بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

٢٥ ـ بصيرة فى الرهق والرهن والرهو

رهقه ـ كعلمه ـ رهقا ـ بالتّحريك ـ : غشيه أو لحقه. وقيل : دنا منه ، سواء أخذه أو لم يأخذه. وقيل : هو غشيان بقهر.

والرّهق (محرّك) : السفه ، والنّوك ، والخفّة ، وركوب الشرّ والظلم ، وغشيان المحارم ، والكذب ، والعجلة ، واسم من الإرهاق وهو أن تحمل الإنسان على ما لا يطيقه (١).

والرّهن : ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك ، والجمع رهان ورهون ، ورهن ، ورهين. رهنه الشىء ، ورهن عنده ، وأرهنه : جعله رهنا. وارتهن منه : أخذه رهنا. ورهنته لسانى ولا تقل : أرهنته. وكلّ ما احتبس به شىء فرهينه ومرتهنه

والرّهان والمراهنة : المخاطرة والمسابقة على الخيل.

وقرئ (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ)(٢) (ورهن). وقيل فى قوله تعالى :

__________________

(١) مما جاء من الرهق فى الكتاب قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) فى الآية ٢٧ سورة يونس ، وقوله تعالى : (قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) فى الآية ٧٣ سورة الكهف ، وقوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) فى الآية ٦ سورة الجن.

(٢) الآية ٢٨٣ سورة البقرة. وقراءة (فرهن) لابن كثير وأبى عمرو ، وقرأ الباقون (فَرِهانٌ).

١٠١

(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)(١) : إنها بمعنى الفاعل أى ثابتة (٢) مقيمة ، وقيل : بمعنى المفعول ، أى كلّ نفس مقامة فى جزاء ما قدّم من عمله.

ولمّا كان الرّهن يتصوّر منه حبسه استعير ذلك للمحتبس أىّ شىء كان ، قال تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ)(٣).

والرّهو : السّير السهل ، والفتح بين الرّجلين ، والمكان المرتفع ، والمكان المنخفض ، ضدّ ، والسّكون ، قال تعالى : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً)(٤) أى ساكنا. وقيل : سعة من الطّريق ، ومنه الرّهاء كسماء للمكان المتسع. ويقال لكلّ جوبة (٥) مستوية يجتمع فيها الماء : رهو. والرّاهية : النحلة.

__________________

(١) الآية ٣٨ سورة المدثر.

(٢) من قولهم : رهن الشىء : ثبت ودام. وكان عليه أن يذكر هذا المعنى.

(٣) الآية ٢١ سورة الطور.

(٤) الآية ٢٤ سورة الدخان.

(٥) هى الحفرة والمكان الوطء.

١٠٢

٢٦ ـ بصيرة فى الروح

الرّوح ـ بالضم ـ : ما به حياة الأنفس يؤنث ويذكّر ، والقرآن ، والوحى ، وجبريل ، / وعيسى عليهما‌السلام ، والنفخ ، وأمر النبوّة ، وحكم الله تعالى ، وأمره ، وملك وجهه كوجه الإنسان وجسده كجسد الملائكة.

والرّوح ـ بالفتح ـ : الراحة ، والرّحمة ، ونسيم الريح. وقيل : الرّوح والرّوح فى الأصل واحد ، وجعل الرّوح اسما للنفس كقول الشاعر (١) فى صفة النّار :

فقلت له ارفعها إليك وأحيها

بروحك واجعله لها قيتة قدرا (٢)

وذلك لكون النّفس بعض الروح ، فهو كتسمية النوع باسم الجنس ، نحو تسمية الإنسان بالحيوان ، وجعل اسما للجزء الّذى به تحصل الحياة والتحرك ، واستجلاب المنافع واستدفاع المضار ، وهو المذكور فى قوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)(٣) ، وقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(٤) ، وإضافته تعالى إلى نفسه إضافة ملك ، وتخصيصه بالإضافة تشريف له وتعظيم كقوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ)(٥).

__________________

(١) أى ذى الرمة وانظر الديوان ١٧٦.

(٢) اجعله ، كذا فى التاج وفى الأصلين (اجعلها). وفى التاج : اجعله أى اجعل النفخ.

