تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٦٧] (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) أصابكم خوف الغرق (فِي الْبَحْرِ ضَلَ) غاب (مَنْ تَدْعُونَ) من الأصنام (إِلَّا إِيَّاهُ) الله تعالى ، إذ هو الكاشف للضرّ (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) من الغرق (إِلَى الْبَرِّ) حيث الاطمئنان (أَعْرَضْتُمْ) عن توحيده (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) كثير الكفر والكفران.

[٦٨] (أَفَأَمِنْتُمْ) حتى أعرضتم عنه تعالى (أَنْ يَخْسِفَ) الله (بِكُمْ) معكم (جانِبَ الْبَرِّ) بأن يقلبه وأنتم عليه (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) ريحا فيه الحصى من السماء (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) يحفظكم من بأسه.

[٦٩] (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) في البحر (تارَةً أُخْرى) مرة ثانية ، بإيجاد الرغبة في أنفسكم حتى تركبوا السفينة (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً) ما يقصف ، أي يكسر (مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ) بكسر السفينة (بِما كَفَرْتُمْ) بسبب كفركم السابق (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) تابعا يطلب بثأركم ويقول لنا : لم فعلت هذا بهم؟

[٧٠] (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) بالعقل والنطق وسائر المزايا (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ) على الدوابّ وما أشبه (وَالْبَحْرِ) على السفن وما أشبه (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) على غير الخواص من الملائكة ، وإن كان في البشر من هو أفضل من الخواص أيضا.

[٧١] أذكر (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) إمام زمانهم من نبي أو إمام (فَمَنْ) من الناس (أُوتِيَ) أعطي (كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) وهو علامة الفلاح (فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) فرحا بما فيه (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) لا يظلمهم الله بقدر ما في شق النواة.

[٧٢] (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) الدنيا (أَعْمى) القلب عن الحق (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) عن طريق الجنّة (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أبعد عن طريق الحق والسعادة.

[٧٣] (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (كادُوا) قارب الكفّار (لَيَفْتِنُونَكَ) يضلّونك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من الشرائع والعقائد ، وهذا كناية عن شدة كيدهم (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) غير الذي أوحينا إليك (وَإِذاً) لو اتبعت مرادهم (لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) وليا لهم.

[٧٤] (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) على الحق بالعصمة (لَقَدْ كِدْتَ) قربت (تَرْكَنُ) تميل (إِلَيْهِمْ) إلى الكفار (شَيْئاً) ركونا (قَلِيلاً) لكن العصمة منعت عن ذلك.

[٧٥] (إِذاً) إذا ملت إليهم (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ) عذاب (الْحَياةِ) في الدنيا (وَضِعْفَ) عذاب (الْمَماتِ) لأنّ الرسول إذا خالف استحق ضعف عذاب الناس (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) دافعا عنك.

٣٠١

[٧٦ ـ ٧٧] (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (كادُوا) قرب الكفار (لَيَسْتَفِزُّونَكَ) يزعجونك (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مكة ، فإن الإنسان لا يقدر على البقاء في أرض الأعداء (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً) لو أخرجوك (لا يَلْبَثُونَ) لا يبقون (خِلافَكَ) بعدك (إِلَّا قَلِيلاً) لأنّا نهلكهم حسب : (سُنَّةَ) طريقة (مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) فإن أقوامهم لمّا أخرجوهم عذبناهم ، أي الأقوام (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) تبديلا.

[٧٨] (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) زوالها من نصف النهار (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) وسط الليل وظلمته ، وهذا بالنسبة إلى الصلوات الأربع (وَ) أقم (قُرْآنَ الْفَجْرِ) قراءة الصبح وهي صلاة الصبح (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.

[٧٩] (وَمِنَ اللَّيْلِ) بعضه (فَتَهَجَّدْ) السهر للصلاة (بِهِ) بالليل (نافِلَةً) زيادة على الفرائض (لَكَ) لنفعك (عَسى) لعل (أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) لأجل ما أتيت من الفرائض والنوافل (مَقاماً مَحْمُوداً) أي مكانا في الجنة يحمده الناس.

[٨٠] (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) في كل أمر أدخل فيه (مُدْخَلَ صِدْقٍ) إدخالا مرضيا ، والكذب ما خالف ظاهره باطنه (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) إخراجا مرضيا (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً) قوة وسلطة (نَصِيراً) تنصرني بها على أعدائك.

[٨١] (وَقُلْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (جاءَ الْحَقُ) الإسلام (وَزَهَقَ) ذهب وزال (الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) مضمحلا زائلا ، فإن من شأن الباطل الزوال.

[٨٢] (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) من الأمراض النفسية والجسدية ، الفردية والاجتماعية (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ) القرآن (الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) خسارة ، فإن القرآن يوجب زيادة عنادهم ، وذلك يوجب زيادة خسرانهم.

[٨٣] (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بمختلف النعم كالصحة والسعة (أَعْرَضَ) عن ذكر الله تعالى (وَنَأى) بعّد (بِجانِبِهِ) بنفسه عن الله تعالى (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أصابه الشر كالمرض والفقر (كانَ يَؤُساً) قنوطا من روح الله.

[٨٤] (قُلْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (كُلٌ) كل إنسان (يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي طريقته التي اعتادها ، فإن اعتاد الشكر شكر ، وإن اعتاد الكفران كفر ، وهكذا (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أكثر هداية واستقامة ، ثم يجازيهم عليه.

[٨٥] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الذي يحيى به الإنسان ، يسألونك ما هو (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) حصل من أمر الله الذي قال له كن فكان ، فليس شيئا أزليا كما زعمه بعض الفلاسفة (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فليس تعلمون أكثر الحقائق والأشياء ، وإنّما تعرفونها بالآثار ، فليكن الروح منه.

[٨٦] (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) بأن نمحي القرآن عن الأذهان والألواح (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِهِ) القرآن (عَلَيْنا وَكِيلاً) من يتوكل علينا لاسترداده ، فالواجب أن يشكر الناس القرآن ويؤمنوا به ، لأنه لو أذهبه الله تعالى فاتهم هذا الخير ، ولا أحد يقدر على إرجاعه.

٣٠٢

[٨٧] (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) فإن إبقاء القرآن مع كفران الناس له ليس إلا من رحمة الله تعالى (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) بإرسالك وإنزال القرآن إليك وإبقائه.

[٨٨] (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) في فصاحته وبلاغته (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) معينا.

[٨٩] (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) بيّنا وكرّرنا (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ليعتبروا به (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) جحودا وإنكارا وعدم اهتداء القرآن.

[٩٠] (وَقالُوا) عنادا واقتراحا ، بعد إتمام الحجة عليهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (حَتَّى تَفْجُرَ) تظهر (لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) عينا من الماء.

[٩١] (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ) بستان (مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ) تظهر (الْأَنْهارَ خِلالَها) في أواسط البستان (تَفْجِيراً) بالإعجاز.

