بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

١٠ ـ بصيرة فى ضل

الضّلال ، والضلّ ـ بالفتح ـ والضلّ ـ بالضمّ ـ والضّلالة ، والضلضلة والأضلولة : ضدّ الهدى. وقد ضللت ـ بالفتح ـ تضلّ. وضللت ـ بالكسر ـ تضلّ. وهو ضالّ وضلول. وأضلّه غيره وضلّله.

وضللت بعيرى : إذا كان معقولا فلم تهتد لمكانه ، وأضللته : إذا كان مطلقا فمرّ ولم تدر أين أخذ. وأضللت خاتمى. وضلّ فى الدّين. وهو ضالّ ، وضلّيل ، وصاحب ضلال وضلالة ، ومضلّل (١). ووقع فى أضاليل وأباطيل.

وفلان لضلّة : لغيّة (٢). وذهب دمه ضلّة : هدرا.

وضلّ عنّى كذا : ضاع. وضللته : أنسيته. وأضلّنى أمر كذا : لم أقدر عليه. وأنشد ابن الأعرابىّ :

إنّى إذا خلّة تضيّفنى

يريد مالى أضلّنى عللى

وضلّ الماء فى اللبن ، واللبن فى الماء : غاب. وأضلّ الميّت : دفن.

وفلان ضلّ بن ضلّ ، وقلّ بن قلّ : لا يعرف هو وأبوه. قال :

فإنّ إيادكم ضلّ ابن ضلّ

وإنّا من إيادكم براء

ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج ، عمدا كان أو سهوا ، يسيرا كان أو كثيرا ، فإنّ الطريق المستقيم الذى هو المرتضى صعب جدّا ، ولهذا

__________________

(١) فى أ : «مضليل» وفى ب : «مضيلل». والظاهر أنهما محرقان عما أثبت.

(٢) أى من زنى.

٤٨١

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استقيموا ولن تحصوا (١)». وقيل (٢) : لن تحصوا ثوابه. وقال بعض الحكماء. كوننا مصيبين من وجه ، وكوننا ضالّين من وجوه كثيرة ، فإنّ الاستقامة والصّواب يجرى مجرى المقرطس (٣) من المرمىّ (٤) ، وما عداه من الجوانب كلّها ضلال.

وإذا كان الضلال ترك الطريق المستقيم ، عمدا كان أو سهوا ، قليلا كان أو كثيرا ، صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال فيمن يكون منه خطأ ما. ولذلك نسب الضلال إلى الأنبياء وإلى الكفار ، وإن كان بين الضلالين بون بعيد ، قال تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى)(٥) ، أى غير مهتد لما سيق إليك من النبوّة. و (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(٦) ، وقال : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٧) تنبيها أنّ ذلك منهم (٨) سهو. وقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما)(٩) ، أى تنسى ، وذلك من النّسيان الموضوع عن الإنسان.

والضّلال من وجه آخر ينقسم قسمين : ضلال فى العلوم النظريّة ؛ كالضلال فى معرفة الوحدانيّة ومعرفة النبوّة ونحوهما المشار إليهما بقوله :

__________________

(١) ورد هذا الحديث فى الجامع الصغير عن مسند أحمد وغيره.

(٢) والوجه الآخر أن المعنى : لن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة لعسرها.

(٣) يقال : رمى فقرطس : أصاب القرطاس. وهو الهدف ينصب للنضال.

(٤) فى الراغب : «الرمى»

(٥) الآية ٧ سورة الضحى.

(٦) الآية ٢٠ سورة الشعراء.

(٧) الآية ٨ سورة يوسف.

(٨) كذا وكان الأصل : «منه وفى الراغب ورد هذا تعقيبا على قول موسى : «قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ» ، فأما قوله : «إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» فقال عقبة : «اشارة الى شغفه بيوسف وشوقه اليه».

(٩) الآية ٢٨٢ سورة البقرة.

