تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٤٥] (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) على النار بأن يؤتي بهم على شفيرها في حال كونهم (خاشِعِينَ) أذلاء (مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) نظر قليل يسرقون النظر إلى النار ، كما هو شأن كل ذليل في محل فإنه لا يجرأ من النظر بملإ عينه (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ) الكاملي الخسران هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بتعريضها للعذاب (وَأَهْلِيهِمْ) بأن أدخلوهم النار أيضا ، أو دخل الأهل في الجنة فلم يكونوا مع آبائهم وأوليائهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) دائم.

[٤٦] (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) بأن يتركه حتى يضل (فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) للوصول إلى الهداية والجنة.

[٤٧] (اسْتَجِيبُوا) أجيبوا (لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) لا رجوع لذلك اليوم ، فلا يتأخر حتى يكون الإنسان في الحالة السابقة (مِنَ اللهِ) صلة (مردّ) ، أي لا يرده الله بعد إتيانه (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ) تلجئون إليه ليرد العذاب عنكم (يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) قوة إنكار ترد العذاب عنكم.

[٤٨] (فَإِنْ أَعْرَضُوا) أعرض الكفار عن قبول قولك (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) تحفظهم عن الكفر ، فلا تغتم لذلك (إِنْ) ما (عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) أن تبلغهم وقد فعلت (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) كالفقر والمرض (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بسبب أعمالهم (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) كثير الكفران ينسى النعم الكثيرة التي هو فيها ويتذكر النعمة المفقودة فقط.

[٤٩] (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فله أن يقسم النعمة والنقمة كيف يشاء (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) من الأولاد (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ).

[٥٠] (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) يعطيهم القسمين (ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) فلا يعطيه الأولاد (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بما فيه الصلاح (قَدِيرٌ) لما يريد.

[٥١] (وَما كانَ) ما صح (لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) وجها لوجه لأنه مستحيل ، فإنه تعالى ليس بجسم (إِلَّا وَحْياً) إلهاما كما كلّم أمّ موسى (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) بأن لا يرى الله كما كلّم موسى عليه‌السلام (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) كجبرئيل أتى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أراد الله (فَيُوحِيَ) الرسول أي الملك إلى النبي أو غيره (بِإِذْنِهِ) تعالى (ما يَشاءُ) من الأقوال والأحكام (إِنَّهُ عَلِيٌ) عن رؤية الأبصار (حَكِيمٌ) يفعل ما يقتضيه الصلاح.

٥٠١

[٥٢] (وَكَذلِكَ) هكذا (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً) القرآن وإنما سمي روحا لأن العالم بلا نظام صحيح كالميت والقرآن نظام للعالم (مِنْ أَمْرِنا) من جنس أوامرنا (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ) القرآن (وَلَا الْإِيمانُ) فإن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدون تعليم الله لا يدري شيئا (وَلكِنْ) أوحينا فعلمت (جَعَلْناهُ) أي القرآن (نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ) ممن قبل الهداية (مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) ترشد (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

[٥٣] (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ) ترجع (الْأُمُورُ) كل شيء من الخلق وأعمالهم ، فيجازي كلا حسب عمله.

٤٣ : سورة الزخرف

مكية آياتها تسع وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (حم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (وَالْكِتابِ) قسما بالقرآن (الْمُبِينِ) الموضح طريق الحق ، وخبر القسم مقدر دلّ عليه (أفنضرب) أي لا نصرف الذكر عنكم.

[٣] (إِنَّا جَعَلْناهُ) أي الكتاب (قُرْآناً عَرَبِيًّا) بلغة العرب (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) تفهمونه.

[٤] (وَإِنَّهُ) أي القرآن (فِي أُمِّ الْكِتابِ) اللوح المحفوظ لأن الكتب السماوية مأخوذة منه ، الذي هو (لَدَيْنا) في الملأ الأعلى (لَعَلِيٌ) رفيع (حَكِيمٌ) قد أحكمت آياته.

[٥] (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ) القرآن (صَفْحاً) كما يضرب على صفح الدابة وطرفها ، لأجل أن تنصرف إلى طريق آخر (أَنْ) لأن (كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) مجاوزين الحد بأن يكون عدم قبولكم للقرآن موجبا لرفع أحكامه عنكم ، والاستفهام للإنكار أي لا يكون هذا.

[٦] (وَكَمْ) للكثرة (أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي) الأمم (الْأَوَّلِينَ) السابقين.

[٧] (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهذا تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٨] (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ) من قومك (بَطْشاً) أخذا ، أي الذين هم كانوا أقوى من قومك ، وهذا تهديد للكفار (وَمَضى) سلف في القرآن (مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) قصص أخذهم لمّا كفروا.

[٩] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي المشركين (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْعَلِيمُ) بخلقه ، فلما ذا يتخذون الأصنام آلهة.

[١٠] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) مستقرا (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) طرقا تسلكون فيها (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى وجوده سبحانه لما ترون من آثار قدرته.

٥٠٢

[١١] (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) المطر (بِقَدَرٍ) بمقدار يراه صلاحا (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) أحييناها بالزرع بعد أن كانت يابسة (كَذلِكَ) كحياة الأرض بعد موتها (تُخْرَجُونَ) من القبور للبعث.

[١٢] (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) أصناف الخلق (كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ) السفينة (وَالْأَنْعامِ) الإبل (ما تَرْكَبُونَ) في البحر والبر.

[١٣] (لِتَسْتَوُوا) تستقروا (عَلى ظُهُورِهِ) أي ظهر ما تركبون (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) بأن تشكروه على تلك النعمة (وَتَقُولُوا سُبْحانَ) أنزهه تنزيها (الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) ذلله لنا لنركبه (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) مطيقين مقارنين في القوة.

[١٤] (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا) إلى جزائه (لَمُنْقَلِبُونَ) راجعون فإن السفر يذكّر بسفر الآخرة.

[١٥] (وَجَعَلُوا) أي المشركون (لَهُ) لله (مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) حيث قالوا المسيح ابن الله ، فإن المسيح عليه‌السلام من عبيد الله ، فجعلوه ولدا له ، والولد جزء من الوالد (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) كثير الكفر والكفران (مُبِينٌ) ظاهر الكفر.

[١٦] (أَمِ) استفهام إنكاري أي هل (اتَّخَذَ) الله (مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) لأنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله (وَأَصْفاكُمْ) اختاركم (بِالْبَنِينَ) بأن أعطاكم البنين ، فلم يكتفوا بجعل الولد له بل جعلوا الأولاد من أخس الأولاد في نظرهم.

[١٧] (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما) أي بالبنت التي (ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) جعلها لله شبها ، إذ الولد يشبه الوالد (ظَلَ) صار (وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) اسود من الخجل والغضب (وَهُوَ كَظِيمٌ) ممتلئ غيظا.

[١٨] (أَوَ) جعلوا لله (مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي البنت التي تتربى في الزينة (وَهُوَ فِي الْخِصامِ) عند المخاصمة (غَيْرُ مُبِينٍ) موضح للحجة ، فإن النساء هكذا لكونهن عاطفيات وذلك يوجب عدم قدرتهن على الإتيان بالحجة العقلية الكاملة عادة.

