بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

٢٤ ـ بصيرة فى السعد

السّعادة : معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير. وتضادّها الشّقاوة. سعدت به ، وسعدت ، وهو سعيد ومسعود ، وهم سعداء ومساعيد. وأسعده الله ، وأسعد جدّه. وأعظم السّعادات الجنّة ، ولذلك قال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ)(١)

والمساعدة : المعاونة بما يظنّ به سعادة. وقولهم : لبّيك وسعديك أى أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد ، أو أساعدك مساعدة بعد مساعدة. والأولى أولى.

والإسعاد فى البكاء خاصّة. وقد استسعدته فأسعدنى. وأسعدت النّائحة الثّكلى : أعانتها على البكاء والنّوح.

وسعدانة البعير : كركرته (٢) ، ومن النعل : عقدة الشّسع تحتها. وسعدانات الميزان : عقد فى أسفله. وسعدانة الثّدى : سواد حول الحلمة.

ويقال فى السّؤال عن الخير والشرّ : أسعد أم (٣) سعيد. وأمر ذو سواعد : ذو وجوه ومخارج

__________________

(١) الآية ١٠٨ سورة هود.

(٢) الكركرة : صدر البعير وكل ذى خف.

(٣) أصل هذا المثل أن ضبة بن أد كان خرج ولداه سعد وسعيد لغرض لهما فرجع سعد ولم يرجع سعيد. وانظر القاموس (سعد).

٢٢١

٢٥ ـ بصيرة فى السعر والسعى

سعر النّار وأسعرها وسعّرها : ألهبها ، فاستعرت / وتسعّرت ، والحرب : اشتعلت. والمسعر : الخشب الّذى يسعر به. وناقة مسعورة : موقدة مهيجة. والسّعار : حرّ النّار ، وحرّ الليل ، وتوهّج العطش. وسعر ـ كعنى ـ : أصابه حرّ. وقوله تعالى : (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ)(١) أى الحميم ، فعيل بمعنى مفعول. وهو مسعر (٢) الحرب ، وهم مساعر الحروب.

وأسعر الأمير للنّاس وسعّر لهم ، تشبيه باستعار النّار.

والسّعى : المشى السّريع. ويستعمل للجدّ خيرا كان أو شرّا ، قال : (وَسَعى فِي خَرابِها)(٣) ، وقال : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ)(٤). وأكثر ما يستعمل فى الأفعال المحمودة. وقد سعى إلى المجد ، وهو يسعى إلى الغاية. ويسعى على عياله : يكسب لهم ، ويقوم بمصالحهم. قال أبو قيس بن الأسلت :

أسعى على جلّ بنى مالك

كلّ امرئ فى شأنه ساعى (٥)

__________________

(١) الآية ٤ سورة الحج. وورد فى مواطن أخرى.

(٢) فى الأصلين : «يسعر» وما أثبت هو المناسب. وهو عن الأساس.

(٣) الآية ١١٤ سورة البقرة.

(٤) الآية ٨ سورة التحريم.

(٥) من قصيدة مفضلية مطلعها :

قالت ولم تقصد لقيل الخنى

فهلا فقد أبلغت أسماعى

٢٢٢

وهو من أهل المساعى ، أى المكارم

وقوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)(١) ، أى أدرك (٢) ما سعى فى طلبه.

وخصّ السّعى فيما بين الصّفا والمروة من المشى ، والسّعاية بالنميمة ، وبأخذ الصّدقات ، وبكسب المكاتب لعتق رقبته ، وبالوشى إلى السّلطان.

وأمّتهم مساعية ، أى زانية. وخصّت المساعاة بالفجور ، والمسعاة بطلب المكرمة.

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ)(٣) ، أى اجتهدوا فى أن يظهروا لنا عجزا فيما أنزلناه من الآيات.

__________________

(١) الآية ١٠٢ سورة الصافات

(٢) تبع فى هذا الراغب. والذى فى البيضاوى أن المعنى أن اسماعيل بلغ السن التى يقضى فيها الحوائج ، ويقال انه كان له حينئذ ثلاث عشرة سنة ، فهذا أوان بلوغ السعى.

(٣) الآية ٥١ سورة الحج ، والآية ٥ سورة سبأ.