[٩٢] (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ) إشارة إلى قوله تعالى : (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) (١) (عَلَيْنا كِسَفاً) قطعا ، قطعة إثر قطعة (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) مقابلا نعاينهم.

[٩٣] (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) من ذهب (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) بأن نراك وأنت تصعد نحو العلو (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) لصعودك وحده (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً) بيدك (نَقْرَؤُهُ) فيه تصديق أنك رسول (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) أنزهه تنزيها ، وفيه معنى التعجب (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً) كسائر الناس (رَسُولاً) كسائر الرسل ، وهل البشر يقدر على ذلك ، أو هل الرسل أتوا بمقترحات أقوامهم ، إنما على الرسول البلاغ المؤيّد بالمعجز.

[٩٤] (وَما مَنَعَ) لم يمنع (النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) من الإيمان (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) حين جاءتهم الهداية والحجة من الله (إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) إلا إنكارهم أن يكون الرسول بشرا ، لزعمهم أن الرسول لا بد وأن يكون ملكا.

[٩٥] (قُلْ) في جواب شبهتهم : (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ) كما يمشي ابن آدم (مُطْمَئِنِّينَ) ساكنين فيها (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) إذ لا بد من تجانس الرسول والمرسل إليه ليمكنهم إدراكه ، وليكون قدوة في حركاته وسكناته.

[٩٦] (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أنه يشهد لي بالرسالة بما أجراه على يدي من المعاجز (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً) بأحوالهم (بَصِيراً) يرى حركاتهم وسكناتهم.

__________________

(١) سورة سبأ : ٩.

٣٠٣

[٩٧] (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) لأن الهداية لا تكون من غير الله (وَمَنْ يُضْلِلْ) يتركه حتى يضلّ ، لأنّه رأى الحق فعانده (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ) لأولئك الضالين (أَوْلِياءَ) أنصار يهدونهم (مِنْ دُونِهِ) غير الله (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) يسحبون عليها (عُمْياً) جمع أعمى (وَبُكْماً) جمع أبكم ، الذي لا يتكلم (وَصُمًّا) جمع أصم ، الذي لا يسمع ، أي يحشرون هكذا ، كما كانوا في الدنيا لا يرون الحق للاعتبار ، ولا يتكلمون بالحق ، ولا يسمعون الحق سماع عمل (مَأْواهُمْ) محلهم (جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) سكنت نارها (زِدْناهُمْ سَعِيراً) تلهّبا.

[٩٨] (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا) إنكارا للبعث : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) ترابا (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً).

[٩٩] (أَوَلَمْ يَرَوْا) أو لم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) بإعادتهم إلى الحياة (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً) وقتا لإعادتهم (لا رَيْبَ فِيهِ) لا ينبغي الشك فيه (فَأَبَى الظَّالِمُونَ) المنكرون للبعث (إِلَّا كُفُوراً) جحودا.

[١٠٠] (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) كخزائن الأعمار والأرزاق (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) ولم تعطوا (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) من خوف النفاد إذا أنفقتم (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) بخيلا ، لأن في طبيعته الحاجة.

[١٠١] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) معاجز واضحات وهي : العصا واليد واللسان والبحر والجراد والطوفان والقمل والضفادع والدم ، وقيل غيرها بتبديل بعضها بآخر (فَسْئَلْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ) موسى عليه‌السلام بهذه الآيات (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) سحرت فخولط عقلك.

[١٠٢] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا فرعون (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) الآيات (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) بينات لأجل أن تبصركم (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) هالكا لكفرك.

[١٠٣] (فَأَرادَ) فرعون (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) يستخفهم لأجل أن ينفيهم (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مصر (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً).

[١٠٤] (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) بعد فرعون (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) أرض مصر والشام (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) وقت قيام الساعة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أنتم وهم للمحاكمة والجزاء.

٣٠٤

[١٠٥] (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) أنزلنا القرآن ، فلم ننزله لأجل الباطل (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) فلم يبدل إلى الباطل ، مثلا قد يصدر الحاكم أمرا بقتل زيد باطلا وقد يصدره حقا ، ثم إذا جيء للتطبيق قد يؤخذ زيد المجرم وقد يؤخذ رجل بريء اسمه زيد (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) بالسعادة والجنّة لمن أطاع (وَنَذِيراً) لمن خالف.

[١٠٦] (وَ) أنزلناه (قُرْآناً فَرَقْناهُ) مفرقا ، فإنّ نزول القرآن كان في بضع وعشرين سنة (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) مهل (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) حسب المصالح.

[١٠٧] (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) فإن ذلك لا يهمّ الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما فائدة الإيمان ترجع إلى أنفسكم (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن وهم أهل الكتاب (إِذا يُتْلى) يقرأ القرآن (عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ) يسقطون (لِلْأَذْقانِ) جمع ذقن ، وهو منتهى الوجه (سُجَّداً) جمع ساجد.

[١٠٨] (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) ننزه الله تنزيها عن خلف الوعد (إِنْ كانَ) إنه كان (وَعْدُ رَبِّنا) بإرسال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنزال القرآن (لَمَفْعُولاً) منجزا وهذا اعتراف منهم بالرسالة والقرآن.

[١٠٩] (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) من خوف الله (وَيَزِيدُهُمْ) الله ، أو القرآن (خُشُوعاً) خضوعا لله.

[١١٠] (قُلِ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ادْعُوا) يا أيها المشركون (اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) فإن اللفظين يشيران إلى ذات واحدة (أَيًّا) من هذين الاسمين (ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الحسنة الدالة على صفات الجلال والجمال (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) لا ترفع بها صوتك (وَلا تُخافِتْ بِها) بحيث لا تسمع أذنيك (وَابْتَغِ) اطلب (بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) وسطا لا جهرا ولا إخفاتا.

[١١١] (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) في الألوهية (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) من أجل ذل به ، يريد بالولي دفع ذله عن نفسه (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) تعظيما.

١٨ : سورة الكهف

مكية آياتها مائة وعشرة آيات

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الْكِتابَ) القرآن (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ) للقرآن (عِوَجاً) شيئا من الاعوجاج عن طريق الهداية.

[٢] (قَيِّماً) في حال كون القرآن مستقيما ، لا إفراط ولا تفريط فيه (لِيُنْذِرَ) الله بسبب القرآن الذين كفروا (بَأْساً) عذابا (شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) صادرا من عنده (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً).

[٣] (ماكِثِينَ) باقين (فِيهِ) في ذلك الأجر وهو الجنة (أَبَداً) بلا انقطاع.

[٤] (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) وهم اليهود والنصارى ينذرهم بالحروب في الدنيا والعذاب في الآخرة.

٣٠٥

[٥] (ما لَهُمْ بِهِ) بالولد (مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ) الذين كانوا يقولون هذا القول (كَبُرَتْ) عظمت مقالتهم هذه في حال كونها (كَلِمَةً) متصفة بأنها (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) فهي مجرد قول يقال لا أصل له (إِنْ) ما (يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً).

