بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

١٤ ـ بصيرة فى السحق والسحل

السّحق : تفتيت (١) الشىء. ويستعمل فى الدواء إذا فتّت ، سحقه فانسحق ، وفى الثّوب إذا أخلق ، يقال أسحق. والسّحق : الثوب البالى ، ومنه قيل : أسحق الضّرع : إذا صار سحقا لذهاب لبنه. ويصحّ أن يكون إسحاق منه ، فيكون حينئذ منصرفا.

ويقال : أبعده الله وأسحقه ، أى جعله سحيقا ، وقيل : سحقه أى جعله باليا. (وقوله (٢)) تعالى : (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ)(٣) ، وقوله : (أَوْ تَهْوِي (٤) بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ.) ونخلة سحوق ، ونخيل سحق.

وسحقت الرّياح الأرض : قشرتها بشدّة هبوبها. وسحقه البلا ومحقه فانسحق (٥). ولعن الله السّحاقات ، وقد سحقتها ، وساحقتها. وهما تتساحقان.

وسحقت العين الدّمع : صبّته. ودموع مساحيق.

__________________

(١) فى الأصلين : «تفتت» وما أثبت عن الراغب.

(٢) كذا فى الأصلين ، ولم يرد له خبر فى الكلام ، والصواب ما فى الراغب : قال تعالى.

(٣) الآية ١١ سورة الملك.

(٤) الآية ٣١ سورة الحج.

(٥) فى الأصلين : «فاستحق» ولم أقف على هذه الصيغة.

٢٠١

والسّحل : القشر. سحل الحديد : برده وقشره. ومنه السّاحل ، قال تعالى : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ)(١) / أى شاطئ البحر ، وقيل : أصله أن يكون مسحولا (٢) لكن جاء على لفظ الفاعل ، كقولهم : همّ ناصب (٣). وقيل : بل تصوّر منه أنه يسحل الماء أى يفرّقه ويضيعه (٤).

والسّحالة : البرادة. والسّحيل والسّحال : نهيق الحمار ، كأنّه شبّه صوته بصوت سحل الحديد. والمسحل : اللّسان ، والخطيب ، والمنخل.

__________________

(١) الآية ٣٩ سورة طه.

(٢) فى الأصلين : «مسحوقا» وما أثبت عن الراغب.

(٣) أى منصب أى متعب ، ودعا الى هذا التأويل أن الناصب من به نصب وتعب. ومن اللغويين من أثبت نصبه الهم ، فلا تأويل. وترى أن شبه الساحل بناصب فى هذا الاستعمال هو فى مطلق التأويل لا فى نوعه ، فالأول فى تأويل فاعل بمفعول ، والثانى فى تأويل فاعل بمفعل.

(٤) كذا فى أ ، وفى ب : «يصنعه» ، وفى الراغب : «يضيفه».

٢٠٢

١٥ ـ بصيرة فى سخر وسد وسدر

التّسخير : سياقة إلى الغرض المختصّ به قهرا ، قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)(١) ، فالمسخّر : هو المقيّض للفعل. والسّخرىّ : هو الّذى يقهر (أن يتسخّر (٢)) لنا بإرادته ، قال تعالى : (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا)(٣) ، وسخرت منه : إذا سخّرته للهزء منه. وقيل : رجل سخرة ـ كهمزة ـ لمن يسخر كبرا (٤). وسخرة كصبرة لمن يسخر منه. والسّخرية أيضا : فعل السّاخر.

وقوله تعالى : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا)(٥) بالضّمّ والكسر (٦) حمل على التسخير وعلى السّخرية (٧) ، ويدلّ على الوجه الثّانى قوله بعده : (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ.) وهو مسخرة من المساخر. وربّ مساخر يعدّها النّاس مفاخر. وهؤلاء سخرة للسّلطان : يتسخّرهم ، أى يستعملهم بغير أجر. ومواخر سواخر (٨) : سفن طابت لها الريح.

__________________

(١) الآية ١٣ سورة الجاثية.

(٢) أى على أن يتسخر. وفى الراغب : «فيتسخر».

(٣) الآية ٣٢ سورة الزخرف.

(٤) كذا فى الأصلين. وقد يكون : «كثيرا».

(٥) الآية ١١٠ سورة المؤمنين.

(٦) الضم قراءة نافع وحمزة والكسائى وأبى جعفر وخلف ، والكسر قراءة الباقين ، كما فى الاتحاف.

