بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

٥ ـ بصيرة فى طرف

الطرف : العين ، ولا يجمع لأنّه فى الأصل مصدر ، فيكون واحدا ويكون جماعة. قال الله تعالى : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ)(١). (وقال ابن عبّاد : الطرف : اسم جامع للبصر لا يثنّى ولا يجمع. وقيل : أطراف ، ويردّ ذلك قوله تعالى : (قاصِراتُ الطَّرْفِ)(٢) ، ولم يقل : الأطراف. وروى القتيبىّ فى حديث أمّ (٣) سلمة رضى الله عنها : «وغضّ الأطراف» ، وردّ عليه ذلك. والصّواب : غضّ الإطراق ، أى يغضضن من أبصارهنّ مطرقات راميات بأبصارهنّ إلى الأرض. وإن صحّت الرّواية بالفاء فالمعنى تسكين الأطراف ـ وهى الأعضاء ـ عن الحركة والسير.

وقوله تعالى : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ)(٤) ، أى لا يزال إليك طرفهم وقوله تعالى : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(٥). قال الفرّاء معناه قبل أن يأتيك الشىء زمن (٦) مدّ بصرك ، وقيل : بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف ، وقيل : بمقدار / ما يبلغ البالغ إلى نهاية نظرك.

__________________

(١) الآية ٤٣ سورة ابراهيم.

(٢) الآية ٤٨ سورة الصافات ، والآية ٥٢ سورة ص.

(٣) يروى أنها قالت لعائشة رضى الله عنها «حماديات النساء غض الاطراف» وحماديات النساء غاية ما يحمد منهن.

(٤) الآية ٤٥ سورة الشورى

(٥) الآية ٤٠ سورة النمل.

(٦) فى التاج : «من».

٥٠١

وطرف الشىء : جانبه ، يستعمل فى الأجسام والأوقات وغيرها. وقيل : الطرف : الناحية من النّواحى ، والطائفة من الشىء. قال تعالى : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(١) ، أى قطعة من جملة الكفرة ، شبّه من قتل منهم بطرف يقطع من بدن الإنسان. وتخصيص الطرف من حيث إنّ (٢) بنقص طرف الشىء يتوصّل إلى توهينه وإزالته. وأطراف الجسد : الرّأس واليدان والرجلان.

وقوله تعالى : (طَرَفَيِ النَّهارِ)(٣) ، أى الفجر والعصر. وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها)(٤) ، أى نواحيها ناحية ناحية ؛ هذا على تفسير من جعل نقصها من أطرافها فتوح الأرضين ، ومن جعل نقصها موت علمائها فهو من غير هذا. وأطراف الأرض : أشرافها وعلماؤها ، الواحد طرف ، ويقال : طرف.

وقال ابن عرفة : (مِنْ أَطْرافِها) ، أى يفتح ما حول مكة على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمعنى : أو لم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد يتبيّن لهم وضوح ما وعدنا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) الآية ١٢٧ سورة آل عمران.

(٢) يريد : أنه.

(٣) الآية ١١٤ سورة هود.

(٤) الآية ٤١ سورة الرعد.

٥٠٢

وفلان كريم الطّرفين ، يراد بذلك نسب أبيه ونسب أمّه ، وأطرافه : أبواه وإخوته وأعمامه ، وكلّ قريب له محرم.

وقوله تعالى : (فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ)(١) ، أى السّاعة الثانية (٢) من أوّل النّهار ومن آخره. وقوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)(٣) ، أى الغداة (٤) والعشىّ.

__________________

(١) الآية ١٣٠ سورة طه

(٢) كذا فى الأصلين. وقد يكون الأصل : «النائية».

(٣) الآية ١١٤ سورة هود.

(٤) سبق له تفسيرهما بالفجر والعصر. وهو لا يعارض ماهنا.

٥٠٣

٦ ـ بصيرة فى طرق

الطّرق : الضّرب بوقع ، والصّكّ. وطرق الصّوف بالقضيب ، واسمه (١) المطرق والمطرقة.

والطريق : السّبيل المطروق ، يؤنّث ويذكر ، والجمع : طرق وأطرق ، وأطرقاء ، وأطرقة. وجمع الجمع : طرقات. وعنه استعير كلّ مسلك يسلكه الإنسان فى فعل ، محمودا كان أو مذموما.