[٦] (فَلَعَلَّكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (باخِعٌ) هالك (نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) في أثر إعراضهم (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) القرآن (أَسَفاً) على عدم إيمانهم ، والأسف المبالغة في الحزن.

[٧] (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) من الحيوان والنبات والشجر والمعادن وغيرها (زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ) نختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فمن زهد عن زينة الدنيا ورغب في الآخرة فهو الأحسن عملا.

[٨] (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ) نجعل (ما عَلَيْها) على الأرض (صَعِيداً) أرضا مستوية (جُرُزاً) لا نبات فيها.

[٩] (أَمْ) بل (حَسِبْتَ) ظننت (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) غار في جبل ، فقد كانوا جماعة هربوا من ملكهم الكافر ، تحفظا على إيمانهم ، والتجأوا إلى الكهف فأبقاهم الله أحياء ثلاثمائة سنة أو أكثر (وَالرَّقِيمِ) هو لوح رقم وكتب فيه تفصيل قصتهم ووضع في الجبل (كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أي ما كانوا عجبا بالنسبة إلى قدرة الله تعالى.

[١٠] (إِذْ أَوَى) التجأ (الْفِتْيَةُ) الشباب (إِلَى الْكَهْفِ) غار الجبل (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) ارحمنا (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) لنكون راشدين (١).

[١١] (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) كناية عن إنامتهم ، فإن النائم تسد أذنه عن السماع (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) ذوات عدد.

[١٢] (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم (لِنَعْلَمَ) ليقع ما علمناه قديما ، في الخارج (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) المؤمنين والكافرين (أَحْصى) ضبط ، من باب الإفعال (لِما لَبِثُوا) في الكهف (أَمَداً) أي ضبط مدة لبثهم ، فقد اختلفوا فقال الكافرين المنكرون للبعث : ناموا قليلا وقال المؤمنين : ناموا طويلا ، فالإيقاظ كان لأجل إثبات البعث بعد تبين صحة قول المؤمنين.

[١٣] (نَحْنُ نَقُصُ) نذكر قصتهم (عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ) خبرهم (بِالْحَقِ) المطابق للواقع (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) جمع فتى وهو الشاب (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) بأن ثبتناهم على طريقتهم.

[١٤] (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) قويناها بما أريناهم من الآيات (إِذْ قامُوا) نهضوا لأجل التحفظ على دينهم (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) فليس دقيانوس الملك إلها كما يزعم (لَقَدْ قُلْنا إِذاً) إذ عبدنا غير الله (شَطَطاً) قولا ذا شطط ، أي ذا بعد مفرط عن الحق.

[١٥] (هؤُلاءِ قَوْمُنَا) عطف بيان (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) دون الله (آلِهَةً لَوْ لا) هلا (يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ) على عبادتهم (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) حجة ظاهرة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك له.

__________________

(١) الرشد : نقيض الغي ، لسان العرب.

٣٠٦

[١٦] (وَ) خاطب بعضهم بعضا قائلا : (إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) ابتعدتم عن القوم (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) واعتزلتم آلهتهم (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) اجعلوه مأواكم (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) يرحمكم ببسط الرحمة عليكم (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) ما ترتفقون به أي تنتفعون.

[١٧] (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ) وقت طلوعها (تَزاوَرُ) تميل (عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ) طرف اليمين ، لئلا يقع شعاعها عليهم فتؤذيهم فإن باب الكهف كان مستقبلا للقطب الشمالي (وَإِذا غَرَبَتْ) وقت غروبها (تَقْرِضُهُمْ) تقطع أشعتها عنهم (ذاتَ الشِّمالِ) طرف الشمال فلا يقع شعاعها عليهم أيضا (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ) فسحة (مِنْهُ) من الكهف (ذلِكَ) المذكور (مِنْ آياتِ اللهِ) دلائل قدرته (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) فلا هداية سوى هدايته (وَمَنْ يُضْلِلْ) بتركه حتى يضلّ ، حيث عاند فلم يقبل الهدى (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) إذ لا أحد يرشد سواه.

[١٨] (وَتَحْسَبُهُمْ) أي تظنّهم (أَيْقاظاً) غير نائمين ، فقد قالوا كانت أعينهم مفتوحة ، والله يقلّبهم من جنب إلى جنب (وَهُمْ رُقُودٌ) نائمون (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) على جنوبهم لئلا تأكلهم الأرض (وَكَلْبُهُمْ) الحارس لهم (باسِطٌ) ماد (ذِراعَيْهِ) يديه ، كما ينام الكلب (بِالْوَصِيدِ) بفناء الكهف (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) لو رأيتهم أيها الرائي (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) هربت منهم (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) خوفا للهيبة التي أضفاها الله عليهم.

[١٩] (وَكَذلِكَ) فكما أنمناهم (بَعَثْناهُمْ) أي أيقظناهم (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) عن مدة لبثهم فيعرفوا صنع الله بهم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) مكثتم (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لأنهم ظنّوا أن نومهم كان في ساعات فقط لأنهم ناموا صباحا وقاموا عصرا ، فظنّوه عصر نفس اليوم ، أو اليوم التالي له (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) إذ لا علم لنا بالمقدار المضبوط (فَابْعَثُوا) أرسلوا (أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ) الفضة النقدية (هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) طرسوس (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها) أي أهلها (أَزْكى) أحسن (طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ) طعام (مِنْهُ) من الأزكى (وَلْيَتَلَطَّفْ) يظهر اللطف واللين مع البائع لئلا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) لا يفهم أحد أنك من الهاربين عن دقيانوس.

[٢٠] (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا) يطلعوا (عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ) يقتلوكم برمي الحجارة عليكم (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) في دينهم (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً) إذا دخلتم في ملتهم (أَبَداً) إلى الأبد.

٣٠٧

[٢١] (وَكَذلِكَ) كما أنمناهم وأيقظناهم (أَعْثَرْنا) أطلعنا (عَلَيْهِمْ) أهل المدينة (لِيَعْلَمُوا) ليعلم الذين اطّلعوا على أمرهم (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالمعاد (حَقٌ) لأن نومهم وانتباههم بمنزلة الموت والبعث (وَ) ليعلموا (أَنَّ السَّاعَةَ) القيامة (لا رَيْبَ فِيها) ليس محل الريب والشك (إِذْ) ظرف ل (أعثرنا) (يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ) الناس الذين اطلعوا على قصّتهم (أَمْرَهُمْ) هل ماتوا واستحيوا أم ناموا واستيقظوا (فَقالُوا) الكفار : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) حائطا يسترهم ، أرادوا بذلك محو آرائهم (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) جملة معترضة ، أي أن الله أعلم بحالهم فيما اختلفوا فيه (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) أمر الفتية وهم المؤمنون : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) موضعا للصلاة ، وذلك لتذكير الناس بأمرهم ، وتقريبهم إلى طاعة الله.

