تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٢٧ ـ ٢٨] (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) بأن قالوا إن الملائكة بنات الله (وَما لَهُمْ بِهِ) بما يقولون (مِنْ عِلْمٍ إِنْ) ما (يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) فإنهم يظنون ذلك تقليدا لآبائهم (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) فإن الحق إنما يحصل بالعلم.

[٢٩ ـ ٣٠] (فَأَعْرِضْ) لا تهتم (عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) بأن كان عمله للدنيا فقط فإنه لا أهمية له. (ذلِكَ) أمر الدنيا فقط (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) فإن علمهم لا يتجاوز منها إلى الآخرة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) فيجازي كلا حسب عمله وإنما عليك أنت البلاغ فقط.

[٣١ ـ ٣٢] (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ) علة ل (أعرض) أي أعرض عنهم بعلة أن الله هو المجزي ولست أنت مجزيا والجمل في الوسط من صلة المعلول ولذا قدمت على العلة (الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) بعقاب أعمالهم (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) أي بالمثوبة الحسنة وهي الجنة. (الَّذِينَ) صفة (الذين أحسنوا) (يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) ما كبر من الآثام كالشرك (وَالْفَواحِشَ) ما تعدى عن الحدّ في القبح كالزنا (إِلَّا اللَّمَمَ) ما ألم به الإنسان في حياته من غير قصد وعمد ، وهو ما يقع فيه الإنسان غالبا من الصغائر فإن الضعف البشري يسبب ذلك في غير من له ملكة قوية (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) غفرانه يسع مرتكبي اللمم (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) بضعفكم ولذا يغفر اللمم لكم (إِذْ) حين (أَنْشَأَكُمْ) ابتدأ خلقكم (مِنَ الْأَرْضِ) فإن الإنسان كان أرضا فنباتا فدما فنطفة (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) جمع جنين ، الطفل في بطن الأم ، فهو يعلم ضعفكم من أول الأمر (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) لا تمدحوها فإن الإنسان معرض للخطأ ومن هو كذلك لا يستحق المدح (هُوَ) الله (أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) الكفر والمعاصي.

[٣٣ ـ ٣٥] (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) أعرض عن الحق. (وَأَعْطى قَلِيلاً) في سبيل الخير (وَأَكْدى) قطع العطاء. (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) ما غاب عن الحواس من أمر الآخرة (فَهُوَ يَرى) أن ما أعطاه قبل ويكفيه في الآخرة ولذا قطع عطاءه.

[٣٦] (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) يخبر (بِما فِي صُحُفِ مُوسى) أي في التوراة ، والاستفهام للإنكار.

[٣٧] (وَ) صحف (إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) بما أمر به من تبليغ الأحكام والصبر على المكاره.

[٣٨ ـ ٣٩] فإن في تلك الصحف : (أَلَّا) أن لا (تَزِرُ) تحمل (وازِرَةٌ) نفس حاملة (وِزْرَ أُخْرى) حمل إنسان آخر ، بل (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (١) ، فلا يحمل ذنب هذا الغني البخيل أحد غيره ، مما يقتضي أن يكثر من الإعطاء لعله يكون سببا لمحو ذنبه. (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) إلا سعي نفسه ، فله سعيه وعليه وزره.

[٤٠ ـ ٤١] (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) في الآخرة يراه الناس. (ثُمَّ يُجْزاهُ) أي يجزى الإنسان سعيه ، بمعنى يعطى جزاء سعيه (الْجَزاءَ الْأَوْفى) ما يستحقه وأكثر لأن (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢).

[٤٢ ـ ٤٤] (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) أي انتهاء الخلائق في الحساب إليه تعالى ، فإن هذه الأمور المذكورة والآتية توجب أن يعمل الإنسان كثيرا. (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) فعل أسبابهما. (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) الإنسان من التراب.

__________________

(١) سورة الطور : ٢١.

(٢) سورة الأنعام : ١٦٠.

٥٤١

[٤٥] (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى).

[٤٦] (مِنْ نُطْفَةٍ) المني (إِذا تُمْنى) تدفق في الرحم.

[٤٧] (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) البعث.

[٤٨ ـ ٤٩] (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى) الإنسان بالمال (وَأَقْنى) أعطى القنية أي أصول المال. (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) هو نجم في السماء كان بعض الجاهليين يعبدونه.

[٥٠ ـ ٥١] (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً) قوم هود عليه‌السلام (الْأُولى) فإن من نسلهم كان عاد أخرى. (وَ) أهلك (ثَمُودَ) قوم صالح عليه‌السلام (فَما أَبْقى) أحدا من الفريقين.

[٥٢ ـ ٥٣] (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) قبل عاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ) أكثر ظلما (وَأَطْغى) أكثر طغيانا من عاد وثمود. (وَ) أهلك (الْمُؤْتَفِكَةَ) أي القرى المنقلبة وهي قرى لوط عليه‌السلام (أَهْوى) أسقطها مقلوبة بعد أن أمر جبرئيل برفعها.

[٥٤] (فَغَشَّاها) فغطى الله تلك القرى (ما غَشَّى) للتهويل ، والمراد به الحجارة التي أمطرت عليهم.

[٥٥] (فَبِأَيِّ آلاءِ) نعم (رَبِّكَ تَتَمارى) تشكّك أيها السامع : نعمة الخلق والإعطاء والإضحاك وعدم التعذيب كما عذب السابقين ، ولما ذا لا تؤمن مع هذه النعم.

[٥٦ ـ ٥٧] (هذا) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (نَذِيرٌ) مخوف عن الله (مِنَ النُّذُرِ) أي من جنسهم (الْأُولى) فإن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جنس الأنبياء المنذرين. (أَزِفَتِ) اقتربت (الْآزِفَةُ) الساعة وتسمى آزفة لاقترابها.

[٥٨] (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ) غيره (كاشِفَةٌ) نفس تكشفها وتأتي بها.

[٥٩] (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) القرآن (تَعْجَبُونَ) والحال أنه ليس موردا للتعجب.

[٦٠ ـ ٦١] (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء (وَلا تَبْكُونَ) خوفا من الوعيد. (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) غافلون ساهون.

[٦٢] (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) ولا تعبدوا غيره.

٥٤ : سورة القمر

مكية آياتها خمس وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (اقْتَرَبَتِ) دنت (السَّاعَةُ) القيامة (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) نصفين فقد سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علامة على نبوته فشق لهم القمر.

[٢] (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً) معجزة (يُعْرِضُوا) عن تأمّلها والإيمان بها (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) دائم ففي كل معجزة يقولون هذا الكلام.

[٣] (وَكَذَّبُوا) بالآيات (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) في أمورهم (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) له قرار ، وهذا تهديد لهم بأن تكذيبهم سوف يستقر على ما لا يحمد.

[٤] (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي الكفار (مِنَ الْأَنْباءِ) أخبار هلاك الأمم السابقة (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) زجر لهم لو أرادوا التنبّه.

[٥] (حِكْمَةٌ) هي تلك الأنباء (بالِغَةٌ) قد بلغتهم (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) أي لم يفدهم الإنذار الصادر من النذر ـ جمع نذير ـ.

[٦] (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أعرض عنهم ولا تقابلهم على سفههم (يَوْمَ) مفعول فعل مقدر ، دل عليه قوله (فتول) ، أي انتظر عاقبة أمرهم يوم (يَدْعُ الدَّاعِ) هو إسرافيل حين ينفخ في البوق (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) منكر للنفوس وهو الحساب.

٥٤٢

[٧] فتراهم (خُشَّعاً) خاشعة ذليلة (أَبْصارُهُمْ) فإن الذل يظهر على البصر (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) القبور (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) في الكثرة والتفرق والاضطراب في الاتجاه.

