تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٨] (أَفْتَرى) أي هل افترى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) جنون يخيل له ذلك البعث (بَلِ) الأمر صدق وإنما (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) البعث والجزاء (فِي الْعَذابِ) في الآخرة (وَالضَّلالِ) في الدنيا (الْبَعِيدِ) عن الحقيقة.

[٩] (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي ما أحاط بهم من كل جوانبهم ، فيستدلوا بها على قدرته تعالى على كل شيء (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) فتبلعهم (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً) قطعا (١) (مِنَ السَّماءِ) فتهلكهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي يرونه (لَآيَةً) دلالة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع إلى ربه فإنه يعرف الآيات.

[١٠] (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) على سائر الناس إذ قلنا (يا جِبالُ أَوِّبِي) ارجعي (مَعَهُ) بالتسبيح (وَالطَّيْرَ) فكان إذا سبح عليه‌السلام سبحت معه الجبال والطيور (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) جعلناه لينا في يده كالشمع.

[١١] وأمرناه (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) دروعا تامات (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) في نسج الدرع حتى تتناسب حلقها ، من التقدير (وَاعْمَلُوا) يا داود عليه‌السلام وأهلك (صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فأجازيكم عليه.

[١٢] (وَ) سخرنا (لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها) جريها في الصباح (شَهْرٌ) مقدار مسيرة سير الراكب شهرا (وَرَواحُها) أي جريها عصرا (شَهْرٌ وَأَسَلْنا) أجرينا (لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) النحاس المذاب ليعمل منه ما يشاء (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) كما يعمل الإنس (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمره تعالى (وَمَنْ يَزِغْ) يعدل (مِنْهُمْ) من الجن (عَنْ أَمْرِنا) أي طاعة سليمان عليه‌السلام الذي أمرنا الجن بطاعته (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) أي المشتعل.

[١٣] (يَعْمَلُونَ) الجن (لَهُ) لسليمان عليه‌السلام (ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) أي المساجد أو القصور (وَتَماثِيلَ) المجسمات (وَجِفانٍ) جمع جفنة وهي القصعة التي يؤكل فيها (كَالْجَوابِ) جمع جابية وهي الحوض الكبير فكان يأكل في كل واحدة منها عدد كبير من الناس (وَقُدُورٍ) جمع قدر (راسِياتٍ) ثابتات على أثافيها لأجل الطبخ ، ثم قلنا لهم (اعْمَلُوا) يا (آلَ داوُدَ شُكْراً) وعمل الشكر عبارة عن الطاعة مقابل قول الشكر الذي هو التلفظ فقط (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) المجتهد في أداء الشكر.

[١٤] (فَلَمَّا قَضَيْنا) حكمنا (عَلَيْهِ) على سليمان عليه‌السلام (الْمَوْتَ) بأن يموت (ما دَلَّهُمْ) أعلم الجن (عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) الأرضة (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) عصاه لأنه مات متكئا على عصاه وزعم الجن أنه واقف فاستمروا في أعمالهم حتى أكلت الأرضة عصاه فسقط (فَلَمَّا خَرَّ) سقط سليمان عليه‌السلام (تَبَيَّنَتِ) علمت (الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) فإن الجن كان يزعم أنه يعلم الغيب فلما ظهر له أن سليمان عليه‌السلام مات منذ زمان ولم يعلم بموته ، انقشع غروره وعلم أنه لو كان يعلم الغيب (ما لَبِثُوا) ما بقوا (فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) العمل الشاق الذي يهينهم ويذلهم.

__________________

(١) كسف : جمع كسفة وهي القطعة من الشيء.

٤٤١

[١٥] (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) لقوم سبأ (فِي مَسْكَنِهِمْ) باليمن (آيَةٌ) دالة على قدرة الله تعالى وهي (جَنَّتانِ) بستانان ممتدان من اليمن إلى الشام (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) يمين السائر وشماله ، وقد قلنا لهم (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) نعمه ، هذه (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) جميلة نزهة (وَرَبٌّ غَفُورٌ) فدنياكم جنة وآخرتكم غفران

[١٦] (فَأَعْرَضُوا) عن الشكر (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) المطر والماء الكثير حتى أباد بلادهم وزروعهم (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) العامرتين (جَنَّتَيْنِ) خربتين (ذَواتَيْ) صاحبتي (أُكُلٍ) ثمر (خَمْطٍ) مرّ بشع (وَأَثْلٍ) الطرفاء ولا ثمر لها (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ) نبق (قَلِيلٍ) الثمر.