٤٨٢

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً)(١). / وضلال فى العلوم العمليّة ؛ كمعرفة الأحكام الشرعيّة.

والضّلال البعيد إشارة إلى ما هو كفر. وقوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ)(٢) أى فى عقوبة الضلال البعيد.

وقوله : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ)(٣) كناية عن الموت واستحالة البدن.

وقوله : (وَلَا الضَّالِّينَ)(٤) ، قيل : أراد به النّصارى.

وقوله : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى)(٥) أى لا يغفل عنه.

وقوله : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)(٦) ، أى فى باطل وإضلال لأنفسهم.

والإضلال ضربان : أحدهما أن يكون سببه الضلال ، وذلك على وجهين : إمّا أن يضلّ عنك الشىء ، كقولك : أضللت البعير ، أى ضلّ عنى ، وإمّا أن يحكم بضلاله. فالضلال فى هذين سبب للإضلال.

الضّرب الثانى : أن يكون الإضلال سببا للضلال. وهو أن يزيّن (٧) للإنسان الباطل ليضلّ ، كقوله تعالى : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ (٨) أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ

__________________

(١) الآية ١٣٦ سورة النساء.

(٢) الآية ٨ سورة سبأ.

(٣) الآية ١٠ سورة السجدة.

(٤) الآية ٧ سورة الفاتحة.

(٥) الآية ٥٢ سورة طه.

(٦) الآية ٢ سورة الفيل.

(٧) ب : «يريد».

٤٨٣

إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)(١) أى يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تضلّ ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلّا ما فيه ضلال أنفسهم.

وإضلال الله تعالى للإنسان على وجهين :

أحدهما : أن يكون سببه الضلال. وهو أن يضلّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك فى الدنيا ، ويعدل به عن طريق الجنّة إلى النار فى الآخرة. وذلك الإضلال (٢) هو حقّ وعدل ؛ فإنّ الحكم على الضّال بضلاله ، والعدول به عن طريق الجنّة إلى النار حقّ وعدل.

والثانى من إضلال الله : هو أنّ الله تعالى وضع جبلّة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه ، وتعسّر عليه صرفه وانصرافه عنه. ويصير ذلك كالطبع الذى يأبى على النّاقل ؛ ولذلك قيل : العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعل إلهىّ.

وإذا كان كذلك ، وقد ذكر فى غير هذا الموضع أن كل شىء يكون سببا فى وقوع فعل يصحّ نسبة ذلك الفعل إليه ، فصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه ، فيقال : أضلّه الله ، لا على الوجه (٣) الذى يتصوّره الجهلة. ولما قلنا جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن ، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَ

__________________

(١) الآية ١١٣ سورة النساء.

(٢) فى الأصلين : «اضلال».

(٣) الوجه الذى ينفيه أن معنى اضلال الله العبد خلق الضلال فيه ، وهو مذهب أهل السنة وما ذكره مذهب اعتزالى ، وقد تبع المؤلف فى هذا الراغب.

٤٨٤

قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ)(١) ، (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ)(٢). وقال فى الكافرين : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)(٣) ، (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ)(٤). وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة والأبصار فى قوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ)(٥) ، والختم على القلب فى قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٦) ، وزيادة المرض فى قوله : (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)(٧).

__________________

(١) الآية ١١٥ سورة التوبة.

(٢) الآية ٤ سورة محمد.

(٣) الآية ٨ سورة محمد.

(٤) الآية ٢٦ سورة البقرة.

(٥) الآية ١١٠ سورة الأنعام

(٦) الآية ٧ سورة البقرة

(٧) الآية ١٠ سورة البقرة.

٤٨٥

١١ ـ بصيرة فى ضم وضمر وضن ضنك وضوأ وضهى

الضمّ : قبض شىء إلى شىء ضمّه فانضمّ وتضامّ. قال تعالى : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ)(١).