[١٩] (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) فقالوا هم بنات الله (أَشَهِدُوا) هل حضروا (خَلْقَهُمْ) وقت خلقتهم فرأوهم إناثا وهذا استفهام إنكار (سَتُكْتَبُ) السين للتحقيق (شَهادَتُهُمْ) بأن الملائكة إناث (وَيُسْئَلُونَ) يوم القيامة عن افترائهم.

[٢٠] (وَقالُوا) عبّاد الملائكة (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ) أن لا نعبد الملائكة (ما عَبَدْناهُمْ) فإنما عبدنا الملائكة لأن الله شاء لنا أن نعبدهم (ما لَهُمْ بِذلِكَ) أي بما قالوا من أن الله شاء لنا عبادة الملائكة (مِنْ عِلْمٍ) مستند ودليل (إِنْ) ما (هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) يكذبون في هذا القول.

[٢١] (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن مكتوبا فيه أن الملائكة إناث (فَهُمْ بِهِ) بذلك الكتاب (مُسْتَمْسِكُونَ) متمسكون ، فلا حجة لهم عقلية ولا نقلية.

[٢٢] (بَلْ) صرف التقليد (قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) على طريقة (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) سالكون.

٥٠٣

[٢٣] (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فِي قَرْيَةٍ) بلد (مِنْ نَذِيرٍ) نبي أو قائم مقامه (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) الأغنياء ، وخصهم بالذكر لأنهم عادة يعارضون الأنبياء ابتداء (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) فأقوال هؤلاء مثل أقوال أولئك.

[٢٤] (قالَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَ) تتبعون آباءكم (وَلَوْ جِئْتُكُمْ) بدين أهدى أكثر استقامة (مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) من الدين (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وإن كان أهدى.

[٢٥] (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بإنزال العذاب (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) الذين كذبوا الرسل.

[٢٦] (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ) بريء (١) (مِمَّا تَعْبُدُونَ) من الأصنام.

[٢٧] (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) خلقني (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) يهديني إلى الطريق المستقيم ، والسين للتأكيد.

[٢٨] (وَجَعَلَها) جعل إبراهيم كلمة التوحيد (كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ذريته فلا يزال فيهم من يدعو إلى التوحيد ويوحد الله (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) من الشرك إلى التوحيد بدعائه ودعاء عقبه.

[٢٩] (بَلْ) أي سبب كفرهم ليس أنهم يرون ما جاء به الرسول باطلا ، وإنما لأنهم أترفوا وعادة المترفين الكفر (مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) بأنواع النعم فانهمكوا في الشهوات (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر.

[٣٠] (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا) القرآن (سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) فزادوا إلى شركهم معاندة الحق.

[٣١] (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ) أهل (الْقَرْيَتَيْنِ) مكة والطائف (عَظِيمٍ) صفة رجل ، أرادوا الوليد بن مغيرة بمكة وعروة بن مسعود بالطائف فإنهم زعموا أن الرسالة لا تليق إلا بمن له مال وجاه.

[٣٢] (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) فيضعون النبوة حيث شاءوا (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ولم نكل تدبيرها إليهم فكيف نفوض أمر الرسالة الذي هو من أعظم الأمور إلى تقديراتهم (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) في الرزق والعلم والذكاء (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) مسخرا يستخدمه في حوائجه لتنتظم أمور العالم فليس المال والجاه دليل عظم الشخص حتى يكون قابلا للنبوة كما زعموا (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) كالنبوة (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من الأموال ، وإنما يعطاها من كانت له قابلية نفسية.

[٣٣] (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) مجتمعين على الكفر ، حيث يرون الكفار أعلى درجة منهم ، لجعلنا الكفار أكثر مالا ، وذلك لبيان أن المال لا قيمة له ، خلاف ما زعموا من أن الأموال الكثيرة دليل العظمة (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) بدل (لمن) (سُقُفاً) جمع سقف (مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) جمع (معرج) وهو السلم ، أي سلالم من فضة (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) يعلون السطوح.

__________________

(١) براء : مصدر لبرء يبرأ ، والمعنى : المبالغة في كونه بريئا.

٥٠٤

[٣٤] (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) من فضة ، جمع سرير (عَلَيْها) على تلك السرر (يَتَّكِؤُنَ).

[٣٥] (وَ) جعلنا لهم (زُخْرُفاً) زينة وذهبا (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (كُلُّ ذلِكَ لَمَّا) قطعا (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ) أما (الْآخِرَةُ) الجنة التي هي (عِنْدَ رَبِّكَ) عند محل لطفه فهي (لِلْمُتَّقِينَ) الذين يجتنبون الكفر والمعاصي.

[٣٦] (وَمَنْ يَعْشُ) يتعامى أو يعرض (عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ) نهيئ (لَهُ شَيْطاناً) نتركه حتى يذهب لإغوائه ، جزاء إعراضه عن الحق (فَهُوَ) الشيطان (لَهُ) لذلك الشخص (قَرِينٌ) ملازم بقصد إضلاله.

[٣٧] (وَإِنَّهُمْ) الشياطين (لَيَصُدُّونَهُمْ) يمنعون الذين يعشون (عَنِ السَّبِيلِ) للهدى (وَيَحْسَبُونَ) يظنون (أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) إلى الحق والرشاد.

[٣٨] (حَتَّى إِذا جاءَنا) العاشي في الآخرة (قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) أيها الشيطان (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) مثل بعد المشرق عن المغرب (١) فأنت بئس القرين لي.

[٣٩] (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) في هذا اليوم (إِذْ ظَلَمْتُمْ) أنفسكم في الدنيا (أَنَّكُمْ) فاعل (ينفعكم) (٢) (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) أي اشتراككم في العذاب غير مجد لكم ، إذ لا يخفف أحدكم عن عذاب الآخر.

[٤٠] (أَفَأَنْتَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تُسْمِعُ الصُّمَ) جمع أصم ، شبه به الكافر المعاند لعدم انتفاعه بالسماع (أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) جمع أعمى ، فالمعاند مثله في عدم انتفاعه بنور الإيمان (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ظاهر يعاند الحق ، والاستفهام بقصد تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٤١] (فَإِمَّا) أصله (إن) الشرطية و(ما) الزائدة للتأكيد (نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) أي نحن ننتقم من هؤلاء سواء في حياتك أو بعد موتك.

[٤٢] (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) من العذاب (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ) على كل حال (مُقْتَدِرُونَ) سواء في حياتك أو بعد موتك.

[٤٣] (فَاسْتَمْسِكْ) تمسك (بِالَّذِي أُوحِيَ) من الشرائع (إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لا اعوجاج فيه.

[٤٤] (وَإِنَّهُ) القرآن (لَذِكْرٌ) مذكّر (لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) عن القيام بحقه.

[٤٥] (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) اسأل أممهم ، نحو (اسأل القرية) (٣) (أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) فكيف ينسبون عبادة الأوثان إلى الأنبياء والفرض أن التوحيد دين الأنبياء كلهم.

[٤٦] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أشراف قومه (فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[٤٧] (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا) بأدلتنا (إِذا هُمْ) فرعون وملأه (مِنْها) من الآيات (يَضْحَكُونَ) يستهزءون بها.

__________________

(١) المشرقين : المشرق والمغرب ، والتثنية للتغليب كالحسنين عليهما‌السلام.

(٢) أي أن وما بعدها في تأويل المصدر فاعل (ينفعكم).

(٣) سورة يوسف : ٨٢.

