تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[١٤] (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) تقتلونهم وتأسرونهم (وَيُخْزِهِمْ) يذلهم (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ) كأن الصدر قد مرض بما اعتلج فيه من الهم (صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).

[١٥] (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) غيظهم وغضبهم على الكفار (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) من الكفار لأن القتال يسبب إسلام بعض الكفار فيتوب الله عليه (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

[١٦] (أَمْ) بل (حَسِبْتُمْ) ظننتم (أَنْ تُتْرَكُوا) فلا تؤمروا بالقتال ، وهذا خطاب للمسلمين حين كره بعضهم القتال (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) أي بعد لم يظهر علم الله في المجاهد وغير المجاهد (وَ) الذين (لَمْ يَتَّخِذُوا) عطف على (جاهدوا) (مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) بطانة وأصدقاء من الكفار ، أي انه يأمركم بالقتال ليظهر المجاهد المخلص من الفار الذي يصادق الكفار (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).

[١٧] (ما كانَ) لا يجوز (لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ) في حال كونهم يشهدون (عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) لان الله بريء من الكافر فكيف يجوّز تعمير بيته (أُولئِكَ) المشركون (حَبِطَتْ) بطلت (أَعْمالُهُمْ) الحسنة ، لأن الكفر يبطل الأعمال (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) دائمون.

[١٨] (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) أي المؤمن الجامع هذه الخصال يحق له عمارة المسجد (وَلَمْ يَخْشَ) في أمر الدين (إِلَّا اللهَ) لا المشرك الذي يخاف الأصنام (فَعَسى أُولئِكَ) المتصفون بالصفات الحسنة (أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) إلى طريق الله ، وإنما جاء ب (عسى) لاحتمال ارتدادهم.

[١٩] (أَجَعَلْتُمْ) استفهام إنكار فقد افتخر العباس بأنه يسقي الحاج وافتخر شيبة بأنه يعمّر المسجد وافتخر أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بأنه آمن بالله مخلصا فنزلت الآية مفضلة للإمام عليه‌السلام (سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ) الساقي والمعمّر والمؤمن المجاهد (عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين يظلمون أنفسهم بالتسوية بين الثلاثة بعد علمهم بالتفاوت.

[٢٠] (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً) على من ليس كذلك (عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) الظافرون بالثواب.

٢٠١

[٢١] (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ) على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ) أي انه تعالى راض عنهم (وَجَنَّاتٍ) بساتين (لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) نعمة دائمة.

[٢٢] (خالِدِينَ فِيها) في تلك الجنان (أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فلا يقاس ثوابه بغيره.

[٢٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) تتولونهم في خلاف الإسلام (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ) اختاروه وأحبوه (عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) بعد أن اختاروا الكفر (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم حيث عرضوها على العقاب.

[٢٤] (قُلْ) يا رسول الله للمؤمنين (إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) اكتسبوها (وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها) عدم رواجها بسبب اشتغالكم بطاعة الله (وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها) اخترتموها مسكنا لكم (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) بأن قدمتم تلك على أوامر الله (فَتَرَبَّصُوا) انتظروا ، تهديد لهم (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) بحكمه فيكم وعذابه عليكم (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) الخارجين عن طاعة الله بعد تمام البينة.

[٢٥] (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ) مواضع (كَثِيرَةٍ) هي ثمانون كما ورد (وَ) في (يَوْمَ حُنَيْنٍ) موضع قرب مكة (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) كثرة المسلمين حتى قال بعضهم لن يغلب اليوم من قلة (فَلَمْ تُغْنِ) كثرتكم (عَنْكُمْ شَيْئاً) إذ لم تفد الكثرة بل انهزموا (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي مع سعتها حيث لم يعلموا أين يفرّون (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ) العدو ظهوركم (مُدْبِرِينَ) منهزمين.

[٢٦] (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) السكون والطمأنينة (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الذين بقوا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كعليّ عليه‌السلام وأولاد عباس (وَأَنْزَلَ جُنُوداً) من الملائكة (لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ) الله (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر (وَذلِكَ) العذاب (جَزاءُ الْكافِرِينَ).

٢٠٢

[٢٧] (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) من الفارين ومن الكفار الذين أسلموا (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[٢٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) نجاسة ظاهرية وباطنيّة (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) مبالغة في عدم دخوله مثل (لا تقربوا مال اليتيم) (١) (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) وهو عام تسع من الهجرة حيث أدى علي عليه‌السلام سورة البراءة (وَإِنْ خِفْتُمْ) أيها المسلمون (عَيْلَةً) أي فقرا حيث خاف المسلمون انقطاع التجارة بسبب عدم مراودة المشركين (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بالمصالح (حَكِيمٌ) في التدبير.

[٢٩] (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ) يلتزمون ب (دِينَ الْحَقِ) وهو الإسلام (مِنَ) بيان (الذين) (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) ما يعطى إلى السلطة الإسلامية (٢) (عَنْ يَدٍ) أي نقدا مسلّمة عن يد (وَهُمْ صاغِرُونَ) أذلّاء.

[٣٠] (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) بدون حجة (يُضاهِؤُنَ) يشابه قولهم (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أي المشركين الذين قالوا الملائكة بنات الله (قاتَلَهُمُ اللهُ) دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى يستريح الناس من عقائدهم الضالّة (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون عن الحق.

[٣١] (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ) علماءهم (وَرُهْبانَهُمْ) زهادهم (أَرْباباً) بأن أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال (مِنْ دُونِ اللهِ وَ) اتخذوا (الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) ربّا (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ) أنزهه تنزيها عن الشريك (عَمَّا يُشْرِكُونَ) عن أن يكون له شريك.

