تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٤٠] (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) أي نبقى على ديننا القديم (إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) على موسى وهارون عليهما‌السلام.

[٤١] (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) أي هل تعطينا جزاء (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) إن تغلبنا على موسى عليه‌السلام.

[٤٢] (قالَ) فرعون : (نَعَمْ) أعطيكم الأجر (وَإِنَّكُمْ إِذاً) إذا غلبتم (لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أقرّبكم إلى بلاطي.

[٤٣] (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ) أيها السحرة (مُلْقُونَ) من أنواع السحر.

[٤٤] (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ) جمع حبل (وَعِصِيَّهُمْ) جمع عصا ، وهي التي أظهروها في أعين الناس كأنها حيّات (وَقالُوا) أي السحرة : قسما (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ).

[٤٥] (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) تبلع بسرعة (ما يَأْفِكُونَ) ما أظهروه في أعين الناس حيات ، من الإفك بمعنى الكذب.

[٤٦] (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) ألقاهم ما بهرهم من الحق حتى لم يتمالكوا أنفسهم أن أذعنوا وسجدوا لله.

[٤٧ ـ ٤٩] (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ. قالَ) فرعون : هل (آمَنْتُمْ لَهُ) لرب موسى عليه‌السلام (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) لأنه كان يزعم أنه لا يجوز لأحد الإيمان إلا بإذنه (إِنَّهُ) موسى عليه‌السلام (لَكَبِيرُكُمُ) رئيسكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال عملكم ، وتآمركم مع موسى عليه‌السلام ، فإن فرعون أظهر أن موسى عليه‌السلام والسحرة تآمروا على ذلك (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) اليد اليمنى والرجل اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) شنقا على المشانق.

[٥٠] (قالُوا لا ضَيْرَ) لا ضرر علينا في ذلك (إِنَّا إِلى رَبِّنا) إلى ثوابه (مُنْقَلِبُونَ) راجعون.

[٥١ ـ ٥٢] (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا) كفرنا وذنوبنا (أَنْ) لأن ، أي في قبال (كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) المصدقين بإله موسى عليه‌السلام. (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ) أخرج ليلا (بِعِبادِي) بني إسرائيل (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي يتبعكم فرعون ، ولذا أخرج بهم ليلا.

[٥٣] (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ) حين أخبر بأنهم خرجوا عن مصر (فِي الْمَدائِنِ) التي كانت تابعة له (حاشِرِينَ) جامعين للناس ليقولوا لهم عن لسان فرعون :

[٥٤] (إِنَّ هؤُلاءِ) موسى عليه‌السلام وبني إسرائيل (لَشِرْذِمَةٌ) جماعة (قَلِيلُونَ).

[٥٥] (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) فاعلون ما أغضبنا.

[٥٦] (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) في حذر من هؤلاء حتى لا يفسدوا ، وكان هذا الكلام من فرعون لأجل توقي البلاد من موسى عليه‌السلام وقد أعلنه قبل أن يخرج لتعقيب موسى عليه‌السلام.

[٥٧] (فَأَخْرَجْناهُمْ) فرعون وملأه (مِنْ جَنَّاتٍ) بساتين مصر (وَعُيُونٍ) عيون مياهها جارية.

[٥٨] (وَكُنُوزٍ) أموالهم المكنوزة (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) منازل حسنة كانت لهم.

[٥٩] (كَذلِكَ) هكذا (وَأَوْرَثْناها) تلك النعم (بَنِي إِسْرائِيلَ) حيث إن موسى عليه‌السلام بعد أن غرق فرعون أرسل جماعة من بني إسرائيل لحكومة مصر.

[٦٠] (فَأَتْبَعُوهُمْ) أتبع فرعون وجنوده موسى عليه‌السلام ومن معه (مُشْرِقِينَ) وقت دخولهم في شروق الشمس.

٣٨١

[٦١] (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) رأى جمع موسى عليه‌السلام وجمع فرعون أحدهما الآخر (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) يدركنا فرعون الآن ، قالوا ذلك خائفين.

[٦٢] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (كَلَّا) لا يدركوننا (إِنَّ مَعِي رَبِّي) بالنصرة والخلاص (سَيَهْدِينِ) يهديني إلى طريق الخلاص.

[٦٣] (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) البحر الأحمر الذي كان أمامهم ، فضربه (فَانْفَلَقَ) أي انشق اثني عشر مسلكا (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) كل قطعة من ماء البحر (كَالطَّوْدِ) الجبل (الْعَظِيمِ) فدخلوا في البحر يسلكون الطرق.

[٦٤] (وَأَزْلَفْنا) قربنا إلى البحر (ثَمَ) هناك (الْآخَرِينَ) فرعون وجنوده حتى دخلوا البحر.

[٦٥] (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ) بأن خرجوا من البحر ، وفرعون وجنوده وصلوا إلى وسطه.

[٦٦] (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) بإطباق ماء البحر عليهم.

[٦٧] (إِنَّ فِي ذلِكَ) نجاة موسى عليه‌السلام وهلاك فرعون (لَآيَةً) لمعجزة كبيرة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أكثر بني إسرائيل (مُؤْمِنِينَ) مع رؤية هذه الآية.

[٦٨] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في سلطانه (الرَّحِيمُ) بعباده ، ولذا لا يعاجلهم بالعقوبة.

[٦٩] (وَاتْلُ) اقرأ (عَلَيْهِمْ) على الناس (نَبَأَ) خبر (إِبْراهِيمَ) عليه‌السلام.

[٧٠] (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) عمه آزر (وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) استفهام إنكار.

[٧١] (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُ) ندوم (لَها عاكِفِينَ) مقيمين على عبادتها.

[٧٢] (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) أي يسمعون كلامكم (إِذْ تَدْعُونَ) حين تدعون الأصنام.

[٧٣ ـ ٧٤] (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قالُوا) أي الكفّار : (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) يعبدون الأصنام ، ونحن تبع لهم.

[٧٥] (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ).

[٧٦] (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) فإن الباطل لا ينقلب حقا بتقادم عهده.

[٧٧] (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي عدو للإنسان حيث يسبب هلاكه وعقابه (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) فإنه المعبود الحق الذي لا يضر الإنسان إذا عبده ، بل ينفعه.

[٧٨] (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) يهديني ، يرشدني إلى مصالحي.

[٧٩] (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) يسقيني ، فإنه خلق الماء والغذاء.

[٨٠] (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) يشفيني ، الشفاء بيده وإنما الطبيب وسيلة.

[٨١] (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) يحييني في الآخرة للحساب.

[٨٢] (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) ترك الأولى ، فإن أعمال الأنبياء عليهم‌السلام الضرورية كالأكل والشرب وما أشبه يعدونها خطايا لمعرفتهم بالله معرفة تامة فيرون قصور أنفسهم أمام جلاله ، كما إذا اضطر الإنسان لمد رجله أمام الملك فإنه يعده خطأ وإن كانت الضرورة ساقته إلى ذلك (يَوْمَ الدِّينِ) يوم الجزاء.

[٨٣] (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) لبيان أن الحكم بين الناس إنما هو لله ولمن أذن له (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) من عبادك.

٣٨٢

[٨٤] (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ذكرا جميلا صادقا فيمن يأتي بعدي ، وذلك ليكون محفزا للناس على الخير وأكون أسوة لهم.