والقيتة : القوت ، أراد به ما ترفع به النار وتشب. وقوله : قدرا : أى بقدرها ولا تزد.

(٣) الآية ٨٥ سورة الاسراء.

(٤) الآية ٢٩ سورة الحجر ، والآية ٧٢ سورة ص.

(٥) الآية ٢٦ سورة الحج.

١٠٣

وسمّى أشراف الملائكة أرواحا ، وسمّى به عيسى عليه‌السلام : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)(١) ، وذلك لما كان له من إحياء الأموات.

وسمّى القرآن روحا فى قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا)(٢) وذلك لكون القرآن سببا للحياة الأخرويّة الموصوفة فى قوله تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ)(٣).

والرّوح : التّنفس. وقد أراح الإنسان أى تنفّس. وقوله : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٤) ، فالرّيحان : ما له رائحة من النبات ، وقيل رزق (٥) ، ثم يقال للحبّ المأكول ريحان فى قوله تعالى : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ)(٦). وقيل لأعرابى : إلى أين؟ فقال : أطلب من ريحان الله ، أى من رزقه. وفى الصّحيح : «الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف (٧)». قال الشاعر :

أرواحنا مثل أجناد مجنّدة

لله فى الأرض بالأهواء تختلف (٨)

فما تناكر منها فهو مختلف

وما تعارف منها فهو يأتلف

__________________

(١) الآية ١٧١ سورة النساء

(٢) الآية ٥٢ سورة الشورى

(٣) الآية ٦٤ سورة العنكبوت

(٤) الآية ٨٩ سورة الواقعة

(٥) أى قيل : ان الريحان فى الآية هو الرزق

(٦) الآية ١٢ سورة الرحمن

(٧) ورد فى الجامع الصغير عن البخارى وغيره

(٨) ورد البيتان فى روضة العقلاء ٨٨ غير معزوين هكذا :

ان القلوب لأجناد مجندة

لله فى الارض بالأهواء تعترف

فما تعارف منها فهو مؤتلف

وما تناكر منها فهو مختلف

١٠٤

والرّوح فى القرآن ورد على سبعة أوجه :

الأوّل : بمعنى الرّحمة : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(١) أى رحمة.

الثانى : بمعنى الملك الّذى يكون فى إزاء جميع الخلق يوم القيامة : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا)(٢).

الثالث : بمعنى جبريل : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)(٣) ، (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها)(٤).

الرّابع : بمعنى الوحى والقرآن : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا)(٥).

الخامس : بمعنى عيسى : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا)(٦) ، (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)(٧).

السادس : فى شأن آدم عليه‌السلام واختصاصه بفضله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(٨).

السّابع : بمعنى اللطيفة التى فيها مدد الحياة : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ)(٩) ، (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)(١٠).

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة المجادلة

(٢) الآية ٣٨ سورة النبأ

(٣) الآية ١٩٣ سورة الشعراء

(٤) الآية ٤ سورة القدر

(٥) الآية ٥٢ سورة الشورى

(٦) الآية ١٢ سورة التحريم

(٧) الآية ١٧١ سورة النساء

(٨) الآية ٢٩ سورة الحجر

(٩) الآية ٨٥ سورة الاسراء

(١٠) الآية ٢٥٣ سورة البقرة. هذا وتفسير روح القدس فى الآية باللطيفة التى فيها مدد الحياة غير صحيح ، وانما روح القدس جبريل عليه‌السلام

١٠٥

وجميع ما تقدّم من الكلام على الرّوح إنما هو تفصيل من حيث اللفظ.

وأمّا أقسام الرّوح من حيث العلم فالرّوح فى الأصل ثلاثة أنواع : حيوانى ، وطبيعىّ ، ونفسانى. فمركز الرّوح الحيوانى القلب ، ومركز الرّوح الطّبيعى الدم ، ومحلّ الرّوح النفسانى الدماغ.

فالرّوح الحيوانى يصل إلى جميع الأعضاء بواسطة العروق الضّوارب الّتى تسمّى الشرايين.

والرّوح الطبيعى يصل إلى أطراف البدن بواسطة الأوردة.