(٧) أى الهزء والاحتقار. ولم يتقدم هذا اللفظ هنا ، وقدم فى عبارة الراغب.

(٨) فمواخر من مخرت السفينة : جرت وشقت الماء ، وسواخر من سخرت السفينة : أطاعت وانقادت ، وباب فعلهما منع ، كما فى القاموس.

٢٠٣

والسّدّ ـ بالفتح والضمّ ـ واحد ، أو بالضمّ : ما كان خلقة ، وبالفتح : ما كان من صنعنا. وأصل السدّ مصدر سددته. وشبّه به الموانع نحو : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا)(١) قرئ بالضّمّ (٢) وبالفتح (٣). والسّدّة : كالظّلّة على الباب تقيه من المطر. وغشيت سدّة فلان ، وهو ما بين يدى بابه. قال :

ترى الوفود قياما عند سدّته

يغشون باب مزور غير زوّار (٤)

وقد يعبّر بها عن الباب ؛ كما فى الحديث : «الشعث الرّءوس الذين لا يفتح لهم السّدد» أى الأبواب. وهو على سداد من أمره ، وسدد ، وقلت له سدادا من القول وسددا : صوابا. قال كعب (٥) :

ما ذا عليها وما ذا كان ينقصها

يوم الترحّل لو قالت لنا سددا

وسدّ الرّجل يسدّ : صار سديدا. وسدّ قوله وأمره يسدّ (٦). وأمر سديد : مستقيم. اللهمّ سدّدنى ووفقنى (٧). وفيه سداد من عوز ، بالكسر. وجراد سدّ : يسدّ الأفق. وفلان برىء من الأسدّة أى العيوب. وما به سداد ، أى عيب يسدّ فاه أن يتكلم. وسداد أرضهم : جهتها وقصدها ؛ قال :

__________________

(١) الآية ٩ سورة يس.

(٢) قرأ بالفتح حفص وحمزة والكسائى وخلف ، وقرأ الباقون بالضم ، كما فى الاتحاف.

(٣) ورد فى الأساس غير معزو.

(٤) كذا فى الأساس. وفى اللسان والتاج : «الأعشى».

(٥) أى بفتح السين فى المضارع ، وهو من باب فرح. وقد تبع فى هذا الأساس. ولم أره لغيره. والمعروف أنه من باب ضرب فى جميع استعمالاته.

(٦) سقط حرف العطف فى الأساس ، فيكون (وفقنى) تفسيرا. وفى التاج : اللهم سددنى أى وفقنى.

٢٠٤

إذا الرّيح جاءت من سداد بلادها

أتانا بها مسك ذكىّ وعنبر (١)

والسّدر : شجر النبق. وقد يخضد ويستظلّ به ، فجعل ذلك مثلا لظلّ الجنّة ونعيمها فى قوله تعالى : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ)(٢) لكثرة غنائه فى الاستظلال به.

وقوله : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى)(٣) إشارة إلى مكان اختصّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فيه (٤)] بالإفاضات الإلهيّة ، والآلاء الجسيمة (٥) وقيل : هى الشجرة التى بويع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحتها ، فأنزل الله السّكينة فى قلوب المؤمنين.

والسّدر ـ محرّكة ـ : تحيّر البصر. وسدر الشعر : سدله.

__________________

(١) ورد فى الأساس غير معزو

(٢) الآية ٢٨ سورة الواقعة

(٣) الآية ١٦ سورة النجم

(٤) زيادة من الراغب

(٥) فى الأصلين : «الجسمية» وما أثبت عن الراغب

٢٠٥

١٦ ـ بصيرة فى السر وما يشتق منه

السرّ : ما يكتم فى النّفس من الحديث. وسارّه : أوصاه بأن يسرّه. وتسارّ القوم. وقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ)(١) أى كتموها. وقيل : معناه : أظهروها ، بدليل قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ)(٢) ، وليس كذلك ؛ فإنّ النّدامة التى / كتموها ليست بإشارة إلى ما أظهروه.

وأسرّ إلى فلان حديثا : أفضى به إليه فى خفية ، قال تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً)(٣).

وقوله تعالى : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)(٤) أى تطلعون على ما تسرّون من مودّتهم. وقد فسّر بأن معناه : تظهرون ، وهذا صحيح ؛ فإنّ الإسرار إلى الغير يقتضى إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسرّ ، وإن كان يقتضى إخفاءه من غيره. فإذا قولك : أسرّ إلى فلان يقتضى من وجه الإظهار ، ومن وجه الإخفاء.

