بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

والشحن : الملء. و (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(١) أى المملوء.

والشّحناء عداوة امتلأت منها النّفس.

والشخص : سواد الإنسان القائم المرئىّ من بعيد.

وشخص من بلده : نفذ. وشخص سهمه (٢) وبصره (٣). وأشخصه صاحبه.

وقوله تعالى : (شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٤) أى أجفانهم لا تطرف.

__________________

(١) ورد فى الآية ١١٩ سورة الشعراء. وورد فى مواطن أخرى.

(٢) أى جاوز الهدف من أعلاه ، كما فى المصباح

(٣) أى ارتفع.

(٤) الآية ٩٧ سورة الأنبياء

٣٠١

٥ ـ بصيرة فى الشد والشر

الشدّ : العقد القوىّ. شددت الشىء : قوّيت عقده. قال تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ)(١). والشدّة تستعمل فى العقد وفى البدن وفى قوى النّفس ، قال تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى)(٢) ، يعنى جبرئيل عليه‌السلام.

والشديد والمتشدّد : البخيل. قال تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(٣) فالشّديد يجوز أن يكون بمعنى مفعول كأنّه شدّ ، كما يقال : غلّ عن الإفضال (٤) ، وإلى هذا ذهب اليهود ، قال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(٥). ويجوز أن يكون بمعنى فاعل كالمتشدّد ، كأنّه شدّ صرّته.

وقوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ)(٦) فيه تنبيه أنّ الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوّى خلقه الذى جبل عليه فلا يكاد يزايله بعد ذلك وما أحسن ما أشار إليه الشاعر :

إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن

له دون ما يهوى حياء ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الذى مضى

وإن جرّ أسباب الحياة له الدّهر

__________________

(١) الآية ٤ سورة محمد

(٢) الآية ٥ سورة النجم

(٣) الآية ٨ سورة العاديات

(٤) فى الراغب : «الانفصال» وكأنه محرف عما أثبت.

(٥) الآية ٦٤ سورة المائدة

(٦) الآية ١٥ سورة الأحقاف

٣٠٢

وشدّ فلان واشتدّ : أسرع. وشادّه : قاواه. «ومن يشادّ الدين يغلبه (١)».

والشرّ : نقيض الخير. شررت يا رجل ، وشررت ، شرّا وشرارة وشررا وشرّة. وشررت شاذّ (٢). وفلان شرّ النّاس ولا يقال أشرّ إلّا فى لغة رديئة. هذا قول بعضهم. وقال شمر : ما أخيره وخيره ، وما أشرّه وشرّه ، وهذا أخير منه وأشرّ منه. وقال ابن بزرج : هم الأخيرون والأشرّون ، وهو أخير منك وأشرّ منك. ومنه قول امرأة من العرب : أعيذك بالله من نفس حرّى ، وعين شرّى ، أى خبيثة من الشرّ ، أخرجته على فعلى كأصغر وصغرى. وقرأ أبو قلابة وأبو حيوة وعطيّة بن قيس : من الكذاب الأشَر (٣) ، وهى لغة بنى عامر. وقوم أشرار وأشرّاء. وقال يونس : واحد الأشرار رجل شرّ مثل زيد وأزياد. وقال الأخفش : واحدها شرير ، وهو الرّجل ذو الشرّ ، مثل يتيم وأيتام. وقوله تعالى : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً)(٤) ، أى أسرّ يوسف صلوات الله عليه : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً)(٥) فى السّرق بالصحّة (٦) ؛ لأنهم سرقوا أخاهم حين غيّبوه فى الغيابة (٧) من أبيهم.

__________________

(١) ورد هذا المعنى فى حديث رواه البخارى ، كما فى رياض الصالحين (باب فى الاقتصاد فى العبادة). واللفظ فيه : «أن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد الا غلبه فسددوا وقاربوا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشىء من الدلجة»

(٢) وذلك أن هذا الباب لا يجىء من المضاعف الا نادرا كما فى البيت. وانظر شرح الرضى. للشافية ١ / ٧٧

(٣) الآية ٢٦ سورة القمر وهى قراءة شاذة. وقراءة الناس : «الْأَشِرُ» من الأشر.