[٨٥] (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) بأن أرث الجنة ذات النعمة فأملكها بعد أن كانت لغيري فإنها محل الحور والولدان حتى يأتي الإنسان فيملكها منهم.

[٨٦] (وَاغْفِرْ لِأَبِي) بأن توفق عمي للتوبة حتى يستحق غفرانك (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ).

[٨٧] (وَلا تُخْزِنِي) لا تفضحني بذنب (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) يبعث الناس.

[٨٨] (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) لنجاة الناس ولإسعادهم.

[٨٩] (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) سالم عن الكفر والمعصية.

[٩٠] (وَأُزْلِفَتِ) قرّبت (الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) بحيث يرونها.

[٩١] (وَبُرِّزَتِ) أظهرت (الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) الضالين.

[٩٢] (وَقِيلَ لَهُمْ) للغاوين : (أَيْنَ ما) أي الأصنام التي (كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) تعبدونها ، لما ذا لا تنصركم.

[٩٣] (مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) بدفع العذاب عن أنفسهم فإن الأصنام تكون حصب جهنم ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ.

[٩٤] (فَكُبْكِبُوا) ألقوا (فِيها) في النار (هُمْ) الآلهة (وَالْغاوُونَ) أتباعهم.

[٩٥] (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) من الجن والإنس عبدوا الأصنام أم لم يعبدوها (أَجْمَعُونَ).

[٩٦ ـ ٩٨] (قالُوا) أي العبدة (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) مع الأصنام : (تَاللهِ) والله (إِنْ) إنّا (كُنَّا لَفِي ضَلالٍ) انحراف (مُبِينٍ) ظاهر. (إِذْ نُسَوِّيكُمْ) نجعلكم أيها الأصنام عدلا (بِرَبِّ الْعالَمِينَ).

[٩٩] (وَما أَضَلَّنا) عن التوحيد (إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) رؤساؤنا.

[١٠٠] (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) يشفعون لنا لإنقاذنا من العذاب كما يشفع الأنبياء والأولياء للعصاة من أتباعهم.

[١٠١] (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) يودنا ودّا بحيث يهمه أمرنا.

[١٠٢] (فَلَوْ) للتمني (أَنَّ لَنا كَرَّةً) رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

[١٠٣] (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي قصصناه عليك (لَآيَةً) دلالة لمن نظر فيها (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أكثر قوم إبراهيم عليه‌السلام (مُؤْمِنِينَ).

[١٠٤ ـ ١٠٥] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) الذين أرسلهم الله إليهم ، لأنهم بتكذيبهم نوح كذبوا سائر الأنبياء عليهم‌السلام ، أو المراد الجنس فإن الجمع قد يأتي في مكان الجنس كالعكس.

[١٠٦] (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) من قبيلتهم (نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) الله بترك الشرك والعصيان.

[١٠٧] (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) في أداء الرسالة.

[١٠٨] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أطيعوني فيما آمركم به.

[١٠٩] (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ).

[١١٠] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[١١١] (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَ) الحال أنه (اتَّبَعَكَ) في الإيمان (الْأَرْذَلُونَ) السفلة فنكون نحن وهم سواء.

٣٨٣

[١١٢] (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي إني لا أعلم أعمالهم السابقة وإنما المهم إيمانهم الآن فإنه يجبّ ما قبله.

[١١٣] (إِنْ) ما (حِسابُهُمْ) حساب أعمالهم (إِلَّا عَلى رَبِّي) العالم بكل شيء (لَوْ تَشْعُرُونَ) لعلمتم ذلك ، ولكنكم تريدون الجدال.

[١١٤] (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) لا أطردهم لكلامكم.

[١١٥] (إِنْ) ما (أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) أنذر بالعقاب من كفر وعصى (مُبِينٌ) واضح.

[١١٦] (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) عمّا تقول (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) نرجمك بالحجارة.

[١١٧] (قالَ) نوح عليه‌السلام : يا (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) كذبوني.

[١١٨] (فَافْتَحْ) احكم (بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من أذاهم وسوء أعمالهم.

[١١٩] (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) السفينة (الْمَشْحُونِ) المملوء بالإنسان والحيوان.

[١٢٠] (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) ركوبهم في الفلك (الْباقِينَ) من قومه الكفّار.

[١٢١ ـ ١٢٢] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

[١٢٣] (كَذَّبَتْ عادٌ) قبيلة عاد (الْمُرْسَلِينَ).

[١٢٤] (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في القبيلة (هُودٌ) النبي عليه‌السلام : (أَلا تَتَّقُونَ).

[١٢٥] (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ).

[١٢٦] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[١٢٧ ـ ١٢٨] (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) مكان مرتفع (آيَةً) علامة من البناء (تَعْبَثُونَ) ببنائها ، فإنهم كانوا يبنون محلّات اللهو في مرتفعات الطرق.

[١٢٩] (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) حصونا مشيدة (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ترجون الخلود والبقاء الأبدي بسبب تلك الحصون.

[١٣٠] (وَإِذا بَطَشْتُمْ) عاقبتم أحدا (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) أي بطش الجبابرة بزيادة عن الاستحقاق.

[١٣١] (فَاتَّقُوا اللهَ) بترك هذه الأمور (وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[١٣٢] (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ) أعطاكم (بِما تَعْلَمُونَ) من ضروب النعم.

[١٣٣] (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ) الإبل والبقر والغنم (وَبَنِينَ).

[١٣٤] (وَجَنَّاتٍ) بساتين (وَعُيُونٍ).

[١٣٥] (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن عصيتم (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) في الدنيا والآخرة.

[١٣٦] (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ) وعظتنا يا هود (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) لأنّا لا نترك عادتنا.

٣٨٤

[١٣٧] (إِنْ) ما (هذا) الذي تقوله (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) اختلاقهم وكذبهم.

[١٣٨] (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) كما تزعم.

[١٣٩ ـ ١٤٠] (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) بسبب تكذيبهم بريح صرصر عاتية (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

[١٤١] (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) قبيلة (الْمُرْسَلِينَ).

[١٤٢] (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ) النبي عليه‌السلام : (أَلا تَتَّقُونَ).

[١٤٣ ـ ١٤٤] (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[١٤٥ ـ ١٤٦] (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا) أي هل تظنون أنكم تتركون في ما أعطاكم الله من الخير في الدنيا (آمِنِينَ) في حال أمن وسلام.

[١٤٧ ـ ١٤٨] (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها) أي ما يطلعها من الرطب (هَضِيمٌ) هنيء يهضم.

[١٤٩] (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) من الفراهة بمعنى السعة والنشاط.

[١٥٠] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[١٥١] (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) الذين يجاوزون الحد في أمورهم ، وهم رؤساؤهم.

[١٥٢] (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) فيها.

[١٥٣] (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) الذين سحرهم الساحرون حتى ذهب عقلهم ، فكلامك كلام مجنون.

[١٥٤] (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) ولست برسول (فَأْتِ بِآيَةٍ) بمعجزة (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك الرسالة.

[١٥٥] (قالَ) صالح عليه‌السلام بعد أن دعا الله فأخرج لهم ناقة كبيرة وفصيلها من الجبل : (هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ) نصيب من الماء (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) فيوم لكم الماء لا تشرب هي ، ويوم لها الماء لا تشربون أنتم.