وقوله تعالى : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً)(٥) أى خمّنوا فى أنفسهم أن يحصّلوا من بيعه بضاعة (٦). وقوله (٧) : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ)(٨) أى أخفوها. وقال

__________________

(١) الآية ٥٤ سورة يونس ، والآية ٣٣ سورة سبأ.

(٢) الآية ٢٧ سورة الأنعام.

(٣) الآية ٣ سورة التحريم.

(٤) الآية ١ سورة الممتحنة.

(٥) الآية ١٩ سورة يوسف.

(٦) المراد : أن يجعلوه هو بضاعة. ولو قال «منه» بدل «من بيعه» كان أولى.

(٧) فى هذا الكلام عن الآية شبه تكرار مع ما سبق.

(٨) الآية ٥٤ سورة يونس ، والآية ٣٣ سورة سبأ.

٢٠٦

أبو عبيدة أى أظهروها. وأنكر عليه الأزهرىّ ، وقال : إنّما يقال أشرّوا بالمعجمة إذا أظهروا ، وأسرّوا ضدّ أشرّوا. وقال قطرب : أسرّها كبراؤهم من أتباعهم. قال ابن عرفة : لم يقل قطرب شيئا ، وإنّما أخبر الله عنهم أنّهم أظهروا النّدامة حتى قالوا : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ) الآية ، وحتى قالوا : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ) فقد بيّن الله إظهارهم.

وكنى عن النكاح بالسّرّ من حيث إنّه يخفى. واستعير للخالص فقيل : هو فى سرّ قومه ، ومنه سرّ الوادى وسراره. وسرّة البطن : ما يبقى ، وذلك لاستتاره بعكن البطن. والسّرّ والسّرر يقال لما يقطع منه. وأسرّة الرّاحة وأسارير الجبهة لغضونهما. واستسرّه : بالغ فى إخفائه ، قال (١) :

إنّ العروق إذا استسرّ بها الندى

أشر النبات بها وطاب المزرع

وفى الحديث : «من أصلح سريرته أصلح الله علانيته». ومن دعائه : يا عالم السّر ، ويا دائم البرّ ، ويا كاشف الضرّ ، أصلح سرّنا ، وأدم برّنا ، واكشف ضرّنا. يا مولانا. وقوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ)(٢) فسّروه بالصّوم (٣) والصّلاة والزكاة والغسل من الجنابة. قال الشاعر :

__________________

(١) أى نصيب الأصغر ، كما فى الأساس (أشر). وأشر النبات أن يمضى فى اكتماله وغلوائه. وترى أن (أستسر) فى البيت معناها خفى فهو فعل لازم. وقد أتى به شاهدا على المتعدى ، وجاء فى اللسان : استسره ألقى اليه سره. فأما المعنى الذى ذكره فلم أقف عليه الا فى التاج ، والظن أنه نقله عن البصائر.

(٢) الآية ٩ سورة الطارق.

(٣) نسب هذا التفسير الى عطاء بن أبى رباح. قال : «فانها سرائر بين الله وبين العبد». ولو شاء العبد لقال : صمت ولم يصم ، وصليت ولم يصل ، واغتسلت من الجنابة ولم يغتسل. وانظر حاشية الجمل على الجلالين فى الآية.

٢٠٧

ولو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّى الضلوع من الأسرار والخبر

لكنت أوّل من أنسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر

وقال :

ولا تفش سرّك إلّا إليك

فإن لكلّ نصيح نصيحا

فإنّى رأيت بغاة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا (١)

ولهذا قيل : صدور الأحرار ، قبور الأسرار.

وقد ورد السرّ فى القرآن على أوجه :

الأوّل : بمعنى النكاح : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا)(٢) ، أى نكاحا.

الثّانى : بمعنى ضدّ العلانيّة : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)(٣) ومعناه أنّ السّر ما تكلّم به فى خفاء ، وأخفى منه ما أضمر : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(٤). وله نظائر.

والسّرور مأخوذ من السّرّ ؛ لأنّ المراد : ما ينكتم من الفرح.

وقد ورد فى القرآن على أوجه :

الأوّل : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)(٥).

الثّانى : سرور أهل الدنيا بدنياهم : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً)(٦).