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٥٢.

(٢) الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم.

٢٠٣

[٣٢] (يُرِيدُونَ) أي الكفار (أَنْ يُطْفِؤُا) يخمدوا (نُورَ اللهِ) حجته ورسالته (بِأَفْواهِهِمْ) بما يقولون بلسانهم من التكذيب (وَيَأْبَى اللهُ) لا يرضى (إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) بإعلاء كلمته (وَلَوْ كَرِهَ) ولم يرد (الْكافِرُونَ).

[٣٣] (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِالْهُدى) بالحجج والبراهين (وَدِينِ الْحَقِ) الإسلام (لِيُظْهِرَهُ) أي يغلبه (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) كل الأديان (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

[٣٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) كالرشوة وما يجعلونه لأنفسهم من الحقوق (وَيَصُدُّونَ) يمنعون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) يجعلونه كنزا ولا يعطون خمسه وزكاته (الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) موجع.

[٣٥] وذلك في يوم القيامة أو في القبر (يُحْمى) توقد النار (عَلَيْها) أي على تلك الذهب والفضة (فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى) من الكي بمعنى جعل الشيء الحار على الجسد (بِها جِباهُهُمْ) جمع جبهة (وَجُنُوبُهُمْ) جمع جنب من تحت الإبط (وَظُهُورُهُمْ) لأنهم كانوا يقطبون جبهتهم ويلوّون جنبهم ويديرون ظهرهم إذ طلب منهم الحق في أموالهم ، ويقال لهم (هذا) المال الذي تكوون به هو (ما كَنَزْتُمْ) جمعتم (لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا) وبال (ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).

[٣٦] (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) عددها (عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) ثابتة لا تتغيّر ، كما كان المشركون يغيرون بعض الشهور محل اعتباطا (فِي كِتابِ اللهِ) أي ما كتبه سبحانه ، كتبه (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب لا يجوز فيها القتال (ذلِكَ) تحريم هذه الأربعة (الدِّينُ الْقَيِّمُ) القويم المستحكم (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَ) أي في الأربعة (أَنْفُسَكُمْ) بالقتال (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) جميع أصنافهم (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) من دون رعاية وتمييز (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) إن اتقيتم المعاصي نصركم الله عليهم.

٢٠٤

[٣٧] (إِنَّمَا النَّسِيءُ) مصدر نسأه بمعنى أخّره ، فقد كان أهل الجاهلية إذا كانوا في حرب فهلّ محرم أحلّوه وحرّموا مكانه صفرا (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) فإنهم كانوا كفارا ، وتحليل ما حرّم الله زيادة في كفرهم (يُضَلُّ بِهِ) أي بالنسيء (الَّذِينَ كَفَرُوا) فإنه ضلال بالإضافة إلى كفرهم (يُحِلُّونَهُ) أي الشهر المنسي (عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ) يبقونه على حرمته (عاماً لِيُواطِؤُا) ليوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله (عِدَّةَ) أشهر (ما حَرَّمَ اللهُ) أي الأربعة الحرم (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) زين لهم الشيطان عملهم السيئ (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) المعاندين في الكفر.

[٣٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا) اذهبوا إلى الجهاد (فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ) تثاقلتم (إِلَى الْأَرْضِ) كأنكم شيء ثقيل لا يقدر على الحركة (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) بدل الآخرة (فَما مَتاعُ) ما يلتذ به (الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) في جنب متاع الآخرة (إِلَّا قَلِيلٌ).

[٣٩] (إِلَّا تَنْفِرُوا) إلى غزوة تبوك (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) مكانكم (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على استبدالكم.

[٤٠] (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) تنصروا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) فينصره حالا أيضا كما نصره سابقا في وقت الهجرة (إِذْ أَخْرَجَهُ) أخرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة (الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ) في حال كونه معه غيره (إِذْ هُما فِي الْغارِ) ثقب في جبل ثور (إِذْ يَقُولُ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لِصاحِبِهِ) أبي بكر حيث استصحبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أثناء الطريق خوفا على نفسه (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) عالم بنا (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) طمأنينته (عَلَيْهِ) على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده (وَأَيَّدَهُ) قوّاه (بِجُنُودٍ) من الملائكة (لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي كلمة الكفار (السُّفْلى) حيث علت كلمة الإسلام (وَكَلِمَةُ اللهِ) وهي الإسلام (هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

٢٠٥

[٤١] (انْفِرُوا) اخرجوا أيها المسلمون إلى الجهاد (خِفافاً) فيما لكم خفة (وَثِقالاً) فيما كان لكم ثقل (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ) الجهاد (خَيْرٌ لَكُمْ) من عدم النفر (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لعلمتم أن النفر خير لكم.

[٤٢] (لَوْ كانَ) ما دعوا إليه (عَرَضاً) غنيمة (قَرِيباً) سهل المأخذ (وَسَفَراً قاصِداً) وسطا لا سفرا بعيدا (لَاتَّبَعُوكَ) طمعا في المال (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) المسافة التي يشق قطعها ، ولذا خالفوا فإن تبوك كان بعيدا (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) معتذرين من عدم النفر (لَوِ اسْتَطَعْنا) الخروج (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بعدم الخروج والحلف الكاذب (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في حلفهم.

