تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[١٥٢] (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي) بالصفة التي (هِيَ أَحْسَنُ) كحفظه واسترباحه (حَتَّى يَبْلُغَ) اليتيم (أَشُدَّهُ) قوته بأن يصير بالغا رشيدا (وَأَوْفُوا) بأن لا تنقصوا (الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) بالعدل (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي ما يتمكن عليه فهذه التكاليف مقدورة للإنسان (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ) قولكم الضار في (ذا قُرْبى) أقرباؤكم (وَبِعَهْدِ اللهِ) أحكامه (أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون.

[١٥٣] (وَ) اعلموا (أَنَّ هذا) الذي في هذه السورة من الأصول والأحكام (صِراطِي مُسْتَقِيماً) في حال كونه مستقيما (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) الطرق الأخرى (فَتَفَرَّقَ) أي تتفرق ، بمعنى تميل تلك السبل (بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ) الاتباع (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الضلال.

[١٥٤] (ثُمَ) للترتيب الذكري (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (تَماماً) أي لأجل إتمام النعمة (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) في تبليغه وهو موسى عليه‌السلام (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) من الأصول والفروع (وَهُدىً) دلالة إلى الحق (وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ) أي بني إسرائيل (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) جزائه (يُؤْمِنُونَ).

[١٥٥] (وَهذا) القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) كثير الخير (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

[١٥٦] (أَنْ) أي إنما أنزلنا القرآن لكراهة أن (تَقُولُوا) أيها المعاصرون للرسول (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ) اليهود والنصارى (مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ) مخففة ، أي إنا (كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ) أي دراسة اليهود والنصارى (لَغافِلِينَ) إذ لم نعرف أن كتبهم موجهة إلينا ولذا لم نتبعهم.

[١٥٧] (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) أي أكثر اتباعا من اليهود والنصارى (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ) دليل واضح وهو القرآن (مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) بعد أن عرفها (وَصَدَفَ) أعرض (عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) العذاب السيئ (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) بسبب إعراضهم.

١٦١

[١٥٨] (هَلْ يَنْظُرُونَ) ماذا ينتظر كفار مكة ، حتى لا يؤمنوا (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) ملك الموت (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) بزعمهم (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) من أنواع العذاب (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) كعلامات الموت (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) فاعل (لا ينفع) ، إذا كانت (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) أي طاعة وعبادة ، فإن الإنسان إذا رأى العذاب سقط التكليف ، فلا ينفع الإيمان ولا الطاعة حينئذ (قُلِ انْتَظِرُوا) حتى يأتيكم العذاب (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ).

[١٥٩] (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) اختلفوا فيه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أنت لا ترتبط بهم (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) يتولى جزاءهم (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) بعد أن يحشروا إليه (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) ليعاقبهم بذلك.

[١٦٠] (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) فضلا (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) عدلا (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

[١٦١] (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، دِيناً) أي هداني دينا (قِيَماً) مستقيما (مِلَّةَ) أي طريقة ، وهذا بيان للدين (إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) مائلا عن الشرك (وَما كانَ) إبراهيم عليه‌السلام (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كما يزعم أهل الكتاب أنه كان يهوديا أو نصرانيا.

[١٦٢] (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) عبادتي (وَمَحْيايَ) حياتي (وَمَماتِي) موتي (لِلَّهِ) فأحيي لله وأموت في سبيل الله (رَبِّ الْعالَمِينَ).

[١٦٣] (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) فإن إسلام كل نبي مقدم على إسلام أتباعه.

[١٦٤] (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي) أطلب ، والاستفهام للإنكار (رَبًّا وَ) الحال (هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) فإن إشراككم لا يضرني (وَلا تَزِرُ) أي لا تحمل (وازِرَةٌ) نفس آثمة (وِزْرَ) إثم نفس (أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) رجوعكم إلى ثوابه وعقابه (فَيُنَبِّئُكُمْ) أي يخبركم لأجل الجزاء (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) فيميز بين الحق والباطل.

[١٦٥] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ) يخلف بعضكم بعضا (الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) في العلم والمال والمكانة وغيرها (دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ) يخبركم (فِي ما آتاكُمْ) أعطاكم (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) فاحذروه (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فارجوه.

١٦٢

٧ : سورة الأعراف

مكية آياتها مائتان وست

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (المص) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] هذا القرآن (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) ضيق (مِنْهُ) أي من هذا الكتاب ، لصعوبة تبليغه (لِتُنْذِرَ) متعلق ب (أنزل) (بِهِ وَ) هو (ذِكْرى) أي مذكر (لِلْمُؤْمِنِينَ).

[٣] (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) تطيعونهم في عصيان الله (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) تذكرا قليلا.

[٤] (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أردنا إهلاك أهلها (فَجاءَها بَأْسُنا) عذابنا (بَياتاً) ليلا (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) في حالة القيلولة قبل الظهر.

[٥] (فَما كانَ دَعْواهُمْ) استغاثتهم وكلامهم (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) عذابنا (إِلَّا) الاعتراف بظلمهم ب (أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).

[٦] (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) أي الأمم (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) عن تأدية الرسالة.

[٧] (فَلَنَقُصَّنَ) أحوالهم (عَلَيْهِمْ) على الرسل والأمم (بِعِلْمٍ) في حال كوننا عالمين بها (وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم حال أعمالهم حتى نجهلها.

[٨] (وَالْوَزْنُ) للأعمال (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (الْحَقُ) لا زيادة فيه ولا نقصان (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) حسناته (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون.

[٩] (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) إذ اشتروا العذاب (بِما) بسبب ما (كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) أنفسهم.

[١٠] (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) جمع معيشة : أسباب العيش (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) نعمي.