والرّوح النّفسانى ينتشر من القرن إلى القدم بواسطة / الأعصاب.

وثمرة الرّوح الحيوانىّ الحياة والرّاحة ، وثمرة الرّوح الطبيعى القوّة والقدرة ، وثمرة الرّوح النفسانى الحسّ والحركة.

وأمّا حقيقة الرّوح فهى لطيفة ربّانيّة ، وعنصر من عناصر العالم العلوىّ تتصل بمدد ربّانىّ إلى العالم السّفلىّ. وعلى حسب درجة الحيوانات وتفاوت الحالات التى لهم تتّصل بهم. ولما كان الإنسان فى الصّورة والصّفة والمعنى أكمل من جميع الحيوانات كان المتّصل به من ذلك أفضل الأرواح. وليس لأحد من العالمين وقوف على سرّ تلك اللّطيفة وحقيقته (١) ، والله سبحانه المنفرد بعلم ذلك. والحكمة فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ أن يتأمّل الإنسان ويسلّط قوّة فهمه وفكره ، ويتحقّق أنّ الرّوح الّذى جعل الله

__________________

(١) كذا فى الأصلين. والمناسب : حقيقتها

١٠٦

الحياة والرّوح والراحة والقوّة والقدرة والحسّ والحركة والفهم والفكر والسّمع والبصر والنطق والفصاحة والعلم والعقل والمعرفة من ثمراته ونتائجه ، (وله به (١)) نسب وإضافة من وجوه عدّة ، وهو يباشره ويعاشره مدّة حياته وطول عمره ، فى اليقظة والمنام والقعود والقيام ، ودوام الموافقة والمرافقة والصّحبة ، ومع ذلك لا يصل علمه إلى شىء من كنه حقيقته ودرك معرفته ، فكيف يطمع فى الوصول إلى ساحة إدراك جلال من تنزّه من الكمّ والكيف ، وتقدّس ذاته عن الرين والرّيب ، وبعدت صفاته عن الشّين والعيب فى عزّة جلاله ، لا وقوف عليه ولا وصول إليه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ (٢) الْبَصِيرُ)(٣).

والرّيح معروفة ، وهى ـ فيما قيل ـ الهواء المتحرك. وعامة المواضع الّتى ذكر الله تعالى فيها الرّيح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب ، وكلّ موضع ذكر بلفظ الجمع فعبارة عن الرّحمة ؛ كقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)(٤) ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً)(٥).

وأمّا قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً)(٦) فالأظهر فيه الرّحمة ، وقرئ بلفظ الجمع وهو أصحّ (٧).

__________________

(١) فى أ : «ولدته» وفى ب : «ولداته» ولم يتبين الصواب ، وقد أثبت ما دون استظهارا

(٣) الآية ١١ سورة الشورى

(٤) الآية ١٩ سورة القمر

(٥) الآية ٥٧ سورة الأعراف

(٦) الآية ٤٨ سورة الروم. وقراءة (الريح) قراءة ابن كثير وحمزة والكسائى وخلف كما فى الاتحاف ، وقرأ غير هؤلاء (الرِّياحَ) بالجمع

(٧) هذا حكم مبنى على استقراء ناقص ، فقد جاء فى الآية ٢٢ سورة يونس : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) ، والقراءات المتواترة لا تفاضل بينها فى الصحة ، فكان خيرا له ان يعدل عن هذه النزعة التى تبع فيها الراغب.

١٠٧

وقد يستعار الرّيح للغلبة نحو : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(١) ، وفى الأثر : «لو لا الريح لأنتن ما بين السّماء والأرض».

ويقال لمن لا أصل لكلامه : كلامه ريح فى فسيح (٢) وقال :

وثقنا منك بالكرم الصّريح

فأقدمنا على الفعل القبيح

فأرسل لى رياح الفضل بشرا

فما بيدىّ شىء غير ريح

وقد ورد الريح فى القرآن على سبعة أوجه :

الأوّل : بمعنى القوّة والدّولة : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(٣).

الثانى : بمعنى العذاب فى العقوبة : (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ)(٤) ، (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)(٥) ، (رِيحاً صَرْصَراً)(٦).

الثالث : بمعنى نسمات الرحمة : (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)(٧).

