تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[١٠٥] يقال لهم : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي) كالقرآن (تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها) بالآيات (تُكَذِّبُونَ).

[١٠٦] (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) (١) بعد أن تمت الحجة علينا (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) اعتراف منهم بأنهم ضلّوا عن الحق.

[١٠٧] (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) من النار (فَإِنْ عُدْنا) إلى التكذيب (فَإِنَّا ظالِمُونَ) ظلما يقينيا.

[١٠٨] (قالَ) الله : (اخْسَؤُا) اسكتوا سكوت هوان (فِيها) في النار (وَلا تُكَلِّمُونِ) لا تكلموني في رفع العذاب ، وذلك لأن الله عالم بأنهم إذا رجعوا عملوا مثل أعمالهم السابقة.

[١٠٩] (إِنَّهُ) إن الشأن (كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) المؤمنين (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

[١١٠] (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ) يا معاشر الكفار (سِخْرِيًّا) هزوا (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) بأن تركوكم وشأنكم إلى أن نسيتم ذكر الله (٢) (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) استهزاء بهم.

[١١١] (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) بسبب صبرهم في الدنيا على أوامري (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) جزاؤهم فوزهم بالجنة والثواب.

[١١٢] (قالَ) الله للكفار : (كَمْ لَبِثْتُمْ) بقيتم (فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ).

[١١٣] (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لأنهم استقلوا بقاءهم في الدنيا (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) الذين عدّوا بقاءنا بالساعات.

[١١٤] (قالَ إِنْ) ما (لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) بالنسبة إلى مكثكم في النار الذي يطول (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لم تفعلوا ما فعلتم.

[١١٥] (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) أي لأجل العبث واللهو (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا) إلى حكمنا (لا تُرْجَعُونَ).

[١١٦ ـ ١١٧] (فَتَعالَى اللهُ) عما لا يليق به (الْمَلِكُ الْحَقُ) فإنه يحق له الملك دون سواه تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) ذي الكرم والرفعة (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) لا دليل له على الإله الآخر (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) فيجازيه حسب استحقاقه (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) لا يفوزون بالثواب.

[١١٨] (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

__________________

(١) شقوتنا : شقاوتنا.

(٢) أو لاشتغالكم بالاستهزاء بهم.

٣٦١

٢٤ : سورة النور

مدنية آياتها أربع وستون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] هذه (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) فرضنا ما فيها من الأحكام (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) ظاهرات الدلالة (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون بها.

[٢] (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) رحمة (فِي دِينِ اللهِ) في حكمه فتعطلوا حدّه (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ) ليحضر (عَذابَهُما) أي جلدهما (طائِفَةٌ) جماعة (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

[٣] (الزَّانِي لا يَنْكِحُ) لا يزني (إِلَّا زانِيَةً) بزانية غير مشركة (أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها) لا يزني بها (إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ) الزنا (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

[٤] (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) يتهمون بالزنا (الْمُحْصَناتِ) العفيفات من النساء (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) يشهدون بما ادعوا (فَاجْلِدُوهُمْ) أي اجلدوا كل واحد من المدعين (ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) ما لم يتوبوا (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن طاعة الله.

[٥] (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) القذف (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[٦] (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) زوجاتهم (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) بأن يحلف أربع مرات إنه صادق في دعواه زنا زوجته.

[٧] (وَالْخامِسَةُ) أي يشهد ويحلف شهادة خامسة بهذا اللفظ : (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ) أي على المدعي (إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادعائه زنا زوجته ، فإذا حلف الرجل كذلك حدت المرأة حدّ الزنا.

[٨] (وَيَدْرَؤُا) أي يمنع ويدفع (عَنْهَا) عن المرأة (الْعَذابَ) الحدّ (أَنْ تَشْهَدَ) فاعل (يدرؤ) (أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) بأن تحلف أن زوجها كاذب في نسبة الزنا إليها.

[٩] (وَ) تشهد (الْخامِسَةَ) بهذا اللفظ : (أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ) الزوج (مِنَ الصَّادِقِينَ).

[١٠] (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ) يكثر قبول التوبة (حَكِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها ، لعاجلكم بالعقوبة.

٣٦٢

[١١] (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) الكذب العظيم فإن بعض زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رمت مارية القبطية بالزنا ، وقيل غير ذلك (عُصْبَةٌ) جماعة (مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ) أي الإفك (شَرًّا لَكُمْ) لأنه يوجب الامتحان مما يعود خيره إليكم ، كقولك لا تحسب الجهاد شرا ، مع أنه موجب لإراقة الدماء (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) من العصبة (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي بمقدار كسبه من الإفك وما خاض فيه كثيرا أو قليلا (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) معظمه (مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الدنيا والآخرة.

[١٢] (لَوْ لا) هلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) سمعتم الإفك أيها المسلمون (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) ظن بعضهم ببعض (خَيْراً) بأن يقول إنه كذب (وَقالُوا هذا) القول (إِفْكٌ مُبِينٌ) ظاهر.

[١٣] (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ) أي على الإفك (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) ليشهدوا بالزنا (فَإِذْ) فحين (لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) في نسبتهم الزنا إلى زوجة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١٤] (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا) بأن أمهلكم لتتوبوا (وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ) أصابكم (فِيما أَفَضْتُمْ) دخلتم (فِيهِ) من الإفك (عَذابٌ عَظِيمٌ).

[١٥] (إِذْ) ظرف ل (مسكم) (تَلَقَّوْنَهُ) يرويه بعضكم لبعض (بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) إذ كنتم تقولونه عن ظن (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) سهلا (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) لأنه افتراء.

[١٦] (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ) أي لا يحل (لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) الكلام (سُبْحانَكَ) بأن تقولوا حين تسمعون ننزهك يا الله تنزيها (هذا بُهْتانٌ) كذب (عَظِيمٌ).

[١٧] (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا) لئلا ترجعوا (لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

[١٨ ـ ١٩] (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ) تظهر (الْفاحِشَةُ) الزنا (فِي الَّذِينَ آمَنُوا) بنسبتها إليهم (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا) بإقامة الحد (وَالْآخِرَةِ) بعذاب النار (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما فيه من العقاب والسخط (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

[٢٠] (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) لعاجلكم بالعقاب (وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).

٣٦٣

[٢١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) طرقه المؤدية إليه ، والمراد بها المعاصي (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) فليعلم أنه أي الشيطان (يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) الإثم الفاحش كالزنا والربا (وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى) ما طهر (مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) من دنس المعاصي (أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ولذا يأمركم بما هو خير لكم.