[٢٢] (سَيَقُولُونَ) المختلفون في شأنهم : هم (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي قذفا بالموضع المجهول ، وقولا بغير علم (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) كالنبي وأوصيائه عليهم‌السلام (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) فلا تجادل في عددهم (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) أي بما ظهر لك من أمرهم (وَلا تَسْتَفْتِ) أي لا تستخبر (فِيهِمْ) في شأن أهل الكهف (مِنْهُمْ) من أهل الكتب (أَحَداً) فأنهم لا علم لهم بشأنهم.

[٢٣] (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) لأجل شيء تعزم عليه (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) أفعل ذلك الشيء (غَداً) في المستقبل.

[٢٤] (إِلَّا) متلبسا بقولك : (أَنْ يَشاءَ اللهُ) ذلك (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) بإن شاء الله بعد ذلك (إِذا نَسِيتَ) ذكر المشيئة وقت الوعد ، ولعلّ ذكر هذه الآية في وسط آيات الكهف للتنبيه على أن أهل الكهف ناموا ليقوموا بعد ساعات ، لكن الأمر حيث كان بيد الله أنامهم هذا النوم الطويل ، فاللازم التوجه إلى الله حال وعد المستقبل (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً).

[٢٥ ـ ٢٦] (وَلَبِثُوا) بقوا ، قبل يقظتهم (فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) تسع سنوات ، قالوا والأول بسني القمر والثاني بسني الشمس (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) فدعوا قول أهل الكتاب واتبعوا الوحي (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما غاب عن الحواس في السماء وفي الأرض (أَبْصِرْ بِهِ) أي بالله (وَأَسْمِعْ) أي ما أبصره وأسمعه ، كناية عن أنّه تعالى يرى ويسمع كل شيء (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) دون الله (مِنْ وَلِيٍ) يتولّى أمورهم (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) فلا شريك له في الحكم كما لا شريك له في الملك.

[٢٧] (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) القرآن (لا مُبَدِّلَ) لا أحد يقدر على تبديلها (لِكَلِماتِهِ) أي أحكامه وما يريده (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملجأ.

٣٠٨

[٢٨] (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) احبسها (مَعَ الَّذِينَ) المؤمنين (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) أي في عامة أوقاتهم ، صباحا ومساء (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) رضاه وذاته ، بلا شرك ورياء (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) لا تجاوز نظرك عنهم إلى غيرهم من أصحاب الثروة والجاه (تُرِيدُ) بذلك (زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) تركنا قلبه حتى غفل (عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) لا نظام له ، فإن المؤمن إيمانه نظام لجميع أموره ، أما الكافر فيميل إلى هنا وهناك كالعنب الفرط الذي انسلخ عن عنقوده.

[٢٩] (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) تهديدا لهم (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّئنا (لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) فسطاطها ، لأن النار كالسرادق ذات قاعدة واسعة ورأس تنتهي إلى نقطة (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كالنحاس المذاب ثقلا وحرارة ولزوجة (يَشْوِي) يطبخ ذلك الماء (الْوُجُوهَ) بمجرد اقترابه منها ، لشدة حرارته (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ) النار (مُرْتَفَقاً) مقابل (حسنت مرتفقا) (١) لأصحاب الجنّة ، كما سيأتي.

[٣٠ ـ ٣١] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً* أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) بساتين إقامة للخلود (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) تحت أشجارهم وقصورهم (الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ) يلبسون الحليّ والزينة (فِيها مِنْ أَساوِرَ) ما يوضع في الذراع من الحلي (مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) فإنه أجمل الألوان (مِنْ سُنْدُسٍ) الديباج الرقيق (وَإِسْتَبْرَقٍ) الديباج الغليظ ، وللغليظ منظر جميل كما أن الرقيق له ملمس حسن (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السرير (نِعْمَ الثَّوابُ) الجنة (وَحَسُنَتْ) الأرائك (مُرْتَفَقاً) متكئا.

[٣٢] (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) لعاقبة حال الكافر (رَجُلَيْنِ) مؤمن وكافر ورثا مالا تصدّق أحدهما بماله فبقي له ثوابه ، واشترى به الآخر مالا فذهب ضياعا (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ) بستانين (مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما) أي أحاط النخل بالأعناب في أطراف البستان (بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما) بين البستانين (زَرْعاً) فعنب ونخيل وزرع منظر جميل وثروة طائلة.

[٣٣] (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) أعطت ثمارها (وَلَمْ تَظْلِمْ) الجنّة (مِنْهُ) من الثمر (شَيْئاً) بأن أعطتا ثمرا كاملا بلا نقص (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما) وسط الجنّتين (٢) (نَهَراً) يسقيهما بسهولة.

[٣٤] (وَكانَ لَهُ) للرجل (ثَمَرٌ) أي ثمر كثير ، كقولهم (إن له لإبلا) (فَقالَ) الكافر (لِصاحِبِهِ) المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يراجعه في الكلام : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) جماعة ، فجماعتي أكثر عزة من جماعتك.

__________________

(١) المرتفق : المتكأ ، يقال : قد ارتفق إذا اتكأ على من يرفقه. لسان العرب.

(٢) التفجير : التشقيق.

٣٠٩

[٣٥] (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بكفره وعصيانه (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ) تفنى (هذِهِ) الجنة (أَبَداً) بل هي باقية لي ما دمت.

[٣٦] (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ) القيامة (قائِمَةً) فلا أصدق لما يقوله الموحدون ، وأنت منهم (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) بأن صدقتم في وجود يوم القيامة (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) من هذه الجنة (مُنْقَلَباً) مرجعا ، لأنه زعم أن الله أعطاه البستان باستحقاق ، فإذا أرجعه بعد الموت أعطاه أيضا أحسن من هذا البستان.

[٣٧] (قالَ لَهُ صاحِبُهُ) المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يباحث معه في الكلام : (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) لأن التراب ينقلب نباتا ثم طعاما ثم دما ثم منيا (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) عدّلك وكملك ، والاستفهام إنكاري.

[٣٨] (لكِنَّا) لكن أنا (هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) لا أجعل له شريكا.

[٣٩] (وَلَوْ لا) هلا (إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ) وأعجبت بها (قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) كائن وقلت : (لا قُوَّةَ) لي (إِلَّا بِاللهِ) لا بالنفر ، كما قلت لي : (إِنْ تَرَنِ) ترني يا صاحب البستان (أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً).

[٤٠] (فَعَسى) لعل (رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) في الدنيا والآخرة (وَيُرْسِلَ) الله (عَلَيْها) على جنتك (حُسْباناً) صواعق ، جمع حسبانة وهي الصاعقة (مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً) أرضا ملساء (زَلَقاً) يزلق عليها القدم.

[٤١] (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) غائرا في الأرض فتجف الزروع والأشجار (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ) للماء (طَلَباً) حيلة ترد الماء إلى النهر.

[٤٢] (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أحاط الهلاك بثمره فهلك (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) كما يفعله النادم ، تحسرا (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) في عمارة البستان (وَهِيَ خاوِيَةٌ) ساقطة (عَلى عُرُوشِها) دعائم أعنابها فإنها سقطت وسقط عليها الكروم والنخيل (وَيَقُولُ يا) قوم (لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) فإن جزاء الكفران الحرمان.

