تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٧٧] (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ) أولاد نوح عليه‌السلام (هُمُ الْباقِينَ) لأن ما سواهم هلكوا.

[٧٨] (وَتَرَكْنا) أبقينا (عَلَيْهِ) على نوح عليه‌السلام بإبقاء ذكره ونسله (فِي الْآخِرِينَ) من الأمم.

[٧٩] (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) فإن الناس يسلمون عليه إلى الأبد ويقدرونه.

[٨٠ ـ ٨١] (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ).

[٨٢] (ثُمَ) لترتيب الكلام (أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) كفار قومه.

[٨٣] (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) ممن شايعه في طريقته (لَإِبْراهِيمَ).

[٨٤] (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) من آفات القلوب كالكفر والرذيلة.

[٨٥] (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) عمه (وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ).

[٨٦] (أَإِفْكاً آلِهَةً) أي تريدون عبادة آلهة بالكذب (دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ).

[٨٧] (فَما ظَنُّكُمْ) بأن يفعل بكم رب (الْعالَمِينَ).

[٨٨] (فَنَظَرَ) إبراهيم عليه‌السلام (نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) للتعرف على أحوال نفسه من النجوم.

[٨٩] (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) أي سأسقم في يوم عيدكم ولا أتمكن أن أخرج معكم.

[٩٠] (فَتَوَلَّوْا) أعرضوا (عَنْهُ مُدْبِرِينَ) ذاهبين خارج البلد إلى عيدهم.

[٩١] (فَراغَ) ذهب إبراهيم عليه‌السلام خفية (إِلى آلِهَتِهِمْ) إلى الأصنام (فَقالَ) استهزاء بالأصنام (أَلا تَأْكُلُونَ).

[٩٢] (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) بجوابي.

[٩٣] (فَراغَ) فمال (عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) باليد اليمنى لأنها أقوى.

[٩٤] (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) إلى إبراهيم عليه‌السلام (يَزِفُّونَ) يسرعون ليستنطقوه في كسر أصنامهم.

[٩٥] (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام توبيخا لهم : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) أي تنحتونه من الأصنام.

[٩٦] (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) من الأصنام فلا تعبدون الخالق وتعبدون المخلوق.

[٩٧] (قالُوا ابْنُوا لَهُ) لإبراهيم عليه‌السلام (بُنْياناً) محوطة لتملئوها نارا ، ثم تلقون إبراهيم عليه‌السلام فيها (فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) النار.

[٩٨] (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) تدبيرا لحرقه (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) بأن أهلكناهم ونجينا إبراهيم عليه‌السلام منهم.

[٩٩] (وَقالَ) إبراهيم عليه‌السلام لما يئس منهم : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) مهاجر من بلاء الكفر إلى المكان الذي أمرني ربي (سَيَهْدِينِ) أي يهديني ربي إلى ما فيه صلاح ديني ودنياي.

[١٠٠] (رَبِّ هَبْ لِي) ولدا (مِنَ الصَّالِحِينَ).

[١٠١] (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ) ولد (حَلِيمٍ) ذي حلم وهو إسماعيل عليه‌السلام.

[١٠٢] (فَلَمَّا بَلَغَ) الغلام (مَعَهُ) مع أبيه (السَّعْيَ) أن يسعى في أموره (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) هل توافق على أن أذبحك أو لا (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) على الذبح.

٤٦١

[١٠٣] (فَلَمَّا أَسْلَما) أي الأب والابن لأمر الله (وَتَلَّهُ) ألقاه إبراهيم عليه‌السلام (لِلْجَبِينِ) على وجهه على الأرض ، وجواب لمّا محذوف ، أي كان ما كان.

[١٠٤ ـ ١٠٥] (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) بأن عملت ما هو مربوط بك ، أما عدم ذبح الولد فلم يك مقدورا لإبراهيم عليه‌السلام لأن القطع إنما هو بإذن الله (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا بإعطائه درجة المطيع من دون وصول أذى إليه (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

[١٠٦] (إِنَّ هذا) الأمر بالذبح (لَهُوَ الْبَلاءُ) الامتحان (الْمُبِينُ) الظاهر.

[١٠٧] (وَفَدَيْناهُ) أي إسماعيل عليه‌السلام (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) فقد جاء كبش من الجنة فذبحه إبراهيم عليه‌السلام عوض إسماعيل عليه‌السلام وما أعظمها من كرامة ، وفي التأويل إنه عوّض بالحسين عليه‌السلام.

[١٠٨] (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ) على إبراهيم عليه‌السلام ذكرا حسنا (فِي الْآخِرِينَ) الأمم المتأخرة.

[١٠٩ ـ ١١٣] (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَبارَكْنا عَلَيْهِ) على إبراهيم عليه‌السلام (وَعَلى إِسْحاقَ) بأن أخرجنا من ذريتهما الأنبياء عليهم‌السلام (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ) على نفسه وهم المؤمنون الطائعون (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بالكفر والمعاصي (مُبِينٌ) بيّن الضلال والظلم.

[١١٤] (وَلَقَدْ مَنَنَّا) أنعمنا (عَلى مُوسى وَهارُونَ).

[١١٥] (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من أذى فرعون.

[١١٦] (وَنَصَرْناهُمْ) موسى وهارون عليهما‌السلام وقومهما (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) على فرعون وقومه.

[١١٧] (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ) التوراة (الْمُسْتَبِينَ) البين.

[١١٨ ـ ١٢٢] (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ).

[١٢٣ ـ ١٢٤] (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) الكفر والمعاصي ، على نحو استفهام الإرشاد.

[١٢٥] (أَتَدْعُونَ) تعبدون (بَعْلاً) صنما كانوا يعبدونه يسمى البعل ، أو البعل في لغته بمعنى الرب (وَتَذَرُونَ) تتركون عبادة (أَحْسَنَ الْخالِقِينَ).

[١٢٦] (اللهَ) بدل من (أحسن) (رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ).

٤٦٢

[١٢٧] (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) يوم القيامة للحساب.

[١٢٨ ـ ١٢٩] (إِلَّا) استثناء من (كذبوه) (عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ).

[١٣٠ ـ ١٣٢] (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) لغة في إلياس (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) وفي التأويل إن ياسين اسم النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله أهل بيته عليهم‌السلام.

[١٣٣ ـ ١٣٥] (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً) زوجته الكافرة (فِي الْغابِرِينَ) الباقين الذين أهلكوا بالعذاب.

[١٣٦] (ثُمَّ دَمَّرْنَا) أهلكنا بعد نجاة لوط عليه‌السلام (الْآخَرِينَ).

[١٣٧ ـ ١٣٨] (وَإِنَّكُمْ) يا أهل مكة (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ) على منازلهم القريبة من الشام (مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) صباحا ومساء عند سفركم إلى الشام (أَفَلا تَعْقِلُونَ) تعتبرون بهم.

[١٣٩ ـ ١٤٠] (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ) هرب من قومه (إِلَى الْفُلْكِ) السفينة (الْمَشْحُونِ) المملوء من الناس.

[١٤١] (فَساهَمَ) فقارع ، لأن السفينة أشرفت على الغرق فرأوا أنهم إن طرحوا واحدا في البحر لم يغرق الباقون فاقرعوا وخرجت القرعة باسم يونس عليه‌السلام (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) المغلوبين بالقرعة فألقي في البحر.