[٢٢] (وَلا يَأْتَلِ) لا يحلف (أُولُوا الْفَضْلِ) الغنى (مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) في المال (أَنْ) لا (يُؤْتُوا) يعطوا من أموالهم (أُولِي الْقُرْبى) أقرباءهم (وَالْمَساكِينَ) الفقراء (وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) الذين هاجروا لأجله سبحانه (وَلْيَعْفُوا) إذا رأوا إساءة (وَلْيَصْفَحُوا) أصله إدارة صفح الوجه إعراضا ، والمراد عدم المبالاة بما بدر من الطرف من الإساءة (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) فإذا أحببتم غفران الله فاغفروا لمن أساء إليكم ، والآية نهي لغالب الأغنياء الذين يجعلون بعض الأعذار الواهية مبررا لحلفهم على ترك الإعطاء (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[٢٣] (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ) يقذفون بالزنا (الْمُحْصَناتِ) العفائف (الْغافِلاتِ) أي التاركات للفواحش (الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا) أبعدوا عن رحمة الله (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الدنيا بالجلد وفي الآخرة بالنار.

[٢٤] وذلك (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فإن في يوم القيامة تشهد الجوارح بالجرائم.

[٢٥] (يَوْمَئِذٍ) أي في ذلك اليوم (يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ) يعطيهم جزاءهم (الْحَقَ) الذي يستحقونه (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) الظاهر ، فإنهم لو علموا في الدنيا ذلك لم يرتكبوا الآثام.

[٢٦] (الْخَبِيثاتُ) الزانيات من النساء (لِلْخَبِيثِينَ) للزناة من الرجال (وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ) العفيفات (لِلطَّيِّبِينَ) الأعفاء ، وهذا كقوله : (الزاني لا ينكح إلا زانية) (١) (وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ) الأطياب من الصنفين (مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) يقول أهل الفسق فيهم من كلمات القذف ، لفرض أنهم أطياب (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) غفران لأجل ما قذفوا به (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) مقترن بالتكريم لهم.

[٢٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) تستأذنوا (وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) سلام الاستئذان ، وذلك بأن يقول : السلام عليكم ، ثلاث مرّات ، فإن أذن له وإلّا انصرف (ذلِكُمْ) الاستئذان (خَيْرٌ لَكُمْ) من الدخول فجأة ، وأنزلنا هذا الحكم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون.

__________________

(١) سورة النور : ٣.

٣٦٤

[٢٨] (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً) يأذن لكم (فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) بأن تجدوا من يأذن لكم (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ) الرجوع (أَزْكى) أطهر وأحسن (لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

[٢٩] (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا) بغير استئذان (بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) أمثال الحمامات والخانات (فِيها) في تلك البيوت (مَتاعٌ) استمتاع وانتفاع (لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) تظهرون (وَما تَكْتُمُونَ) تخفون في أنفسكم ، في دخولكم وفي قصدكم الإفساد وعدمه.

[٣٠] (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) غض طرفه خفضه ، والمراد أما ما يحرم النظر إليه كالأجنبية (مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) عما لا يحل (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ).

[٣١] (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) كالسوار وما أشبه ، فضلا عن مواضعها (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) بدون اختيارهن (وَلْيَضْرِبْنَ) يلقين (بِخُمُرِهِنَ) جمع خمار وهو ما يلفّ على الرأس (عَلى جُيُوبِهِنَ) جيب الثوب ما يلي الصدر ، وفي ذلك ستر للوجه والرقبة والصدر (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) أزواجهن (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَ) أمام المسلمات فلا يتجردن أمام الكافرات (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) من الإماء ، أو الأعم (أَوِ التَّابِعِينَ) هو الذي يتبعك لأنه لا استقلال له (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) ليس بصاحب حاجة للنساء (مِنَ الرِّجالِ) وهم البله الذين لا يعرفون الحاجة إلى النساء (أَوِ الطِّفْلِ) الصغير (الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا) لم يطلعوا (عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) أي لم يعرفوها لعدم شهوتهم (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَ) على الأرض (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) فقد كانت المرأة تضرب برجلها لتسمع قعقعة الخلخال فيها (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) فإن الغالب ارتكاب بعض هذه المناهي (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تفوزون.

٣٦٥

[٣٢] (وَأَنْكِحُوا) زوجوا (الْأَيامى) جمع (أيّم) بمعنى من لا زوج أو لا زوجة له (مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ) الذين يصلحون للزواج (مِنْ عِبادِكُمْ) العبيد (وَإِمائِكُمْ) جمع أمة (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فلا يمنعكم فقرهم من تزويجهن أو تزويجهم (وَاللهُ واسِعٌ) فضله (عَلِيمٌ) بمآل الأمور.

[٣٣] (وَلْيَسْتَعْفِفِ) ليجهدوا في العفة (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أسباب النكاح (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فيتمكنوا من النكاح (وَ) العبيد (الَّذِينَ يَبْتَغُونَ) يطلبون (الْكِتابَ) المكاتبة وهي أن يقرر المولى والعبد إن جاء العبد بكمية من المال أعتقه (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي العبيد والإماء (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) تمكنا من أداء المال ، أو كانت الكتابة خيرا لهم (وَآتُوهُمْ) أعطوهم (مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) بأن حطوا بعض مال الكتابة تخفيفا لهم (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ) جمع فتاة تطلق على البنت الحرة والأمة (عَلَى الْبِغاءِ) الزنا (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) عفة ، فقد كان بعض أهل الجاهلية يكره فتاته على الزنا ليدر عليه بالمال (لِتَبْتَغُوا) تطلبوا بالإكراه (عَرَضَ) مال (١) (الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَ) على الزنا (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ) يغفر لهنّ إذا تبن (رَحِيمٌ) بهنّ.