٢٢٣

٢٦ ـ بصيرة فى السغب والسفر والسفع

السّغب : الجوع فى تعب. وهو ساغب لاغب. وقد سغب وسغب. وبه سغب ومسغبة ، قال تعالى : (فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)(١). وربّما قيل فى العطش مع التّعب : سغب يسغب سغبا وسغوبا ، فهو ساغب وسغبان ، نحو عطشان. ويقال : لو بقى اللّيث فى الغابة ، لمات من السّغابة.

والسّفر : كشف الغطاء ويختصّ ذلك بالأعيان ، نحو سفر العمامة عن الرّأس ، والخمار عن الوجه. وسفر البيت : كنسه بالمسفر (٢) أى المكنس ، وذلك إزالة السفير عنه ، أى التّراب (٣) الذى يكنس.

والإسفار يختصّ باللّون ، نحو : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)(٤) ، أى أشرق لونه و (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ)(٥). وأسفروا بالصّبح تأخّروا ، من قولهم : أسفرت : دخلت فيه ، نحو أصبحت.

وسافر سفرا بعيدا. وبينى وبينه مسافر بعيد. وهو مسفار : كثير الأسفار. وبعير مسفر : قوىّ على السّفر. وهم سفر وسفّار. وأكلوا السّفرة ، وهى طعام السّفر.

وسفرت بين القوم سفارة. ومشى بينهم السّفير والسّفراء.

__________________

(١) الآية ١٤ سورة البلد.

(٢) كذا فى الراغب. والذى فى القاموس واللسان : المسفرة للمكنسة.

(٣) الذى فى اللسان والقاموس أنه الورق الذى يسقط من الشجر.

(٤) الآية ٣٤ سورة المدثر.

(٥) الآية ٣٨ سورة عبس.

٢٢٤

وامرأة سافر ، ونساء سوافر. وسفرت قناعها عن وجهها. وما أحسن مسفر وجهه ، ومسافر وجوههم. قال امرؤ القيس :

ثياب بنى عوف طهارى نقيّة

وأوجههم بيض المسافر غرّان (١)

وسفر الكتاب : كتبه. والكرام السّفرة : الكتبة. والسّفر : الكتاب الّذى يسفر عن الحقائق ، قال تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(٢). وخصّ لفظ الأسفار فى هذا المكان تنبيها أنّ التوراة وإن كانت تحقّق ما فيها ، فالجاهل لا يكاد يستبينها (كالحمال الحامل (٣)) لها. وقوله : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ)(٤) ، هم الملائكة الموصوفون بقوله : (كِراماً كاتِبِينَ)(٥). و (جعلنى (٦) كذا) طول ممارسة الأسفار (٧) ، وكثرة مدارسة الأسفار (٨). وربّ رجل رأيته مسفّرا ، ثمّ رأيته مفسّرا أى مجلّدا (٩). وسفرت الحرب : ولّت. وأسفرت : اشتدّت. ووجه مسفر / : مشرق سرورا.

__________________

(١) من مقطوعة له يمدح فيها بنى عوف تميم ، وكانوا أحسنوا جواره. وفى الديوان ٨٣ : «المشاهد» بدل «المسافر».

(٢) الآية ٥ سورة الجمعة.

(٣) فى الأصلين : «كالحامل» وما أثبت عن الراغب.

(٤) الآية ١٥ سورة عبس.

(٥) الآية ١١ سورة الانفطار.

(٦) فى الأساس : «حطمنى».

(٧) الأسفار الأولى جمع سفر فعل المسافر ، والأسفار الثانية جمع سفر للكتاب.

(٨) هذا تفسير للكلمة الأولى ، وهو مفعل من السفر. وهى عبارة الأساس ـ وظاهر أن هذا كان مستعملا فى زمان الزمخشرى. ولم أقف على هذا لغيره.

٢٢٥

و (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ)(١). والرّسول والملائكة والكتب مشتركة فى كونها سافرة عن القوم ما استبهم عليهم.