[١١] (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) أي التراب الذي أصلكم (ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أعطينا الصورة (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).

١٦٣

[١٢] (قالَ) الله (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) ما حملك على أن لا تسجد (إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ) الشيطان (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) من آدم عليه‌السلام (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) والنار أشرف من الطين.

[١٣] (قالَ فَاهْبِطْ) اخرج (مِنْها) من الجنة (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) إذ ليست الجنة محل المتكبرين (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الصاغر : الذليل.

[١٤] (قالَ أَنْظِرْنِي) أمهلني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) يوم القيامة.

[١٥] (قالَ) الله (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).

[١٦] (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) أي سببت ضلالي بخلق آدم عليه‌السلام (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) لأقعد للتربص بهم كاللص يتربص في الطريق (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).

[١٧] (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) جوانبهم الأربع ، كناية عن الإحاطة بهم (وَلا تَجِدُ) يا الله (أَكْثَرَهُمْ) أكثر بني آدم (شاكِرِينَ).

[١٨] (قالَ) الله (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) مذموما (مَدْحُوراً) مطرودا (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) من بني آدم (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ) ذرية آدم والأبالسة (أَجْمَعِينَ).

[١٩] (وَ) قلنا (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) من ثمارها (وَلا تَقْرَبا) بالأكل (هذِهِ الشَّجَرَةَ) شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) إذ اقتربتما هذه الشجرة والظلم بترك الأولى.

[٢٠] (فَوَسْوَسَ) أوهم انه ناصح (لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ) أي ليظهر (لَهُمَا) لآدم وحواء (ما وُورِيَ) ستر (عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) فروجهما أي كانت عاقبة الوسوسة تعريتهما عن ملابسهما (وَقالَ) الشيطان بصدد إغوائهما (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا) كراهة (أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) فإذا أكلتما منها صرتما من الملائكة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) في الجنة ، فإن من أكل منها صار ملكا أو خالدا في الجنة ، والله لم يرد ذلك لكما ولذا نهى عن أكلها.

[٢١] (وَقاسَمَهُما) أقسم لهما بالله (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).

[٢٢] (فَدَلَّاهُما) أي أنزلهما من رتبتهما العالية (بِغُرُورٍ) بأن غرهما وخدعهما ، فإنهما لم يكونا يحتملان أن يحلف بالله كاذبا (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) ابتداء بالأكل (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ظهرت لهما عورتهما لأن ألبستهما سقطت عن أجسامهما (وَطَفِقا) شرعا (يَخْصِفانِ) يرقعان (عَلَيْهِما) على أنفسهما (مِنْ وَرَقِ) شجر (الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر ، والاستفهام للعتاب واللوم.

١٦٤

[٢٣] (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) لأنا سببنا نزولنا عن الجنة (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فإن الخروج عن الجنة من أعظم الخسارات.

[٢٤] (قالَ) الله (اهْبِطُوا) يا آدم وحواء وإبليس (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) استقرار (وَمَتاعٌ) تمتع بالملذات (إِلى حِينٍ) البعث.

[٢٥] (قالَ) الله (فِيها) أي في الأرض (تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) للجزاء.

[٢٦] (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) فإن تدبير السماء أوجب تكون اللباس (يُوارِي) يستر (سَوْآتِكُمْ) عوراتكم (وَ) أنزلنا (رِيشاً) أي لباس التجمل (وَلِباسُ التَّقْوى) بأن يتقي الإنسان كأنه لبس ما يستر جرائمه ورذائله ، فاللباس على ثلاثة أقسام : لباس الستر ولباس التجمل ولباس التقوى (ذلِكَ خَيْرٌ) لان التقوى تنفع الإنسان في دنياه وآخرته (ذلِكَ) إنزال اللباس (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالة على فضله ورحمته (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) يتذكرون نعم الله فيتجنبون الآثام.

[٢٧] (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ) لا يخدعنكم (الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ) الشيطان (عَنْهُما) عن الأبوين (لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ) تأكيد للتحرز (يَراكُمْ) الشيطان (هُوَ وَقَبِيلُهُ) جنوده الأبالسة (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) للطافة أجسامهم (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي مكّنا الشياطين من خذلان الكفار.

[٢٨] (وَإِذا فَعَلُوا) أي الذين لا يؤمنون (فاحِشَةً) معصية كبيرة (قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها) أي عمل هذه الفاحشة (آباءَنا وَ) قالوا (اللهُ أَمَرَنا بِها) بإتيان هذه الفاحشة (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) بالقبائح (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فلا علم لكم بأن الله أمر بذلك ، وهذا استفهام إنكاري.

[٢٩] (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَ) أمر أن (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي توجهوا إلى الله في كل مسجد ، فلم يأمر الله بالشرك ولا بالقبائح ـ كما زعمتم ـ (وَادْعُوهُ) اعبدوا الله (مُخْلِصِينَ) في حالة الإخلاص له بدون شرك ورياء (لَهُ) أي لله (الدِّينَ) الطاعة والعبادة ، أي أخلصوا العبادة له (كَما بَدَأَكُمْ) خلقكم (تَعُودُونَ) إليه في يوم القيامة ، أي ادعوه لأنكم مجازون في الآخرة.

[٣٠] في حال كونه (فَرِيقاً هَدى) هدى جماعة (وَفَرِيقاً حَقَ) ثبت (عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) لأنهم تركوا اتباع الحق (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ) بأن سمعوا كلام الشياطين (مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ) أي يظنون (أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) على هداية.

١٦٥

[٣١] (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) لباس التزين (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فإن الإنسان إذا ذهب إلى المسجد فقد ذهب إلى خدمة مالك الملوك (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) بالزيادة في الأكل والشرب (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فإن عدم حب الله كاف في ترك الإنسان لذلك الشيء.