[٣٤ ـ ٣٦] (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) قد بيّنت وأوضحت (وَ) أنزلنا (مَثَلاً) أخبارا (مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا) مضوا (مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأمم (وَ) أنزلنا (مَوْعِظَةً) وعظا وإرشادا (لِلْمُتَّقِينَ) فإنهم المنتفعون بالوعظ. (اللهُ نُورُ) هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره ، والله سبحانه هكذا ، ولذا شبه بالنور (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) أحسن الأنوار وأبهاه ، فليس كنور ضعيف ، ونوره ، أي النور الذي هو (كَمِشْكاةٍ) كوة في الحائط (فِيها مِصْباحٌ) هو الذي فيه الزيت وعليه الفتيلة (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) في قنديل (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) متلألئ فإن المصباح في الزجاجة في الكوة يوجب كثرة النور لانعكاسه بسبب الزجاجة وبسبب حصره في الكوة ، وذلك المصباح (يُوقَدُ) نوره (مِنْ) زيت (شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) كثيرة البركة (زَيْتُونَةٍ) بدل شجرة (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لا نابتة في طرف الشرق حتى تمنعها المرتفعات الشرقية عن إشراق الشمس عليها حال الشروق ، ولا نابتة في طرف الغرب حتى تمنعها المرتفعات الغربية عن إشراق الشمس عليها حال الغروب ، بل تشع الشمس عليها في كل النهار مما يسبب جودة زيتها وكثرة ضوء الزيت (يَكادُ) يقرب (زَيْتُها يُضِيءُ) يعطي الضياء لصفائه وتلألؤه (وَلَوْ) وصلية (لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) يضيء قبل أن تصيبه النار وتشتعل فيه (نُورٌ عَلى نُورٍ) مضاعف نوره لقوة زيته وللزجاجة والكوة (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) أي نور ذاته المقدسة ، بأن يعرف الله سبحانه نفسه (مَنْ يَشاءُ) من خلقه بإرسال الرسل وإنزال الكتب (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) تقريبا إلى الإفهام (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). (فِي بُيُوتٍ) يوقد ذلك المصباح في بيوت الله (المساجد) فنور زائد في محل طاهر ، كمال الضياء وكمال النزاهة ، وهكذا مثل الله سبحانه ضياء ونزاهة (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) رفعة بنائية ورفعة معنوية ، وذلك لأنه ورد في الحديث كراهة علو المنازل كما كره ترفيع ذكر من لا يليق (وَيُذْكَرَ فِيهَا) في تلك البيوت وهي المساجد (اسْمُهُ) تعالى ، فإنه كره الصلاة في أماكن خاصة كما ذكر في الفقه (يُسَبِّحُ) ينزه (لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ) بالصباح (وَالْآصالِ) جمع أصيل ، العصر.

__________________

(١) عرض الدنيا : متاعه وحطامه.

٣٦٦

[٣٧] (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ) لا تشغلهم (تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ) ذكر الخاص بعد العام (عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَ) عن (إِقامِ) إقامة (الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً) يوم القيامة (تَتَقَلَّبُ) تضطرب (فِيهِ) في ذلك اليوم (الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) فإن الخائف يفكر بقلبه ويجول ببصره ليجد مأمنا.

[٣٨] (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) أي عدم تلهيهم لأجل طلب الجزاء من الله (أَحْسَنَ) جزاء (ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ) يعطيهم أكثر من جزائهم (مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي بلا عدّ ، وإنما كثيرا زائدا.

[٣٩] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) وهو ما يرى في الصحراء كأنه ماء ، وذلك بسبب انعكاس أشعة الشمس في الهواء (بِقِيعَةٍ) أي في قيعة ، بمعنى القاع وهي الأرض (يَحْسَبُهُ) أي يحسب السراب (الظَّمْآنُ) العطشان (ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ) جاء محل السراب (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) لأنه خيال محض (وَوَجَدَ اللهَ) قدرته وهيمنته (عِنْدَهُ) أي عند محل السراب ، وهكذا الكافر يظن أن له أعمالا صالحة في الآخرة فإذا جاء إلى الآخرة لم يجد عمله ووجد أمر الله (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) أعطاه حسابه كاملا (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) فإن القيامة تأتي بسرعة فإن كل آت قريب.

[٤٠] (أَوْ) أعمالهم في خلوها عن نور الحق (كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) عميق وهي الظلمة في قعر البحر (يَغْشاهُ) يغطي البحر (مَوْجٌ) يزيد في ظلمة قعره (مِنْ فَوْقِهِ) فوق ذلك الموج (مَوْجٌ) آخر (مِنْ فَوْقِهِ) فوق الموج الثاني (سَحابٌ) يحجب نور الشمس (ظُلُماتٌ) هذه ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) فظلمة السحاب فوق الجميع وظلمة البحر تحت الجميع (إِذا أَخْرَجَ) من في تلك الظلمات (يَدَهُ) لينظر إليها (لَمْ يَكَدْ يَراها) لم يقرب من رؤيتها لشدة الظلمة (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) بأن تركه وشأنه حتى أخذته ظلمات الكفر والعصيان ، فإن الكفر واتباع الشهوات والعادات والتقاليد الباطلة أوجبت ظلمة أعمال الكفّار (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).

[٤١] (أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم (أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَ) يسبح له (الطَّيْرُ) حال كونها (صَافَّاتٍ) باسطات أجنحتهنّ في الهواء (كُلٌ) ممن في السماوات والأرض والطير (قَدْ عَلِمَ) الله (صَلاتَهُ) دعاءه (وَتَسْبِيحَهُ) تنزيهه لله تعالى (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ).

[٤٢] (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) المرجع في الآخرة.

[٤٣] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي) يسوق إلى حيث يريد (سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يضم بعضه إلى بعض (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) متراكما بعضه فوق بعض (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) فرج السحاب (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ) السحاب (فِيها) في السماء ، فإن السحاب كالجبال كما يشاهده راكب الطائرة فوق السحاب (مِنْ بَرَدٍ) أي بردا ، وهو الثلج (فَيُصِيبُ بِهِ) بذلك البرد (مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ) بأن يمنع البرد عن إصابة بعض الناس (عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ) يقرب (سَنا) ضوء (بَرْقِهِ) برق ذلك السحاب (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) بأبصار الناظرين من فرط الإضاءة.

٣٦٧

[٤٤] (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) بأن يأتي بأحدهما مكان الآخر (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور من عجائب صنع الله (لَعِبْرَةً) دلالة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) لذوي البصائر.

[٤٥] (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) تدب على وجه الأرض (مِنْ ماءٍ) النطفة (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحية (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالإنسان (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالنعم (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيخلق ما يريد.

[٤٦] (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) موضحات للحقائق (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يؤدي إلى السعادة.

[٤٧] (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى) يعرض عن الإطاعة (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) هم المنافقون (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الذي قالوا آمنا (وَما أُولئِكَ) الذين يقولون (بِالْمُؤْمِنِينَ).

[٤٨] (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) عن حكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم يعلمون أن الحق عليهم.

[٤٩] (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ) إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مُذْعِنِينَ) منقادين.

[٥٠] (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) نفاق حتى لم يسلموا لحكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقا (أَمِ ارْتابُوا) شكوا في عدالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ) يجور (اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) في الحكم (بَلْ) ليس ذلك وإنما (أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم حيث لا ينقادون للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٥١] (إِنَّما كانَ قَوْلَ) خبر (كان) واسمه (أن يقولوا) أي اللازم على المؤمن أن يقول : سمعت وأطعت ، إذا أمره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيء سواء كان له أو عليه (الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ) إلى حكم الله (وَرَسُولِهِ) والحضور عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون.

[٥٢] (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ) يتقي عقابه (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) بالسعادة في الدارين.

