها الطين فلم تعمل فيها

(٢) انشد : «صادفت» فى مكان «ناطحت»

(٣) حيث يقول : «يقول صادفت ناقتى الحوض يابسا» وهذا فى الصحاح.

(٤) ضبط فى القاموس بكسر اللام ، وفى اللسان بفتحها.

(٥) من شعر فى مدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٦) الآية ٢٣ سورة النساء

(٧) المخدم : موضع الخلخال. والمؤدم : الذى ظهرت أدمته بالدباغ ، وكأنه يريد أن الصلب أجرد لا شعر عليه.

٤٢٩

والصّلب أيضا : ما صلب من الأرض. والصّليب : الشّديد ، وودك العظام. ومنه سمّى المصلوب للقتل ؛ لأنّه يسيل ودكه.

والصّليب للنّصارى / والجمع : صلب وصلبان. وصلب اللصوص وصلّبهم شدّد للكثرة ، قال تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(١).

وثوب مصلّب : عليه نقش كالصّليب.

__________________

(١) الآية : ٧١ سورة طه.

٤٣٠

٢١ ـ بصيرة فى صلح

الصّلاح والصّلوح بمعنى. وصلح ـ كنصر ـ وصلح ـ ككرم ـ فهو صالح وصليح. ويختصّ الصّلاح بالأفعال (١) غالبا. وقوبل فى القرآن تارة بالفساد وتارة بالسّيّئة ، قال تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)(٢) وقال : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها)(٣).

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد

ذخرا يكون كصالح الأعمال

والناس همّهم الحياة ولا أرى

طول الحياة يزيد غير خبال

وقوله تعالى : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً)(٤) ، أى ولدا صالحا صحيح البدن تامّ الخلق.

وقوله : (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ)(٥) يعنى (نوحا ولوطا) (٦).

وقوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ)(٧) أى ولد معرض عن التّوحيد.

وقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ)(٨) ، يعنى سبحان (٩) الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر.

__________________

(١) فى أ : «بالاحوال»

(٢) الآية ١٠٢ سورة التوبة

(٣) الآية ٥٦ سورة الاعراف

(٤) الآية ١٨٩ سورة الأعراف

(٥) الآية ١٠ سورة التحريم

(٦) فى الأصلين : «نوح ولوط»

(٧) الآية ٤٦ سورة هود

(٨) الآية ٤٦ سورة الكهف.

(٩) هذا بعض ما قيل فى تفسير الباقيات الصالحات. ويرى بعضهم أنها كل عمل صالح يبقى للآخرة.

٤٣١

وقيل فى قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)(١) يعنى عمر بن الخطّاب.

وقوله تعالى : (وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ)(٢) إشارة إلى عثمان بن عفّان. وقوله : (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)(٣) يعنى الصّحابة وأصحاب النّجاشى.

وقوله : (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)(٤) يراد بهم جميع المطيعين من الرّجال والنساء.

وقوله : (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(٥) ، أى المتوكّلين (٦) عليه.

وقوله : (لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٧) أى المؤدّين للزّكاة.

ورفع الخوف عن أهل الصّلاح فى الدّارين : (فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٨).

وقال : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها)(٩) ، وقال : (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ)(١٠).

وقال : (أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)(١١).

__________________

(١) الآية ٤ سورة التحريم.

(٢) الآية ٦٩ سورة النساء.

(٣) الآية ٨٤ سورة المائدة.

(٤) الآية ٩ سورة العنكبوت.

(٥) الآية ١٩٦ سورة الأعراف.

(٦) فى الأصلين : «المتوكل»

(٧) الآية ٧٥ سورة التوبة.

(٨) الآية ٣٥ سورة الاعراف.

(٩) الآيتان ٥٦ ، ٨٥ سورة الأعراف.

(١٠) الآية ١٥٢ سورة الشعراء.

(١١) الآية ١٢٨ سورة النساء.

٤٣٢

وقال : (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا)(١).

وقال : (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢).

وقال : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(٣).

وقال : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(٤). وقال : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ)(٥) إلى قوله : (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ)(٦). وقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ)(٧).

__________________

(١) الآية ١٦ سورة النساء.

(٢) الآية ٥٤ سورة الأنعام.

(٣) الآية ١٧٠ سورة الأعراف.

(٤) الآية ١٧٠ سورة الأعراف.

(٥) الآية ١٠ سورة الحجرات.

(٦) الآية ٨ سورة غافر.

(٧) الآية ٢٣ سورة الرعد.

٤٣٣

٢٢ ـ بصيرة فى صلد وصلا

حجر صلد ، وصليد ، وصلود : صلب لا ينبت. وجبين صلد وصليد : أملس شديد. قال رؤبة :

لمّا رأتنى خلق المموّه

برّاق أصلاد الجبين الأجله (١)

بعد غدانىّ الشّباب الأبله

ليت المنى والدّهر جرى السّمّه

وصلد الزند يصلد صلودا : إذا صوّت ولم يخرج نارا. والصّلود والصّليد : الفرس الّذى لا يعرق. والقدر البطيئة الغلى. وناقة صلود ومصلاد : بكيئة (٢).