الرّابع : بمعنى اللّاقحات (٨)(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)(٩).

الخامس : بمعنى مسخّرات المراكب فى البحار لمنافع السّفّار والتجّار : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(١٠).

__________________

(١) الآية ٤٦ سورة الأنفال

(٢) فى الأصلين كلمة «سح» وهى غير واضحة ولا منقوطة. وقد يكون «شيح» أو «سيح» وهو ضرب من البرود ، وقد استظهرت ما وضعته.

(٣) الآية ٤٦ سورة الأنفال

(٤) الآية ٢٤ سورة الأحقاف

(٥) الآية ٤١ سورة الذاريات

(٦) الآية ١٩ سورة القمر

(٧) الآية ٥٧ سورة الأعراف

(٨) الأولى الملقحات : فانها ملقحة لا لاقحة فى التعارف.

(٩) الآية ٢٢ سورة الحجر

(١٠) الآية ٢٢ سورة يونس

١٠٨

السّادس : بمعنى رياح النّصر : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(١).

السّابع : بمعنى ريح المضرّة والعذاب : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا)(٢) ، (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ)(٣).

وقوله تعالى (لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ)(٤) أى من فرجه ورحمته ، وذلك بعض الرّوح.

وراح فلان إلى أهله ، إمّا لأنه أتاهم فى السرعة / كالرّيح ، أو لأنّه استفاد برجوعه إليهم روحا من المسرّة. والله أعلم.

__________________

(١) الآية ٩ سورة الأحزاب

(٢) الآية ٥١ سورة الروم

(٣) الآية ١١٧ سورة آل عمران

(٤) الآية ٨٧ سورة يوسف

١٠٩

٢٧ ـ بصيرة فى الرود والروض والروع والروغ

الرّود : التردّد فى طلب الشىء برفق ، وقد راد وارتاد ، ومنه الرّائد لطالب الكلأ. وباعتبار الرّفق قيل : رادت المرأة فى مشيتها ترود رودانا. ومنه بنى المرود ؛ وأرود يرود : إذا رفق ، ومنه بنى رويدا.

والإرادة منقولة من راد يرود : إذا سعى فى طلب شىء. والإرادة فى الأصل : قوّة مركّبة من شهوة وحاجة وأمل ، وجعل اسما لنزوع النّفس إلى الشىء مع الحكم فيه بأنّه ينبغى أن يفعل أو لا يفعل. ثم يستعمل مرّة فى المبدإ وهو نزوع النفس إلى الشىء ، وتارة فى المنتهى وهو الحكم فيه بأنه ينبغى أن يفعل أو لا يفعل. فإذا استعمل فى حقّ الله تعالى فإنّه يراد به المنتهى دون المبتدا ، فإنه يتعالى عن معنى النّزوع ، فمتى قيل : أراد الله كذا فمعناه : حكم فيه أنه كذا أو ليس بكذا.

وقد يذكر الإرادة ويراد بها الأمر كقوله : أريد منك كذا ، أى آمرك بكذا ، نحو (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)(١). وقد يذكر ويراد به القصد ؛ نحو قوله تعالى (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ)(٢) ، أى يقصدونه ويطلبونه.

__________________

(١) الآية ١٨٥ سورة البقرة

(٢) الآية ٨٣ سورة القصص

١١٠

والمراودة : أن تنازع غيرك فى الإرادة فتريد غير ما يريده ، أو ترود غير ما يروده. وقوله : (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ)(١) أى تصرفه عن نفسه (٢).

والإرادة قد تكون بحسب القوّة التسخيريّة الحسيّة ، كما تكون بحسب القوّة الاختيارية ، ولذلك تستعمل فى الجماد وفى الحيوان ، قال تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ)(٣) ، وتقول : فرسى يريد العلف.

والرّوضة من الرّمل (٤) والعشب معروفة ، ويقال : الرّيضة أيضا ، والجمع روض ، ورياض ، وريضان. وكلّ ماء يجتمع فى الإخاذات (٥) والغدران والمساكات (٦) روضة وريضة. قال تعالى : (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)(٧) أى فى رياض الجنّة وهى محاسنها وملاذّها ، (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ)(٨) إشارة إلى ما أعدّ لهم فى العقبى من حيث الظّاهر ، وقيل إشارة إلى ما أهّلهم له من العلوم والأخلاق التى من تخصّص بها طاب قلبه.