[٥٣] (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ) أغلظ (أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) بالجهاد (لَيَخْرُجُنَ) إلى الجهاد (قُلْ لا تُقْسِمُوا) بالكذب (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) فإن المطلوب منهم طاعة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معروفة ، لا طاعة مزورة ، أما اليمين للطاعة فهي ليست بمهمة (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم عليه.

٣٦٨

[٥٤] (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن الطاعة (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) كلف بأدائه (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من الطاعة (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) إلى الرشد (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أداء الرسالة أداء واضحا.

[٥٥] (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أيها المسلمون إيمانا بلا نفاق (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) يجعلهم خلفاء لمن سبق منهم بتمكينهم (فِي الْأَرْضِ) بدل الكفّار (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من المؤمنين (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ) الإسلام وتمكين الدين أخذه بمجاري الأمور (الَّذِي ارْتَضى) اختار (لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ) من الأعداء (أَمْناً) فهم آمنون (يَعْبُدُونَنِي) أولئك المؤمنون (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) لا يجعلون شيئا شريكا لي (وَمَنْ كَفَرَ) بهذه الأمور (بَعْدَ ذلِكَ) الوعد الصادق (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) كاملو الفسق ، وقد أوّلت الآية بالإمام المهدي.

[٥٦] (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا) أعطوا (الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) يرحمكم الله.

[٥٧] (لا تَحْسَبَنَ) لا تظننّ (الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ) يعجزوننا فلا نتمكن عليهم (فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ) محلهم (النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي المحل والمرجع.

[٥٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي مروا عبيدكم أن يطلبوا الأذن (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) أي أولادكم غير البالغين (مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) في ثلاث أوقات إذا أرادوا أن يدخلوا غرفكم الخاصة في هذه الأوقات (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) لأنه وقت القيام من المضاجع وتبديل لباس الليل بلباس النهار (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ) أي تنزعونها للقيلولة (مِنَ الظَّهِيرَةِ) فإن ذلك وقت تبديل الثياب والنوم والخلوة بالأهل (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) فإنه وقت تبديل لباس النهار بلباس الليل (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) هذه الأوقات ثلاث أوقات خلل ، فإن العورة بمعنى الخلل (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ) حرج (بَعْدَهُنَ) أي بعد هذه الأوقات (طَوَّافُونَ) يطوفون بالمجيء بلا استئذان (عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) بيان (طوافون عليكم) (كَذلِكَ) هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الأحكام (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يصلحكم (حَكِيمٌ) في تشريعه الأحكام.

٣٦٩

[٥٩] (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ) أيها الأحرار (الْحُلُمَ) البلوغ الشرعي (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) في جميع الأوقات ، فإن الاستئذان في ثلاث أوقات كان خاصا بالعبيد والأطفال (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأحرار الكبار (كَذلِكَ) هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

[٦٠] (وَالْقَواعِدُ) جمع قاعدة وهي المسنة التي قعدت عن التزويج حيث لا يرغب فيها أحد (مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) لا يطمعن فيه (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) الظاهرة كالملحفة والرداء في حال كونهنّ (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ) مظهرات (بِزِينَةٍ) خفية فإن إظهار الزينة لا يجوز (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) عن وضع الثياب بأن يكنّ كسائر النساء (خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ) أقوالهنّ (عَلِيمٌ) بأحوالهنّ.

[٦١] (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) فقد كان أهل الجاهلية يستقذرون الأعمى والأعرج والمريض فلا يأكلون معهم فنزلت الآية بأنه لا قذارة فيهم (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي ليس عليكم حرج من أنفسكم في (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) بيوت الزوجات والأزواج (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) أي وكلتم بحفظه بأن كان بيدكم مفتاحه (أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) متفرقين وهذا لأن بعضهم كان يتحرج من الأكل منفردا فنزلت الآية مصرحة بعدم البأس في ذلك (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ليسلّم بعضكم على بعض (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) شرعها لكم (مُبارَكَةً) لأنها دعاء بالسلامة من آفات الدارين ، والبركة : الدوام والثبات (طَيِّبَةً) تطيب النفس بها (كَذلِكَ) هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) مما تحتاجون إليه في دنياكم وآخرتكم (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) معالم دينكم.

٣٧٠

[٦٢] (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) من صميم قلبهم (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) يجمع المسلمين كالجماعة والحرب (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) يطلبوا منه الأذن (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أمّا الذين يذهبون بدون استئذان فليسوا بمؤمنين كاملي الإيمان (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) لبعض مهامهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) اطلب غفران الله لهم من جهة خروجهم عن جماعة المؤمنين فإنه خلاف يحتاج إلى الستر والعفو (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[٦٣] (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ) أي حال تنادونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تسموه باسمه (كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) كما ينادي أحدكم الآخر باسمه (قَدْ) للتحقيق (يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ) يخرجون عن الجماعة خفية بدون استئذان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لِواذاً) ملاوذين يستتر بعضهم ببعض (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أمر الله (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) عقوبة في الدنيا (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم في الآخرة.

[٦٤] (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فالله عزوجل مالك كل شيء وعلى المملوك إطاعة مالكه (قَدْ) للتحقيق (يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الأعمال الصالحة أو الطالحة (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ) الناس (إِلَيْهِ) إلى ثوابه وعقابه (فَيُنَبِّئُهُمْ) يخبرهم لأجل أن يجازيهم (بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فلا يفوته شيء.

٢٥ : سورة الفرقان

مكية آياتها سبع وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (تَبارَكَ) دام وثبت ، أو كثر خيره (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) القرآن الفارق بين الحق والباطل (عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لِيَكُونَ) عبده (لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) مخوفا من العذاب.

[٢] (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي جميع الكون (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما زعم أهل الكتاب (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) كما زعم المشركون (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) من المخلوقات (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) حسب ما تقتضيه الحكمة والصلاح.

٣٧١

[٣] (وَاتَّخَذُوا) الكفّار (مِنْ دُونِهِ) غير الله (آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ) تلك الآلهة (شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) مخلوقون لله فكيف تكون آلهة (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا) فيدفعونه (وَلا نَفْعاً) فيجرونه (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) بعثا بعد الموت.

[٤] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا) ما هذا القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) كذب نسب إلى الله (افْتَراهُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) كسلمان وصهيب وبعض أهل الكتاب (فَقَدْ جاؤُ) بهذه المقالة (ظُلْماً وَزُوراً) كذبا.

[٥] (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أكاذيبهم (اكْتَتَبَها) جمعها (فَهِيَ تُمْلى) تقرأ (عَلَيْهِ) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل أن يحفظها فينشرها في المجتمع (بُكْرَةً) صباحا (وَأَصِيلاً) عصرا.