__________________

(١) ورد البيتان فى مجموعة المعانى ٧١. وفيها أن عليا رضى الله عنه كان ينشدهما كثيرا. وفيها : «غواة» مكان «بغاة».

(٢) الآية ٢٣٥ سورة البقرة.

(٣) الآية ٧ سورة طه.

(٤) الآية ٧٧ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخرى.

(٥) الآية ٦٩ سورة البقرة.

(٦) الآية ١٣ سورة الانشقاق.

٢٠٨

الثالث : سرور المطيعين بنعيم العقبى : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً)(١). وفيه تنبيه على أنّ سرور الآخرة يضادّ سرور الدّنيا.

الرابع : سرور النجاة من المحنة والبلوى : (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ)(٢).

والسرير : الّذى يجلس عليه ، مأخوذ من السّرور ؛ إذ كان ذلك لأولى النعمة ، وجمعه : أسرّة وسرر. إلّا أنّ بعضهم يستثقل اجتماع الضّمّتين مع التضعيف ، فيردّ / الأولى منهما إلى الفتح لخفّته فيقول : سرر ، وكذلك ما أشبهه من الجمع ؛ مثل ذليل وذلل. وفى الحديث : «إن سرر أهل الجنة مرفوعة فى الهواء إلى مسيرة خمسمائة عام ، فإذا أراد المؤمن الجلوس على السّرير أشار إليه بيديه ، فينزل من الهواء ليجلس إليه ثم يرجع إلى مكانه. فهذا معنى قوله تعالى : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ)(٣).

قال :

أتذكر إذ لباسك جلد شاة

وإذ نعلاك من جلد البعير

فسبحان الذى أعطاك ملكا

وعلّمك الجلوس على السّرير

وقد ورد السّرير فى القرآن على وجوه :

__________________

(١) الآية ٩ سورة الانشقاق

(٢) الآية ٩٥ سورة الأعراف

(٣) الآية ١٣ سورة الغاشية

٢٠٩

الأوّل : التّخوت (١) المصطفّة : (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ)(٢).

الثّانى : تخوت عليها ثياب منسوجة بالذهب : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)(٣).

الثالث : تخوت معلّاة فى الهواء : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ)(٤).

الرابع : أماكن الأولياء العالية : (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)(٥).

الخامس : قوله تعالى : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ)(٦) إلى قوله : (وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ).

__________________

(١) التخوت جمع التخت ، وهو ما يصان فيه الثياب. والمراد هنا الأرائك التى يجلس عليها.

(٢) الآية ٢٠ سورة الطور

(٣) الآية ١٥ سورة الواقعة

(٤) الآية ١٣ سورة الغاشية

(٥) الآية ٤٧ سورة الحجر

(٦) الآيتان ٣٣ ، ٣٤ سورة الزخرف

٢١٠

١٧ ـ بصيرة فى السرب ، وسربل ، وسراج

السّرب ـ محرّكة ـ : الذّهاب فى حدور. والسّرب : المنحدر. يقال سرب سربا وسروبا ، نحو مرّ مرّا ومرورا ، وانسرب انسرابا. لكن سرب يقال على تصوّر الفعل من فاعله ، وانسرب على تصوّر (١) الانفعال منه. وسرب الدّمع : سال ، والماء : جرى على وجه الأرض ، والنّعم : توجّه للرّعى. وانسربت الحيّة إلى جحرها. وماء سرب ، وسرب (٢) : منقطر (٣) من سقائه. والسّارب : الذّاهب فى سربه ، أىّ طريق كان.

والسّرب أيضا : جمع سارب ، كراكب و (٤) ركب. وتعورف فى الإبل ، حتى قيل : ذعرت سربه ، وهو آمن فى سربه ، أى قطيعه (٥). وقيل : فى أهله ونسائه ، فجعل السّرب كناية. وفى الحديث : «من أصبح آمنا فى سربه (٦)» أى فى منقلبه ومتصرّفه ، ويأبى تفسيره بالمال ، قوله (٧) : «وعنده قوت يومه» ، وروى بالكسر أى فى حرمه وعياله ، مستعار من

__________________

(١) فى الأصلين : «تصور ذلك الانفعال» وما أثبت عن الراغب.

(٢) فى الأساس : «سقاء سرب».

(٣) كذا فى الأصلين. وقد يكون الأصل : «متقاطر» فلم أقف على «انقطر» والمراد أنه يسيل قطرات من القرية.