[١٥٦] (وَلا تَمَسُّوها) لا تصيبوا الناقة (بِسُوءٍ) بأذى (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) في الدنيا والآخرة.

[١٥٧] (فَعَقَرُوها) جرحوها وقتلوها (فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) من عقرها حيث رأوا نزول العذاب.

[١٥٨ ـ ١٥٩] (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) الذي وعدهم صالح عليه‌السلام به (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

٣٨٥

[١٦٠ ـ ١٦٣] (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[١٦٤] (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وقد كانت دعوة الأنبياء عليهم‌السلام كلهم بهذه الأمور من الاعتقاد بالألوهية والرسالة والإطاعة والتقوى.

[١٦٥] (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) تلوطون بهم (مِنَ الْعالَمِينَ) الناس.

[١٦٦] (وَتَذَرُونَ) تتركون (ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) نسائكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) تتجاوزون الحلال إلى الحرام.

[١٦٧] (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن كلامك (يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) نخرجك عن بلدنا.

[١٦٨] (قالَ) لوط : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ) القبيح (مِنَ الْقالِينَ) المبغضين.

[١٦٩] (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) بعّدني عنهم حتى لا أرى أعمالهم.

[١٧٠ ـ ١٧١] (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً) هي زوجته الكافرة (فِي الْغابِرِينَ) بقيت في الباقين وعذّبت معهم.

[١٧٢] (ثُمَّ دَمَّرْنَا) أهلكنا (الْآخَرِينَ) الكافرين.

[١٧٣] (وَأَمْطَرْنا) بالحجارة (عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ) فبئس المطر (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) الذين أنذروا فلم يقبلوا.

[١٧٤ ـ ١٧٥] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

[١٧٦] (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) هي الشجرة الملتفة كانت غيضة في قربها قوم شعيب عليه‌السلام (الْمُرْسَلِينَ).

[١٧٧ ـ ١٧٩] (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[١٨٠ ـ ١٨١] (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ) أتموه (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) حقوق الناس.

[١٨٢] (وَزِنُوا) من (وزن يزن) (بِالْقِسْطاسِ) الميزان (الْمُسْتَقِيمِ) التام حتى لا تنقصوا حق الناس.

[١٨٣] (وَلا تَبْخَسُوا) لا تنقصوا (النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا) لا تسعوا سعي فساد (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) في حال كونكم مفسدين.

٣٨٦

[١٨٤] (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ) خلق (الْجِبِلَّةَ) الخليقة (الْأَوَّلِينَ) آباءكم.

[١٨٥] (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) الذين سحّروا كثيرا فذهب عقلهم.

[١٨٦] (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فلست بنبي (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) في دعواك.

[١٨٧] (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً) قطعا (مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أنك نبي.

[١٨٨] (قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم عقابا يناسب عملكم ، من إسقاط كسف أو غيره.

[١٨٩ ـ ١٩١] (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) أصابهم حر شديد ثم أظلتهم سحابة ظنوا أن فيها الماء والهواء فأمطرت عليهم نارا فأحرقتهم (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

[١٩٢] (وَإِنَّهُ) القرآن (لَتَنْزِيلُ) أنزله (رَبِّ الْعالَمِينَ).

[١٩٣] (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ) جبرئيل (الْأَمِينُ) في ما أتي به.

[١٩٤] (عَلى قَلْبِكَ) إلهاما (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) المخوفين للكفّار والعصاة.

[١٩٥] (بِلِسانٍ) بلغة (عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) واضح.

[١٩٦] (وَإِنَّهُ) أي إن ذكر القرآن (لَفِي زُبُرِ) كتب (الْأَوَّلِينَ) الأنبياء السابقين عليهم‌السلام.

[١٩٧] (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) لأهل الكتاب (آيَةً) دالة على صدق القرآن (أَنْ) كي (يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) حتى يصدقوا به ، وهذا استفهام تقريري ، أي كانت لهم آية لكنهم أخفوها.

[١٩٨] (وَلَوْ نَزَّلْناهُ) أي القرآن (عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) الحيوانات العجم.

[١٩٩] (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) أي على الكفار ، مما لم يكن محل شبهة أنه إعجاز (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) لأنهم معاندون ، وهذا تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢٠٠] (كَذلِكَ) كما أنزلنا القرآن عربيّا (سَلَكْناهُ) أدخلناه (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) ليتم عليهم الحجة.

[٢٠١] ونحن نعلم أنهم (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالقرآن عنادا (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) المؤلم عند الموت أو في الآخرة.

[٢٠٢] (فَيَأْتِيَهُمْ) العذاب (بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بوقت مجيئه.

[٢٠٣] (فَيَقُولُوا) حين يأتيهم العذاب : (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) يمهلوننا لنؤمن ، وقولهم ذلك من الندم والتحسر حين لا ينفع.

[٢٠٤] (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) فإن الكفّار كانوا يطلبون العذاب من الله استهزاء بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢٠٥] (أَفَرَأَيْتَ) أخبرني (إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) بأن أمددنا في عمرهم.

[٢٠٦] (ثُمَّ جاءَهُمْ ما) أي العذاب الذي (كانُوا يُوعَدُونَ) وعدناهم به إن لم يؤمنوا.

٣٨٧

[٢٠٧] (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) لم يغن عنهم تمتيعهم في رفع العذاب ، والمعنى أن تأخير العذاب أو تعجيله لا يفيدهم شيئا فإنهم معذبون لا محالة.

[٢٠٨] (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) أنبياء أو من يقوم مقامهم في إتمام الحجة.

[٢٠٩] (ذِكْرى) أي إنما نرسل لهم لأجل تذكيرهم (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) فما ظلمناهم بعذابهم.

[٢١٠] (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ) بالقرآن (الشَّياطِينُ) كما زعم الكفّار بأن القرآن من كلام الشيطان وإنه ككهانة الكهان.

[٢١١] (وَما يَنْبَغِي) لا يصح (لَهُمْ) للشياطين التنزّل به (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ذلك.

[٢١٢] (إِنَّهُمْ) الشياطين (عَنِ السَّمْعِ) سماع كلام الملائكة (لَمَعْزُولُونَ) ممنوعون بالشهب ، فكيف يقدرون على أخذ القرآن وإنزاله.

[٢١٣] (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) فإن المشرك يعذّبه الله تعالى.

[٢١٤] (وَأَنْذِرْ) خوّف (عَشِيرَتَكَ) أقرباءك (الْأَقْرَبِينَ) منهم ، أي ابدأ بالأقرب فالأقرب منهم.

[٢١٥] (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) أي تواضع ، كما يخفض الطائر جناحه لصغاره تواضعا ومحبة (١) (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

[٢١٦ ـ ٢١٨] (فَإِنْ عَصَوْكَ) الناس ولم يؤمنوا بك (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) من الكفر والعصيان. (وَتَوَكَّلْ) فوّض أمرك (عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ). (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) بالأمر.

[٢١٩ ـ ٢٢٠] (وَ) يرى (تَقَلُّبَكَ) حركتك (فِي السَّاجِدِينَ) في جملة المؤمنين ، والحاصل أنه يرى قيامك وحركتك في طائفة من المؤمنين ، وهو مطّلع على كل أحوالك. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالك (الْعَلِيمُ) بأحوالك.

