تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٤٢] (قُلْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (سِيرُوا) سافروا (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) كقوم عاد وثمود ولوط ، فإن آثارهم الخربة دالة على أخذ العذاب لهم (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) ولذا أهلكهم الله ، وهذا تهديد للمشركين بأنه سيصيبهم مثل ذلك العذاب ، أما غير الأكثر فقد نجاهم الله تعالى.

[٤٣] (فَأَقِمْ) لا تعدل عنه (وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) المستقيم (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) لا يقدر أن يرده أحد ، وهو يوم القيامة (مِنَ اللهِ) متعلق ب (يأتي) (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) يتفرقون بعض إلى الجنة وبعض إلى النار.

[٤٤] (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ) أي على نفسه ، لا على غيره (كُفْرُهُ) وبال كفره (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ) لا لغيرها (يَمْهَدُونَ) يهيئون المحل الحسن.

[٤٥] وإنما يهيئ الله لهم المنزل الحسن : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) أي جزاء زائدا على استحقاقهم (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) أي يكرههم فيجازيهم بالعقاب.

[٤٦] (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على وجوده وعلمه وقدرته (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) بالمطر (وَلِيُذِيقَكُمْ) أي يبشركم ويذيقكم (مِنْ رَحْمَتِهِ) التي هي المطر (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) أي السفينة (بِأَمْرِهِ) تعالى فإن الريح تسيرها (وَلِتَبْتَغُوا) تطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) بالتجارة في البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمته تعالى حيث حملكم على السفينة.

[٤٧] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) بالكفر والعصيان ، بأن أهلكناهم (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) اسم كان ، ننصرهم بالحجة والغلبة.

[٤٨] (اللهُ) هو (الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ) تهيج (سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) الله (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) قطعا متفرقة (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) من وسط السحاب (فَإِذا أَصابَ بِهِ) بالمطر (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بأن أروى بلادهم ومزارعهم (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يفرحون.

[٤٩] (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) المطر (مِنْ قَبْلِهِ) إرسال السحاب (لَمُبْلِسِينَ) يائسين.

[٥٠] (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) آثار المطر في الأرض (كَيْفَ يُحْيِ) الله (الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) باليبس (إِنَّ ذلِكَ) الله الذي أحيى الأرض (لَمُحْيِ الْمَوْتى) للقيامة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

٤٢١

[٥١] (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) ضارة (فَرَأَوْهُ) أي النبات في أثر الرياح (مُصْفَرًّا) مقدمة ليبسه (لَظَلُّوا) صاروا (مِنْ بَعْدِهِ) إرسال الريح (يَكْفُرُونَ) فهم لا يشكرون عند الرخاء ولا يتضرعون عند البلاء.

[٥٢] (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) سماعا نافعا وهؤلاء الناس كالأموات (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَ) من صم أذنه (الدُّعاءَ) كلامك ونداءك (إِذا وَلَّوْا) أعرضوا (مُدْبِرِينَ) بأن كان قفاهم في طرفك ، وهذا بيان لعدم قبولهم الحق ، كأنهم لا يسمعون.

[٥٣] (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ) لا تهدي من عمي ، إلى الطريق ، لأنه أعمى فلا يرى الطريق (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي الأعمى قلبا عن ضلالة (إِنْ) ما (تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) لأنه هو الذي يسمع إليك سماعا ينفعه (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) منقادون لك.

[٥٤] (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) حال كونكم ضعافا في حالة الجنينية والطفلية ، كأنهم خلقوا من قطعة من الضعف والعجز (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) في حالة الشباب (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) في حالة الهرم (وَشَيْبَةً) شيخوخة (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من ضعيف وقوي (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بمصالح عباده (الْقَدِيرُ) لما يشاء.

[٥٥] (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) القيامة (يُقْسِمُ) يحلف (الْمُجْرِمُونَ) بالشرك والعصيان (ما لَبِثُوا) ما بقوا في الدنيا (غَيْرَ ساعَةٍ) فقط حيث يستقلون بقاءهم في الدنيا (كَذلِكَ) مثل هذا الصرف عن الصدق إلى الكذب (كانُوا) في الدنيا (يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن الحق إلى الباطل.

[٥٦] (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) أي المؤمنون ، قالوا لهم في الآخرة (لَقَدْ لَبِثْتُمْ) بقيتم أيها الكفار (فِي كِتابِ اللهِ) أي حسب ما هو موجود في ما كتبه الله من أعماركم (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) لا ساعة فقط (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الذي كنتم تكذبون به (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) تنكرون وجوده في الدنيا فتعاقبون اليوم على إنكاركم.

[٥٧] (فَيَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والعصيان (مَعْذِرَتُهُمْ) عذرهم (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي لا يطلب رضاهم ، بل يتركون في غضبهم وغيضهم ، لأنهم لا أهمية لهم.

[٥٨] (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) لتقريب الأذهان إلى الحق (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) مما اقترحوه (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ) أيها المؤمنون (إِلَّا مُبْطِلُونَ) لأنهم معاندون فلا تنفعهم حتى الآيات المقترحة.

[٥٩] (كَذلِكَ) هكذا (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فإن الطبع معناه تركهم وشأنهم حتى ينطبعوا بلون العباد ، وذلك حيث لم يقبلوا الحق من أول يوم.

[٦٠] (فَاصْبِرْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كفرهم (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بنصرك عليهم (حَقٌ) لا بد وأن يأتي (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) لا يحملنك على الخفة والضجر (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) بالبعث ، بل كن صابرا حامدا.

٤٢٢

٣١ : سورة لقمان

مكية آياتها أربع وثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (الم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (تِلْكَ) هذه (آياتُ الْكِتابِ) القرآن (الْحَكِيمِ) الذي وضع الأشياء مواضعها في حال كونه :

[٣] (هُدىً) هداية (وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) لأنهم المنتفعون بهذا الكتاب.

[٤] (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ) يعطون (الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).

[٥] (أُولئِكَ عَلى هُدىً) على هداية (مِنْ رَبِّهِمْ) من جانبه تعالى (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون.

[٦] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) أي ما يلهي به من القصص ، يشتريه ببيع الحق ، وهو كناية عن اتباع الباطل عوض الحق (لِيُضِلَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) إذ يقصد بنشر الباطل أن يأخذ مكان الحق (بِغَيْرِ عِلْمٍ) فإن مشتري الباطل جاهل ، وإلا لم يشتر ما يضره (وَيَتَّخِذَها) أي يتخذ سبيل الله (هُزُواً) مهزوا بها (١) (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يذلهم ويهينهم.

[٧] (وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى) أعرض (مُسْتَكْبِراً) متكبرا عن قبول الآيات (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) الآيات في عدم الاستفادة منها (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) حملا ثقيلا (فَبَشِّرْهُ) استهزاء به ، وإلا فالبشارة في الخير (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) مؤلم.