[١٤٢] (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) ابتلعه (وَهُوَ مُلِيمٌ) مستحق اللوم لأنه خرج من قومه من غير أمر ربه وكان ذلك ترك الأولى.

[١٤٣] (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) في بطن الحوت.

[١٤٤] (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ) بطن الحوت (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) بأن صار بطنه قبرا له إلى يوم القيامة ، أي لم يخرج منه حيّا.

[١٤٥] (فَنَبَذْناهُ) طرحناه (بِالْعَراءِ) بالصحراء (وَهُوَ سَقِيمٌ) مريض من جراء حبسه في بطن الحوت.

[١٤٦] (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) القرع فغطته بأوراقها.

[١٤٧] (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ) إنسان (أَوْ) بمعنى الواو (يَزِيدُونَ) على هذا العدد.

[١٤٨] (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) آجالهم فلم يأخذهم العذاب.

[١٤٩] (فَاسْتَفْتِهِمْ) سل قومك ، توبيخا لهم (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) إذ قال المشركون إن الملائكة بنات الله (وَلَهُمُ الْبَنُونَ) بأن يولد لهم الابن.

[١٥٠] (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) حاضرون وقت خلقهم.

[١٥١] (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) كذبهم (لَيَقُولُونَ).

[١٥٢] (وَلَدَ اللهُ) صارت له أولاد (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم.

[١٥٣] (أَصْطَفَى) أي هل اختار الله (الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) والاستفهام للإنكار.

٤٦٣

[١٥٤] (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بما لا يقبله عقل ولا دليل لكم عليه.

[١٥٥] (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) إنه سبحانه منزه عن ذلك.

[١٥٦] (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ) حجة (مُبِينٌ) ظاهرة بأن الله ولد البنات.

[١٥٧] (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ) الدال على قولكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم.

[١٥٨] (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ) بين الله (وَبَيْنَ الْجِنَّةِ) الجن (نَسَباً) قالوا إن الله صاهر الجن فوجدت الملائكة (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) للحساب ، ولو كان بينهم وبين الله نسبا لم يحاسبهم للجزاء.

[١٥٩] (سُبْحانَ اللهِ) أنزهه تنزيها (عَمَّا يَصِفُونَ) يصفونه من الولد والزوجة.

[١٦٠] (إِلَّا) استثناء عن (يصفون) فإن المخلصين لم يصفوا الله بالوصف الباطل (عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصهم الله لطاعته.

[١٦١] (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) من الأصنام.

[١٦٢] (ما أَنْتُمْ) أيها الكفار (عَلَيْهِ) على الله (بِفاتِنِينَ) بمفسدين الناس.

[١٦٣ ـ ١٦٤] (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) يصلي النار أي أن الذين يتمكن الكفار وأصنامهم إفساده وإضلاله هم الذين سبق في علم الله إنهم أصحاب الجحيم. (وَما مِنَّا) معاشر الملائكة ، وهذا كلامهم ردّا على قول الكفار إن الملائكة بنات الله (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) من الطاعة لا يتمكن أن يتجاوزه.

[١٦٥ ـ ١٦٦] (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) حول العرش أو نصطف للعبادة. (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) المنزهون لله تعالى.

[١٦٧ ـ ١٦٩] (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (كانُوا لَيَقُولُونَ) أي كفار مكة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) كتابا (مِنَ الْأَوَّلِينَ) من كتبهم بأن نزل علينا كتاب مثل كتبهم. (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصهم الله لطاعته.

[١٧٠] فلما أنزل عليهم الكتاب كفروا به وتبين كذبهم (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة كفرهم.

[١٧١] (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) وعدنا بالنصر (لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ).

[١٧٢] (إِنَّهُمْ) مفسر ل (كلمتنا) (لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) ننصرهم على أعدائهم.

[١٧٣] (وَإِنَّ جُنْدَنا) وهم المؤمنون (لَهُمُ الْغالِبُونَ) على أعدائهم.

[١٧٤] (فَتَوَلَ) أعرض يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) حين تؤمر بقتالهم.

[١٧٥] (وَأَبْصِرْهُمْ) بالأصول والشرائع (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) يرون حقية ما قلت لهم.

[١٧٦] (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) فإنهم كانوا يقولون لو أنك صادق ائتنا بالعذاب ، والاستفهام للتهديد.

[١٧٧ ـ ١٧٨] (فَإِذا نَزَلَ) العذاب (بِساحَتِهِمْ) بفناء دارهم (فَساءَ) بئس (صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) صباحهم ، فإن الغارة غالبا كانت قبل الصباح. (وَتَوَلَ) أعرض (عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) حين تؤمر بقتالهم.

[١٧٩] (وَأَبْصِرْ) أي أبصرهم (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ).

[١٨٠ ـ ١٨١] (سُبْحانَ رَبِّكَ) تنزيها لربك يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (رَبِّ الْعِزَّةِ) الذي له كل عزة (عَمَّا يَصِفُونَ) يصف الكفار الله به من الأولاد والشريك والزوجة. (وَسَلامٌ) تحية (عَلَى الْمُرْسَلِينَ).

[١٨٢] (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما أنعم (رَبِّ الْعالَمِينَ) كل عالم من عوالم الكون.

٤٦٤

٣٨ : سورة ص

مكية آياتها ثمان وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (ص) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْقُرْآنِ) قسما بالقرآن (ذِي الذِّكْرِ) الذي يذكر الناس بالله والآخرة.

[٢] لم يكفر من كفر بالقرآن لخلل فيه (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) استكبار عن الحق (وَشِقاقٍ) خلاف يريدون به مخالفة الله.

[٣] (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) جماعة وأمة ، وهذا تهديد للكفار (فَنادَوْا) بالاستغاثة عند إهلاكهم (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) وليس الحين ـ أي حين نزول العذاب ـ حين مناص وخلاص ، لأن العذاب إذا نزل لا يرجع.

[٤] (وَعَجِبُوا) أي الكفار (أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) نبي (مِنْهُمْ) من أنفسهم لا أجنبي عنهم (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ساحِرٌ كَذَّابٌ) كثير الكذب.

[٥] (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) بأن قال ببطلان كل الآلهة إلا الله (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) بليغ في التعجب.

[٦ ـ ٧] (وَانْطَلَقَ) تكلم (الْمَلَأُ) الأشراف (مِنْهُمْ) قال بعضهم لبعض (أَنِ امْشُوا) في طريقكم الشركي (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) عبادتها (إِنَّ هذا) الأمر وهو الشرك (لَشَيْءٌ يُرادُ) منا فلا يجوز لنا أن نعدل إلى غيره. (ما سَمِعْنا بِهذا) أي بالتوحيد (فِي الْمِلَّةِ) الدين (الْآخِرَةِ) أي ما أدركنا عليه آباءنا من الدين (إِنْ هذا) ما هذا التوحيد (إِلَّا اخْتِلاقٌ) كذب.

[٨] (أَأُنْزِلَ) كيف أنزل (عَلَيْهِ) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الذِّكْرُ) القرآن (مِنْ بَيْنِنا) ولم ينزل علينا (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) فلا يحملهم على هذا الكلام إلا الشك ، أي ليسوا بمتيقنين ببطلانه (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) لم يذوقوا عذابي بعد ، فإذا ذاقوا زال شكهم.