[٢٢١] (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) أخبركم أيها الكفّار ، الذين تقولون بأن القرآن تنزيل الشيطان (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ) تتنزل (الشَّياطِينُ).

[٢٢٢ ـ ٢٢٣] (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) كذاب (أَثِيمٍ) عاص. (يُلْقُونَ السَّمْعَ) يلقي الأفاك أذنه إلى الشيطان ويصغي إليه (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) فيما يقولون ، نعم أحيانا يطابق كلامهم الواقع.

[٢٢٤] (وَالشُّعَراءُ) ليس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم كما زعمتم ، وليس بكاهن كما قلتم (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) الضالّون ، باستحسان أشعارهم الباطلة ، وهل أتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضالون؟ كلا ، فليس بشاعر.

[٢٢٥ ـ ٢٢٦] (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ) الشعراء (فِي كُلِّ وادٍ) ومسلك (يَهِيمُونَ) يترددون متحيرون ، تارة يذمون وتارة يمدحون ، وتارة بالعفيفات والغلمان يتشببون وهكذا. (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) من وعد كاذب وحلف باطل ووعيد فارغ ، فليس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالشعراء ، ولا أتباعه كأتباعهم.

[٢٢٧] (إِلَّا) الشعراء (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) بأن لم يكن شعرهم باطلا وأنهم يكثرون من ذكر الله حتى لا يرديهم الشعر (وَانْتَصَرُوا) طلبوا الانتصار والغلبة بشعرهم على الكفار الذين يهجون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإسلام (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) حيث يرون العذاب (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ) مرجع (يَنْقَلِبُونَ) إليه ، والمراد التهويل من مصيرهم الذي هو النار ...

__________________

(١) أو كما يخفض الطائر جناحه عند سكونه.

٣٨٨

٢٧ : سورة النمل

مكية آياتها ثلاث وتسعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (طس) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تِلْكَ) هذه (آياتُ الْقُرْآنِ) المقروء (وَكِتابٍ) مكتوب (مُبِينٍ) واضح.

[٢] في حال كونه (هُدىً) هداية (وَبُشْرى) بشارة (لِلْمُؤْمِنِينَ).

[٣] (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) لا يشكون فيه.

[٤] (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا) جمّلنا (لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) حتى رأوها حسنة ، وذلك حيث تركوا الهدى تركناهم وشأنهم حتى زانت أعمالهم في أعينهم فلازموها (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) يتحيرون في الضلال.

[٥] (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) العذاب السيئ (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) الأكثر خسرانا من كل عاص.

[٦] (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى) لتأخذ (الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) الذي يضع الأشياء مواضعها (عَلِيمٍ) عالم بالأشياء.

[٧] (إِذْ) اذكر زمان (قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) زوجته ، وهما في الصحراء : (إِنِّي آنَسْتُ) رأيت (ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن الطريق وقد ضل فيه (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ) شعلة من النار (قَبَسٍ) مقبوسة أي مأخوذة (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) لأجل الدفء فإن الهواء كان باردا.

[٨] (فَلَمَّا جاءَها) جاء نحو النار (نُودِيَ) ناداه الله بأن خلق الصوت (أَنْ بُورِكَ) بارك الله (مَنْ فِي النَّارِ) وهو موسى عليه‌السلام حيث كان مشارفا لها (وَمَنْ حَوْلَها) حول النار من الملائكة (وَسُبْحانَ اللهِ) تنزيها له فليس هو كالمخلوقين وليس كلامه خارجا عن فم ولسان (رَبِّ الْعالَمِينَ).

[٩] (يا مُوسى إِنَّهُ) أي المتكلم وخالق النور (أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ) الغالب في سلطانه (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها.

[١٠] (وَأَلْقِ عَصاكَ) على الأرض (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرك (كَأَنَّها جَانٌ) حية (وَلَّى) أعرض موسى عليه‌السلام (مُدْبِراً) فارّا (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) لأنهم يعلمون أن الله حافظهم.

[١١] (إِلَّا) لكن (مَنْ ظَلَمَ) نفسه بفعل القبيح (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) بأن عمل خيرا (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[١٢] (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) طرف شق الثوب في جانب العنق (تَخْرُجْ) اليد (بَيْضاءَ) ذات شعاع (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) لا كبياض البرص (فِي) مع (تِسْعِ آياتٍ) الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والجدب ونقص الثمرات (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) خارجين عن طاعة الله ، ولذا أرسلناك إليهم.

[١٣] (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) واضحة كأنها تبصر (قالُوا هذا) الذي جاء به موسى عليه‌السلام (سِحْرٌ مُبِينٌ) واضح.

٣٨٩

[١٤] (وَجَحَدُوا) كذبوا (بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) أي تيقنوا بها (ظُلْماً) لأنفسهم (وَعُلُوًّا) تكبرا (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) حيث أغرقوا.

[١٥] (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) عظيما (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) ممن لم يؤت مثل علمنا.

[١٦] (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) إرثا من المال والعلم والجاه (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا) علمنا الله (مَنْطِقَ) معنى نطق (الطَّيْرِ) الطيور ، قاله تحدثا بنعمة الله (وَأُوتِينا) أعطانا الله (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ممّا نحتاج إليه (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ) من الله (الْمُبِينُ) الواضح.

[١٧] (وَحُشِرَ) جمع (لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبسون لأجل الاجتماع وفيه هيبة وعزة.

[١٨] (حَتَّى إِذا أَتَوْا) أتى سليمان عليه‌السلام مع جنوده راكبا البساط (عَلى وادِ النَّمْلِ) واد كثير النمل (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) لأجل أن (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بتحطيمكم.

[١٩] (فَتَبَسَّمَ) سليمان عليه‌السلام ، وهو أول الضحك (ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) قول النملة ، تعجبا من حذرها وتحذيرها (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) وفّقني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) من كل النعم التي منها معرفة منطق الطير (وَعَلى والِدَيَ) بأن جعلته نبيا وجعلتها زوجة نبي (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي) جملة (عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) مقابل الفاسدين.

[٢٠] (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) افتقده (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ) بل (كانَ مِنَ الْغائِبِينَ).

[٢١] (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) كنتف ريشه (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ) حجة (مُبِينٍ) واضح تكون عذرا له في غيبته.

[٢٢] (فَمَكَثَ) لبث سليمان عليه‌السلام (غَيْرَ بَعِيدٍ) زمانا قصيرا حتى جاء الهدهد (فَقالَ أَحَطْتُ) أطلعت (بِما لَمْ تُحِطْ) تعلم (بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) مدينة باليمن (بِنَبَإٍ) بخبر (يَقِينٍ) صادق.

٣٩٠

[٢٣] (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) وهي بلقيس ملكة سبأ (وَأُوتِيَتْ) أعطيت (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه الملوك (وَلَها عَرْشٌ) سرير (عَظِيمٌ) كبير.

[٢٤] (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) فلا يسجدون لله (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) القبيحة فرأوها حسنة (فَصَدَّهُمْ) منعهم (عَنِ السَّبِيلِ) سبيل الله (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) إليه.

