تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[١٥٤] (ثُمَّ أَنْزَلَ) الله (عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ) الذي أصابكم بواسطة الانهزام (أَمَنَةً) أمنا ، مفعول (أنزل) (نُعاساً) أي نوما ، فان الإنسان الآمن يأخذه النوم بخلاف الخائف ، وهو بدل اشتمال عن (أمنة) (يَغْشى) النعاس ، أي يشمل (طائِفَةً مِنْكُمْ) وهم المؤمنون الذين ظفروا ثانيا على الكفار ، حيث إن الكفار بعد قتل جماعة من المسلمين وقع في قلوبهم الخوف فانهزموا (وَطائِفَةٌ) أخرى هم المنافقون (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) يريدون نجاتها ، حتى بعد أن ذهب الكفار ، لما دخلهم من الرعب والخوف (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) فإنهم كانوا يظنون أن الله خدعهم بوعد النصر لهم ، بينما إن الله وعدهم وعد الحق بالنصر ، لكن مخالفة الأمر سببت هزيمتهم أولا (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) فان أهل الجاهلية كانوا يسيئون الظن بالله (يَقُولُونَ) الطائفة المنافقة (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ) أي أمر النصر (مِنْ شَيْءٍ) وهذا استفهام إنكار منهم ، أي لا نصر لنا على الكفار (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) فان النصر والانهزام بيد الله ، (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما) أي النفاق الذي (لا يُبْدُونَ لَكَ) لا يظهرونه لك يا رسول الله (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ) أي النصر (شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) لم يقتل أصدقاؤنا في أحد (قُلْ) لم يكن قتل المسلمين في أحد لأنهم خرجوا للمقاتلة ، بل لان وقت قتلهم حضر (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) أي منازلكم ولم تخرجوا للقتال (لَبَرَزَ) أي خرج (الَّذِينَ كُتِبَ) في اللوح المحفوظ (عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) أن يقتلوا في هذا اليوم (إِلى مَضاجِعِهِمْ) جمع مضجع أي محل القتل (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ) أي فعل الله ذلك بكم ليمتحن (ما فِي صُدُورِكُمْ) من الإخلاص والنفاق فان في الشدة يظهر الإيمان والنفاق (وَلِيُمَحِّصَ) أي يخلص (ما فِي قُلُوبِكُمْ) من الوساوس أي يظهر وساوس قلوبكم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بأسرارها.

[١٥٥] (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) وانهزموا يوم أحد (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) الكفار والمسلمون ، التقيا في ساحة المعركة (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) أي طلب الشيطان زللهم وانهزامهم فأطاعوه (بِبَعْضِ) أي بسبب بعض (ما كَسَبُوا) من المعاصي السابقة ، إذا المعصية توجب تزلزل الإيمان فإذا صار وقت الامتحان ظهر الضعف في العاصي (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

[١٥٦] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) أي قالوا في باب إخوانهم الذين قتلوا وماتوا في الحرب أو في السفر (إِذا ضَرَبُوا) أولئك الإخوان ، والضرب كناية عن السفر (فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا) أولئك الإخوان (غُزًّى) جمع غاز ، بمعنى الذي يغزو ويجاهد (لَوْ كانُوا) هذا مفعول (قالوا) (عِنْدَنا) بأن لم يسافروا ولم يجاهدوا (ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ) وإنما فعل الله ذلك بهم ، بان تركهم في نفاقهم ولم يلطف بهم الألطاف الخاصة (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) فيضاف إلى فقد إخوانهم التحسر والحزن جزاء لنفاقهم (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) فبيده الحياة والموت ولا ربط بالخروج وعدم الخروج إلى الجهاد (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

[١٥٧] (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ) أيها المؤمنون (فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) في سبيله عزوجل كما لو خرجتم للجهاد أو الحج ثم أدرككم الموت (لَمَغْفِرَةٌ) غفران لذنوبكم (مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي يجمع من الأموال من لم يخرج في سبيل الله ولم يمت.

٨١

[١٥٨] (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) أي تجمعون في يوم القيامة فيكون أجركم عليه ، ولا تخسرون بموتكم إذ تعوضون عن ذلك.

[١٥٩] (فَبِما رَحْمَةٍ) أي فبرحمة ، و(ما) مزيدة للتأكيد (مِنَ اللهِ لِنْتَ) يا رسول الله ، أي كنت لينا فان ذلك رحمة من الله للمسلمين (لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) جافيا (غَلِيظَ الْقَلْبِ) قاسيا سيئ الخلق (لَانْفَضُّوا) أي تفرقوا (مِنْ حَوْلِكَ) من أطرافك (فَاعْفُ) يا رسول الله (عَنْهُمْ) ولا تؤاخذهم بمخالفة أمرك ـ يوم أحد ـ (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) اطلب غفران الله وتجاوزه عن عصيانهم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) طلبا لرضا قلوبهم (فَإِذا عَزَمْتَ) على أمر ورأيت فيه الصلاح (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) وائت به (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

[١٦٠] (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) كما نصركم ببدر (فَلا غالِبَ لَكُمْ) لا يغلب عليكم أحد (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) ولم ينصركم (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد خذلان الله لكم ، فلا ناصر لكم مع خذلان الله تعالى (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

[١٦١] (وَما كانَ) أي لا يجوز (لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) أي يخون ، فقد فقدت قطيفة حمراء يوم بدر فقال المنافقون إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذها (وَمَنْ يَغْلُلْ) يخون (يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فيأتي هنالك وهو يحمل على ظهره ما غل ، فضيحة له بين الناس (ثُمَّ تُوَفَّى) يعطى جزاؤها وافيا (كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

[١٦٢] (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) بأن أتى بما وجب عليه (كَمَنْ باءَ) رجع بسبب عصيانه (بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ) محله (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي محل يصير الإنسان إليه.

[١٦٣] (هُمْ) أي المطيعون والعصاة ذو (دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) إذ تتفاوت درجات المؤمنين والمطيعين ودرجات الكافرين والعاصين (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) فيجازيهم على أعمالهم كل بقدره.

[١٦٤] (لَقَدْ مَنَّ اللهُ) أي أنعم (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ) أرسل (فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) من جنسهم لا من جنس الملائكة (يَتْلُوا) يقرأ (عَلَيْهِمْ آياتِهِ) القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) يطهّرهم من رذائل الأخلاق (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) القرآن الحكيم (وَالْحِكْمَةَ) الشرائع (وَإِنْ كانُوا) إن : مخففة من الثقيلة (مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) واضح.

[١٦٥] (أَوَلَمَّا) الهمزة للاستفهام والواو عاطفة (أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) هي قتل سبعين منهم في أحد (قَدْ أَصَبْتُمْ) من الكفار في بدر (مِثْلَيْها) لأن المسلمين قتلوا في بدر سبعين وأسروا سبعين (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) أي من أين أصابتنا هذه الإصابة ، وقد وعدنا الله النصر (قُلْ هُوَ) أي هذا الانكسار في أحد (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) حيث خالفتم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ترككم مواقعكم في الجبل (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قادر بأن ينصركم.