[٨] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) البساتين ذات النعمة.

[٩] (خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ) وعد الله ذلك وعدا (حَقًّا) مطابقا للواقع (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) الذي يفعل كل الأشياء حسب الصلاح والحكمة.

[١٠] (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) بدون أعمدة (تَرَوْنَها) ترون السماوات أنها لا عمد لها (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا (أَنْ) لئلا (تَمِيدَ) تضطرب (بِكُمْ) معكم (وَبَثَ) نشر (فِيها) في الأرض (مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) من كل أقسام الحيوان (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) صنف من أصناف النبات (كَرِيمٍ) ذو كرامة واحترام لمنفعته.

[١١] (هذا) الذي ذكر (خَلْقُ) مخلوق (اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) من الأصنام ، إنها لا خلق لها فكيف تعبدونها (بَلِ الظَّالِمُونَ) المشركون (فِي ضَلالٍ) عن الحق (مُبِينٍ) ظاهر.

__________________

(١) والهزء : آلة الاستهزاء ، أي ما يستهزئ به ، فإنه جعل ذلك محورا للاستهزاء.

٤٢٣

[١٢] (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) معرفة مواضع الأشياء وقلنا له (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن فائدة الشكر عائدة إلى ذاته (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن شكر الشاكرين (حَمِيدٌ) محمود في أفعاله سواء شكره أحد أم لا.

[١٣] (وَ) اذكر (إِذْ) زمانا (قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ) لأنه إعطاء العبادة لغير المستحق (عَظِيمٌ).

[١٤] (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) إحسانا (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) فإن الحامل تضعف على ضعف إذ كلما كبر الحمل زاد الضعف (وَفِصالُهُ) أي فطام الولد عن اللبن (فِي عامَيْنِ) سنتين وهذا أيضا صعوبة أخرى على الأم توجب شكر الولد لها ، فقلنا للإنسان : (أَنِ اشْكُرْ لِي) بالطاعة والعبادة (وَلِوالِدَيْكَ) بالبر والصلة (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فأجازيكم بما عملتم.

[١٥] (وَإِنْ جاهَداكَ) أي الوالدان بأن أصرّا عليك (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) معبودا آخر من (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لأنه لا شريك لله حتى يعلم به الإنسان (فَلا تُطِعْهُما) في هذا الأمر (وَصاحِبْهُما) كن مع الوالدين (فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) صحابا معروفا حسنا (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ) طريق (مَنْ أَنابَ) رجع (إِلَيَ) بأن وحّدني وأخلص في الطاعة (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) رجوعكم إلى جزائي (فَأُنَبِّئُكُمْ) أخبركم لأجل الجزاء (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

[١٦] (يا بُنَيَ) مصغر ابن (إِنَّها) الحسنة أو السيئة (إِنْ تَكُ مِثْقالَ) ثقل (حَبَّةٍ) التي هي في غاية الصغر (مِنْ خَرْدَلٍ) هو ما يعطي الترياق وله حبات صغار جدا (فَتَكُنْ) تلك الحبة (فِي) أخفى مكان كجوف (صَخْرَةٍ أَوْ فِي) أعلى مكان مثل (السَّماواتِ أَوْ) أسفل الأماكن كما (فِي) جوف (الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا) يحضرها (اللهُ) لأجل الجزاء (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) يصل علمه إلى كل خفي (خَبِيرٌ) عالم بكل شيء.

[١٧] (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من الشدائد (إِنَّ ذلِكَ) الذي ذكرناه (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي الأمور التي تحتاج إلى العزم والقصد الأكيد.

[١٨] (وَلا تُصَعِّرْ) لا تمل تكبرا (خَدَّكَ) طرف وجهك (لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) مشيا فيه بطر (١) وكبر (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) متكبر (فَخُورٍ) يفتخر على الناس.

[١٩] (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) توسط فيه بين الإسراع والبطء (وَاغْضُضْ) اقصر (مِنْ صَوْتِكَ) فلا ترفعه (إِنَّ أَنْكَرَ) أقبح (الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) وذلك لأنه يرفع صوته فتأدب منه ولا ترفع صوتك.

__________________

(١) البطر : الطغيان بالنعمة.

٤٢٤

[٢٠] (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ) ذلّل (لَكُمْ) لمنافعكم (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ) أتم بسعته (عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً) محسوسة (وَباطِنَةً) تعرف بآثارها (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) في توحيده وصفاته (بِغَيْرِ عِلْمٍ) فلا علم له بما يقول (وَلا هُدىً) دليل عقلي (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) واضح ذي نور ، أي دليل سمعي.

[٢١] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من العقائد والأحكام (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) يتبعون طريقة الآباء (أَوَلَوْ كانَ) موجبا للفساد بأن كان (الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) المستعر المشتعل.

[٢٢] (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ) ذاته (إِلَى اللهِ) بأن انقاد لأوامره (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في أفعاله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) تمسك (بِالْعُرْوَةِ) يد الكيزان (١) ، شبه بها الإسلام الموجب للسعادة (الْوُثْقى) مؤنث الأوثق ، فلا تنفصم (وَإِلَى اللهِ) إلى ثوابه وجزائه (عاقِبَةُ الْأُمُورِ).

[٢٣] (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) لأنه لا يضرك (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) رجوع الكفار (فَنُنَبِّئُهُمْ) نخبرهم لأجل أن نعاقبهم (بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بما في الصدور ، و(ذات الصدور) أي بتلك الصدور.

[٢٤] (نُمَتِّعُهُمْ) نعطيهم أسباب التلذذ في الدنيا تمتيعا (قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) نلجئهم في الآخرة (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) شديد.

[٢٥] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي المشركين (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) وحده (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) حيث اعترفوا بالحق ، فلما ذا يعبدون الأصنام (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن الخلق إذا كان لله يجب أن تكون العبادة أيضا له.

[٢٦] (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن كل شيء (الْحَمِيدُ) المحمود في أفعاله.

[٢٧] (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ) بيان (ما) (أَقْلامٌ) خبر (أن) أي لو أن الأشجار الكائنة على الأرض كلها تتحول أقلاما (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) أي يعنيه (مِنْ بَعْدِهِ) بالإضافة إليه (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) من أمثال بحار الدنيا لتكون الكل مدادا وكتبت بتلك الأقلام والمياه كلمات الله حتى تنكسر الأقلام وتنفد المياه (ما نَفِدَتْ) ما تمت (كَلِماتُ اللهِ) مخلوقاته ، فإن كل مخلوق كلمة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب في سلطانه (حَكِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها.