[٢٥] وذلك ب (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) المخبوء المخفي (فِي السَّماواتِ) كالمطر (وَالْأَرْضِ) كالنبات ، أي كلما يخرج من العدم إلى الوجود (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) الخفايا والظواهر.

[٢٦ ـ ٢٧] (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قالَ) سليمان عليه‌السلام : (سَنَنْظُرُ) في أمرك يا هدهد (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ).

[٢٨] (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا) فإن سليمان عليه‌السلام كتب كتابا إلى بلقيس (فَأَلْقِهْ) اطرح الكتاب (إِلَيْهِمْ) إلى أهل سبأ (ثُمَّ تَوَلَ) تنح (عَنْهُمْ) إلى جانب (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) يرجع بعضهم إلى بعض من القول ، فجاء الهدهد فألقى الكتاب إلى بلقيس.

[٢٩] (قالَتْ) لمن حولها : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) الأشراف (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) محترم.

[٣٠] (إِنَّهُ) أي الكتاب (مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) أي المكتوب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

[٣١] (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) بأن لا تتكبروا على سليمان عليه‌السلام (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) حال كونكم منقادين لله ، والكتاب دعوة إلى الألوهية وإلى الرسالة.

[٣٢] (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أجيبوني فيما ينبغي أن أتخذ في هذا الموقف (ما كُنْتُ قاطِعَةً) قاضية (أَمْراً) في أمر (حَتَّى تَشْهَدُونِ) تحضرون وتشيرون عليّ بالصواب.

[٣٣] (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) بالمال والجند (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) مراس في الحرب وشجاعة. (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) من الحرب والصلح.

[٣٤] (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) بالقهر والغلبة (أَفْسَدُوها) خربوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) أهانوهم بالقتل والأسر ، ثم أكدت كلامها بقولها : (وَكَذلِكَ) كما قلت (يَفْعَلُونَ) الملوك.

[٣٥] (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ) إلى سليمان عليه‌السلام وأصحابه (بِهَدِيَّةٍ) أصانعهم بها (فَناظِرَةٌ) ثم أنظر (بِمَ) بما ذا (يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) الذين أرسلهم بالهدية هل يرجعون بالرّد أو القبول.

٣٩١

[٣٦] (فَلَمَّا جاءَ) الرسول (سُلَيْمانَ قالَ) سليمان عليه‌السلام (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) أتزيدونني مالا ، على نحو استفهام إنكاري (فَما آتانِيَ اللهُ) ما أعطاني من الأموال والجاه (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ) بما يهدي بعضكم إلى بعض (تَفْرَحُونَ) حيث تزدادون بها أموالا.

[٣٧] (ارْجِعْ) أيها الرسول (إِلَيْهِمْ) مع ما جئت من الهدية (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ) طاقة (لَهُمْ بِها) بتلك الجنود (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) من سبأ (أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) مهانون.

[٣٨] (قالَ) سليمان عليه‌السلام : (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي) يأتي أشراف سبأ وبلقيس في حال كونهم (مُسْلِمِينَ).

[٣٩] (قالَ عِفْرِيتٌ) مارد قوي (مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ) أي بعرشها (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) مجلسك الذي تجلس فيه للحكم ، وكان مدته إلى الظهر تقريبا (وَإِنِّي عَلَيْهِ) على حمل العرش (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) لا أخون ما فيه من الجواهر.

[٤٠] (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) من كتب الله المنزلة ، وهو آصف ، وكان يعرف اسم الله الأعظم (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ) يرجع (إِلَيْكَ طَرْفُكَ) وهو كلمح البصر (فَلَمَّا رَآهُ) رأى سليمان عليه‌السلام العرش (مُسْتَقِرًّا) ساكنا حاضرا (عِنْدَهُ قالَ هذا) الإحضار للعرش (مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي) يختبرني (أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن منفعة الشكر عائدة إلى نفس الشاكر (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) عن شكره فلا يضرّه كفرانه (كَرِيمٌ) فإنه يتفضّل على الشاكر والكافر.

[٤١] (قالَ) سليمان عليه‌السلام : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) بتغيير هيئته وشكله (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) إلى معرفة عرشها (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) وقد أراد سليمان عليه‌السلام بذلك اختيار عقلها وفطنتها.

[٤٢] (فَلَمَّا جاءَتْ) بلقيس (قِيلَ) لها : (أَهكَذا عَرْشُكِ) أي هل عرشك مثل هذا ، تشبيها عليها لزيادة اختبارها (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) لا أنه مثله ، ثم قالت : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) بأن سليمان عليه‌السلام نبي من عند الله (مِنْ قَبْلِها) قبل هذه المعجزة بإحضار العرش (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) قد أسلمنا لله.

[٤٣] (وَصَدَّها) منعها عن الإيمان سابقا (ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي عبادة الشمس (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) نشأت بينهم ولذا كفرت.

[٤٤] (قِيلَ لَهَا) لبلقيس : (ادْخُلِي الصَّرْحَ) أي القصر وقد بني من زجاج أبيض وتحته ماء فيه سمك (فَلَمَّا رَأَتْهُ) رأت الصرح (حَسِبَتْهُ) ظنت أنّه (لُجَّةً) ماءا غامرا (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) رفعت الثوب عن رجلها لتخوض الماء (قالَ) سليمان عليه‌السلام لها : (إِنَّهُ) ليس بماء بل هو (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) مملّس (مِنْ قَوارِيرَ) الزجاج (قالَتْ) بلقيس : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بما سبق لي من الكفر (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) كما هو مسلم (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

٣٩٢

[٤٥] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى) قبيلة (ثَمُودَ أَخاهُمْ) في القبيلة (صالِحاً أَنِ) فقال لهم بأن (اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) فريق كافر وفريق مؤمن (يَخْتَصِمُونَ).

[٤٦] (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) بالعقوبة (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) بأن تقولوا ائتنا بما تعدنا (لَوْ لا) هلا (تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فلا تعذبون في الدنيا والآخرة.

[٤٧] (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ) أي تشاء منا بوجودك ، فإن ما يصيبنا من البلاء فهو منك (وَبِمَنْ مَعَكَ) من المؤمنين (قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) فإن ما حل بكم من الشؤم إنما هو من الله حيث جازاكم بكفركم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) تختبرون بالرخاء والشدة.

[٤٨] (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) مدينة صالح عليه‌السلام (تِسْعَةُ رَهْطٍ) تسعة رجال (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ويقومون بمخالفة نبيهم (وَلا يُصْلِحُونَ).

[٤٩] (قالُوا) أي بعضهم لبعض : (تَقاسَمُوا بِاللهِ) احلفوا به (لَنُبَيِّتَنَّهُ) أي على قتل صالح عليه‌السلام ليلا (١) (وَأَهْلَهُ) وقتل أهله (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) لولي دم صالح عليه‌السلام إذا سألنا عنه وعن قتله (ما شَهِدْنا) ما كنّا حاضرين (مَهْلِكَ أَهْلِهِ) وقت هلاك أهلك أيّها الولي ، فضلا عن أن نكون نحن قتلناه (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما نقول.

[٥٠] (وَمَكَرُوا مَكْراً) بهذا التدبير (وَمَكَرْنا مَكْراً) بأن جازيناهم بإرسال العذاب عليهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بما مكرناهم به ، والمكر عبارة عن تحرّي الأسباب الخفيّة للوصول إلى المقصد.