٨٢

[١٦٦] (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) المسلمون والمشركون في أحد حيث تلاقيا (فَبِإِذْنِ اللهِ) حيث ترككم وشأنكم (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ).

[١٦٧] (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) أي يميز المؤمنين من المنافقين (وَقِيلَ) عطف على (نافقوا) (لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) أي قاتلوا إما لله أو لأجل الدفاع عن أنفسكم وأهليكم (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً) أي لو علمنا أن هذا قتال ، وليس إلقاء نفس في التهلكة (لَاتَّبَعْناكُمْ) في الخروج إلى الجهاد ، لكنه ليس بقتال بل هلاك لنا وإبادة (هُمْ) هؤلاء المنافقون (لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ) أي يوم قالوا هذا القول (أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) فإنهم كانوا منافقين أما الآن فقد مالوا إلى جانب الكفر (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) أنهم مؤمنون (ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) إذ في قلوبهم الكفر (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) يخفون من النفاق.

[١٦٨] وهم (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) أي حول إخوانهم المؤمنين الذين قتلوا في أحد (وَ) الحال انهم (قَعَدُوا) عن الجهاد لنفاقهم (لَوْ أَطاعُونا) في العقود وترك القتال (ما قُتِلُوا) كما لم نقتل نحن بسبب قعودنا (قُلْ) إن كان الموت بأيديكم (فَادْرَؤُا) أي ادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) حين أتاكم ملك الموت (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن قعودكم كان سبب بقاء حياتكم.

[١٦٩ ـ ١٧٣] (وَلا تَحْسَبَنَ) أي لا تظن أيها السامع (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ) هم (أَحْياءٌ) حياة طيبة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) بخلاف الكافر فإنه ميت إذ هنالك في العذاب ، وبخلاف المؤمن إذا مات ، فليست له حياة طيبة كحياة الشهيد (يُرْزَقُونَ) تأكيد لحياتهم. في حال كون أولئك الشهداء (فَرِحِينَ) أي مسرورين (بِما آتاهُمُ) أعطاهم (اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ) أي يسرّون (بِالَّذِينَ) أي بسائر المؤمنين الذين (لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) بعد بل هم في الحياة الدنيا (مِنْ خَلْفِهِمْ) أي الذين خلّفوهم في الدنيا (أَلَّا) أي من جهة أن لا (خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي على المؤمنين الباقين في الحياة ، فان الإنسان إذا كان في نعمة وعلم أن إخوانه الذين ليسوا معه لهم مستقبل زاهر ، يكون في أشد أحوال الفرح والسرور (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). (يَسْتَبْشِرُونَ) أي الشهداء (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) حيث أنعم عليهم بأنواع النعم (وَفَضْلٍ) زيادة ثواب على ما يستحقون (وَ) ب (أَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) الذين هم إخوانهم من خلفهم. (الَّذِينَ) صفة المؤمنين (اسْتَجابُوا) أي أجابوا بمعنى أطاعوا في الخروج إلى بدر الصغرى (١) (لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) أي الجرح يوم أحد (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) من للبيان (وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) إذ من لم يبق منهم على إيمانه وتقواه لا ينال الأجر ، فان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أحد عقّب أبا سفيان والكفّار إرهابا لهم وهذه الآية نزلت فيمن تبع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الغزوة ، وقد أعطى أبو سفيان نعيم بن مسعود عشرة من الإبل ليفتّر أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن معاقبة الكفار بعد أحد ، ففترهم ولذا خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسبعين من أصحابه فقط. (الَّذِينَ) أي المؤمنون الذين (قالَ لَهُمُ النَّاسُ) والمراد به نعيم بن مسعود المرتشي (إِنَّ النَّاسَ) أي أبا سفيان وحزبه (قَدْ جَمَعُوا) العدة (لَكُمْ) لقتالكم فلا تخرجوا إليهم (فَاخْشَوْهُمْ) أي فخافوا الكفار ولا تخرجوا لقتالهم (فَزادَهُمْ) أي زاد قول نعيم للمؤمنين (إِيماناً) فإن أصحاب النفوس المؤمنة إذا عرفوا قوة الكفار يزدادون صلابة وإيمانا (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي يكفينا (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) خير وكيل يكل الإنسان إليه أمره.

__________________

(١) لملاحقة أبي سفيان وقومه.

٨٣

[١٧٤] (فَانْقَلَبُوا) أي رجع هؤلاء المؤمنون من بدر الصغرى بعد أحد (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) فإن الله أنعم عليهم بالعافية من الحرب إذ خاف الكفار وانهزموا (وَفَضْلٍ) زيادة ثواب (لَمْ يَمْسَسْهُمْ) لم يمسّهم (سُوءٌ) جراحة أو كيد أو ما أشبه (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) أي رضاه حيث أطاعوا أمره بالخروج إلى بدر (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).

[١٧٥] (إِنَّما ذلِكُمُ) أي المثبط عن الخروج إلى القتال (الشَّيْطانُ) الذي خوّف المسلمين (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) أي أحباء الشيطان فإنهم يخافون ، أما المؤمنون فلا يخافون (فَلا تَخافُوهُمْ) أي لا تخافوا أولياء الشيطان (وَخافُونِ) أي خافوا عقابي بالمخالفة (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

[١٧٦] (وَلا يَحْزُنْكَ) يا رسول الله (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) أي يبادرون إلى الكفر بالارتداد عن الإسلام (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ) بتركهم حتى يكفروا (أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا) نصيبا من الثواب (فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

[١٧٧] (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) بأن تركوا الإيمان واتخذوا الكفر (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

[١٧٨] (وَلا يَحْسَبَنَ) أي لا يظننّ (الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي) الإملاء : الإمهال وإطالة العمر (لَهُمْ خَيْرٌ) فانه ليس خيرا (لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) فان طول عمرهم سبب زيادة معاصيهم (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يهينهم في نار جهنّم.

[١٧٩] (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ) أي يترك (الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من اشتباه المؤمن بالمنافق (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ) المنافق (مِنَ الطَّيِّبِ) المؤمن ، والتميز إنما هو بأوامر يطيعها المؤمن ويتركها المنافق فيتميّزان (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) حتى تميزوا الإيمان من النفاق في القلوب ، وإنما يظهر ذلك بالشدائد في الامتحانات (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي) يختار (مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيطلعه على الغيب ويعرف المؤمن من المنافق (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) مخلصين ، لان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف المخلص من غيره (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) المعاصي (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).

[١٨٠] (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي بخلهم بمنع الحق الواجب الذي أعطاهم الله إياه (هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ) أي البخل (شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ) أي يكون وبال بخلهم كالطوق الملازم لأعناقهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فان الله يرث كل شيء ، فما بال هؤلاء يبخلون مما سينتقل عنهم إلى الله (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

٨٤

[١٨١] (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ) هم اليهود حين سمعوا قوله سبحانه (من ذا الذي يقرض الله) (قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا) في صحف الكتبة و(السين) للتأكيد (وَ) سنكتب (قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ) لهم يوم القيامة (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) المحرق.