[٦] (قُلْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أَنْزَلَهُ) أي القرآن (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) الغيب (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ولذا أنزل القرآن بما يفيد حال البشر ، ولو كان أساطير لكان حسب الظواهر الخارجية (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ولذا لا يعاجلهم بالعقوبة ويغفر لمن تاب منهم.

[٧] (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) أي الزاعم أنه رسول (يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) فكان زعمهم أن الرسول يجب أن لا يعمل أعمال البشر (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) من السماء (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) يعينه في الإنذار والتخويف.

[٨] (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ) من السماء (كَنْزٌ) ليستغني به عن المعاش (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) بستان (يَأْكُلُ مِنْها) أي يجعله لإدرار معاشه (وَقالَ الظَّالِمُونَ) أنفسهم بالكفر (إِنْ) ما (تَتَّبِعُونَ) أيها المؤمنون (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) سحر فذهب عقله.

[٩] (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) بأنك مسحور وساحر ومجنون وكاهن وشاعر (فَضَلُّوا) عن قصد السبيل (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) أي سلوك سبيل الحق ، أو سبيلا لتكذيبك.

[١٠] (تَبارَكَ) دام وثبت (الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) الذي قالوه من الجنة والكنز (جَنَّاتٍ) بدل من (خيرا) (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً).

[١١] (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) بالقيامة ، ولذا اقتصرت أنظارهم على حطام الدنيا (وَأَعْتَدْنا) هيّأنا (لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) نارا تلتهب.

٣٧٢

[١٢] (إِذا رَأَتْهُمْ) النار ، أي كانت بمرأى منهم (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) عنهم (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) غليانا (وَزَفِيراً) صوتا شديدا ، فكيف بها إذا اقتربوا منها وألقوا فيها.

[١٣] (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها) أي من النار ، والمراد فيها (مَكاناً ضَيِّقاً) فإن أهل النار مبتلون بضيق المكان على سعتها ، وذلك لتكثير عذابهم (مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم ببعض ، فإن ذلك مما يسبب كثرة الأذى ، أو مغللين (دَعَوْا هُنالِكَ) في ذلك المكان (ثُبُوراً) أي هلاكا فإنهم يتمنون الهلاك ولا يأتيهم.

[١٤] ويقال لهم بقصد التبكيت : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) فإن عذابهم أنواع كثيرة يستدعي كل نوع منه ثبورا.

[١٥] (قُلْ أَذلِكَ) العذاب (خَيْرٌ) لهؤلاء الكفّار (أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) التي فيها الخلود (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ) الجنة (لَهُمْ جَزاءً) لأعمالهم (وَمَصِيراً) يصيرون إليها.

[١٦] (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) من أنواع النعيم (خالِدِينَ كانَ) إدخالهم فيها (عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) يسأله الناس قائلين : (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) (١).

[١٧] (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) أي يجمع الله الكفّار (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أصنامهم (فَيَقُولُ) الله لتلك الأصنام : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) وهذا السؤال لأجل توبيخ العبّاد لها بما تقوله الأصنام من الجواب.

[١٨] (قالُوا) أي المعبودون : (سُبْحانَكَ) تنزيها لك عن الشريك نحن لم نضلهم بل هم ضلّوا (ما كانَ يَنْبَغِي) يصح (لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) بأن نوالي أعداءك الكافرين ونأخذهم عبّادا لنا (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ) متعت (آباءَهُمْ) بأنواع النعم (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) تركوه كأنه منسي بأن لم يعملوا بما ذكروا به (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) هالكين.

[١٩] (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) كذبتكم أيها المشركون آلهتكم (بِما تَقُولُونَ) من أنهم آلهة لأنهم تبرأوا منكم (فَما تَسْتَطِيعُونَ) أي آلهتكم (صَرْفاً) دفعا للعذاب عنكم (وَلا نَصْراً) بأن ينصروكم في دفع العذاب عن أنفسكم (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) نفسه بالشرك (نُذِقْهُ) في الآخرة (عَذاباً كَبِيراً) وهو جهنم.

[٢٠] (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) ردّ لقولهم : (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) امتحانا ، فالشريف مبتلى بالوضيع والفقير بالغني وهكذا ، كما ابتلى الأنبياء عليهم‌السلام بالأمم (أَتَصْبِرُونَ) بأداء أمر الله في حال الابتلاء (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) بمن يصبر ومن لا يصبر.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٩٤.

٣٧٣

[٢١ ـ ٢٣] (وَقالَ) الكفار (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) حيث ينكرون البعث : (لَوْ لا) أي هلا (أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) بأن نزلت على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دوننا (أَوْ نَرى رَبَّنا) ليقول لنا شريعته شفاها بدون واسطة (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) أظهروا الكبر الكامن (فِي أَنْفُسِهِمْ) فهل كل إنسان قابل لنزول الملائكة عليه أو هل الله يمكن رؤيته (وَعَتَوْا) طغوا في مقالهم (عُتُوًّا كَبِيراً). (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) لقبض أرواحهم (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) أي يمنعون من البشارة (وَيَقُولُونَ) الكفّار حينذاك : (حِجْراً مَحْجُوراً) أي حراما محرما (١) ، وهذه كلمة كانت العرب تقولها إذا رأت العدو ، أي إن دمي عليك حرام ، فإذا رأى الكفار الملائكة كانت الملائكة عدوّا لهم لا مبشرا ومنزلا للوحي. (وَقَدِمْنا) تقدمنا (إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) صالح كصلة رحم وإعانة فقير (فَجَعَلْناهُ هَباءً) هو الغبار الذي يرى في الشمس الداخلة من الكوة ، حيث لا فائدة له إطلاقا (مَنْثُوراً) متفرقا ، وذلك لأن الإيمان شرط قبول العمل ، نعم الأعمال الصالحة توجب تخفيف العقاب.

[٢٤ ـ ٢٧] (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) مكانا يستقرون فيه (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) موضعا ينامون فيه نوم القيلولة. (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) تنفطر (السَّماءُ بِالْغَمامِ) بظهور الغمام منها كأنه بساط عليه الملائكة (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) وذلك لأجل حساب الناس. (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) بيان ل (يوم) ، يعنى : الملك في يوم التشقق للرحمن (الْحَقُ) الثابت وقد زال كل ملك زائف (لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) شديدا. (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) لنفسه بكفر أو عصيان (عَلى يَدَيْهِ) ندما وتحسرا (يَقُولُ يا) قوم (لَيْتَنِي) في الدنيا (اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) إلى الهدى.

[٢٨] (يا وَيْلَتى) يا هلكتي احضري فهذا وقتك (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً) الذي أضلني وسبب العذاب لي (خَلِيلاً) صديقا.