والطريقة : النخلة الطويلة ، والصّفّ من النخل تشبيها بالطريق فى الامتداد.

والطارق : السّالك للطريق ، لكن خصّ فى العرف بالآتى ليلا ، فقيل : طرق أهله طروقا. وفى الخبر : وأعوذ بك من كلّ طارق إلّا طارقا يطرق بخير. وعبّر عن النجم بالطّارق لاختصاص ظهوره بالليل ، قال تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ)(٢). قال (٣) :

نحن بنات طارق

نمشى على النمارق

__________________

(١) أى اسم القضيب الذى يطرق به.

(٢) أول سورة الطارق.

(٣) أى الشخص ، والمراد هند بنت طارق الايادية من رجز قالته فى حرب الفرس لاياد. وتمثلت به هند بنت عتبة فى غزوة أحد تحرض قريشا على حرب المسلمين. وانظر الروض الأنف ٢ / ١٢٩.

٥٠٤

والطّوارق : الحوادث التى تأتى ليلا.

وقوله تعالى : (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً)(١) ، إشارة إلى اختلاف درجاتهم ، كقوله : (هُمْ دَرَجاتٌ)(٢). وأطباق السّماء يقال لها طرائق ؛ قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ)(٣).

ورجل مطروق : فيه لين واسترخاء ، كأنّه أصابته حادثة ليّنته. وفلان به طرقة ، أى هوج وجنون.

وكيف طروقتك؟ أى زوجتك.

وأنا آتيك فى اليوم طرقة أو طرقتين ، أى آتيه. قال ابن هرمة.

إذا هيب أبواب الملوك قرعتها

بطرقة ولّاج لها نابه الذّكر

__________________

(١) الآية ١١ سورة الجن.

(٢) الآية ١٦٣ سورة آل عمران.

(٣) الآية ١٧ سورة المؤمنين.

٥٠٥

٧ ـ بصيرة فى طرى وطعم

الطّرىّ : الغضّ الجديد. قال تعالى : (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا)(١). وقد طرى طراوة وطراء (٢) وطراءة وطرءا (٣) وطراة. وطرّاه تطرية ، وطرّأه تطرئة : جعله طريّا.

والطّعم : تناول الغذاء. وكثر عنده الطّعام ، والطعم ، والمطعم ، والأطعمة ، والأطعمات ، والمطاعم. وهو محتكر فى الطّعام ، أى فى البرّ. وعن الخليل أنّه العالى من كلامهم ، يعنى تسميه البرّ بالطعام. وفى حديث أبى سعيد : «كنّا نخرج فى صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير».

وقوله تعالى : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ)(٤) ، أى إطعامه الطعام. وقيل : قد يستعمل طعمت / فى الشراب ، كقوله تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي)(٥). وقيل : إنّما قال : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) تنبيها أنه محظور أن يتناوله (إلّا غرفة مع طعام (٦)) ، كما أنّه محظور عليه أن يشربه إلّا غرفة ؛ فإنّ الماء قد يطعم إذا كان مع شىء يمضغ.

__________________

(١) الآية ١٢ سورة فاطر

(٢) جعله فى التاج : «طرا» بالقصر

(٣) ورد هذا المصدر فى المهموز ، كما فى التاج فى «طرأ».

(٤) الآية ٣ سورة الماعون.

(٥) الآية ٢٤٩ سورة البقرة.

(٦) فى عبارة التاج المنقولة عن الراغب : «مع طعام إلا غرفة».

٥٠٦

ولو قال : ومن لم يشربه لكان يقتضى أن يجوز تناوله إذا كان فى طعام ، فلمّا قال : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) بيّن أنه لا يجوز تناوله بحال إلّا بقدر المستثنى ، وهو الغرفة باليد.

وطعم الشىء : حلاوته ومرارته وما بينهما ، يكون فى الطعام والشراب. والجمع : طعوم. وجمع الطعام : أطعمة ، وجمع الجمع : أطعمات. وفى حديث زمزم : «إنّه طعام طعم ، وشفاء سقم» تنبيها أنه يغذّى بخلاف سائر المياه.