[٩] (أَمْ) هل (عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) التي من جملتها النبوة حتى لا يعطوها النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما يعطوا النبوة لإنسان آخر (الْعَزِيزِ) الغالب (الْوَهَّابِ) ما يشاء لمن يشاء.

[١٠] (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا) أي إن زعموا ذلك فليصعدوا (فِي الْأَسْبابِ) في المعارج الموصلة إلى السماء ليأتوا بالوحي إلى من يختاروا ، فإن لم يكن لهم ملك السماوات والأرض فلما ذا يتحكمون في الاعتراض على أنه لما ذا نزل الوحي على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١١] (جُنْدٌ ما) أي إن الكفار جند وجماعته قليلون (هُنالِكَ) أيضا للتحقير ، كما أن (ما) للتحقير (مَهْزُومٌ) عما قريب (مِنَ الْأَحْزابِ) فمن أين لهم التدابير الإلهية والتحكم في شؤون الوحي.

[١٢] (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) فإنه كان يعذب الناس بشدهم بالأوتاد.

[١٣] (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي الذين كانوا في قرب الشجرة الملتفة وهم قوم شعيب (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) الذين تحزبوا على الرسل وكان منهم هذا الجند المنهزم.

[١٤] (إِنْ) ما (كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَ) فثبت (عِقابِ) عقابي عليهم.

[١٥] (وَما يَنْظُرُ) لا ينتظر (هؤُلاءِ) الكفار (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) نفخة لقبض أرواحهم (ما لَها مِنْ فَواقٍ) توقف.

[١٦] (وَقالُوا) أي الكفار (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) قسطنا من العذاب (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) وهذا قالوه على سبيل الاستهزاء.

٤٦٥

[١٧] (اصْبِرْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلى ما يَقُولُونَ) هؤلاء الكفار (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) أي القوة (إِنَّهُ أَوَّابٌ) كثير الرجوع إلى الله.

[١٨] (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ) مع داود عليه‌السلام فإذا سبح (يُسَبِّحْنَ) معه (بِالْعَشِيِ) عصرا (وَالْإِشْراقِ) صبحا.

[١٩] (وَ) سخرنا (الطَّيْرَ) معه (مَحْشُورَةً) مجموعة (كُلٌ) من الجبال والطير (لَهُ) لداود عليه‌السلام (أَوَّابٌ) رجّاع في التسبيح.

[٢٠] (وَشَدَدْنا) قوينا (مُلْكَهُ) بالجنود (وَآتَيْناهُ) أعطيناه (الْحِكْمَةَ) معرفة وضع الأشياء موضعها (وَفَصْلَ الْخِطابِ) أي الخطاب الفاصل بين الحق والباطل.

[٢١] (وَهَلْ أَتاكَ) استفهام للتعجب والتشويق (نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) صعدوا سور محراب داود عليه‌السلام.

[٢٢] (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ) خاف (مِنْهُمْ) لأنهم دخلوا من غير استئذان ومن غير الباب (قالُوا) له (لا تَخَفْ) فلا نريد بك شرا وإنما نحن (خَصْمانِ) فريقان متخاصمان (بَغى) تعدى وظلم (بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) أي لا تتجاوز الحق (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ) وسط (الصِّراطِ) أي العدل ، وقد أراد الله بهذه القصة اختبار داود عليه‌السلام وكان مغزى الاختبار إنه حكم بمجرد سماع المدعي ثم انتبه فاستغفر من هذا التعجيل ولعل دخول الخصم من السور لأجل إيقاع الدهشة في نفسه والإنسان المندهش يستعجل في الكلام.

[٢٣] فقال أحد الخصمين وكانا ملائكة لأجل الامتحان (إِنَّ هذا أَخِي) في الدين أو في الجنس (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) الشاة (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) فقط (فَقالَ) الأخ (أَكْفِلْنِيها) أي اجعلني كفيلا (١) لنعجتك الواحدة حتى تتم لي مائة نعجة (وَعَزَّنِي) غلبني الأخ (فِي الْخِطابِ) أي التكلم والحجاج.

[٢٤] (قالَ) داود عليه‌السلام بمجرد أن سمع كلام المدعي : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) أخوك بسبب سؤال (نَعْجَتِكَ) الواحدة (إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) الشركاء (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما) زائدة للتأكيد (هُمْ) أي قليل من لا يظلم شريكه (وَظَنَ) علم (داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) اختبرناه بهذه القصة (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) من تعجيله في الحكم وكان ترك الأولى (وَخَرَّ) سقط (راكِعاً) لله في استغفاره (وَأَنابَ) رجع إلى الله بالتوبة.

[٢٥] (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) الترك للأولى (وَإِنَّ لَهُ) لداود عليه‌السلام (عِنْدَنا لَزُلْفى) أي قربى في المنزلة (وَحُسْنَ مَآبٍ) أي المرجع الحسن في الآخرة.

[٢٦] (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) هوى النفس (فَيُضِلَّكَ) اتباع الهوى (عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا) أي بسبب نسيانهم (يَوْمَ الْحِسابِ) أي لم يهتموا به ولم يعملوا لأجل إنقاذ أنفسهم فيه.

__________________

(١) الكافل والكفيل : هو الذي يلزم نفسه القيام بالأمر وحياطته.

٤٦٦

[٢٧] (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) لا حكمة فيها حتى يكون خلق الإنسان أيضا بلا جزاء ولا حساب (ذلِكَ) أي كون الخلق باطلا (ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) أي وا سوء أحوالهم من دخولهم في النار.

[٢٨] (أَمْ) أي هل ، على نحو استفهام الإنكار (نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ) الذين اتقوا الكفر والمعاصي (كَالْفُجَّارِ) الذين يكثرون الفجور والخروج عن طاعة الله.

[٢٩] هذا القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) كثير نفعه وخيره (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) ليتفكروا في آيات هذا الكتاب (وَلِيَتَذَكَّرَ) ليتعظ به (أُولُوا الْأَلْبابِ) أصحاب العقول.

[٣٠] (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) سليمان عليه‌السلام (إِنَّهُ أَوَّابٌ) كثير الرجوع إلى الله تعالى.

[٣١] (إِذْ) اذكر زمان (عُرِضَ عَلَيْهِ) على سليمان عليه‌السلام (بِالْعَشِيِ) وقت العصر (الصَّافِناتُ) الأفراس (الْجِيادُ) الجيدات (١) ، وذلك لتهيئتها للحرب في سبيل الله ، ولما طال العرض تأخرت صلاته عن وقت الفضيلة وتلافيا لذلك قدّم تلك الأفراس كلها في سبيل الله.

[٣٢] (فَقالَ) سليمان عليه‌السلام : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) أي هذا النوع من الحب بأن أحببت الجياد التي أعدت لسبيل الله ، فانصرفت (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) في وقت الفضيلة (حَتَّى تَوارَتْ) الصافنات (بِالْحِجابِ) في محلاتها ، أي انصرافي عن ذكر الله كان من أول العرض إلى حين التواري.

[٣٣] (رُدُّوها) أي الصافنات ، (عَلَيَ) ارجعوها إليّ لأنفقها في سبيل الله فلما ردت (طفق) شرع سليمان عليه‌السلام يمسح الصافنات (مَسْحاً بِالسُّوقِ) جمع ساق (وَالْأَعْناقِ) جمع عنق ، فإن الإعطاء كان بأن يأخذ ساقها فيعطيها أو عنقها فيعطيها.