[١٧] (ذلِكَ) ما فعلنا بهم (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) بسبب كفرهم (وَهَلْ نُجازِي) بالجزاء السيّئ (إِلَّا الْكَفُورَ) الذي يكفر بالنعم.

[١٨] (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى) الشام (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بكثرة الأنبياء والثمار (قُرىً ظاهِرَةً) ترى كل قرية من القرى الأخرى لاتصال العمران (وَقَدَّرْنا فِيهَا) في تلك القرى (السَّيْرَ) أي كان السير بتقدير لقرب بعضها من بعض لا مبعثرة هنا وهناك بلا حساب ومقدار ، وقلنا لهم (سِيرُوا فِيها) أي في تلك القرى وبينها (لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) أي في حال كونكم في أمن عن اللص والتعب والجوع والعطش.

[١٩] (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) حتى تكون صحارى ونطارد الخيل ، وهذا كناية عن عدم شكرهم (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفران (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم فحين تزول النعمة يتحدث الناس عن أهل النعم وكيف زالت دولتهم (وَمَزَّقْناهُمْ) فرقناهم (كُلَّ مُمَزَّقٍ) تمزيقا كاملا ، فتفرق أولاد سبأ في مختلف البلاد (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أدلة (لِكُلِّ صَبَّارٍ) عن المعاصي (شَكُورٍ) للنعم ، فإن الصابر الشاكر هو الذي يمكن أن يستفيد من الآيات.

[٢٠] (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ) على بني آدم (إِبْلِيسُ) في (ظَنَّهُ) حيث ظن أنهم يتبعونه (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

[٢١] (وَما كانَ لَهُ) لإبليس (عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) تسلط فلم يجبرهم على العصيان (إِلَّا) اختيارهم بأنفسهم لاتباعه ، ونحن أعطيناهم الاختيار (لِنَعْلَمَ) ليقع معلومنا في الخارج (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) حتى نجازي كل طائفة حسب عملها (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) يحفظه فيجازي عليه.

[٢٢] (قُلِ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمشركين (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم آلهة (مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله فهل يستجيبون لكم ، ثم أجاب سبحانه بقوله : (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) ثقلها من خير أو شر (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) لا قدرة لهم في السماء ولا في الأرض (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) لم يشتركوا مع الله في خلق شيء (وَما لَهُ) لله تعالى (مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) معين ، بل خلق الكون وحده.

٤٤٢

[٢٣] (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ) عند الله ، ردّ لقول المشركين (هؤلاء شفعاؤنا) (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أن يشفع وهم الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) انكشف الفزع والخوف (عَنْ قُلُوبِهِمْ) أي الكفار في الآخرة ، أي رجعوا إلى وعيهم (قالُوا) قال بعضهم لبعض (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) في باب الشفاعة هل أذن للأصنام وزعماء الكفار بالشفاعة (قالُوا) أي المسؤول منهم : قال الله (الْحَقَ) وهو إذن الصالحين بالشفاعة ، فلا نصيب لكم منها (وَهُوَ الْعَلِيُ) بقهره (الْكَبِيرُ) بعظمته ، فلا راد لقوله.

[٢٤] (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإذا لم يجيبوا (قُلِ اللهُ) يرزقكم من السماء بإنزال المطر ومن الأرض بإخراج النبات (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ظاهر ، والترديد لإنصاف الطرف وتدريجه إلى الحق.

[٢٥] (قُلْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للكفار (لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) عصينا بزعمكم (وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فليعمل كل حسب عمله حتى يرى جزاءه.

[٢٦] (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ) يحكم (بَيْنَنا بِالْحَقِ) وأن أينا كان على الحق (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) الكثير الحكم (الْعَلِيمُ) بالواقع وبالحكم.

[٢٧] (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ) أي الأصنام (أَلْحَقْتُمْ بِهِ) بالله (شُرَكاءَ) بأن جعلتموهم شركاء لله (كَلَّا) ليسوا له بشركاء (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) في تدبيره ، ولا شريك له.

[٢٨] (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) كافة : أي جميعا والتاء للمبالغة (بَشِيراً) للمؤمن (وَنَذِيراً) للكافر والعاصي (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فيحملهم جهلهم على مخالفتك.

[٢٩] (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي وعدكم بجمع الله بيننا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن هناك يوما كذلك.

[٣٠] (قُلْ لَكُمْ) أيها المنكرون (مِيعادُ يَوْمٍ) أي وعد يوم ، وهو يوم القيامة (لا تَسْتَأْخِرُونَ) لا تتأخرون (عَنْهُ) عن ذلك اليوم (ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) تتقدمون.