وأنا طاعم عن طعامكم ، أى مستغن. وفلان لا يطّعم ـ كيفتعل ـ : لا يتأدّب ولا ينجع فيه ما يصلحه. وإذا استطعمكم الإمام [فأطعموه (١)] ، أى إذا استفتحكم فافتحوا عليه ولقّنوه.

ومطعم ـ كمنبر ـ : شديد الأكل أو كثيره. ومطعم : مرزوق. ومطعام : كثير الضيف والقرى.

وتطعّم تطعم : ذق فتشتهى فتأكل.

__________________

(١) فى القاموس أن هذا من كلام الامام على رضى الله عنه.

٥٠٧

٨ ـ بصيرة فى طعن وطغى وطف وطفق

طعنه بالرّمح يطعنه ويطعنه طعنا ، وطعن فيه بالقول طعنا وطعنانا ، فهو مطعون وطعين ، من طعن. قال تعالى : (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ)(١).

وطغى ـ كرضى ـ طغيا وطغيانا وطغيانا (٢) ، وطغا يطغو طغوّا وطغوانا بضمّهما : جاوز القدر ، وارتفع ، وغلا فى الكفر ، وأسرف فى المعاصى والظلم. قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى)(٣). وقال تعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ)(٤). والطغوى الاسم منه.

قال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها)(٥) تنبيها أنّهم لم يصدّقوا إذ خوّفوا بعقوبة طغيانهم.

وقوله : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى)(٦) تنبيه أنّ الطغيان لا يخلّص الإنسان ، فقد كان قوم نوح أطغى منهم فأهلكوا.

وقوله : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ)(٧) ، استعير الطغيان لارتفاع الماء وتجاوزه الحدّ.

__________________

(١) الآية ١٢ سورة التوبة.

(٢) هذا الضبط عن ب.

(٣) الآية ٦ سورة العلق.

(٤) الآية ٢٧ سورة ق.

(٥) الآية ١١ سورة الشمس.

(٦) الآية ٥٢ سورة النجم.

(٧) الآية ١١ سورة الحاقة.

٥٠٨

وقوله تعالى : (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ)(١) إشارة إلى الطوفان (٢) المعبّر عنه بقوله : (إنّا لمّا طغى الماء).

والطاغوت : اللّات ، والعزّى ، والكاهن ، والشيطان ، وكلّ رأس ضلال ، والأصنام ، وكلّ ما عبد من دون الله ، ومردة أهل الكتاب ، يستوى فيه الواحد والجمع. وزنه فلعوت من طغوت. ويجمع أيضا على طواغيت وطواغ. وقيل وزنه فعلوت (٣) نحو جبروت وملكوت. وقيل : أصله (٤) طغووت ، لكن قلب لام الفعل نحو صاعقة وصاقعة ، ثمّ قلب الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

والطفيف : النزر القليل. ابن دريد : شىء طفيف : غير تامّ والتطفيف : نقص المكيال ، قال تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(٥)

طفق يفعل كذا ، وطفق ـ كسمع وضرب ـ طفوقا : إذا واصل الفعل ، خاصّ بالإيجاب ، لا يقال : ما طفق. قال تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ)(٦) ، وطبق بمعناه. وطفق بمراده : ظفر. وأطفقه الله.

__________________

(١) الآية ٥ سورة الحاقة.

(٢) كأنه يرى أن الطاغية فى الآية الطوفان والآية فى ثمود وهم أهلكوا بالصيحة لا بالطوفان وقد تبع الراغب.

(٣) فى الأصلين : «فلعوت» والمناسب ما أثبت.

(٤) هذا هو الوجه الأول.

(٥) صدر سورة المطففين.

(٦) الآية ٢٢ سورة الاعراف ، والآية ١٢١ سورة طه.

٥٠٩

٩ ـ بصيرة فى طفل وطل

الطّفل ، والطّفيل ـ كحذيم ـ : الصّغير من كلّ شىء. وهو طفل بيّن الطفل والطفالة والطّفولة والطفوليّة. والجمع : أطفال ، قال تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ)(١). وقد يكون الطّفل مثل الجنب (٢) ، قال الله تعالى : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا)(٣) ، وقال تعالى : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً)(٤).