وأسد ضمضم وضماضم : يضمّ الشىء إلى نفسه ، أو مجتمع الخلق. فرس ضامر وضمر ، ومضمّر ، ومضطمر. وقد ضمر وضمر ضمرا وضمورا. وناقة ضامر ، أى خفيفة اللحم من الأعمال لا من الهزال ، قال تعالى ، (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(٢).

وجرى فى المضمار والمضامير ، وفى ضميرى. وأضمرت شيئا فى قلبى.

والضّنّة ، والضّنّ ، والضّنانة : البخل بالشىء النفيس. ضنّ به يضنّ ، فهو ضنين. قال تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)(٣) ، أى ما هو ببخيل

ضنك عيشه يضنك : ضاق. وهو فى ضنك من العيش ، وضنكه (٤) الله يضنكه. و (عيشة ضنك (٥)) وصف بالمصدر.

والمضنوك : من به ضناك ، أى زكام.

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة طه

(٢) الآية ٢٧ سورة الحج. وفسر الضامر فى الآية بالمهزول من الابل جملا أو ناقة.

(٣) الآية ٢٤ سورة التكوير

(٤) تبع فيما هنا صاحب الأساس ، ولم يرد هذا فى اللسان والقاموس. وانما ورد فيهما أضنكه الله فى الزكام.

(٥) ورد معيشة ضنك فى قوله تعالى فى الآية ١٢٤ سورة طه : «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً»

٤٨٦

والضّوء والضّوء ـ بالفتح وبالضمّ ـ : الضّياء قال : تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ)(١). ضاءت النّار (٢) ضوءا وضوءا ، وأضاءت مثله ، وأضاءته النّار ، لازم و (٣) متعدّ ، قال تعالى : (أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ،) وقال النابغة الجعدىّ رضى الله عنه :

فلمّا دنونا لجرس النبوح

ولا نبصر الحىّ إلا التماسا (٤)

أضاءت لنا النار وجها أغرّ

(م) ملتبسا بالفؤاد التباسا

وقوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)(٥). قال ابن عرفة : هذا مثل ضربه الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : يكاد منظره يدل على نبوّته وإن لم يتل قرآنا ؛ كما قال عبد الله بن رواحة رضى الله عنه :

لو لم تكن فيه آيات مبيّنة

كانت بديهته تنبيك بالخبر

والمضاهاة : المشاكلة ، تقول : ضاهيت وضاهأت ، يهمز ولا يهمز. وقرأ عاصم : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٦) بالهمز ، والباقون بغير همز.

__________________

(١) الآية ٤٨ سورة الأنبياء.

(٢) فى الأصلين : «النار الدار». ومقتضاه أن ضاء متعد ، وهو لا يعرف. وكأن ناسخا سبق قلمه الى تكرار النار فجاء من بعده فجعل الثانية الدار فرارا من التكرار.

(٣) سقطت الواو فى ب.

(٤) جرس النبوح : صوت الكلاب النابحة. والنبوح : جمع نابح كالقعود فى جمع قاعد.

(٥) الآية ٣٥ سورة النور.

(٦) الآية ٣٠ سورة التوبة.

٤٨٧

١٢ ـ بصيرة فى ضير وضيز وضيع وضيف وضيق

الضير : المضرّة ، قال تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ)(١). ضاره يضيره ضيرا. هذا ممّا لا يضيرك ، ولو فعلته لم يضرك.

ضازه حقّه : منعه ونقصه. (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى)(٢) ، أى ناقصة ، وأصلها ضيزى (٣) ، فكسرت الضاد للياء ، وليس فى الكلام فعلى (٤).

ضاع عياله ضيعة وضياعا. وتركهم بضيعة ومضيعة ، وأضاعهم وضيّعهم. ويقال : إضاعة النساء ألّا يزوّجن الأكفاء (٥). قال تعالى : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(٦).

وما ضيعتك : ما صنعتك وعملك.