[٤٣] (عَفَا اللهُ عَنْكَ) كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذن لجماعة في التخلف عن تبوك فأراد الله تنبيه أولئك أن هذا كان تخلّيا عن الخير ، فصبّه بهذا اللسان (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) في التخلف (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) في اعتذارهم (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) منهم في العذر.

[٤٤] (لا يَسْتَأْذِنُكَ) أي ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا للفرار من الجهاد (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) الذين يخافون الله فيطيعون أوامره.

[٤٥] (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) في التخلف (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إيمانا راسخا (وَارْتابَتْ) شكت (قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) يتحيرون.

[٤٦] (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) إلى الجهاد (لَأَعَدُّوا لَهُ) للخروج (عُدَّةً) أي هيّئوا أسباب الحرب (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) أي خروجهم ، وإنما كره لعلمه بأنهم يوجبون الفساد في الجيش (فَثَبَّطَهُمْ) أي تركهم بحالهم حتى يكسلوا (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) عن الجهاد كالمرضى والنساء والصبيان.

[٤٧] (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) أي فسادا لأن المنافق يجبّن الناس ويفسد في الجيش (وَلَأَوْضَعُوا) أي أسرعوا في الدخول بينكم بالفساد لقصد التجبين وإلقاء الرعب والفتنة (خِلالَكُمْ) في أوساطكم (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) أي يطلبون لكم الافتتان والانحراف (وَفِيكُمْ) أيها المجاهدون (سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي عيون للمنافقين يأخذون أخباركم بقصد إيصالها إليهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).

٢٠٦

[٤٨] (لَقَدِ ابْتَغَوُا) هؤلاء المنافقون (الْفِتْنَةَ) تشتيت أمرك (مِنْ قَبْلُ) غزوة تبوك أي في أحد (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) بأن أردت شيئا وكادوا لقلبه (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) ظهر بغلبة المسلمين على الكافرين (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) دينه (وَهُمْ كارِهُونَ).

[٤٩] (وَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) في عدم الجهاد في تبوك (وَلا تَفْتِنِّي) توقعني في الفتنة ، قال جد بن قيس : ائذن في التخلف فإني مولع بالنساء فأخاف أن افتتن ببنات الأصفر (أَلا) للتنبيه (فِي الْفِتْنَةِ) وهي عصيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (سَقَطُوا) فقد وقعوا فيما زعموا أنهم فروا منه (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) فهم إن خرجوا للجهاد وقعوا في فتنة بنات الأصفر وإن تخلفوا وقعوا في فتنة العصيان.

[٥٠] (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) نعمة وفتح (تَسُؤْهُمْ) تحزن المنافقين (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) نكبة وانهزام (يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) حذرنا بتخلّفنا (مِنْ قَبْلُ) المصيبة (وَيَتَوَلَّوْا) عنك (وَهُمْ فَرِحُونَ) لعدم الجهاد.

[٥١] (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) فإذا أصابتنا مصيبة لا تضرنا تلك المصيبة لأنه سبحانه قررها لنا لأن يثيبنا (هُوَ مَوْلانا) يتولى شؤونا (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

[٥٢] (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ) هل تنتظرون أيها المنافقون (بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) إما النصر أو الشهادة وكلاهما حسنة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) من السماء فيهلككم (أَوْ بِأَيْدِينا) بأن يأمرنا بفضحكم (فَتَرَبَّصُوا) عاقبتنا (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) عاقبتكم.

[٥٣] (قُلْ أَنْفِقُوا) لأجل الجهاد (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) أي ما أنفقتم عن رغبة أو بدون رغبة لا يقبله الله منكم (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) والقبول إنما هو من نصيب المتقين.

[٥٤] (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) متثاقلون (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) فكفرهم الباطني وعدم إتيانهم بالعبادات على وجهها سببا عدم قبول إنفاقهم.

٢٠٧

[٥٥] (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) فإن ذلك وبال عليهم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها) بالأموال والأولاد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لما في حفظ الأموال وتربية الأولاد من المشقة والعناء (وَتَزْهَقَ) أي تهلك (أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) فلا ينالوا ثواب المال والولد في الدنيا ، ولا في الآخرة.

[٥٦] (وَيَحْلِفُونَ) المنافقون (بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) من جملة المسلمين (وَما هُمْ مِنْكُمْ) لكفر قلوبهم (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) يخافون ولذا يريدون رضاية الكفار والمؤمنين معا بالنفاق.

[٥٧] (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) حرزا يلجئون إليه (أَوْ مَغاراتٍ) كهوف في الجبل (أَوْ مُدَّخَلاً) سراديب يدخلون فيها (لَوَلَّوْا) عنكم (إِلَيْهِ) إلى ذلك الملجأ (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) يسرعون في الفرار والاختفاء.

[٥٨] (وَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ يَلْمِزُكَ) يعيبك (فِي الصَّدَقاتِ) في قسمتها (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) أي يغضبون.

[٥٩] (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ) أعطاهم (اللهُ وَرَسُولُهُ) من الغنيمة (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) يكفينا (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) صدقة وغنيمة أخرى نستغني بها (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) في أن يغنينا ، لكان خيرا لهم.

[٦٠] (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) زكاة الأموال (لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) وهم أسوأ حالا من الفقراء ، كما نشاهد في المجتمع إنهما صنفان (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) أي الساعين في تحصيلها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) يعطون من الزكاة ليألف قلبهم إلى المسلمين ، وهم الكفار والمسلمون الضعاف الإيمان (وَفِي) فك (الرِّقابِ) العبيد تحت الشدّة ، يشترون من الزكاة ويعتقون (وَالْغارِمِينَ) الغارم : المديون الذي لا يقدر على أداء دينه ، يؤدي من الزكاة دينه (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) كل عمل خيري كالجهاد وسائر مصالح المسلمين (وَابْنِ السَّبِيلِ) المنقطع في سفره ولو كان غنيّا في بلده (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) أي أوجب الله الزكاة وجوبا (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالمصالح (حَكِيمٌ) في تدبيره.