[٢٨] (ما خَلْقُكُمْ) أيها الناس (وَلا بَعْثُكُمْ) بعد الموت (إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) كخلقها وبعثها ، إذ تتساوى نسبة الأشياء كلها إلى قدرة الله تعالى ، فلا فرق عند قدرته بين خلق بعوضة وبين خلق ملايين المجرات (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) يسمع كل شيء (بَصِيرٌ) يرى كل شيء فلا يشغله شيء عن شيء حتى يتفاوت عنده خلق واحد عن خلق كثير.

__________________

(١) مفردة : كوز.

٤٢٥

[٢٩] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ) يدخل (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) وذلك حين امتداد الليل (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) وذلك حين امتداد النهار (وَسَخَّرَ) ذلل (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) قد سمي فله وقت مضبوط (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيجازيكم عليه.

[٣٠] (ذلِكَ) العلم الواسع والقدرة الكاملة إنما يكون لله بسبب أن (اللهَ هُوَ الْحَقُ) والإله الحق يقدر على كل شيء ويعلم كل شيء (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) من الأصنام (الْباطِلُ) فليست آلهة ولذا لا تعلم ولا تقدر (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) المطلق (الْكَبِيرُ) الأكبر من كل شيء.

[٣١] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ) السفينة (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) بإحسانه إلى البشر (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) فإن جريان الفلك آية من آيات قدرته (إِنَّ فِي ذلِكَ) الجريان (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) كثير الصبر يتعب نفسه في التفكر في الآيات ، فالماء آية وبقاء السفينة خارج الماء آية ، والجريان آية ، والرياح المسيرة آية وهكذا (شَكُورٍ) كثير الشكر لنعم الله.

[٣٢] (وَإِذا غَشِيَهُمْ) على أصحاب السفينة (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) جمع ظلة وهي ما أظلك من جبال أو سحاب أو نحوها (دَعَوُا اللهَ) أهل السفينة (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) يخلصون دينهم لله ، بدون شرك (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) سالك قصد السبيل وهو التوحيد (وَما يَجْحَدُ) ينكر (بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) خداع ناقض للعهد الذي أخذه الله على عباده بما أودع فيهم من الفطرة (كَفُورٍ) كثير الكفر.

[٣٣] (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) خافوا عقابه (وَاخْشَوْا يَوْماً) يوم القيامة (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) لا يغني عنه شيئا في دفع العذاب عنه (وَلا مَوْلُودٌ) ولد (هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالثواب والعقاب (حَقٌ) لا بد وأن يأتي (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ) تخدعكم (الْحَياةُ الدُّنْيا) بشهواتها (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) فاعل (يغرنكم) أي لا يخدعكم الشيطان بأن ترتكبوا الآثام وتخالفوا الله.

[٣٤] (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) يوم القيامة (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) المطر (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) من ذكر أو أنثى ، سعيد أو شقي ، قبيح أو جميل إلى آخره (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) ماذا تعمل في المستقبل (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) يكون موتها (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بكل ذلك (خَبِيرٌ) نافذ علمه بخفايا الأشياء.

٤٢٦

٣٢ : سورة السجدة

مكية آياتها ثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (الم) رمز بين الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] هذا (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) إنزاله من قبل الله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) ليس محل ريب وإن شك فيه المعاند أو الجاهل (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[٣] (أَمْ) بل (يَقُولُونَ) أي الكفار (افْتَراهُ) نسبه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الله كذبا ، وليس كذلك (بَلْ هُوَ الْحَقُ) المطابق للواقع ، حال كونه نازلا (مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً) الكفار المعاصرين للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) لأن الأنبياء عليهم‌السلام بعثوا على أجيال سابقة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) بإنذارك.

[٤] (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) مقدار ستة أيام (ثُمَّ اسْتَوى) استولى (عَلَى الْعَرْشِ) على السلطة ، بأن خلق ثم أخذ في تدبير المخلوق (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) يلي أموركم ويدبرها (وَلا شَفِيعٍ) ينقذكم من عذابه ، فإن الشفعاء إنما يشفعون بإذن الله (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) فتعلمون صحة ما ذكرناه.

[٥] (يُدَبِّرُ) الله (الْأَمْرَ) أمر الكائنات فينزله (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ) الملك ، أو الأمر أي نتائج ما فعله البشر وما صار في العالم (إِلَيْهِ) تعالى (فِي يَوْمٍ) المسافة بين محل نزول الأمر إلى الأرض أو عروجه إلى السماء (كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) من سنوات الدنيا ، فإن الشخص إذا أراد أن يسير من محل الأمر في السماء إلى الأرض الذي يأتي في يوم واحد كانت المسافة له ألف سنة (١).

[٦] (ذلِكَ) الذي يفعل ويأمر هو (عالِمُ الْغَيْبِ) ما غاب عن الحواس (وَالشَّهادَةِ) ما حضر لدى الحواس بأن كان محسوسا (الْعَزِيزُ) الغالب (الرَّحِيمُ) بعباده.

[٧] (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي خلقه خلقا حسنا (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ) آدم عليه‌السلام (مِنْ طِينٍ).

[٨] (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) ذرية آدم (مِنْ سُلالَةٍ) صفوة منسلة (مِنْ ماءٍ) مني ، وسمي سلالة لانسلاله من صلبه (مَهِينٍ) ضعيف حقير.

[٩] (ثُمَّ سَوَّاهُ) جعله بشرا سويا كاملا (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أي روح خلقه ، والإضافة للتشريف (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) جمع فؤاد أي القلب (قَلِيلاً ما) (ما) زائدة للتأكيد (تَشْكُرُونَ) أي قليل شكركم على هذه النعم.

[١٠] (وَقالُوا) أي منكرو القيامة (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) بأن صار ترابنا مخلوطا بتراب الأرض فلم يعرف (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي نخلق مرة ثانية (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) أي لقاء ثوابه وجزائه (كافِرُونَ) منكرون فإنهم لا يريدون الاعتراف بلقاء الله ولذا ينكرون البعث.

[١١] (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) يميتكم (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) لأجل إماتتكم ، فلا يميتكم الدهر كما زعمتم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ) إلى جزائه (تُرْجَعُونَ) في الآخرة.

__________________

(١) ثم إن الألف قد لا يكون من باب التحديد ، بل للدلالة على الكثرة ، كما في قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) سورة التوبة : ٨٠ ، والله العالم.

٤٢٧

[١٢] (وَلَوْ تَرى إِذِ) يوم القيامة (الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا) مطأطئو (رُؤُسِهِمْ) ذلا وخجلا (عِنْدَ) حساب (رَبِّهِمْ) قائلين (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا) إلى الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) اليوم بما رأينا ، لكن طلبهم هذا يقابل بالرد لأنهم (لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (١).

[١٣] (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا) أعطينا (كُلَّ نَفْسٍ هُداها) بأن نلجئها على الهداية (وَلكِنْ حَقَ) ثبت (الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) الكافرين منهم ، وذلك حيث إن التكليف يقارن الاختيار ، وإلا بطلت الحجة أيضا.