[٣٢] (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) الإضافة للتشريف ، أي مطلق الزينة (الَّتِي أَخْرَجَ) تلك الزينة (لِعِبادِهِ وَ) من حرم (الطَّيِّباتِ) المستلذات غير المحرمة (مِنَ الرِّزْقِ) والاستفهام في معنى النفي (قُلْ هِيَ) الزينة والطيبات (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فإن الله خلق الزينة للمؤمنين في الدنيا ، ويشاركهم الكافرون تعديا ، في حال كونها (خالِصَةً) للمؤمنين ، فلا يشاركهم الكافرون فيها (يَوْمَ الْقِيامَةِ) إلى الأبد (كَذلِكَ) هكذا (نُفَصِّلُ) تفصيلا واضحا (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فإن غير العالم لا يفهم هذه الحقائق.

[٣٣] (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) المعاصي الكبار (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) الظاهرة والمخفية (وَ) حرّم (الْإِثْمَ) الخمر ، أو يعني سائر الآثام (وَالْبَغْيَ) الظلم (بِغَيْرِ الْحَقِ) وصف تأكيدي (وَ) حرم (أَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) أي بشركه (سُلْطاناً) أي دليلا فانه تعالى لم ينزل دليلا بكون الأصنام شركاء له (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) بالافتراء عليه.

[٣٤] (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أمد تنتهي تلك الأمة بمجيء ذلك الأمد (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) بأن جاء ليصل إليهم (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) أي لا يتأخرون مقدار ساعة ولا يتقدمون على ذلك الوقت.

[٣٥] (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا) أي (إن ما) وما زائدة (يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) من جنسكم (يَقُصُّونَ) يخبرون (عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى) المعاصي (وَأَصْلَحَ) حاله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) خوفا وحزنا يشملان الكافرين في الدنيا والآخرة.

[٣٦] (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) بأن تكبروا فلم يقبلوها (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) الملازمون لها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) باقون دائما.

[٣٧] (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا أحد أظلم منه (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) بأن نسب إليه ما لم يقله ، أو نسب إليه أنه لم يقل ما قاله (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ) حظهم (مِنَ الْكِتابِ) مما كتب لهم من الأرزاق والآجال (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) ملائكة الموت (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) لأجل أن يقبضون أرواحهم (قالُوا) أي الملائكة لهم (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أين الأصنام التي عبدتموها (قالُوا) الكفار (ضَلُّوا) غابوا (عَنَّا) فلا ينفعون الآن (وَشَهِدُوا) اعترفوا (عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) لا مسلمين لله ، فإنهم في الحياة كانوا يقولون نحن مطيعون لله.

١٦٦

[٣٨] (قالَ) الله لهم يوم القيامة (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) في جملة أقوام كفار (قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) متعلق ب (ادخلوا) (كُلَّما دَخَلَتْ) في النار (أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) أي الأمة الأخرى التي ضلت بسبب الاقتداء بها (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا) تلاحقت الأمم واجتمعت (فِيها) في النار (جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ) أي الأمة المتأخرة (لِأُولاهُمْ) الأمة المتقدمة (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) فإن المتقدم سبب إضلال المتأخر (فَآتِهِمْ) أي أعطهم (عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) لأنهم ضلوا وأضلوا (قالَ) الله (لِكُلٍ) من الفريقين (ضِعْفٌ) لأن كل طائفة ضلت وأضلت الطائفة المتأخرة (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) ما لكل فريق.

[٣٩] (وَقالَتْ أُولاهُمْ) أي الأمة المتقدمة (لِأُخْراهُمْ) الأمة المتأخرة (فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) حتى تستحقوا نصف عذابنا أو حتى نتحمل نصف عذابكم (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) لأنكم كفرتم كما كفرنا ، وأضللتم كما أضللنا.

[٤٠] (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) تكبروا عن الإيمان بها (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) لرفع أعمالهم إلى عليين (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ) يدخل (الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ثقبة الإبرة ، وهذا بيان لاستحالة دخولهم الجنة (وَكَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ).

[٤١] (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) فراش من نار (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أغطية من نار (وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).

[٤٢] (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) فلا تكاليف شاقة عليهم في الدنيا ، وفي الآخرة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون.

[٤٣] (وَنَزَعْنا) أخرجنا (ما فِي صُدُورِهِمْ) أي قلوبهم (مِنْ غِلٍ) حقد ، فإن القلوب تطهر وتطيب في الآخرة فلا تحاسد ولا تباغض (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) تحت قصورهم (الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أي أرشدنا الطريق الموصل للجنة (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي لم نصل إلى الجنة لو لا هداية الله لنا إليها (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) فاهتدينا بإرشادهم (وَنُودُوا) ناداهم الملائكة ، تبشيرا لهم (أَنْ) مخففة من الثقيلة (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها) صارت إرثا وعائدة إليكم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بسبب أعمالكم الصالحة.

١٦٧

[٤٤] (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) فقد وعدنا الجنة وها هي قد دخلناها (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العقاب (حَقًّا قالُوا) الكفار (نَعَمْ) وجدناه حقا (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) فنادى مناد (بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ) بعده وطرده وعذابه (عَلَى الظَّالِمِينَ).

[٤٥] (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يمنعون الناس عن الإيمان (وَيَبْغُونَها) يطلبون السبيل (عِوَجاً) بأن يكون منحرفا ، مثلا السبيل المستقيم هو التوحيد والمشرك يريد الانحراف عنه إلى الشرك (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) لا يعتقدون بالآخرة.