[٦١] (وَمِنْهُمُ) من المنافقين (الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) بالقول وبالمؤامرة (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) يسمع كل قول فإن أحد المنافقين اغتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطلبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له : أخبرني جبرائيل بقولك ، قال المنافق لم أغتبك فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذهب المنافق ليقول إن محمدا أذن يسمع من جبرئيل كلامه ويسمع مني كلامي فنزلت الآية (قُلْ) يا رسول الله ، هو (أُذُنُ خَيْرٍ) مستمع خير (لَكُمْ) فانه لو كان مستمع شر لكان عاقبك أيها المنافق (يُؤْمِنُ بِاللهِ) بما يقوله الله تعالى (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يصدقهم فيما لهم نفع فيه (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) يرحمهم ويعطف بهم (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

٢٠٨

[٦٢] (يَحْلِفُونَ) المنافقون (بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) أيها المؤمنون (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) أي يرضوا كل واحد منهما بالطاعة (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ).

[٦٣] (أَلَمْ يَعْلَمُوا) هؤلاء المنافقون (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ) أي يخالفه (وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها) دائما أبدا في النار (ذلِكَ الْخِزْيُ) الهوان (الْعَظِيمُ).

[٦٤] (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) على المؤمنين (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) قلوب المنافقين من الكفر والنفاق فتفضحهم فقد كانوا يستهزءون بالدين فيما بينهم (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) تهديد لهم (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ) مظهر (ما تَحْذَرُونَ) ظهوره من نفاقكم.

[٦٥] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) عن استهزائهم في الدين (لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ) ندخل في الحديث (وَنَلْعَبُ) نمزح ولا نقصد الجدّ (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ) حججه ، والاستفهام للإنكار (وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ).

[٦٦] (لا تَعْتَذِرُوا) بالمعاذير الكاذبة (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) إظهاركم الإيمان (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) لأنهم تابوا وأخلصوا (نُعَذِّبْ طائِفَةً) أخرى (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) مصرين على الإجرام.

[٦٧] (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) يتشابهون في النفاق (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن الإنفاق (نَسُوا اللهَ) أغفلوا ذكره (فَنَسِيَهُمْ) عن لطفه ورحمته (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن طاعة الله.

[٦٨] (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ) كفاهم عقابا (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم عن رحمته (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) لا ينقطع.

٢٠٩

[٦٩] والمنافقون (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من منافقي الأمم (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا) أي طلبوا اللّذة (بِخَلاقِهِمْ) أي بنصيبهم بخلاف المؤمنون فإنهم يطلبون الله والآخرة بخلاقهم (فَاسْتَمْتَعْتُمْ) أيها المنافقون (بِخَلاقِكُمْ) مثل أولئك (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ) دخلتم في الباطل (كَالَّذِي خاضُوا) أي كما خاض المنافقون السابقون في الباطل (أُولئِكَ) المنافقون (حَبِطَتْ) بطلت (أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فلم يستحقوا ثوابا (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا دنياهم وآخرتهم.

[٧٠] (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ) خبر عقاب (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ) أهلكوا بالغرق (وَعادٍ) أهلكوا بالريح (وَثَمُودَ) أهلكوا بالرجفة (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ) بسلب النعم (وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) قوم شعيب عليه‌السلام أهلكوا بعذاب يوم الظلة (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) أي القرى التي ائتفكت أي انقلبت وهي قرى قوم لوط عليه‌السلام (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بإهلاكهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بأن عرضوها للهلاك.

[٧١] (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) في الآخرة كما رحمهم في الدنيا (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب على كل شيء (حَكِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها.

[٧٢] (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) يطيب فيها العيش (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي جنات إقامة يقيم فيها الإنسان (وَرِضْوانٌ) رضا (مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) لأنه مبدأ كل سعادة (ذلِكَ) الذي يجزى به المؤمنون (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

٢١٠

[٧٣] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) في دفعهم عن الكفر والنفاق وجهاد كل طائفة بحسبه (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) أسمعهم الكلام الغليظ (وَمَأْواهُمْ) محلّهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس المرجع.

[٧٤] (يَحْلِفُونَ) المنافقون (بِاللهِ ما قالُوا) شيئا سيّئا بالنسبة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه لما عاب المنافقين قال جلّاس لو كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير؟ فنزلت الآية (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) فإنه تكذيب للرسول (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) أي بعد إظهارهم الإسلام (وَهَمُّوا) أي قصد المنافقون قتل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة بعد انصرافه من تبوك (بِما لَمْ يَنالُوا) لأن مؤامرتهم فشلت (وَما نَقَمُوا) أي ما أنكروا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) بالغنائم بعد أن كانوا فقراء ، أي لم يصبهم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا الخير ، لا ما يوجب النقمة (فَإِنْ يَتُوبُوا) عن نفاقهم (يَكُ) رجوعهم وتوبتهم (خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) يعرضوا عن التوبة (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما (فِي الدُّنْيا) بالقتل والإهانة (وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍ) يلي أمورهم (وَلا نَصِيرٍ) ينصرهم من عذاب الله.