٥٠٥

[٤٨] (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) من آياتنا كالعصا والطوفان والجراد (إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) في الدلالة على صدق موسى عليه‌السلام (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) كالجراد والقمل والضفادع (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن كفرهم.

[٤٩] (وَقالُوا) أي فرعون وملأه (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) أن يكشف عنا العذاب إن صرنا في صدد الإيمان ، ادعه بكشف العذاب ، فإن كشفه ف (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) نقبل قولك.

[٥٠] (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) يخالفون عهدهم فلا يؤمنون.

[٥١] (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) تحت قصوري (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ما أنا فيه من العز والملك.

[٥٢] (أَمْ) تبصرون فتعلمون (أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا) موسى عليه‌السلام بزعمه أن كثرة المال والملك دالة على الأفضلية (الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) حقير والعياذ بالله لا يصلح للرئاسة (وَلا يَكادُ يُبِينُ) لا يقدر على التكلم ، فإن موسى عليه‌السلام لم يكن فصيح اللسان.

[٥٣] (فَلَوْ لا) فهلا إذا كان صادقا (أُلْقِيَ عَلَيْهِ) من السماء (أَسْوِرَةٌ) جمع سوار ، ما يلبس في اليد (مِنْ ذَهَبٍ) وكان ذلك من علائم الملوك يلبسون السوار من الذهب والفضة (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) يقترن بعضهم ببعض يشهدون له أنه نبي مرسل.

[٥٤] (فَاسْتَخَفَ) فرعون (قَوْمَهُ) بأن طلب من قومه الخفة في طاعته (فَأَطاعُوهُ) في الكفر والعصيان (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) خارجين عن طاعة الله.

[٥٥] (فَلَمَّا آسَفُونا) أغضبونا لما رأينا من عنادهم (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ).

[٥٦] (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) متقدمين على من أتى بعدهم من الكفار في نزول العذاب بهم (وَمَثَلاً) موعظة وعبرة (لِلْآخِرِينَ) الذين يأتون من بعدهم.

[٥٧] (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) ضرب المشركون مثلا بعيسى عليه‌السلام لأجل إبطال كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أنزل عليه (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) (١) فقالوا على هذا يلزم أن يكون عيسى عليه‌السلام حصب جهنم لأنه عبد من دون الله ، جاهلين أنه ورد في الآية (ما) وهي تطلق على ما لا يعقل فلا تشتمل الآية المسيح عليه‌السلام (إِذا قَوْمُكَ) قريش (مِنْهُ) من المثل (يَصِدُّونَ) يصيحون فرحا لزعمهم أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقطع (٢).

[٥٨ ـ ٦٠] (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) عيسى عليه‌السلام ، فإذا كان عيسى عليه‌السلام الذي هو خير في النار فلتكن آلهتنا أيضا في النار (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) بالباطل (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) شديد والخصومة والجدال ، ثم عطف القرآن السياق إلى حقيقة أمر عيسى عليه‌السلام بقوله : (إِنْ) ما (هُوَ) المسيح عليه‌السلام (إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً) أمرا عجيبا كالمثل السائر ، أو آية (لِبَنِي إِسْرائِيلَ). (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) بدلكم (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) يخلف بعضهم البعض ، فإنا نقدر على إبادتكم أيها الكفار.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٩٨.

(٢) صد يصد صدا : ضج وعج ، لسان العرب : ج ٣ ص ٢٤٦.

٥٠٦

[٦١] (وَإِنَّهُ) أي هلاك الناس جميعا (لَعِلْمٌ) سبب علم (لِلسَّاعَةِ) للقيامة ، فإن هلاك الناس بأجمعهم يكون من علائم القيامة (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) فلا تشكن أيها الناس في مجيء القيامة (وَاتَّبِعُونِ) في أوامري (هذا) اتباعي (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لا يضل سالكه.

[٦٢] (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) لا يمنعنكم عن سلوك الطريق المستقيم (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة.

[٦٣] (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) بالأدلة الظاهرة (قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) بالإنجيل الذي هو معرفة مواضع الأشياء في العقيدة والعمل (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أمور الشريعة السابقة (فَاتَّقُوا اللهَ) خافوا عقابه في مخالفتي (وَأَطِيعُونِ) أطيعوني.

[٦٤] (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا) توحيده (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).

[٦٥] (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) الجماعات (مِنْ بَيْنِهِمْ) بين الذين أرسل إليهم ، فقسم آمنوا به وقسم لم يؤمنوا (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بمخالفته عيسى عليه‌السلام (مِنْ عَذابِ يَوْمٍ) القيامة (أَلِيمٍ) مؤلم.

[٦٦] (هَلْ يَنْظُرُونَ) هل ينتظر هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إتمام الحجة (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بها لغفلتهم عنها.

[٦٧] (الْأَخِلَّاءُ) الأحباب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) لأن ما تحابوا عليه صار سبب عدائهم (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) من الأخلاء.

[٦٨] فيقال لهم (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) من العذاب (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) لفوات ثواب.

[٦٩] (الَّذِينَ) صفة ل (عباد) (آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) أسلموا لله تعالى.

[٧٠] (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) زوجاتكم (تُحْبَرُونَ) تسرون سرورا يبدو في وجوهكم.

[٧١] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ) جمع صحفة أي القصعة فيها الطعام (مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) جمع كوب وهو قسم من الكوز لا عروة له ، فيه الشراب (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) من النعم (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) من المناظر الحسنة (وَأَنْتُمْ فِيها) في الجنة (خالِدُونَ) دائمون.

[٧٢] (وَ) يقال لهم (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها) بأن صرتم أهلها بعد أن لم تكن لكم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بسبب أعمالكم الصالحة.

[٧٣] (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها) من تلك الفاكهة (تَأْكُلُونَ).

٥٠٧

[٧٤ ـ ٧٥] (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ) لا يخفف (عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) آيسون.

[٧٦] (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) لأنفسهم حتى استحقوا هذا العذاب.

[٧٧] (وَنادَوْا يا مالِكُ) الخازن للنار ، اطلب (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ليموتنا (قالَ) مالك (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) باقون لا موت لكم.

[٧٨] (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) لما هو حق (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).

[٧٩] (أَمْ) بل (أَبْرَمُوا أَمْراً) أحكموا أمرهم في كيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) محكمون أمرنا في إعلاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٨٠] (أَمْ يَحْسَبُونَ) بل يظن هؤلاء الكفار (أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) في ما يخفون من الكلام (وَنَجْواهُمْ) ما يناجي بعضهم بعضا من الكلام (بَلى) نسمع ذلك (وَرُسُلُنا) الحفظة (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) كل ما يبدو منهم.

[٨١] (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) فرضا كما تزعمون (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) لذلك الولد ، لأن تعظيم الولد الصالح تعظيم لوالده.

[٨٢] (سُبْحانَ) أنزّهه تنزيها عن الولد (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ) السلطة العظيمة (عَمَّا يَصِفُونَ) يصفونه به من الولد.

[٨٣] (فَذَرْهُمْ) اتركهم يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي القيامة.

[٨٤] (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) أي انه إله الكون بسمائه وأرضه (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في أفعاله (الْعَلِيمُ) بكل شيء.

[٨٥] (وَتَبارَكَ) دام وكثر خيره (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) وقت قيام القيامة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إلى جزائه وحسابه ، في يوم القيامة.