(٤) الآية ٧٧ سورة يوسف

(٥) يريد أنه أسر فى نفسه مضمون هذا الكلام

(٦) كذا فى ب أى السرق الصحيح الحق لا ما تعرضون به وترمون به أخا صاحبكم. وفى أ : «بالصبحة» ولا يظهر له معنى هنا. وقوله : «فى الغيابة» أى غيابة الجب.

٣٠٣

وقوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ)(١) ، أى يدعو على نفسه وولده وماله عند الضّجر عجلة ولا يعجّل الله عليه. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والشرّ ليس إليك» أى الشرّ لا يصعد إليك ، وإنّما يصعد إليك الخير.

والشررة والشرارة : ما يتطاير من النّار ، والجمع : شرر وشرار ، قال تعالى : (بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ)(٢).

__________________

(١) الآية ١١ سورة الاسراء

(٢) الآية ٣٢ سورة المرسلات

٣٠٤

٦ ـ بصيرة فى الشرب

شرب الماء وغيره شربا ، وشربا ، وشربا ، وتشرابا ، وشربة : تناوله بفمه. وقرأ أبو جعفر ونافع وحمزة وعاصم وأبو حاتم : (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ)(١) بضمّ الشين. وقرأ مجاهد وأبو عثمان النهدىّ بكسرها ، والباقون بفتحها.

قال أبو عبيدة : الشّرب بالفتح : مصدر ، وبالضمّ والكسر : اسمان من شرب. والشّرب أيضا : جمع شارب.

وقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)(٢) قيل : هو من قولهم : أشربت البعير ، أى شددت حبلا فى عنقه. ويقول الرّجل لناقته : لأشربنّك الحبال والنسوع. وأشربوا إبلكم الأقران (٣) ، أى أدخلوها فيها وشدّوها بها. قال (٤) :

فأشربتها الأقران حتى أنختها

بقرح وقد ألقين كلّ جنين

وكأنّما شدّ فى قلوبهم لشغفهم به. وقال بعضهم : معناه : أشرب فى قلوبهم حبّ العجل. وأشرب فلان حبّ كذا. قال زهير :

__________________

(١) الآية ٥٥ سورة الواقعة

(٢) الآية ٩٣ سورة البقرة

(٣) جمع قرن ـ بالتحريك ـ وهو الحبل

(٤) أى أحد اللصوص من بنى أسد ، كما فى معجم البلدان. ورواية البيت فيه مع الذى قبله :

لقد علمت ذوو الكلابى أننى

لهن بأجواز الفلاة مهين

تتابعن فى الأقران حتى حسبتها

بقرح وقد ألقين كل جنين

وقرح : سوق وادى القرى.

٣٠٥

فصحوت عنها بعد حبّ داخل

والحبّ يشربه فؤادك داء (١)

وذلك أنّ من عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حبّ أو بغض استعاروا له اسم الشراب ، إذ هو أبلغ إنجاع فى البدن. ولذلك قال (٢) :

تغلغل حيث لم يبلغ شراب

ولا حزن ولم يبلغ سرور

ولو قيل : حبّ العجل لم يكن له هذه المبالغة ؛ فإنّ فى ذكر العجل تنبيها أنّه لفرط شغفهم به صارت صورة العجل فى قلوبهم لا تنمحى (٣).

__________________

(١) فى الديوان بشرح ثعلب ٣٣٩ : «تشربه فؤادك».

(٢) أى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وانظر الحماسة بشرح التبريزى (التجارية) ٣ / ٢٩٨.

(٣) ب : «تمحى» وكلاهما جائز.