[٢٩ ـ ٣٠] (لَقَدْ أَضَلَّنِي) فلان (٢) (عَنِ الذِّكْرِ) عن القرآن (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) الذكر ، وكان مقتضى القاعدة أن أؤمن (وَكانَ الشَّيْطانُ) الذي أضلّه ، إنسا كان أو جنا (لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) فلا ينفعه في ذلك الوقت العصيب ، بل أضلّه في الدنيا وتركه في الآخرة. (وَقالَ الرَّسُولُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) الكفار الذين بعثتني إليهم (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) متروكا فلم يقبلوه ولم يعملوا به.

[٣١] (وَكَذلِكَ) كما تركنا أعداءك ليعادوك ، حتى تتم الحجة (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) بأن تركناهم حتى يعادوا الأنبياء عليهم‌السلام وذلك لأن الدنيا دار اختيار واختبار ، وقوله : (جعلنا) كقولك : (جعل الملك الناس مفسدين) إذا تركهم وشأنهم ، وفي هذا تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً) يهديك فلا يضلونك (وَنَصِيراً) ينصرك عليهم.

[٣٢] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا) هلّا (نُزِّلَ عَلَيْهِ) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) لا تدريجا (كَذلِكَ) إنما نزلناه متفرقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ) لنقوي بالقرآن (فُؤادَكَ) قلبك حيث أن التدريج يوجب الاستمرارية وتقوية الملكة بخلاف الدفعة (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي أنزلناه شيئا بعد شيء للإرشاد في مختلف المناسبات ، مثلا آيات بدر إنما نزلت في تلك الغزوة ، وآيات حنين إنما نزلت في تلك الحرب ، وآيات الصيام في وقت تشريعه وهكذا.

__________________

(١) أصل الحجر : الضيق وسمي الحرام حجرا لضيقه بالنهي عنه.

(٢) أضله : وجهه للضلال عن الطريق.

٣٧٤

[٣٣] (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) لبطلان أمرك كقولهم : لما ذا لم ينزل عليه القرآن جملة واحدة ، تمثيلا بسائر الأنبياء عليهم‌السلام الذين نزلت كتبهم مرة واحدة (إِلَّا جِئْناكَ) في جوابهم (بِالْحَقِ) الراد لإشكالهم (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أي بما هو حسن بيانا من المثل الذي ضربوه لبطلان أمرك.

[٣٤] (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) يجمعون ويسحبون على وجوههم إلى النار (أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً) من المؤمنين (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) من سبيل المؤمنين ، والكلام جار على حسب المنطق العرفي ، وإلّا فليس في مكان المؤمنين شر ولا ضلال.

[٣٥] (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً).

[٣٦] (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) فرعون وجماعته (فَدَمَّرْناهُمْ) أي القوم أهلكناهم لمّا لم يقبلوا الإرشاد (تَدْمِيراً).

[٣٧] (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) عبرة (وَأَعْتَدْنا) هيّأنا (لِلظَّالِمِينَ) سوى ما حلّ بهم في الدنيا (عَذاباً أَلِيماً) مؤلما ، في الآخرة.

[٣٨] (وَ) أهلكنا (عاداً) قوم هود عليه‌السلام (وَثَمُودَ) قوم صالح عليه‌السلام (وَأَصْحابَ الرَّسِ) هي البئر ، والمراد قوم شعيب عليه‌السلام ـ كما في بعض التفاسير ـ لأنه كانت لهم بئر مشهورة يستقون الماء منها ، وعن الإمام الرضا عليه‌السلام إنهم كانوا قوما على شاطئ نهر يسمى الرس ألقوا نبيّهم في البئر فأنزل الله عليهم العذاب (وَقُرُوناً) أهل عصور (بَيْنَ ذلِكَ) المذكور (كَثِيراً) كلا أهلكناهم.

[٣٩] (وَكُلًّا) من أولئك الأقوام الهالكة (ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) القصص والعبر ، فلم يتنبهوا (وَكُلًّا تَبَّرْنا) أهلكنا (تَتْبِيراً).

[٤٠] (وَلَقَدْ أَتَوْا) مرّ قومك يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلَى الْقَرْيَةِ) قرية لوط عليه‌السلام لأنها بين الشام والمدينة (الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) مطروا بحجارة السجيل (أَفَلَمْ يَكُونُوا) قومك (يَرَوْنَها) في أسفارهم فلما ذا لم يعتبروا بها (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) وبعثا ، ولذلك لا ينظرون إلى العبر ولا يتعظون بالزواجر.

[٤١] (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ) ما (يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) محل استهزاء يقولون : (أَهذَا) استحقارا يقصدون أنه لا يليق بالرسالة (الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً).

[٤٢] (إِنْ) إنه (كادَ) قرب (لَيُضِلُّنا) يصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا) بأن نتركها ونتخذ إلها واحدا (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) أي ثبتنا على عبادتها (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) عند الموت (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) طريقه خطأ ، هم أو أنت.

[٤٣] (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) بأن أطاع شهوات نفسه وترك أوامر الله ، والاستفهام في معرض الإنكار عليه ، أي أرأيته كيف ضلّ بهذا السبب (أَفَأَنْتَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) حفيظا تحفظه عن الكفر ، والمعنى أنك لا تقدر على هدايته إذا هو عاند.

٣٧٥

[٤٤] (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ) أكثر هؤلاء الكفار (يَسْمَعُونَ) الحق سماع تفهم (أَوْ يَعْقِلُونَ) يستعملون عقولهم ويتدبرون (أَنَ) ما (هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) إذ الأنعام إذا عرفت مصالحها اتبعته ، وهؤلاء يعرفون الحق ويعاندونه.

[٤٥] (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) أي إلى قدرته تعالى (كَيْفَ مَدَّ) بسط (الظِّلَ) فإن للأشياء ظلا عند ظهور الشمس في السماء وهو نعمة كبيرة (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) لا يتحرك ، لكنه يضرّ بمصالح الناس (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ) على الظل (دَلِيلاً) إذ لو لا الشمس ما كان يعرف معنى للظل.

[٤٦] (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا) أزلنا الظلّ بإيقاع شعاع الشمس مكانه (قَبْضاً يَسِيراً) قليلا قليلا.

[٤٧] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) ساترا بظلامه كما يستر اللباس (وَالنَّوْمَ سُباتاً) قاطعا للعمل لأجل الراحة (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) بعثا للناس من النوم.

[٤٨] (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً) مبشرات (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي المطر ، فإن الريح تبشر بالمطر (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) طاهرا مطهرا.

[٤٩] (لِنُحْيِيَ) بالنبات (بِهِ) بالمطر (بَلْدَةً) أرضا (مَيْتاً) والتذكير باعتبار البلد إذ التاء في بلدة لإفراد الجنس لا التأنيث (وَنُسْقِيَهُ) أي ولنسقي من ذلك الماء أنعاما وأناسا (مِمَّا خَلَقْنا) بعض خلقنا (أَنْعاماً) بدل (مما) (وَأَناسِيَ) جمع إنسان (كَثِيراً).