وأصل الضّيف الميل. ضاف إليه ، وضاف عنه. وضافت الشمس ، وضيّفت وتضيّفت : مالت للغروب. قال بشر :

طاو برملة أورال تضيّفه

إلى الكناس عشىّ بارد خصر (٧)

__________________

(١) الآية ٥٠ من سورة الشعراء.

(٢) الآية ٢٢ سورة النجم.

(٣) فى الأصلين : «ضوزى» والمناسب ما أثبت.

(٤) يريد ليس فى الكلام فعلى بكسر الفاء وصفا ، وأنما يأتى فى الأسماء كذكرى.

(٥) فى الأساس : «فى الأكفاء».

(٦) الآية ٥٦ سورة يوسف.

(٧) أورال : ثلاثة أجبل ، كل منها يسمى ورلا. وقوله : «خصر» فى الأساس : «صرد».

٤٨٨

وسمّى الضّيف ضيفا لميله إلى النزول بك ، وصارت الضّيافة متعارفة فى القرى. وأصل الضّيف مصدر ؛ ولذلك استوى فيه الواحد والجمع فى عامّة كلامهم ، قال تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي)(١) ، وقال تعالى (٢) : (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)(٣) ، وقد يقال : أضياف وضيوف وضيفان.

وأضاف إليه أمرا : أسنده إليه واستكفاه (٤).

وهو يأخذ بيد المضاف ، وهو المحرج المحاط به. ونزلت به مضوفة : بليّة وهمّ. قال أبو جندب الهذلىّ :

وكنت إذا جارى دعا لمضوفة

أشمّر حتى ينصف الساق مئزرى (٥)

ورواه أبو سعيد : لمضيفة ، ولمضافة. وهما بمعنى همّ وحاجة.

وضفته أضيفه ضيفا وضيافة ، أى نزلت عليه ضيفا.

والأسماء المتضايفة : ما يثبت بثبوته آخر ؛ كالأب ، والأخ ، والصديق ونحوه ؛ فإنّ كلّ ذلك يقتضى وجوده وجود آخر.

والضّيق : ضدّ السعة. ضاق المكان يضيق ، وتضايق ، وتضيّق. وفيه ضيق وضيق. والضّيقة يستعمل فى الفقر والغمّ والبخل ونحو ذلك.

__________________

(١) الآية ٦٨ سورة الحجر.

(٢) ب : «قوله»

(٣) الآية ٢٤ سورة الذاريات.

(٤) فى الأساس : «استكفأه» بالهمز والمناسب ماهنا. يقال : استكفيته أمرا : طلبت اليه أن يكفينى فعله وينوب عنى فيه.

(٥) ب : «يبلغ» فى مكان «منصف» وانظر ديوان الهذليين ٣ / ٩٢.

٤٨٩

قال تعالى : (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً)(١) ، أى عجز عنهم.

وقد يعبّر به عن الحزن فى قوله : (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)(٢) ، (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ)(٣) ، (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ)(٤).

[وقوله] : (وَلا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ)(٥) ينطوى على تضييق النفقة وتضييق الصّدر. ووقع فى مضيق من أمره ومضايق. وضايقه فى كذا : لم يسامحه.

آخر باب الضّاد.

__________________

(١) الآية ٧٧ سورة هود ، والآية ٣٣ سورة العنكبوت.

(٢) الآية ١٢ سورة هود.

(٣) الآية ١١٨ سورة التوبة

(٤) الآية ١٢٧ سورة النحل.

(٥) الآية ٦ سورة الطلاق.

٤٩٠

الباب السّابع عشر

فى الكلمات المفتتحة (بحرف الطاء (١))

وهى : الطاء ، وطبع ، وطبق ، وطحو ، وطرح ، وطرد ، وطرف ، وطرق ، وطرى ، وطس (٢) ، وطعم ، وطعن ، وطغى ، وطف ، وطفق وطفل ، وطل ، وطفئ ، وطلح ، وطلع ، وطلق ، / وطمث ، وطمس ، وطمع ، وطمن ، وطود ، وطور ، وطوع ، وطوف ، وطوق ، وطول ، وطوى ، وطهر ، وطيب ، وطين.