والمطفل : ذات الطّفل من الإنس والوحش وهى قريبة عهد بالنتاج. والجمع : مطافل ومطافيل. قال أبو ذؤيب الهذلىّ :

وإنّ حديثا منك لو تبذلينه

جنى النحل فى ألبان عوذ مطافل

/ مطافيل أبكار حديث نتاجها

يشاب بماء مثل ماء المفاصل (٥)

والطّلّ : أخف المطر وأضعفه. وقيل : الطل : الندى. وقيل : الطّلّ فوق النّدى ودون المطر. والجمع : طلال. وقد طلّت الأرض ، وطلّها الندى ، فهى مطلولة.

والطّلّ ، والطلّ ـ بالكسر والفتح ـ : الحيّة. والطّلّ : المطل.

__________________

(١) الآية ٥٩ سورة النور.

(٢) أى يستوى فيه الواحد وغيره كالجنب تقول : هو جنب وهم جنب قال تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا).

(٣) الآية ٣١ سورة النور.

(٤) الآية ٥ سورة الحج.

(٥) العوذ : من الابل جمع عائذ ، وهى الناقة الحديثة العهد بالولادة. وجنى النحل : العسل والمفاصل : جمع مفصل ، وهو ما بين الجبلين من رمل وحصى ، ويكون ماؤه صافيا. وانظر ديوان الهذليين ١ / ١٤٠ وما بعدها.

٥١٠

١٠ ـ بصيرة فى طفأ وطلب وطلت وطلح وطلع

طفئت النّار تطفأ طفوءا ، وأطفأتها أنا ، وأطفأت (١) هى ، لازم متعدّ. قال تعالى : (لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ)(٢) ، وقال : (أَنْ يُطْفِؤُا). والفرق بين الموضعين أن المعنى فى قوله : (أَنْ يُطْفِؤُا)(٣) : يقصدون إطفاء نور الله ، وفى قوله : (لِيُطْفِؤُا) : يقصدون أمرا يتوصّلون به إلى إطفاء نور الله.

والطّلب مصدر طلبه يطلبه : فحص عن وجوده ، عينا كان أو معنى. وأطلبته : أسعفته بمطلوبه. والطلب أيضا : جمع طالب.

وطالوت : فاعول : اسم أعجمىّ. ابن دريد : طالوت وجالوت ليس (٤) من كلام العرب ، وإن كانا فى التنزيل ، فهما اسمان أعجميّان.

والطّلح : شجر معروف ، واحدته بهاء. وإبل طلحة : مشتكية عن أكلها. وقوله : (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)(٥) هو الموز.

والطّلح والطّليح : المهزول. والطّلاح : ضدّ الصّلاح.

__________________

(١) لم يرد هذا الفعل لازما فى القاموس ولا اللسان.

(٢) الآية ٨ سورة الصف.

(٣) الآية ٣٢ سورة التوبة.

(٤) كذا فى الأصلين ، أى ليس كل منهما والأولى : «ليسا».

(٥) الآية ٢٩ سورة الواقعة.

٥١١

طلعت الشمس والكواكب طلوعا ، ومطلعا ، ومطلعا. والمطلع والمطلع أيضا : موضع الطلوع. وقرأ الكسائىّ وخلف وأبو عمرو فى إحدى الرّوايتين : حتى مطلعِ الفجر (١) بكسر اللام ، والباقون بفتحها. وقال بعض البصريّين : من قرأ بالكسر فهو اسم لوقت الطلوع. وقال الفرّاء : المطلع ـ بالكسر ـ أقوى فى قياس العربية ؛ لأنّ المطلع ـ بالفتح ـ هو الطّلوع.

واطّلعت عليهم ، أى طلعت عليهم. وأطلعته على سرّى : أظهرته عليه. وقرأ ابن عبّاس رضى الله عنهما ، وسعيد بن جبير ، وأبو البرهسم ، وعمّار مولى بنى هاشم : هل أنتم مُطْلِعون (٢) بسكون الطّاء وفتح النون ، (فأطلع بضمّ الهمزة وسكون الطاء وكسر اللام ، على معنى : فهل أنتم فاعلون بى ذلك (٣)؟) وقرأ أبو عمرو (٤) عمّار المذكور ، وأبو سراج وابن أبى عبلة ، بكسر النون ، (فأُطْلِع) كما مرّ. قال الأزهرى : هى شاذّة عند النحويّين أجمعين ، ووجهه ضعيف. ووجه الكلام على هذا المعنى : هل أنتم مطّلعي ، وهل أنتم مطلعوه ، بلا نون كقولك : هل أنتم آمروه وآمرىّ. وأمّا قول الشّاعر :

هم القائلون الخير والآمرونه

إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما

فوجه الكلام : والآمرون به. وهذا من شواذ اللغات.