[٤٦] (وَبَيْنَهُما) أي بين الجنة والنار (حِجابٌ) يمنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى (وَعَلَى الْأَعْرافِ) جمع عرف وهو المرتفع ، فبين الجنة والنار مرتفعات ، عليها (رِجالٌ) وظاهر الآية انهم ليسوا من أهل النار ويطمعون في دخول الجنة ، أو أنهم من أهل الكرامة والقرب عند الله وذلك لتسليمهم على أصحاب الجنة وعتابهم لأهل النار ولأمرهم أصحاب الجنة بالدخول فيها ، وللآية بطن فسّر بآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَعْرِفُونَ) أولئك الرجال (كُلًّا) من أهل الجنة والنار (بِسِيماهُمْ) أي بعلائم وجوههم ، كالسواد لأهل النار والبياض لأهل الجنة (وَنادَوْا) أهل الأعراف (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) قائلين (أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها) لم يدخل أهل الأعراف الجنة بعد (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) في دخولها (١).

[٤٧] (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) أي توجهت أنظار أهل الأعراف (تِلْقاءَ) جهة (أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا) في النار (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

[٤٨] (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) من الكفار (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي بعلائم وجوههم (قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) أموالكم وأولادكم وأتباعكم ، لم ينفع في رفع العذاب عنكم (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) أي ما أغنى عنكم كبريائكم في رفع العذاب.

[٤٩] ثم يقولون للكفار (أَهؤُلاءِ) المؤمنون ، ويشيرون إلى الذين كانوا يستضعفونهم الكفار (الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ) أيها الكفار (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) فكنتم تقولون إن الله لا يدخلهم الجنة ، ثم التفت أصحاب الأعراف إلى أولئك المؤمنين قائلين لهم (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).

[٥٠] (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) أي صبوا علينا بعض الماء لنشربه (أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من سائر الأطعمة (قالُوا) المؤمنون (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما) الماء والرزق (عَلَى الْكافِرِينَ).

[٥١] (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) كانوا يلهون باسم الدين ويجعلونه ألعوبة في أيديهم (وَغَرَّتْهُمُ) خدعتهم (الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) نتركهم ونفعل بهم فعل الناسي فلا نعطيهم الماء والطعام (كَما نَسُوا) فلم يستعدوا (لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَ) ك (ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أي ينكرون.

__________________

(١) وربما يحتمل في تفسير الآية : (وَنادَوْا) أي اهل الأعراف (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أي المؤمنين الذين عرفوهم بسيماهم انهم من أصحاب الجنة ... (لَمْ يَدْخُلُوها) أي لم يدخل الجنة أصحاب الجنة بعد ، أما رجال الأعراف وهم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدخلونها قبلهم ... (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) أي أبصار أصحاب الجنة ، والله العالم.

١٦٨

[٥٢] (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ) شرحنا فيه العقائد والأحكام (عَلى عِلْمٍ) أي لم يصدر الكتاب عن جهل بالواقع (هُدىً) لأجل هدايتهم (وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

[٥٣] (هَلْ يَنْظُرُونَ) الكفار (إِلَّا تَأْوِيلَهُ) أي ما يؤول إليه أمر القرآن ، فان ظهور مآل القرآن إنما هو في القيامة (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) وهو يوم القيامة (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ) أي لم يعملوا بالقرآن كأنهم ناسين له (مِنْ قَبْلُ) في الدنيا (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) الآن عرفنا ذلك (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا) اليوم (لَنا) حتى لا ندخل النار (أَوْ) هل (نُرَدُّ) نرجع إلى الدنيا (فَنَعْمَلَ) صالحا (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) من الكفر والضلال (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بصرف أعمارهم في الكفر والعصيان (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي الأصنام لم تشفع لهم ، فقد غابت الأصنام عنهم.

[٥٤] (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي) مقدار (سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى) توجه (عَلَى الْعَرْشِ) فخلقه (يُغْشِي) الله (اللَّيْلَ) أي يغطي بسبب ظلمة الليل (النَّهارَ يَطْلُبُهُ) أي يطلب الليل النهار ، لأنه في عقبه كالطالب له (حَثِيثاً) أي بشدة فكلما جاء النهار جاء الليل في عقبه ليعدمه (وَ) خلق (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ) أي في حال كونها مذللات (بِأَمْرِهِ) تعالى (أَلا) للتنبيه (لَهُ) لله (الْخَلْقُ) فهو يخلق كل شيء (وَالْأَمْرُ) فهو الآمر الذي يجب أن ينفّذ أمره (تَبارَكَ اللهُ) أي دام خيره (رَبُّ الْعالَمِينَ).

[٥٥] (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً) باستكانة (وَخُفْيَةً) سرّا فإنه أقرب إلى الإخلاص (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الذين يجاوزون الحدود.

[٥٦] (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالكفر والمعاصي (بَعْدَ إِصْلاحِها) أي أصلح الأرض الأنبياء عليهم‌السلام (وَادْعُوهُ خَوْفاً) منه (وَطَمَعاً) في رحمته (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فأحسنوا حتى تنالوا رحمته.

[٥٧] (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) من مكان إلى مكان آخر (بُشْراً) جمع بشير أي مبشرات (بَيْنَ يَدَيْ) أمام (رَحْمَتِهِ) المطر (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) الرياح أي حملت (سَحاباً ثِقالاً) بالماء (سُقْناهُ) أي السحاب (لِبَلَدٍ) أي إلى مكان (مَيِّتٍ) لا زرع فيه ولا ضرع (فَأَنْزَلْنا بِهِ) أي بسبب السحاب (الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ) أي بسبب الماء (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) جميع أنواعها (كَذلِكَ) أي هكذا (نُخْرِجُ الْمَوْتى) ونحييهم بعد موتهم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) بأن القادر على إحياء الأرض قادر على إحياء الميت.