[٨] (مُهْطِعِينَ) مسرعين في المشي (إِلَى) إجابة (الدَّاعِ) خوفا من أن يكون تأخيرهم جرما (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) صعب.

[٩] (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل قومك (قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) نوحا عليه‌السلام (وَقالُوا مَجْنُونٌ) هو (وَازْدُجِرَ) زجروه بالضرب وغيره حتى يكف عن تبليغهم.

[١٠] (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي) بأني (مَغْلُوبٌ) غلبني قومي (فَانْتَصِرْ) فانتقم لي يا رب منهم.

[١١] (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) مجاري المطر ، وسمي بابا مجازا (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) منصب بشدة.

[١٢ ـ ١٣] (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ) أي نوحا عليه‌السلام (عَلى) سفينة (ذاتِ أَلْواحٍ) خشبية (وَدُسُرٍ) جمع دسار وهو المسمار.

[١٤] (تَجْرِي) السفينة في الماء (بِأَعْيُنِنا) أي بمرأى منا محفوظة بحفظنا ، فعلنا ذلك (جَزاءً) حسنا (لِمَنْ) لنوح عليه‌السلام الذي (كانَ كُفِرَ) كفر به قومه.

[١٥] (وَلَقَدْ تَرَكْناها) أي جعلنا قصة نوح عليه‌السلام (آيَةً) عبرة يعتبر بها الناس (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) معتبر أي هل يوجد من يعتبر بهذه الآية.

[١٦] (فَكَيْفَ) استفهام للتعظيم والتهويل (كانَ عَذابِي) لقوم نوح عليه‌السلام (وَنُذُرِ) أي نذري.

[١٧] (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا) سهلنا (الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) لأن يتذكر به كل أحد (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فهل من متعظ يتعظ بالقرآن.

[١٨] (كَذَّبَتْ عادٌ) رسولهم هودا عليه‌السلام (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) إنذاري لهم هل وفيت بما قلت أم لا.

[١٩] (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) شديد البرودة (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) شؤم عليهم (مُسْتَمِرٍّ) استمر شؤمه لأنهم لم يرجعوا إلى حال حسن بعدها بل عذابهم استمر إلى الأبد.

[٢٠] (تَنْزِعُ) تلك الريح (النَّاسَ) من أماكنهم وتضرب بهم الأرض بشدة (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) أصول (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) منقطع حيث لا حياة لها.

[٢١ ـ ٢٢] (فَكَيْفَ) كرّر للتهويل (كانَ عَذابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متعظ.

[٢٣] (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) قوم صالح عليه‌السلام (بِالنُّذُرِ) بالإنذارات ، أو بالرسل ، لأن تكذيب رسول واحد تكذيب لكل الرسل.

[٢٤] (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا) من جنسنا (واحِداً) منفردا (نَتَّبِعُهُ) هذا لا يكون (إِنَّا إِذاً) إن اتبعناه (لَفِي ضَلالٍ) انحراف (وَسُعُرٍ) جنون.

[٢٥] (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ) الوحي (عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) ولم ينزل على غيره كيف يكون هذا (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ) في ادعائه الرسالة (أَشِرٌ) متكبر يريد استعلاء.

[٢٦] (سَيَعْلَمُونَ) أي ثمود (غَداً) عند نزول العذاب ، وهذا حكاية حال ماضية (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) المتكبر ، صالح عليه‌السلام أم هم.

[٢٧] (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) مخرجوها من الجبل (فِتْنَةً) امتحانا (لَهُمْ) لأنهم طلبوا هذه المعجزة (فَارْتَقِبْهُمْ) راقبهم يا صالح عليه‌السلام ماذا يفعلون (وَاصْطَبِرْ) على ما أمرك ربك وعلى أذاهم.

٥٤٣

[٢٨] (وَنَبِّئْهُمْ) أخبرهم (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) فيوم لهم ويوم لها (كُلُّ شِرْبٍ) نصيب من الماء (مُحْتَضَرٌ) يحضره صاحبه ، في يومه المقرر له.

[٢٩] (فَنادَوْا) أي ثمود (صاحِبَهُمْ) صديقهم لأجل أن يعقر الناقة (فَتَعاطى) أي أخذ السلاح (فَعَقَرَ) جرح الناقة.

[٣٠ ـ ٣١] (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بهم جبرئيل عليه‌السلام (فَكانُوا) صاروا بسبب الصيحة (كَهَشِيمِ) كالحشيش اليابس (الْمُحْتَظِرِ) الذي يجمعه من يبني الحظيرة لأجل سدّ فرجها ، فإنه لا يعتني بالهشيم كيف ما كسر ووضع.

[٣٢] (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متعظ.

[٣٣] (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) بالإنذارات ، أو بالرسل.

[٣٤] (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) ريحا رمتهم بالحصباء أي الحجارة (إِلَّا آلَ لُوطٍ) لوط عليه‌السلام وأهل بيته (نَجَّيْناهُمْ) أمرناهم بالخروج من القرية (بِسَحَرٍ) قبل نزول العذاب.

[٣٥] (نِعْمَةً) إنعاما لآل لوط عليه‌السلام (مِنْ عِنْدِنا) بإهلاك الكفار المؤذين له ونجاته (كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) عمل الشكر قلبا ولسانا وأعضاء.

[٣٦] (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) خوفهم لوط عليه‌السلام (بَطْشَتَنا) أخذنا بالعذاب (فَتَمارَوْا) شكوا وكذبوا (بِالنُّذُرِ) بالإنذارات.

[٣٧] (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) حيث جاءت الملائكة في صور جميلة إلى لوط عليه‌السلام فراودهم القوم يريدون اللواط بهم (فَطَمَسْنا) محونا (أَعْيُنَهُمْ) لأنهم لما رأوا الضيوف هجموا على بيت لوط عليه‌السلام ، فأشار إليهم جبرئيل فعميت عيونهم فتراجعوا عميانا ذاهلين فقيل لهم ذوقوا (عَذابِي وَنُذُرِ) إنذاراتي أي العذاب المترتب على الإنذار.

[٣٨] (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ) أتاهم صباحا (بُكْرَةً) أول الصبح (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) استقر عليهم إلى الأبد.

[٣٩ ـ ٤٠] (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متعظ.

[٤١ ـ ٤٢] (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآياتِنا) المعاجز التسع (كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ) لا يغالب (مُقْتَدِرٍ) قادر على ما يريد.

[٤٣] (أَكُفَّارُكُمْ) يا معشر قريش (خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) أحسن من الأمم السابقة ، حتى لا يأخذكم العذاب (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ) من العذاب (فِي الزُّبُرِ) الكتب السابقة بأن من كفر منكم لا يأخذه العذاب.

[٤٤] (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ) جماعة (مُنْتَصِرٌ) ننتصر ممن يريد بنا سوء فندفع العذاب عن أنفسنا.

[٤٥] (سَيُهْزَمُ) يفر (الْجَمْعُ) جماعتكم إذا جاء العذاب ولا ينصركم أحد (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فإن الإنسان المنهزم يعطي ظهره عند الفرار.

[٤٦] (بَلِ السَّاعَةُ) القيامة (مَوْعِدُهُمْ) وقت عذابهم الشديد (وَالسَّاعَةُ أَدْهى) أفضع (وَأَمَرُّ) أكثر مرارة من عذاب الدنيا.

[٤٧] (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) عن الحق (وَسُعُرٍ) جنون.

[٤٨] (يَوْمَ) مفعول (ذوقوا) (يُسْحَبُونَ) يجرّون (فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) فإنه أشد نكاية ويقال لهم : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) ألم إصابة النار.

[٤٩] (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) بمقدار وميزان ، فعذابهم بقدر إنكارهم وعنادهم.