[٨٦] (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي الأصنام (الشَّفاعَةَ) لعبادها عند الله (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) كالمسيح وعزير عليهم‌السلام والملائكة (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنه لا تملك الأصنام الشفاعة.

[٨٧] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي المشركين (مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لأنهم يعلمون أن ما سواه ليس خالقا (فَأَنَّى) إلى أين (يُؤْفَكُونَ) يصرفون من عبادة الله.

[٨٨] (وَقِيلِهِ) قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي قال هذا القول (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) وهذا على وجه التشكي.

[٨٩] (فَاصْفَحْ) أعرض (عَنْهُمْ) قبل أمرك بقتالهم (وَقُلْ سَلامٌ) لأجل الوداع (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة أعمالهم السيئة.

٥٠٨

٤٤ : سورة الدخان

مكية آياتها تسع وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (حم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (وَالْكِتابِ) قسما بالكتاب (الْمُبِينِ) الظاهر وهو القرآن.

[٣] (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أي القرآن (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ليلة القدر فقد نزل القرآن جملة في ليلة القدر على قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) مخوفين ولذا أنزلناه.

[٤] (فِيها) في ليلة القدر (يُفْرَقُ) يفصل (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) محكم.

[٥] (أَمْراً) حال من (أمر) (مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) من شأننا إنزال الكتب وإرسال الرسل.

[٦] (رَحْمَةً) أي أنزلناه لأجل الرحمة (مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) للأقوال (الْعَلِيمُ) العالم بكل شيء.

[٧] (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) من أهل الإيقان فأيقنوا بهذا.

[٨ ـ ٩] (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍ) من هذا الكتاب (يَلْعَبُونَ) في الدنيا ولا يعملون للآخرة.

[١٠] (فَارْتَقِبْ) فانتظر (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ) فإن السماء تتحول إلى دخان (مُبِينٍ) ظاهر.

[١١] (يَغْشَى النَّاسَ) يحيط الدخان بالناس (هذا) الذي تشاهدونه (عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

[١٢] يقولون (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) إن كشفت العذاب عنا.

[١٣] (أَنَّى) من أين وكيف (لَهُمُ الذِّكْرى) أن يتذكروا كما قالوا اكشف عنا العذاب نؤمن (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر.

[١٤] (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) أعرضوا عن الإيمان به (وَقالُوا مُعَلَّمٌ) علّمه القرآن بشر (١) (مَجْنُونٌ) كانوا ينسبون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الجنون.

[١٥] (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) إن كشفنا العذاب قليلا ولو لمدة قليلة ـ عدتم إلى ما كنتم عليه من الكفر ، كما قال تعالى : (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) (٢).

[١٦] (يَوْمَ) القيامة (نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) نأخذ بشدة الأخذة الكبيرة (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) منكم في ذلك اليوم.

[١٧] (وَلَقَدْ فَتَنَّا) امتحنا (قَبْلَهُمْ) قبل هؤلاء الكفار (قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) موسى عليه‌السلام.

[١٨] (أَنْ أَدُّوا) أرسلوا معي (إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) أي بني إسرائيل الذين استعبدهم فرعون (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) مأمون على ما حمّلت وأرسلت به.

__________________

(١) قالوا انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعلم من رومي أو شامي أو فارسي!.

(٢) سورة الأنعام : ٢٨.

٥٠٩

[١٩] (وَأَنْ لا تَعْلُوا) لا تتكبروا (عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ) بحجة (مُبِينٍ) ظاهرة.

[٢٠] (وَإِنِّي عُذْتُ) استجرت (بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) تضربونني بالحجارة ، فإن الكفار كانوا يهددون الأنبياء بالرمي بالحجارة إن استمروا في دعوتهم.

[٢١] (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) اتركوني لا لي ولا عليّ.

[٢٢] (فَدَعا) موسى عليه‌السلام (رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ) فرعون وملأه (قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) لا ينفع معهم النصح والإرشاد.

[٢٣] فأوحى الله إليه (فَأَسْرِ) أي سر ليلا (بِعِبادِي) مع بني إسرائيل (لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) يتبعكم فرعون وجنوده لإرجاعكم.

[٢٤] (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) ساكنا إذا قطعته وعبرته فلا تضربه بعصاك ليرجع ماؤه كما كان (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) لأجل أن يأتي فرعون وجنده في البحر فيغرقون.

[٢٥] (كَمْ تَرَكُوا) أي آل فرعون (مِنْ جَنَّاتٍ) بساتين (وَعُيُونٍ) ماء.

[٢٦] (وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) مجالس حسنة ومنازل جميلة.

[٢٧] (وَنَعْمَةٍ) تنعموا بها (كانُوا فِيها فاكِهِينَ) ناعمين.

[٢٨] (كَذلِكَ) هكذا فعلنا بهم (وَأَوْرَثْناها) أعطينا كل نعمهم (قَوْماً آخَرِينَ) بني إسرائيل لأنهم حكموا مصر بعد فرعون.

[٢٩] (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) أي لم يكن لهم أهمية حتى تحزن عليهم (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي لما أتاهم العذاب لم يمهلوا.

[٣٠] (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) المذل لهم وهو عذاب فرعون وإذلاله لهم.

[٣١] (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً) متجبرا (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) الذين يتعدون الحد.

[٣٢] (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) بني إسرائيل (عَلى عِلْمٍ) منا باستحقاقهم ذلك (عَلَى الْعالَمِينَ) عالمي زمانهم.

[٣٣] (وَآتَيْناهُمْ) أعطيناهم (مِنَ الْآياتِ) كالعصا واليد وفلق البحر (ما فِيهِ بَلؤُا) امتحان (مُبِينٌ) واضح.

[٣٤] (إِنَّ هؤُلاءِ) كفار مكة (لَيَقُولُونَ).

[٣٥] (إِنْ هِيَ) ما الموتة التي تعقب الحياة (إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) إلا موتة نموتها في الدنيا ولا حشر بعدها (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) للحساب.

[٣٦] (فَأْتُوا) يا أيها النبي والمؤمنون (بِآبائِنا) أحيوهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن بعد الموت حياة.

[٣٧] (أَهُمْ خَيْرٌ) أشد قوة وأكثر جمعا (أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) أحد الملوك الكبار (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم (أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) فاستحقوا الهلاك ، وهؤلاء مثلهم فإن بقوا على إجرامهم أهلكناهم.

[٣٨] (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) لأجل العبث حتى لا يكون حساب وجزاء.

[٣٩] (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) وذلك يقتضي إثابة المحسن وعقاب المسيء (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لتركهم التأمل والتفكر.

٥١٠

[٤٠] (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) يوم القيامة الذي فيه يقضي ويفصل بين الخلائق (مِيقاتُهُمْ) موعدهم للجزاء (أَجْمَعِينَ).

[٤١] (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى) لا يفيد وليّ بقرابة أو صداقة أو سيادة (عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) بأن يخفف عن إثمه (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لا ينصرهم أحد.

[٤٢] (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) بالعفو عنه (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الرَّحِيمُ) بعباده.

[٤٣] (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) شجرة مرة جدا.

[٤٤] (طَعامُ) يأكله (الْأَثِيمِ) المذنب ، في الآخرة.

[٤٥] هي (كَالْمُهْلِ) النحاس المذاب في البشاعة [٤٦] (يَغْلِي) هذا الطعام ويفور (فِي الْبُطُونِ).