[٥١] (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) أهلكنا أولئك التسعة (وَقَوْمَهُمْ) الكفّار (أَجْمَعِينَ).

[٥٢] (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) منهدمة خربة (بِما ظَلَمُوا) بسبب ظلمهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) هلاك هؤلاء (لَآيَةً) عبرة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) لأهل العلم فإنهم المتعظون بالعبر.

[٥٣] (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) صالحا عليه‌السلام ومن آمن به (وَكانُوا يَتَّقُونَ) الكفر والعصيان.

[٥٤] (وَ) اذكر (لُوطاً إِذْ) في زمان (قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ترتكبون اللواط (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) تعلمون فحشها وسوءها.

[٥٥] (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً) إتيان شهوة (مِنْ دُونِ النِّساءِ) اللاتي خلقهنّ الله لكم ، وكانت نساؤهم تساحق إطفاء لشهوتها (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).

__________________

(١) بيّت الأمر : عمله ليلا أو دبره ليلا.

٣٩٣

[٥٦] (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) يتنزهون عن فعلنا.

[٥٧] (فَأَنْجَيْناهُ) لوطا عليه‌السلام (وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ) إذ كانت كافرة مثل القوم (قَدَّرْناها) جعلناها (مِنَ الْغابِرِينَ) الباقين الذين شملهم العذاب.

[٥٨] (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) من الحجارة (فَساءَ) فبئس المطر (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) الذين أنذروا فلم يقبلوا الإنذار.

[٥٩] (قُلِ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) الذين اختارهم الله لنبوّته ودينه (آللهُ) أصله أالله (خَيْرٌ) للعبادة (أَمَّا يُشْرِكُونَ) يجعلونه شريكا لله من الأصنام.

[٦٠] (أَمَّنْ) بل من ، أي بل الخير هو من له هذه الصفات : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ) لمنافعكم (مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ) بالماء (حَدائِقَ) بساتين (ذاتَ بَهْجَةٍ) حسن ونضارة (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أي لا تقدرون على إنبات شجر الحدائق بل الله ينبتها (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) حتى يجعل شريكا له (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) من الحق إلى الباطل بجعل الشريك لله سبحانه.

[٦١] (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) ليستقر عليها (وَجَعَلَ خِلالَها) بينها (أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها) للأرض (رَواسِيَ) جبالا (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) بحر الماء العذب الموجود في العيون والأنهار وبحر الماء المالح (حاجِزاً) من الأرض يمنع عن اختلاطهما (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) وحدانية الله فيشركون به.

[٦٢] (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) الذي ألجأته الحاجة ولا مخرج له (إِذا دَعاهُ) دعا الله تعالى فإنه يقضي حاجته (وَيَكْشِفُ) يزيل (السُّوءَ) الحالة السيئة التي وقع الإنسان فيها (وَ) أمّن (يَجْعَلُكُمْ) أيها البشر (خُلَفاءَ الْأَرْضِ) بأن يأتيكم خلف السابقين (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما) تأكيد للقلة (تَذَكَّرُونَ) تتذكرون وتتعظون.

[٦٣] (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) بسبب النجوم والريح وسائر العلامات البريّة والبحرية ، يهديكم إلى مقاصدكم (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً) لأجل البشارة بالمطر (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) قبل نزول المطر ، فإن الرياح تدلّ على المطر في الهواء المناسب له (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ) ارتفع (عَمَّا يُشْرِكُونَ) عن الأصنام التي يشركونها بالله.

٣٩٤

[٦٤] (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) بإيجاده (ثُمَّ يُعِيدُهُ) في يوم القيامة (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يفعل ذلك (قُلْ هاتُوا) ائتوا (بُرْهانَكُمْ) حجتكم على شريك لله في ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في كون شريك لله.

[٦٥] (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) فإنه وحده يعلم ما غاب عن الحواس فله الخلق والقدرة والعلم (وَما يَشْعُرُونَ) لا يعرف هؤلاء الكفّار ، أو من في السماوات والأرض (أَيَّانَ) وقت (يُبْعَثُونَ) ينشرون للقيامة.

[٦٦] (بَلِ ادَّارَكَ) تدارك وتكامل (عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) بأن اقتصر علمهم بأمر الدنيا ، فلا يعلمون الآخرة (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) من الآخرة ، وهذا فوق الجهل (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) كالأعمى الذي لا يبصر ، فالأول جهل بسيط ، والثاني جهل مع الالتفاف ، والثالث جهل مع عناد.

[٦٧] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً) بأن متنا فصرنا في القبر ترابا (وَآباؤُنا) صاروا ترابا (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) من القبر للحساب.

[٦٨] (لَقَدْ وُعِدْنا هذا) البعث (نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) خرافاتهم وأكاذيبهم.

[٦٩] (قُلْ سِيرُوا) سافروا (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) أهلكهم الله بالعذاب ، فإذا سافرتم رأيتم آثارهم وسمعتم أخبارهم ، فإنهم أيضا كذبوا بالمعاد.

[٧٠] (وَلا تَحْزَنْ) يا رسول الله (عَلَيْهِمْ) على هؤلاء الكفّار (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ) لا يضيق صدرك (مِمَّا يَمْكُرُونَ) من مكرهم فإنا نعصمك منهم.

[٧١] (وَيَقُولُونَ مَتى) في أي وقت (هذَا الْوَعْدُ) أي وعدكم بالعذاب إذا بقينا على الكفر (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنه يعذب من لا يؤمن.

[٧٢] (قُلْ) يا رسول الله : (عَسى) لعل (أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) أي تبعكم (بَعْضُ) العذاب (الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) أي تطلبون تعجيله.

[٧٣] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ولذا يؤخر عذاب الكفّار (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) نعمه.

[٧٤] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُ) تخفي (صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) يظهرونه فيجازيهم على كل ذلك.

[٧٥] (وَما مِنْ غائِبَةٍ) خافية على الحواس (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) واضح ، وهو اللوح المحفوظ فيعلم الله كل ذلك.

[٧٦] (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُ) يخبر بالحق (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر المسيح ومريم وعزير عليهم‌السلام وغيرهم.

٣٩٥

[٧٧] (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَهُدىً) دلالة على الحق (وَرَحْمَةٌ) أسباب رحمة (لِلْمُؤْمِنِينَ) فإنهم المنتفعون به.

[٧٨] (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) بين المختلفين في الدين (بِحُكْمِهِ) بما يحكم هو (وَهُوَ الْعَزِيزُ) النافذ قضاؤه (الْعَلِيمُ) بما صدر من كل إنسان.

[٧٩] (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ولا تهتم بالمكذبين (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) الواضح.

[٨٠] (إِنَّكَ) يا رسول الله (لا تُسْمِعُ) إسماعا نافعا (الْمَوْتى) وهؤلاء الكفار كالموتى في عدم انتفاعهم بالكلام (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَ) جمع الأصم (الدُّعاءَ) أي لا تسمعهم دعاءك لهم وكلامك معهم (إِذا وَلَّوْا) أعرض أولئك الصم (مُدْبِرِينَ) بأن أدبروا فإنه لا طمع في إفهام الأصم المدبر.