[٤٣] (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) جماعة (يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) مقابل ما قال (أعز نفرا) (وَما كانَ مُنْتَصِراً) ليست له قوة ينتصر بنفسه فلا يصبه السوء.

[٤٤] (هُنالِكَ) في ذلك المقام (الْوَلايَةُ) تولي الأمور (لِلَّهِ) فإذا شاء الله شيئا لم يقدر أحد على دفعه (الْحَقِ) لا الأصنام والأفكار الباطلة (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً) جزاء من غيره (وَخَيْرٌ عُقْباً) عاقبة للمتقين.

[٤٥] (وَاضْرِبْ لَهُمْ) للناس (مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فهي في سرعة زوالها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ) بالماء (نَباتُ الْأَرْضِ) فإن في النبات قدرا من الماء كأنه مخلوط به (فَأَصْبَحَ) النبات (هَشِيماً) يهشم ويكسر بعد يبسه (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تطيره الرياح هناك وهنالك (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) فينشئ ويفني.

٣١٠

[٤٦] (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) يتزين الإنسان بهما في الدنيا (وَ) الخيرات (الْباقِياتُ) للآخرة (الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) من المال والبنين (وَخَيْرٌ أَمَلاً) فإن أمل الإنسان فيها خير من أمله بما في دنياه.

[٤٧] (وَ) اذكر (يَوْمَ) وهو عند قيام القيامة (نُسَيِّرُ الْجِبالَ) في الجوّ كالسحاب (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) لا يسترها شيء ، جبل ولا غيره (وَحَشَرْناهُمْ) جمعنا الناس للحساب (فَلَمْ نُغادِرْ) لم نترك (مِنْهُمْ أَحَداً) من الناس.

[٤٨] (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) مصطفين لا يحجب بعضهم بعضا ، فيقال لهم : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بدون مال وعشيرة وقوة (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وقتا لحسابكم ، وهذا تهديد لهم.

[٤٩] (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي صحائف الأعمال للنظر فيها (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا فِيهِ) من السيئات (وَيَقُولُونَ يا) قوم (وَيْلَتَنا) سوء حالنا (ما لِهذَا الْكِتابِ) تعجبا من شأنه (لا يُغادِرُ) لا يترك معصية (صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) عدّها (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) لم يحذف شيء منه (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) فلا يزيد سيئات أحد ولا ينقص من حسنات أحد.

[٥٠] (وَإِذْ) اذكر زمان (قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) من جنسهم لا من جنس الملائكة ، وإنما أمر بالسجود في ضمن الملائكة (فَفَسَقَ) خرج (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ) بنيه وأتباعه (أَوْلِياءَ) تتولونهم (مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) وأنا لكم ولي (بِئْسَ) إبليس (لِلظَّالِمِينَ) التابعين له (بَدَلاً) من الله.

[٥١] (ما أَشْهَدْتُهُمْ) ما أحضرت إبليس وذريته (خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حال خلقت الكون (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) لم استعن بهم حال الخلق ، فمن هذا حاله كيف تتخذونه وليّا (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) الشيطان وذريته (عَضُداً) أعوانا في خلق أو أمر.

[٥٢] (وَيَوْمَ يَقُولُ) الله للكفّار : (نادُوا) ادعوا (شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم شركائي (فَدَعَوْهُمْ) نادوهم (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا) الأصنام (لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) بين المشركين وآلهتهم (مَوْبِقاً) مهلكا يعم جميعهم ، من (وبق) بمعنى هلك.

[٥٣] (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا) أيقنوا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) واقعون فيها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) مكانا ينصرفون إليه تخلصا من النار.

٣١١

[٥٤] (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) بيّنا (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) بقصد اعتبارهم بالأمثال (وَكانَ الْإِنْسانُ) الكافر (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) بالباطل.

[٥٥] (وَما مَنَعَ النَّاسَ) ماذا ينتظرون (أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بأن نعذّبهم عذاب الاستئصال (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ) بالسيف (قُبُلاً) عيانا ، أو المراد بالعذاب : عذاب الآخرة بأن يموتوا فيروا عذابها.

[٥٦] (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) يجادلون لأجل إنكار الرسل (لِيُدْحِضُوا) أي يبطلوا (بِهِ) بالباطل (الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي) كالقرآن (وَما أُنْذِرُوا) من العذاب (هُزُواً) استهزاء.

[٥٧] (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ) الكافر الذي (ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) ذكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن (فَأَعْرَضَ عَنْها) ولم يتدبرها (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الكفر والمعاصي بأن لم يتفكر في عاقبة نفسه (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغطية ، كراهة (أَنْ يَفْقَهُوهُ) أي القرآن ، والمعنى تركناهم حيث عاندوا حتى صار على قلوبهم كالغطاء في عدم فهم الحق (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) حملا ثقيلا فلا يسمعون سماعا نافعا (وَإِنْ تَدْعُهُمْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً) إذا دعوتهم (أَبَداً) لأنهم يعاندون الحق.

[٥٨] (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا) من الكفر والمعاصي (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) في الدنيا (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) يوم القيامة (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ) دون الله (مَوْئِلاً) منجى وملجأ.

[٥٩] (وَتِلْكَ الْقُرى) كعاد وثمود وغيرهما (أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) بتكذيب الأنبياء عليهم‌السلام (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ) لهلاكهم (مَوْعِداً) وقتا معلوما.

[٦٠] (وَإِذْ) واذكر (قالَ مُوسى لِفَتاهُ) يوشع بن نون (لا أَبْرَحُ) لا أزال أسير (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) محل اجتماع بحري فارس والروم ، لأنه وعد هناك بملاقاة الخضر عليه‌السلام (أَوْ أَمْضِيَ) أسير (حُقُباً) زمانا طويلا.

[٦١] (فَلَمَّا بَلَغا) موسى عليه‌السلام وفتاه (مَجْمَعَ بَيْنِهِما) بين البحرين (نَسِيا حُوتَهُما) كانا أعدا سمكا لطعامهما ، فنسي يوشع السمك ، وإنما نسب إليهما كقولهم (نسي القوم زادهم) إذا نساه معتمد أمرهم (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) اتخذ الحوت طريقه حيث أحياه الله تعالى (فِي الْبَحْرِ سَرَباً) مسلكا ، قالوا صار مسلك الحوت كالكوة في الماء لا يلتئم.

٣١٢

[٦٢] (فَلَمَّا جاوَزا) ذلك المكان (قالَ) موسى عليه‌السلام (لِفَتاهُ آتِنا) جئ إلينا (غَداءَنا) طعامنا (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) تعبا.