[٤٦] (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) مثل فوران الماء الشديد الحرارة.

[٤٧] ويقال للزبانية (خُذُوهُ) أي الأثيم (فَاعْتِلُوهُ) جروه بعنف وغلظة (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) وسطها.

[٤٨] (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) من الماء المغلي.

[٤٩] ويقال له تهكما (ذُقْ) هذا العذاب (إِنَّكَ) بزعمك (أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ولذا كنت تمتنع عن الإيمان اغترارا بنفسك.

[٥٠] (إِنَّ هذا) العذاب (ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) تشكون حيث تقولون لا بعث.

[٥١] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ) محل (أَمِينٍ) من المكاره.

[٥٢ ـ ٥٣] (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ) الحرير الرقيق (وَإِسْتَبْرَقٍ) الحرير الخشن ، وهذا أجمل مظهرا وذلك أحسن ملمسا ، في حال كونهم (مُتَقابِلِينَ) جالسين بعضهم في قبال بعض للأنس.

[٥٤] (كَذلِكَ) الأمر (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ) نساء جميلات بيض (١) (عِينٍ) واسعات العيون.

[٥٥] (يَدْعُونَ) يطلبون (فِيها) في الجنة (بِكُلِّ فاكِهَةٍ) مما يشاءون (آمِنِينَ) من كل خوف وضرر.

[٥٦] (لا يَذُوقُونَ فِيهَا) في الجنان (الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) فإن ما يشاهدونه طول حياتهم من أول الدنيا إلى الأبد هو موت واحد ، بخلاف الكافر في النار الذي يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت.

(وَوَقاهُمْ) حفظهم ربهم (عَذابَ الْجَحِيمِ) النار.

[٥٧] أعطوا كل ذلك (فَضْلاً) زيادة بدون استحقاق إذ لا يستحق أحد على الله شيئا (مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ) الدخول للجنة (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي ليس فوقه فوز.

[٥٨] (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) سهلنا القرآن حيث أنزلناه (بِلِسانِكَ) بلغتك (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون.

[٥٩] (فَارْتَقِبْ) انتظر لترى ما يحل بهم (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) منتظرون ليروا ما يحل بك.

__________________

(١) الحور : جمع حوراء أي شديدة البياض.

٥١١

٤٥ : سورة الجاثية

مكية آياتها سبع وثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (حم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (تَنْزِيلُ) إنزال هذا (الْكِتابِ) أي القرآن إنما هو (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمِ) في تدبيره.

[٣] (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ) دالات على وجود الله وقدرته (لِلْمُؤْمِنِينَ) فإنهم المستفيدون بالآيات.

[٤] (وَفِي خَلْقِكُمْ) أيها البشر (وَما يَبُثُ) ينشر الله (مِنْ دابَّةٍ) حيوان متحرك (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هم من أهل اليقين ، بأن يتأملوا في الأشياء حتى يحصل لهم اليقين بالحق.

[٥] (وَ) في (اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بأن يخلف أحدهما الآخر (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) أي المطر الذي هو سبب الرزق (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) تقليبها من هنا إلى هناك (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يستعملون عقولهم.

[٦] (تِلْكَ) الآيات المذكورة (آياتُ اللهِ) دلائل وجوده وصفاته (نَتْلُوها) نقرأها (عَلَيْكَ بِالْحَقِ) فليس ما نقول باطلا (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ) بعد الحديث عن وجود الله وصفاته (وَآياتِهِ) دلائله (يُؤْمِنُونَ) والحال أنهم لا يؤمنون بهذه الأمور الظاهرة ، والاستفهام للتعجب.

[٧] (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) كذاب (أَثِيمٍ) كثير الإثم.

[٨] (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ) من القرآن (تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ) على كفره (مُسْتَكْبِراً) متكبرا عن قبول الحق (كَأَنْ) كأنه (لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ) تهكما (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) مؤلم.

[٩] (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا) القرآن (شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) جعلها مادة لاستهزائه (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ذو إهانة لهم.

[١٠] (مِنْ وَرائِهِمْ) بعد أن يموتوا (جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) من مال وجاه (شَيْئاً) في دفع العذاب عنهم (وَلا) يغني عنهم (ما) أي الأصنام التي (اتَّخَذُوا) ها (مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله جاعلين الأصنام (أَوْلِياءَ) لهم (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

[١١] (هذا) القرآن (هُدىً) وسيلة هداية الناس (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) أشد العذاب (أَلِيمٌ) مؤلم.

[١٢] (اللهُ) هو (الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) ذلله بحيث تنتفعون به (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) السفينة (فِيهِ) في البحر (بِأَمْرِهِ) بإذنه وتكرار كلمة بأمره في كثير من الآيات للدلالة على أن الله لم يكن مجبورا فيما فعل سخره لتركبوا إلى مقاصدكم (وَلِتَبْتَغُوا) تطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) بالتجارة والغوص (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمه.

[١٣] (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لأنها مذللة لاستفادة الإنسان منها (جَمِيعاً مِنْهُ) في حال كون كل ذلك منه تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في صنائع الله تعالى ، والتخصيص بهم لأنهم المنتفعون بالآيات.

٥١٢

[١٤] (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) فلا يقابلوا أذاهم بالمثل (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ) من الكفار (أَيَّامَ اللهِ) أي الأيام التي يجري الله فيها أمرا عظيما من إحسان أو انتقام ، لأنهم كفار بالله فلا يتوقعون شيئا من قبله (لِيَجْزِيَ) الله (قَوْماً) أي الكافرين (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي بمقابل ما عملوه من الأعمال السيئة ، فإنه إن قابل المسلم الكافرين في أذاهم فربما لم يبق لجزاء الله موقع بعد ذلك ، أما إن صفح المؤمنون فإنه يبقى محلا لمجازاة الله التي هي أكبر من جزاء المؤمنين لهم.

[١٥] (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) لأن جزاءه عائد إلى نفسه (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) على نفسه (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) في الآخرة فيجازي كلّا جزاء عمله.

[١٦] (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) التوراة (وَالْحُكْمَ) السلطة والحكم بين الناس (وَالنُّبُوَّةَ) كان فيهم أنبياء كثيرون (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) اللذائذ المحلّلة (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) عالمي زمانهم ، حيث إنهم حينذاك كانوا على الحق ومن عداهم على الباطل.

[١٧] (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ) أدلة واضحات (مِنَ الْأَمْرِ) أوامرنا لهم (فَمَا اخْتَلَفُوا) في ذلك الأمر (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بما هو الحق وما هو الباطل (بَغْياً) حسدا (بَيْنَهُمْ) فأراد كل فريق أن يجلب الناس إلى ناحيته فأبدع شيئا جديدا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي) يحكم (بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بإثابة المحق وعقاب المبطل.

[١٨] (ثُمَّ جَعَلْناكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلى شَرِيعَةٍ) طريقة (مِنَ الْأَمْرِ) أمر الدين (فَاتَّبِعْها) اعمل بهذه الشريعة (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الحق في أي شيء من أمر الدين.

[١٩] (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا) لن يفيدوا (عَنْكَ مِنَ اللهِ) مما أراد الله بك (شَيْئاً) بأن يدفعوا عن الآثم عقابا (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فليس المسلم منهم (وَاللهُ وَلِيُ) وهذا كالعلة في (لا تتبع) (الْمُتَّقِينَ) فإنه تعالى يتولى شؤونهم فاللازم عليهم أن يتبعوا أوامره لا أهواء الكفار.