٥٤٤

[٥٠] (وَما أَمْرُنا) بمجيء الساعة (إِلَّا) كلمة (واحِدَةٌ) هي كلمة (كن) (كَلَمْحٍ) حركة (بِالْبَصَرِ) في السرعة والسهولة.

[٥١] (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أشباهكم في الكفر من الأمم السابقة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متذكر متعظ بأحوال الأمم السابقة.

[٥٢] (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ) جميع أعمالهم (فِي الزُّبُرِ) صحف الحفظة ، فنجازيهم عليها.

[٥٣] (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من أعمالهم (مُسْتَطَرٌ) مسطور مكتوب.

[٥٤] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) أنهار الجنة.

[٥٥] (فِي مَقْعَدِ) مكان (صِدْقٍ) حق لا أذى فيه ولا مكروه (عِنْدَ مَلِيكٍ) ملك عظيم السلطان (مُقْتَدِرٍ) قادر على كل شيء.

٥٥ : سورة الرحمن

مدنية آياتها ثمان وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) وفيه ما يستقيم به أمر الدنيا والآخرة.

[٣] (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي جنسه.

[٤] (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ما يفهم الغير بما في ضميره.

[٥] (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) يجريان بحساب مضبوط ، مصدر حسب يحسب.

[٦] (وَالنَّجْمُ) في السماء (وَالشَّجَرُ) في الأرض (يَسْجُدانِ) ينقادان لأوامره تعالى ، أو المراد بالنجم ما لا ساق له وبالشجر ما له ساق.

[٧] (وَالسَّماءَ رَفَعَها) خلقها مرفوعة (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) العدل في كل شيء ، والوضع عبارة عن تقريره وجعله وإرشاد الناس إليه.

[٨] وإنما وضع الميزان ل (أَلَّا تَطْغَوْا) تجوروا (فِي الْمِيزانِ) في وزن الأشياء.

[٩] (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) لا تنقصوه بل أعطوا حق من يوزن له.

[١٠] (وَالْأَرْضَ وَضَعَها) خلقها (لِلْأَنامِ) للناس.

[١١] (فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) جمع كم أي أوعية التمر.

[١٢] (وَالْحَبُ) كالحنطة (ذُو الْعَصْفِ) ورق الزرع اليابس كالتبن (وَالرَّيْحانُ) أي الرزق ، وهو ما يؤكل من الحب.

[١٣] (فَبِأَيِّ آلاءِ) نعماء (رَبِّكُما) أيها الإنس والجن (تُكَذِّبانِ) بأن تقولا إنها ليست من آلاء الله ، وكررت هذه الآية للتركيز.

[١٤] (خَلَقَ) الله (الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ) الطين اليابس (كَالْفَخَّارِ) الخزف.

[١٥ ـ ١٦] (وَخَلَقَ الْجَانَ) أبا الجن (مِنْ مارِجٍ) لهب صاف من الدخان (مِنْ نارٍ) بيان ل (مارج) (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

٥٤٥

[١٧ ـ ١٨] (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ) مشرق الشتاء والصيف (وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) كذلك. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[١٩] (مَرَجَ) أرسل (الْبَحْرَيْنِ) بحر الماء العذب الموجود تحت الأرض والماء المالح وهي بحار الدنيا (يَلْتَقِيانِ) لقرب أحدهما بالآخر في الأرض.

[٢٠ ـ ٢١] (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) فاصل من طبقات الأرض (لا يَبْغِيانِ) لا يبغي أحدهما على الآخر فيمازجه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٢٢ ـ ٢٣] (يَخْرُجُ مِنْهُمَا) أي من البحرين ، فإن الخارج من أحدهما خارج من هذا المجموع (اللُّؤْلُؤُ) الدر (وَالْمَرْجانُ) الخرز الحمر. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٢٤ ـ ٢٥] (وَلَهُ) لله تعالى (الْجَوارِ) أي السفن ، جمع جارية (الْمُنْشَآتُ) التي أنشئت وصنعت (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) كالجبال. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٢٦] (كُلُّ مَنْ عَلَيْها) على الأرض (فانٍ) يفنى.

[٢٧ ـ ٢٨] (وَيَبْقى وَجْهُ) ذات (رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ) يجل عن النقائص (وَالْإِكْرامِ) يكرم لما فيه من صفات الكمال (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٢٩ ـ ٣٠] (يَسْئَلُهُ) يطلب من الله تعالى حوائجه كل (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من ذوي العقول وغيرهم لاحتياج الكل إليه (كُلَّ يَوْمٍ) وقت (هُوَ) الله (فِي شَأْنٍ) من إحياء وإماتة وإيجاد وإعدام وهكذا (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣١ ـ ٣٢] (سَنَفْرُغُ) من أعمال الدنيا (لَكُمْ) أيها الخلق ، أي لحسابكم (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) الجن والإنس (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣٣ ـ ٣٤] (يا مَعْشَرَ) جماعة (الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) في يوم القيامة ، لأجل الفرار من الحساب (أَنْ تَنْفُذُوا) تخرجوا (مِنْ أَقْطارِ) نواحي (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) اخرجوا واهربوا (لا تَنْفُذُونَ) لا تستطيعون النفوذ (إِلَّا بِسُلْطانٍ) بحجة ، بأن تتموا الحساب ثم تذهبون إلى الجنة أو النار. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣٥ ـ ٣٦] (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) أي الجن والإنس (شُواظٌ) لهب (مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) صفر مذاب (فَلا تَنْتَصِرانِ) لا ينصركم أحد بدفع العذاب عنكم. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣٧ ـ ٣٨] (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) بأن انهدم نظام الكواكب (فَكانَتْ وَرْدَةً) حمراء كالوردة (كَالدِّهانِ) كالأديم الأحمر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣٩ ـ ٤٠] (فَيَوْمَئِذٍ) يوم القيامة ، جواب (فإذا) ، وأصل يومئذ : يوم إذ كان كذا (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) أي ذنب المذنب (إِنْسٌ وَلا جَانٌ) بل كل أحد هو المسؤول عن ذنبه ، لا أن أحدا غيره يسأل عن ذنبه ، أو المراد أن المجرم لا يسأل عن إجرامه لأنه (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) ، وهذا لا ينافي السؤال لأن مواقف القيامة مختلفة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

٥٤٦

[٤١ ـ ٤٢] (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) بعلامتهم الظاهرة من الكآبة (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي) جمع ناصية مقدم الرأس (وَالْأَقْدامِ) فيؤخذ الملائكة هذين الموضعين لغرض رميهم في النار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٤٣] ويقال لهم (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) حيث كانوا يقولون لا وجود لها.

[٤٤ ـ ٤٥] (يَطُوفُونَ) يسعون (بَيْنَها) بين محلهم في جهنم (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) ماء حار متناه في الحرارة ، لأجل أن يشربوه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٤٦ ـ ٤٧] (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) المحل الذي يقوم فيه حكم الله ـ أي القيامة ـ (جَنَّتانِ) جنة للعقيدة الصحيحة وجنة للعمل الصالح (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٤٨ ـ ٤٩] (ذَواتا) صاحبتا (أَفْنانٍ) أنواع من الشجر ، جمع فن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٠ ـ ٥١] (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) عين من لبن وعين من خمر ـ مثلا ـ أو ما أشبه ذلك (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٢ ـ ٥٣] (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) صنفان كبير وصغير ـ مثلا ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٤ ـ ٥٥] (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ) جمع فراش (بَطائِنُها) البطانة مقابل الظهارة (مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) الحرير الغليظ ، ولعله إشارة إلى نوع من البرد الموجود هناك فيحتاجون إلى الدفء (وَجَنَى) ثمر (الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) قريب يناله القاعد والنائم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٦ ـ ٥٧] (فِيهِنَ) في قصور تلك الجنان (قاصِراتُ الطَّرْفِ) نساء قصرت أعينهن إلى أزواجهن (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) لم يجامعهن (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) فهن باكرات ، من حور الجنة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٨ ـ ٥٩] (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ) من الحمرة الحسنة (وَالْمَرْجانُ) صغار اللؤلؤ ، بياضا وصفاء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٠ ـ ٦١] (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ) في العقيدة والعمل (إِلَّا الْإِحْسانُ) في الآخرة بالثواب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٢ ـ ٦٣] (وَمِنْ دُونِهِما) دون الجنتين المذكورتين لمن خاف مقام ربه من المتقين (جَنَّتانِ) لأصحاب اليمين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٤ ـ ٦٥] (مُدْهامَّتانِ) خضراوان تضربان إلى السواد لشدة الخضرة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٦ ـ ٦٧] (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) فوارتان بالماء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