__________________

(١) ب : «بالطاء».

(٢) كان الأولى ألا يذكر هذا هنا ، ولم يعرض له فيما سيأتى من البصائر ، والمراد الحرفان الطاء والسين اللتان تركب منهما صدر سورة النمل ، ويضاف اليهما الميم فى سورتى الشعراء والقصص. وقد تبع فى ايرادها الراغب. وهو يقول : «هما حرفان. وليس من قولهم : طس وطسوس فى شىء» والطس : الطست ، والطسوس جمعه.

٤٩١

١ ـ بصيرة فى الطاء

وهى ترد على عشرة أوجه :

١ ـ حرف من حروف الهجاء ، مخرجه طرف اللسان قريبا من مخرج التاء ، يجوز قصره ومدّه ، وتذكيره وتأنيثه. والفعل منه من اللفيف المقرون ، تقول : طيّيت طاء حسنة وحسنا ، وجمعه : أطواء وطاءات.

٢ ـ اسم لعدد التسع فى حساب الجمّل.

٣ ـ الطاء الكافية ؛ كقوله تعالى : (طه) و (طس) ، فقد فسّرتا به (١) إشارة إلى طول الله ، أو إلى طهارة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو إلى طرب أهل الجنّة ، أو إلى طبل الغزاة ، أو إلى طوبى.

٤ ـ الطاء المكرّرة ، مثل : خطط.

٥ ـ الطاء المدغمة مثل حطّ وقطّ.

٦ ـ طاء العجز والضرورة. فكثيرون ينطقون بالطاء بصيغة التاء.

٧ ـ الطاء الأصلىّ ، نحو ما فى : طلب ، وبطل ، ولبط.

__________________

(١) أى بالطاء الكافية.

٤٩٢

٨ ـ الطاء المبدلة من التاء ، نحو : اصطلح واصطبر.

٩ ـ الطاء المبدلة من الدّال ، نحو : انقطت (١) مكان انقدت.

١٠ ـ الطاء اللغوى. قال الخليل : الطاء : الرّجل الكثير الوقاع ، وأنشد

إنّى وإن قلّ عن كلّ المنى أملى

طاء الوقاع قوىّ غير عنّين

__________________

(١) ومثل هذا قولهم : فحصط فى فحصت كما فى شرح الرضى للشافية ١ / ١٨.

٤٩٣

٢ ـ بصيرة فى طبع

الطبع ، والطبيعة ، والطّباع : السّجيّة التى جبل عليها الإنسان ، وفى الحديث : «الرّضاع يغيّر الطّباع».

والطّباع : ما ركّب فى الإنسان من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق التى لا يزايلها (١). يقال : فلان كريم الطباع. وهو اسم مؤنّث (٢) على فعال ، نحو : مثال ، ومهاد.

والطّبع : الختم : وهو التأثير فى الطّين. وقوله تعالى : (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٣) ، أى نختم عليها مجازاة لهم فلا يدخلها الإيمان. وقيل : الطبع : أن يصوّر الشىء بصورة ما ، كطبع السّكّة (٤) وطبع الدّراهم. وهو أعمّ من الختم وأخصّ من النقش.

والطابع ، والخاتم : ما يطبع به ويختم. والطابع : فاعل ذلك. وقيل للطابع طابع أيضا ؛ وذلك كنسبة الفعل إلى الآلة ، نحو : سيف قاطع. وطبيعة الدواء ونحوها : ما سخّر الله تعالى له من مزاجه.

__________________

(١) الأولى : تزايله ، كما هو مقتضى عبارة القاموس ، وان كانت المزايلة من الجانبين.

(٢) فى التاج أنه مذكر عند بعض اللغويين

(٣) الآية ١٠٠ سورة الأعراف.

(٤) هى حديدة منقوشة يضرب عليها النقود.