(٤) فى الأصلين : «فى» وما أثبت عن الراغب.

(٥) فى الأصلين : «قطيعته».

(٦) ورد فى الجامع الصغير هكذا «من صبح منكم آمنا فى سربه معافى فى جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» أخرجه البخارى فى الأدب المفرد والترمذى.

(٧) كذا وكأن الأصل : «لقوله».

٢١١

سرب الظباء والبقر والقطا. وقيل : اذهبى فلا أنده سربك ، فى الكناية عن الطّلاق ، ومعناه : لا أردّ إبلك الذاهب (١) فى سربه.

وسرّبت إليه الأشياء : أعطيته إيّاها واحدا بعد واحد.

والسّربال : القميص من أىّ جنس كان ، قال تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ)(٢) أى تقى بعضكم من بأس بعض.

والسّراج : الزّاهر بفتيلة ودهن. ويعبّر به عن كلّ مضىء ، قال تعالى : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً)(٣) يعنى الشمس ، وقال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(٤). وفى الحديث : «عمر سراج أهل الجنّة». قيل : المراد أنّ الأربعين الذين تمّوا بإسلام عمر كلّهم من أهل الجنّة ، وعمر فيما بينهم كالسّراج.

ووضع المسرجة على المسرجة ، المكسورة : الّتى فيها الفتيلة ، والمفتوحة : الّتى توضع عليها.

وهو سرّاج مرّاج : كاذب.

__________________

(١) كذا فى الأصلين. والمعروف فى الابل التأنيث.

(٢) الآية ٨١ سورة النحل. والمراد بالسرابيل التى تقى البأس الدروع.

(٣) الآية ١٣ سورة النبأ

(٤) الآية ٥ سورة يونس

٢١٢

١٨ ـ بصيرة فى السرح ، والسرد ، والسراط

السّرح : شجر له ثمر ، الواحدة : سرحة. وسرحت الإبل فى المرعى سرحا أصله أن ترعيه (١) فى السّرح ، ثم جعل لكلّ إرسال فى الرّعى ، قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)(٢). والسّارح : الرّاعى ، والجمع : السرح (كالسّارب والسّرب) (٣).

والتسريح فى الطّلاق مستعار من تسريح الإبل فى المرعى.

والسّرد خرز ما يخشن ويغلظ ؛ كنسج الدّرع. واستعير لنظم الحديد ، قال تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)(٤) ، ويقال (سرد وزرد (٥)) نحو سراط وزراط. والمسرد : المثقب.

/ والسّراط : الطّريق المستسهل ، أصله من سرطت الطّعام ، وزردته : ابتلعته. فقيل سراط ، تصوّر (٦) أنّه يبتلعه سالكه ، أو يبلغ سالكه. واسترطه وتسرّطه : بلعه قليلا قليلا. ورجل سرطان وسرطم. ومنه السّرطراط للفالوذ.

وسيف سراط : قطّاع. وفرس سرطان ، وسرطان الجرى ، كأنّه يسترط العدو ويلتهمه.

__________________

(١) كذا والأولى : ترعيها ، فان الابل مؤنث.

(٢) الآية ٦ سورة النحل.

(٣) فى الراغب : «كالشرب».

(٤) الآية ١١ سورة سبأ.

(٥) ب : «سراد وزراد».

(٦) فى الراغب : «تصورا».

٢١٣

١٩ ـ بصيرة فى السرعة

وهى ضدّ البطء ، ويستعمل فى الأجسام والأفعال. سرع فهو سريع ، وأسرع فهو مسرع. وسير سريع ، وفرس سريع ، وخيل سراع. وما كان سريعا وقد سرع سراعة ، وسرعا. وسرعة. وسارع إلى الخير ، وتسارع. قال تعالى : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ)(١). وفلان يتسرّع إلى الشرّ. وسرعان القوم : أوائلهم السّراع. وفى مثل : سرعان (٢) ذا إهالة. قال :

أتخطب فيهم بعد قتل رجالهم

لسرعان هذا والدّماء تصبّب (٣)

ويقال : سرع ذلك بغير ألف ونون ؛ والأصل سرع. قال مالك (٤) بن زغبة.