٥٤٧

[٦٨ ـ ٧١] (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِنَ) ـ أي في تلك الجنان ـ باعتبار محلاتها المختلفة ـ نساء (خَيْراتٌ) في الأخلاق (حِسانٌ) الوجوه والأبدان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٧٢ ـ ٧٣] (حُورٌ) بدل (خيرات) (مَقْصُوراتٌ) مخدرات (فِي الْخِيامِ) فإن لهؤلاء خيام وللأولين قصور (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٧٤ ـ ٧٧] (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ) جمع رفرفة هي المخدة (خُضْرٍ) جمع خضراء (وَعَبْقَرِيٍ) جمع عبقرية : ثوب موشاة (حِسانٍ) حسنة جميلة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٧٨] (تَبارَكَ) تعالى (اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ) المنزه عن كل نقص (وَالْإِكْرامِ) الحائز لكل كمال.

٥٦ : سورة الواقعة

مكية آياتها ست وتسعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) قامت القيامة.

[٢] (لَيْسَ لِوَقْعَتِها) حين تقع نفس (كاذِبَةٌ) كما يكذب الكفار بها في الدنيا.

[٣] (خافِضَةٌ) تخفض قوما بإدخالهم النار (رافِعَةٌ) ترفع قوما بإدخالهم الجنة.

[٤] وإنما تقوم القيامة (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ) حرّكت الأرض (رَجًّا) حركة شديدة.

[٥] (وَبُسَّتِ) سيّرت عن أماكنها (الْجِبالُ بَسًّا).

[٦] (فَكانَتْ) فصارت الجبال (هَباءً) غبارا (مُنْبَثًّا) متفرقا منتشرا.

[٧] (وَكُنْتُمْ) أيها البشر (أَزْواجاً) أصنافا (ثَلاثَةً).

[٨] (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) تعجب من حالهم الحسن.

[٩] (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) الذين يؤتون صحائفهم بشمالهم (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) تعجب من حالهم السيئ.

[١٠] (وَالسَّابِقُونَ) الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بمجرد ما يظهر لهم ذلك (السَّابِقُونَ) الذين عرفت حالهم.

[١١] (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) إلى الله تعالى قرب شرف ومنزلة.

[١٢] (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ذات النعمة.

[١٣] (ثُلَّةٌ) جماعة كثيرة (مِنَ الْأَوَّلِينَ) أمم الأنبياء السابقين.

[١٤] (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من هذه الأمة ، وذلك لكثرة الأنبياء السابقين فكان المؤمنون بهم ابتداء أكثر.

[١٥] وهم (عَلى سُرُرٍ) جمع سرير (مَوْضُونَةٍ) منسوجة بالذهب مشبكة بالدر والجوهر.

[١٦] (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) يقابل بعضهم بعضا للتنعم بالنظر إلى الأحباب والحديث معهم.

٥٤٨

[١٧] (يَطُوفُ) يسعى من هذا إلى ذاك وهكذا (عَلَيْهِمْ) للخدمة (وِلْدانٌ) جمع وليد ، ملائكة صغار في الصورة (مُخَلَّدُونَ) دائمون في الجنة في صورة ولدان.

[١٨] (بِأَكْوابٍ) جمع كوب إناء لا عروة له ولا خرطوم (وَأَبارِيقَ) جمع إبريق ما له ذلك (وَكَأْسٍ) الجام (مِنْ مَعِينٍ) نهر جار من العيون الخمرية.

[١٩] (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) لا يحصل لهم من الخمر صداع ، كما في خمر الدنيا (وَلا يُنْزِفُونَ) لا تذهب عقولهم من الخمر.

[٢٠] (وَ) ب (فاكِهَةٍ) الثمار (مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) يشتهون ويختارون.

[٢١] (وَلَحْمِ طَيْرٍ) مشوي (مِمَّا يَشْتَهُونَ).

[٢٢] (وَحُورٌ) عطف على (ولدان) (عِينٌ) واسعات العيون.

[٢٣] (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) المصون الذي بقي على بياضه وصفائه.

[٢٤] يعطون ذلك (جَزاءً) بمقابل ما (كانُوا يَعْمَلُونَ).

[٢٥] (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) باطلا (وَلا تَأْثِيماً) نسبة إلى الأثيم فلا يقال لأحدهم قد أثمت وأذنبت.

[٢٦ ـ ٢٨] (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) أي يسلّم بعضهم على بعض. (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ) شجر النبق (مَخْضُودٍ) قد خضد وقطع شوكه.

[٢٩] (وَطَلْحٍ) شجر الموز (مَنْضُودٍ) قد نضّد بعضه على بعض.

[٣٠ ـ ٣١] (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) منبسط دائم. (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) جار أبدا.

[٣٢ ـ ٣٣] (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ) في وقت من الأوقات بل هي دائمة (وَلا مَمْنُوعَةٍ) لا تمنع عمن يطلبها.

[٣٤ ـ ٣٥] (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي النساء المرفوعات القدر. (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَ) خلقنا تلك النساء (إِنْشاءً).

[٣٦] (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) لم يمسهن قبل أهل الجنة أحد.

[٣٧ ـ ٣٨] (عُرُباً) متحببات إلى أزواجهن (أَتْراباً) مثل أزواجهن في السن. هذه النعم (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ).

[٣٩ ـ ٤٠] (ثُلَّةٌ) أي أصحاب اليمين هم جماعة كثيرة (مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ).

[٤١ ـ ٤٣] (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ) نار تنفذ إلى المسام أي منافذ البدن (وَحَمِيمٍ) ماء متناه في الحرارة. (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) دخان أسود مما يوجب ظلمة وحرارة ووساخة وضيق نفس.

[٤٤] (لا بارِدٍ) كسائر الظلال (وَلا كَرِيمٍ) لا يكرم من فيه.

[٤٥] (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) في الدنيا (مُتْرَفِينَ) منعمين قد ألهتهم النعمة.

[٤٦] (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ) الذنب (الْعَظِيمِ) أي الشرك لأنه حنث لما أودع فيهم من الفطرة.

[٤٧] (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) صارت لحومنا ترابا (وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) في الآخرة ، على نحو استفهام الإنكار.

[٤٨] (أَوَ) يبعث (آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) ممن قد مات سابقا.

[٤٩ ـ ٥٠] (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ) يجمعهم الله (إِلى) أن ينتهي بهم في (مِيقاتِ) وقت (يَوْمٍ مَعْلُومٍ) هو يوم المحشر.

٥٤٩

[٥١] (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ) المنحرفون عن الطريق (الْمُكَذِّبُونَ) بالبعث.

[٥٢] (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) شديد المرارة.

[٥٣] (فَمالِؤُنَ) تملئون من كثرة جوعكم (مِنْهَا) من تلك الشجرة (الْبُطُونَ).

[٥٤] (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ) على أكل الزقوم (مِنَ الْحَمِيمِ) الماء البالغ في الحرارة.