وأراض الوادى : استنقع فيه الماء ، كاستراض.

وروّض : لزم الرّياض. والقراح (٩) : جعله روضة.

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة يوسف

(٢) كذا فى ب وفى ا : «رأيه»

(٣) الآية ٧٧ سورة الكهف

(٤) كذا فى القاموس. وفى التاج انه تبع فى هذا العباب ، وفى غير العباب : «البقل»

(٥) هى الغدران

(٦) هى المواضع التى تمسك الماء وتحبسه

(٧) الآية ١٥ سورة الروم

(٨) الآية ٢٢ سورة الشورى

(٩) هو الأرض لا ماء بها ولا شجر

١١١

واستراض المكان : اتّسع. والحوض : صبّ فيه من الماء ما يوارى أرضه. والنفس : طابت.

والرّوع ـ بالضّم ـ : القلب ، والعقل.

والرّوع والارتباع والتّروّع : الفزع. وراعه : أفزعه كروّعه. وراعه : أعجبه. والأروع والرّائع : من يعجبك بحسنه. والاسم الرّوع.

والمروّع : من يلقى فى صدره صدق فراسة (١)

والرّوغ والرّوغان : الميل على سبيل الاحتيال. وأخذتنى بالرّويغة : بالحيلة. وراغ وارتاغ : أراد وطلب. وراوغ إليه : مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال. وقوله تعالى : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ)(٢) أى أحال (٣) ، وحقيقته : طلب بضرب من الرّوغان ، ونبّه على الاستعلاء بلفظة على.

__________________

(١) جاء من مادة الروع قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) فى الآية ٧٤ سورة هود

(٢) الآية ٩٣ سورة الصافات

(٣) أى أقبل

١١٢

٢٨ ـ بصيرة فى الروم والروى

والريب والريش والريع والرين

الرّوم ، والمرام : الطّلب. والرّوم ـ بالضّم ـ : جيل من ولد / الرّوم ابن عيصو. وهو رومىّ ، وهم روم (١).

والرّوى والرّىّ والرّىّ : ضد العطش. روى من الماء واللّبن يروى ـ كرضى يرضى ـ ريّا وريّا. وروى وتروّى وارتوى ، بمعنى ، والاسم الرّىّ ، قال تعالى : هم أحسن أثاثا وريا (٢). فمن لم يهمز جعله (٣) من روى ، كأنّه ريّان من الحسن ، ومن همز فللّذى يرمق من حسنه.

والرّيب : صرف (٤) الدّهر ، سمّى به لما يتوهّم فيه من المكر ، والحاجة ، والظّنّة ، والتّهمة كالرّيبة بالكسر ، وقد رابنى ، وأرابنى. وأربته : جعلت فيه ريبة. وقيل : الرّيب أن يتوهّم بالشىء أمرا ما فينكشف عمّا يتوهّمه ، ولهذا قال تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٥) ، والإرابة : أن يتوهّم فيه أمرا فلا ينكشف عمّا يتوهّمه.

__________________

(١) جاء الروم فى قوله تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) فى الآية ٢ سورة الروم

(٢) الآية ٧٤ سورة مريم. وهذه القراءة بغير الهمز قراءة قالون وابن ذكوان وابى جعفر ، وقراءة الباقين : «رِءْياً» بالهمز ، كما فى الاتحاف

(٣) ويجوز أن يكون مخفف (رِءْياً) ، فيرجع فى المعنى الى قراءة الهمز

(٤) هو حادث الدهر وما ينزله بالناس

(٥) الآية ٢ سورة البقرة ، وقد تكرر فى مواضع كثيرة

١١٣

وقوله تعالى : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)(١) سماه ريبا من حيث إنّه يشكّ فى وقت حصوله ، لأنّه مشكوك فى كونه. فالإنسان أبدا فى ريب المنون من جهة وقته لا من جهة كونه. قال الشاعر :

النّاس قد علموا أن لا بقاء لهم

لو أنّهم عملوا مقدار ما علموا!