١٦٩

[٥٨] (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) الكريم التربة (يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمره زاكيا حسنا (وَ) البلد (الَّذِي خَبُثَ) كالسبخة (لا يَخْرُجُ) نباته (إِلَّا نَكِداً) قليلا بلا نفع (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) نرددها ونكرّرها (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) إذ هم يعرفون قدر هذه الآيات.

[٥٩] (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ) ليس لكم (مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) غير الله (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن لم تؤمنوا (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يوم القيامة.

[٦٠] (قالَ الْمَلَأُ) الأشراف (مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ) يا نوح (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) واضح.

[٦١] (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) فلست ضالا (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[٦٢] (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) لأن كل حكم رسالة (وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) بالوحي (ما لا تَعْلَمُونَ).

[٦٣] (أَوَعَجِبْتُمْ) أي أكذبتم فعجبتم ، والاستفهام للإنكار ، أي لا تعجب (أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ) رسالة (مِنْ رَبِّكُمْ عَلى) لسان (رَجُلٍ مِنْكُمْ) من جنسكم وقومكم (لِيُنْذِرَكُمْ) وبال الكفر (وَلِتَتَّقُوا) الكفر والمعاصي (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) يرحمكم الله إذا أطعتم.

[٦٤] (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَ) أنجينا (الَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين (فِي الْفُلْكِ) السفينة (وَأَغْرَقْنَا) بالطوفان (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ) أي المكذبين (كانُوا قَوْماً عَمِينَ) عمي القلوب غير مستبصرين.

[٦٥] (وَ) أرسلنا (إِلى) قبيلة (عادٍ أَخاهُمْ) الذي كان منهم (هُوداً) عطف بيان ل (أخاهم) (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) عذاب الله.

[٦٦] (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) حمق (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادعائك الرسالة.

[٦٧] (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

١٧٠

[٦٨] (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) مأمون في تبليغ الرسالة.

[٦٩] (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا) نعمة الله (إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) ورثتم الأرض خلفا (مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ) الله (فِي الْخَلْقِ) أي الخلقة (بَصْطَةً) قوة (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) أي نعمه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تفوزون.

[٧٠] (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ) نترك (ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أنّا إذا لم نؤمن نعذّب.

[٧١] (قالَ) هود عليه‌السلام (قَدْ وَقَعَ) ثبت وحقّ (عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ) عذاب (وَغَضَبٌ) من الله (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ) للأصنام (سَمَّيْتُمُوها) آلهة ، بلا حقيقة (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها) أي بتلك الأسماء ، فالله لم يقل هذه آلهة (مِنْ سُلْطانٍ) حجة وبرهان (فَانْتَظِرُوا) العذاب (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).

[٧٢] (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) بأن آمنوا به (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) عليهم (وَقَطَعْنا) استأصلنا (دابِرَ) القوم ، أي القوم إلى آخرهم (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ).

[٧٣] (وَ) أرسلنا (إِلى) قبيلة (ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) النبي عليه‌السلام (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ) معجزة (مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ) الإضافة للتشريف (لَكُمْ آيَةً) دليل على صدق دعواي (فَذَرُوها) اتركوها (تَأْكُلْ) من العشب (فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) لا تسيئوا إليها (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

١٧١

[٧٤] (وَاذْكُرُوا) نعمة الله عليكم (إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ) مكنكم (فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها) سهول الأرض (قُصُوراً) بأن تبنون في السهل القصور (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) تصنعون البيوت في الجبال (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) نعمائه (وَلا تَعْثَوْا) لا تفسدوا (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) حال للتأكيد.

[٧٥] (قالَ الْمَلَأُ) جماعة الأشراف (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان (مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) أي عدّوهم ضعفاء (لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) بدل من (الذين استضعفوا) (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) استفهام استهزائي (قالُوا) أي المستضعفون (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ) صالح عليه‌السلام (مُؤْمِنُونَ).

[٧٦] (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) تكبروا عن الإيمان (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ) من التوحيد وأقوال صالح عليه‌السلام (كافِرُونَ).

[٧٧] (فَعَقَرُوا) أي جرحوا (النَّاقَةَ وَعَتَوْا) استكبروا (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) عن امتثاله (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

[٧٨] (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) زلزلة شديدة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) صرعى على وجوههم.

[٧٩] (فَتَوَلَّى) أعرض صالح عليه‌السلام (عَنْهُمْ وَقالَ) مخاطبا لجثثهم الهالكة (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).

[٨٠] (وَ) أرسلنا (لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) وهي اللواط (ما سَبَقَكُمْ بِها) بالفاحشة ، والاستفهام للإنكار (مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ).

[٨١] (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً) أي لأجل الشهوة (مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي مجاوزون الحد.

١٧٢

[٨٢] (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) له (إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ) أي لوطا عليه‌السلام والمؤمنين به (مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) من الفواحش.

[٨٣] (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ) كانت كافرة (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) الذين بقوا في ديارهم فهلكوا.

[٨٤] (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) نوعا عجيبا من المطر وهو الحجارة (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).

[٨٥] (وَ) أرسلنا (إِلى مَدْيَنَ) وهم قبيلة (أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ) أي معجزة على صدقي (مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أدوا حقوق الناس كاملة (وَلا تَبْخَسُوا) البخس : النقص (النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالكفر والعصيان (بَعْدَ إِصْلاحِها) بالأنبياء عليهم‌السلام (ذلِكُمْ) العمل الذي أمرتكم به (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

[٨٦] (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) طريق (تُوعِدُونَ) أي تخوفون الناس بالقتل حيث كانوا يقطعون الطريق (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) تمنعون الناس عن الإيمان (مَنْ آمَنَ بِهِ) أي بالله (وَتَبْغُونَها) تطلبون السبيل (عِوَجاً) أن تكون معوّجة (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) بالنسل الخصب (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) من الأمم السابقة حيث نزل عليهم العقاب.