٤٩٤

(وطبع السيف : صدؤه (١)) ورجل طبع : لئيم دنس. وقد حمل بعضهم قوله تعالى : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٢) على ذلك ، ومعناه : دنّسه ، كقوله : (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٣) ، وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ)(٤).

وقد تقدّم فى بصيرة ضلّ ما فيه كفاية إن شاء الله.

__________________

(١) ما بين القوسين فى الأصلين محرف. ففيهما : «بطبع السيف ضده» والتصويب من الراغب.

(٢) من الآية ١٠٨ سورة النحل ، والآية ١٦ سورة محمد

(٣) الآية ١٤ سورة المطففين.

(٤) الآية ٤١ سورة المائدة

٤٩٥

٣ ـ بصيرة فى طبق

الطبق : غطاء كلّ شىء ، والذى يؤكل عليه ، وينقل فيه الطعام ونحوه ، والجمع : أطباق ، وأطبقة (١). وطبّقه ، وأطبقه فتطبّق وانطبق.

قال الشاعر :

ما من صديق وإن تمّت صداقته

يوما بأنجح للحاجات من طبق

إذا تلثّم بالمنديل منطلقا

لم يخش صولة بوّاب ولا غلق

لا تكذبنّ فإنّ الناس قد خلقوا

عن رغبة يكرمون النّاس أو فرق

والطّبق أيضا من كل شىء : ما ساواه. والجمع : أطباق. وقد طابقه مطابقة وطباقا.

وهى ـ أعنى المطابقة ـ من الأسماء المتضايفة ، وهو أن يجعل الشىء فوق شىء آخر بقدره. ومنه مطابقة النعل ، قال الشاعر :

إذا لاوذ الظلّ القصير بخفّه

وكان طباق الخفّ أو قلّ زائدا

__________________

(١) قال فى التاج : غريب لم أجده فى أمهات اللغة.

٤٩٦

ثم يستعمل الطباق فى الشىء (١) الذى يكون فوق الآخر تارة ، وفيما يوافق غيره تارة ، كسائر الأسماء الموضوعة لمعنيين ثم يستعمل فى أحدهما دون الآخر ، كالكأس ، والراوية ونحوها (٢). قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً)(٣) ، أى طبقة فوق طبقة ، أو طبقا (٤) فوق طبق.

وقوله : لتركبَن طبقا عن طبق (٥) ، أى / تترقّى منزلا عن منزل. وذلك إشارة إلى أحوال الإنسان من ترقّيه فى أحوال شتّى فى الدنيا ، نحو ما أشار إليه بقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ)(٦) ، وأحوال شتّى فى الآخرة : من النشور ، والبعث ، والحساب ، والصّراط ، إلى حين المستقرّ فى إحدى الدّارين.

وهذا طباقه ، وطبقه ، وطبيقه ، وطبقه ، أى مطابقه.

وطبّق العنق : أصاب المفصل فأبانها ، ومنه سيف مطبّق.

__________________

(١) يريد أن الطباق هو الشىء يجعل فوق آخر بقدره ، ففيه شيئان : الفوقية والمساواة والموافقة ، وقد يستعمل فى أحدهما دون الآخر فيجعل للموافق للشىء وان لم يكن فوقه. ومثله بالكأس والراوية ، فالكأس فى الأصل القدح فيه شراب ، وقد يستعمل فى القدح وحده ، وفى الشراب وحده غير مراعى اناؤه. والراوية : البعير يستقى عليه الماء ، أى تحمل عليه المزادة والقربة ، وتقال الراوية للبعير وحده وللمزادة وحدها.

(٢) كذا. والأولى «نحوهما».

(٣) الآية ٣ سورة الملك.

(٤) فى الأصلين «طبق» والمناسب ما أثبت.

(٥) الآية ١٩ سورة الانشقاق. وهو يريد قراءة ابن كثير وحمزة والكسائى وخلف بفتح الباء فى (لتركبَن) ، بدليل قوله : «أى تترقى منزلا عن منزل». وقراءة غيرهم بضم الباء كما فى الاتحاف.