[٢٠] (هذا) القرآن (بَصائِرُ) أسباب بصيرة (لِلنَّاسِ وَهُدىً) من الضلال (وَرَحْمَةٌ) أسباب رحمة (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بما قاله الله ، والاختصاص بهم لأنهم المنتفعون بالقرآن.

[٢١] (أَمْ) هل (حَسِبَ) زعم (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) الكفر والمعاصي (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) حياتهم وموتهم بأن نسعدهم في الدنيا والآخرة ، والاستفهام للإنكار (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بئس الحكم حكمهم.

[٢٢] (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لا بالعبث والباطل (وَلِتُجْزى) عطف على (بالحق) أي كان الخلق لأجل إحقاق الحق ولأجل الجزاء ، ولعلّ معنى (بالحق) أن كمال الخالق واقتضاء المخلوق يقتضي الخلق (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في الجزاء فلا يزاد على إساءة المسيء ولا ينقص من إحسان المحسن.

٥١٣

[٢٣] (أَفَرَأَيْتَ) أخبرني (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) بأن اتبع هوى نفسه ، لا ما يشاهده من الحق (وَأَضَلَّهُ اللهُ) بأن تركه حتى ضل حيث عاند الحق (عَلى عِلْمٍ) منه حيث علم الحق فأنكره (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ) بأن جعله بحيث لا يستفيد من السماع (وَقَلْبِهِ) بأن لا يفهم الحق وذلك حيث ترك هو الحق عنادا (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) أي الغطاء فلا يرى جمال الحق (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي بعد أن تركه الله حتى صار كذلك (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتذكرون أيها الكفار أنه لا هادي لكم إن تركتم هداية الله.

[٢٤] (وَقالُوا) أي الكفار (ما هِيَ) الحياة (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) القريبة فلا حياة في الآخرة (نَمُوتُ وَنَحْيا) تموت الآباء وتحيى الأبناء وهكذا إلى الأبد (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) مرور الزمان ، فليس هناك إله يميت الناس فلا مبدأ ولا معاد (وَما لَهُمْ بِذلِكَ) القول (مِنْ عِلْمٍ) حجة ومستند (إِنْ) ما (هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ظنا بما يقولونه.

[٢٥] (وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات في حشر الناس وبعثهم (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) التي قابلوا بها الآيات البينات (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) أحيوهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن بعد الموت بعثا وحياة.

[٢٦] (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ) يعطيكم الحياة ابتداء (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) في الدنيا (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ) أحياء للنشور وينهي بكم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) للجزاء (لا رَيْبَ فِيهِ) ليس هذا محل شك وريب (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لقلة تفكرهم.

[٢٧] (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فليس كما قلتم من أن الدهر يميتكم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) الذين قالوا وعملوا باطلا.

[٢٨] (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) تبرك على الركب للخوف والهول (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) الذي أنزله الله عليها ، ليوزن عملها بذلك الكتاب ، ويقال لهم (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما) أي جزاء الذي (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشر.

[٢٩] (هذا كِتابُنا) ديوان الحفظة (يَنْطِقُ) يشهد (عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) فلا يزيد ولا ينقص شيئا (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) نكتب في دار الدنيا (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشر.

[٣٠] (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) التي منها الجنة (ذلِكَ) الإدخال في الرحمة (هُوَ الْفَوْزُ) الفلاح (الْمُبِينُ) الظاهر.

[٣١] (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) فيقال لهم (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ) تكبرتم عن الإيمان بها (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) أذنبتم بتكذيب الآيات.

[٣٢] (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌ) كائن لا محالة (وَالسَّاعَةُ) القيامة (لا رَيْبَ فِيها) ليست محلا للشك (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) إنكارا لها (إِنَ) ما (نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) بأنها كائنة (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) لا يقين لنا بالآخرة ، ولذا لا نعمل لأجلها.

٥١٤

[٣٣] (وَبَدا) ظهر (لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) جزاء سيئات أعمالهم (وَحاقَ) أحاط (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب.

[٣٤] (وَقِيلَ) للكفار (الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) نترككم في العذاب كأنكم منسيّون (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) فلم تعملوا له (وَمَأْواكُمُ) محلكم (النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون العذاب عنكم.

[٣٥] (ذلِكُمْ) الذي فعلنا بكم بسبب أنكم أيها الكفار (اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) مهزوا بها (وَغَرَّتْكُمُ) خدعتكم (الْحَياةُ الدُّنْيا) فتكالبتم عليها ولم تعملوا للآخرة (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) من النار (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي لا يطلب منهم العتبى وهي أن يرضوا ربهم بالتوبة إذ لا محل للتوبة.

[٣٦] (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خالق جميع الأكوان والعوالم.

[٣٧] (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ) السلطان القاهر (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغلب (الْحَكِيمُ) في كل تدبيراته.

٤٦ : سورة الأحقاف

مكية آياتها خمس وثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (حم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (تَنْزِيلُ) إنزال هذا (الْكِتابِ) القرآن إنما هو (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) الذي لا يغلب (الْحَكِيمِ) في تدبيره.

[٣] (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) خلقا متلبسا بالحكمة وهو ما يقتضيه الحكمة (وَ) ب (أَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) فقد سمي عند الله مدة كونهما (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) خوفوا من عقاب الله (مُعْرِضُونَ) فلا يهتمون به.

[٤] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) فهل خلقوا شيئا مما في الأرض (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ) شراكة (فِي) خلق (السَّماواتِ) فإذا لم يكن لهم لا هذا ولا ذاك فلما ذا استحقوا العبادة (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) القرآن ، ليدل على صحة عبادة الأصنام (أَوْ أَثارَةٍ) بقية (مِنْ عِلْمٍ) الأولين تؤيد دعواكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن الأصنام آلهة.

[٥] (وَمَنْ أَضَلُ) أكثر ضلالا وانحرافا عن الطريق (مِمَّنْ يَدْعُوا) يعبد (مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (مَنْ) أي الصنم (لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) فإن الأصنام جماد لا تعقل ولا تستجيب (وَهُمْ) أي الأصنام (عَنْ دُعائِهِمْ) دعاء العباد لتلك الأصنام (غافِلُونَ) لا يشعرون لأنها جمادات.

٥١٥

[٦] (وَإِذا حُشِرَ) جمع (النَّاسُ) في القيامة (كانُوا) أي الأصنام (لَهُمْ) لعبادها (أَعْداءً) لأن الصنم يضر صاحبه (وَكانُوا) أي الأصنام (بِعِبادَتِهِمْ) لها (كافِرِينَ) فإن الجماد إذا شعر كفر بعبادة الكافر له.

[٧] (وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِمْ) على الكفار (آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) للقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ هذا) مفعول (قال) (سِحْرٌ) وليس بمعجزة (مُبِينٌ) ظاهر.

[٨] (أَمْ) بل (يَقُولُونَ) أي الكفار (افْتَراهُ) افترى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن ونسبه كذبا إلى الله (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ) فرضا (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي كيف أجترئ على الافتراء والحال أن الله إن عاقبني لم تقدروا أنتم على دفع عقابه عني (هُوَ) الله (أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ) تدخلون (فِيهِ) من الطعن في القرآن (كَفى بِهِ) بالله (شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) وشهادة الله هي إجراء المعجزة على يد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَهُوَ الْغَفُورُ) لمن استغفر (الرَّحِيمُ) بعباده فلا يعاجلكم بالعقوبة.