[١٤] فيقال ذوقوا (بِما) فعلتم من الكفر والآثام التي هي وليدة ما (نَسِيتُمْ) عن عمد بأن تركتم حتى أخذكم النسيان (لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ) اليوم بأن تركناكم حتى يأخذكم العذاب (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) الذي لا فناء له (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بسبب أعمالكم.

[١٥] (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) بتلك الآيات (خَرُّوا) سقطوا على الأرض (سُجَّداً) ساجدين (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي نزهوا الله حامدين له (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته.

[١٦] (تَتَجافى) ترتفع (جُنُوبُهُمْ) أطراف أبدانهم (عَنِ الْمَضاجِعِ) الفرش ومواضع النوم ، لأجل العبادة (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً) من عذابه (وَطَمَعاً) في رحمته (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في سبيل الله.

[١٧] (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ) شخص (ما أُخْفِيَ لَهُمْ) أي ادّخر لهم في الآخرة (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) ما تستقر به أعينهم فإن السرور يوجب قرار العين أما الخائف فينظر هنا وهناك (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الطاعات.

[١٨] (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) خارجا عن طاعة الله ، والاستفهام للإنكار (لا يَسْتَوُونَ) عند الله.

[١٩] (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الأعمال الصالحة (فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) التي يأوون إليها (نُزُلاً) عطاء (٢) (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا من الحسنات.

[٢٠] (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) خرجوا عن طاعة الله (فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) فإنهم يريدون الفرار لكن زبانية جهنم يرجعونهم إليها بالعنف (وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي) صفة (عذاب) (كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) وتقولون إنه لا عذاب.

__________________

(١) سورة الأنعام : ٢٨.

(٢) النزل : ما يهيأ للضيف إذا نزل على الإنسان ، وعمم للعطية مطلقا.

٤٢٨

[٢١] (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) في الدنيا على أيدي المسلمين (دُونَ) قبل (الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) في الآخرة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) بأن يتوبوا ويسلموا.

[٢٢] (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) بأن لم يقبلها (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) الذين أجرموا بالكفر والعصيان (مُنْتَقِمُونَ) في الدنيا والآخرة.

[٢٣] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) كما أعطيناك (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ) شك (مِنْ لِقائِهِ) لقائك للكتاب ، فأن أهل الكتاب كانوا يشككون المسلمين في أن القرآن ليس كتابا من عند الله (وَجَعَلْناهُ) أي كتاب موسى عليه‌السلام (هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ).

[٢٤] (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ) من بني إسرائيل (أَئِمَّةً يَهْدُونَ) الناس (بِأَمْرِنا) حيث أمرناهم بالهداية (لَمَّا صَبَرُوا) جعلناهم أئمة (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) لإمعانهم النظر فيها.

[٢٥] (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) بين أهل الكتاب المختلفين فيميز المحق من المبطل (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين.

[٢٦] (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) ألم يسبب هدايتهم ما رأوا وعلموا من إهلاك القوم الكافرين (كَمْ) للكثرة (أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) الأمم (يَمْشُونَ) هؤلاء الكفار (فِي مَساكِنِهِمْ) حيث يمرون على أراضي عاد وثمود وقوم لوط (إِنَّ فِي ذلِكَ) الإهلاك (لَآياتٍ) عبرا (أَفَلا يَسْمَعُونَ) سماع تدبر.

[٢٧] (أَوَلَمْ يَرَوْا) آيات قدرتنا حيث (أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ) ماء المطر أو ماء العيون والأنهار (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) التي لا نبات فيها (فَنُخْرِجُ بِهِ) بواسطة الماء (زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ) من ذلك الزرع (أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) هذه الآية فيستدلوا بها على عظيم قدرة الله.

[٢٨] (وَيَقُولُونَ) أي الكفار (مَتى هذَا الْفَتْحُ) أي نصر المؤمنين الذي تقولونه ، وهذا قالوه على سبيل الاستهزاء (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في كلامكم إن الله ينصركم علينا.

[٢٩] (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) لأن الحرب توجب القتل والأسر فإذا آمنوا بعد الفتح لم ينفعهم في الأسر (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) إذ لا مهلة بعد الحرب.

[٣٠] (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ولا تصر على دعوتهم بعد أن أظهروا العناد (وَانْتَظِرْ) لمجيء يوم الفتح (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) لأنهم ينتظرون القضاء على المسلمين وانتظر أنت حتى تظهر النتيجة.

٤٢٩

٣٣ : سورة الأحزاب

مدنية آياتها ثلاث وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) اثبت على تقواك ، وهذا مثل (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) فيما يريدون ، ولا يخفى أن الإمكان العقلي (٢) كاف في الأمر والنهي وفائدته الإعلام للعموم (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بالمصالح والمفاسد (حَكِيماً) فيما يأمر وينهى.

[٢] (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي القرآن (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيجازيكم على أعمالكم.

[٣] (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في أعمالك (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) حافظا لك.

[٤] وحيث أن المشركين كانوا يظنون أن بعض الناس لهم قلبين ، وأنه إذا قال الرجل لزوجته : أنت كأمي ، صارت كأمه ، وأنه إذا جعل شخص ولدا لنفسه ، صار ولدا حقيقة في الأحكام ، جاءت الآية لإنكار الأمور الثلاثة فقال عزوجل : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) أي داخله (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي) جمع التي (تُظاهِرُونَ مِنْهُنَ) بأن تقولوا لهن : (أنت عليّ كأمي ، أو كظهر أمي) وكان طلاقا جاهليا (أُمَّهاتِكُمْ) على الحقيقة (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ) الدعي هو الذي يدعيه الإنسان ابنا له (أَبْناءَكُمْ) حتى يجري عليهم حكم الأبناء (ذلِكُمْ) أي ما تقدم من قولكم في الأمور الثلاثة و(كم) للخطاب (قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) أي مجرد لفظ (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) من أنه ليس كما تقولون (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) طريق الحق.

[٥] (ادْعُوهُمْ) أي الأدعياء (لِآبائِهِمْ) أي انسبوهم إلى آبائهم الحقيقيين (هُوَ أَقْسَطُ) أعدل (عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ) فلا تتمكنوا أن تقولوا : يا ابن فلان (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) قولوا لهم : يا أخي (وَمَوالِيكُمْ) أي أبناء عمكم ، فقولوا لهم : يا ابن عمي (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) حرج (فِيما أَخْطَأْتُمْ) أي في نسبة المتبنى إلى غير أبيه الحقيقي (بِهِ) عائد إلى (ما) (وَلكِنْ) الإثم (ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) بأن تعمدتم نسبتهم إلى غير آبائهم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر ذنبكم ويرحمكم إذا تبتم عما سلف منكم.