[٨٧] (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) أي بين الفريقين بإنجاء المحق وإهلاك المبطل (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) لأنه يحكم بالعدل.

١٧٣

[٨٨] (قالَ الْمَلَأُ) الأشراف (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) تكبروا عن قبول الحق (مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) طريقتنا بأن تكفروا (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) أي كيف نعود فيها ونحن كارهون لطريقتكم.

[٨٩] (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) بأن نشرك ، لأن الشرك كذب فإذا نسبناه إلى الله كان افتراء عليه (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ) يصح (لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) وهذا من قبيل التعليق على المحال ، وذلك لأجل يأس الكفار عن عودهم إلى ملة الكفر (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) فهو أعلم بما تعبّدنا به من التوحيد (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) في أمورنا (رَبَّنَا افْتَحْ) اقض ، والفتّاح القاضي (بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا) الكفار (بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ).

[٩٠] (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) بعضهم لبعض (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً) حال اتباعكم شعيبا عليه‌السلام (لَخاسِرُونَ).

[٩١] (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزلزلة المقترنة بالصيحة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ميتين ملقين على وجوههم.

[٩٢] (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) استأصلهم حتى كأنهم لم يقيموا في ديارهم (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) لا الذين اتبعوه.

[٩٣] (فَتَوَلَّى) أعرض شعيب عليه‌السلام (عَنْهُمْ) حال أخذهم العذاب (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) إذ كل حكم رسالة (وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى) أحزن (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) أي لا أحزن على الكفار.

[٩٤] (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ) بالشدائد (وَالضَّرَّاءِ) الأمراض وما أشبه (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) أي يتنبهوا ويرجعوا إلى الله.

[٩٥] (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) بأن رفعنا عنهم البؤس ووضعنا مكانه الرخاء كي يشكروا (حَتَّى عَفَوْا) بأن كثروا عددا وعددا (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) فإنهم لم يشكروا ، بل قالوا هذه عادة الدهر تسيء وتحسن فقد أساء إلى آبائنا وأحسن إلينا (فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب (بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بأن السيئة لأجل الضراعة ، والحسنة لأجل الشكر ، فإذا لم يتوجهوا إلى الله في أي حال استحقوا العقاب.

١٧٤

[٩٦] (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا) عوض الكفر (وَاتَّقَوْا) عوض العصيان (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ) خيرات (مِنَ السَّماءِ) كالمطر (وَالْأَرْضِ) كالنبات (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والمعاصي.

[٩٧] (أَفَأَمِنَ) أي هل يأمن ، والاستفهام للتوبيخ (أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا) عذابنا (بَياتاً) ليلا (وَهُمْ نائِمُونَ) في حال النوم.

[٩٨] (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) في النهار عند ارتفاع الشمس (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) يلهون غافلين عن الله.

[٩٩] (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) استدراجه إياهم بالنعم ، وعلاجه للأمر بالوسائل الخفية (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الذين يخسرون كل شيء.

[١٠٠] (أَوَلَمْ يَهْدِ) ألم يتبيّن (لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ) يخلفون السابقين (مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي أخذناهم بسبب معاصيهم (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) بأن نجعل قلوبهم بحيث يختم عليها فلا تفقه شيئا (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) سماع تفهم.

[١٠١] (تِلْكَ الْقُرى) التي مر ذكرها (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) بعض أخبارها (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالأدلة والمعجزات (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) عند مجيء البينات (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) إذ عاندوا الحق فاستمروا على الكفر (كَذلِكَ) هكذا (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) فإن طبعه عبارة عن انطباعه بالقسوة ، وحيث إن الله تركه حتى يقسو ، نسب إليه تعالى.

[١٠٢] (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ) أكثر الأمم (مِنْ عَهْدٍ) وفاء بما عاهدوا الله عليه من نصرة الرسل والبقاء على الإيمان (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) خارجين عن طاعة الله تعالى.

[١٠٣] (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) بعد أولئك الرسل المتقدم أسماؤهم (مُوسى بِآياتِنا) بالمعجزات (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أشراف قومه (فَظَلَمُوا) أنفسهم (بِها) بسبب تلك الآيات حيث لم يأمنوا بها (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) الذين أفسدوا في الأرض فإنهم غرقوا في البحر.

[١٠٤] (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

١٧٥

[١٠٥] (حَقِيقٌ) أي أنا جدير (عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) لان الرسل لا يقولوا إلا الحق (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ) هي معاجز موسى عليه‌السلام (مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) فإن فرعون كان استعبدهم من وطن آبائهم وهي فلسطين مكان إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم‌السلام فطلب موسى عليه‌السلام أن يطلق فرعون سراحهم حتى يرجع بهم إلى الأرض المقدسة.

[١٠٦] (قالَ) فرعون (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) معجزة (فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك وجود الله وأنك رسوله.

[١٠٧] (فَأَلْقى) موسى عليه‌السلام (عَصاهُ) في الأرض (فَإِذا هِيَ) تنقلب (ثُعْبانٌ) حية عظيمة (مُبِينٌ) ظاهر للعيان.

[١٠٨] (وَنَزَعَ يَدَهُ) أخرج يده من جيبه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) تشع بياضا كأنها الشمس (لِلنَّاظِرِينَ) لمن ينظر إليها.

[١٠٩] (قالَ الْمَلَأُ) الأشراف (مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا) موسى عليه‌السلام (لَساحِرٌ عَلِيمٌ) حاذق بالسحر.

[١١٠] (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) فإنه يريد أن يأخذ السلطة فينفيكم ، أو أنتم تلتجئون إلى الفرار (فَما ذا تَأْمُرُونَ) تشيرون في أمره.