[٥٥] (فَشارِبُونَ شُرْبَ) مثل شرب (الْهِيمِ) الإبل العطاش فإنهم مع شدة حرارة الماء يشربون منه كثيرا.

[٥٦] (هذا نُزُلُهُمْ) ما هيّئ لهم (يَوْمَ الدِّينِ) يوم الجزاء.

[٥٧] (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) فهلا صدقتم بالبعث مع أنكم علمتم بالخلق الأول ، وأن الله القادر على الأول قادر على الأخير.

[٥٨] (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) ما تقذفونه في الأرحام من النطف.

[٥٩] (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) تجعلونه بشرا (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ).

[٦٠] (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) كما قدرنا خلقكم ، فكل من الحياة والموت منا (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) بأن تسبقونا حتى لا نقدر عليكم.

[٦١] بل نقدر (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) أي نبدلكم بأمثالكم بأن نفنيكم ونوجد آخرين (وَنُنْشِئَكُمْ) نخلقكم (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) من الصور كالقرد والخنزير.

[٦٢] (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) أي خلقناكم أولا (فَلَوْ لا) فهلا (تَذَكَّرُونَ) تتعظون.

[٦٣] (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) تزرعون حبته.

[٦٤] (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) تنبتونه (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) فإن الله ينبت النبات.

[٦٥] (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ) أي النبات (حُطاماً) هشيما متكسرا (فَظَلْتُمْ) صرتم (تَفَكَّهُونَ) تتكلمون متعجبين من أنه كيف صار حطاما قائلين :

[٦٦] (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) ملزمون غرامة ما ألزمنا.

[٦٧] (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) عن الرزق ـ لا مجرد الغرم فقط ـ.

[٦٨ ـ ٦٩] (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) السحاب (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ).

[٧٠] (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) مالحا (فَلَوْ لا) فهلا (تَشْكُرُونَ) هذه النعم.

[٧١] (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) تخرجونها من القدح.

[٧٢] (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) التي منها النار (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) الخالقون.

[٧٣] (نَحْنُ جَعَلْناها) النار (تَذْكِرَةً) مذكرة بأمر الآخرة (وَمَتاعاً) منفعة (لِلْمُقْوِينَ) لنازلي القواء أي الصحراء.

[٧٤] (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي نزّهه بذكر اسمه.

[٧٥] (فَلا) لا زائدة للتأكيد ، أو المراد الإشارة إلى الحلف بدون أن يحلف (أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) بمحلها من السماء.

[٧٦] (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ) حقيقتها لعلمتم أنه (عَظِيمٌ) فقد ذكر علماء الفلك أن الشمس أكبر من الأرض مليونا وثلاثمائة ألف مرة ، وأن بعض النجوم العادية أكبر من الشمس ستين مليون مرة.

٥٥٠

[٧٧] (إِنَّهُ) هذا القرآن (لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) ذو كرامة.

[٧٨] (فِي كِتابٍ) في اللوح المحفوظ (مَكْنُونٍ) مصون لا تمسه يد التغيير.

[٧٩] (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) من الملائكة ، أو من تطهر عن الحدث من البشر.

[٨٠] هو (تَنْزِيلٌ) إنزال (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[٨١] (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) القرآن (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) متهاونون مجاملون.

[٨٢] (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) أي بدل أن تشكروا الرازق (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) بالله وآياته ، والاستفهام للإنكار والتوبيخ.

[٨٣] (فَلَوْ لا) فهلا ـ إن زعمتم أنه لا رب لكم ـ (إِذا بَلَغَتِ) النفس (الْحُلْقُومَ) وقت نزع الروح.

[٨٤] (وَأَنْتُمْ) أيها الحاضرون عند المحتضر (حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) إلى حاله.

[٨٥] (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) إلى المحتضر (مِنْكُمْ) علما وقدرة (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) أنتم ذلك.

[٨٦] (فَلَوْ لا) فهلا ـ تكرار للأول ، والجمل بينهما معترضة ـ (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) غير مملوكين.

[٨٧] (تَرْجِعُونَها) ترجعون النفس إلى مقرها ، حتى لا يموت (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم إنه لا رب لكم.

[٨٨ ـ ٨٩] (فَأَمَّا إِنْ كانَ) الميت (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) إلى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فله روح استراحة (وَرَيْحانٌ) رزق طيب (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) ذات نعمة.

[٩٠] (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) الذين يعطون صحفهم بأيمانهم ، وهم الصالحون دون المقربين.

[٩١] (فَسَلامٌ لَكَ) يا صاحب اليمين ، يسلمون عليك أمثالك (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) ويقولون أنت سالم مما تكره.

[٩٢] (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ) بالله وآياته (الضَّالِّينَ) عن طريقه وهم أصحاب الشمال.

[٩٣ ـ ٩٤] (فَنُزُلٌ) أي نزلهم الذي أعدّ لهم (مِنْ حَمِيمٍ) ماء وطعام حار. (وَتَصْلِيَةُ) إدخال (جَحِيمٍ) جهنم.

[٩٥] (إِنَّ هذا) الذي ذكر في السورة من الفرق وأحوالهم (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أي اليقين الحق المطابق للواقع.

[٩٦] (فَسَبِّحْ) نزّه (بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي اذكر اسمه منزّها له عن ما لا يليق به.

٥٧ : سورة الحديد

مدنية آياتها تسع وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (سَبَّحَ) نزّه (لِلَّهِ) خالصا له (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إما بلسان الحال أو لها لسان خاص (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١) (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في سلطانه (الْحَكِيمُ) في تدبيره.

[٢ ـ ٣] (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي) في الآخرة ، أو الجماد يحوله ذا حياة (وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو القادر المطلق. (هُوَ الْأَوَّلُ) السابق على الموجودات (وَالْآخِرُ) الباقي بعد فنائها (وَالظَّاهِرُ) بآثاره (وَالْباطِنُ) لا يدرك كنهه العقل (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) عالم.

__________________

(١) سورة الإسراء : ٤٤.

٥٥١

[٤] (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي) قدر (سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى) توجه واستولى (عَلَى الْعَرْشِ) الملك (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) يدخل (فِي الْأَرْضِ) كالميت يقبر (وَما يَخْرُجُ مِنْها) كالنبات (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) كالمطر (وَما يَعْرُجُ فِيها) كالملك (وَهُوَ مَعَكُمْ) بعلمه وقدرته (أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم عليه.

[٥] (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ) إلى حكمه وحسابه (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أمور الناس وغيرهم.

[٦] (يُولِجُ) يدخل (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) بتمديد الليل (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) بتمديد النهار (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بأسرار صدور الناس.

[٧] (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) من المال الذي جعلكم خلفاء لمن سلف منكم في ذلك المال (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ثواب جزيل.

[٨] (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي ماذا يعود عليكم من عدم الإيمان (وَ) الحال أن (الرَّسُولُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ) الله (مِيثاقَكُمْ) عهدكم الأكيد بما أودع فيكم من الفطرة الدالة على خالقكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي في طريق الإيمان ، بأن لم تعاندوا ، فإنه يظهر ميثاقه جليا عليكم.

[٩] (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (آياتٍ بَيِّناتٍ) واضحات (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) ظلمة الكفر والجهل والرذيلة (إِلَى النُّورِ) المرشد للطريق (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ) حيث يفعل ذلك بكم (رَحِيمٌ) يرحمكم فضلا منه ، والرأفة أكثر من الرحمة قلبا ، وإن كانت الرحمة أظهر في الأمر العملي.