__________________

(١) الآية ٥ سورة القدر.

(٢) الآية ٥٤ سورة الصافات.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٤) أى فى رواية حسين الجعفى عنه ، لا فى قراءته المعروفة.

٥١٢

والطّلع : طلع النخلة. قال الله تعالى : (طَلْعٌ نَضِيدٌ)(١). وطلع النخل وأطلع : إذا خرج طلعه. وقوله : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ)(٢) ، أى ما طلع منها.

واطّلع عليهم : أشرف ، قال تعالى : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ)(٣) ، أى لو هجمت عليهم وأوفيت عليهم. ومنه قوله تعالى : (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)(٤) أى توفى عليها ، ويقال : يبلغ ألمها القلوب.

والاطّلاع ، والبلوغ بمعنى واحد ، يقال : اطّلعت هذه الأرض ، أى بلغتها قال ذلك الفرّاء. وقوله تعالى : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ)(٥) ، أى هل أنتم تحبّون أن تطّلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النّار؟ فاطّلع المسلم فرأى قرينه فى سواء الجحيم. أعاذنا الله منها.

__________________

(١) الآية ١٠ سورة ق.

(٢) الآية ٦٥ سورة الصافات.

(٣) الآية ١٨ سورة الكهف.

(٤) الآية ٧ سورة الهمزة.

(٥) الآيتان ٥٤ ، ٥٥ سورة الصافات.

٥١٣

١١ ـ بصيرة فى طلق وطم وطمث وطمس

طلاق المرأة : بينونتها عن المطلّق. فهى طالق من طلّق ، وطالقة من طوالق. وقد طلقت / وطلقت ـ بالفتح والضمّ ـ طلاقا. وأطلقها وطلّقها ، فهو مطلاق ومطليق ، وطلّيق كسكيت ، وطلقة كهمزة : كثير التطليق للنساء.

وقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ)(١) عامّ فى الرّجعيّة وغيرها. وقوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)(٢) خاصّ فى الرّجعيّة. وقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا)(٣) ، يعنى الزوج الثانى.

ورجل طلق الوجه ، وطلقه وطليقه : ضاحكه مشرقه. وقد طلق طلاقة.

طمّ الماء طمّا وطموما : غمر. وطمّ الإناء : ملأه ، والرّكيّة (٤) : دفنها وسوّاها ، والشىء : كثر وعلا ، وغلب. وسمّيت القيامة طامّة لذلك.

والطمث : الدّنس. قال عدىّ بن زيد العبادىّ :

طاهر الأثواب يحمى عرضه

من خنى الذمّة أو طمث العطن

والطمث ـ بفتحتين (٥) ـ : الدّم. وطمثها : جامعها ، يطمثها ويطمثها طمثا إذا افتضّها. وقال الفرّاء : هو النكاح بالتدمية. وقرأ الكسائىّ :

__________________

(١) الآية ٢٢٨ سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٢٨ سورة البقرة.

(٣) الآية ٢٣٠ سورة البقرة

(٤) الركية : البئر.

(٥) ضبط فى اللسان بسكون الميم بضبط القلم.

٥١٤

(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ)(١) بضمّ أحدهما وكسر الآخر لا يبالى بأيّهما (٢) بدأ ، وقرأ الباقون بكسر الميم فيهما.

والطمس : المحو وإزالة الأثر ، قال تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ)(٣) أى أزلنا ضوءها وصورتها كما يطمس الأثر. وقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) ، أى أزل صورتها (٤). وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها)(٥) ، منهم من قال : عنى ذلك فى الدّنيا ، وهو أن ينبت الشعر على وجوههم فتصير (٦) صورتهم كصورة الكلب والقرد. ومنهم من قال : ذلك فى الآخرة ، إشارة إلى ما قال : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ)(٧) ، وهو أن يصيّر عيونهم فى قفاهم. وقيل : معناه : يردّهم من الهداية إلى الضّلال.