[١٨٢] (ذلِكَ) العذاب (بِما) أي بسبب ما (قَدَّمَتْ) إلى الآخرة (أَيْدِيكُمْ) عبّر عن الأنفس بالأيدي ، لان أكثر الأعمال باليد (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ) أي بذي ظلم صيغة نسبة فليس تعذيبهم ظلما وإنما بالعدل (لِلْعَبِيدِ).

[١٨٣] (الَّذِينَ) صفة للذين قالوا إن الله فقير وهم اليهود (قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أي أوصانا (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا) ذلك الرسول (بِقُرْبانٍ) أي ما يتقرب به من الذبائح أو ما أشبه (تَأْكُلُهُ النَّارُ) فقد كانت هذه معجزة لبعض أنبياء بني إسرائيل أن يقرب قربانا فيدعو فتأتي نار من السماء وتحرق القربان (قُلْ) لهم يا رسول الله (قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ) أي بالأدلة الدالة على صدقهم (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) من القربان (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) كزكريا ويحيى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أنكم تؤمنون إذا جاءكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقربان.

[١٨٤] (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) يا رسول الله (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) كذبهم أقوامهم ، وهذا تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات (وَالزُّبُرِ) جمع الزبور وهو الكتاب المقصور على الحكم فقط ـ اصطلاحا ـ (وَالْكِتابِ) المشتمل على الأحكام والمواعظ وغيرها كالتوراة والإنجيل (الْمُنِيرِ) ذي النور الذي يهدي من ظلمات الكفر والأخلاق السيّئة.

[١٨٥] (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ) أي تذوق (الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ) أي تعطون (أُجُورَكُمْ) جزاء أعمالكم (يَوْمَ الْقِيامَةِ ، فَمَنْ زُحْزِحَ) نجّي (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) وربح (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) متاع يخدع به الإنسان.

[١٨٦] (لَتُبْلَوُنَ) أي تمتحننّ (فِي أَمْوالِكُمْ) بالزكاة والخمس وغيرهما (وَأَنْفُسِكُمْ) بالشدائد والقتل في سبيل الله (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) اليهود والنصارى (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) الكفار الذين لا كتاب لهم (أَذىً كَثِيراً) من الطعن في دينكم والمؤامرة ضدكم (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ذلك (وَتَتَّقُوا) المعاصي والآثام (فَإِنَّ ذلِكَ) الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من الأمور التي يحسن العزم عليها ، بمعنى أهمية الذي يعزم عليها ، لأنها من الصعوبة بمكان.

٨٥

[١٨٧] (وَإِذْ) واذكر يا رسول الله نقض اليهود للعهود بعد أن ذكرت تكذيبهم للرسل (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) عهدهم الأكيد ، أخذه بواسطة أنبيائه (لَتُبَيِّنُنَّهُ) أي الكتاب السماوي (لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) أي لا تخفونه (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) أي الكتاب أو الميثاق ، إذ أن في كتابهم رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذا تركوا العمل به ولم يظهروه للناس (وَاشْتَرَوْا بِهِ) أي بدل البيان للناس (ثَمَناً قَلِيلاً) هي رئاستهم الدنيوية (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).

[١٨٨] (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) كاليهود كانوا يفرحون بإظهار أحكام التوراة المحرفة (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا) يحمدهم الناس ويمدحونهم (بِما لَمْ يَفْعَلُوا) فإنهم أخفوا الحق ومع ذلك كانوا يحبون أن يقول الناس عنهم إنهم أظهروا الحق (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) أي بمنجاة (مِنَ الْعَذابِ) أي فائزين بالنجاة منه (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم بسبب كفرهم وتدليسهم.

[١٨٩] (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على عقاب اليهود.

[١٩٠] (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي تعاقب أحدهما وراء الآخر (لَآياتٍ) دالة على وجود الله سبحانه وصفاته (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أصحاب العقول.

[١٩١] (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً) قائمين (وَقُعُوداً) قاعدين (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) وهم نائمون (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تفكر اعتبار (رَبَّنا) أي يقولون يا ربنا (ما خَلَقْتَ هذا) الكون (باطِلاً) عبثا وبدون غاية (سُبْحانَكَ) تنزيها لك عن العبث (فَقِنا) أي احفظنا (عَذابَ النَّارِ).

[١٩٢] (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) فضحته وأهنته (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).

[١٩٣] (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُنادِي لِلْإِيمانِ) إلى الإيمان ب (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) فامتثلنا (رَبَّنا فَاغْفِرْ) استر (لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ) أي امح (عَنَّا سَيِّئاتِنا) أي معاصينا (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) أي اقبض أرواحنا في جملة الصالحين ، بأن نكون منهم.

[١٩٤] (رَبَّنا وَآتِنا) أعطنا (ما وَعَدْتَنا عَلى) ألسن (رُسُلِكَ) من الثواب (وَلا تُخْزِنا) أي لا تفضحنا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) فإنك وعدت الجنة والمغفرة لمن آمن بك.

٨٦

[١٩٥] (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) أجاب دعاءهم ، ب (أَنِّي لا أُضِيعُ) الإضاعة : الإهلاك (عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ) بيان (عامل) (ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي كلكم محسوبون جماعة واحدة ، أيها المسلمون (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) الشرك ، أو عن أوطانهم (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أخرجوهم المشركون (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) آذاهم الكفار (وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا) في سبيل الله (لَأُكَفِّرَنَ) أي لأمحونّ (عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أبنيتها وأشجارها (الْأَنْهارُ ثَواباً) أي إن ما يفعل الله بهم في الآخرة يكون جزاء (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) أي الثواب الحسن.

[١٩٦] (لا يَغُرَّنَّكَ) أيها السامع ، أي بان تغتر ب (تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) ذهابهم ومجيئهم في سعة ورفاه ، بأن تظن حسن حالهم وانهم قادرون على كل شيء.

[١٩٧] فإنما تقلبهم (مَتاعٌ) يتمتع به الكافر (قَلِيلٌ) في أيام قلائل (ثُمَّ مَأْواهُمْ) منزلهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) بئس المستقر ما مهدوا وهيئوا لأنفسهم.

[١٩٨] (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) وتركوا المعاصي (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي تحت أشجارها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً) هو ما يعدّ للضيف من الطعام ونحوه (مِنْ عِنْدِ اللهِ) من الثواب (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ) مما يتقلب فيه الذين كفروا (لِلْأَبْرارِ).

[١٩٩] (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من التوراة والإنجيل ، في حال كونهم (خاشِعِينَ) خاضعين (لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) بأن يخفون الحق لأجل رئاسة ودنيا قليلة (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فان كل آت قريب.

[٢٠٠] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا) يأمر بعضكم بعضا بالصبر (وَرابِطُوا) أقيموا في الثغور رابطين خيولكم (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لكي تظفروا بما تبغون من الفلاح.

٨٧

٤ : سورة النساء

مدنية آياتها مائة وست وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) أي خافوا منه (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) آدم عليه‌السلام (وَخَلَقَ مِنْها) أي من فضل طينتها (زَوْجَها) حواء (وَبَثَ) أي نشر (مِنْهُما) ومن امرأتين خلقتا لهابيل وقابيل (رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) أي يسأل بعضكم بعضا بالله ، تقولون أسألك بالله أن تفعل كذا (وَ) اتقوا (الْأَرْحامَ) أن تقطعوها (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) مراقبا فيجازيكم بأعمالكم.