[١٠] (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي شيء يعود إليكم في ترك الإنفاق لأجل إقامة الدين (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يرثهما ، وأنتم تتركون أموالكم ، فأنفقوا مما لا يبقى لكم حتى تفوزوا بثوابه (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) فتح مكة (وَقاتَلَ) ومن أنفق وقاتل بعد الفتح لأن الناس بعد فتح مكة اطمأنوا بالإسلام ولذا أخذوا يدخلون فيه أفواجا ويبذلون أموالهم له (أُولئِكَ) المنفقون المقاتلون قبل الفتح (أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا) من الفريقين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) المثوبة الحسنة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيجازيكم عليه.

[١١] (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بأن ينفق ماله لله ، ليسترجعه منه في الآخرة ، وكان حسنا بأن كان خالصا لوجهه (فَيُضاعِفَهُ) الله (لَهُ) بإعطاء العشرة عوض الواحد (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) مقرون بالكرامة.

٥٥٢

[١٢] وذلك في (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ) فإن القيامة مظلمة ونور المؤمنين يسعى أي يتحرك بحركتهم (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أمامهم (وَبِأَيْمانِهِمْ) فإن صحائفهم التي بأيمانهم تشع نورا ، ويقال لهم (بُشْراكُمُ) البشارة لكم في هذا (الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ) دائمين (فِيها ذلِكَ) الفوز بالجنة (هُوَ الْفَوْزُ) الظفر المطلوب (الْعَظِيمُ).

[١٣] (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا نحوهم شع نورهم في جانب المنافقين فرأوا طريقهم (نَقْتَبِسْ) نأخذ قبسا وشعلة (مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ) لهم تهكما بهم (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) إلى الدنيا (فَالْتَمِسُوا) اطلبوا (نُوراً) بالعمل الصالح (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) بين الفريقين (بِسُورٍ) بحائط (لَهُ بابٌ) حيث يدخل منه المؤمنون إلى طرف المحشر الذي فيه سلام ويبقى الكافرون والمنافقون في الطرف الذي فيه عذاب (باطِنُهُ) داخل السور (فِيهِ الرَّحْمَةُ) والسلام (وَظاهِرُهُ) ظاهر السور (مِنْ قِبَلِهِ) من طرف الباب (الْعَذابُ) لأنهم في المحشر أيضا في العذاب.

[١٤] (يُنادُونَهُمْ) أي المنافقون ينادون المؤمنين (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الدنيا لأنا كنا في زمرة المؤمنين فكيف صرنا هكذا مع الكافرين (قالُوا) أي المؤمنون (بَلى) كنتم معنا في الظاهر (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) بالنفاق (وَتَرَبَّصْتُمْ) أي انتظرتم بنا شرا (وَارْتَبْتُمْ) شككتم في الدين (وَغَرَّتْكُمُ) خدعتكم (الْأَمانِيُ) الآمال الطوال بأن تركتم الدين أملا للبقاء في الدنيا (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) بالموت (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان الخادع غركم وقال إن الله يتجاوز عنكم.

[١٥] (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) بدل حتى لا تعذبوا (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفرا علانية (مَأْواكُمُ) محلكم (النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) أولى بكم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المحل ، أي النار.

[١٦] (أَلَمْ يَأْنِ) أما حان الوقت (لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) بأن يكونوا خاشعين بالإضافة إلى الإيمان (وَ) ل (ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) القرآن (وَلا يَكُونُوا) أي لم يأن لهم أن لا يكونوا (كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) اليهود والنصارى (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) الزمان (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) زال خشوعها ، فإن الوعظ إذا بعد عن الإنسان غلظ قلبه (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن طاعة الله ، بالإضافة إلى قسوة قلوبهم.

[١٧] (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وحياة الأرض بالماء وكذلك حياة القلب بالموعظة والهداية (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لكي يكمل عقولكم.

[١٨] (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) الذين يعطون الصدقة (وَ) الذين (أَقْرَضُوا اللهَ) بأن أنفقوا أموالهم في سبيل الله ليسترجعوها يوم القيامة (قَرْضاً حَسَناً) خالصا لوجهه الكريم (يُضاعَفُ لَهُمْ) الثواب (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) يعطونه مع التكريم لهم.

٥٥٣

[١٩] (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) المبالغون في التصديق (وَالشُّهَداءُ) الذين يشهدون على الناس (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يوم القيامة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) يوم القيامة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) الملازمون لجهنم.

[٢٠] (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ) لا حقيقة لها بالنسبة إلى حياة الآخرة (وَلَهْوٌ) ما يسبب إلهاء الإنسان عن مقصده الحقيقي (وَزِينَةٌ) يتزين بها الإنسان (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) يفتخر بعضكم على بعض (وَتَكاثُرٌ) مباهاة في الكثرة (فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ) مطر (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) الزراع (١) (نَباتُهُ) الذي نشأ من الغيث (ثُمَّ يَهِيجُ) ييبس (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) اصفر قد مات (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) يتحطم ويتكسر ، وتذهب الدنيا كما يذهب النبات (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) لأعداء الله الذين كان كل همهم الدنيا (وَمَغْفِرَةٌ) غفران للمؤمنين (مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) رضاه تعالى (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ) ما يتمتع به (الْغُرُورِ) الذي يغتر به الإنسان وينخدع فيبيع به آخرته الباقية.

[٢١] (سابِقُوا) سارعوا (إِلى مَغْفِرَةٍ) أسباب الغفران (مِنْ رَبِّكُمْ وَ) إلى (جَنَّةٍ عَرْضُها) سعتها (كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ) هيئت (لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ) إعطاء الجنة (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ممن استحق ذلك ، وكونه فضلا لأنه زائد على الأجر (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) على عباده.

[٢٢] وإن كان عدم إنفاقكم ومسارعتكم في الخير لأجل الخوف من الفقر والصعوبات فاعلموا (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) بيان (ما) (فِي الْأَرْضِ) كالجدب (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) كالمرض (إِلَّا) وهو مقدر (فِي كِتابٍ) اللوح المحفوظ (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أن نوجد تلك المصيبة ، فهي مقدرة سواء علمتم أم لا ، وسواء كان الإنسان مؤمنا أم لا (إِنَّ ذلِكَ) الإصابة بالمصائب للناس (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) فليس تتوقف المصائب على الإنفاق والمسارعة والجهاد وما أشبه.

[٢٣] اعلموا أن المصائب ثابتة مقدرة (لِكَيْلا تَأْسَوْا) تحزنوا (عَلى ما فاتَكُمْ) من النعيم الدنيوي (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) من نعيم الدنيا ، لأن المصيبة لها أجر ، والنعمة قد تجر الإنسان إلى العصيان فلا فرح منها ، والمراد النهي عن الجزع والبطر (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) متكبر (فَخُورٍ) يفتخر على الناس والمراد من أبطرته النعمة.

[٢٤] (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) فإن الذي يختال بالمال يبخل به غالبا (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) فإن النفس تنضح بما فيها (وَمَنْ يَتَوَلَ) يعرض عما يجب عليه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) فلا يحتاج إلى أموالكم ، وإنما الإنفاق يعود إليكم (الْحَمِيدُ) المحمود في أفعاله.

__________________

(١) الكفر : الستر ، ويسمى الزارع كافرا لستره البذر بالتراب. راجع لسان العرب ج ٥ ص ١٤٦.

٥٥٤

[٢٥] (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) بالأدلة الواضحات (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) للنظام (وَالْمِيزانَ) آلة الوزن للعدالة في المعاملات ، وإنزال الميزان إلهام الناس بالوزن (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) لدفع شر المعتدي

الذي يخالف النظام والميزان ، وإنزاله تقديره من السماء أو خلقه (فِيهِ بَأْسٌ) للحرب (شَدِيدٌ) قوي (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) في صنائعهم وحاجاتهم (وَ) أنزله (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) في الحرب (وَ) ينصر (رُسُلَهُ) بآلات المحاربة (بِالْغَيْبِ) أي في حال كون الله غائبا عن حواس الذي ينصره (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) على ما يريد (عَزِيزٌ) لا يغالب.