[٦] (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإذا أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا منهم وجب عليهم تنفيذه ولا يحق لهم أن يقدموا مطلب أنفسهم على مطلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) كأمهاتهم في وجوب الاحترام وحرمة الزواج بهن بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) ذوو القرابات (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) في الإرث وسائر الشؤون (فِي كِتابِ اللهِ) في حكمه الذي كتبه (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) فالقريب أولى بقريبه من مؤمنين ليست بينهما قرابة ، أو مهاجرين كذلك (إِلَّا) لكن (أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ) المؤمنين والمهاجرين (مَعْرُوفاً) تبرعا بوصية أو غيرها ، كان جائزا (كانَ ذلِكَ) جواز فعل المعروف (فِي الْكِتابِ) الذي كتبه الله وقدره (مَسْطُوراً) مكتوبا.

__________________

(١) سورة الفاتحة : ٦.

(٢) أي باعتبار الإنسان بما هو انسان ، والا فالمعصوم عليه‌السلام لا يمكن أن يعصي أو يخطئ وإن كان قادرا على ذلك.

٤٣٠

[٧] (وَإِذْ) اذكر يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زمان (أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) عهدهم الأكيد بتبليغ الرسالة (وَ) أخذنا (مِنْكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) شديدا.

[٨] وإنما أخذنا الميثاق (لِيَسْئَلَ) الله الأنبياء عليهم‌السلام (الصَّادِقِينَ) في عهدهم مع الله (عَنْ صِدْقِهِمْ) عما قالوه لقومهم من الكلام الصادق ، أي أخذنا منهم الميثاق لنسألهم عن أنهم هل أدوا الرسالة أو لا (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ) الذين لم يقبلوا كلام الأنبياء عليهم‌السلام (عَذاباً أَلِيماً) مؤلما.

[٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) من الكفار ، في غزوة الأحزاب (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) تقلع خيامهم وتنشر التراب والرمل عليهم (وَ) أرسلنا (جُنُوداً) من الملائكة (لَمْ تَرَوْها) بأعينكم (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) لأجل الدفاع (بَصِيراً) فيجازيكم بما عملتم.

[١٠] (إِذْ جاؤُكُمْ) أي الكفار (مِنْ فَوْقِكُمْ) أعلى الوادي (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أسفل الوادي (وَإِذْ زاغَتِ) مالت (الْأَبْصارُ) عن مواضعها خوفا (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) خوفا ، إذ عند شدة الفزع تنتفخ الرئة لتأخذ هواء أكثر لأجل إطفاء الحرارة المتولدة من الخوف ، فتضغط الرئة على القلب فيرتفع القلب إلى الحنجرة (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) يظن المخلصون نصرة الله لهم ، والمنافقون نصرة الكفار عليهم بتخلي الله عنهم.

[١١] (هُنالِكَ) في ذلك المكان (ابْتُلِيَ) اختبر (الْمُؤْمِنُونَ) فظهر المخلص من المنافق (وَزُلْزِلُوا) أزعجوا (زِلْزالاً شَدِيداً) من الخوف وظهور ضعف العقيدة.

[١٢] (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف يقين (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) بالنصرة (إِلَّا غُرُوراً) وعدا باطلا.

[١٣] (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) من المنافقين كابن أبي وجماعته (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) أي المدينة (لا مُقامَ) موضع (لَكُمْ) هاهنا في ساحة الحرب لأن الكفار يغلبونكم (فَارْجِعُوا) إلى منازلكم في المدينة (وَيَسْتَأْذِنُ) يطلب الإذن (فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ) في أن يرجعوا (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) غير حصينة فنخاف من السارق إن لم نكن فيها (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) بل حصينة (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) من القتال بهذا العذر السخيف.

[١٤] (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ) أي دخل الكفار على هؤلاء المنافقين (مِنْ أَقْطارِها) جوانب المدينة (ثُمَّ سُئِلُوا) أي الكفار من المنافقين (الْفِتْنَةَ) بأن جاء الكافر إلى المنافق يطلب منه أن يقوم بفتنة (لَآتَوْها) لأعطوها بدون إبداء الأعذار كما يبدونها لك يا رسول الله (وَما تَلَبَّثُوا بِها) أي لم يمكثوا للإتيان بالفتنة (إِلَّا) زمانا (يَسِيراً) وهذا كناية عن أنهم مسرعون إلى الفتنة ، أما إلى الجهاد فإنهم يريدون الفرار.

[١٥] (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) قبل الخندق ، عند ما فروا في أحد (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) عن الوفاء به ، ومن لم يف به فيجازى على تركه.

٤٣١

[١٦] (قُلْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم : إن كان حضر أجلكم (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً) إن نفعكم الفرار فرضا (لا تُمَتَّعُونَ) في الدنيا (إِلَّا) زمانا (قَلِيلاً) فلم هذا الخوف من الموت.

[١٧] (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ) يمنعكم (مَنْ) بأس (اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ) من يتمكن من أن يمنعه إن (أَرادَ) الله (بِكُمْ رَحْمَةً) فالكل بيد الله (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (وَلِيًّا) يلي أمورهم (وَلا نَصِيراً) ينصرهم.

[١٨] (قَدْ) للتحقيق (يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ) المبطئين عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والجهاد (مِنْكُمْ) وهم المنافقون (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ) المؤمنين (هَلُمَ) تعالوا (إِلَيْنا) ولا تذهبوا إلى الحرب (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) القتال (إِلَّا قَلِيلاً) إتيانا قليلا ، لأنهم منافقون.

[١٩] (أَشِحَّةً) بخلاء (عَلَيْكُمْ) بالمال والمعاونة (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) من حرب أو شبهها (رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) في أحداقهم كدوران عين الذي (يُغْشى عَلَيْهِ) تأخذه الغشوة (مِنَ) جهة (الْمَوْتِ) فإن الموت غشوة (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) وجاء الأمن والغنيمة (سَلَقُوكُمْ) خاصموكم (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) طوال ذربة طلبا للغنيمة (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) يشاحون المؤمنين على الغنيمة عند القسمة (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) عن إخلاص (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) الخيرية أي لم يقبلها (وَكانَ ذلِكَ) الإحباط (عَلَى اللهِ يَسِيراً) سهلا.

[٢٠] (يَحْسَبُونَ) هؤلاء المنافقون (الْأَحْزابَ) التي أتت لحرب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لَمْ يَذْهَبُوا) عن المدينة وقد فرت الأحزاب (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) مرة ثانية (يَوَدُّوا) تمنى هؤلاء المنافقون (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) خارجون في البادية عند الأعراب ، حتى لا يكونوا في المدينة (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) أي يسألون الناس القادمين من المدينة عن أخباركم ماذا فعلتم مع الأحزاب (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ) في المرة الثانية (ما قاتَلُوا إِلَّا) قتالا (قَلِيلاً) لأنهم لا يقاتلون عن إيمان.

[٢١] (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ) قدوة (حَسَنَةٌ) في الثبات في الحرب وغيره (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا) ثواب (اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً).