[٢] (وَآتُوا) أعطوا (الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) بأن تأخذوا طيب أموال اليتيم وتعطوا الخبيث مكانه (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أي مع أموالكم (إِنَّهُ) أي الأكل (كانَ حُوباً) ذنبا (كَبِيراً).

[٣] (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) أي لا تعدلوا (فِي الْيَتامى) أي يتامى النساء إذا تزوجتم بهنّ ، فإنهم كانوا يتزوجون باليتيمات ثم لا يعدلون فيهن لعدم وجود أب لهن يخافون منه (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) أي سائر النساء غير اليتيمات (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) اثنين اثنين وثلاث ثلاث وأربع أربع بأن يطلق ثلاثا ويأخذ غيرها وهكذا بالنسبة إلى الأربع (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) بين المتعدد من النساء (فَواحِدَةً) أي اكتفوا بها (أَوْ) اقتصروا ب (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من الإماء لأنه ليس لهن حق القسم (ذلِكَ) الاكتفاء بواحدة وبملك اليمين (أَدْنى) أقرب (أَلَّا تَعُولُوا) أي أن لا تجوروا على النساء.

[٤] (وَآتُوا) أعطوا (النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) مهورهن (نِحْلَةً) أي هدية بلا توقع عوض (فَإِنْ طِبْنَ) أي رضين (لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) من الصداق (نَفْساً) بان طابت نفسهن بذلك (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) أي كلوا ذلك الشيء سائغا بدون غصة.

[٥] (وَلا تُؤْتُوا) أي لا تعدوا (السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) المراد أموالهم ، وأضيف إلى (كم) باعتبار أن المال بالنتيجة مال المجموع (١) ، فهو إتلاف لمال المجتمع (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) فان قيام معاش الإنسان إنما هو بالمال (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) أي في تلك الأموال (وَاكْسُوهُمْ) أي أعطوا كسوتهم منها (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي تلطفوا بالكلام مع السفيه حتى لا ينكسر خاطره.

[٦] (وَابْتَلُوا) أي اختبروا (الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) بان بلغوا بلوغا شرعيا يحق لهم معه النكاح والدخول (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أبصرتم (مِنْهُمْ رُشْداً) بان كانت لهم ملكة إدارة أمورهم وحفظ أموالهم (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) لأنهم صلحوا لأخذ أموالهم حينذاك (وَلا تَأْكُلُوها) أي لا تأكلوا أموال اليتامى (إِسْرافاً) تجاوزا عن الحد المباح (وَبِداراً) أي لأجل مبادرتكم في أكل أموالهم قبل (أَنْ يَكْبَرُوا) فيمنعوكم عن أكل أموالهم (وَمَنْ كانَ) من أولياء اليتيم المشرف على إدارة شؤونه (غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) ولا يأكل من أموال اليتيم أجرة لإشرافه (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) بمقدار أجرة عمله (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) بعد أن كبروا (فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) لتكونوا أبعد عن التهمة (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي محاسبا فلا تتعدوا حدوده ، فانه سيجازيكم على ما فعلتم.

__________________

(١) فإن الإسلام يقر الملكية الفردية ، والمقصود النتيجة الاقتصادية للمال حيث تعود فائدته الى الجميع.

٨٨

[٧] (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) حظ من الإرث ، فقد كانت الجاهلية تعطي الإرث للرجال فقط دون النساء فجاءت هذه الآية مبينة لتقسيم الإرث بين الذكور والإناث (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الأقرباء (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ) أي من ما ترك (أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) أوجبه الله تعالى فلا يحق لأحد تغييره.

[٨] (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي قسمة التركة (أُولُوا الْقُرْبى) بأن شهد وقت القسمة فقراء قرابة الميت الذين لا يرثون (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) ويتاماهم ومساكينهم (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي أعطوهم شيئا من التركة على وجه الندب وذلك فيما إذا رضي سائر الورثة وكانوا كبارا (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) حسنا غير خشن فانه كثيرا ما يتوقع هؤلاء أن يعطوا شيئا كثيرا من التركة.

[٩] (وَلْيَخْشَ) أمر للأوصياء بأن يخشوا الله في أمر اليتامى فيفعلوا فيهم ما يحبون أن يفعل بيتاماهم بعدهم ، فليخف الأوصياء (الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ) من بعد موتهم (ذُرِّيَّةً ضِعافاً) أيتاما لا يملكون قوة حفظ أموالهم (خافُوا عَلَيْهِمْ) أي على تلك الذرية من إجحاف الناس بهم (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) يخافه هؤلاء الأوصياء في أمر يتامى الموصين (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) أي سليما فلا يجحفوا على الأيتام في قول أو عمل.

[١٠] (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) مقابل من يأكل من مال اليتيم بحق ، كحقه في إدارة أموره (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) أي يملؤونها (ناراً) فان المال نار ، لأنه يجر إلى النار (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) أي سيلزمون نارا مشتعلة.

[١١] (يُوصِيكُمُ اللهُ) يأمركم (فِي) باب ميراث (أَوْلادِكُمْ) انه (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ) نصيب (الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَ) الأولاد (نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) أي اثنتين فما فوق (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) الميت ، ولو لم يكن وارث آخر أخذن الباقي بالقرابة (وَإِنْ كانَتْ) الأولاد بنتا (واحِدَةً) فقط (فَلَهَا النِّصْفُ) مما ترك والباقي تأخذه بالقرابة إن لم يكن هناك وارث آخر (وَلِأَبَوَيْهِ) أب وأم الميت (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ) الميت (إِنْ كانَ لَهُ) للميت (وَلَدٌ) سواء كان ذكرا أو أنثى (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) للميت (وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) الأب والأم للميت (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) والثلثان لأبيه إن لم يكن للميت اخوة (فَإِنْ كانَ لَهُ) للميت (إِخْوَةٌ) ، وكان الوارث الأبوين (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) والباقي لأبيه ، والإرث إنما هو (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها) أي يوصي الميت بها ، إلى حدّ الثلث (أَوْ دَيْنٍ) فان الدين والوصية مقدمان على الإرث (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ) أي لا تعلمون (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أي أنفع لكم في دنياكم وأخراكم فلا تخالفوا أوامر الوصية بأن تزيدوا على أحد الطرفين وتنقصوا من الطرف الآخر ، بزعم أن أحد الطرفين أنفع لكم ، بل أقسموا كما فرض الله (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) أي فرض الله هذا التقسيم فريضة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بالمصالح (حَكِيماً) يضع الأشياء مواضعها.

٨٩

[١٢] (وَلَكُمْ) أيها الأزواج (نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) أي زوجاتكم (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) منكم أو من غيركم (فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ) أيها الأزواج (الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) من الميراث (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَ) للزوجات إذا مات الزوج (الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) من الميراث (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) منهن أو من غيرهن (فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) زوجة واحدة كانت أو أكثر (مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ) أي كان الميت الذي يورث (كَلالَةً) أي أخا أو أختا من الأم (أَوْ) الميت التي تورث (امْرَأَةٌ وَلَهُ) أي للميت (أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) من الأم (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) والباقي للإخوة من الأبوين (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ) بأن كان للميت أكثر من واحد من الأخت والأخ الأميين (فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) فثلث التركة للأكثر بالتساوي بين الذكر والأنثى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) أي في حال كون الوصية لا تضر بالورثة بأن لم تكن أكثر من الثلث (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).