والارتياب يجرى مجرى الإرابة. ونفى عن المؤمنين الارتياب فقال : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ)(٢) ، وقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا)(٣).

والرّيبة : اسم من الرّيب ، قال تعالى : (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ)(٤) ، أى يدلّ على دغل وقلّة يقين منهم.

وريش الطّائر معروف. وقد يختصّ بالجناح من بين سائره ، ولكون الرّيش للطائر كالثياب للإنسان استعير للثياب ، قال تعالى : (لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً)(٥). ورشت السّهم أريشه : جعلت عليه الرّيش. واستعير لإصلاح الأمر فقيل : رشت فلانا فارتاش : أى حسن حاله. قال (٦) :

فرشنى بخير طالما قد بريتنى

فخير الموالى من يريش ولا يبرى

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الطور

(٢) الآية ٣١ سورة المدثر

(٣) الآية ١٥ سورة الحجرات

(٤) الآية ١١٠ سورة التوبة

(٥) الآية ٢٦ سورة الأعراف

(٦) أى عمر بن حباب كما فى اللسان (ريش) ، وفى شرح القاموس : سويد الانصارى

١١٤

والرّيع ـ بالكسر ـ : المكان العالى. قال تعالى : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ)(١) ، ومنه استعير الرّيع للزّيادة والارتفاع الحاصل.

والرّين : الطّبع والدّنس ، والصّدأ يعلو الشىء الجلىّ. ران على قلبه رينة ورينا وريونا : غلب. وكلّ ما غلبك فقد رانك ، وران بك (٢) وران عليك. قال تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٣) أى صار ذلك كصدإ على جلاء قلوبهم فعمّى عليهم معرفة الخير من الشرّ.

__________________

(١) الآية ١٢٨ سورة الشعراء

(٢) فى الأصلين : «بهم» وما أثبت من القاموس

(٣) الآية ١٤ سورة المطففين

١١٥

٢٩ ـ بصيرة فى الرؤية

وهى النّظر بالعين ، وبالقلب. رأيته رؤية ورأيا وراءة ورأية ورئيانا ، وارتأيته واسترأيته. والحمد لله على ريّتك بزنة نيّتك أى رؤيتك. والرّءّاء ـ كشدّاد ـ : الكثير الرّؤية. والرئىّ ـ كصلىّ ـ والرّؤاء ـ كغراب ـ والمرآة ـ بالفتح ـ : المنظر ، وقيل : الأوّل (١) : حسن المنظر كالترئية. واسترآه : استدعى رؤيته. وأريته إيّاه إراءة وإراء. وراءيته مراءاة ورياء : أريته على خلاف ما أنا عليه. وتحذف الهمزة فى مضارع رأى فيقال : يرى.

والرّؤية تختلف بحسب قوى النّفس : الأوّل بالحاسة وما يجرى مجراها ، قال تعالى : (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ)(٢) ، وهذا ممّا أجرى مجرى الرّؤية بالحاسّة ، فإنّ الحاسّة لا تصحّ على الله تعالى. والثانى بالوهم والتخيّل ، نحو : أرى أنّ زيدا منطلق. والثالث بالتّفكر : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ)(٣). والرّابع بالعقل ، نحو : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(٤) ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)(٥).

__________________

(١) ب : «الأولى»

(٢) الآية ١٠٥ سورة التوبة

(٣) الآية ٤٨ سورة الأنفال

(٤) الآية ١١ سورة النجم

(٥) الآية ١٣ سورة النجم

١١٦

/ ورأى إذا عدى إلى مفعولين اقتضى معنى العلم. ويجرى أرأيت مجرى أخبرنى ، ويدخل عليه الكاف ويترك التّاء على حاله مفتوحة فى التثنية والجمع والتأنيث ، تقول : أرأيتك ، أرأيتكما ، أرأيتكم ، قال تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ)(١) ، وفيه معنى التّنبيه.

والرّأى : اعتقاد النفس أحد النّقيضين عن غلبة الظنّ ، وعلى هذا قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ)(٢) ، أى يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم ، تقول : فعل ذلك رأى عين.