[٦٣] (قالَ) الفتى : (أَرَأَيْتَ) هل علمت ما حدث (إِذْ أَوَيْنا) ذهبنا للاستراحة (إِلَى الصَّخْرَةِ) الكائنة عند مجمع البحرين (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) هناك (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) بدل عن (نسيت) أي نسيت ذكر الحوت (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) سبيلا عجبا بأن بقي الماء كالكوة في مكان ذهابه!

[٦٤] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (ذلِكَ) فقد الحوت وإحياء الله تعالى له (ما كُنَّا نَبْغِ) نطلب ، لأن الله وعده بلقيا الخضر عليه‌السلام في ذلك المكان (فَارْتَدَّا) رجع موسى عليه‌السلام وفتاه (عَلى آثارِهِما) في الطريق الذي أتيا منه (قَصَصاً) أي اتباعا لآثارهما.

[٦٥] (فَوَجَدا عَبْداً) هو الخضر عليه‌السلام (مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً) بالنبوة (مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) ولم يكن ألهم الله موسى عليه‌السلام ذلك العلم ، ولا غرابة فقد كان جبرئيل عليه‌السلام يعلم النبي مع أنه أفضل منه.

[٦٦] (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ) علمك الله (رُشْداً) أي تعلمني علما ذا رشد.

[٦٧] (قالَ) العالم : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) يثقل عليك الصبر لما تراه.

[٦٨] (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) فإن ظاهره منكر ولا تعلم باطنه.

[٦٩] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) تأمرني به.

[٧٠] (قالَ) العالم (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) ممّا أفعله (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) أفسره لك.

[٧١] (فَانْطَلَقا) مشيا موسى والخضر عليه‌السلام (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ) سفينة تعبر بهما الماء (خَرَقَها) شق الخضر عليه‌السلام السفينة (قالَ) موسى عليه‌السلام : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) على نحو استفهام إنكاري (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) منكرا عظيما ، ولم يكن اعتراض موسى عليه‌السلام خلاف وعده لأنه علق الوعد بمشيئة الله تعالى.

[٧٢] (قالَ أَلَمْ أَقُلْ) حين أردت اتباعي (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).

[٧٣] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) جعلته كالمنسي في الاعتراض عليك (وَلا تُرْهِقْنِي) لا تكلفني (مِنْ أَمْرِي عُسْراً) مشقة بل عاملني بالمسامحة.

[٧٤] (فَانْطَلَقا) بعد ما خرجا من السفينة (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) ولدا (فَقَتَلَهُ) الخضر عليه‌السلام (قالَ) موسى عليه‌السلام :

(أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) بريئة من الذنب (بِغَيْرِ نَفْسٍ) بغير أن كان قتل نفسا فليس قتلك له قودا (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) فظيعا منكرا.

٣١٣

[٧٥] (قالَ) الخضر عليه‌السلام : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).

[٧٦] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها) بعد هذه المرة (فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي) من قبلي (عُذْراً) في مفارقتك إياي.

[٧٧] (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما) طلبا الطعام ، لما أصابهم من الجوع الكثير (أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) امتنع أهل القرية عن ضيافتهما (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) يسقط (فَأَقامَهُ) فبناه الخضر عليه‌السلام (قالَ) موسى عليه‌السلام : (لَوْ شِئْتَ) بنائه (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) أجرة لنسدّ بها جوعنا.

[٧٨] (قالَ) الخضر عليه‌السلام : (هذا) الإنكار لبنائي الحائط (فِراقُ) سبب الفراق (بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ) مآل (ما) الأمور التي فعلتها مما (لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).

[٧٩] (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) فقراء (يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) يكتسبون في البحر بسبب السفينة (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ) وراء أولئك المساكين (مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صحيحة (غَصْباً) فإذا كانت معيوبة لم يغصبها وخرق بعض ألواح السفينة عيب فيها.

[٨٠] (وَأَمَّا الْغُلامُ) الذي قتلته (فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) وقد علمنا أنه إذ كبر كفر وسبّب كفر أبويه (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما) أن يسبب لهما إرهاقا وتعبا ، أو أن يغشاهما ويحملهما (طُغْياناً وَكُفْراً) باتباعهما له فقتله كان خيرا للثلاثة.

[٨١] (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما) يرزقهما بدله (رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ) من الغلام (زَكاةً) طهارة وصلاحا (وَأَقْرَبَ رُحْماً) رحمة وعطفا بأبويه ، وكانت جارية من نسلها خرج سبعون نبيا وكان القصاص قبل الجناية جائزا في تلك الشريعة.

[٨٢] (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي) تلك (الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) خلف لهما وقد علّم بذلك الجدار فإذا سقط الجدار ذهب أثره (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) فحفظ الله لولدهما بسبب صلاح الأب ذلك الكنز (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) كمال الرشد (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ) فعلت ما فعلت (عَنْ أَمْرِي) وإرادتي بل عن أمر الله تعالى (ذلِكَ) الذي ذكرت في سبب ما فعلت (تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) قالوا : وقد كانت أعمال الخضر عليه‌السلام إشارة إلى أعمال موسى عليه‌السلام فالسفينة إشارة إلى وضعه في التابوت حال صغره ، وقتل الغلام إشارة إلى قتل موسى عليه‌السلام للقبطي ، وإقامة الجدار إشارة إلى سقي أغنام شعيب عليه‌السلام وهو جائع محتاج إلى الخبز.

[٨٣] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) من هو وماذا صنع (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) أذكر لكم بعض قصصه.

٣١٤

[٨٤] (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) بأن يتصرف فيها ويسير كيفما شاء (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه (سَبَباً) طريقا يوصله إلى مراده.

[٨٥ ـ ٨٦] (فَأَتْبَعَ سَبَباً* حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) آخر العمارة مما يلي المغرب (وَجَدَها) هكذا يتراءى للنظر (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ) بحر (حَمِئَةٍ) أسود (وَوَجَدَ عِنْدَها) عند العين (قَوْماً قُلْنا) بالإلهام إلى قلبه : (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) القوم بسبب كفرهم (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أي تحسن إليهم بهدايتهم.

[٨٧] (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) بالإصرار على الكفر (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) في الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في الآخرة (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) منكرا غير معهود لشدّته.

[٨٨] (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً) لفعلته (الْحُسْنى) أو هي مثوبة حسنى (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا) أوامرنا الشرعيّة (يُسْراً) فإن تكاليف الله يسيره.

[٨٩] (ثُمَّ أَتْبَعَ) ذو القرنين (سَبَباً) طريقا يوصله إلى المشرق.

[٩٠] (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) أول المعمورة من طرف المشرق (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها) غير الشمس (سِتْراً) إذ لم يكن لهم ساتر من جبل أو بيوت أو ملابس.

[٩١] (كَذلِكَ) أي أمرناه في أهل المشرق بالقتل أو الهداية كما أمرناه في أهل المغرب (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ) من الجيش والعدة (خُبْراً) إحاطة علم.

[٩٢] (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) طريقا ثالثا آخذا من الجنوب إلى الشمال.