[١٣] (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) التي قررها للشريعة ، ومن خرج عنها كان عاصيا (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أشجارها وأبنيتها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ) دخول الجنة (الْفَوْزُ) الفلاح (الْعَظِيمُ).

[١٤] (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) بان خالف أحكامه (يُدْخِلْهُ) الله (ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) يهينه ويذلّه.

٩٠

[١٥] (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) الزنا (مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي اطلبوا ممن قذفهن أربعة شهود (فَإِنْ شَهِدُوا) أي الأربعة عليهن بالزنا (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) أي احبسوهن عقوبة لهن (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) حتى يمتن (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) أي طريق عقوبة أخرى وقد جعل سبحانه ذلك الطريق بتشريع الحدود.

[١٦] (وَالَّذانِ) أي الرجل والمرأة (يَأْتِيانِها) أي الفاحشة ، وهما الزاني والزانية (مِنْكُمْ فَآذُوهُما) بإجراء الحد عليهما (فَإِنْ تابا) في المستقبل (وَأَصْلَحا) أنفسهما فلم يرتكبا الزنا بعد ذلك (فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي اصفحوا ولا تمادوا في الاشتهار بهما وإيذائهما (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً) يقبل التوبة عن عباده (رَحِيماً)

[١٧] (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) أي إنما يقبل الله التوبة (عَلَى اللهِ) أي القبول الذي جعله الله على نفسه (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) أي متلبسين بجهالة ، إذ ارتكاب الذنب جهل وسفاهة (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) أي زمان قريب وهو قبل حضور الموت (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

[١٨] (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) يتمادون في عمل المعاصي (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) بأن عاين أمر الآخرة فإنه لا توبة مع المعاينة (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا) هيّأنا (لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما.

[١٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) كان الرجل إذا مات قريبه ألقى ثوبه على زوجة الميت وقال أنا أحق بها فان شاء تزوجها بلا صداق وان شاء زوّجها وأخذ صداقها ، والمراد على كره منهن (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) أي لا تمسكوهن إضرارا بهن (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) من المهر ، فقد كان الرجل يبقي على زوجته بلا نفقة يريد بذلك جبرها على أن تفتدي بمهرها مقابل طلاقه لها (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي ظاهرة وهي الزنا فيحل للزوج أن يخلعها (وَعاشِرُوهُنَ) أي صاحبوهن (بِالْمَعْرُوفِ) لدى العقل والشرع (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) فلا تطلقوهن لمجرد الكراهة (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) وكثيرا ما يبقي الإنسان على الزوجة مع كراهته لها وفي الإبقاء مصالح وخير كثير.

٩١

[٢٠] (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ) تطليق زوجة ونكاح زوجة أخرى مكانها (وَآتَيْتُمْ) أعطيتم (إِحْداهُنَ) إحدى الزوجات (قِنْطاراً) مالا كثيرا بعنوان المهر (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ) من مهرها (شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ) استفهام إنكار وتوبيخ (بُهْتاناً) فقد كان الرجل إذا أراد تزويج امرأة أخرى بهت زوجته بالفاحشة ليجبرها بالافتداء فيأخذ المال ليصرفه مهرا لجديدة (وَإِثْماً) أي معصية (مُبِيناً) ظاهرا.

[٢١] (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) أي تأخذون المهر من الزوجة بالبهتان (وَقَدْ أَفْضى) الإفضاء إلى الشيء هو الوصول إليه بالملامسة وهذا كناية عن الجماع (بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) أي أفضى الرجل إلى زوجته (وَ) الحال أن الزوجات (أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) والميثاق الشديد هو العقد الذي مقتضاه إعطاء المهر كاملا والإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان.

[٢٢] (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) فانه تحرم زوجة الأب والجد على الولد والحفيد (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) فإنكم معاقبون على نكاحهن إلا ما سبق على إسلامكم فان الإسلام يجب ما قبله (إِنَّهُ) نكاح زوجات الآباء (كانَ فاحِشَةً) زنا بالمحارم (وَمَقْتاً) أي موجبا لمقت الله وغضبه (وَساءَ سَبِيلاً) من عمل بذلك فقد ساء طريقه.

[٢٣] (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) زواج (أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) أي المرضعة (وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) بأن رضعتم وإياها من امرأة واحدة (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) أم الزوجة (وَرَبائِبُكُمُ) أي بنات زوجاتكم التي من غيركم (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) في ضمانكم وتربيتكم ، وهذا وصف غالبي وإلا فليس بشرط (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) بأن جامعتموهن ، فان الجماع بالزوجة يحرم بنتها عليه أبدا (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَ) بأن لم تجامعوهن (فَلا جُناحَ) لا حرج (عَلَيْكُمْ) في تزويج هذه البنت بعد طلاق الأم (وَ) تحرم (حَلائِلُ) جمع حليلة (أَبْنائِكُمُ) أي زوجات أولادكم (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) أي الولد الصلبي ، لا الولد المتبنّي ، فان زوجته لا تحرم على الرجل ، لأنه ليس ابنا حقيقة (وَ) حرم عليكم (أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) أما بعد طلاق إحداهما فيجوز الأخرى (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) فإنكم معاقبون على نكاح هؤلاء النساء إلا ما سبق على إسلامكم ، لأن الإسلام يجب ما قبله (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).

٩٢

[٢٤] (وَ) تحرم (الْمُحْصَناتُ) أي ذوات الأزواج واللاتي في العدة (مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من سبايا دار الكفر ، إذ السبي يقطع صلة الزوجة بزوجها الكافر السابق ، فتحلّ نكاح المسيبة ، وذلك مقابلة بالمثل لما يفعله الكفار بالمسلمين (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي كتب الله ذلك الحكم عليكم كتابا (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ) أي سوى المحرمات المذكورة (ذلِكُمْ) (ذا) إشارة (كم) خطاب (أَنْ تَبْتَغُوا) أي أن تطلبوا ، وهذا بدل اشتمال من (ما) (بِأَمْوالِكُمْ) بجعلها مهرا للنساء المحللات (مُحْصِنِينَ) أي في حال كونكم أعفاء بأن تعطوا المال مهرا لنكاح (غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي غير زناة ، من السفاح وهو إراقة المني حراما ، بان لا تعطوا المال أجرة للزنا (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) أي فالمرأة التي تمتعتم بها (مِنْهُنَ) بيان (ما) (فَآتُوهُنَ) أي أعطوهن (أُجُورَهُنَ) أي مهورهن ، وهذه الآية تشمل نكاح الدائم والمنقطع (فَرِيضَةً) أي إن إعطاء مهورهن مفروض واجب (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي لا حرج (فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ) الضمير عائد إلى (ما) (مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) بان تزيدوا في المهر أو تنقصوا برضا الطرفين (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).