٣٠٦

٧ ـ بصيرة فى الشرح والشرد والشرط

أصل الشرح بسط اللّحم ونحوه. يقال : شرحت اللحم وشرّحته ، ومنه شرح الصّدر ، أى بسطه بنور إلهىّ وسكينة من جهة الله وروح منه ، [قال (١)] : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٢) ، (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)(٣) ، (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)(٤). وشرح المشكل من الكلام : بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه. وشرح المرأة : أتاها مستلقية. ومنه غطّت مشرحها أى فرجها ، قال دريد بن الصّمّة :

فإنّك واعتذارك من سويد

كحائضة ومشرحها يسيل

يعنى أنك تتبرّأ من دمه وأنت متدنّس به. وفلان يشرح إلى الدّنيا : يميل إليها ويظهر رغبته فيها.

شرد البعير : ندّ. وشرّدت فلانا فى البلاد ، وشرّدت به : فعلت به فعلة يشرد غيره أن يفعل فعله ؛ كقولك : نكّلت به ، أى جعلت ما فعلت به نكلا لغيره أى قيدا. قال تعالى : (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ)(٥) ، أى اجعلهم نكالا لمن يعرض لك بعدهم. وبعير شارد وشرود ، وإبل شرّد وشرد ، وبه

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) أول سورة الشرح

(٣) الآية ٢٥ سورة طه

(٤) الآية ٢٢ سورة الزمر

(٥) الآية ٥٧ سورة الأنفال

٣٠٧

شراد. وتقول : حسبتك راشدا ، فوجدتك شاردا. وقافية شرود : عابرة فى البلاد ، وقواف شرد ، قال :

شرود إذا الراوون حلّوا عقالها

محجّلة فيها كلام محجّل

والشرط ، كلّ حكم متعلّق بأمر يقع بوقوعه ، وذلك الأمر كالعلامة له. وهذا شرطى وشريطتى (١) ، وقد أشرطت كذا. ومنه قيل للعلامة ، الشرط. وأشراط الساعة : علاماتها.

والشرط ، قيل : سمّوا به لكونهم ذوى علامة يعرفون بها ، وقيل : لكونهم أرذال النّاس ، وأشراط الإبل : رذالها.

وأشرط إليه رسولا : قدّمه وأعجله. وهؤلاء شرطة الحرب لأوّل كتيبة تحضرها.

والصّواب فى شرطىّ سكون الرّاء نسبة إلى الشرطة ، والتّحريك خطأ (٢) ؛ لأنه نسب إلى الشّرط الذى هو جمع.

وتشرّط فى عمله : تنوّق وتكلّف شروطا ما هى عليه. وشدّه بالشّريط والشّرط ، وهى خيوط من خوص. وشرط الحجّام بمشرطه. وتقول ربّ شرط (٣) شارط ، أوجع من شرط (٤) شارط.

__________________

(١) فى الأصلين : «شريطى» وما أثبت موافق لما فى اللغة.

(٢) أقره فى القاموس ولم يجعله خطأ. والنسب الى الجمع ورد كثيرا ، ويقيسه الكوفيون.

(٣) الشرط الأول من اشتراط الشروط ، والثانى من شرط الحجام ونحوه. وهذا من سجعات الأساس.

٣٠٨

٨ ـ بصيرة فى الشرع والشرف (*)

عمل بالشّرع والشّريعة والشّرعة. وشرع الله الدّين. [وشرع فى الماء (١)] شروعا. والشرع : نهج الطّريق الواضح. وهو فى الأصل مصدر ، ثم جعل اسما للمنهج ، واستعير ذلك للطّريقة الإلهيّة من الدّين.

وقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)(٢) فذلك (٣) إشارة إلى أمرين :

أحدهما : ما سخّر الله تعالى عليه كلّ إنسان من طريق يتحرّاه ممّا يعود إلى مصالح العباد (٤) ، وعمارة البلاد ، وذلك المشار إليه بقوله : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا)(٥).