[٧٥] (وَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) كان ثعلبة فقيرا فعاهد الله إن أعطاه المال أنفق لكنه أثرى وبخل فلم ينفق حق الله (لَنَصَّدَّقَنَ) أي نعطي الصدقة (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ).

[٧٦] (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) أي بحق الله (وَتَوَلَّوْا) أعرضوا عن العمل بأوامر الله (وَهُمْ مُعْرِضُونَ).

[٧٧] (فَأَعْقَبَهُمْ) أورثهم بخلهم (نِفاقاً) إذ العصيان ينتهي إلى النفاق والكفر (فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) يوم البعث (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) أي بسبب خلفهم وعدهم مع الله بالإنفاق (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) بسبب كذبهم.

[٧٨] (أَلَمْ يَعْلَمُوا) المنافقون (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ) ما يضمرون في أنفسهم (وَنَجْواهُمْ) ما يقوله بعضهم لبعض سرّا (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) كل ما غاب عن الحواس.

[٧٩] المنافقون هم (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) يعيبون (الْمُطَّوِّعِينَ) المتطوعين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) حيث إن مسلما جاء بمائة وسق (١) من تمر صدقة فقال بعض المنافقين إنه أعطاه رياء (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) أي يلمزون من يعطي جهده من الصدقة فإن مسلما أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصاع من تمر فقال المنافقون الله غني عن صاعه (فَيَسْخَرُونَ) هؤلاء المنافقون (مِنْهُمْ) من المتصدقين (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) جازاهم على سخريتهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

__________________

(١) الوسق بالفتح : ستون صاعا. لسان العرب ج ١٠ ص ٣٧٨.

٢١١

[٨٠] (اسْتَغْفِرْ) يا رسول الله (لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) بأن تطلب أن يغفر الله لهؤلاء المنافقين (سَبْعِينَ مَرَّةً) المراد بالسبعين المبالغة في الكثرة (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ) عدم فائدة الاستغفار لهم (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) المصرين على الخروج عن طاعة الله ، نعم إذا تابوا أفادهم الاستغفار.

[٨١] (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) عن تبوك وهم المنافقون الذين خلّفوا ، كأن الشيطان سبّب تخلفهم (بِمَقْعَدِهِمْ) أي بقعودهم عن الجهاد (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) أي بقعودهم خلفه وعدم سيرهم معه (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا) أي قال بعض المنافقين لبعض (لا تَنْفِرُوا) لا تخرجوا إلى الجهاد (فِي الْحَرِّ) فإن الهواء كانت حارة في غزوة تبوك (قُلْ) يا رسول الله (نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) فمن لم يجاهد يبتلى بجهنم (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أي يفهمون لعلموا أنهم آثروا النار على الحرّ.

[٨٢] (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) يكون ضحكهم في الدنيا قليلا لقصر أمد الدنيا (وَلْيَبْكُوا) في النار (كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والنفاق.

[٨٣] (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تبوك (إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) من المنافقين الذين تخلفوا عنك (فَاسْتَأْذَنُوكَ) طلبوا إذنك (لِلْخُرُوجِ) إلى غزوة أخرى (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) إلى غزوة (وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ) وإنما نهاهم عن الخروج ، لأنكم (رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) في تبوك (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) الذين يتخلفون من النساء والصبيان والعجزة.

[٨٤] (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ) من المنافقين (ماتَ) صفة (أحد) (أَبَداً) أي لا تصلّ أبدا (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) حتى يدفن فإن القيام على القبر احترام للميت (إِنَّهُمْ) لأنهم (كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن طاعة الله.

[٨٥] (وَلا تُعْجِبْكَ) يا رسول الله (أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا) لما يسبب المال والأولاد من الأتعاب ، فليس ذلك خيرا من الله لهم (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) أي يريد الله ليموتوا (وَهُمْ كافِرُونَ).

[٨٦] (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من القرآن (أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ) طلب الإذن منك في القعود (أُولُوا الطَّوْلِ) أي أصحاب القدرة (مِنْهُمْ) من المنافقين (وَقالُوا ذَرْنا) دعنا يا رسول الله (نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) من الصبيان والنساء والعجزة.

٢١٢

[٨٧] (رَضُوا) هؤلاء المنافقون (بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) جمع خالفة أي المرأة المتخلفة (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) فإن نفاقهم سبّب أن لا يفهموا العز والكرامة.

[٨٨] (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) منافع الدنيا والآخرة (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون.

[٨٩] (أَعَدَّ اللهُ) هيأ (لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

[٩٠] (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) المعتذرون ، من عذّر بمعنى قصر (مِنَ الْأَعْرابِ) وهم نفر من بني غفار كان لهم عذر فجاءوا إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند إرادته غزوة تبوك (لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) في التخلف (وَقَعَدَ) المنافقون (الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) وكذبهم إنما هو بادعائهم الإيمان (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) ممن أبدى العذر وهو المنافق (عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

[٩١] (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) كالشيوخ (وَلا عَلَى الْمَرْضى) جمع مريض (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) ليس عندهم نفقة الخروج وآلة السفر (حَرَجٌ) في التخلف (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) في حال قعودهم بأن لم يشوبهم غش ونفاق (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) طريق في لومهم وعقوبتهم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[٩٢] (وَلا) سبيل (عَلَى الَّذِينَ إِذا ما) زائدة (أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) على مركب للجهاد (قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) ليس عندي فرس أو حمار (تَوَلَّوْا) رجعوا آيسين (وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ) تسيل (مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً) من الحزن (أَلَّا) أي حزنوا لأنهم لا (يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) لأجل السفر.