[٢٥] (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أيها الرجال (مِنْكُمْ طَوْلاً) أي غنى ، فلم يجد غنىّ ومالا (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) أي العفيفات (الْمُؤْمِناتِ) الحرائر فأنكحوا من (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) جمع يمين ، وإنما نسب الملك إلى اليمين لان اليد تحصّل المال الذي يشترى به العبيد (مِنْ فَتَياتِكُمُ) جمع فتاة (الْمُؤْمِناتِ) أي من الإماء (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) فلا تستنكفوا عن نكاح الأمة ، فإن الإيمان هو الميزان ولعل إيمانها أفضل من إيمان الحرة أو من إيمان الزوج (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) فإن البشر جنس واحد وكله من آدم عليه‌السلام ، وإنما اختلف حكم الحر والعبد والذكر والأنثى في بعض الموارد لمصالح خاصة (فَانْكِحُوهُنَ) أي الفتيات (بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) فإن نكاح الأمة إنما يجوز بإجازة مواليها (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي مهورهن (بِالْمَعْرُوفِ) بلا مطل أو ضرار ، في حال كون تلك الفتيات اللاتي تريدون تزويجهن (مُحْصَناتٍ) أعفّاء (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) أي غير زناة معلنات (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) جمع خدن بمعنى الصديق أي لا يكون للفتاة صديق يزني بها (فَإِذا أُحْصِنَ) بالأزواج ، بأن تزوجت الفتاة (فَإِنْ أَتَيْنَ) تلك الإماء (بِفاحِشَةٍ) أي الزنا (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ) الحرائر (مِنَ الْعَذابِ) أي حدّ الزنا فحدهن خمسون جلدة (ذلِكَ) أي نكاح الإماء (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) أي الجهد والمشقة (مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا) فلا تتزوجوا بالأمة (خَيْرٌ لَكُمْ) لما قد يلحق الولد من العار عند بعض الناس (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[٢٦] (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) الحلال من الحرام (وَيَهْدِيَكُمْ) يرشدكم (سُنَنَ) أي طرائق (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من أهل الحق لتقتدوا بهم (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) بأن يقبل توبتكم عما أسلفتم من المعاصي (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

٩٣

[٢٧] (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) كرّر لأن يبنى عليه قوله : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) وهم أهل المعاصي الذين لا يهمهم الحلال من الحرام (أَنْ تَمِيلُوا) إلى المحرمات (مَيْلاً عَظِيماً) فإن نكاح المحرمات من أعظم الآثام.

[٢٨] (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) ولذا شرّع الأحكام السهلة في باب النكاح وغيره (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) لا يتحمل الأحكام الشاقة.

[٢٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) بغير الوجه المحلّل (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) الأكلة (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بان يقتل بعضكم بعضا ، فإن المال والدم محترمان عند الإسلام (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً).

[٣٠] (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) الأكل بالباطل أو القتل (عُدْواناً) لا بوجه مشروع (وَظُلْماً) تأكيد (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) ندخله (ناراً وَكانَ ذلِكَ) الإدخال في النار (عَلَى اللهِ يَسِيراً) سهلا.

[٣١] (إِنْ تَجْتَنِبُوا) أي تتركوا (كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) المعاصي الكبيرة (نُكَفِّرْ) أي نغفر (عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) معاصيكم (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً) اسم مكان ، أي مكانا (كَرِيماً) يكرم الإنسان فيه.

[٣٢] (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) فلا يقول الإنسان ليت لي مال زيد أو جاه عمرو (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) وحظ (مِمَّا اكْتَسَبُوا) من كسبهم (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) فلكل من الرجل والمرأة نصيبه بواسطة العمل فاعملوا أنتم حتى تبلغوا ما تريدون ولا تتمنوا اعتباطا كما هو حال الكسالى (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) أن يعطيكم كما أعطى المحظوظين (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيعلم المصالح ، ولذا يفضّل بعضا على بعض.

[٣٣] (وَلِكُلٍ) أي كل من الرجل والمرأة (جَعَلْنا مَوالِيَ) هم أولى بالإرث ـ وهذا بيان أن الفضل بالإضافة إلى الكسب والتقدير ، يكون بالإرث يرثون (مِمَّا تَرَكَ) من الأموال (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَ) مما ترك (الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) جمع يمين بمعنى القسم والمراد بهم الحلفاء الذين يعاهدهم الإنسان وهم ضامنو الجرائر فإنهم يرثون إذا لم يكن وارث نسبي (فَآتُوهُمْ) أي أعطوا كل قريب وضامن (نَصِيبَهُمْ) من الإرث (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) فلا تبخسوا إرث أحد فإنه سبحانه يشهد ذلك ويعاقبكم عليه.

٩٤

[٣٤] (الرِّجالُ قَوَّامُونَ) قيّمون مسلطون (عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ) أي بسبب تفضيل الله الرجال على النساء (بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في العقل والجسم وما أشبه (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) أي وبسب إنفاق الرجال على النساء المهر والنفقة وما أشبه (فَالصَّالِحاتُ) من النساء (قانِتاتٌ) خاضعات لله تعالى في ما أمر ونهى ولا يعترضن عليه بأنه لم لم يجعلهن كالرجال (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) أي حال غيبة الأزواج يحفظن نفسهن ومالهن (بِما حَفِظَ اللهُ) أي بحفظ الله فإنه لو لا حفظ الله لا يتمكن الإنسان من حفظ نفسه (وَ) النساء (اللَّاتِي) جمع التي (تَخافُونَ) أيها الأزواج (نُشُوزَهُنَ) ترفعهن عن الطاعة للأزواج في المباشرة والخروج عن البيت ، فإنهما حقان للرجل على الزوجة (فَعِظُوهُنَ) أي وعظا بالكلام (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) جمع مضجع ، والهجر يتحقق بعدم الوقاع وبعدم الإقبال عليهن وقت المنام ، وبعدم المنام معهن (وَاضْرِبُوهُنَ) فإن ضربا خفيفا تأديبيا بشروطه (١) يبقي كيان الأسرة خير من انهدامها بسبب عواطف طائشة ، ويجب أن يكون الضرب غير مبرح ولا مدم حتى قال البعض انه بالسواك (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا) أي لا تطلبوا (عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي سبيلا في إيذائهن لأنهن رجعن إلى الطاعة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا) فهو فوقكم ، وأنتم أرفع درجة من المرأة ، فلا تجاوزوا الحدّ بالنسبة إليهن (كَبِيراً).

[٣٥] (وَإِنْ خِفْتُمْ) أيها الحكام والمسلمون (شِقاقَ بَيْنِهِما) أي مخالفة بين الزوجين (فَابْعَثُوا) أرسلوا أيها الحكام (حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) مصلحا من كل جانب من الجانبين لينظرا في أمرهما وينصحانهما (إِنْ يُرِيدا) أي الزوجان (إِصْلاحاً) بان كانت نيتهما طيبة (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) فإن التوفيق لا يأتي إلا نتيجة لمقدمات طبيعية (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) يعرف السرائر.