__________________

(١) الآيتان ٥٦ ، ٧٤ سورة الرحمن

(٢) أى فى الآيتين.

(٣) الآية ٦٦ سورة يس.

(٤) الآية ٨٨ سورة يونس.

(٥) الآية ٤٧ سورة النساء.

(٦) فى الأصلين : (يصير) وما أثبت من الراغب.

(٧) الآية ١٠ سورة الانشقاق

٥١٥

١٢ ـ بصيرة فى طمع وطمن

طمع فيه ـ بالكسر ـ يطمع طمعا ، وطماعة ، وطماعية ، فهو طمع ، وطامع وطمع ، ومنه الحديث : «استعيذوا بالله من طمع يهدى إلى طبع» وقال ثابت ابن قطنة (١) :

لا خير فى طمع يهدى إلى طبع

وغفّة من قوام العيش تكفينى (٢)

وتقول فى التعجب : طمع الرّجل ـ بضم الميم ـ أى صار كثير الطّمع. ولمّا كان أكثر الطمع من جهة الهوى قيل : الطمع طبع. وفى الحديث : «اللهم إنّى أعوذ بك من طمع يهدى إلى طبع ، ومن طمع فى غير مطمع» ، المطمع : ما طمعت فيه قال (٣) :

طمعت بليلى أن تريع وإنّما

تقطّع أعناق الرجال المطامع

الطّمن ـ بالفتح ـ والمطمئنّ : السّاكن. واطمأنّ اطمئنانا وطمأنينة. وطمأن ظهره : طامنه (٤). قال : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)(٥) وهى ألّا تصير أمّارة بالسّوء ، وقال : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(٦).

__________________

(١) كذا فى الأصلين. والصواب حذف «بن» واضافة ثابت الى قطنة ، وهو من اضافة الاسم الى اللقب ، وهو أبو العلاء ثابت بن كعب ، أصيبت عينه فى حرب فكان يحشوها بقطن فلقب بذلك. وانظر القاموس والتاج فى (قطن) هذا وفى التاج فى (طبع) أن القاضى التنوخى نسب البيت فى كتابه (الفرج بعد الشدة) الى عروة بن أذينة.

(٢) الغفة من العيش : القليل يتبلغ به.

(٣) أى البعيث كما فى التاج.

(٤) أى حناه ، كما فى التاج.

(٥) الآية ٢٧ سورة الفجر

(٦) الآية ٢٨ سورة الرعد.

٥١٦

والطّمأنينة والسّكينة كلّ منهما تستلزم الأخرى ، لكن استلزام الطّمأنينة للسّكينة أقوى من العكس. ثمّ إنّ الطّمأنينة أعمّ من السكينة. وهى على درجات : طمأنينة القلب بذكر الله ، وهى طمأنينة الخائف إلى الرّجاء ، والضجر إلى الحكم ، والمبتلى إلى المثوبة. والطمأنينة : سكون أمن فيه استراحة أنس. والسّكينة : صولة تورث خمود الهيبة. والسكينة تكون حينا بعد حين ، والطمأنينة لا تفارق صاحبها وكأنها نهاية السّكينة.

٥١٧

١٣ ـ بصيرة فى طود وطور

ما هو إلّا طود من الأطواد ، وهو الجبل المنطاد (١) فى السّماء ، الذاهب صعدا. وقيل : الجبل العظيم. ووصف بالعظيم فى التنزيل (٢) / لكونه فيما بين الأطواد عظيما. وطوّده الله تطويدا : طوّله.

والطّور. الجبل ، واسم جبل مخصوص بالقدس ، وجبل محيط بالأرض قال الله تعالى : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ)(٣). وفلان طورىّ : وحشىّ.

[و] أتيته طورا بعد طور ، وجئته أطوارا : تارات. والنّاس أطوار : أخياف (٤).

وقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(٥) إشارة إلى قوله : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ)(٦). (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ)(٧) وقيل : هو إشارة إلى قوله : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ)(٨) أى مختلفين فى الخلق والخلق. وأنا لا أطور بفلان : أحوم حوله ولا أدنو منه.