[٣٤] (وَلَقَدْ فَتَنَّا) اختبرنا (سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا) طرحنا (عَلى كُرْسِيِّهِ) سريره (جَسَداً) بلا روح حيث ولد له مولود ميت ، لأنه لم يقل إن شاء الله حال المواقعة حيث رجا أن يرزق أولادا يجعلهم في الجهاد ، ويحتمل أن يراد بالفتنة اختباره كيف يفعل بهذا الأمر هل يصبر أو يجزع (ثُمَّ أَنابَ) إلى الله بالتوبة عن تركه الأولى ، ولا يخفى أنه كرر في القرآن الحكيم ذكر ترك الأولى للأنبياء عليهم‌السلام لئلا يتخذهم الناس أربابا.

[٣٥] (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) ترك الأولى (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) حتى يكون معجزة لي ، أو المراد لا يتسهل لسائر الناس ليكون دليلا لفضلك عليّ (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) كثير الهبة لمن تشاء.

[٣٦] (فَسَخَّرْنا لَهُ) ذلّلنا لطاعته (الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) لينا (حَيْثُ أَصابَ) أراد سليمان عليه‌السلام فكانت تحمل بساطه وتسير في السماء كما يشاء.

[٣٧] (وَ) سخّرنا له (الشَّياطِينَ) الجن (٢) (كُلَّ بَنَّاءٍ) يبني في البر (وَغَوَّاصٍ) يغوص في البحر ، و(كل) بدل من (الشياطين) أي سخرنا البناء والغواص من الشياطين له.

__________________

(١) وقالوا : الجياد جمع جواد وهو السريع في الجري.

(٢) فسرت بالأجنة ، لأنها مستورة عن الأنظار كالجن.

٤٦٧

[٣٨] (وَآخَرِينَ) من الشياطين الذين كانوا عصاة (مُقَرَّنِينَ) بالسلاسل (فِي الْأَصْفادِ) جمع صفد وهو الوثاق.

[٣٩] وقلنا لسليمان عليه‌السلام (هذا) الملك (عَطاؤُنا) لك (فَامْنُنْ) أعط ما شئت لمن شئت (أَوْ أَمْسِكْ) ولا تعط (بِغَيْرِ حِسابٍ) ولا حرج لك في ذلك.

[٤٠] (وَإِنَّ لَهُ) لسليمان عليه‌السلام (عِنْدَنا لَزُلْفى) قرب المنزلة (وَحُسْنَ مَآبٍ) المرجع الحسن بالجنة.

[٤١] (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) أصابني (بِنُصْبٍ) تعب (وَعَذابٍ) وشدة مكروه ، وذلك إن الشيطان سبب إحراق زرعه وضرعه وموت أولاده ومرض جسمه ، أو المراد إنه كان يوسوس إليه الشيطان بأنك نبي ولا يرحمك ربك.

[٤٢] فقلنا له : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) أي اضرب برجلك الأرض ، كما يفعل الراكض (هذا) الذي يظهر من الماء بسبب ركضك (مُغْتَسَلٌ) محل اغتسال (بارِدٌ وَشَرابٌ) وتشرب منه ، ففعل ذلك فشوفي بإذن الله.

٤٦٨

[٤٣] (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) بأن أحييناهم (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) بأن زدناه أولادا جدد (رَحْمَةً مِنَّا) عليه (وَذِكْرى) تذكيرا لمن ينتظر الفرج (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أصحاب العقول.

[٤٤] (وَخُذْ) عطف على (اركض) (بِيَدِكَ ضِغْثاً) قبضة من الحشيش (فَاضْرِبْ بِهِ) زوجتك لأنه قالت قولا فأنكره فحلف أن يضربها مائة عود ، وكان ذلك شاملا لعيدان الضغث وللعصا ، وتفصيل مسائل التأديب في الفقه (وَلا تَحْنَثْ) لا تخالف اليمين ولا تؤذ الزوجة أذية كثيرة ، وهذا كالتعزير الذي هو بنظر الحاكم الشرعي إن شاء زاد وإن شاء نقص (إِنَّا وَجَدْناهُ) أي أيوب عليه‌السلام (صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) هو (إِنَّهُ أَوَّابٌ) كثير الرجوع إلى الله تعالى.

[٤٥] (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي) أصحاب القوة في طاعة الله (وَالْأَبْصارِ) وأولي البصيرة في الدين.

[٤٦] (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) جعلناهم خالصين لنا ، ومختصين بنا بسبب صفة خالصة فيهم هي خالصة (ذِكْرَى الدَّارِ) أي أنهم كانوا دائمي التذكر للدار الآخرة عاملين لها.

[٤٧] (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) المختارين (الْأَخْيارِ) جمع خيّر.

[٤٨ ـ ٤٩] (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ هذا) القرآن (ذِكْرٌ) لمن أراد أن يتذكر (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) المرجع الحسن.

[٥٠] (جَنَّاتِ عَدْنٍ) إقامة ، فإن الناس يقيمون في الجنات (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) أبوابها مفتوحة لهم.

[٥١] (مُتَّكِئِينَ فِيها) بحالة راحة (يَدْعُونَ) يطلبون (فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) ما يشربون.

[٥٢ ـ ٥٣] (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ) زوجات عيونهن مقصورة على أزواجهن (الطَّرْفِ) العين (أَتْرابٌ) جمع ترب ، فهن قرينات لهم في السن. (هذا) المذكور من النعم (ما تُوعَدُونَ) أيها المؤمنون (لِيَوْمِ) في يوم (الْحِسابِ).

[٥٤] (إِنَّ هذا) الذي ذكرناه (لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) انقطاع.

[٥٥] (هذا) للمؤمنين (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) الذين يتجاوزون الحد (لَشَرَّ مَآبٍ) أي المرجع السيئ.

[٥٦] (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) يدخلونها (فَبِئْسَ الْمِهادُ) الفراش الممهد لهم.

[٥٧] (هذا) أي العذاب (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ) ماء شديد الحرارة (وَغَسَّاقٌ) ما يغسق أي يسيل من صديد (١) أهل النار.

[٥٨] (وَ) عذاب (آخَرُ) لهم (مِنْ شَكْلِهِ) مثل العذاب السابق (أَزْواجٌ) أي أصناف من العذاب لهم.

[٥٩ ـ ٦٠] (هذا) الجمع ، إذ يؤتى بالأتباع بعد أن دخل النار أسيادهم ، فيراد إدخالهم في النار مع السادة ، فيقال لأهل النار : (فَوْجٌ) جمع (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) أي داخل بشدة فيكم ، وذلك لضيق مكانهم في النار ، وهو من أقسام عذابها (لا مَرْحَباً بِهِمْ) لا يرحب بأولئك الأتباع (إِنَّهُمْ) لأنهم (صالُوا النَّارِ) داخلوها ، وهذا قول القادة بالنسبة إلى الأتباع فيرد عليهم الأتباع قائلين : (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ) أيها القادة (لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ) أي العذاب (لَنا) بسبب إضلالكم إيانا (فَبِئْسَ) جهنم (الْقَرارُ) المستقر لنا ولكم.

[٦١] (قالُوا) أي الأتباع : (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) العذاب (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) لضلاله وإضلاله (فِي النَّارِ).