[٣٦] (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) لا تجعلوا شيئا شريكا مع الله (وَ) أحسنوا (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى) أقربائكم (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) أي الجار الذي هو قريب بالنسب (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أي الجار البعيد بالنسب (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) أي الذي يصحب الإنسان وهو في جنبه كالرفيق في السفر والشريك وما أشبه (وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو المنقطع في طريقه وقد تمت نفقته (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي العبيد ، فاللازم الإحسان إلى كل هؤلاء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه (فَخُوراً) يفتخر عليهم.

[٣٧] (الَّذِينَ) صفة (مختالا) (يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من المال والعلم وغيرهما (وَأَعْتَدْنا) هيّأنا (لِلْكافِرِينَ) بأحكام الله (عَذاباً مُهِيناً) أي يهينهم ويذلهم.

__________________

(١) أي بالشروط المذكورة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٩٥

[٣٨] (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) أي لأجل الرياء (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإنه لو كان مؤمنا لم ينفق رياء (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) فينهاه عن الإحسان أو يفعل الخير مرائيا ، كأن الشيطان مقترن معه آخذ بزمامه (فَساءَ قَرِيناً) أي ان الشيطان قرين سيئ.

[٣٩] (وَما ذا عَلَيْهِمْ) أيّ ضرر على هؤلاء (لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) وعد لفاعل الخير ووعيد لفاعل الشر.

[٤٠] (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي بقدر ثقل هباءة يراها الإنسان في الضياء الداخل من كوة في الغرفة المظلمة (وَإِنْ تَكُ) تلك الذرة (حَسَنَةً يُضاعِفْها) ليردها على فاعلها (وَيُؤْتِ) يعط (مِنْ لَدُنْهُ) من عنده (أَجْراً عَظِيماً).

[٤١] (فَكَيْفَ) حال هؤلاء الكفرة (إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) من يشهد على الأمم بأعمالها ، والشهداء هناك يشهدون على الأمم (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (عَلى هؤُلاءِ) القوم (شَهِيداً) لتشهد على أعمالهم والاستفهام للتهديد.

[٤٢] (يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (يَوَدُّ) أي يحب ويتمنّى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) أي يموتوا فيدفنوا كما تسوّى بالموتى (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) أي لا يقدرون على أن يكتموا شيئا من الله بل يحدثونه بكل حديث مربوط بهم.

[٤٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) أي لا تصلوا في حال كونكم سكارى من الشراب (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) أي تشعروا بان لا تكونوا في حال السكر (وَلا) تصلوا (جُنُباً) بالإنزال أو الدخول (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي في حال السفر ، فإنه تصح صلاة الجنب في السفر بالتيمم إذا لم يجد الماء (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) غسل الجنابة (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) جمع مريض (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي مسافرين (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) هو المكان المنخفض من الأرض الذي يقصد للحدث ، وهذا كناية عن كون الإنسان محدثا بالحدث الأصغر (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) أي جامعتموهن (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) أي لم تتمكنوا من استعماله لأنه مفقود أو لأنكم لا تقدرون كالمريض (فَتَيَمَّمُوا) أي اقصدوا (صَعِيداً) أي أرضا (طَيِّباً) ليس بنجس (فَامْسَحُوا) بيديكم المضروبتين على ذلك الصعيد (بِوُجُوهِكُمْ) أي بعض وجوهكم (وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) ولذا يسّر لكم الحكم.

[٤٤] (أَلَمْ تَرَ) يا أيها المرائي ، والاستفهام للتعجب (إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا) أعطوا (نَصِيباً) حظا وقسما (مِنَ الْكِتابِ) التوراة ، وهم أحبار اليهود (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) يبيعون الهدى ويأخذون بدلها الضلالة (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا) أنتم أيها المسلمون (السَّبِيلَ) سبيل الحق.

٩٦

[٤٥] (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) فهو يعلم أن هؤلاء اليهود أعداء لكم (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) يلي أمركم فلا يضركم كيد اليهود (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) ينصركم على أعدائكم.

[٤٦] (مِنَ الَّذِينَ) بيان (للذين أوتوا) (هادُوا) أي اليهود (يُحَرِّفُونَ) يبدلون (الْكَلِمَ) جمع كلمة ، والمراد بها كلام التوراة (عَنْ مَواضِعِهِ) التي وضعه الله فيها فيبدلون كلمة الله بكلام أنفسهم (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي اسمع لا سمعت ، وهذا دعاء منهم على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخبثهم (وَ) يقولون (راعِنا) يريدون به السبّ ، لأن معناه اسمع لا سمعت (لَيًّا) أي التواء (بِأَلْسِنَتِهِمْ) فإنهم يقولون لفظا له معنيان ، ويريدون به المعنى السيئ (وَطَعْناً) أي عيبا (فِي الدِّينِ) أي الإسلام (وَلَوْ أَنَّهُمْ) بدل ما تقدم (قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أوامرك (وَ) قالوا (اسْمَعْ وَ) قالوا (انْظُرْنا) عوض : راعنا (لَكانَ) قولهم ذلك (خَيْراً لَهُمْ) في دنياهم وأخراهم (وَأَقْوَمَ) أقرب إلى العدل (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم عن الخير (بِكُفْرِهِمْ) أي بسبب كفرهم (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) منهم.

[٤٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا) أي القرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) فإن القرآن يصدّق التوراة والإنجيل (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) بان نمحو معالم الوجه من العين وما أشبه (فَنَرُدَّها) أي تلك الوجوه (عَلى أَدْبارِها) بان يوضع الوجه مكان القفا والقفا مكان الوجه (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) أي نمسخهم (كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) الذين كانوا يصطادون في السبت بعد تحريم ذلك عليهم فمسخناهم قردة (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) الذي يريده (مَفْعُولاً) أي يفعل وينطبق في الخارج.

[٤٨] (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) إذا مات مشركا (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) دون الشرك (لِمَنْ يَشاءُ) من عباده تفضلا (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) فإنه ذنب عظيم ، وافتراء ، لأنه تعالى لا شريك له.

[٤٩] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) فإن أهل الكتاب كانوا يقولون نحن أحباء الله ، ومعناه انهم طاهرون عن الآثام (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) فإنه أعلم بالسرائر ولذا تكون تزكيته مطابقة للواقع ، أو المراد ان الله يطهر من يشاء من الذنوب (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) هو ما في شق النواة من الخيط أي لا يظلم الله الإنسان بمقدار هذا الخيط.

[٥٠] (انْظُرْ) يا رسول الله (كَيْفَ يَفْتَرُونَ) أي أهل الكتاب (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في تحريفهم التوراة (وَكَفى بِهِ) أي يكفي هذا الافتراء (إِثْماً) أي عصيانا (مُبِيناً) واضحا.

[٥١] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً) أي قسما (مِنَ الْكِتابِ) أي التوراة ، وهم اليهود حيث أوتوا قسما منه لان السابقين منهم حرفوا وضيعوا قسما منه (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ) كل صنم (وَالطَّاغُوتِ) كل طاغ يعبد دون الله ، وذلك حين قال أهل الكتاب للمشركين دينكم خير من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ) أي في الذين (كَفَرُوا) من المشركين (هؤُلاءِ أَهْدى) أرشد طريقا (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً).