__________________

(١) كذا فى ب. وفى أ. «المنقاد». والانطياد الذهاب فى الهواء صعدا.

(٢) أى فى قوله تعالى فى الآية ٦٣ سورة الشعراء : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)

(٣) صدر سورة الطور.

(٤) أى مختلفون.

(٥) الآية ١٤ سورة نوح.

(٦) الآية ٢٢ سورة الروم. ولا مكان لهذه الآية هنا بل مكانها فى الوجه الآتى.

(٧) الآية ٥ سورة الحج.

٥١٨

١٤ ـ بصيرة فى طوع

[الطّوع (١) : الانقياد ، وضدّ الكره. قال تعالى : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً)(٢).] والطاعة مثله. لكن أكثر ما يقال فى الائتمار فيما أمر. وقوله تعالى : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)(٣) ، أى أطيعوا ، أى ليكن منكم طاعة معروفة بلا إثم (٤). وهو لى طائع ، وطيّع ، وطاع ، وطاع ، والجمع : طوّع. وهو يطوع لى وطاوعته على كذا ، وأطاع الله طاعة. وهو مطيع ، ومطواع ، ومطواعة ، قال (٥) :

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

وهو من ناس مطاويع. وهو متطوّع بكذا : متبرّع متنفّل. وهو من المطّوّعة ، أى من الذين يتطوّعون بالجهاد. وقال تعالى فى صفة النبىّ (٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) إلى قوله : (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)(٧). والمتطوّع [من](٨) يتكلّف الطاعة. وكلّ متنفّل خير تبرّعا متطوّع.

__________________

(١) ما بين القوسين كان فى الأصلين فى آخر البصيرة السابقة ، فوضعته فى موضعه.

(٢) الآية ١١ سورة فصلت.

(٣) الآية ٢١ سورة محمد.

(٤) فى الأصلين «قسم» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٥) أى المتنخل الهذلى. وانظر ديوان الهذليين ٢ / ٣٠.

(٦) الذى فى التفاسير أن هذا فى صفة جبريل عليه‌السلام.

(٧) الآيات ١٩ و ٢٠ و ٢١ من سورة التكوير

(٨) زيادة اقتضاها السياق ، وعبارة الراغب : «التطوع تكلف الطاعة».

٥١٩

قال تعالى : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ)(١). وقرأ الكوفيّون غير (٢) عاصم : (فمن يطّوّع) ، أى يتطوّع.

وقوله تعالى : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ)(٣) أى تابعته ، وقيل : سهّلت له نفسه وطاوعته. وقال مجاهد : أى شجّعته وأعانته ، وأجابته إليه. وقال الأخفش : هو مثل طوّقت له ، ومعناه : رخّصت وسهّلت.

والاستطاعة : الإطاقة ، وربما قالوا : اسطاع يسطيع ، يحذفون التاء استثقالا لها مع الطاء ، ويكرهون إدغام التاء فيها فتحرّك السّين وهى لا تحرّك أبدا. وقرأ حمزة غير خلّاد (٤)(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ)(٥) بالإدغام ، فجمع بين السّاكنين. وذكر الأخفش أن بعض العرب يقول : استاع يستيع فيحذف الطاء استثقالا وهو يريد استطاع يستطيع ، قال : وبعض يقولون : أسطاع يسطيع بقطع الهمزة وهو يريد أطاع يطيع ، ويجعل السّين عوضا عن ذهاب حركة العين ، أى عين الفعل. ويقال : تطاوع لهذا الأمر : [تكلّف (٦) استطاعته حتى] يستطيعه. وهو [ضد (٧)] معنى قول عمرو بن معد يكرب رضى الله عنه :

__________________

(١) الآية ١٨٤ سورة البقرة.

(٢) فى الأصلين : «عن» وهو تحريف. والمراد بالكوفيين غير عاصم حمزة والكسائى وخلف. أما عاصم فقرأ بصيغة الماضى وانظر الاتحاف ، والبحر المحيط ١ / ٤٥٨

(٣) الآية ٣٠ سورة المائدة.

(٤) اى فى غير رواية خلاد.

(٥) الآية ٩٧ سورة الكهف.

(٦) الزيادة من الأساس.

(٧) زيادة بها يصح المعنى.

٥٢٠