والسّفع : الأخذ بسفعة الفرس ، أى بسواد (٢) ناصيته ، قال : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ)(٣). وباعتبار السّواد قيل للأثافىّ : سفع. وكلّ صقر وكلّ ثور وحشىّ أسفع. وسفعته النّار : لفحته. وتسفّع بها : اصطلى ، قال :

يا أيّها القين ألا تسفّع

إنّ الدّخان بالسّراة ينفع (٤)

وسافعه : لاطمه. وفى الحديث : «أنا وسفعاء الخدّين الحانية على ولدها كهاتين» ، أراد الشّحوب من الجهد ، فهذا ممّا يترك الوجه أسفع. قال جرير :

ألا ربّما بات الفرزدق نائما

على مخزيات تترك الوجه أسفعا (٥)

وأصابته سفعة عين ولمم من الشيطان ، كأنّه استحوذ عليه فسفع بناصيته. ورجل مسفوع ومعيون.

وسافعها : زنى بها.

__________________

(١) فى الآية ٣٨ سورة عبس.

(٢) السفعة : سواد أشرب حمرة ، ولا يختص بالناصية ، كما قد يوهمه كلامه الذى تبع فيه الراغب.

(٣) الآية ١٥ سورة العلق.

(٤) أنشده فى الأساس فى المادة. وقال عقبة : «لأنها بلاد برد» يريد السراة. وهى الأرض الحاجزة بين تهامة واليمن ، وهى باليمن أخص. وانظر معجم البلدان.

(٥) من قصيدة فى هجاء الفرزدق. وفى الديوان : «حر نار» فى مكان «مخزيات».

٢٢٦

٢٧ ـ بصيرة فى السفك والسفل والسفن

السّفك فى الدّم : صبّه. وكذا فى الجواهر المذابة ، وفى الدّمع

والسّفل : ضدّ العلو ، سفل الحجر وغيره سفولا. وعلا السنان وسفل الزجّ (١). ومررت بعالية النّهر وسافلته. واشترى الدّار بعلوها وسفلها. ونزل أسفل منّى ، قال تعالى : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)(٢). وقعد فى علاوة الريح وسفالتها. وسفلة البعير : قوائمه. وأمره كلّ يوم إلى سفال. وقد سفل فى النّسب وفى العلم ، واستفل وتسفّل. وهو من السّفلة ، استعير من سفلة الدّابة. فمن قال : السّفلة فهو تخفيف كاللّبنة فى اللبنة. أو جمع سفيل كعلية فى جمع علىّ.

وهو يسافل فلانا : يباريه فى أفعال السّفلة. وقد سفل النّاس سفالة ، وأمرهم فى سفال.

والسّفن : القشر. سفن النّجّار العود ، والرّيح التراب عن وجه الأرض. قال امرؤ القيس :

__________________

(١) الزج : الحديدة فى أسفل الرمح.

(٢) الآية ٤٢ سورة الأنفال.

٢٢٧

فجاء خفيّا يسفن الأرض صدره

ترى التّرب منه لاصقا كلّ ملصق (١)

ومنه السّفينة لأنّها تسفن الماء ، كما تمخره ، والجمع : سفين ، وسفن ، وسفائن.

وأجود من أبى سفّانة ، وهو كنية حاتم.

__________________

(١) هذا فى الحديث عن ربىء بعثه امرؤ القيس وصحبه لينظر لهم مكان الصيد. يقول : أن هذا الربىء تستر من الصيد فلصق بالأرض فى سيره. وفى الديوان ١٧٢ «بطنه» بدل «صدره»

٢٢٨

٢٨ ـ بصيرة فى السفه والسفر والسقط

السّفه : خفّة فى البدن. ومنه قيل : زمام سفيه ، أى كثير الاضطراب ، وثوب سفيه : مهلهل ردىء النّسج. واستعمل فى خفّة النّفس لنقصان العقل فى الأمور الدّنيويّة والأخرويّة ، فقيل : سفه نفسه ، وأصله سفه نفسه ، فصرف عنه الفعل نحو : (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها)(١) ، قال تعالى فى السّفه الدّنيوىّ : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ)(٢) ، وفى السّفه الأخروىّ :

(وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً)(٣) ، هذا هو السّفه فى الدّين. وقال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ)(٤) تنبيها أنهم هم السفهاء فى تسمية المؤمنين سفهاء. وعلى ذلك قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ)(٥).

والسّقر والصّقر : تغيير اللّون. سقرته الشّمس وصقرته : لوّحته. وجعل سقر علما لجهنم ، ولمّا كان يقتضى التلويح فى الأصل نبّه بقوله : (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ)(٦) أنّ ذلك مخالف لما تعرفه من أحوال السّقر فى الشّاهد.