__________________

(١) الصديد : القيح والدم.

٤٦٩

[٦٢] (وَقالُوا) أي الطاغون : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً) في النار أي المؤمنين (كُنَّا نَعُدُّهُمْ) نحسبهم (مِنَ الْأَشْرارِ) في دار الدنيا.

[٦٣] (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) أي هل كنا نستهزئ بهم والحال أنهم كانوا أخيارا (أَمْ زاغَتْ) مالت (عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) أبصارنا ، بأن كانوا أشرارا واقعا ، والآن هم في جهنم ولكن لا نراهم لأن بصرنا لا يقع عليهم.

[٦٤] (إِنَّ ذلِكَ) الذي نقلناه من كلام أهل النار (لَحَقٌ) مطابق للواقع (تَخاصُمُ) تنازع ، بدل من (حق) (أَهْلِ النَّارِ).

[٦٥] (قُلْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) أنذركم عذاب الله سواء آمنتم أم لا (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) لكل شيء فلا إله سواه.

[٦٦] (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْغَفَّارُ) للذنوب.

[٦٧ ـ ٦٨] (قُلْ هُوَ) ما أنذركم به (نَبَأٌ) خبر (عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ).

[٦٩] (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) أي بالملائكة (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) يتكلمون ويتقاولون ، فلو لا أني نبي كيف كنت أعلم كلام الملائكة عند ما اختصموا في أمر آدم عليه‌السلام وتكلموا مع الله.

[٧٠] (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ظاهر واضح.

[٧١] (إِذْ) متعلق ب (يختصمون) (قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) آدم عليه‌السلام (مِنْ طِينٍ).

[٧٢] (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) تممت أعضاءه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أحييته ، وأضاف الروح إلى نفسه تشريفا (١) (فَقَعُوا) خرّوا (لَهُ ساجِدِينَ) إكراما له.

[٧٣ ـ ٧٤] (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ) تكبر (وَكانَ) صار (مِنَ الْكافِرِينَ).

[٧٥] (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) لما توليت خلقته بنفسي (أَسْتَكْبَرْتَ) هل تكبرت عن السجود له (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) بأن كنت في الحقيقة أعلى شأنا منه.

[٧٦] (قالَ) إبليس : بل الشق الثاني (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) من آدم عليه‌السلام لأنك (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) والنار أشرف من الطين.

[٧٧] (قالَ) الله : (فَاخْرُجْ مِنْها) من الجنة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مرجوم مبعد عن رحمة الله.

[٧٨] (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي) طردي وعذابي (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) يوم القيامة ، حيث هناك تدخل النار.

[٧٩] (قالَ) الشيطان : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أمهلني بالحياة (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) يوم القيامة.

[٨٠] (قالَ) الله : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).

[٨١] (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) لعله ظهور الإمام المهدي (عج).

[٨٢] (قالَ) الشيطان (فَبِعِزَّتِكَ) يا رب (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) أضلّ البشر (أَجْمَعِينَ).

[٨٣] (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصتهم لنفسك.

__________________

(١) والمراد : أي روح خلقته.

٤٧٠

[٨٤ ـ ٨٥] (قالَ) الله : (فَالْحَقُ) أي ما أريد أن أذكره من الكلام حق ، وهو أن جهنم مكانكم (وَالْحَقَّ أَقُولُ) تفسير لقوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) من جنس البشر (أَجْمَعِينَ).

[٨٦] (قُلْ) يا رسول الله : (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التبليغ (مِنْ أَجْرٍ) فتنفروا من الهداية لأجل الأجر (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) الذي تكلف ادعاء الرسالة كذبا فتنفروا من الهداية لأجل أني كاذب.

[٨٧] (إِنْ) ما (هُوَ) القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ).

[٨٨] (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ) خبر صدق القرآن (بَعْدَ حِينٍ) أي بعد الموت.

٣٩ : سورة الزمر

مكية آياتها خمس وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) القرآن ، وهذا مبتدأ خبره (مِنَ اللهِ) لا من غيره كما يزعمون (الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمِ) الذي يفعل كل شيء حسب تدبير وإحكام.

[٢] (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) لا بالباطل (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي أخلص الدين والطريقة له تعالى.

[٣] (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) فالواجب إخلاص الدين له (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أصناما يعبدونها ، يقولون في حجتهم لاتخاذ الأصنام : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) أي قربى (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من الدين ، وذلك بإدخال المحق الجنة والمبطل النار (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) إلى الطريق باللطف الخاص ، فإن الإنسان إذا ترك الحق يتركه الله وشأنه حتى يضل (مَنْ هُوَ كاذِبٌ) على الله في اتخاذ الشركاء والولد (كَفَّارٌ) كثير الكفر للنعم.

[٤] (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) كما زعموا (لَاصْطَفى) لاختار للولدية (مِمَّا يَخْلُقُ) من خلقه (ما يَشاءُ) هو ، لا ما يختاره الناس ويسمونه ولدا لله (سُبْحانَهُ) أنزهه تنزيها عن الولد (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) الذي يقهر كل شيء.

[٥] (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لا بالباطل وعبثا (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) أي يطرح بعض الليل على النهار وذلك حين امتداد الليل (وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) وذلك وقت امتداد النهار (وَسَخَّرَ) ذلّل (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) قد سمي ذلك الوقت وهو يوم القيامة ، إذ تبطل حينذاك المنظومة الشمسية (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْغَفَّارُ) لمن تاب وآمن.

٤٧١

[٦] (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) فإن ابتداء الخلق آدم عليه‌السلام (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) فإن حواء خلقت من فضل طينة آدم (وَأَنْزَلَ) خلق بسبب ما أنزل من المطر (لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) الإبل والبقر والضأن والمعز (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) من كلّ ذكرا وأنثى (يَخْلُقُكُمْ) أنتم والحيوانات (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) نطفة فعلقة فمضغة فعظاما فلحما فإنسانا أو حيوانا (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ظلمة الرحم والبطن والمشيمة (ذلِكُمُ) الفاعل لهذه الأشياء (اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) حقيقة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى) إلى أين (تُصْرَفُونَ) يعدل بكم عن التوحيد إلى الإشراك.

[٧] (إِنْ تَكْفُرُوا) فلا يضره كفركم لأجل إن (اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ) أي الشكر (لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) لا تحمل نفس حاملة إثم نفس أخرى بل لكل إنسان جزاء عمله (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ) إلى جزائه (مَرْجِعُكُمْ) مصيركم (فَيُنَبِّئُكُمْ) يخبركم لأجل الجزاء (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشر (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بما أضمرتم في الصدور فكيف بسائر الأعمال الظاهرة.

[٨] (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) أصابه ضرر وبلاء (دَعا رَبَّهُ) ليفرّجه (مُنِيباً) راجعا (إِلَيْهِ) وحده بلا شريك (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) أعطاه (نِعْمَةً مِنْهُ) من عند نفسه بلا شراكة الأصنام له في الإعطاء (نَسِيَ ما) الضر الذي (كانَ يَدْعُوا) الله (إِلَيْهِ) إلى كشفه (مِنْ قَبْلُ) أي حال الضر (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) شركاء (لِيُضِلَ) فإن نتيجة جعل الأنداد الضلال والإضلال ، ولذا صح جعله غاية لجعل الأنداد (عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) مدة حياتك الزائلة ، وهذا تهديد (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) الملازمين لها في الآخرة.