[٥٠] (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) أي المطر ، نقلناه من هنا إلى هناك (بَيْنَهُمْ) بين بلادهم (لِيَذَّكَّرُوا) ليتفكروا فيعرفوا كمال قدرة الله (فَأَبى) امتنع (أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) جحودا لنعم الله.

[٥١] (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) نبيا ينذر أهلها ، وخففنا عليك الدعوة ، لكن المصلحة أن تكون ـ يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ نبيّا لكل البشر.

[٥٢] (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) بعد أن علمت الحق (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) بالقرآن (جِهاداً كَبِيراً) بكل قواك وإمكاناتك.

[٥٣] (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) جعلهما متلاصقين ، فإن المياه العذبة تحت الأرض والمياه المالحة في البحار متلاصقان ومع ذلك لا يختلط أحدهما بالآخر بسبب الحواجز الأرضية (هذا) أحد البحرين (عَذْبٌ) حلو (فُراتٌ) بالغ العذوبة (وَهذا مِلْحٌ) مالح (أُجاجٌ) شديد الملوحة (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) حاجزا من قدرته تعالى (وَحِجْراً مَحْجُوراً) أي حراما محرما أن يفسد المالح العذب.

[٥٤] (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ) النطفة (بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً) الأولاد الذكور للنسب (وَصِهْراً) البنات للصهر (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) حيث خلق من الماء الواحد رجالا ونساء.

[٥٥] (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (ما) أي الأصنام (لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) يظاهر الشيطان ويعاونه على مخالفة أوامر الله.

٣٧٦

[٥٦] (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) بالثواب (وَنَذِيراً) مخوفا من العقاب.

[٥٧] (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على تبليغ الرسالة (مِنْ أَجْرٍ إِلَّا) فعل (مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى) ثواب (رَبِّهِ) وجزائه (سَبِيلاً) فإن فعل ذلك الإنسان هو الأجر الذي أبغيه وأطلبه.

[٥٨] (وَتَوَكَّلْ) فوّض أمرك (عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) وهو الله ، أمّا سائر الأحياء فيموتون (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) نزهه تعالى حامدا له (وَكَفى بِهِ) بالله (بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) فيجازيهم على ذنوبهم وهذا إلفات لهم حتى لا يذنبوا.

[٥٩] (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي بقدر ستة أيام من أيام الدنيا (ثُمَّ اسْتَوى) توجه (عَلَى الْعَرْشِ) عرش الملك ، أو الموضع المخلوق الخاص ، وهذا من باب التشبيه كما أن الملك يصرف نظره بعد بناء المدينة إلى عرشه ثم يتوجه لإدارة شؤون البلاد (الرَّحْمنُ) مبتدأ (فَسْئَلْ بِهِ) بالرحمن (خَبِيراً) كأنك إذا سألته فقد سألت بسببه شخصا عالما ، نحو : اشرب به عسلا يعني : إذا شربته فقد شربت بسببه عسلا ، وهذا لإفادة علمه تعالى بكل شيء فهو الخالق وهو المدبر وهو العالم.

[٦٠] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) للكفار : (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) أي أيّ شيء الرحمن ، فإنهم كانوا يكرهون هذا اللفظ ، جهلا وسفها (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) بالسجود له ، والاستفهام للإنكار (وَزادَهُمْ) كلامك (نُفُوراً) تنفرا وابتعادا عن الحق.

[٦١] (تَبارَكَ) دام وثبت (الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) للكواكب (وَجَعَلَ فِيها) في السماء (سِراجاً) مصباحا وهو الشمس (وَقَمَراً مُنِيراً) ذا نور.

[٦٢] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) يخلف أحدهما الآخر ويقوم مقامه (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) يتذكر ، فإن الكون مذكر بالله تعالى (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) شكر الله على هذه النعم.

[٦٣] (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) هم (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) مشيا هيّنا بدون تكبّر ، بل بسكينة وتواضع (وَإِذا خاطَبَهُمُ) (الْجاهِلُونَ) تكلموا معهم (قالُوا) للجاهلين (سَلاماً) أي كلاما سلميّا فلا يقابلونهم بالكلام السيئ.

[٦٤] (وَالَّذِينَ) عطف على (الذين) (يَبِيتُونَ) يقضون الليل ، والتخصيص بالليل لأنه محل الفراغ للعبادة وهو أبعد من الرياء (لِرَبِّهِمْ سُجَّداً) ساجدين (وَقِياماً) قائمين في الصلاة.

[٦٥] (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ) ادفع (عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) غرامة ، أو لازما للإنسان لا ينفك منه.

[٦٦] (إِنَّها) جهنم (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا) محل استقرار (وَمُقاماً) محل بقاء وإقامة.

[٦٧] (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) لم يتجاوزوا الحد في الإنفاق (وَلَمْ يَقْتُرُوا) لم يضيقوا بأن لم يعطوا المقدار الكافي (وَكانَ) إنفاقهم (بَيْنَ ذلِكَ) الإسراف والإقتار (قَواماً) وسطا.

٣٧٧

[٦٨] (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) قتلها (إِلَّا بِالْحَقِ) كالقصاص وما أشبه (وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) الشرك أو القتل أو الزنا (يَلْقَ) يلاقي (أَثاماً) عصيانا كبيرا.

[٦٩] (يُضاعَفْ) يشتد (لَهُ الْعَذابُ) لأنه أكثر جرما من سائر الجرائم الصغيرة (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ) في العذاب حال كونه (مُهاناً) ذليلا.

[٧٠] (إِلَّا مَنْ تابَ) عن تلك المعاصي (وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) بأن يمحوا السيئات ويكتب مكانها الحسنات التي أتوا بها من الإيمان والعمل الصالح (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

[٧١] (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ) يرجع (إِلَى اللهِ مَتاباً) مرجعا حسنا.

[٧٢] (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) لا يقيمون شهادة باطلة (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) أي بالساقط من القول والفعل (مَرُّوا كِراماً) متخذين موقف الإنسان الشريف من ذلك اللغو ، فإن كان المقام مقام النهي نهوا وإن كان مقام الإعراض أعرضوا وهكذا.

[٧٣] (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) كالقرآن والعبر (لَمْ يَخِرُّوا) لم يقيموا (عَلَيْها صُمًّا) كالأصم الذي لا يسمع (وَعُمْياناً) كالأعمى الذي لا يبصر ، بل استفادوا من سماع المواعظ ومن رؤية العبر.