[٢٢] (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا) الخطب والبلاء (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) في الوعد ، بأن الكفار يتكالبون علينا ثم نحن ننتصر عليهم (وَما زادَهُمْ) ما رأوا (إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) لأمره تعالى.

٤٣٢

[٢٣] (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) من الثبات في الحرب والتسليم لأوامر الله (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) مات ، أي عمل بما التزم على نفسه ، كحمزة (رضي الله عنه) حيث قتل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الشهادة كعلي (وَما بَدَّلُوا) العهد (تَبْدِيلاً) كما بدل المنافقون.

[٢٤] (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ) اللام للعاقبة ، أي عاقبة هذه الامتحانات جزاء الصادقين بسبب صدقهم (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إن تابوا ، فإن شاء عذبهم بنقضهم العهد وإن شاء تاب عليهم (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).

[٢٥] (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي الأحزاب ، ئ إلى أماكنهم خائبين (بِغَيْظِهِمْ) أي مع الغيظ الذي احتملوه بسبب الهزيمة (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) غنيمة من المسلمين ، لأنهم لم ينتصروا عليهم (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) لأنه أنزل جنودا من الريح والملائكة (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا) قادرا لما يريد (عَزِيزاً) لا يغالب.

[٢٦] (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) عاونوا الأحزاب (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بيان ل (الذين) والمراد بهم قريظة (مِنْ صَياصِيهِمْ) حصونهم (وَقَذَفَ) ألقى الله (فِي قُلُوبِهِمُ) أي قلوب قريظة (الرُّعْبَ) الخوف (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) أيّها المسلمون تقتلون فريقا منهم (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) الذراري والنساء.

[٢٧] (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ) مزارعهم (وَدِيارَهُمْ) حصونهم (وَأَمْوالَهُمْ) نقودهم وأثاثهم (وَ) أورثكم (أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) بأقدامكم ، وهي خيبر (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) فقد نقضت قريظة عهدهم مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جاء الأحزاب ، ثم عاقبهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قتلهم وأسرهم وأخذ أراضيهم.

[٢٨] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) وكن أردن زيادة النفقة (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) التنعم بها (وَزِينَتَها) زخارفها (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ) أعطيكن متعة الطلاق (وَأُسَرِّحْكُنَ) أطلقكن (سَراحاً جَمِيلاً) طلاقا بلا خصومة.

[٢٩] (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ) طاعة الله (وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) في نعيم الجنة.

[٣٠] (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) معصية (مُبَيِّنَةٍ) ظاهرة قبحها (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) أي مثلي عذاب غيرها (وَكانَ ذلِكَ) تضعيف العذاب (عَلَى اللهِ يَسِيراً) سهلا.

٤٣٣

[٣١] (وَمَنْ يَقْنُتْ) يطع الله (مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) مثلي أجر غيرها (وَأَعْتَدْنا) هيّأنا (لَها رِزْقاً كَرِيماً) مع التكريم.

[٣٢] (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) أي لستن كسائر النساء حتى تعملن مثل أعمالهن (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) خفتن الله (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) بأن تتكلمن مع الرجال تكلما فيه دلال (فَيَطْمَعَ) فيكن (الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ريبة وشهوة (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي تكلمن كلاما بدون لين ، فإنه ليس بمنكر.

[٣٣] (وَقَرْنَ) أبقين (فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ) التبرج : لخروج من البيت مظهرا للزينة (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي الحالة الجاهلية السابقة على الإسلام (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ) أعطين (الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) والمراد الخمسة الطيبة : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام كما في متواتر الروايات ، ويؤيده الإتيان بضمير الجمع المذكر ، وحيث إن المراد بالرجس الذنب كانت الآية دالة على عصمتهم (وَيُطَهِّرَكُمْ) عن المعاصي (تَطْهِيراً).

[٣٤] (وَاذْكُرْنَ) بالقراءة والعمل (ما يُتْلى) يقرأ (فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ) القرآن (وَالْحِكْمَةِ) الشريعة يتلوها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينزل بها جبرئيل من غير أن يكون قرآنا (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً) في تدبير خلقه (خَبِيراً) عالما ولذا يأمر بما فيه الصلاح.

[٣٥] (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) من أظهر الإسلام (وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ) من تعلق بالإيمان عن كل قلبه (وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ) المطيعين لله (وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ) في القول والعمل (وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ) لما أمر الله (وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ) الخاضعين لله (وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ) بما وجب في مالهم (وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ) عن الحرام (وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ) هيّأ (اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) غفرانا (وَأَجْراً عَظِيماً) في الآخرة ، والمراد من جميع هذه الصفات : من الرجال والنساء.

٤٣٤

[٣٦] (وَما كانَ) لا يجوز (لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى) أوجب وحكم (اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أن يختاروا خلاف أمر الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يختاران له (فَقَدْ ضَلَ) عن الطريق (ضَلالاً مُبِيناً) ظاهرا.

[٣٧] (وَإِذْ) واذكر يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصة زيد ، فقد تبناه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل نزول الشريعة ، ثم لما جاء الإسلام زوجه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزوجة ، فطلقها ، فأخذها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأجل أن يبطل حكم الجاهليين بأن زوجة الابن المتبنى مثل زوجة الابن الحقيقي تحرم على الرجل (تَقُولُ لِلَّذِي) أي زيد (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإيمان (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بأن أعتقته بعد أن كان عبدا (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) احفظها ولا تطلقها ، وذلك حين صارت مخاصمة بينهما وأراد طلاقها (وَاتَّقِ اللهَ) خف الله في أمرها (وَتُخْفِي) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فِي نَفْسِكَ مَا) أي الذي أمرك الله به من تزوجها بعد طلاقه لها لأجل إبطال أمر جاهلي (اللهُ مُبْدِيهِ) يظهره الله سبحانه (وَتَخْشَى النَّاسَ) تخافهم أن يعيّروك به (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) وهذا كناية عن عدم الاهتمام بأمر الناس لوضوح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن عمل شيئا ينبغي له أن يكون خائفا من الله لأجل ذلك العمل (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها) من زوجته (وَطَراً) حاجة ، بأن لم يبق له حاجة فيها فطلقها وتم عدتها (زَوَّجْناكَها) أمرناك بتزوجها (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) فتكون توسعة على المؤمنين (فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) من جهة جواز تزويج زوجات أولادهم الذين تبنوهم بعد الطلاق وما أشبه (إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ) أي لا يكون ضيق وحرج فيما أحلّ الله (مَفْعُولاً).

[٣٨] (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ) فقد سن الله نفي الحرج سنة (فِي) الأنبياء والمؤمنين (الَّذِينَ خَلَوْا) مضوا (مِنْ قَبْلُ) قبلك (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) قضاء مقضيا.