[٩] (أَمَّنْ) (أم) بمعنى بل (هُوَ قانِتٌ) خاضع لله (آناءَ) جمع أنى بمعنى الساعة (اللَّيْلِ) أي في ساعاته (ساجِداً وَقائِماً) في الصلاة (يَحْذَرُ) عذاب (الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) بالفوز بالجنة ، فهل يستوي هذا الإنسان والإنسان الكافر بربه ، والاستفهام للإنكار (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فأولوا العلم هم المؤمنون والجهال هم الكافرون (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أصحاب العقول ، والكافر ليس بصاحب عقل.

[١٠] (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) خافوه فلا تعصوه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي أطاعوا (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) في الآخرة بالجنة (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) فمن لا يتمكن من الإطاعة في أرض فليهاجر إلى أرض أخرى (إِنَّما يُوَفَّى) يعطى (الصَّابِرُونَ) على الطاعة والمحنة (أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) لأنه لا حصر له.

٤٧٢

[١١] (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي أخلص الدين له ، بدون شرك.

[١٢] (وَأُمِرْتُ) بذلك (لِأَنْ) لأجل أن (أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) سابقهم إلى الإسلام فإن السابق له فضل.

[١٣] (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) لعظم أهواله وهو يوم القيامة.

[١٤] (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) أخلص عبادتي له بلا شرك.

[١٥] (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) دون الله ، وهذا تهديد لهم (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) في الحقيقة هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بأن استحق كلهم النار (أَلا ذلِكَ) الخسران (هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) الواضح.

[١٦] (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) أطباق كالظلة (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أطباق هي ظلل للآخرين (ذلِكَ) العذاب هو العذاب الذي (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ) بذلك العذاب (عِبادَهُ يا عِبادِ) عبادي (فَاتَّقُونِ) هذا العذاب.

[١٧] (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) كل ما يعبد من دون الله (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل من (الطاغوت) (وَأَنابُوا) رجعوا (إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) البشارة بالسعادة في الدارين (فَبَشِّرْ عِبادِ) أي عبادي ، وهم :

[١٨] (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) مثلا الأحسن الإتيان بالفريضة والنافلة معا وهكذا (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) إلى سبيل الحق (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) أصحاب العقول.

[١٩] (أَفَمَنْ حَقَ) ثبت (عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) بأن ثبت في حقه قوله تعالى (لأملأن جهنم) (١) والجواب محذوف ، أي لا تتمكن أن تنقذه (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) بالهداية (مَنْ فِي النَّارِ) بأن اختار أن يكون من أهل النار.

[٢٠] (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ) مشرفة على الجنة (مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) أرفع من الأولى (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ) وعدهم الله ذلك وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) ما وعده.

[٢١] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ) أدخله (يَنابِيعَ) مجاري وأعين كائنة (فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ) بذلك الماء (زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) شكلا وطعما ولونا (ثُمَّ يَهِيجُ) ييبس (فَتَراهُ) بعد الخضرة (مُصْفَرًّا) صار أصفر (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) مكسّرا فتاتا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) تذكرة (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أصحاب العقول.

__________________

(١) سورة هود : ١١٩ ، قال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

٤٧٣

[٢٢] (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) وسعه (لِلْإِسْلامِ) وقبول الحق ، وذلك لأنه لما رأى الحق لم يعاند (فَهُوَ عَلى نُورٍ) هداية ويقين (مِنْ) قبل (رَبِّهِ) كمن ليس كذلك (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) بأن قست فلم يدخلها نور الإيمان (مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أي القسوة تظهر من جهة ذكر الله ، إذ لا يدخل الذكر قلوبهم (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) واضح.

[٢٣] (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) أي القرآن فهو أحسن من كل حديث (كِتاباً مُتَشابِهاً) يشبه بعضه بعضا في البلاغة وحسن النظم وقوة الأحكام (مَثانِيَ) يثني على الله (تَقْشَعِرُّ) ترتعد (مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) خوفا (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) لتذكرهم رحمته ولطفه (ذلِكَ) القرآن (هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) ممن قبل الحق ولا يعانده (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) بأن تركه حتى يضل ، لأنه ترك قبول الحق (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديه.

[٢٤] (أَفَمَنْ يَتَّقِي) يتجنب (بِوَجْهِهِ) لأن النار تصل إلى وجهه فكأن وجهه وقاية فإن يده تغل فلا يد له مطلقة تقي وجهه (سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) خير أم من كان منعّما في الجنة (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي وبال أعمالكم التي اكتسبتموها.

[٢٥] (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قبل قومك يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَأَتاهُمُ) جاءهم (الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) بأن العذاب يأتيهم من هذه الجهة.

[٢٦] (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) الذل (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالمسخ وما أشبه (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ) المعدّ لهم (أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لعلموا أن عذاب الآخرة أسوأ.

[٢٧] (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) يحتاج إليه الإنسان في الهداية (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون.

[٢٨] (قُرْآناً) في حال كونه (عَرَبِيًّا) بلغة العرب (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) لا اعوجاج فيه (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الكفر والعصيان.

[٢٩] (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) للموحد والمشرك (رَجُلاً) مملوكا (فِيهِ شُرَكاءُ) سادة له (مُتَشاكِسُونَ) متنازعون في استخدامه (وَرَجُلاً سَلَماً) خالصا (لِرَجُلٍ) سيد واحد (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) والاستفهام للإنكار ، أي لا يستويان مثلا ، فالمؤمن له سيد واحد هو الله ، والكافر جعل لنفسه سادات متعددة وهم كالمتشاكسين إذ الله لا يرضى عن إطاعة المشرك للصنم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إلزامهم الحجة (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن الحمد كله لله.

[٣٠] (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) فالكل سيجزون حسب أعمالهم.

[٣١] (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) تتقاولون حول أنك بلغت وهم لم يقبلوا ، مع علمهم بذلك.

٤٧٤

[٣٢] (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) بنسبة الشريك والولد إليه سبحانه (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) محلا (لِلْكافِرِينَ) وذلك يكفيهم مجازاة لأعمالهم.

[٣٣] (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) بأن نفى الولد والشريك عنه تعالى (وَصَدَّقَ بِهِ) أي صدق بالصدق وهو ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) الذين يتقون الكفر والآثام.

[٣٤] (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) من الثواب (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الآخرة (ذلِكَ) الذي ذكر من أن لهم ما يشاءون (جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ).

[٣٥] (لِيُكَفِّرَ) اللام للعاقبة أو للغرض ، أي إنما جاءوا بالصدق وصدقوا ، ليمحو (اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) أعمالهم السيئة فإنها أسوأ من الأعمال الصالحة ، والتفضيل في هذه المقامات عرفية (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بأحسن جزاء أعمالهم ، إذ للجزاء مراتب.

[٣٦] (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) فلا يضره ما سواه إذا أراد الله كفايته (وَيُخَوِّفُونَكَ) أيها المؤمن (بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) من الأصنام وما أشبه ، يقولون إن اتقيت أصابك الصنم أو الطاغي الفلاني بسوء (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) بأن يتركه حتى يضل إذا عاند الحق (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديه عن ضلالته ، وهذا وصف لمن يخوف الناس من دون الله.