٩٧

[٥٢] (أُولئِكَ) أهل الكتاب (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) بعّدهم عن رحمته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) ينصرهم من بأس الله.

[٥٣] (أَمْ لَهُمْ) لليهود (نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) والسلطة ، وهذا مقدمة لقوله : (فَإِذاً) في ما إذا كانت لهم سلطة (لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) وهي النقرة في ظهر النواة ، أي إنهم لبخلهم لا يعطون الناس بمقدار النقير ، إذا كان لهم الملك ، فكيف بهم إذا لم يكن لهم ، فهم كذّابون ، مؤمنون بالجبت والطاغوت بخلاء وحسّاد كما قال :

[٥٤] (أَمْ يَحْسُدُونَ) أي بل يحسدون (النَّاسَ) كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من النبوة ، فما وجه حسدهم ، وبيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيت النبوة وليست مستغربة فيه (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ) إبراهيم عليه‌السلام وآله (الْكِتابَ) الكتب السماوية (وَالْحِكْمَةَ) علم الشريعة (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) سلطة على الناس دينية ودنيوية.

[٥٥] (فَمِنْهُمْ) أي من أهل الكتاب (مَنْ آمَنَ بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي أعرض عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنع الناس عن اتباعه (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) أي كفى جهنم لهؤلاء اليهود ، والسعير النار المشتعلة.

[٥٦] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) أي نوصلهم ونلقيهم فيها (كُلَّما نَضِجَتْ) احترقت (جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) أي رددناها على حالتها السابقة (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ليدوم لهم ذوق العذاب (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) لا يمتنع عليه شيء (حَكِيماً).

[٥٧] (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أبنيتها وأشجارها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) عن الأقذار والرذائل (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) دائما لا تسخنه الشمس ، باردا لا حر فيه.

[٥٨] (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا) أي تردوا (الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) لا بالجور (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا) أي نعم ما (يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) لأقوالكم (بَصِيراً) بما تفعلون فيجازيكم عليه.

[٥٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أي الذين بيدهم السلطة وهم الأئمة عليهم‌السلام ومن استنابوهم (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) من أمور دينكم (فَرُدُّوهُ) فراجعوا فيه (إِلَى) كتاب (اللهَ وَ) سنة (الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإن من لا يراجع الله والرسول لا إيمان له (ذلِكَ) العمل بما ذكرنا (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) فإن أول ذلك ومرجعه أحسن من المخالفة.

٩٨

[٦٠] (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تنظر ، استفهام تعجب (إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) وهم المنافقون الذين يقولون آمنا ، ولكنهم لا يرضون بحكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من القرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) كالتوراة والإنجيل (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) كل طاغ تعد الحدود ، والمراد حكام الجور (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أي بالطاغوت في قوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت) (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ) بما زيّن لهم من التحاكم إلى الباطل (أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) عن الحق.

[٦١] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أي للمنافقين (تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) إلى حكم الله في القرآن (وَإِلَى الرَّسُولِ) في سنته (رَأَيْتَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ) يعرضون ويمنعون الناس (عَنْكَ صُدُوداً) إعراضا.

[٦٢] (فَكَيْفَ) حالهم (إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) عقوبة من الله (بِما) أي بسبب ما (قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من التحاكم إلى الطاغوت (ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا) ما أردنا بالرجوع إلى غيرك (إِلَّا إِحْساناً) تخفيفا عنك (وَتَوْفِيقاً) أي تأليفا بين الخصمين بحلّ وسط ، فإنهم لو كانوا تحاكموا إليك لأمكن إنقاذهم من مصيبتهم.

[٦٣] لكن كيف يرجعون إليك و (أُولئِكَ) المنافقون (الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من النفاق (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي اتركهم (وَعِظْهُمْ) بلسانك (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ) في شأنهم (قَوْلاً بَلِيغاً) يبلغ الحق.

[٦٤] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ) ليطيعه الناس ، فلما ذا لا يطيعه المنافقون ويرجعون إلى غيره (بِإِذْنِ اللهِ) بأمره (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالتحاكم إلى الطاغوت (جاؤُكَ) تائبين (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) طلب من الله أن يغفر لهم (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً) يتوب عليهم ، ومعنى (وجدوا) ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل توبتهم (رَحِيماً).

[٦٥] (فَلا) نفي لزعمهم الإيمان (وَرَبِّكَ) أي قسما بربك (لا يُؤْمِنُونَ) إيمانا صحيحا (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أي يجعلوك حكما (فِيما شَجَرَ) اختلف ، فالشجار الخصومة (بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) وضيقا (مِمَّا قَضَيْتَ) وحكمت به (وَيُسَلِّمُوا) ينقادوا لأمرك (تَسْلِيماً).

٩٩

[٦٦] (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا) أنفسكم (مِنْ دِيارِكُمْ) بلادكم (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) المخلصون جدا (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) من إطاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتحاكم إليه (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) لإيمانهم والمعنى إنا كلفناهم بشيء سهل يترتب عليه فائدة أحسن.

[٦٧] (وَإِذاً) أي إذا امتثلوا أمرنا (لَآتَيْناهُمْ) أعطيناهم (مِنْ لَدُنَّا) عندنا (أَجْراً عَظِيماً).

[٦٨] (وَلَهَدَيْناهُمْ) في أمورهم المستقبلة (صِراطاً مُسْتَقِيماً).

[٦٩] (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يكون معهم ويحشر في زمرتهم (مِنَ النَّبِيِّينَ) بيان (الذين) (وَالصِّدِّيقِينَ) المداوم على التصديق (وَالشُّهَداءِ) الذي قتلوا في سبيل الله (وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) فهم رفقاء للمطيع ، أي حسنت رفقة أولئك الأنبياء والشهداء.

[٧٠] (ذلِكَ) الثواب للمطيع (الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) فهو يعلم بالمطيع فيجزيه على عمله.

[٧١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي حذركم من الأعداء من اليقظة والسلاح (فَانْفِرُوا) اخرجوا إلى الحرب (ثُباتٍ) جمع (ثبة) بمعنى جماعات جماعات (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) كتلة واحدة.

[٧٢] (وَإِنَّ مِنْكُمْ) الداخل في جماعتكم أيها المؤمنون (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) وهم المنافقون الذين يتثاقلون عن الجهاد (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) من القتل والهزيمة (قالَ) المثبّط (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) أي لم أحضر معه حتى تشملني المصيبة.

[٧٣] (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) كالفتح والغنيمة (لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) أي محبة ، وهذه جملة معترضة ، بين القول والمقول (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) حتى أفوز بالغنيمة (فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) من السمعة والغنيمة ، وهذا كلام من ليس في زمرة المسلمين ، إذ من في زمرتهم لا يقول : يا ليتني كنت معهم ، بل يكون معهم دائما ، وقد قال تعالى : (كأن لم تكن ...).

[٧٤] (فَلْيُقاتِلْ) أمر بالجهاد (فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) بأن يبيعوا الدنيا لشراء الآخرة (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ) على الكفار ، سواء قتل منهم أم لا (فَسَوْفَ) في الآخرة (نُؤْتِيهِ) نعطيه (أَجْراً عَظِيماً).

١٠٠