وقوله تعالى : (فَتَرَكَهُ صَلْداً)(٣) ، أى حجرا صلدا. والصّلد ـ بالكسر ـ لغة فى الصّلد بالفتح. وقرأ الخليل : (فتركه صلدا) بالكسر.

والصلى : الإيقاد بالنار (٤) صلى بكذا ، أى بلى به. واصطلى بالنّار.

__________________

(١) خلق المموه : يريد ذبول وجهه بعد نضارته ـ الأجله : الأجلح ـ غدانى الشباب : نعمته ـ جرى السمة : يريد ليت الدهر يجرى بنا فى منانا الى غير نهاية.

(٢) أى قليلة اللبن.

(٣) الآية ٢٦٤ سورة البقرة.

(٤) فى المفردات : «أصل الصّلى لا يقاد النار يريد أن المادة تدور حول ايقاد النار ، ولا يريد لفظا مخصوصا ، وهى عبارة سليمة بخلاف عبارة المؤلف.

٤٣٤

وصليت الشاة (١) : شويتها. وقوله تعالى : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى)(٢) قيل معناه : لا يصطلى بها إلّا الأشقى.

الخليل : صلى الكافر النّار : قاسى حرّها. وصلى اللّحم يصليه صليا : شواه ، وألقاه فى النار للإحراق ، كأصلاه وصلّاه. وصلّى يده بالنار : سخّنها وصلى النار ـ كرضى ـ وبالنار صليّا وصليّا وصلاء (٣) وصلاء ، وتصلّاها : قاسى حرّها. وأصلاه النّار وصلّاه إيّاها وفيها وعليها : أدخله إيّاها وأثواه فيها. والصّلاء : يقال للوقود وللشّواء

والصّلاة : الدّعاء والرحمة والاستغفار ، وحسن الثناء من الله تعالى على رسوله ، وعبادة فيها ركوع وسجود ، اسم يوضع موضع المصدر. وصلّى صلاة ، ولا تقل (٤) : تصلية ، أى دعا. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان صائما فليصلّ لأهله». وصلاة الله للمسلمين هى فى التّحقيق تزكيته لهم ، وهى من الملائكة والنّاس : الدّعاء والاستغفار. وسمّيت العبادة المعروفة صلاة كتسمية. الشيء ببعض (٥) ما يتضمّنه.

__________________

(١) فى الأصلين : «النار» وما أثبت من المفردات للراغب.

(٢) الآية ١٥ سورة الليل.

(٣) ورد هكذا فى القاموس. وقال الشارح : «هكذا بالمد فى النسخ. والصواب صلّى بالقصر ، كما هو نص المحكم والمصباح»

(٤) فى التاج بعد أن أورد هذا وغيره من كلام المتشددين فى المنع : «وذلك كله باطل يرده القياس والسماع. أما القياس فقاعدة التفعلة من كل فعل على فعّل معتل اللام مضعفا ، كذكى تذكية وروى تروية ، وما لا يحصر ، ونقله الزوزنى فى مصادره ، وأما السماع فأنشد من الشعر القديم.

تركت المدام وعزف القيان

وأدمنت تصلية وابتهالا

(٥) فى الأصلين : «بعض» وفى الراغب : «باسم غيره لبعض ما يتضمنه».

٤٣٥

والصّلاة من العبادات الّتى لم تنفكّ شريعة منها ، وإن اختلفت صورها بحسب شرع شرع (١) ، ولذلك قال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)(٢)

وقال بعضهم : أصل الصّلاة من الصلى. ومعنى صلّى الرّجل أزال عن نفسه بهذه العبادة الصلى الذى هو نار (٣) الله الموقدة. وبناء صلّى بناء مرّض وقرّد : إذا أزال المرض والقراد

ويسمّى موضع العبادة الصّلاة ، ولذلك سمّيت الكنائس صلوات. قال تعالى : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ)(٤).

وكل موضع مدح الله تعالى بفعل الصّلاة أو حثّ عليها ذكر بلفظ الإقامة ، نحو قوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ)(٥) ، (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٦). ولم يقل المصلّين إلّا فى المنافقين ، نحو قوله : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ)(٧) وقوله : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى)(٨). وإنّما خصّ لفظ الإقامة تنبيها أنّ المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها ، لا الإتيان بهيئاتها فقط ، ولهذا روى أنّ المصلّين كثير ، والمقيمين لها قليل.

__________________

(١) فى التاج نقلا عن الراغب : «فشرع»

(٢) الآية ١٠٣ سورة النساء

(٣) المعروف فى الصلى أنه مقاساة حر النار ، وكأنه أطلق الصلى على النار من اطلاق السبب على ما يصدر عنه

(٤) الآية ٤٠ سورة الحج

(٥) الآية ١٦٢ سورة النساء

(٦) الآية ٤٣ سورة البقرة. ووردت فى مواطن أخرى.