الثّانى : ما قيّض له من الدّين ، وأمره به ليتحرّاه اختيارا (٦) ، ممّا تختلف فيه الشرائع ، ويعترضه النّسخ ، ودلّ عليه قوله : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها)(٧). قال ابن عبّاس : الشّرعة : ما ورد به القرآن ، والمنهاج : ما ورد به السنّة.

__________________

(٠) (*) أغفل المؤلف شرحها.

(١) زيادة من الأساس ، ليستقيم الكلام مع المصدر.

(٢) الآية ٤٨ سورة المائدة

(٣) فى الأصلين : «وذلك» والمناسب ما أثبت.

(٤) فى الأصلين : «عباده» وما أثبت يوافق ما فى الراغب. وهو أولى للسجع.

(٥) الآية ٣٢ سورة الزخرف

(٦) ب : «اختبارا»

(٧) الآية ١٨ سورة الجاثية

٣٠٩

وقوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً)(١) الآية ، إشارة إلى الأصول التى تتساوى فيها الملل ، ولا يصحّ عليها النّسخ ، كمعرفة الله تعالى ، ونحو ذلك ممّا دلّ عليه قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(٢).

وقال بعضهم : سمّيت الشريعة تشبيها بشريعة الماء ، من حيث إنّ من شرع فيها على الحقيقة والمصدوقة روى وتطهّر. قال : وأعنى بالرىّ ما قال بعض الحكماء : كنت أشرب فلا أروى ، فلمّا عرفت [الله تعالى (٣)] رويت (فلا أشرب (٤)). وبالتّطهّر ما قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٥). ويقال : الشرائع نعم الشرائع (٦) ، من وردها روى ، وإلّا دوى (٧).

وقوله : (يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً)(٨) جمع شارع. و (شارعة الطريق (٩)) جمعها : شوارع. وشرع الباب إلى الطريق ، وأشرعته. والنّاس فيه شرع : سواء. وشرعك (١٠) ما بلّغك المحلّ. وضربوا الشّرع والأوتار ، الواحدة شرعة.

ومدّ البعير شراعه : عنقه. وبعير شراعىّ العنق وشراعيّها. قال :

شراعيّة الأعناق تلقى قلاصها /

قد استلأت فى مسك كوماء بازل

أى فى بدن البازل وضخمها.

__________________

(١) الآية ١٣ سورة الشورى

(٢) الآية ١٣٦ سورة النساء

(٣) زيادة من الراغب

(٤) فى الأصلين : «بلا شرب» وما أثبت من الراغب.

(٥) الآية ٣٣ سورة الأحزاب.

(٦) دوى أى أصابه الداء والمرض. والشرائع الأولى. السنن الالهية ، والثانية موارد الماء

(٧) الآية ١٦٣ سورة الأعراف

(٨) كذا فى الراغب. والمعروف الشارع للطريق لا الشارعة.

(٩) أى حسبك

٣١٠

٩ ـ بصيرة فى الشرق

شرقت الشمس شروقا : طلعت. وأشرقت : أضاءت. وطلع الشّرق والشّارق أى الشّمس. ويقال : لا أفعل ذلك ما ذرّ (١) شارق ، وما درّ بارق (٢). وقعدوا فى المشرقة ، وتشرّقوا ، وهى المكان الّذى يظهر للشرق ، قال :

وما العيش إلّا نومة وتشرّق

وتمر كأكباد الجراد وماء

ومشريق الباب : الشقّ الذى يقع فيه الشّمس.

وقوله : (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ)(٣) ، أى وقت الإشراق.

والمشرق والمغرب إذا قيلا بالإفراد فإشارة إلى ناحيتى الشرق والغرب ، وإذا قيلا بلفظ التثنية فإشارة إلى مطلعى ومغربى الشتاء والصّيف ، وإذا قيلا بالجمع فاعتبارا بمطلع كلّ يوم ومغربه.

وقوله : (مَكاناً شَرْقِيًّا)(٤) أى من ناحية الشّرق. وقوله : (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ)(٥) ، [أى تطلع عليها الشمس (٦)] دائما.