والسّقوط : اطّراح (٧) الشّىء ، إمّا من مكان عال إلى مكان منخفض ، كالسّقوط من السّطح ، وسقوط منتصب القامة. والسّقط والسّقاط لما يقلّ

__________________

(١) الآية ٥٨ سورة القصص.

(٢) الآية ٥ سورة النساء.

(٣) الآية ٤ سورة الجن.

(٤) الآية ١٣ سورة البقرة.

(٥) الآية ١٤٢ سورة البقرة.

(٦) الآية ٢٧ سورة المدثر.

(٧) كذا فى ا ، وفى ب : «اخراج» وقد نقلها هكذا صاحب التاج ، وفى الراغب : «طرح» ، وكل هذه مصادر متعدية ، والمناسب تفسير السقوط باللازم.

٢٢٩

الاعتداد به. وسقاطة البيت وسقطه وأسقاطه : أثاثه ، من نحو الفأس والقدر والإبرة. وأعطانى / سقاطة المتاع أى رذاله. ومنه قيل : رجل ساقط أى لئيم فى حسبه. وقد أسقطه كذا.

وأسقطت المرأة اعتبر فيه الأمران ، السّقوط من عال والرداءة جميعا ؛ فإنّه لا يقال أسقطت المرأة إلّا فى الّذى تلقيه قبل التّمام. ومنه قيل لذلك الولد : سقط. وبه شبّه سقط الزّند.

وقرئ : (تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا)(١) أى تساقط (٢) النّخلة ، وقرئ (٣) (تسّاقط) أى يسّاقط الجذع.

وسقط فى يده وأسقط وسقط على المبنىّ للفاعل : ندم. وهو مسقوط فى يده ، وساقط فى يده أى نادم. ومسقط رأسك : مولدك. وهو ساقط من السّقّاط ، وساقطة من السّواقط ، أى لئيم.

وأسقط فى حسابه وكتابه : أخطأ. ولا يخلو أحد من سقطة ومن سقطات. وتسقّطته : تتبعت عثرته ، وأن يندر (٤) منه ما يؤخذ عليه ، قال :

ولقد تسقّطنى الوشاة فصادفوا

حصرا بسرّك يا أميم ضنينا (٥)

وتسقّط الخبر : أخذه شيئا بعد شىء. وهو يساقط العدو : يأتى به على مهل.

__________________

(١) الآية ٢٥ سورة مريم.

(٢) هى قراءة حفص.

(٣) هى قراءة أبى بكر عن عاصم ويعقوب ، كما فى الاتحاف.

(٤) أى يسقط.

(٥) هو لجرير. وانظر الديوان (بيروت) ٤٧٦.

٢٣٠

٢٩ ـ بصيرة فى السقف والسقم والسقى

قال تعالى : (لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ)(١) جمع سقف ، ويجمع على سقوف أيضا. وسقّف بيته تسقيفا ، قال حاتم الطائىّ :

وإنّى وإن طال الثّواء لميّت

ويضطمّنى ماوىّ بيت مسقّف (٢)

والسّقيفة : كلّ ما سقّف من جناح أو صفّة ونحوهما.

والسّقف : الانحناء فى طول.

والسّقم والسّقام : المرض المختصّ بالبدن. وهو سقيم وسقم. وقوله تعالى : (إِنِّي سَقِيمٌ)(٣) من التعريض ، والإشارة به إمّا إلى ماض ، وإمّا إلى مستقبل ، وإمّا إلى قليل ممّا هو موجود فى الحال ؛ إذ الإنسان لا ينفكّ من خلل يعتريه وإن كان لا يحسّ به. ورجل وامرأة مسقام. وأسقمه الله ، وسقّمه. وقلب سقيم. وكلام وفهم سقيم.

والسّقى والسّقيا : أن تعطيه ما يشرب ، والإسقاء : أن تجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاء. والإسقاء أبلغ من السّقى ؛ لأنّ الإسقاء : هو أن تجعل له ما يستقى منه ويشرب ، تقول : أسقيته نهرا. قال تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً)(٤) وقال : (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ)(٥) وقال :

__________________

(١) الآية ٣٣ سورة الزخرف.

(٢) جاء البيت فى الأساس. ويضطمنى مضارع اضطم الشىء : جمعه الى نفسه.

(٣) الآية ٨٩ سورة الصافات.

(٤) الآية ٢١ سورة الانسان.