[٢٦] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) فإن الأنبياء من أولاد إبراهيم عليه‌السلام وهم من أولاد نوح عليه‌السلام أيضا (النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) بأن أوحينا إليهم بالكتب السماوية (فَمِنْهُمْ) من الذرية (مُهْتَدٍ) قد اهتدى (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن طاعة الله.

[٢٧] (ثُمَّ قَفَّيْنا) أتبعنا (عَلى آثارِهِمْ) بعد أولئك الرسل ـ أي نوح وإبراهيم عليه‌السلام ومن في طبقتهم (بِرُسُلِنا) الكثيرة (وَقَفَّيْنا) أولئك الرسل ـ والمراد رسل بني إسرائيل ـ (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ) أعطيناه (الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) تلاميذه (رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً) زهدا (ابْتَدَعُوها) أي تلك الرهبانية من قبل أنفسهم (ما كَتَبْناها) تلك الرهبانية (عَلَيْهِمْ إِلَّا) استثناء منقطع ، أي غير ما كان (ابْتِغاءَ) طلب (رِضْوانِ اللهِ) رضاه تعالى ، فإن ذلك كان تطبيقا للكلي على المصداق ، كمن يتقشف في أمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث إنه لم يكن مفروضا وإنما تطبيق للكلي على الفرد فبعد ذلك أخلافهم ما (رَعَوْها) أي الرهبانية (حَقَّ رِعايَتِها) أي ما كان مقتضى تلك الرهبانية من إطاعة أوامر الله ، بل كفروا بالله بأن اتخذوا آلهة ثلاثة وكفروا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن طاعة الله.

[٢٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالرسل السابقة (اتَّقُوا اللهَ) خافوه فيما نهاكم عنه (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) نصيبين (مِنْ رَحْمَتِهِ) لإيمانكم بمن تقدم وإيمانكم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً) هي الشريعة التي تنير طريق الحياة (تَمْشُونَ بِهِ) في الناس سالكين طرق السعادة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ) لذنوبكم (رَحِيمٌ) بكم.

[٢٩] (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي إنا أرسلنا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعلم أهل الكتاب أنهم قادرون على نيل فضل الله بأن يدخلوا في الإسلام فينالوا فضل الله ، فإن أهل الكتاب كانوا يعلمون بانحرافهم ولا يقدرون على تغيير ذلك ونجاة أنفسهم (وَأَنَ) إنما (الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فيتفضل بما يشاء لمن يشاء ، وقيل في الآية معنى آخر.

٥٥٥

٥٨ : سورة المجادلة

مدنية آياتها اثنتان وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ) المرأة (الَّتِي تُجادِلُكَ) تتكلم معك يا رسول الله (فِي زَوْجِها) فإن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة فجاءت المرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تستفتيه في جواز رجوعه إليها (وَتَشْتَكِي) الزوجة (إِلَى اللهِ) شدة حالها (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) أنت والزوجة ، أي تراجعكما في الكلام حيث هي كانت تصرّ على إجازة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوعها إلى زوجها والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يأذن لها (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) للكلام (بَصِيرٌ) بالحال.

[٢] (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ) أيها الرجال (مِنْ نِسائِهِمْ) بأن يقول لزوجته (أنت علي كظهر أمي) وهذا كان نوع طلاقها في الجاهلية (ما هُنَ) النساء (أُمَّهاتِهِمْ) على الحقيقة (إِنْ) ما (أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي) النساء اللاتي (وَلَدْنَهُمْ) فلا تحرم إلا الأم الحقيقية والمرضعة (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ) ينكره الشرع (وَزُوراً) كذبا (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) يعفو عمن تاب (غَفُورٌ) يستر ذنبه.

[٣] (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) بأن أراد الرجل وطي زوجته (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فعليهم إعتاق رقبة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يجامعا بالوطء (ذلِكُمْ) الإعتاق قبل المس (تُوعَظُونَ بِهِ) لئلا تفعلوا الحرام (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيجازيكم عليه.

[٤] (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رقبة فعليه صيام (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) أحدهما عقيب الآخر (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يجامعا (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصيام (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) لكل مسكين مد من الطعام (ذلِكَ) فرض عليكم كفارة للظهارة (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي تديموا الإيمان فإن العمل بالأحكام توجب إدامة الإيمان (وَتِلْكَ) الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ) فلا تخالفوها (وَلِلْكافِرِينَ) بأحكام الله (عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

[٥] (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يخالفونهما (كُبِتُوا) أذلّوا (كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فيمن حادّ الأنبياء عليهم‌السلام (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) دالات على صدقك (وَلِلْكافِرِينَ) بالآيات (عَذابٌ مُهِينٌ) يذلّهم.

[٦] ذلك العذاب في (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (يَبْعَثُهُمُ) أي المحادين (اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ) يخبرهم (بِما عَمِلُوا) لأجل أن يجازيهم (أَحْصاهُ اللهُ) علمه وكتبه كاملا (وَنَسُوهُ) لكثرته وعدم اهتمامهم به (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) حاضر لا يغيب عنه شيء.

٥٥٦

[٧] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) ما يقع من تناجي ثلاثة سرا (إِلَّا هُوَ) الله (رابِعُهُمْ) بالعلم (وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ) كما لو ناجى اثنان (وَلا أَكْثَرَ) كما لو ناجى ستة (إِلَّا هُوَ) الله (مَعَهُمْ) بالعلم (أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) يخبرهم ليجازيهم (بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فلا يخفى عليه شيء.

[٨] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) كان المنافقون يناجون فيثيروا شكوك المسلمين فنهوا عنه (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) بدون أن يرتدعوا (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ) بما هو إثم كالكذب (وَالْعُدْوانِ) كالتعدي على المؤمنين باغتيابهم (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) بأن يوصي بعضهم بعضا بعدم تنفيذ أوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) تحية طويلة ليخفوا وراء التحية نفاقهم (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) فيما بينهم أو يضمرون في نفوسهم (لَوْ لا) هلا (يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) فلو كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيا وخالفناه لعذبنا الله (حَسْبُهُمْ) يكفيهم (جَهَنَّمُ) عذابا (يَصْلَوْنَها) يدخلونها (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المحل جهنم.

[٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ) بأفعال الخير (وَالتَّقْوى) بأن يأمر بعضكم بعضا باتقاء المعاصي (وَاتَّقُوا اللهَ) في أوامره ونواهيه (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) تجمعون للجزاء.

[١٠] (إِنَّمَا النَّجْوى) بالإثم والعدوان (مِنَ الشَّيْطانِ) فإنه يأمر به (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) فإنهم يحزنون إذا رأوا مناجاة المنافقين لما يعلمون من سوء نواياهم (وَلَيْسَ) التناجي (بِضارِّهِمْ) يضرهم (شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بأن يترك المؤمنين ليكونوا محل أذى المنافقين (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) في أمورهم حتى لا تضرهم النجوى وغيره.

[١١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا) توسعوا (فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا) بإعطاء المكان للقادم (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) فيما تريدون التفسح فيه من الرزق والمكان وغيرهما (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) قوموا لأمر خيري (فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا) أعطوا (الْعِلْمَ) يرفعهم الله بصورة خاصة (دَرَجاتٍ) في الدنيا لدى الناس وفي الآخرة أيضا (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيجازيكم عليه.

٥٥٧

[١٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) أردتم مناجاته (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ) قبله (صَدَقَةً) ولم يعمل بهذه الآية إلا أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، ثم رفع الحكم لأنه كان امتحانيا (ذلِكَ) تقديم الصدقة (خَيْرٌ لَكُمْ) لأنه يوجب الثواب (وَأَطْهَرُ) لأنه يوجب توقير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطهارة أنفسكم من البخل (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) ما تتصدقون به فناجيتم بدون صدقة (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر لمن تاب إذا خالف (رَحِيمٌ) يرحمكم.