[١١١] (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) هارون عليه‌السلام أي أخّر أمرهما ، فإن الإرجاء التأخير (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ) أي البلاد (حاشِرِينَ) أي جامعين للسحرة.

[١١٢] (يَأْتُوكَ) من ترسلهم (بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) حاذق في السحر ، حتى يظهروا للملأ أن موسى عليه‌السلام ساحر.

[١١٣] (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً) أي أجرة لعملنا (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) على موسى عليه‌السلام.

[١١٤] (قالَ) فرعون (نَعَمْ) إن لكم أجرا (وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أقربكم إلى بلاطي إضافة على الأجرة.

[١١٥] (قالُوا) السحرة (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) عصاك (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) نلقي حبالنا وعصيّنا.

[١١٦] (قالَ) موسى عليه‌السلام (أَلْقُوا) أنتم حبالكم وعصيكم (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) بأن خيّلوا إلى الناس أن عصيهم حيات (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) أخافوهم إرهابا شديدا (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) وقد ورد أنهم هيئوا سبعين ألف حية وثعبانا ، كلها أخذت تتحرك بشكل مفزع.

[١١٧] (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فألقاها فصارت حية (فَإِذا هِيَ) أي عصا موسى عليه‌السلام (تَلْقَفُ) تأكل بسرعة (ما يَأْفِكُونَ) ما قلبوه عن وجهه بأن صوّروه حية ، من الإفك بمعنى الكذب.

[١١٨] (فَوَقَعَ) ثبت (الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من السحر.

[١١٩] (فَغُلِبُوا) فرعون وربعه (هُنالِكَ) في ذلك المقام (وَانْقَلَبُوا) رجعوا إلى أماكنهم (صاغِرِينَ) أذلاء محتقرين.

[١٢٠] (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ) فأنهم لم يتمالكوا أن ألقوا أنفسهم (ساجِدِينَ) لله تعالى لما عرفوا من صدق موسى عليه‌السلام.

١٧٦

[١٢١ ـ ١٢٣] (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ) أي بالله ، والاستفهام للإنكار (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) كأنه لا يحق لأحد أن يؤمن إلا بإذن فرعون (إِنَّ هذا) التواطؤ بينكم وبين موسى عليه‌السلام (لَمَكْرٌ) خدعة (مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ) في مصر قبل خروج موسى عليه‌السلام بأن تبانيتم ثم خروج موسى فرارا ثم رجع لتنفيذ المكيدة (لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) أي القبط لتكون السلطة لبني إسرائيل (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة مكيدتكم ، وهذا تهديد لهم.

[١٢٤] (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) اليد اليمنى والرجل اليسرى (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ) أشنقكم (أَجْمَعِينَ).

[١٢٥] (قالُوا) لا بأس ف (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) ننقلب ونرجع إلى رحمته بالموت فيجازينا.

[١٢٦] (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا) أي لا تنكر منّا إلا إيماننا ، فإنا لسنا مجرمين (لَمَّا جاءَتْنا) الآيات كما شاهدنا ، ثم توجهوا إلى الله قائلين (رَبَّنا أَفْرِغْ) أصبب (عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا) أمتنا (مُسْلِمِينَ) ثابتين على الإسلام.

[١٢٧] (وَقالَ الْمَلَأُ) الأشراف (مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ) تترك (مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بدعوتهم إلى مخالفتك (وَيَذَرَكَ) أي يتركك ولا يعتني بك (وَآلِهَتَكَ) فإنهم كانوا يعبدون الأصنام بالإضافة إلى عبادة فرعون (قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) حتى لا يكبروا وينضموا إلى موسى عليه‌السلام (وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أي نبقيهن أحياء (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) بجبرهم على ما نريد.

[١٢٨] (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) لما سمعوا تهديد فرعون (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) على أذاه (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فيه تلميح إلى أنكم ترثون الأرض (وَالْعاقِبَةُ) المحمودة (لِلْمُتَّقِينَ) الذين يتجنبون الكفر والمعاصي.

[١٢٩] (قالُوا) أي بنو إسرائيل (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) بقتل أبنائنا واستحياء نسائنا (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) بإعادة فرعون قتل الأبناء واستحياء النساء (قالَ) موسى (عَسى) أي نرجو (رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) فرعون (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) بأن يجعلكم خلفاء له (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) خيرا أم شرا ، وهذا إنذار لهم بأن يعملوا صالحا عند استخلافهم.

[١٣٠] (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) القحط والجدب (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) بتسليط الدود على الثمار حتى نقصت عن معتادها (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) يتعظون.

١٧٧

[١٣١] (فَإِذا جاءَتْهُمُ) أي جاءت آل فرعون (الْحَسَنَةُ) الخصب والخير (قالُوا لَنا) لأجلنا ونحن مستحقون ل (هذِهِ) الحسنة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) جدب وبلاء (يَطَّيَّرُوا) يتشاءموا (بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أي قالوا هذه السيئة من شؤم موسى عليه‌السلام وقومه (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ) أي سبب الشر النازل عليهم (عِنْدَ اللهِ) فإنه سبحانه يقدر الشر لمن عصاه (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) من أن ما يصيبهم هو من شؤم أعمالهم.

[١٣٢] (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) بيان (ما) (لِتَسْحَرَنا بِها) لتموّه علينا بسبب تلك الآية (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) فلا نصدّقك.

[١٣٣] (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) زاد الماء حتى طاف ببيوتهم وزرعهم وأغرقهم (وَالْجَرادَ) الذي أكل حرثهم (وَالْقُمَّلَ) في أبدانهم (وَالضَّفادِعَ) فامتلأت بيوتهم بالضفادع (وَالدَّمَ) فانقلبت مياههم دما (آياتٍ) أدلة على صدق موسى عليه‌السلام (مُفَصَّلاتٍ) مبينات واضحات لا تشكل على أحد (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ).