(٥) الآية ٢٢ سورة الحجر.

٢٣١

(نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(١) أى جعلناه سقيا لكم. وقيل : سقاه لشفته ، وأسقاه لدابّته. ويقال للنّصيب من السّقى : سقى بالكسر ، وكذا للأرض الّتى تسقى : سقى ؛ لكونهما مفعولين كالنّقض (٢).

والاستسقاء : طلب السّقى أو الإسقاء. وسقّيته تسقية : قلت له : سقاك الله. وله سقاية ومسقاة يشرب بها ، وهى المشربة. واسق أرضك فقد حان مسقاها : وقت سقيها.

وساق كالسقيّة وهى البرديّة (٣). والسّقاء : ما يجعل فيه ما يسقى. وأسقيتك جلدا : أعطيتكه لتجعله سقاء.

وقوله تعالى : (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ)(٤) هو المسمّى صواع الملك ، فتسميته بالسّقاية تنبيه أنّه يسقى به ، وتسميته صواعا أنّه يكتال به.

وبه سقى وهو أن يقع الماء الأصفر فى بطنه. وقد أسقاه الله. وتقول : أسقاك (٥) الله ولا أسقاك (٦).

__________________

(١) الآية ٦٦ سورة النحل.

(٢) هو الشىء المنقوض. يريد أنه فعل فى معنى مفعول.

(٣) واحدة البردى. وهو نبات كالقصب تصنع منه الحصر.

(٤) الآية ٧ سورة يوسف.

(٥) أسقاك الاولى دعاء له بالسقيا والرى. والثانية دعاء له ألا يصيبه الله بداء السقى.

٢٣٢

٣٠ ـ بصيرة فى السكب والسكت والسكر

ماء ودمع / ساكب ومسكوب ومنسكب : مصبوب. وقد سكبته سكبا. وسكب بنفسه سكوبا. وماء ودم أسكوب : منكسب ، / قالت جنوب أخت عمرو ذى الكلب :

الطّاعن الطّعنة النّجلاء يتبعها

مثعنجر من دم الأجواف أسكوب (١)

والسّكوت مختصّ بترك الكلام. ورجل سكوت ، وساكوت ، وسكّيت. وبه سكات : إذا كان طويل السّكوت من علّة. وتكلّم ثم سكت. فإذا أفحم قيل : أسكت. والسّكتة : ما يسكت به الصّبىّ. وفلان سكيت الحلبة أى متخلّف فى صناعته.

والسّكر : حالة تعترض بين المرء وعقله. وأكثر ما يستعمل ذلك فى شراب المسكر. وقد يعترى (٢) من الغضب والعشق ، ولذلك قال الشاعر :

سكران : سكر هوى وسكر مدامة

أنّى يفيق فتى به سكران

ورجل سكران وسكّير وسكر ، وقوم سكرى وسكارى وسكارى. وقيل : السّكّير : الدائم السّكر ، والمسكير : الكثير السّكر.

__________________

(١) فى الأصلين «عن عرض» فى مكان «يتبعها» : وما أثبت عن اللسان والأساس والنجلاء : الواسعة. والمتفجر من الدم : الذى يسيل ويتبع بعضه بعضا.

(٢) كذا فى ب والراغب. وفى أ : «يعترض».

٢٣٣

والسّكر ـ محرّكة ـ : نبيذ التمر ، قال تعالى : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً)(١) قال ابن عرفة : هذا قيل لهم قبل أن تحرّم الخمر عليهم. والسّكر : خمر الأعاجم. ويقال لما يسكر : السّكر ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «حرّمت الخمر لعينها والسّكر من كلّ شراب» رواه أحمد والثقات. وقال ابن عبّاس ـ رضى الله عنهما ـ : السّكر : ما حرّم من ثمرة (٢) قبل أن تحرم ، وهو الخمر ، والرّزق الحسن : ما أحلّ من ثمرة (٣) من الأعناب والتمور : وقال أبو عبيدة : السّكر : الطعام. وأنشد :

* جعلت أعراض الكرام سكرا*

أى جعلت ذمّهم طعما لك (٤).

وقال بعض المفسّرين : السّكر فى التّنزيل هو الخلّ. وهذا شىء لا يعرفه أهل اللغة.