__________________

(١) أى طلع

(٢) أى سحاب يبرق بالبرق. ودر : سال بالمطر.

(٣) الآية ١٨ سورة ص.

(٤) الآية ١٦ سورة مريم.

(٥) الآية ٣٥ سورة النور.

(٦) زيادة من القاموس. ونصه مع الشرح : قوله تعالى : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أى هذه الشجرة لا تطلع عليها الشمس عند شروقها فقط ، أو وقت غروبها فقط ، ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس بالغداة والعشى فهو أنضر لها وأجود لزيتونها. وهو قول الفراء وغيره من أهل التفسير. وقال الحسن : المعنى أنها ليست من شجر أهل الدنيا أى هى من شجر أهل الجنة. قال الأزهرى : والقول الأول أولى وأكثر».

٣١١

والمشرّق ـ كمعظّم ـ : مصلّى العيد ؛ لقيام الصّلاة فيه عند شروق الشّمس.

وشرقت الشّمس : تكدّر لونها ، واصفرّت للغروب. ومنه أحمر شرق : شديد الحمرة. ولحم شرق : لا دسم (١) فيه.

__________________

(١) فى الأصلين : «دم» وما هنا عن الأساس.

٣١٢

١٠ ـ بصيرة فى شرك

الشّركة والمشاركة : خلط الملكين. وقيل : هو أن يوجد (١) شىء لاثنين فصاعدا ، عينا كان ذلك الشىء أو معنى ؛ كمشاركة الإنسان والفرس فى الحيوانيّة ، ومشاركة فرس وفرس فى الكمتة (٢) والدّهمة (٣) يقال : شركته ، وشاركته ، وتشاركوا ، واشتركوا ، وأشركته فى كذا. قال تعالى : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)(٤) ، وفى الحديث : «اللهمّ أشركنا فى دعاء الصّالحين». ويروى أنّ الله تعالى قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّى شرّفتك وفضّلتك على جميع خلقى ، وأشركتك فى أمرى ، أى جعلتك بحيث تذكر معى ، فأمرت بطاعتك مع طاعتى ، نحو : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٥).

وجمع الشريك : شركاء.

وشرك الإنسان فى الدّين ضربان : أحدهما : الشرك العظيم ، وهو إثبات شريك لله ، تعالى الله عن ذلك ، يقال : أشرك فلان بالله. وذلك أعظم كفر. والثانى : شرك صغير ، وهو مراعاة غير الله معه فى بعض الأمور ، وذلك كالرّياء والنفاق المشار إليه بقوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما)(٦).

__________________

(١) فى الأصلين : «يؤخذ» وما أثبت عن الراغب

(٢) الكمتة : الحمرة الشديدة

(٣) والدهمة : السواد

(٤) الآية ٣٢ سورة طه

(٥) الآية ٣٣ سورة محمد

(٦) الآية ١٩٠ سورة الأعراف

٣١٣

وقوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(١) قال بعضهم : معنى قوله : (وَهُمْ مُشْرِكُونَ) أى واقعون فى شرك الدّنيا أى حبالتها. قال : ومن هذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الشرك فى هذه الأمّة أخفى من دبيب النّمل على الصّفا (٢)». قال : ولفظ الشّرك من الألفاظ المشتركة.

وقوله : (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(٣) فمحمول على الشّركين.

وقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(٤) فأكثر الفقهاء يحملونه (٥) على الكافرين جميعا ؛ لقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ)(٦) ، وقيل : هم من عدا أهل الكتاب ، لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)(٧) ، فأفرد المشركين عن اليهود والنّصارى.

وقيل : إنّ الشرك والشريك ورد فى القرآن على ستة أوجه :

الأوّل : بمعنى الإشراك بالله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ)(٨)(لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(٩) ، (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)(١٠) ونظائره كثيرة.

__________________

(١) الآية ١٠٦ سورة يوسف.