[١٣٤] (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) الثلج الأحمر مما سبب موتهم وكثرة أذاهم (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) من إجابة دعوتك ، أو الباء للقسم أي نقسمك بعهد الله (لَئِنْ كَشَفْتَ) رفعت (عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) نطلق سراحهم فإنهم كانوا تحت مراقبة شديدة من فرعون لا يأذن لهم بالخروج عن مصر.

[١٣٥] (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) إلى مدة إذا بلغوها نزل بهم العذاب ثانيا (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) ينقضون عهدهم فلم يؤمنوا ولم يطلقوا بني إسرائيل.

[١٣٦] (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) في البحر (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) لا يعلمون بها كالغافل.

[١٣٧] (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ) بني إسرائيل (الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) أي يعدونهم ضعفاء ، بالاستعباد والإذلال (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) أي شرق مصر وغربها بمعنى جميع نواحي البلاد (الَّتِي بارَكْنا) بالثمار وكثرة الأنبياء عليهم‌السلام (فِيها) في تلك الأراضي (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) أي الكلمة الحسنة (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) فإن الله وعدهم الخير إن آمنوا وبقوا على إيمانهم (بِما صَبَرُوا) بسبب صبرهم (وَدَمَّرْنا) أهلكنا (ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من الأبنية والعمارات (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) من الجنات ذات العرائش.

١٧٨

[١٣٨] (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) بأن جعلنا لهم في البحر الأحمر طريقا إلى اليابسة ، وذلك لما أتبعهم فرعون (فَأَتَوْا) مرّوا (عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ) يقيمون (عَلى) عبادة (أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) صنما نعبده (كَما لَهُمْ) لهؤلاء القوم (آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) فإن الصنم لا يكون إلها.

[١٣٩] (إِنَّ هؤُلاءِ) القوم (مُتَبَّرٌ) مهلك (ما هُمْ فِيهِ) من الدين (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من عبادة الأصنام.

[١٤٠] (قالَ) موسى عليه‌السلام (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ) أطلب لكم (إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) عالمي زمانكم.

[١٤١] (وَ) اذكروا يا بني إسرائيل (إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) يذيقونكم (سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يبقونهن للخدمة (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ) عذاب (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) لأنه سلّط فرعون ، ولم يحل بينه وبين ما أراد.

[١٤٢] (وَواعَدْنا مُوسى) وعدنا لإعطائه التوراة ، بعد النجاة من مصر (ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) أي أضفنا عليها عشر ليال أخرى (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ) وقت وعده (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ) قبل أن يخرج إلى الميقات (اخْلُفْنِي) كن خليفتي (فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) أمورهم (وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) طريقتهم في الفساد.

[١٤٣] (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) بأن خلق الكلام فسمعه موسى عليه‌السلام (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) لأن القوم طلبوا منه ذلك فأراد عليه‌السلام جوابهم (قالَ) الله (لَنْ تَرانِي) أبدا ، لاستحالة رؤية الله (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) بالقرب منك (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) علق الله تعالى الرؤية على المحال إذ الاستقرار حال التجلي محال (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) بأن أظهر نوره عليه (جَعَلَهُ دَكًّا) أي مدكوكا ومدقوقا (وَخَرَّ) وقع (مُوسى صَعِقاً) مغشيا عليه من الهيبة (فَلَمَّا أَفاقَ) موسى عليه‌السلام من غشوته (قالَ سُبْحانَكَ) أنزّهك عما لا يليق بك من الرؤية (تُبْتُ إِلَيْكَ) من طلب الرؤية (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).

١٧٩

[١٤٤] (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) اخترتك (عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) بأن كلمتك (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) أعطيتك من النبوة والشريعة (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).

[١٤٥] (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) هي ألواح التوراة التي نزلت من السماء وفيها كتابة التوراة (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه في الدين (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) أي كل شيء من المواعظ ومن تفصيل الأحكام (فَخُذْها) أي الألواح (بِقُوَّةٍ) بجدّ وعزيمة (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) بأحسن ما فيها لا الواجب فقط كالنوافل والإحسان (سَأُرِيكُمْ) حتى تنظروا (دارَ الْفاسِقِينَ) وهي جهنم.

[١٤٦] (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) أي لا يتمكنون من أن ينالوها بسوء (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي تكبرا بالباطل (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) معجزة (لا يُؤْمِنُوا بِها) لعنادهم (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) الهدى (لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِ) الضلالة (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ) الصرف ، أو ذلك العناد منهم (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) أي كالغافل ، فإنهم لا يعلمون بالآيات.

[١٤٧] (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي ملاقاة الحساب والجزاء (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الحسنة في الدنيا ، لأن الكفر يمحي الحسنات (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) استفهام إنكار ، أي أن جزاءهم هو طبق عملهم.

[١٤٨] (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ) بعد ذهابه إلى الميقات (مِنْ حُلِيِّهِمْ) كالسوار والخلاخل وما أشبه (عِجْلاً) ولد البقر (جَسَداً) لا روح فيه (لَهُ خُوارٌ) صوت ، قيل إن السامري احتال لدخول الهواء في جوفه فكان يصوّت (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) فكيف (اتَّخَذُوهُ) إلها (وَكانُوا ظالِمِينَ) لأنفسهم بهذه العبادة.

[١٤٩] (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي ندموا ، فان النادم يضع رأسه على كفّه (وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) وذلك بعد مجيء موسى عليه‌السلام وتنبيههم (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين خسروا أنفسهم بالعقاب.

١٨٠