[٩] (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً) جديدا (مِنَ الرُّسُلِ) بل أنا رسول كالرسل السابقين فأدعوكم كما دعت الرسل الأمم السابقة (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) فإن مشيئة الله في خلقه ومستقبلهم لا يعلمها إلا الله (إِنْ) ما (أَتَّبِعُ) في قولي وعملي (إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) أنذركم من بأس الله (مُبِينٌ) واضح.

[١٠] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ كانَ) القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بعض من آمن من اليهود (عَلى مِثْلِهِ) أي مثل القرآن ، بأن قال إن في التوراة ما يصدق ما في القرآن من أحوال المبدأ والمعاد وسائر الأمور (فَآمَنَ) لأنه وجد القرآن مطابقا لما في كتابه (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) تكبرتم عن الإيمان ، ألستم أظلم الناس حينئذ (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والفساد يتركهم حتى يضلوا عن الحق.

[١١] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي قالوا عن المؤمنين وفي شأنهم (لَوْ كانَ) هذا الذي يدعونا إليه من الإيمان والقرآن (خَيْراً) نافعا (ما سَبَقُونا) أي المؤمنون (إِلَيْهِ) إلى هذا الخير ، لأنه لو كان خيرا لسبقناهم إلى الإيمان به (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) بالقرآن ، لأنهم لم يتدبروه ، أو عاندوا (فَسَيَقُولُونَ هذا) القرآن (إِفْكٌ) كذب (قَدِيمٌ) أساطير الأولين.

[١٢] (وَمِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن (كِتابُ مُوسى) التوراة في حال كونه (إِماماً) يؤتم به (وَرَحْمَةً) للناس ، ومع ذلك كفر الناس به (وَهذا) القرآن (كِتابٌ مُصَدِّقٌ) بكتاب موسى عليه‌السلام في حال كونه (لِساناً عَرَبِيًّا) أنزل بلسان العرب (لِيُنْذِرَ) يخوف من العقاب (الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى) بشارة (لِلْمُحْسِنِينَ) الذين أحسنوا في القول والعمل.

[١٣] (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) جمعوا بين التوحيد في العقيدة والاستقامة في العمل (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لفوات مطلوب عنهم.

[١٤] (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ) دائمين (فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

٥١٦

[١٥] (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) بأن يحسن إليهما إحسانا (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) بمشقة وصعوبة ، ولذا يجب عليه الإحسان إليهما (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) عن اللبن (ثَلاثُونَ شَهْراً) ستة أشهر للحمل وسنتان للرضاع (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) كمال قوته (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) وهي وقت استحكام الرأي (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ) أنعمت (عَلى والِدَيَ) إذ نعمة الوالدين نعمة الولد أيضا (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) اجعل الصلاح ساريا في أولادي (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) رجعت إليك من سيأتي (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المنقادين لأوامرك.

[١٦] (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أحسن قبول لعملهم ، أي نقبله بأحسن القبول فنجازيهم أحسن الجزاء (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) نغفرها لهم وهم معدودون (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) أهلها (وَعْدَ الصِّدْقِ) نعدهم هذا وعدا لا خلف فيه (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) في الدنيا.

[١٧] (وَالَّذِي) مبتدأ خبره (أولئك) (قالَ لِوالِدَيْهِ) حينما دعياه إلى الإيمان (أُفٍّ لَكُما) بعدا لكما ، فإن (أف) كلمة لإظهار السخط (أَتَعِدانِنِي) من الوعد (أَنْ أُخْرَجَ) من القبر للبعث (وَقَدْ خَلَتِ) مضت (الْقُرُونُ) الأمم (مِنْ قَبْلِي) ولم يخرج أحد منهم من القبر (وَهُما) والداه (يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يسألان الله الغوث والإعانة بتوفيقه للإيمان ، قائلين له (وَيْلَكَ) كلمة تضجر ، أي الهلاك لك (آمِنْ) بالله واليوم الآخر (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌّ فَيَقُولُ) في جوابهما ما هذا القول بالبعث (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) خرافاتهم وليس له حقيقة.

[١٨] (أُولئِكَ) هؤلاء الأولاد الذين هذا شأنهم (الَّذِينَ حَقَ) ثبت (عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي كلمة العذاب (فِي) جملة (أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الذين كانوا كافرين بالله والمعاد (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) قد خسروا دنياهم وآخرتهم.

[١٩] (وَلِكُلٍ) من المؤمن والكافر (دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) حسب تفاوت أعمالهم (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) يعطيهم الله جزاء (أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص في الثواب أو زيادة في العقاب.

[٢٠] (وَ) اذكر (يَوْمَ) هو يوم القيامة (يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يؤتون إليها فيقال لهم (أَذْهَبْتُمْ) آثرتم (طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) بأن أخذتم قسطكم منها في الدنيا (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) تمتعتم وتلذذتم بالطيبات فما بقي لكم شيء منها (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) العذاب الذي فيه الهوان (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) بسبب تكبركم (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) إذ لا يحق للإنسان أن يتكبر (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) تخرجون عن طاعة الله.

٥١٧

[٢١] (وَاذْكُرْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَخا عادٍ) أي هود النبي عليه‌السلام الذي بعث إلى قبيلته عاد (إِذْ أَنْذَرَ) خوّف (قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) جمع حقف : رمل مرتفع دون الجبل وهو واد كان يسكنه عاد قرب عمان (وَقَدْ خَلَتِ) مضت (النُّذُرُ) المنذرون (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) أمامه قبل زمانه (وَمِنْ خَلْفِهِ) بعد أن أرسل في زمانه ، أو بمعنى قبله وبعده (١) ، قائلين أولئك الرسل للقوم (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) إن عبدتم غيره.

[٢٢] (قالُوا) يا هود (أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) لتصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا) التي نعبدها (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في مجيء العذاب.

[٢٣] (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) فهو يعلم الوقت الصالح لعذابكم (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) وإنما أنا مبلغ إليكم (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) بالله وبآياته وبعذابه لمن كذب وكفر.

[٢٤] فجاءهم العذاب في صورة سحاب وقد اشتد حر الهواء قبل ذلك ولما (رَأَوْهُ) العذاب الموعود (عارِضاً) سحابا (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) يأتي نحو واديهم (قالُوا) فرحا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) يمطر فيبرد الهواء ونخلص من هذا الحر (بَلْ) ليس سحابا ممطرا وإنما (هُوَ مَا) العذاب الذي (اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) طلبتم تعجيله عليكم (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

[٢٥] (تُدَمِّرُ) تهلك (كُلَّ شَيْءٍ) من النفوس والنبات والحيوان وغيرها (بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا) ميتين بحيث (لا يُرى) إذا جاءهم الرائي (إِلَّا مَساكِنُهُمْ) فقط بدون أن يكونوا فيها (كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) الذين أجرموا بالكفر والعصيان.