[٧٤] (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا) أولادنا (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أي صلحاء تستقر بهم الأعين فرحا وحبورا ، فإن الخائف والمحزون تتقلب عينه هنا وهناك ليجد ملجأ يزيل به همه بخلاف المطمئن الفرح (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) يقتدون بنا في أمر الدين.

[٧٥] (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) غرف الجنة المشرفة عليها (بِما صَبَرُوا) أي بسبب صبرهم (وَيُلَقَّوْنَ فِيها) تتلقاهم الملائكة في الغرفة (تَحِيَّةً) من (حيّاك الله) أي أحياك حياة طيبة (١) (وَسَلاماً) سلامة من الآفات.

[٧٦] (خالِدِينَ فِيها) دائمين في تلك الغرفة والنعمة (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) مقابل (ساءت مستقرا ومقاما).

[٧٧] (قُلْ ما يَعْبَؤُا) لا يكترث (بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) بأن تدعوه (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) رسوله ودينه ، ولذا فلستم بموضع مبالاته واكتراثه (فَسَوْفَ يَكُونُ) جزاء تكذيبكم (لِزاماً) ملازما لكم.

__________________

(١) التحية : التلقي بالكرامة في المخاطبة.

٣٧٨

٢٦ : سورة الشعراء

مكية آياتها مائتان وسبع وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (طسم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (تِلْكَ) هذه الآيات المذكورة في هذه السورة (آياتُ الْكِتابِ) القرآن (الْمُبِينِ) الواضح.

[٣] (لَعَلَّكَ) يا رسول الله (باخِعٌ) هالك (نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي من أجل عدم إيمانهم ، والمعنى : لا تغتم لعدم إيمانهم.

[٤] (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) علامة تجبرهم على الإيمان (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) منقادين ، وذكر الأعناق لأنه موضع الخضوع.

[٥] (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) موعظة وإرشاد (مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) مجدد تنزيله (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) جددوا إعراضا.

[٦] (فَقَدْ كَذَّبُوا) بالذكر (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا) أخبار (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فيعلمون أنه كان حقا ، حيث يأخذهم جزاء تكذيبهم.

[٧] (أَوَلَمْ يَرَوْا) ألا ينظرون (إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) صنف من أصناف النبات (كَرِيمٍ) ذي فوائد هي محل تكريم الإنسان له.

[٨] (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي رأوه من إنبات النبات (لَآيَةً) على الله تعالى (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ).

[٩] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب (الرَّحِيمُ) وبرحمته يمهلهم.

[١٠] (وَ) اذكر (إِذْ) زمان (نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ) اذهب إلى (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

[١١] (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) بدل (أَلا يَتَّقُونَ) الكفر والعصيان ، والاستفهام للإنكار.

[١٢] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) يكذبوني.

[١٣] (وَيَضِيقُ صَدْرِي) بتكذيبهم لي (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) لست أفصح الكلام كما ينبغي (فَأَرْسِلْ) ملائكتك (إِلى) أخي (هارُونَ) ليكون معينا لي.

[١٤] (وَلَهُمْ) لآل فرعون (عَلَيَّ ذَنْبٌ) في اعتقادهم حيث قتلت أحدهم (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) يقتلوني قصاصا.

[١٥] (قالَ) الله ، بعد أن حلّ عقدة لسانه وجعل أخاه نبيا يعضده : (كَلَّا) لا يقتلونك (فَاذْهَبا) يا موسى وهارون (بِآياتِنا) حججنا وبراهيننا (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) أسمع كلامكما وكلامهم.

[١٦] (فَأْتِيا) اذهبا إلى (فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[١٧] (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) دعهم يذهبون معنا إلى الشام ، فجاءا إليه وقالا له.

[١٨] (قالَ) فرعون : (أَلَمْ نُرَبِّكَ) يا موسى تربية (فِينا) في منازلنا (وَلِيداً) طفلا (وَلَبِثْتَ) بقيت (فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) سنوات من عمرك حتى صرت شابا.

[١٩] (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) من قتل القبطي (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) بنعمتي التي أسبغتها عليك حيث قتلت أحد أتباعي.

٣٧٩

[٢٠] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (فَعَلْتُها) فعلت الفعلة ، أي القتل (إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) عن طريقك ، أي لم أكن اعترف بطريقتكم ، ولست كافرا بنعمتك كما زعمت.

[٢١] (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) أن تقتلوني قصاصا للقبطي (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) سلطة وحكومة (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) نبيا.

[٢٢] (وَتِلْكَ) التربية (نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) أي هذه ليست نعمة وإنما هي خلاف النعمة (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) اتخذتهم عبيدا تقتل أولادهم مما ألجأت أمي إلى أن تقذفني في النيل.

[٢٣] (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) ما هو حقيقته.

[٢٤] (قالَ) موسى عليه‌السلام : هو (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) بشيء ، فهذا أولى الأشياء باليقين.

[٢٥] (قالَ) فرعون (لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) جواب موسى عليه‌السلام ، أنا أسأله عن حقيقة إلهه ، وهو يجيبني عن آثاره.

[٢٦] (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) فهو خالقكم أجمعين.

[٢٧] (قالَ) فرعون غيظا وبهتا من جواب موسى عليه‌السلام : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) لأنه يقول أشياء لا حقيقة لها حسب زعمه.

[٢٨] (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) أي إن استعملتم عقلكم لعلمتم ذلك.

[٢٩] (قالَ) فرعون ، بعد أن عجز عن الجواب : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ) يا موسى (إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) أحبسك في السجن.

[٣٠] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (أَ) تفعل ذلك (وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ) بمعجزة (مُبِينٍ) واضح.

[٣١] (قالَ) فرعون : (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك.

[٣٢] (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ) حية (مُبِينٌ) ظاهر.

[٣٣] (وَنَزَعَ يَدَهُ) أخرج يده من جيبه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) بياضا منيرا (لِلنَّاظِرِينَ) لمن ينظر.

[٣٤] (قالَ) فرعون (لِلْمَلَإِ) الأشراف (حَوْلَهُ إِنَّ هذا) موسى عليه‌السلام (لَساحِرٌ عَلِيمٌ) خبير بفنون السحر.

[٣٥] (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) فإنه إذا تسلط اضطرت الهيئة الحاكمة إلى الفرار (بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) في دفعه.

[٣٦] (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي أخّر أمرهما (وَابْعَثْ) أرسل (فِي الْمَدائِنِ) في البلاد (حاشِرِينَ) أشخاصا جامعين للسحرة.

[٣٧] (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) حاذق في السحر.

[٣٨] (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ) وقت (يَوْمٍ مَعْلُومٍ) معيّن.

[٣٩] (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) حث للناس على الاجتماع ليشاهدوا مقابلة موسى عليه‌السلام للسحرة.

٣٨٠