[٩٣] (إِنَّمَا السَّبِيلُ) الطريق إلى اللوم والعقاب (عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) للتخلف (وَهُمْ أَغْنِياءُ) واجدون للأهبة والسلاح (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وإنما طبع لأنهم صاروا في طريق الانحراف (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما فاتهم من الخير بسبب التخلف.

٢١٣

[٩٤] (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) في التخلف (إِذا رَجَعْتُمْ) من غزوة تبوك (إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا) بالمعاذير الكاذبة (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) لا نصدقكم بما تقولون (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ) أخبرنا بالوحي على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنْ أَخْبارِكُمْ) أخبار نفاقكم (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) في المستقبل هل تبقون على النفاق أو ترجعون إلى الإيمان (وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ) ترجعون بعد الموت (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ما غاب عن الحواس وما شهدته الحواس (فَيُنَبِّئُكُمْ) يخبركم لأجل أن يجازيكم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

[٩٥] (سَيَحْلِفُونَ) المنافقون (بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ) رجعتم من تبوك (إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) بأن تصفحوا ، بزعمهم إن حلفهم على العذر كاف (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) إعراض كراهة ، لا إعراض صفح كما كانوا يريدون (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) قذر بما انطووا عليه من النفاق (وَمَأْواهُمْ) محلهم (جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) جزاء أعمالهم.

[٩٦] (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي إن رضاكم لا ينفعهم إذا غضب الله عليهم.

[٩٧] (الْأَعْرابُ) أهل البدو (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) من أهل المدن ، لأنهم أغلظ من أهل المدينة (وَأَجْدَرُ) أولى (أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) حدود الله أحكامه (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال الناس (حَكِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها ، وقد نزلت هذه الآية في جماعة من القبائل البدوية التي كانت غليظة الطبائع.

[٩٨] (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ) يعدّ (ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) غرما وخسارة ، إذ لا يرجو ثوابا (وَيَتَرَبَّصُ) ينتظر (بِكُمُ) أيها المسلمون (الدَّوائِرَ) دوران الفلك ، بأن ينقلب الزمان عليكم (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) هذا دعاء عليهم ، بأن يدور الفلك بالسوء عليهم (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بنياتهم وأعمالهم.

[٩٩] (وَمِنَ الْأَعْرابِ) نزلت في جماعة آخرين من البدو (مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ) سببا للتقرب إلى الله تعالى (وَ) سببا ل (صَلَواتِ الرَّسُولِ) أي دعائه لهم لأجل ما تصدقوا (أَلا إِنَّها) نفقتهم (قُرْبَةٌ لَهُمْ) تقربهم إلى الله (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٢١٤

[١٠٠] (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) كعلي عليه‌السلام وخديجة وأبي طالب وجعفر (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) الذين هاجروا إلى الحبشة والمدينة (وَ) من (الْأَنْصارِ) الذين نصروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل المدينة (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) اتباعا حسنا ممن التحقوا بالمسلمين بعد ذلك (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) خبر (السابقون) (وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ) هيأ (لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) دائما (ذلِكَ) الثواب (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

[١٠١] (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) أي حول المدينة (مِنَ الْأَعْرابِ) القبائل البدوية (مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) منافقون أيضا (مَرَدُوا) مرنوا واعتادوا (عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ) بأشخاصهم ، إلا بوحي من الله (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) مرة في الدنيا بالإهانة ومعاملة المسلمين معهم معاملة المنافق ، ومرة في القبر (ثُمَّ يُرَدُّونَ) يرجعون (إِلى عَذابٍ) في الآخرة (عَظِيمٍ).

[١٠٢] (وَآخَرُونَ) من الذين تخلفوا عن تبوك (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) ولم يعتذروا الأعذار الواهية (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) هو إسلامهم وسائر صالحاتهم (وَ) عملا (آخَرَ سَيِّئاً) هو تخلفهم عن تبوك (عَسَى اللهُ) لعل الله (أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء الذين خلطوا الصالح بالطالح (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[١٠٣] (خُذْ) يا رسول الله (مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) عن الذنوب بواسطة الصدقة (وَتُزَكِّيهِمْ) تنميهم (بِها) بالصدقة ، فإن الصدقة تنمي الأموال والأعمار والأولاد (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) ادع لهم عند أخذ الصدقة (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) تسكن نفوسهم وتطمئن اضطراب قلوبهم بواسطة الدعاء (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

[١٠٤] (أَلَمْ يَعْلَمُوا) حث على التوبة والصدقة (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) يقبلها (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) يقبل توبة التائبين (الرَّحِيمُ).

[١٠٥] (وَقُلِ اعْمَلُوا) ما شئتم من الأعمال (فَسَيَرَى اللهُ) السين للتأكيد (عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ) ترجعون في الآخرة (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ) يخبركم لأجل الجزاء (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

[١٠٦] (وَآخَرُونَ) من المتخلفين عن غزوة تبوك (مُرْجَوْنَ) موقوف أمرهم (لِأَمْرِ اللهِ) إرادته (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) يفعل حسب الصلاح ، فقد تخلف جمع عن تبوك كسلا لا نفاقا فأنزلت هذه الآية فيهم.