[٣٧] (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) بأن يلطف به ، وهو في طريق الحق (فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) إذ لا يقدر أحد على إضلاله (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) لا يغالب فلا يقدر أحد أن يفعل خلاف إرادة الله (ذِي انْتِقامٍ) ينتقم ممن يضل الناس.

[٣٨] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي المشركين (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لوضوح أن أصنامهم لم يخلقوها (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ) أخبروني (ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام ما حالها؟ (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ) بأن يصيبني مكروه (هَلْ هُنَ) الأصنام (كاشِفاتُ) أي دافعات (ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ) بنفع (هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ) مانعات (رَحْمَتِهِ) ومن المعلوم أنهم يجيبون بالنفي ، إذ لا راد لأمر الله تعالى ، فإذا ما هي فائدة الأصنام والحال أنكم اعترفتم أن الضر والرحمة بيد الله (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) يكفيني فلا أحتاج إلى الأصنام (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) من يريد التوكل.

[٣٩] (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على حالكم ، وهذا تهديد بمعنى أن سترون جزاء عملكم (إِنِّي عامِلٌ) على مكانتي (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).

[٤٠] (مَنْ) مفعول (تعلمون) (يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) يذله (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) دائم.

٤٧٥

[٤١] (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ) لهدايتهم (بِالْحَقِ) لا بالباطل (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) لأن جزاء الهداية يعود لنفسه (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) على ضرر نفسه (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) بحفيظ حتى تكون مسؤولا عن أعمالهم وإنما أنت منذر.

[٤٢] (اللهُ يَتَوَفَّى) يميت (الْأَنْفُسَ) بقبض روحها (حِينَ مَوْتِها) في الوقت المقرر لموت الأنفس (وَ) يتوفى وفاة في الجملة بقبض بعض روحه النفس (الَّتِي لَمْ تَمُتْ) موتا كاملا (فِي مَنامِها) عند المنام فالوفاة الكاملة بيد الله ، كذلك وفاة النوم (فَيُمْسِكُ) الله النفس (الَّتِي قَضى) وحكم الله (عَلَيْهَا الْمَوْتَ) فيمسكها في حالة نومه (وَيُرْسِلُ) إلى البدن ، النفس (الْأُخْرى) التي لم يحكم عليها بالموت (إِلى أَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) قد سمي وهو وقت موتها (إِنَّ فِي ذلِكَ) الموت في اليقظة وفي المنام ، واليقظة بعد النوم (لَآياتٍ) أدلة على وجود الله (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في هذا التدبير العجيب.

[٤٣] (أَمِ) بل (اتَّخَذُوا) أي المشركون (مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (شُفَعاءَ) من الأصنام ، ظنوا أنها تشفعهم عند الله (قُلْ أَ) تتخذونها (وَلَوْ كانُوا) هذه الأصنام (لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً) فلا يملكون الشفاعة (وَلا يَعْقِلُونَ) وكيف يكون من لا يعقل شفيعا.

[٤٤] (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) فإنه إذا أراد شفاعة أحد أذن لنبي أو ولي بشفاعته (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ) إلى جزائه (تُرْجَعُونَ) في الآخرة فالملك والمرجع والشفاعة له ، فما تفعلون بالأصنام.

[٤٥] (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) دون آلهتهم (اشْمَأَزَّتْ) انقبضت ونفرت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي المشركين (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) دون الله من الأصنام (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يفرحون.

[٤٦] (قُلِ) ملتجأ إلى الله داعيا ، إذا عجزت عن إقناعهم (اللهُمَ) يا الله يا (فاطِرَ) خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ) ما غاب عن الحواس (وَالشَّهادَةِ) ما حضر لدى الحواس (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فتعطي جزاء المحق بالثواب والمبطل بالعقاب.

[٤٧] (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والعصيان (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) زيادة عليه ، وهذا لفظ المبالغة ، والمراد كل ما يتصور ولو ألف مثل ما في الأرض (لَافْتَدَوْا بِهِ) أعطوه فدية وبدلا عن أنفسهم لتخليصها (مِنْ سُوءِ الْعَذابِ) العذاب السيئ (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ).

٤٧٦

[٤٨] (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ) أحاط (بِهِمْ ما) جزاء (كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) استهزاؤهم بالدين في دار الدنيا.

[٤٩] (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) وهذا طبيعة الإنسان (ضُرٌّ) أي أصابه ضرر من مرض أو فقر أو ما أشبه (دَعانا) لكشفه (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ) أعطيناه (نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ) أي أعطيت ما خوّلته من النعمة (عَلى عِلْمٍ) فإن علمي بوجوه الطلب سبب مجيء هذه النعمة نحوي (بَلْ هِيَ) النعمة (فِتْنَةٌ) امتحان له أيشكر أم يكفر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن النعم امتحان.

[٥٠] (قَدْ قالَهَا) قال هذه الكلمة وهي (أوتيته على علم) (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كقارون (فَما أَغْنى) ما أفاد (عَنْهُمْ) لدفع العذاب (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أموالهم التي اكتسبوها.

[٥١] (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ) جزاء أعمالهم السيئة (ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) كفار قومك يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) لا يقدرون على تعجيز الله والفرار منه.

[٥٢] (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ) يوسع (الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يضيق لمن يشاء ، فليس البسط من جهة علم الشخص بوجوه الكسب كما يزعمون (إِنَّ فِي ذلِكَ) البسط والقبض (لَآياتٍ) دالة على أن الله هو المعطي والمانع (١) (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فإنهم المنتفعون بالآيات.

[٥٣] (قُلْ) يا رسول الله : إن الله يقول : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بارتكاب الآثام (لا تَقْنَطُوا) لا تيأسوا (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) فإنكم إذا تبتم تاب الله عليكم (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) إذا تاب الإنسان (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) الذي يغفر الذنب (الرَّحِيمُ) بعباده.

[٥٤] (وَأَنِيبُوا) ارجعوا من الشرك والعصيان (إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) بالطاعة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) بالموت أو عذاب الاستئصال (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) لا ينصركم أحد بدفع العذاب عنكم.

[٥٥] (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) بأن اعملوا بالأحسن ، فإذا كان الأحسن صوم شهر رمضان مع الكف عن الكلام الفارغ اتبعوه دون الصوم المجرد الذي هو حسن (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً) فجأة (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) وقت نزوله.

[٥٦] وإنما ننصحكم بهذا ل (أَنْ) لا (تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى) أي أيتها الحسرة والندامة احضري فهذا وقتك (عَلى ما فَرَّطْتُ) قصرت (فِي جَنْبِ اللهِ) في قربه ، وذلك بقرب أحكامه مني وتمكني من استفادتها وإنقاذ نفسي ، ومع ذلك قصرت (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) المستهزئين بدين الله.

__________________

(١) إذ :

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه* وجاهل جاهل تلقاه قد رزقا هذا الذي دل أن الله رازقه* ومن أبى أحمق أو كان زنديقا

٤٧٧

[٥٧] (أَوْ) لئلا (تَقُولَ) نفس (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) بأن أرشدني إلى الطريق (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

[٥٨] (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) رجعة إلى الدنيا (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في العقيدة والعمل.

[٥٩] (بَلى) لا كرة لك (قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ) تكبرت عن الانخراط في سلك المؤمنين (وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ).