أنورا سرع هذا يا فروق

وحبل الوصل منتكث حذيق

وقوله تعالى : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٥) و (سَرِيعُ الْعِقابِ)(٦) تنبيه على

__________________

(١) الآية ٦١ سورة المؤمنين

(٢) الاهالة : الشحم. وأصل المثل أن رجلا كانت له نعجة عجفاء ، وكان يسيل من أنفها سائل لهزلها ، فقيل له : ما هذا؟ فقال : ودكها : فقيل له : سرعان ذا اهالة. يضرب لمن يخبر بالشىء قبل كينونة وقته ، كما فى أمثال الميدانى.

(٣) ورد فى الأساس غير معزو.

(٤) فى اللسان (نور) عن ابن برى أنه قد يعزى الشعر لأبى شقيق الباهلى ، واسمه جزء بن رباح. والنور : النفار. وهو يخاطب امرأة. يقول : أتنفرين منى؟ ما أسرع هذا. ومنتكث : منتقض ، وحذيق : مقطوع. يقول : قد نقضت عهد الوصل وقطعته.

(٥) الآية ٢٠٢ سورة البقرة ، وتكرر فى مواطن أخر.

(٦) الآية ١٦٥ سورة الأنعام.

٢١٤

ما قال (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١). وقوله تعالى : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً)(٢). قال :

سوأة سوأة لوجه طبيب

ساءنا منظرا وساء صنيعا

إن رآه الصّحيح صار مريضا

أو رآه المريض مات سريعا

__________________

(١) الآية ٨٢ سورة يس

(٢) الآية ٤٣ سورة المعارج

٢١٥

٢٠ ـ بصيرة فى السرف

وهو مجاوزة الحدّ فى النفقة وغيرها ، وفى النفقة أشهر. وتارة يقال اعتبارا بالقدر ، وتارة بالكيفيّة ، ولهذا قال سفيان : ما أنفقت فى غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلا. وقوله تعالى : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ)(١) أى المتجاوزون فى أمورهم الحدّ.

وسمّى قوم لوط مسرفين (٢) لأنّهم تعدّوا فى وضع البذر المحرث (٣) المخصوص بقوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)(٤).

وقوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ)(٥) يتناول الإسراف فى الأموال وغيرها. وقوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)(٦) فسرفه أن يقتل غير قاتله. إمّا بالعدول عنه إلى ما هو أشرف منه ، أو بتجاوز قتل القاتل إلى قتل غيره. حسبما كانت الجاهليّة تفعله (٧).

والسّرفة : دويبّة تأكل الخشب. ومنه : يعمل (٨) السرف فى النشب (٩) ، ما يعمل (١٠) السّرف فى الخشب. وأرض سرفة : كثيرة السّرف.

ورجل سرف الفؤاد ، وسرف العقل : فاسده.

__________________

(١) الآية ٤٣ سورة غافر.

(٢) فى الأصلين : «المسرفين» وما أثبت عن الراغب.

(٣) فى الأصلين : «الحرث» وما أثبت عن الراغب. والمراد بالمحرث المخصوص قبل المرأة.

(٤) الآية ٢٢٣ سورة البقرة.

(٥) الآية ٥٣ سورة الزمر.

(٦) الآية ٣٣ سورة الاسراء.

(٧) فى الأصلين : «تقتله» وما أثبت عن الراغب.

(٨) فى الأساس : «يفعل».

(٩) النشب : المال والعقار.

(١٠) فى الأساس : «يفعل».

٢١٦

٢١ ـ بصيرة فى السرقة

وهى أخذك ما ليس لك أخذه فى خفاء ، [وصار ذلك](١) فى الشّرع [لتناول الشىء](٢) من موضع مخصوص وقدر مخصوص. والسّرقة ، والسّرق ، والسّرق ، بمعنى. قال (٣) أبو المقدام :

سرقت مال أبى يوما فأدّبنى

وجلّ مال أبى يا قومنا سرق

وقال تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ)(٤) ، وقال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٥). وسرقه مالا ، وسرق منه مالا.

والسّرق ـ محرّكة ـ : أجود الحرير ، معرّب.

واسترق السّمع : تسمّع مستخفيا. واسترق الكاتب بعض المحاسبات إذا لم يبرزه. وسرقنا ليلة من الشّهر : إذا نعموا فيها.

ورجل مسترق العنق : قصيرها ، قال :

عكوك إذا مشى درحايه

مسترق العنق قصير الدايه (٦)

__________________

(١) زيادة من الراغب.