٢١٥

[١٠٧] (وَالَّذِينَ) عطف على (آخرون) وخبره محذوف ، أي أنهم من جملة من تخلّف (اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) أي لأجل الإضرار بالمسلمين ، فإن جمعا من المنافقين بنوا مسجدا ، لأجل أن يتجمعوا هناك ولا يحضروا صلاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتآمروا على الإسلام وطلبوا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلي بهم مرة في مسجدهم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ ذاك متهيئ لتبوك فلما رجع نزلت الآيات فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإحراق ذلك البناء وإلقاء القاذورات فيه (وَكُفْراً) أي لأجل تقوية الكفر (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي لأجل تفرقة بين المؤمنين (وَإِرْصاداً) أي ترقبا (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) قبل بناء المسجد ، والمراد ب (من حارب) أبو عامر الراهب الذي كان جاسوسا من قبل الروم ، فأراد المنافقون أن يجعلوه واسطة بينهم وبين الروم في نقل أخبار المسلمين إليهم (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا) ما أردنا ببناء المسجد (إِلَّا) الخصلة (الْحُسْنى) من الصلاة والتوسعة على الضعفاء (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في حلفهم.

[١٠٨] (لا تَقُمْ) يا رسول الله (فِيهِ) في مسجدهم للصلاة فيه (أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) وهو مسجد قبا الذي بني أصله لأجل تعميم تقوى الله في الناس (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) يوم مجيء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة (أَحَقُ) أولى (أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ) في مسجد قبا (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) من الأقذار والآثام ، لا مثل مسجد ضرار الذي فيه المنافقون (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).

[١٠٩] (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) بناءه الذي يبنيه (عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ) بأن طلب ببنائه رضى الله واجتناب معاصيه (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا) حافة (جُرُفٍ) جانب (هارٍ) متداع للسقوط (فَانْهارَ) أي سقط البناء (بِهِ) ببانيه (فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي يتركهم وشأنهم لما عاندوا الحق.

[١١٠] (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) أي مسجد ضرار (رِيبَةً) شكا (فِي قُلُوبِهِمْ) فإن العمل النفاقي يوجب رسوخ النفاق في القلب (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) بأن يموتوا (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

[١١١] (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) يعطيهم الجنة في مقابل بذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الله ، وذلك لأجل كونهم (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ) الكفار (وَيُقْتَلُونَ وَعْداً) أي وعدهم الجنة (عَلَيْهِ حَقًّا) ثابتا (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) أي لا أحد أكثر وفاء بما عاهد من الله (فَاسْتَبْشِرُوا) أيها البائعون (بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) بمقابله (وَذلِكَ) الشراء (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقد ورد أنها نزلت في أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

٢١٦

[١١٢] (التَّائِبُونَ) عن الكفر والعصيان وهذه صفة (المؤمنين) (الْعابِدُونَ) الذين عبدوا الله (الْحامِدُونَ) له تعالى (السَّائِحُونَ) الصائمون لما روي من أن (الصوم سياحة أمتي) (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) المتصفين بهذه الصفات.

[١١٣] (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا) أولئك المشركين (أُولِي قُرْبى) أقرباءهم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ) ظهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين (أَنَّهُمْ) أن المشركين (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) فإن هذا الاستغفار طلب المحال إذ الله لا يغفر للمشرك.

[١١٤] (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) عمه آزر حيث قال له لأستغفرن لك (إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ) أي وعد (وَعَدَها) وعد تلك الموعدة (إِيَّاهُ) لعمه فإن إبراهيم عليه‌السلام كان وعد عمه أن يستغفر له قبل أن يعلم أنه يبقى على الكفر إلى الأبد (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) ظهر لإبراهيم عليه‌السلام (أَنَّهُ) عمه (عَدُوٌّ لِلَّهِ) كافر به (تَبَرَّأَ مِنْهُ) ولم يستغفر له (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ) كثير الدعاء (حَلِيمٌ) ومن حلمه وعد آزر أن يستغفر له قبل أن يتبين له إصراره على الكفر.

[١١٥] (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) أما بعد أن أرشدهم إلى الطريق لا يتركهم وشأنهم حتى يضلوا (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) فإذا بين لهم ولم يعملوا تركهم وشأنهم (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

[١١٦] (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يلي شؤونكم (وَلا نَصِيرٍ) ينصركم.

[١١٧] (لَقَدْ تابَ اللهُ) أي عطف نحوهم فان التوبة بمعنى العطف (عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) اتبعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) في تبوك لأنها كانت من أعسر الحروب (مِنْ بَعْدِ ما كادَ) قرب (يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) يميل عن الحق لأجل عسرة الموقف (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) بسبب ثباتهم وعدم اتباعهم لزيغ القلب (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).

٢١٧

[١١٨] (وَ) تاب الله (عَلَى الثَّلاثَةِ) كعب وهلال ومرارة (الَّذِينَ خُلِّفُوا) بقوا في المدينة ولم يتبعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة تبوك ، كأنّ الشيطان صار سبب تخلفهم ، فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رجع عن تبوك أمر الناس بعدم معاشرة الثلاثة والتكلم معهم وبعد أربعين يوم نزلت التوبة عليهم (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي برحبها وسعتها (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) للوحشة التي طرأتها بسبب انقطاع الناس عنهم (وَظَنُّوا) أيقنوا (أَنْ) مخففة من الثقيلة (لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ) لا مفر من عقابه (إِلَّا إِلَيْهِ) بأن يستغفروا حتى يقبل توبتهم (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) بأن عطف الله عليهم (لِيَتُوبُوا) ويرجعوا عن عصيانهم فإنه لو لا عطف الله وتوفيقه لم تحصل التوبة من العبد (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

[١١٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) خافوا عقابه (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) اعملوا كما يعمل الصادقون.