[٢٦] (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) أي عادا (فِيما إِنْ) ما (مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) أي جعلنا لهم من الأموال والقوة ما لم نجعل مثله لكم (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً) ليسمعوا الآيات (وَأَبْصاراً) ليروا العبر (وَأَفْئِدَةً) قلوبا ليفهموا الأشياء (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) إذ لم يستعملوها في صلاحهم (إِذْ) لأنهم (كانُوا يَجْحَدُونَ) ينكرون (بِآياتِ اللهِ) أدلته (وَحاقَ) حل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي العذاب الذي استهزءوا به ، وهذا تهديد للكفار بأنهم عذبوا على كثرة قوتهم وبأسهم فكيف بكم وأنتم أقل منهم قوة وبأسا.

[٢٧] (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ) يا أهل مكة (مِنَ الْقُرى) البلاد كعاد وثمود وقوم لوط حيث كانت بلادهم في أطراف الجزيرة (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) كررناها ليعتبروا بها (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن كفرهم ولكن لما أصروا أهلكناهم.

[٢٨] (فَلَوْ لا) فهلا (نَصَرَهُمُ) منعهم من العذاب الأصنام (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً) لأجل أن تقربهم إلى الله (آلِهَةً) بدل من (قربانا) (بَلْ ضَلُّوا) تلك الآلهة (عَنْهُمْ) وقت نزول العذاب (وَذلِكَ) الاتخاذ (إِفْكُهُمْ) كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) على الله من أنها شركاءه ، ومن المعلوم أن الإله الكاذب لا ينصر.

__________________

(١) الضمائر المفردة ترجع إلى هود عليه‌السلام.

٥١٨

[٢٩] (وَ) اذكر (إِذْ) زمانا (صَرَفْنا) وجّهنا (إِلَيْكَ نَفَراً) جماعة (مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ) حضر الجن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قراءته القرآن ببطن نخلة عند انصرافه من الطائف إلى مكة ، وذلك قبل الهجرة (قالُوا) قال بعضهم لبعض (أَنْصِتُوا) اسكتوا حتى نستمع للقرآن (فَلَمَّا قُضِيَ) تم القرآن بأن فرغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التلاوة (وَلَّوْا) انصرفوا (إِلى قَوْمِهِمْ) من الجن (مُنْذِرِينَ) يخوفونهم من الكفر والعصيان.

[٣٠] (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً) أي القرآن (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) لعلهم لم يكونوا سمعوا بالمسيح عليه‌السلام أو كانوا يهودا (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) لما تقدمه من الكتب (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) لا انحراف فيه.

[٣١] (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يدعوكم إليه (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ) الله (لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي من هذا الجنس (وَيُجِرْكُمْ) يمنعكم (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) مؤلم في الآخرة.

[٣٢] (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) أي لا يقدر أن يعجز الله في الأرض بأن يفوته حتى لا يتمكن الله من عقابه (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ) دون الله (أَوْلِياءُ) ينصرونه من بأس الله (أُولئِكَ) الذين لا يجيبون داعي الله (فِي ضَلالٍ) انحراف عن الحق (مُبِينٍ) واضح.

[٣٣] (أَوَلَمْ يَرَوْا) ألم يعلم الكفار المنكرون للبعث (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) أي لم يتعب في خلقه لهما ، أي الذي بهذه القدرة العظيمة (بِقادِرٍ) أي قادر خبر (إن) والباء للتأكيد (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) للبعث (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومنه إحياء الموتى.

[٣٤] (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يقدمون إليها بقصد إدخالهم فيها ، فيقال لهم (أَلَيْسَ هذا) الذي تشاهدون (بِالْحَقِ) لأنهم كانوا يقولون في الدنيا ليست النار إلا كذبا (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) قسما به إنه حق (قالَ) الله لهم (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي بسبب كفركم في الدنيا.

[٣٥] (فَاصْبِرْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) أصحاب العزم والثبات الشديد (مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) بأن تطلب عذابهم عاجلا (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من العذاب في الآخرة (لَمْ يَلْبَثُوا) لم يبقوا (إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) كأن لبثهم في الدنيا ساعة واحدة فقط (بَلاغٌ) هذا تبليغ لكم حتى تتم الحجة عليكم (فَهَلْ يُهْلَكُ) ويعذب بعد البلاغ (إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن طاعة الله بعد إتمام الحجة عليهم ، والاستفهام في معنى النفي ، أي لا يهلك إلا الفاسقون.

٥١٩

٤٧ : سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

مدنية آياتها ثمان وثلاثون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بأن منعوا الناس عن الإيمان ، أي ضلوا وأضلوا (أَضَلَ) أبطل الله (أَعْمالَهُمْ) الحسنة كصلة الرحم وإطعام الفقراء لأن الكفر مبطل للأعمال.

[٢] (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) بكل الأحكام (وَ) الحال إن ما نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (هُوَ الْحَقُّ مِنْ) قبل (رَبِّهِمْ كَفَّرَ) ستر الله بالغفران (عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) حالهم في دنياهم وأخراهم.

[٣] (ذلِكَ) الإضلال لأولئك ، والغفران لهؤلاء بسبب أن (الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) الذي جاءهم من قبل الله (كَذلِكَ) هكذا (يَضْرِبُ) يبين (اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) أحوالهم ، ليعتبر الناس بهم.

[٤] (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) رأيتموهم في حال القتال (فَضَرْبَ الرِّقابِ) اضربوا أعناقهم ضربا (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم من القتل فيهم فأسروهم وشدوا أحكموا (الْوَثاقَ) أي الحبل الذي يوثق به لئلا يفروا (فَإِمَّا) تمنون عليهم (مَنًّا بَعْدُ) الأسر بأن تطلقوا سراحهم بدون فداء (وَإِمَّا) تفادوهم وتأخذوا منهم (فِداءً) في مقابل إطلاقهم (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أثقالها بأن تنتهي ، وذلك بأن يضع المسلمون والكفار سلاحهم (ذلِكَ) الأمر هكذا (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) بإهلاكهم بدون قتال (وَلكِنْ) يبقيهم ويأمركم بحربهم (لِيَبْلُوَا) ليختبر (بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) المؤمنين بالكافرين فيظهر المطيع من العاصي (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) في الجهاد من المؤمنين (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) لن يضيع الله ما عملوا بل يثيبهم عليها.

[٥] (سَيَهْدِيهِمْ) إلى طريق الجنة (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) حالهم في الآخرة.

[٦] (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ) في حال كونه (عَرَّفَها لَهُمْ) في الدنيا.

[٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) أي دينه (يَنْصُرْكُمْ) على أعدائكم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) في مواقف الخوف والصعوبات.

[٨] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) أي هلاكا لهم ، وهذا دعاء عليهم بالهلاك (وَأَضَلَ) ضيع الله (أَعْمالَهُمْ) الصالحة كالإحسان والصلة.

[٩] (ذلِكَ) الإضلال لأعمالهم (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من الأحكام (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) أبطلها ولم يثبهم عليها.

[١٠] (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) ليسافر هؤلاء الكافرون (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الذين أهلكوا ، فإن المسافر يرى آثار بلادهم ويسمع أخبار هلاكهم (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أهلكهم الله (وَلِلْكافِرِينَ) في المستقبل (أَمْثالُها) أمثال تلك العقوبات التي نزلت بالأمم السابقة.

[١١] (ذلِكَ) نصر المؤمنين وتدمير الكافرين بسبب أن (اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) ناصرهم والمتولي لشئونهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ينصرهم.

٥٢٠