[٨١] (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ) الذين فقدوا بصرهم (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) فإنهم كالعمي في الضلالة ، فلا تقدر على هداية من عمي قلبه (إِنْ) ما (تُسْمِعُ) إسماعا نافعا (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) بأن يكون في صدد الإيمان ولا يكون معاندا (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) منقادون.

[٨٢] (وَإِذا وَقَعَ) قرب وقوع (الْقَوْلُ) وهو الذي قلناه من البعث (عَلَيْهِمْ) على الناس (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) وذلك من آثار القيامة (أَنَ) بأن (النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) أي لا يتيقنون ، وهذا هو كلام الدابّة.

[٨٣] (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) جماعة ، ولعلهم الرؤساء خصوا بالذكر مع أن الحشر للجميع ، وفي التأويل إنه وقت ظهور الإمام المهدي (عج) (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) من الكفّار (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يحبسون حتى تجتمع جميع الأفواج.

[٨٤] (حَتَّى إِذا جاؤُ) في موقف الحساب (قالَ) الله : (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي) استفهام إنكار وتوبيخ (وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) أي والحال أنّكم لم تنظروا فيها حتى تعلموا صحتها (أَمَّا ذا) أي بل ـ بعد التكذيب ـ (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وهذا استنكار لعملهم ، بعد الاستنكار لعقيدتهم.

[٨٥] (وَوَقَعَ الْقَوْلُ) أي ما وعدناهم من عذابهم ، بأن غشيهم العذاب (عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا) بسبب ظلمهم (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) حينذاك.

[٨٦] (أَلَمْ يَرَوْا) الأدلة الدالة على وجود الله وكمال قدرته (أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) بالنوم والدعة (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) ليبصروا فيه حوائجهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دلالات على وجود الله وقدرته (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فهم المنتفعون بالآيات.

[٨٧] (وَ) ذكرهم (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) البوق ينفخ فيه إسرافيل لإحياء الناس للحساب (فَفَزِعَ) خاف (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أن لا يخاف من الأنبياء والأولياء والملائكة (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) جاءوا إلى حساب الله (داخِرِينَ) صاغرين أذلاء.

[٨٨] (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) ثابتة في أماكنها (وَ) الحال إنّها ليست كذلك بل (هِيَ تَمُرُّ) تسير (مَرَّ السَّحابِ) كما يسير السحاب ، وهي تكون كالقطن المندوف ، وهو (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ومن إتقانه يوم القيامة صيرورة الجبال هكذا (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) فيجازيكم عليه.

٣٩٦

[٨٩] (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) لأنه يجزى بأكثر (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ) خوف وهول (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (آمِنُونَ).

[٩٠] (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بالشرك أو نحوه (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ألقوا فيها منكوسين ويقال لهم : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي هذا جزاء أعمالكم.

[٩١] (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) أي مكة المكرمة (الَّذِي) الرب الذي (حَرَّمَها) جعلها حرما آمنا (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) فإن جميع المخلوقات خلق الله تعالى (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لله تعالى.

[٩٢] (وَأَنْ أَتْلُوَا) أقرأ (الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) فإن ثواب الهداية عائد إلى نفس المهتدي (وَمَنْ ضَلَ) بترك الإجابة (فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) فما عليّ إلّا الإنذار ، أما ضلال الناس فلا يعود وباله إلّا عليهم.

[٩٣] (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) جنس الحمد له فلا يجوز حمد الأصنام وغيرها (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) الأدلة الدالة عليه في المستقبل كما أراكم في الماضي (فَتَعْرِفُونَها) حتى لا يبقى مجال للعذر (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل هو عالم بأعمالكم فيجازيكم عليها.

٢٨ : سورة القصص

مكية آياتها ثمان وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (طسم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (تِلْكَ) هذه (آياتُ الْكِتابِ) القرآن (الْمُبِينِ) الواضح.

[٣] (نَتْلُوا) نقرأ (عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ) بعض خبر (مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِ) بالصدق لا قصتهم محرفة مكذوبة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فإنهم المنتفعون بها.

[٤] (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا) تكبّر (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (وَجَعَلَ أَهْلَها) أهل الأرض (شِيَعاً) فرقا متضاربة (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) يعدهم ضعفاء ، وهم بنو إسرائيل (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) أولادهم الذكور لئلا يكون أحدهم موسى ، حيث أخبرته الكهنة أن أحد أولاد بني إسرائيل سيقضي على فرعون (وَيَسْتَحْيِي) يبقي أحياء (نِساءَهُمْ) لأجل الاستخدام والزواج (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) بالقتل والظلم والكفر.

[٥] (وَنُرِيدُ) أي كنّا أردنا في ذلك الوقت (أَنْ نَمُنَ) نتفضل (عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) وهم بنو إسرائيل (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) للخلق (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) لفرعون وقومه. وفي التأويل إن هذه الآية في الإمام المهدي المنتظر (عج).

٣٩٧

[٦] (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) بأن يتمكنوا من التصرف فيها كيفما شاءوا (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ) وزير فرعون (وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ) أي نريهم من جهة بني إسرائيل (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) يخافون من ذهاب ملكهم على أيدي بني إسرائيل.

[٧] (وَأَوْحَيْنا) ألقينا في قلبها (إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) ما دمت لا تخافين ظهور أمره لجلاوزة فرعون (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) بأن يقتله فرعون (فَأَلْقِيهِ) اجعليه في صندوق وألقي الصندوق (فِي الْيَمِ) البحر (وَلا تَخافِي) أن يغرق (وَلا تَحْزَنِي) لفراقه (إِنَّا رَادُّوهُ) نرده (إِلَيْكِ) عن قريب ، فأرضعته ثلاثة أشهر ثم جعلته في صندوق مطلي بالقير وألقته في الماء (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

[٨] (فَالْتَقَطَهُ) أخذه (آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ) موسى عليه‌السلام ، واللام للعاقبة (لَهُمْ عَدُوًّا) يعاديهم (وَحَزَناً) أسباب حزنهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) عاصين لربهم.

[٩] (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) وذلك لما التقطوه من الماء وأراد فرعون قتله : إن موسى عليه‌السلام (قُرَّتُ عَيْنٍ) نفرح به (لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى) لعل (أَنْ يَنْفَعَنا) باستخدامه في أمورنا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) لأنهم ما كان لهم ولد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بأن هلاكهم على يده.

[١٠] (وَأَصْبَحَ فُؤادُ) قلب (أُمِّ مُوسى فارِغاً) فإن الإنسان إذا أهمّه أمر فأنجزه يفرغ قلبه عن تلك المهمة (إِنْ) إنها ، بعد أن ألقته في الماء (كادَتْ) قربت (لَتُبْدِي بِهِ) لتظهر بأمر موسى عليه‌السلام جزعا (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) سكّناها حفظا لها وله (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فإن ربطنا كان لأجل إيمانها ، فإن الله إذا ربط على قلب إنسان انقاد له تعالى وصبر على قضائه.

[١١] (وَقالَتْ) أم موسى عليه‌السلام (لِأُخْتِهِ) لأخت موسى عليه‌السلام : (قُصِّيهِ) اتبعي أثر موسى عليه‌السلام حتى تعلمي أين صار (فَبَصُرَتْ) الأخت (بِهِ) بموسى عليه‌السلام وهو في بيت فرعون (عَنْ جُنُبٍ) عن بعد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بأنها أخته وتريد التعرف عليه.