وسكرة الموت : شدّته ، وهو اختلاف العقل لشدّة النزع ، قال تعالى : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ)(٥). وقد صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه كان عند وفاته يدخل يديه فى الماء فيمسح بهما وجهه ويقول :

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة النحل.

(٢) فى اللسان : «ثمرتها» وكأنه يريد : ثمرة النخيل والأعناب.

(٣) فى اللسان عقب هذا : «وقال الزجاج : هذا بالخمر أشبه بالطعام. المعنى : جعلت تتخمر بأعراض الكرام.

(٥) الآية ١٩ سورة ق.

٢٣٤

لا إله إلّا الله ، إنّ للموت سكرات ، ثم نصب يده فجعل يقول : فى الرّفيق الأعلى ، حتى قبض ومالت يده.

وقال تعالى : (سُكِّرَتْ أَبْصارُنا)(١) أى حبست عن النظر وحيّرت. وقال أبو عمرو بن العلاء : معناها : غطّيت وغشّيت. وقرأ الحسن (٢) البصرىّ : (سكرت) بالتّخفيف أى سحرت

__________________

(١) الآية ١٥ سورة الحجر.

(٢) وهى أيضا قراءة ابن كثير ، كما فى الاتحاف

٢٣٥

٣١ ـ بصيرة فى السمر

وهو المسامرة أى الحديث بالليل. وقد سمر يسمر فهو سامر. والسّامر أيضا : السّمّار ، وهم القوم يسمرون ، كما يقال للحجّاج : حاجّ. قال تعالى : (سامِراً تَهْجُرُونَ)(١) ، أى سمّارا تتحدّثون ليلا.

والسّامرىّ المذكور فى القرآن ، قيل : كان علجا من كرمان ، وقيل ـ وهو الأشهر ـ : إنّه كان من عظماء بنى إسرائيل ، منسوب إلى موضع لهم. وقيل : نسبة إلى السّامرة ، وهم قوم من اليهود يخالفونهم فى بعض أحكامهم.

والسّمرة : لون مركّب من بياض وسواد. والسّمراء كنى بها عن الحنطة.

والسّمرة : شجرة يشبه أن تكون للونها سمّيت بذلك.

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة المؤمنين.

٢٣٦

٣٢ ـ بصيرة فى السكون

سكن المتحرك ، وأسكنته وسكّنته. وسكنوا الدّار ، وسكنوا فيها. وهم سكن الدّار ، وساكنتها ، وساكنوها ، وسكّانها. وتركتهم على سكناتهم ، ومكناتهم ، ونزلاتهم : مساكنهم وأماكنهم ومنازلهم. والسّكينة الطمأنينة وقد ذكر الله تعالى السكينة فى القرآن فى ستّة مواضع :

الأوّل : قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)(١) أى ما تسكنون به إذا أتاكم ، أو هى شىء كان له رأس كرأس الهرّ من زبرجد وياقوت ، وجناحان.

/ الثانى : قوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(٢).

الثالث : قوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها)(٣).

__________________

(١) الآية ٢٤٨ من سورة البقرة.

(٢) الآيتان ٢٥ ، ٢٦ سورة التوبة.

(٣) الآية ٤٠ سورة التوبة.

٢٣٧

الرّابع : قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١).

الخامس : قوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(٢).

السّادس : قوله : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٣) الآية.

وكان بعض المشايخ إذا اشتدّت عليه الأمور قرأ آيات السّكينة. ويروى عنه فى واقعة عظيمة جرت له فى مرضه يعجز العقول والقرائح (٤) عن حملها من محاربة أرواح شيطانيّة ظهرت له فى حال ضعف القوّة. قال : فلمّا اشتدّ علىّ الأمر قلت لأقاربى ومن حولى : اقرءوا آيات السّكينة. قال : ثمّ انقطع عنى ذلك الحال وجلست وما بى قلبة (٥). وقد جرّبتها الأكابر عند اضطراب القلب ممّا يرد عليه ، فرأوا لها تأثيرا عظيما فى سكونه وطمأنينته.

وأصل السّكينة هى : الطّمأنينة والوقار والسّكون الّذى ينزله الله فى قلب عبده عند اضطرابه من شدّة المخاوف ، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ، ويوجب له زيادة الإيمان ، وقوّة اليقين والثبات. ولهذا أخبر سبحانه

__________________

(١) الآية ٤ سورة الفتح.