(٦) الآية ٢٠ سورة الروم. وورد فى آيات أخرى.

٤٩٧

ومطر وجراد مطبق : عامّ.

ومضى طبق بعد طبق : عالم من النّاس بعد عالم ، قال العبّاس رضى الله عنه :

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق (١)

والدّهر أطباق : حالات. وفلان على طبقات شتّى ، والنّاس طبقات : منازل ودرجات بعضها أرفع من بعض.

وأطبقوا على الأمر : أجمعوا.

وبنات طبق : الدّواهى ، وأصلها الحيّة لشبهها بالطبق إذا استدارت ، أو لأنّها تمسك تحت طبق السّفط (٢) ، أو لإطباقها على الملسوع.

وجنون مطبق ، وحمّى مطبقة ، وسنة مطبقة (٣) ، من أطبقه : غطّاه. وأطبق شفتيك : اسكت.

__________________

(١) من قصيدة فى مدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) هو ما يوضع فيه الشىء كالجوالق أو القفة.

(٣) أى شديدة ، كما فى الأساس.

٤٩٨

٤ ـ بصيرة فى طحو وطرح وطرد وطرف

طحا الله الأرض طحوا : بسطها ، قال تعالى : (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها)(١). وطحا به الهوى ، وطحا به همّه : ذهب به. قال (٢) :

طحا بك قلب فى الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حان مشيب

وطحا على الأرض : امتدّ. طحوته : مددته. وطحا بالكرة : رمى بها. ومظلّة طاحية : عظيمة منبسطة.

والطّرح : رمى الشىء وإبعاده. طرح الشىء ، وبه : ألقاه. وطرح له الوسادة والمطارح ، أى المفارش ، الواحد مطرح كمفرش. وطرح الرّداء على عاتقه. ورأيت عليه طرحة مليحة.

وطرّح الأشياء تطريحا ، شدّد للكثرة. وطرّح البناء : رفعه. وجاء يمشى متطرّحا : متساقطا. وشىء طرح : مطروح لقلة الاعتداد به ، قال تعالى : (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً)(٣). واطرح بعينك : انظر.

والطّرد ـ محركة ـ : الإبعاد استخفافا. تقول : طردته فذهب ، لا يقال منه انفعل ولا افتعل إلّا فى لغة رديئة ؛ والرّجل مطرود وطريد. وقال ابن

__________________

(١) الآية ٦ سورة الشمس.

(٢) أى علقمة بن عبدة. والبيت مطلع قصيدة له مفضلية.

(٣) الآية ٩ سورة يوسف.

٤٩٩

السّكيت يقال : طردته : إذا نفيته عنك وقلت له : اذهب عنّا. وأطرده (١) إذا أخرجه من بلده ، وأمر أن يطرد من كل مكان حلّه. وطرد الإبل طردا وطردا : ضمّها من نواحيها.

وطريدك : من يولد بعدك. والطريدان : الليل والنهار ، كلّ واحد منهما طريد صاحبه. قال الفرزدق :

ألا إنّما أودى شبابى وانقضى

على مرّ ليل دائب ونهار

يعيدان لى ما أمضيا وهما معا

طريدان لا يستلهيان قرارى (٢)

__________________

(١) فى الأصلين : «طرده» والذى فى اللغة ما أثبت.

(٢) فى اللسان فى شرح (لا يستلهيان قرارى) : «لا ينتظران قرارى ولا يستوقفانى. والأصل فى الاستلهاء بمعنى التوقف أن الطاحن اذا أراد أن يلقى فى فم الرحى لهوة وقف عن الادارة وقفة ، ثم استعير ذلك ووضع موضع الاستيقاف والانتظار. واللهوة واللهوة «بفتح اللام وضمها» : ما ألقيت فى فم الرحى من الحبوب للطحين». وانظر الديوان ٤٣٧.

٥٠٠