[٦٠] (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) فقالوا بأن له شريكا أو ولدا أو ما أشبه (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) أي تراهم في حالة اسوداد الوجوه لما يصيبهم من الشدة والذل ، ويريد الله بهم اسوداد الوجه حتى يعرفوا بما كسبوا في الدنيا (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) مقاما (لِلْمُتَكَبِّرِينَ) أي أن ذلك يكفيهم جزاء.

[٦١] (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والعصيان (بِمَفازَتِهِمْ) بفوزهم أي بسبب أنهم فائزون والفائز ينجو (لا يَمَسُّهُمُ) لا يصيبهم (السُّوءُ) العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

[٦٢] (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) حافظ ومدبر له.

[٦٣] (لَهُ مَقالِيدُ) مفاتيح (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بمعنى مفاتيح خزائنهما فالمطر والأولاد والمناصب وغيرها كلها بيد الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسروا دنياهم وأخراهم.

[٦٤] (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ) كالأصنام (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ).

[٦٥] (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَ) أي يمحى (عَمَلُكَ) الحسن (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).

[٦٦] (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) بلا شريك له (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لنعمه.

[٦٧] (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عظموه حق عظمته حيث عبدوا غيره (وَ) الحال أن كل شيء له وبإرادته ف (الْأَرْضُ جَمِيعاً) جميع الأرضين (قَبْضَتُهُ) أي في يده ، والمراد قدرته عليها (يَوْمَ الْقِيامَةِ) فإذا كان يوم الدين الذي هو أعظم الأيام هكذا فسائر الأيام بطريق أولى (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ) أي مجموعات (بِيَمِينِهِ) بيد قدرته وهذا تصوير للعظمة والقوة ، كأن الأرض في كفه اليسرى والسماوات في يده اليمنى (سُبْحانَهُ) أنزهه عن الشريك (وَتَعالى) ارتفع عن أن يكون له شريك (عَمَّا يُشْرِكُونَ) يضيفون إليه من الشركاء.

٤٧٨

[٦٨] (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) النفخة الأولى قبل القيامة لأجل إماتة الناس جميعا (فَصَعِقَ) مات (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) كجبريل وبعض الملائكة حيث يميتهم الله بأمر آخر (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ) في الصور نفخة (أُخْرى) ثانية للإحياء (فَإِذا هُمْ) أي الناس (قِيامٌ) قائمون من قبورهم (يَنْظُرُونَ) ينتظرون أوامر الله فيهم.

[٦٩] (وَأَشْرَقَتِ) أضاءت (الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) لأن الشمس تكور وإنما ينير الله الأرض للحساب (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي جنس الكتاب الذي فيه أعمال الخلائق (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) جاءوا بهم (وَالشُّهَداءِ) الذين يشهدون على أعمال الناس من الأئمة والملائكة (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين الناس (بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) فلا ينقص من ثواب محسن ولا يزاد في عقاب مسيء.

[٧٠] (وَوُفِّيَتْ) أعطيت جزاء (كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) من خير وشر (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) في الدنيا فلا يفوته شيء هناك.

[٧١] (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ساقهم الملائكة (إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) جماعات جماعات (حَتَّى إِذا جاؤُها) وصلوا إلى جهنم (فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) الموكلون بجهنم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) من جنسكم أيها البشر (يَتْلُونَ) يقرءون (عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ) ملاقات وحضور (يَوْمِكُمْ هذا) أي يوم القيامة (قالُوا بَلى) جاءتنا الرسل (وَلكِنْ حَقَّتْ) ثبتت (كَلِمَةُ الْعَذابِ) أي الكلمة التي قالها الله (لأملأن جهنم) (١) (عَلَى الْكافِرِينَ) وحين كنا معاندين لا ننظر في الحق ولا نعمل به حقت الكلمة علينا.

[٧٢] (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) دائمين في جهنم (فَبِئْسَ) جهنم (مَثْوَى) مقام (الْمُتَكَبِّرِينَ) الذين تكبروا عن قبول الحق.

[٧٣] (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) رأوا مالا يوصف من النعم والمسرات (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ) تكونون في سلامة دائمة (طِبْتُمْ) نفسا ، ولذا (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) دائمين فيها إلى الأبد.

[٧٤] (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) بالبعث والثواب (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) بأن جعل أرض الجنة إرثا لنا (٢) ، أو المراد أورثنا الأرض في الدنيا كما وعد بقوله : (ليستخلفنهم في الأرض) (٣) (نَتَبَوَّأُ) ننزل (مِنَ) قصور (الْجَنَّةِ) وأماكنها (حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) الجنة.

__________________

(١) سورة هود : ١١٩ ، قال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

(٢) لأن الله خلق لكل إنسان مكانا في الجنة ، فلما كفروا تركوا الجنة للمؤمنين.

(٣) سورة النور : ٥٥.

٤٧٩

[٧٥] (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ) محدقين (مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) حيث إن العرش مكان كبير جعله الله محل كرامته وتدبيره (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ينزهون الله حامدين له (وَقُضِيَ) حكم (بَيْنَهُمْ) بين المؤمنين والكافرين (بِالْحَقِ) حيث أدخل المؤمن الجنة ، والكافر النار (وَقِيلَ) القائل المؤمنون والملائكة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على هذه النعم الكثار.

٤٠ : سورة غافر

مكية وآياتها خمس وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (حم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) إنزال القرآن إنما هو (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب (الْعَلِيمِ) العالم بكل شيء.

[٣] (غافِرِ الذَّنْبِ) يغفر ذنوب عباده (وَقابِلِ التَّوْبِ) يقبل التوبة (شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) ذي الفضل والإنعام (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) المرجع ، و(إليه) بمعنى إلى حسابه وجزائه.

[٤] (ما يُجادِلُ) لا يخاصم (فِي آياتِ اللهِ) لدفعها وإبطالها (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله (فَلا يَغْرُرْكَ) لا يخدعك حتى تظن أن الكفار بيدهم كل شيء وأنهم السادة والقادة لما ترى من (تَقَلُّبُهُمْ) مجيئهم وذهابهم وحركتهم في مختلف الشؤون (فِي الْبِلادِ) بلاد العالم ، فإنه مهلة قصيرة وهي استدراج وليس بتكريم.

[٥] (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ) الذين تحزبوا على الرسل (مِنْ بَعْدِهِمْ) بعد قوم نوح عليه‌السلام كأمة صالح وهود وموسى وعيسى ولوط وغيرهم (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ) من هؤلاء (بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) بتعذيبه وإهلاكه (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ) بما لا حقيقة له (لِيُدْحِضُوا) ليزيلوا (بِهِ) بباطلهم (الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ) جزاء لأعمالهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) أي عقابي ، ألم يكن شديدا أليما.

[٦] (وَكَذلِكَ) هكذا (حَقَّتْ) ثبتت (كَلِمَةُ رَبِّكَ) وعيده بالعقاب (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ) بدل (كلمة) (أَصْحابُ النَّارِ).

[٧] (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) وهم ملائكة عظام وضعوا العرش على أكتافهم (وَمَنْ حَوْلَهُ) من حول العرش من سائر الملائكة (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ينزهونه حامدين له (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) يطلبون من الله غفران زلات المؤمنين بهذه العبارة : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) عن الكفر والعصيان (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) الذي دعوت إليه وهو الإسلام (وَقِهِمْ) احفظهم من (عَذابَ الْجَحِيمِ) جهنم.

٤٨٠