(٢) فى الأساس : «أنشد».

(٣) الآية ٧٧ سورة يوسف.

(٤) الآية ٣٨ سورة المائدة.

(٥) العكوك : القصير. وكذلك الدرحاية. والداية أصلها الداية. فقر الكاهل والظهر.

٢١٧

رددته بالصغر والقماية (١)

وهو مسترق القوى : ضعيف.

والسّارقة : الغلّ : الجامعة.

وسرقتنى عينى : غلبتنى.

__________________

(١) الصغر : الذل. والقماية أصلها القماءة ، وهى الذل والقصر.

٢١٨

٢٢ ـ بصيرة / فى السرى والسطح

وهو سير اللّيل. سرى باللّيل وأسريت ، وسريت به وأسريت به. قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)(١) أى ذهب به فى سراة الأرض ، وهى الواسعة من الأرض. وسراة كلّ شىء : أعلاه ، ومنه سراة النهار أى ارتفاعه وأوّله.

وقوله تعالى : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)(٢) ، أى نهرا يجرى ويسرى. وقيل بل ذلك من السرو وهو الرفعة ، يقال : رجل سرىّ من السّروات ، والسّراة ، ومن أهل السّرو ، وهو السّخاء فى مروءة. قال (٣) : وأشار بذلك إلى عيسى صلوات الله عليه وما خصّه به من سرو.

والسّطح : أعلى البيت. وسطح البيت : جعل له سطحا. وسطح الخبز بالمسطح. وسطح الثريدة فى الصّحفة. وسطح مسطّح : مستو. وأنف مسطّح : منبسط جدّا.

والمسطح : عمود الخيمة ؛ والمسطاح : الحصير من الخوص.

وضربه فسطحه : بطحه على قفاه ممتدّا ، فانسطح ، وهو سطيح ، وبه سمّى الكاهن سطيح. والسّطيحة : المزادة.

__________________

(١) صدر سورة الاسراء

(٢) الآية ٢٤ سورة مريم

(٣) كذا فى الأصلين ولم يذكر المقول. والظاهر أن المقول سقط من الناسخ وهو ما جاء فى الأساس :

تسرى فلما حاسب المرء نفسه

رأى أنه لا يستقيم له السرو

٢١٩

٢٣ ـ بصيرة فى السطر والسطو

سطر واستطر : كتب. وكتب سطرا من كتابه ، وسطرا ، وأسطرا ، وسطورا ، وأسطارا. وهذه أسطورة من أساطير الأوّلين ، أى ممّا سطروا من أعاجيب أحاديثهم. وسطر علينا فلان : قصّ علينا من أساطيرهم.

وهو مسيطر علينا ، ومتسيطر : متسلّط. ولما ذا سيطرت علينا ، وتسيطرت؟ وقوله تعالى : لست عليهم بمسيطر (١) ، أى لست عليهم بقائم وحافظ. واستعمال مسيطر هنا كاستعمال القائم فى قوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ)(٢) ، وكالحفيظ فى قوله : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)(٣). وقيل : معناه : لست عليهم بحفيظ ، فيكون المسيطر كالكاتب فى قوله : (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(٤). وقوله : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً)(٥) أى مثبتا محفوظا.

والسّطوة : البطش برفع اليد. وقد سطا به ، قال تعالى : (يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا)(٦) ، وأصله من سطا الفرس على الرّمكة (٧) يسطو : إذا قام على رجليه رافعا يديه ، إمّا مرحا وإمّا نزوا على الأنثى.

وسطا الرّاعى : أخرج الولد من بطن أمّه ميّتا. وسطا بقرنه ، وعلى قرنه : وثب عليه وبطش به. وسطا الماء : كثر وزخر. وما سطوت فى طعام أحد : ما تناولته. ولهم أيد سواط عواط.

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة الغاشية وكتبت فى المصحف (بِمُصَيْطِرٍ) بالصاد وتحت الصاد سين صغيرة على قراءة حفص ، وفيه ابدال السين صادا.

(٢) الآية ٣٣ سورة الرعد

(٣) الآية ١٠٤ سورة الأنعام

(٤) الآية ٨٠ سورة الزخرف

(٥) الآية ٥٨ سورة الاسراء والآية ٦ سورة الأحزاب.

(٦) الآية ٧٢ سورة الحج

(٧) هى الأنثى من الخبل تتخذ للنسل.

٢٢٠