[٩٣] (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) قيل : هما جبلان بمنقطع أرض الترك سدّ الإسكندر ما بينهما ، وقيل : هو سد الصّين (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) دون السدين (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ) يفهمون (قَوْلاً) لغرابة لغتهم.

[٩٤] (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) قبيلتان (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالقتل والنهب (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) شيئا نصرفه من مالنا (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) حاجزا لا يتمكنون من الخروج علينا.

[٩٥] (قالَ) ذو القرنين : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي) الذي مكنني الله فيه من المال (خَيْرٌ) مما تجعلونه لي من الخراج (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) بالعمل مما أتقوى به (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) حاجزا حصينا.

[٩٦] (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) قطع الحديد (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) الجبلين بنضد الزبر وجعل الفحم بينهما (قالَ) ذو القرنين : (انْفُخُوا) بالمنافخ النيرانية على الحديد (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ) جعل الحديد (ناراً) كالنار (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ) أصب (عَلَيْهِ قِطْراً) أي نحاسا.

[٩٧] (فَمَا اسْطاعُوا) أي يأجوج ومأجوج (أَنْ يَظْهَرُوهُ) يعلوه لارتفاعه (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ) للسد (نَقْباً) أن يثقبوه لصلابته.

٣١٥

[٩٨] (قالَ) ذو القرنين : (هذا) السدّ (رَحْمَةٌ) نعمة (مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) بخروج يأجوج ومأجوج (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) مدكوكا مسوّى بالأرض (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) كائنا لا محالة.

[٩٩] (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ) بعض يأجوج ومأجوج (يَوْمَئِذٍ) يوم خروجهم ، وهو من علامات القيامة (يَمُوجُ) كموج البحر ، أي يختلط (فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) البوق الذي ينفخ فيه إسرافيل لإحياء الأموات (فَجَمَعْناهُمْ) أي الخلائق (جَمْعاً).

[١٠٠] (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) أظهرناها لهم لإخافتهم.

[١٠١] (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) عن آياتي ، فلا يعتبرون بها كأنّ عيونهم في غطاء لا ترى (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي يثقل عليهم استماع الحق.

[١٠٢] (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) كالمسيح عليه‌السلام (مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) معبودين ، بدون أن أعذبهم (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا (جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) منزلا.

[١٠٣] (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) نخبركم (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) من حيث العمل.

[١٠٤] (الَّذِينَ ضَلَ) ضاع (سَعْيُهُمْ) عملهم لأن الكفر يبطل العمل (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) صنيعا وعملا.

[١٠٥] (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بدلائله وحججه (وَلِقائِهِ) أي لقاء جزائه ، فينكرون المعاد (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت بسبب كفرهم (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) أي قدرا بل نعاقبهم.

[١٠٦] الأمر (ذلِكَ) الذي ذكرنا من حبط أعمالهم (جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) بسبب كفرهم (وَاتَّخَذُوا آياتِي) الأدلة الدالة على الله (وَرُسُلِي هُزُواً) مهزوا بهما.

[١٠٧] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ) البستان الجميل الجامع بين الثمر والزهر وسائر المناظر الحسنة (نُزُلاً) منزلا.

[١٠٨] (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ) لا يطلبون (عَنْها) عن الجنّات (حِوَلاً) تحولا.

[١٠٩] (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً) المداد هو ما يكتب به (لِكَلِماتِ رَبِّي) أي مخلوقاته ، لأن كل مخلوق كلمة (لَنَفِدَ) انتهى ماء (الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) لأنها غير متناهية من حيث أن الله سبحانه يستمر في خلقها (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ) بمثل البحر (مَدَداً) للبحر.

[١١٠] (قُلْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ولذا أفعل ما يفعله البشر من الأكل والنوم والمشي ، والفرق أنه (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا شريك له (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) لقاء جزاء الله بالجنة والثواب (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) أي لا يجعل أحدا شريكا لله تعالى في عبادته.

٣١٦

١٩ : سورة مريم

مكية آياتها ثمان وتسعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (كهيعص) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] هذه السورة (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ) أي فيها ذكر لرحمة الله عبده (زَكَرِيَّا).

[٣] (إِذْ نادى) دعا زكريا عليه‌السلام (رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) لا يجهر به وذلك أقرب إلى الخلوص.

[٤] (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ) ضعف (الْعَظْمُ مِنِّي) فإنّ وهن العظم وهو شيء صلب يدل على وهن لجميع الجسد (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) بياضا ، أي أن الشيب قد عم الرأس ، فشبه بالنار التي تشتعل فتشمل كل الأطراف (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ) بدعائي إياك يا (رَبِّ شَقِيًّا) محروما ، أي لم أكن كذلك فيما مضى فأرجو أن لا أحرم في المستقبل.

[٥] (وَإِنِّي خِفْتُ) أخاف (الْمَوالِيَ) الذين يتولّون أمر الأمة (مِنْ وَرائِي) بعدي بأن يبدلوا دين الناس (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) لا تلد (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) من عندك (وَلِيًّا) ولدا.

[٦] (يَرِثُنِي) مالي ومقامي (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) لأن زكريا عليه‌السلام هو من آل يعقوب ، فإذا جاءه ولد ورث الوالد ذلك المقام والمنزلة (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) مرضيا عندك ، فاستجاب الله دعاءه فخاطبه بقوله :

[٧] (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) فلا أحد بهذا الاسم قبل يحيى عليه‌السلام.

[٨] (قالَ رَبِّ أَنَّى) كيف (يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) لا تلد (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) يبسا وجفافا (١).

[٩] (قالَ) الله : (كَذلِكَ) هكذا (قالَ رَبُّكَ هُوَ) إعطاء الولد لكما (عَلَيَّ هَيِّنٌ) سهل (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) قبل يحيى عليه‌السلام (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) فمن أوجدك من العدم قادرا على أن يعطيك الولد.

[١٠] (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) علامة دالة لوقت الحمل (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) لا تقدر على تكليمهم (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) أي في حال كونك صحيحا بلا آفة ومرض وخرس.

[١١] (فَخَرَجَ) زكريا عليه‌السلام (عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى) أشار (إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا) الله (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) طرفي النهار.

__________________

(١) كل شيء قد انتهى فقد عتا. لسان العرب.

٣١٧

[١٢] فوهبنا له يحيى عليه‌السلام وقلنا له : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ) التوراة (بِقُوَّةٍ) بجد وعزم (وَآتَيْناهُ) أي أعطينا يحيى عليه‌السلام (الْحُكْمَ) النبوة (صَبِيًّا) في حال الصبى.

[١٣] (وَ) آتيناه (حَناناً) رحمة (مِنْ لَدُنَّا) من عندنا على الناس (وَزَكاةً) طهارة ونزاهة (وَكانَ تَقِيًّا) عن الشرك والمعاصي.

[١٤] (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) متكبرا ظالما (عَصِيًّا) عاصيا لربّه.

[١٥] (وَسَلامٌ) سلامة (عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) فهو سالم الأعضاء (وَيَوْمَ يَمُوتُ) من العذاب في القبر (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) من النار.