(٢) الآية ١٨ سورة الفتح.

(٣) الآية ٢٦ سورة الفتح.

(٤) فى الأصلين : «القرى» والظن أنه تحريف عما أثبت.

(٥) أى داء وتعب.

٢٣٨

عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين فى مواضع القلق والاضطراب ؛ كيوم الغار ، ويوم حنين ونحوه.

وقال ابن عبّاس : كلّ سكينة فى القرآن فهى طمأنينة إلّا فى سورة (١) البقرة. واختلفوا فى حقيقتها ، وهل هى عين قائمة بنفسها أو معنى ، على قولين :

أحدهما : أنّها عين ، ثمّ اختلف أصحاب هذا القول فى صفتها. فروى عن علىّ بن أبى طالب أنها ريح صفّاقة (٢) لها رأسان ، ووجهها كوجه الإنسان. وعن مجاهد : أنّها على صورة (٣) هرّة لها جناحان وعينان لهما شعاع ، وجناحاها من زمرّد وزبرجد ، فإذا سمعوا صوتها أيقنوا بالنّصر. وعن ابن عبّاس : هى (٤) طست من ذهب من الجنّة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء. وعن ابن وهب : هى روح الله يتكلّم ، إذا اختلفوا فى شىء أخبرهم ببيان ما يريدونه.

والثّانى : أنّها معنى. ويكون معنى قوله : (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أى فى مجيئه إليكم سكينة وطمأنينة.

وعلى الأوّل يكون المعنى أنّ / السكينة فى نفس التّابوت ، ويؤيّده عطف قوله : (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ). وقال عطاء بن أبى رباح :

__________________

(١) فى الآية ٢٤٨ التى فى سورة البقرة.

(٢) من الصفق ، وهو الضرب له صوت ، أو من صفقت الريح الاشجار : حركتها.

(٣) فى الراغب : «وما ذكر أنه شىء رأسه كراس الهر فما اراه قولا يصح».

(٤) كأن هذا فى السكينة التى فى سورة البقرة ، حتى لا يختلف مع ما سبق.

٢٣٩

فيه سكينة هى ما يعرفون من الآيات فيسكنوا (١) إليها. وقال قتادة والكلبى : هى من السّكون ، أى الطمأنينة من ربّكم. ففى أىّ مكان كان التّابوت اطمأنوا إليه وسكنوا. قال (٢) : وفيها ثلاثة أشياء : للأنبياء معجزة ، ولملوكهم كرامة ، وهى آية النّصرة ، تخلع قلوب الأعداء بصوتها رعبا إذا التقى الصّفّان للقتال.

وكرامات الأولياء هى من معجزات الأنبياء ؛ لأنهم إنّما نالوها على أيديهم وبسبب اتّباعهم ، فهى لهم كرامات ، وللأنبياء دلالات معجزات. فكرامات الأولياء لا تعارض معجزات الأنبياء ، حتّى يطلب الفرقان بينهما ، لأنّها من أدلّتهم وشواهد صدقهم ، ثمّ الفرقان بين ما للأنبياء وما للأولياء من وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.

واعلم أنّ السكينة الّتى تنطق على لسان المحدّثين (٣) ليست هى شيئا يملك ، إنما هى شىء من لطائف صنع الله تلقى على لسان المحدّث الحكمة ؛ كما يلقى الملك الوحى على قلوب الأنبياء ، وينطق المحدّثين بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشّبه. والسّكينة إذا نزلت فى القلب اطمأنّ بها ، وسكنت إليها الجوارح ، وخشعت ، واكتست الوقار ، وأنطقت اللسان بالصّواب والحكمة ، وحالت بينه وبين قول الخنى والفحش واللّغو والهجر وكلّ باطل. وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما : كنّا نتحدّث

__________________

(١) كذا فى الأصلين. وحذف النون هنا للتخفف لا لناصب ولا جازم.

(٢) انظر من هو القائل. فهل هو قتادة أو الكلبى أو غيرهما.

(٣) جمع محدث ، وهو الملهم الذى يلقى فى نفسه الشىء فيخبر به حدسا وفراسة ، وهو نوع يخص الله به من يشاء من عباده الذين اصطفى ، مثل عمر ، كأنهم حدثوا شىء فقالوه. كما فى التاج (حدث).

٢٤٠