[١٢٠] (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) أي القبائل المحيطة بالمدينة (أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) نهي بصيغة النفي ، أي ليس لأهل المدينة وأطرافها أن لا يخرجوا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج للغزو (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) بأن يطلبوا لأنفسهم الدعة فيما يكابد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشاق (ذلِكَ) النهي عن التخلف (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) عطش (وَلا نَصَبٌ) تعب (وَلا مَخْمَصَةٌ) جوع (فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) لا يضعون أقدامهم موضعا (يَغِيظُ) ذلك الموطئ (الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) قتلا أو جرحا أو نهبا أو أسرا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ) بسبب ذلك العمل أو الأذى (عَمَلٌ صالِحٌ) أي أثبت في ديوان حسناتهم (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الذين أحسنوا بالجهاد فإنه يثيبهم على كل عمل.

[١٢١] (وَلا يُنْفِقُونَ) في سبيل الله (نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) صحراء بسيرهم إلى الحرب (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) في ديوان الحسنات (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) بسبب تلك الأمور (أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي أحسن جزاء أعمالهم.

[١٢٢] (وَما كانَ) نهي في صيغة نفي (الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا) يخرجوا من بلادهم إلى المدينة (كَافَّةً) جميعا (فَلَوْ لا) تحريض ، أي فلما ذا ما (نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) جماعة (مِنْهُمْ طائِفَةٌ) أفراد (لِيَتَفَقَّهُوا) أي يتفهموا تلك الطائفة (فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا) يخوّفوا (قَوْمَهُمْ) بعذاب الله إذا ارتكبوا المعاصي (إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) عما انذروا ، وفي الآية تفسير آخر.

٢١٨

[١٢٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) يقربون منكم أي الأقرب فالأقرب (مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) شدة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) يرعاهم وينصرهم.

[١٢٤] (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ يَقُولُ) للناس (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) السورة (إِيماناً) يقوله على طريق الاستهزاء (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) إذ المسلم يزداد إيمانا بتكرر سور القرآن (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يفرحون بنزول السورة.

[١٢٥] (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) نفاق (فَزادَتْهُمْ) السورة (رِجْساً) كفرا ونفاقا (إِلَى رِجْسِهِمْ) السابق ، فإن المنافق كلما رأى تقدم الإسلام صمّم على الإيغال في النفاق (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ).

[١٢٦] (أَوَلا يَرَوْنَ) المنافقون (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) يمتحنون (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) بالغزوات (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) من نفاقهم (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) يتذكرون نعم الله ، والمعنى أنهم عمي القلوب فلا السورة تزيدهم إيمانا ولا ظفر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل عام مرة أو مرتين في الحروب.

[١٢٧] (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) تغامزوا بالعيون إنكارا للسورة ، ويقول بعضهم لبعض (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) من المؤمنين وذلك خوفا من أن يظهر نفاقهم (ثُمَّ انْصَرَفُوا) عن مجلس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحال نفاقهم الأول (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الإيمان ، لما عاندوا الحق (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لا يفهمون.

[١٢٨] (لَقَدْ جاءَكُمْ) أيها البشر (رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) لا من الملك أو الجن (عَزِيزٌ) أي صعب (عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) عنتكم أي مشقتكم (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) بأن تؤمنوا وتسعدوا (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ) الرأفة شدة الرحمة (رَحِيمٌ).

[١٢٩] (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن الإيمان (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) الله يكفيني (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) وثقت به (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ) الملك (الْعَظِيمِ) فإن ملكه كل السماوات والأرض.

٢١٩

١٠ : سورة يونس

مكية آياتها مائة وتسع

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (الر) رمز بين الله وبين رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تِلْكَ) ما تضمنته هذه السورة (آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) المحكم الذي يضع الأشياء موضعها.

[٢] (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) موجبا للتعجب (أَنْ أَوْحَيْنا) وحينا (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاستفهام للإنكار (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أخبرهم بالعذاب إن خالفوا (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ) بأن لهم (قَدَمَ صِدْقٍ) أي قدما ثابت الإيمان (عِنْدَ رَبِّهِمْ) فهو يعرفهم بهذه الصفة (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا) الرسول) (لَساحِرٌ مُبِينٌ) واضح.

[٣] (إِنَّ رَبَّكُمُ) أيها الناس (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) مقدار ستة أيام من أيام الأرض (ثُمَّ اسْتَوى) توجّه (عَلَى الْعَرْشِ) إدارة الكون ، كالملك يبني المدينة ثم يستولي عليها (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أمور الكائنات (ما مِنْ شَفِيعٍ) يشفع للمذنب (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) بأن يشفع (ذلِكُمُ) الموصوف بتلك الصفات (اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) بأنه إلهكم لا غيره.

[٤] (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) رجوعكم في الآخرة (جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) إن وعد الله صدق (إِنَّهُ) الله سبحانه (يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) يخلقهم (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد الموت للقيامة (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) جزاء بالعدل (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) ماء حار (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) بسبب كفرهم.

[٥] (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) ذات ضياء (وَالْقَمَرَ نُوراً) ذا نور (وَقَدَّرَهُ) قدّر لكل منهما (مَنازِلَ) في السماء (لِتَعْلَمُوا) بهذا الجعل والتقدير (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) للأيام والشهور (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) لغرض وغاية ، لا عبثا (يُفَصِّلُ) يشرح (الْآياتِ) الكونية (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فإنهم المنتفعون بهذه الأمور.

[٦] (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) تعاقبهما (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الموجودات (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) الكفر والمعاصي ، وإنما خصّهم لأنهم المنتفعون بهذه الآيات.

٢٢٠