[١٦] (وَاذْكُرْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فِي الْكِتابِ) القرآن قصة (مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) أي اعتزلت (مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) في طرف مشرق بيت المقدس.

[١٧] (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ) دون الناس (حِجاباً) سترا لتغتسل (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) جبرئيل عليه‌السلام (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) في صورة شاب تامّ الخلق.

[١٨] (قالَتْ) مريم عليها‌السلام : (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) خائفا من الله ، والجواب محذوف أي فابتعد عنّي.

[١٩] (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) طاهرا من الأدناس.

[٢٠] (قالَتْ أَنَّى) كيف (يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) بالحلال (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) زانية.

[٢١] (قالَ كَذلِكِ) هكذا (قالَ رَبُّكِ هُوَ) إحداث الولد بلا أب (عَلَيَّ هَيِّنٌ) سهل (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً) برهانا لكمال قدرتنا (لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ) خلقه (أَمْراً مَقْضِيًّا) كائنا لا محالة.

[٢٢] (فَحَمَلَتْهُ) حملت مريم بعيسى عليه‌السلام (فَانْتَبَذَتْ بِهِ) أي تنحّت بالحمل (مَكاناً قَصِيًّا) بعيدا من أهلها.

[٢٣] (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) أتى بها صعوبة الطلق وألجأها (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) ساقها (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) الأمر وذلك لخجلها من الناس (وَكُنْتُ نَسْياً) من شأنه أن ينسى (مَنْسِيًّا) منسيّ الذكر.

[٢٤] (فَناداها) نادى المسيح أمه عليه‌السلام (مِنْ تَحْتِها) بعد الولادة : (أَلَّا تَحْزَنِي) يا أماه (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ) تحت قدمك (سَرِيًّا) نهرا من الماء للشرب.

[٢٥] (وَهُزِّي) اجذبي (إِلَيْكِ) نحوك (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ) النخلة (عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) طريّا قد جني الآن.

٣١٨

[٢٦] (فَكُلِي) الرطب (وَاشْرَبِي) من الماء الجاري (وَقَرِّي عَيْناً) لتطب نفسك (فَإِمَّا) إن الشرطية وما الزائدة (تَرَيِنَ) إن رأيت (مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) يسألك عن الولد (فَقُولِي) أشيري : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتا (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) إنسانا.

[٢٧] (فَأَتَتْ) مريم عليهم‌السلام (بِهِ) بالولد (قَوْمَها) إلى قومها (تَحْمِلُهُ) حاملة له (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) منكرا عظيما.

[٢٨] (يا أُخْتَ هارُونَ) كان رجلا صالحا ، فقيل لها أنت في الصلاح كأنك أخت هارون (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) زانيا (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) زانية.

[٢٩] (فَأَشارَتْ) مريم عليها‌السلام (إِلَيْهِ) إلى عيسى عليه‌السلام بأن كلموه ليجيبكم (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).

[٣٠] (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) ردا على من زعم ربوبيته (آتانِيَ) أعطاني (الْكِتابَ) الإنجيل (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).

[٣١] (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) كثير البركة والخير (أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي) أمرني (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا).

[٣٢] (وَبَرًّا) أن أكون بارا (بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً) متكبرا طاغيا (شَقِيًّا) عاصيا لله تعالى.

[٣٣] (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) فأني سالم في الدنيا من جراء سلامتي عن العيوب حال الولادة (وَيَوْمَ أَمُوتُ) فإني سالم في القبر عن العذاب (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) فإني سالم إلى الأبد.

[٣٤] (ذلِكَ) الذي قال إني عبد الله بتلك الصفات المذكورة (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ) قلنا فيه قول (الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) يشكون ، فاليهود يقولون ليس بنبي والنصارى يقولون هو إله.

[٣٥] (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ) أنزهه تنزيها (إِذا قَضى أَمْراً) أراد شيئا (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فلا يهم أن يخلق إنسانا بدون أب.

[٣٦] (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) وليس المسيح عليه‌السلام ربّا أو ابن رب (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لا انحراف فيه.

[٣٧] (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) جماعات اليهود والنصارى (مِنْ بَيْنِهِمْ) أي اختلافا ناشئا من بينهم لا من قبل الله (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) من حضورهم يوم القيامة.

[٣٨] (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي هم شديدوا السمع والبصر في (يَوْمَ يَأْتُونَنا) في القيامة (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ) في الدنيا (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) واضح ، فلا يسمعون الحقّ ولا يرون الآيات.

٣١٩

[٣٩] (وَأَنْذِرْهُمْ) خوّفهم يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَوْمَ الْحَسْرَةِ) يتحسر فيه الناس (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) انتهى كل شيء ، فلا يتمكن الإنسان من تبديل جزائه (وَهُمْ) الحال (فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

[٤٠] (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) فلما ذا يبقون على الكفر من أجل الرئاسة والمال ، فالكل زائل (وَإِلَيْنا) إلى حسابنا (يُرْجَعُونَ).

[٤١] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) ملازما للصدق (نَبِيًّا).

[٤٢] (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) عمّه آزر : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) فان الصنم لا يدفع عن الإنسان شيئا.

[٤٣] (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) بالله (ما لَمْ يَأْتِكَ) فأنت جاهل بالله (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) مستقيما.

[٤٤] (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) لا تطعه ، فإن الكفر عبادة وطاعة للشيطان (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) عاصيا.

[٤٥] (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ) يصيبك (عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) قرينا في العذاب.

[٤٦] (قالَ) آزر : (أَراغِبٌ) نافر ، والاستفهام للإنكار (أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) الأصنام (يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن مقالك (لَأَرْجُمَنَّكَ) بالحجارة (وَاهْجُرْنِي) أي ابتعد عني (مَلِيًّا) زمنا طويلا ، وإلا رجمتك.

[٤٧] (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام : (سَلامٌ عَلَيْكَ) سلّم عليه سلام الوداع (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) أي أطلب منه أن يوفقك للتوبة حتى تكون أهلا للغفران (إِنَّهُ) أي الله (كانَ بِي حَفِيًّا) أي لطيفا بارّا.

[٤٨] (وَأَعْتَزِلُكُمْ) أبتعد عنكم (وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي وأعتزل أصنامكم (وَأَدْعُوا) أعبد (رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) خائبا ، كما شقيتم في دعاء الأصنام.

[٤٩] (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بأن هجرهم (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا) من أولاده (جَعَلْنا نَبِيًّا).

[٥٠] (وَوَهَبْنا لَهُمْ) للثلاثة (مِنْ رَحْمَتِنا) سعادة الدارين (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) ثناء حسنا رفيعا ، وعبر باللسان عن الثناء بعلاقة السبب والمسبب ، وحيث أن المدح صادق قال : لسان صدق.

[٥١] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) القرآن (مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) أخلصه الله لنفسه (وَكانَ رَسُولاً) إلى الناس (نَبِيًّا) مخبرا عن الله تعالى.

٣٢٠