[٣٩] (الَّذِينَ) صفة ل (في الذين) (يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) أحكامه (وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) أي بالنسبة إلى تنفيذ أحكام الله (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) محاسبا.

[٤٠] (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) فإنه لما تزوج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزينب قال جماعة من الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه ، فجاءت الآية نافية أن يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا لزيد (وَلكِنْ) كان (رَسُولَ اللهِ وَ) كان (خاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ولذا نفى أبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجالكم.

[٤١ ـ ٤٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ) نزهوه (بُكْرَةً) أول الصباح (وَأَصِيلاً) آخر النهار.

[٤٣] (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي) يعطف (عَلَيْكُمْ) بإنزال الرحمة (وَمَلائِكَتُهُ) يعطفون عليكم بالدعاء والاستغفار لكم (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) ظلمات الكفر والجهل والرذيلة (إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً).

٤٣٥

[٤٤] (تَحِيَّتُهُمْ) أي تحية المؤمنين (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ) يلاقون جزاءه في القبر أو القيامة (سَلامٌ) يسلّم بعضهم على بعض (وَأَعَدَّ) هيأ الله (لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) مع تكريم لهم عند إعطاء الأجر.

[٤٥] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على الأمة (وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً).

[٤٦] (وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ) بأمره (وَسِراجاً) مصباحا (مُنِيراً) يفيض النور.

[٤٧] (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً) زيادة على ما يستحقون (كَبِيراً).

[٤٨] (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ) لا تهتم بما يؤذونك (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فإنه يكفيك أذاهم (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها.

[٤٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) تجامعوا معهن (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ) أيّام تتربص المرأة فيها (تَعْتَدُّونَها) تستوفون عددها (فَمَتِّعُوهُنَ) أعطوهن متعة وهي ما تطيب خاطرها (وَسَرِّحُوهُنَ) خلوا سبيلهن إذ لا عدة عليهن (سَراحاً جَمِيلاً) من غير إضرار.

[٥٠] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) مهورهن (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) من الإماء (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) مما أعطاك الله غنيمة (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) بأن جئن من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (وَ) أحللنا لك (امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) هبة بدون صداق (إِنْ أَرادَ) رغب (النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) ينكحها (خالِصَةً لَكَ) أي إن حلية المرأة بلفظ الهبة ، خاصة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يحل لغيره النكاح بهذا اللفظ (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ) من الأحكام المرتبطة بالعقد وغيره ، فليست تلك الأحكام اعتباطية صادرة عن جهل (وَ) في (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الأحكام المرتبطة بالإماء (لِكَيْلا) متعلق ب (خالصة) (يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) ضيق في باب النكاح ، وما بين العلة والمعلول جملة معترضة لبيان أن المصلحة اقتضت مخالفة حكمه لحكمهم في ذلك ، والسرّ في بعض التوسعات والتضييقات على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن من على عاتقه المهام الكبرى يجب أن يسهّل له في بعض الأمور حتى لا يمنعه الضيق عن مهامه ، كما يضيق عليه في بعض الأمور المرتبطة بتلك المهام حتى يتناسب مع تلك المهام (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) بالتوسعة على عباده.

٤٣٦

[٥١] (تُرْجِي) تؤخر (مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) من نسائك فلا تضاجعها (وَتُؤْوِي) تضم إلى نفسك بالمضاجعة (إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ) عطف على (من) (ابْتَغَيْتَ) طلبت (مِمَّنْ عَزَلْتَ) أي تركتها بأن تؤويها بعد أن أرجأتها (فَلا جُناحَ) حرج (عَلَيْكَ) في ذلك كله (ذلِكَ) التفويض في أمرهن إلى مشيئتك (أَدْنى) أقرب إلى (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ) لاستوائهن في هذا الحكم فلا تفاضل حتى يوجب سخط بعضهن (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) فلا تسروا ما يسخطه (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) لا يعاجل بالعقوبة.

[٥٢] (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي بعد النساء اللاتي أحللناهن لك في الآية السابقة (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) كما كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ، يتبادل الرجلان زوجاتهم ، والآية عامة وإن كان الخطاب موجها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) حسن المحرمات عليك (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) فإنه تحل وإن كانت فوق العدد (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) مراقبا مطلعا.

[٥٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) في دخول بيته (إِلى طَعامٍ) بأن يدعوكم لأجل الطعام. وهذا الحكم مقدمة لما يأتي فادخلوا إذا أذن لكم في حال كونكم (غَيْرَ ناظِرِينَ) منتظرين (إِناهُ) إدراك ذلك الطعام ، أي لا تدخلوا قبل نضج الطعام فيطول لبثكم (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ) أكلتم الطعام (فَانْتَشِرُوا) تفرقوا ولا تمكثوا (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) عطف على (ناظرين) أي لا تجلسوا بعد الأكل في حال كونكم مأنوسين بالتحدث في بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنَّ ذلِكُمْ) اللبث (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) تضيقه وتضيق أهله بكم (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) بأن يقول لكم اخرجوا (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) وهو إعلامكم بهذا الحكم أي إيجاب خروجكم بعد الطعام (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَ) أي نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مَتاعاً) حاجة (فَسْئَلُوهُنَ) المتاع (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) يحجب نظركم إلى وجوههن وأيديهن ، وقد كانت نساء الجاهلية تحجب غير وجهها ويدها فلما نزلت آية الحجاب حجبت المسلمات وجوههن كما يدل على ذلك قصة الإفك وغيرها (ذلِكُمْ) أي السؤال من وراء الحجاب (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) من خواطر الريبة ووسوسة الشيطان (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) بأي نوع من أنواع الأذية (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ) بعد وفاته أو طلاقه لهن (أَبَداً) وهذا حكم خاص بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنَّ ذلِكُمْ) إيذاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (كانَ عِنْدَ اللهِ) ذنبا (عَظِيماً) فلا تتعرضوا له.

[٥٤] (إِنْ تُبْدُوا) تظهروا (شَيْئاً) مما نهيتم عنه (أَوْ تُخْفُوهُ) في أنفسكم (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيحاسب عليه.

٤٣٧

[٥٥] (لا جُناحَ) لا ضيق في عدم الحجاب (عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَ) أي المؤمنات ، أو المراد كل النساء (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) من الإماء ، أو مطلقا على قول (وَاتَّقِينَ اللهَ) فيما كلفكن فلا تخالفن أوامره (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) حاضرا فيجازيكم عليه.

[٥٦] (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) يعطفون بالثناء والرحمة (عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَسَلِّمُوا) لأوامره (تَسْلِيماً).

[٥٧] (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ) بمخالفة أوامره (وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم عن رحمته (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) يذلهم ويهينهم.

[٥٨] (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) بدون جرم استحقوا بذلك الأذية (فَقَدِ احْتَمَلُوا) حملوا (بُهْتاناً) لأنه كالكذب ، هذا إيذاء بدون سبب وذلك كلام بدون مطابقة للواقع (وَإِثْماً) عصيانا (مُبِيناً) ظاهرا.