[١٣] (أَأَشْفَقْتُمْ) خفتم (أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) بأن بخلتم بذلك خوفا من نقص أموالكم (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) التصدق (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) لما أظهرتم البخل (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فلا تفرطوا في هذه الأحكام وقد وضع عنكم إعطاء الصدقة قبل النجوى (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم عليه.

[١٤] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ) وهم المنافقون (تَوَلَّوْا) بالمحبة وإطاعة الأمر (قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وهم اليهود (ما هُمْ) ليس هؤلاء المتولون (مِنْكُمْ) أيها المؤمنون (وَلا مِنْهُمْ) ولا من اليهود ، لأنهم منافقون (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) بأنهم مؤمنون (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم كاذبون.

[١٥] (أَعَدَّ) هيّأ (اللهُ) في الآخرة (لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من النفاق.

[١٦] (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) حلفهم بأنهم مؤمنون (جُنَّةً) وقاية لحفظ دمائهم وأموالهم (فَصَدُّوا) منعوا الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) لأن المنافق سدّ أمام تقدم الإيمان (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) مذلّ لهم.

[١٧] (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) بأن تدفع عنهم بعض عذاب الله (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) الملازمون لها (هُمْ فِيها خالِدُونَ).

[١٨] اذكر (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ) أي المنافقين (جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ) لله بأنهم كانوا مؤمنين (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) في الدنيا (وَيَحْسَبُونَ) يظنون (أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) من النفع هناك بحلفهم (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) في حلفهم لله بأنهم كانوا مؤمنين.

[١٩] (اسْتَحْوَذَ) استولى (عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) فلا يذكرون الله كالناسي (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) جنوده (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين فوّتوا على أنفسهم خير الدنيا وسعادة الآخرة.

[٢٠] (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ) يخالفونه ، وهم المنافقون (وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي) جملة (الْأَذَلِّينَ) لأن العزة للمؤمنين.

[٢١] (كَتَبَ اللهُ) قرّر وقضى (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) غلبة في الدنيا والآخرة (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) على ما يريد (عَزِيزٌ) في سلطانه.

٥٥٨

[٢٢] (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ) يحبون ويوالون (مَنْ حَادَّ اللهَ) خالفه (وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا) أي أولئك المحادون (آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ) الذين لم يوادوا (كَتَبَ) الله (فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) بلطفه (وَأَيَّدَهُمْ) قوّاهم (بِرُوحٍ مِنْهُ) من قبله تعالى وهو روح الإيمان (وَيُدْخِلُهُمْ) في الآخرة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) حيث آمنوا وعملوا صالحا (وَرَضُوا عَنْهُ) لأنه تعالى أثابهم بما أرضاهم (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) جنده (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الناجحون الفائزون بالثواب.

٥٩ : سورة الحشر

مدنية آياتها أربع وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ) في سلطانه (الْحَكِيمُ) في تدبيره.

[٢] (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني يهود بني النضير (مِنْ دِيارِهِمْ) بلادهم (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) جمعهم للإخراج ، فإنهم أول من أجلاهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخياناتهم ، ثم بعد ذلك أجلى قسما آخر من اليهود عند ما خانوا بالعهد (ما ظَنَنْتُمْ) أيها المؤمنون (أَنْ يَخْرُجُوا) لما رأيتم من قوتهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) قلاعهم (مِنْ) بأس (اللهِ فَأَتاهُمُ) أمر (اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) لم يظنوا حيث لم يخطر ببالهم أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قادر على إجلائهم (وَقَذَفَ) ألقى الله (فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الخوف من المؤمنين (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) حسدا حتى لا يسكنها المسلمون (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) حيث أخذ المسلمون يخربون بيوتهم حتى لا يطمعوا في البقاء (فَاعْتَبِرُوا) بحالهم ، حتى لا تخالفوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يا أُولِي الْأَبْصارِ) يا أصحاب البصائر.

[٣] (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ) حكم (عَلَيْهِمُ) على بني النضير (الْجَلاءَ) الخروج عن ديارهم (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بأن أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتلهم (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) مع الجلاء في الدنيا (عَذابُ النَّارِ).

٥٥٩

[٤] (ذلِكَ) الذي فعلنا بهم بسبب أنهم (شَاقُّوا) خالفوا (اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فيعاقبه.

[٥] (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) نخلة من نخيلهم (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها) بأن لم تقطعوها (فَبِإِذْنِ اللهِ) بأمره ، حيث أمكنكم منهم تفعلون ما تشاءون (وَلِيُخْزِيَ) ليذل (الْفاسِقِينَ) أي اليهود حيث يرون أن المسلمين يتصرفون في بلادهم وأموالهم.

[٦] (وَما أَفاءَ اللهُ) أرجع الله ، فإن الأرض لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما الكفار فإنهم يتصرفون فيها غصبا فإذا أخذها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إرجاعا من الله إليه (عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) من بني النضير (فَما أَوْجَفْتُمْ) من الإيجاف وهو سرعة السير ، أي لم تفتحوها أنتم بالسير إليهم أيها المسلمون (عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ) من جهة ركوب الخيل (وَلا رِكابٍ) أي ركوب الإبل ، فهي إذا ليست لكم (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) من الكفار بقذف الرعب في قلوبهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

[٧] (ما أَفاءَ اللهُ) بيان للجملة السابقة ، وهذا هو المسمى في اصطلاح الفقهاء : بالفيء (عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) الكافرة بأن أخذها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدون حرب ولا مشاركة المسلمين (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) أقرباء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي الإمام عليه‌السلام (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) من بني هاشم في هذه الطوائف الثلاث ، وإنما يقسم الفيء هكذا (كَيْ لا) لئلا (يَكُونَ) الفيء (دُولَةً) هي ما يتداوله القوم بينهم (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) يتداوله الرؤساء كما كانوا يفعلون في الجاهلية ، ولذا خصص بالنبي والإمام والمستحقين فقط (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) أعطاكم من الأحكام (فَخُذُوهُ) اعملوا به (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) عنه (وَاتَّقُوا اللهَ) ولا تخالفوه (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصاه ، وقد ورد أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم حصة من فيء بني النضير في فقراء المهاجرين.

[٨] وعليه فقوله (لِلْفُقَراءِ) متعلق بمحذوف تقديره ، فلله وللرسول يضعه الرسول للفقراء ، وقيل غير ذلك (الْمُهاجِرِينَ) من مكة إلى المدينة (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) مكة المكرمة (وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ) يطلبون بهجرتهم (فَضْلاً مِنَ اللهِ) بأن يتفضل عليهم بالغفران (وَرِضْواناً) رضاه تعالى (وَيَنْصُرُونَ اللهَ) دينه (وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) في إظهارهم الإيمان.

[٩] (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا) جعلوا محلا ومنزلا (الدَّارَ) أي المدينة وهم الأنصار (وَ) قبلوا (الْإِيمانَ) بأن صاروا مؤمنين (مِنْ قَبْلِهِمْ) قبل أن يهاجر المهاجرون إلى المدينة (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) من أهل مكة (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً) حسدا وغيظا (مِمَّا أُوتُوا) أي مما أعطي المهاجرين من أموال بني النضير ، إذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم الأموال في المهاجرين ولم يعطها للأنصار (وَيُؤْثِرُونَ) أولئك الأنصار ، أي يقدمون المهاجرين (عَلى أَنْفُسِهِمْ) فإنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم وواسوهم في أموالهم (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) فقر وحاجة (وَمَنْ يُوقَ) يحفظ (شُحَ) بخل (نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون.

٥٦٠