(٧) الآية ٤ سورة الماعون

(٨) الآية ٥٤ سورة التوبة

٤٣٦

وقد ورد الصلاة فى القرآن على ثلاثة عشر وجها :

١ ـ بمعنى الدّعاء : (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)(١).

٢ ـ بمعنى الاستغفار : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ)(٢).

٣ ـ بمعنى الرّحمة : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ)(٣).

٤ ـ بمعنى صلاة الخوف : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ)(٤).

٥ ـ بمعنى صلاة الجنازة : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً)(٥).

٦ ـ بمعنى صلاة العيد : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(٦).

٧ ـ بمعنى صلاة الجمعة : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)(٧).

٨ ـ بمعنى صلاة الجماعة : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً)(٨).

٩ ـ بمعنى صلاة السّفر : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ)(٩).

__________________

(١) الآية ١٠٣ سورة التوبة

(٢) الآية ٥٦ سورة الأحزاب

(٣) الآية ٤٣ سورة الأحزاب

(٤) الآية ١٠٢ سورة النساء

(٥) الآية ٨٤ سورة التوبة

(٦) الآية ١٥ سورة الأعلى

(٧) الآية ٩ سورة الجمعة

(٨) الآية ٥٨ سورة المائدة

(٩) الآية ١٠١ سورة النساء

٤٣٧

١٠ ـ بمعنى صلاة الأمم الماضية : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(١).

١١ ـ بمعنى كنائس اليهود : (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ)(٢).

١٢ ـ بمعنى الصلوات الخمس : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٣).

١٣ ـ بمعنى الإسلام : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى)(٤) ، أى لا أسلم.

وقد ذكر الله تعالى الصّلاة فى مائة آية من القرآن العظيم. وفى كل آية إمّا وعد المصلّين بالكرامة. أو أوعد التّاركين لها بالعقوبة والملامة أوّلها : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)(٥) ، وآخرها : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(٦).

(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)(٧) ، سمّى صلاتهم مكاء وتصدية تنبيها على إبطال صلاتهم ، وأن لا اعتداد بفعلهم ذلك ، بل هم كطيور تمكو وتصدّى.

__________________

(١) الآية ٣١ سورة مريم

(٢) الآية ٤٠ سورة الحج

(٣) الآية ٤٣ سورة البقرة. ووردت فى مواطن أخرى.

(٤) الآية ٣١ سورة القيامة

(٥) الآية ٣ سورة البقرة

(٦) الآية ٢ سورة الكوثر

(٧) الآية ٣٥ سورة الأنفال.

٤٣٨

٢٣ ـ بصيرة فى صم

الصّمم : انسداد الأذن وثقل السّمع. صمّ يصمّ ـ بفتحهما ـ وصمم (١) كعلم نادر ، صمّا وصمما. وأصمّ بمعنى صمّ ، وأصمّه الله ، لازم متعدّ. قال تعالى : (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)(٢) وهو أصمّ ، والجمع : صمّ وصمّان. وتصامّ عن الحديث ، وتصامّ صاحبه : أراه الصّمم.

وشبّه بالأصمّ من لا يصغى إلى الحقّ ولا يقبله. فقال تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)(٣). ويشبّه من لا صوت له به.

والصّماء : الداهية. وصمّى صمام ؛ أى زيدى يا داهية.

__________________

(١) أى بفك التضعيف

(٢) الآية ٢٣ سورة محمد

(٣) الآيتان ١٨ ، ١٧١ سورة البقرة

٤٣٩

٢٤ ـ بصيرة فى صمد

الصّمد : المكان المرتفع الغليظ لا يبلغ أن يكون جبلا مرتفعا. والصّماد. عفاص القارورة أو سدادها. وقد صمدتها أصمدها.

والصّمد ـ بالتّحريك ـ : السيّد لأنّه يصمد إليه فى الحوائج ، أى يقصد. ومنه حديث عمر رضى الله عنه : أيّها النّاس إيّاكم وتعلّم الأنساب والطّعن فيها. والذى نفس عمر بيده ، لو قلت : لا يخرج من هذا الباب إلّا صمد ما خرج إلّا أقلّكم. قال عمرو بن الأسلع يذكر حذيفة ابن بدر الفزارىّ :

علوته بحسام ثمّ قلت له

خذها حذيف فأنت السيّد الصّمد

وقال شبرة بن عمرو فى عمرو بن مسعود بن كلدة :

لقد بكر النّاعى بخيرى بنى أسد

بعمرو بن مسعود وبالسيّد الصّمد

فمن يك يعيا بالجواب فإنّه

أبو معقل لا حجر عنه ولا حدد

أراد : خيّرى بتشديد الياء الأولى فخفّفها. وخير لا يثنّى ولا يجمع. [والصمد (١) : الرّجل لا يعطش ولا يجوع] فى الحرب. وأنشد المؤرّج :

وسارية فوقها أسود

بكفّ سبنتى ذفيف صمد (٢)

__________________

(١) زيادة من القاموس

(٢) السبنتى : الجريء. والذفيف : السريع الخفيف.

٤٤٠