لما أتى أبو جهل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انتهره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال أبو جهل : أتنتهرني يا محمد فو الله لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني ، فأنزل الله سبحانه (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) وهذا وعيد ، أي فليدع أهل ناديه ، أي أهل مجلسه ـ يعني عشيرته ـ فليستنصر بهم إذا حلّ عقاب الله به ، والنادي : الفناء قال : وتأتون في ناديكم المنكر. ثم قال (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) يعني الملائكة الموكلين بالنار ، وهم الملائكة الغلاظ الشداد (كَلَّا) أي ليس الأمر على ما عليه أبو جهل (لا تُطِعْهُ) في النهي عن الصلاة (وَاسْجُدْ) له عز اسمه (وَاقْتَرِبْ) معناه : اسجد يا محمد للتقرب منه فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد له. وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجدا وقيل : المراد به السجود لقراءة هذه السورة. والسجود هنا فرض وهو من العزائم. وروي عن ابي عبد الله عليهالسلام قال العزائم آلم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم إذا هوى ، واقرأ باسم ربك ، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس مفروض.
سورة القدر
مكية وآياتها خمس آيات
١ ـ ٥ ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) الهاء كناية عن القرآن (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) قال ابن عباس : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم كان ينزله جبريل عليهالسلام على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم نجوما ، وكان من أوله إلى آخره ثلاث وعشرون سنة. ومعنى ليلة القدر : أي ليلة الشرف والخطر وعظم الشأن من قولهم : رجل له قدر عند الناس ، أي منزلة وشرف ومنه : ما قدّروا الله حق قدره ، أي ما عظموه حق عظمته. ثم قال الله سبحانه تعظيما لشأن هذه الليلة ، وتنبيها لعظم قدرها وشرف محلها (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) فكأنه قال : وما أدراك يا محمد ما خطر ليلة القدر وما حرمتها ، وهذا حثّ على العبادة فيها ؛ ثم فسّر سبحانه تعظيمه وحرمته فقال (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي قيام ليلة القدر والعمل فيها خير من قيام ألف شهر ليس فيه ليلة القدر ، وذلك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير من النفع ، فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة القدر كانت خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما يكون في هذه الليلة. وذكر عطاء عن ابن عباس قال : ذكر لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجل من بني إسرائيل أنه حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله تعالى ألف شهر ، فعجب من ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عجبا شديدا ، وتمنى أن يكون ذلك في أمته فقال : يا رب جعلت أمتي أقصر الناس أعمارا ، وأقلها أعمالا ، فأعطاه الله ليلة القدر وقال : ليلة القدر خير من ألف شهر الذي حمل الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمتك من بعدك إلى يوم القيامة في كل رمضان. ثم أخبر سبحانه بما يكون في تلك الليلة فقال (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) أي تتنزل الملائكة (وَالرُّوحُ) يعني جبرائيل (فِيها) أي في ليلة القدر إلى الأرض ليسمعوا الثناء على الله ، وقراءة القرآن وغيرها من الأذكار (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بأمر ربهم (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي بكل أمر من الخير والبركة ، إلى مثلها من العام القابل (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي هذه الليلة إلى آخرها سلامة من الشرور والبلايا وآفات الشيطان.