(٢) الصفا : الحجارة الملس.

(٣) الآية ١١٠ سورة الكهف.

(٤) الآية ٥ سورة التوبة

(٥) فى الأصلين : «يحملون» وما أثبت عن الراغب.

(٦) الآية ٣٠ سورة التوبة.

(٧) الآية ١٧ سورة الحج.

(٨) الآية ٣١ سورة الحج.

(٩) الآية ١٣ سورة لقمان.

(١٠) الآيتان ٤٨ و ١١٦ سورة النساء.

٣١٤

الثّانى : الشّرك فى الطاعة : (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(١).

الثالث : الشرك مع أحد فى أمر : (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ)(٢).

الرّابع : الشّرك بمعنى الشّريك إبليس : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما)(٣).

الخامس : بمعنى الأصنام والأوثان : (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ)(٤).

السّادس : بمعنى الشريك المعروف : (فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ)(٥) ، قال :

تأمّل فى نبات الأرض وانظر

إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين فاترات

على أحداقها ذهب سبيك

على قضب الزّبرجد شاهدات

بأنّ الله ليس له شريك

__________________

(١) الآية ١١٠ سورة الكهف.

(٢) الآية ٤٠ سورة فاطر ، والآية ٤ سورة الأحقاف.

(٣) الآية ١٩٠ سورة الأعراف.

(٤) الآية ٤١ سورة القلم.

(٥) الآية ٢٩ سورة الزمر.

٣١٥

١١ ـ بصيرة فى الشرى

وهو يمدّ ويقصر. ويكون بمعنى الاشتراء ، وبمعنى البيع. والشّرى والبيع متلازمان ، فالمشترى دافع الثمن وآخذ المثمن ، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن. هذا إذا كانت المبايعة والمشاراة بناضّ (١) وسلعة. فأمّا إذا كان بيع سلعة بسلعة صحّ أن يتصوّر كلّ منهما بائعا ومشتريا ، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشّرى يستعمل كلّ منهما مكان الآخر. وشريت بمعنى بعت أكثر ، وابتعت بمعنى اشتريت أكثر ، قال تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ)(٢) أى باعوه. ويجوز الشّراء والاشتراء فى كلّ ما يحصّل به شىء ، نحو : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(٣) ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ)(٤) فقد ذكر ما اشترى به وهو قوله تعالى : (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ).

وقيل : ورد الشراء والاشتراء فى التّنزيل على اثنى عشر وجها :

الأوّل : شرى الضّلالة بالهدى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ)(٥).

__________________

(١) الناض : الدراهم والدنانير.

(٢) الآية ٢٠ سورة يوسف.

(٣) الآيتان ١٦ ، ١٧٥ سورة البقرة.

(٤) الآية ١١١ سورة التوبة.

(٥) الآيتان ١٦ ، ١٧٥ سورة البقرة.

٣١٦

الثانى : شرى السحر بالإسلام : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(١).

الثالث : بيع اليهود نعت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنعت الدّجّال : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ)(٢).

الرّابع : شرى كعب بن الأشرف الدّنيا بالآخرة : (اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ)(٣).

الخامس : بيع حيىّ بن أخطب التوراة بثمن بخس : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً)(٤).

السادس : بيع فنحاص بن عازور العهد واليمين بثمن قليل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً)(٥).

السّابع : بيع أهل مكة إيمانهم بالكفر : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ)(٦).

الثامن : بيع الجهّال أحسن الحديث باللهو : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ)(٧).

__________________

(١) الآية ١٠٢ سورة البقرة.

(٢) الآية ٩٠ سورة البقرة.

(٣) الآية ٨٦ سورة البقرة.

(٤) الآية ٤١ سورة البقرة ، والآية ٤٤ سورة المائدة.

(٥) الآية ٧٧ سورة آل عمران.

(٦) الآية ١٧٧ سورة آل عمران.

(٧) الآية ٦ سورة لقمان.