الرّويّة والتروية : التفكّر فى الشىء ، والإمالة بين خواطر النفس فى تحصيل الرّأى. والمرئيّ : المتفكر.

وإذا عدّى رأيت بإلى اقتضى معنى النظر المؤدّى إلى الاعتبار ، نحو : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(٣) ، وقوله : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ)(٤) أى بما علّمك وعرّفك.

والرّاية (٥) : العلامة المنصوبة للرؤية. وأرأى : صار له رئىّ من الجنّ. وهو جنىّ يرى فيحبّ. والرّؤيا : ما رأيته فى منامك ، والجمع رؤى كهدى ، وقد تخفّف الهمزة من الرّؤيا فيقال بالواو.

__________________

(١) الآية ٦٢ سورة الاسراء

(٢) الآية ١٣ سورة آل عمران

(٣) الآية ٤٥ سورة الفرقان

(٤) الآية ١٠٥ سورة النساء

(٥) جعل الراية من المهموز ، وقد تبع فى هذا الراغب ، وخالف فى القاموس فجعلها يائية العين واللام. وقد يشهد للراغب ما ذكره فى القاموس : أرأيت الراية : ركزتها. ولكن ابن سيده يقول : «وهمزه عندى على غير قياس وانما حكمه ، أريتها ، كما فى التاج. وعلى مذهب الراغب يكون الهمز على القياس. والجوهرى يجعل الراية من (روى). وانظر التاج.

١١٧

وقوله تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ)(١) أى رأى بعضهم بعضا ، وقيل : تقاربا وتقابلا حتى صار كلّ واحد بحيث يتمكّن من رؤية الآخر. وفى الحديث : «إنّ المؤمن والكافر لا يتراءى ناراهما».

وهو مرآة بكذا أى مخلقة ، وأنا أرأى : أخلق وأجدر.

والمرآة ـ كمسحاة ـ : ما تراءيت فيه.

والرّئة : موضع النفس والرّيح من الحيوان. والجمع ، رئات ورئون.

آخر تفسير بصائر حرف الرّاء ولله الحمد.

__________________

(١) الآية ٦١ سورة الشعراء

١١٨

الباب الثانى عشر

فى الكلمات المفتتحة بحرف الزاء (١)

الزّاء ، الزّبد ، الزّج ، الزّجر ، الزجى ، الزحف ، الزخرف ، الزّرب ، الزّرع ، الزّرى ، الزّعق ، الزّعم ، الزّف ، الزّفر ، الزّقم ، الزّكو ، الزل ، الزّلفة ، الزلق ، الزّمر ، الزّمل ، الزّنم ، الزنى ، الزّها ، الزّهق ، الزّيت ، الزّور ، الزّول ، الزّيغ ، الزّين.

__________________

(١) هو من لغات الزاى

١١٩

١ ـ بصيرة فى الزاى

وقد ورد على تسعة أوجه.

الأوّل : حرف من حروف التهجّى ، أسلىّ (١) مخرجه قرب مخرج الذّال ، يمدّ ويقصر ، ويذكّر ويؤنث. والنّسب زائىّ وزاوىّ وزووىّ (٢) والجمع : أزياء وأزواء.

الثانى : اسم فى حساب الجمّل بعدد السّبعة.

الثّالث : الزّاى الكافية الّتى تقتصر عليها من جميع الكلمة : آتيك زايا أى زائرا. وقال :

فإن تحضر أخى عجلا وإلّا

دعوناك ابن غانية بزاى

أى ابن الزّانية.

الرابع : الزّاى فى مثل : عزّر وعزّم.

الخامس : الزّاى المدغمة فى مثل : أزّ وعزّ.

السّادس : زاى العجز والضّرورة ، فإن جماعة يجعلون الذّال زايا ، والزّاى ذالا.

__________________

(١) المعروف أن الزاى ليست من الحروف الأصلية فانها الصاد والزاى والسين ، كما فى التاج

(٢) فى الاصلين «زوى» والوجه ما أثبت ، وهذه النسبة جاءت على احدى لغاتها (زى) بتشديد الياء على أن عينها واو. ويصح أن يقال : زيوى على انها ياء والوجهان جائزان ـ ، ولذلك جاء فى الجمع ازياء وأزواء

١٢٠