[١٢] (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ) على موسى عليه‌السلام (الْمَراضِعَ) أماكن الرضاع أي ثدي النساء (مِنْ قَبْلُ) قبل أن تقص أخته أثره فلم يكن يأخذ موسى عليه‌السلام ثدي امرأة (فَقالَتْ) الأخت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) أرشدكم (عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) بالإرضاع والتربية (وَهُمْ لَهُ) لموسى عليه‌السلام (ناصِحُونَ) يقومون بأمره كاملا.

[١٣] (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ) لأجل أن (تَقَرَّ عَيْنُها) بولدها (وَلا تَحْزَنَ) لفراقه (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ) حيث وعدها بردّه إليها (حَقٌ) صدق (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أكثر الناس (لا يَعْلَمُونَ) أن وعده حق.

٣٩٨

[١٤] (وَلَمَّا بَلَغَ) موسى عليه‌السلام (أَشُدَّهُ) كمال قوته (وَاسْتَوى) تم في استحكام (آتَيْناهُ) أعطيناه (حُكْماً) أن يحكم على الناس ، فإن الحكومة شأن من خوله الله (وَعِلْماً) نبوة (وَكَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) من أحسن في العقيدة والعمل.

[١٥] (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) بعد أن كان خارجا عنها لغرض (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) بأن لم يكونوا منتشرين في الطرق (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) أشياع موسى عليه‌السلام ، من بني إسرائيل (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) من القبط (فَاسْتَغاثَهُ) طلب غوثه وإعانته (الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى) فضرب موسى عليه‌السلام القبطي بجميع كفه (فَقَضى عَلَيْهِ) بأن قتله (قالَ) موسى عليه‌السلام بعد أن قتله : (هذا) التخاصم الذي كان بينهما (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) لأنه يأمر به (إِنَّهُ عَدُوٌّ) للإنسان (مُضِلٌ) له (مُبِينٌ) ظاهر الضلال.

[١٦] (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، أي مجيئي إلى المدينة كان في غير موقعه (فَاغْفِرْ لِي) الغفران الستر ، أي استرني من فرعون (فَغَفَرَ لَهُ) بأن ستره عن أعين أعدائه (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

[١٧] (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) بسبب إنعامك عليّ (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) بل أكون عونا لأوليائك كما كنت عون الإسرائيلي على القبطي.

[١٨] (فَأَصْبَحَ) موسى عليه‌السلام في اليوم الثاني (فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) من بأس فرعون (يَتَرَقَّبُ) ينتظر الأخبار في أمر قتل القبطي (فَإِذَا الَّذِي) الإسرائيلي الذي (اسْتَنْصَرَهُ) طلب نصرة موسى عليه‌السلام (بِالْأَمْسِ) حال نزاعه مع القبطي المقتول (يَسْتَصْرِخُهُ) يطلب من موسى عليه‌السلام أيضا أن يعينه حيث أخذ يتخاصم مع قبطي آخر (قالَ لَهُ) للإسرائيلي (مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌ) أي منحرف عن طريق المعاشرة حيث تخاصم كل يوم شخصا (مُبِينٌ) بين الغواية.

[١٩] (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ) موسى عليه‌السلام (أَنْ يَبْطِشَ) يضرب ويأخذ بشدة (بِالَّذِي) بالقبطي (هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) لموسى عليه‌السلام والإسرائيلي (قالَ) الإسرائيلي ، وقد ظن أن موسى عليه‌السلام يريد البطش به : (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ) ما (تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً) متطاولا بالقهر (فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) بين الناس فانتشر الخبر وبلغ فرعون فأخذ في طلب موسى عليه‌السلام ليقتله.

[٢٠] (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) آخر مصر (يَسْعى) يسرع في المشي (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ) أشراف قوم فرعون (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) يتشاورون فيك (لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) من مصر (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ).

[٢١] (فَخَرَجَ مِنْها) من أرض مصر (خائِفاً) من فرعون (يَتَرَقَّبُ) الأخبار (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

٣٩٩

[٢٢] (وَلَمَّا تَوَجَّهَ) موسى عليه‌السلام (تِلْقاءَ) جهة (مَدْيَنَ) وهي قرية شعيب النبي عليه‌السلام (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ) وسط (السَّبِيلِ) الطريق المؤدي إلى السلامة.

[٢٣] (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) بئر كانت في خارج المدينة (وَجَدَ عَلَيْهِ) على الماء (أُمَّةً) جماعة (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) مواشيهم من البئر (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) ورائهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) تمنعان شياههم عن الماء (قالَ) موسى عليه‌السلام : (ما خَطْبُكُما) ما شأنكما تذودان (قالَتا لا نَسْقِي) شياهنا (حَتَّى يُصْدِرَ) ينصرف (الرِّعاءُ) جمع الراعي ، أي يتمّ الرعاة إشراب شياههم وينصرفون فنسقي شياهنا (وَأَبُونا شَيْخٌ) كثير السن (كَبِيرٌ) في العمر فلا يقدر على السقي ولذا يضطر لإخراجنا.

[٢٤] (فَسَقى) موسى عليه‌السلام (لَهُما) بأن فتح الماء لأجلهما (ثُمَّ تَوَلَّى) انصرف (إِلَى الظِّلِ) بأن جلس تحت ظل شجرة (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما) متعلق ب (فقير) (أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) بيان (ما) والمراد به الطعام (فَقِيرٌ) محتاج لأنه كان جائعا ، فذهبت البنتان وأخبرتا أباهما شعيبا عليه‌السلام بالخبر فأرسل إحداهما لتأتي بموسى عليه‌السلام.

[٢٥] (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) جاءت إحدى البنتين إلى موسى عليه‌السلام (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) على حالة الحياء (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) يا موسى عليه‌السلام (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) فأجابها موسى عليه‌السلام وذهب إلى بيت شعيب عليه‌السلام (فَلَمَّا جاءَهُ) جاء موسى شعيبا (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) قصته في مصر (قالَ) شعيب عليه‌السلام : (لا تَخَفْ) يا موسى عليه‌السلام (نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) إذ لا سلطان لفرعون على بلادنا.

[٢٦] (قالَتْ إِحْداهُما) إحدى البنتين : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) اتخذه أجيرا لك (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) خبر (إن) أي إن خير الأجراء من كان قويا على العمل وأمينا ، وموسى عليه‌السلام جامع لهذين الوصفين.

[٢٧] (قالَ) شعيب عليه‌السلام : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) أزوجك (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) تكون أجيرا لي في مقابل النكاح ، بأن يكون ذلك مهرا (ثَمانِيَ حِجَجٍ) سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) بأن خدمتني عشر سنوات (فَمِنْ عِنْدِكَ) تفضل منك تلك السنتان (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) بتكثير العمل عليك (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) في حسن الصحبة.

[٢٨] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (ذلِكَ) الذي قلت (بَيْنِي وَبَيْنَكَ) تزوجني البنت وأخدمك المدة (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) الثمان أو العشر (قَضَيْتُ) أتممت (فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) لا تعدي عليّ بأن تطلب مني الأكثر (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) شهيد.

٤٠٠