٣١٧

التّاسع : بيع أمير المؤمنين (١) نفسه فداء لسيّد الكونين (٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٣).

العاشر : بيع إخوة يوسف أخاهم : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ)(٤).

الحادى عشر : بيع المؤمنين أموالهم وأنفسهم لمولاهم وخالقهم : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ)(٥).

__________________

(١) يريد به عليا رضى الله عنه اذ تركه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على فراشه ليلة خرج الى الغار فى طريقه الى الهجرة ، وهذا أحد ما قيل فى الآية. وانظر القرطبى ٣ / ٢١.

(٢) ب : «الكون».

(٣) الآية ٢٠٧ سورة البقرة.

(٤) الآية ٢٠ سورة يوسف.

(٥) الآية ١١١ سورة التوبة.

٣١٨

١٢ ـ بصيرة فى شط وشطر وشطن وشيط

الشّطط : الإفراط فى البعد ، يقال : شطّت الدّار ، وأشطّ فى المكان ، وفى الحكم ، وفى السّوم. وعبّر بالشطط عن الجور ، قال تعالى : (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً)(١) ، أى قولا بعيدا عن الحقّ. أنشدنا بعض الأشياخ :

إنّى رأيت فؤادى أمره فرطا

فى حبّ بدر أرى فى شعره قططا (٢)

قالوا : هو البدر ، لا ، بل فاقه ، ولئن

قلنا كذلك قد قلنا إذا شططا

وشطّ النّهر : حيث يبعد عن الماء من حافته.

وشطر الشىء : وسطه ، ونصفه ، قال تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٣) أى وجهته ونحوه. ويقال : شاطرته شطارا ومشاطرة أى ناصفته. وقيل : شطر بصره أى نصّفه ، وذلك إذا أخذ ينظر إليك وإلى آخر. وحلب فلان الدّهر أشطره (٤) ، وأصله فى النّاقة أن تحلب خلفين وتترك خلفين.

والشّاطر : المتباعد من الحقّ. والجمع : شطّار.

شاط يشيط : احترق غضبا. وقيل : منه اشتقاق الشيطان ؛ لكونه مخلوقا من قوّة النّار ، ولكونه من ذلك اختص بالقوّة الغضبيّة والحميّة

__________________

(١) الآية ١٤ سورة الكهف.

(٢) أمر فرط : مجاوز فيه عن الحد. وشعر قطط : جعد غير مسترسل.

(٣) الآيات ١٤٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠ سورة البقرة.

(٤) أى مر به خيره وشره ، كما فى القاموس.

٣١٩

الذّميمة. والأصحّ أنّه من شطن أى تباعد ، ومنه بئر شطون (١). قال أبو عبيدة : الشيطان : اسم لكلّ عارم من الجنّ والإنس والحيوانات.

قوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ)(٢) أى أصحابهم من الجنّ والإنس

وقوله : (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ)(٣) ، قيل : هى حيّة خفيفة الجسم. وقيل : أراد به عارم الجنّ ، فشبّه به لقبح تصوّرها. وقوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ)(٤) هم مردة الجنّ. ويصحّ أن يكونوا هم (٥) ومردة الإنس أيضا.

وسمّى كلّ قوّة ذميمة للإنسان شيطانا. وفى الحديث : «الحسد شيطان. والغضب شيطان». قال :

إنّى وكلّ شاعر من البشر

شيطانه أنثى وشيطانى ذكر

وقال :

أعوذ بالرّحمن من شيطانى

فإنّه للكيد بالإنسان

وقد ورد الشّيطان على وجوه :

الأوّل : بمعنى الكهنة : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ)(٦) أى كهنتهم.

__________________

(١) أى بعيدة القعر.

(٢) الآية ١٤ سورة البقرة.

(٣) الآية ٦٥ سورة الصافات.

(٤) الآية ١٠٢ سورة البقرة.

(٥) المناسب : (أياهم) فانه خبر عن (يكونوا).

(٦) الآية ١٤ سورة البقرة.

٣٢٠