[٥٩] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَ) يرخين على وجوههن وأجسامهن (مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) (١) بعض ملاحفهن الفاضل من التلفع (٢) (ذلِكَ) الإدناء (أَدْنى) أقرب إلى (أَنْ يُعْرَفْنَ) إنهن حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) لا يؤذيهن أهل الريبة الذين يتعرضون للإماء ، فقد كانت الإماء تخرج بادية الوجه فيتعرض لهن الأجلاف فأمرن المؤمنات بالسرّ حفظا لهن عن تعرضهم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف (رَحِيماً) بعبده فيأمرهم بما فيه مصالحهم.

[٦٠] (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف إيمان وريبة (وَالْمُرْجِفُونَ) الذين يوجبون اضطراب قلوب المؤمنين ، لئن لم ينتهوا عن الإرجاف ونشر الأخبار الكاذبة (فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي أمرناك بقتلهم وإجلائهم عن البلد (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) لا يساكنونك (فِيها) في المدينة (إِلَّا) زمانا (قَلِيلاً).

[٦١] (مَلْعُونِينَ) مطرودين (أَيْنَما ثُقِفُوا) وجدوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) أبلغ القتل.

[٦٢] (سُنَّةَ اللهِ) سنّ الله لعنهم وقتلهم سنّة (فِي الَّذِينَ خَلَوْا) مضوا (مِنْ قَبْلُ) قبلك من الذين كانوا يؤذون الأنبياء والمؤمنين (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) تغييرا بل أمره في الآتي كأمره في الماضي.

__________________

(١) الجلباب : ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء ، تلويه المرأة على رأسها ويبقى منه ما ترسله على صدرها.

(٢) التلفع : التغطية.

٤٣٨

[٦٣] (يَسْئَلُكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) وقت قيام القيامة (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) فهو وحده يعلم وقتها (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) في وقت قريب.

[٦٤] (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) نارا ملتهبة.

[٦٥] (خالِدِينَ) باقين (فِيها) في تلك النار (أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يحفظهم (وَلا نَصِيراً) ينصرهم من بأس الله.

[٦٦] (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ) تصرف من حال إلى حال (١) (فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا) قوم (لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) حتى لا نعذب.

[٦٧] (وَقالُوا) أي الأتباع منهم : يا (رَبَّنا) في مقام الاعتذار (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) الزعماء والقادة (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) طريق الحق.

[٦٨] (رَبَّنا آتِهِمْ) أعطهم ، أي السادة والكبراء (ضِعْفَيْنِ) حصة لهم وحصة لأجل إضلالهم لنا (مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) عظيما.

[٦٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) بأن قالوا أنه أبرص ، وغير ذلك (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) أظهر براءته من أكاذيبهم (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) ذا جاه وقدر ، فلا تؤذوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٧٠] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) خافوا عقابه (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) قاصدا إلى الحق.

[٧١] فإن فعلتم ذلك (يُصْلِحْ) الله (لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) بقبوله لها وسدّ الخلل فيها (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ) أفلح (فَوْزاً عَظِيماً).

[٧٢] (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) أي الطاعة ، وسماها أمانة لأنها واجبة الأداء ، أو المراد الأمانة المشهورة (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ) امتنعن (أَنْ يَحْمِلْنَها) والمعنى أن الأمانة لعظمتها بحيث لو عرضت على هذه العظام وكان لها شعور لأبت من حملها ، وذلك لثقلها ، أو كناية عن ثقل الأمانة حتى أن أعظم العظام لا تتمكن من تحملها ، وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس (وَأَشْفَقْنَ) خفن (مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) قبل أن يحملها ، والقبول إما يراد به ما ركب في طبيعته من تمكن القبول والأداء ، وأما القبول النفسي للأمانات الخارجية (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لنفسه فلا يؤدي الأمانة (جَهُولاً) بحال نفسه فيظن أنه يتمكن من الأداء والحال أنه لا يفي بها.

[٧٣] وإنما أعطى الله الأمانة للإنسان للامتحان الذي عاقبته هو (لِيُعَذِّبَ اللهُ) فاللام للعاقبة أو للعلة (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ) ما خالفوا ثم تابوا (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن عصى وتاب (رَحِيماً) حيث لم يحمل ما لا طاقة للإنسان به.

__________________

(١) فتصفر وتسود مثلا.

٤٣٩

٣٤ : سورة سبأ

مكية آياتها أربع وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ) لا لغيره (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) كما له الحمد في الدنيا ، إذ كل ما في الآخرة أيضا له تعالى (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في تدبيره (الْخَبِيرُ) بخلقه.

[٢] (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) يدخل (فِي الْأَرْضِ) كالمطر والكنز وما أشبه (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من نبات ومعدن ونحوهما (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من ملك وماء وغيرهما (وَما يَعْرُجُ فِيها) في السماء كالعمل والملك (وَهُوَ الرَّحِيمُ) بعباده (الْغَفُورُ) الساتر عليهم.

[٣] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) القيامة (قُلْ بَلى) تأتيكم (وَرَبِّي) قسما بالله (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) الساعة (عالِمِ الْغَيْبِ) صفة (لربي) والغيب ما غاب عن الحواس كالروح والعقل (لا يَعْزُبُ) لا يغيب (عَنْهُ مِثْقالُ) ثقل (ذَرَّةٍ) هباءة ترى في النور الداخل من الكوة في الغرفة المظلمة (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ) من مثقال ذرة (وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ) كتبه الله سبحانه وهو اللوح المحفوظ أو غيره (مُبِينٍ) ظاهر.

[٤] (لِيَجْزِيَ) علة لقوله (لتأتينّكم) (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) غفران لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يعطونه مع التكريم.

[٥] (وَالَّذِينَ سَعَوْا) أخذوا يسعون (فِي آياتِنا) أي لأجل إبطال آياتنا (مُعاجِزِينَ) يريدون تعجيزنا عن إتمام الأدلة (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) العذاب السيئ (أَلِيمٌ) مؤلم.

[٦] (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يرى العلماء (الَّذِي) مفعول أول ل (يرى) (أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ) مفعول ثان ل (يرى) ، أي يرون القرآن حقا (وَ) يرون أنه (يَهْدِي إِلى صِراطِ) سبيل (الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب (الْحَمِيدِ) المحمود في كل أفعاله.

[٧] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بعضهم لبعض (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) أي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُنَبِّئُكُمْ) يخبركم (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) فرّقت أوصالكم في القبر كل تفرّق (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي تبعثون ، قالوا هل نريكم من يقول إنكم تبعثون بعد أن تفرقت أوصالكم ـ قالوا ذلك استنكارا وتعجبا ـ.

٤٤٠