[٣١] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي الكتب السابقة عليه من التوراة والإنجيل (وَلَوْ تَرى) أيها الرائي ذلك الموقف لرأيت أمرا فضيعا (إِذِ) زمان (الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) للحساب (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) يجادلون في دفع العذاب عنهم لأجل أن يحمّل كل الآخر إثم أعماله (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) أي الأتباع الذين عدهم الأسياد ضعفاء (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي المتبوعين (لَوْ لا أَنْتُمْ) تصدوننا عن الحق (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) بالله عزوجل.

٤٤٣

[٣٢] (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى) على طريق الإنكار (بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) الهدى (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) بأنفسكم حيث تركتم الهداية باختياركم.

[٣٣] (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) لم يصدنا إجرامنا ، بل مكركم لنا دائما ليلا ونهارا (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) شركاء (وَأَسَرُّوا) أضمر الفريقان (النَّدامَةَ) على الضلال ولم يظهروها خوفا من الشماتة (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ) جمع غل (فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ) أي ما (يُجْزَوْنَ إِلَّا ما) جزاء ما (كانُوا يَعْمَلُونَ).

[٣٤] (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) نبي أو من قام مقامه (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) متنعموها (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).

[٣٥] (وَقالُوا) أي المترفون (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) منكم فنحن أكرم عند الله (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لأن لنا جاها عند الله.

[٣٦] (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يوسعه ويضيقه حسب المصالح لا لكرامة وهوان (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فيظنون أن كثرة المال والأولاد إنما هي للكرامة عند الله.

[٣٧] (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) أي تقرّبا (إِلَّا) لكن يقرب إلينا (مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) جزاء للإيمان وجزاء للعمل الصالح (بِما عَمِلُوا) بسبب عملهم (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) الطبقات العليا من الجنة (آمِنُونَ) من المكاره.

[٣٨] (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) أي يسعون لأجل إبطال آياتنا (مُعاجِزِينَ) يريدون تعجيز الأنبياء عن الهداية (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) يحضرون لأجل أن يعذّبوا.

[٣٩] (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) في وقت (وَيَقْدِرُ لَهُ) ويضيق له في وقت آخر (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) في الخير (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) يعطي عوضه عاجلا أو آجلا (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأن رزقه كثير وبدون منة.

٤٤٤

[٤٠] (وَ) اذكر (يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) يجمعهم الله والمراد المشركين (جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ) الله (لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ).

[٤١] (قالُوا) أي الملائكة : (سُبْحانَكَ) أنت منزه عن الشريك (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) فإنا نواليك ولا نوالي هؤلاء العبدة ، وهذا تبرّؤ منهم (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) الشياطين لأن الكفار أطاعوهم في عبادتهم لنا (أَكْثَرُهُمْ) أي الكفار (بِهِمْ) بالشياطين (مُؤْمِنُونَ) وهذا الكلام من الله للملائكة لأجل تبكيت الكفار.

[٤٢] (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ) أيها الكفار ومعبوداتهم (لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) بأن يجلب المعبود لعابده نفعا أو يدفع عنه ضرا (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) حيث أنكرتم البعث.

[٤٣] (وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات (قالُوا ما هذا) أي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ) يمنعكم (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) من الأصنام (وَقالُوا ما هذا) القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) كذب (مُفْتَرىً) بإضافته إلى الله تعالى (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) للقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر كونه سحرا.

[٤٤] (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) حتى يجدوا فيها الشرك (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) يأمرهم بالشرك فلا مستند لهم سوى التقليد والعناد.

[٤٥] (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بأن أشركوا واتبعهم هؤلاء تقليدا (وَما بَلَغُوا) هؤلاء الكفار (مِعْشارَ) عشر (ما آتَيْناهُمْ) أعطينا أولئك من المال والقوة ، ومع ذلك أخذناهم لما كذبوا الرسل ، وهذا تهديد لهؤلاء (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) نكيري وإنكاري لهم حين كذبوا الرسل بأن دمّرناهم.

[٤٦] (قُلْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للكفار : (إِنَّما أَعِظُكُمْ) أرشدكم بكلمة واحدة فإن تكثير الأمر يوجب تشويش الذهن ، والواحدة هي التفكر في أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن المعلوم أن تفكيرهم يقودهم إلى قبول الحق إن جانبوا العناد ، والواحدة هي (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) بأن تهتموا بأمر الله ، مجانبين الهوى (مَثْنى) للتشاور إن لم يتمكن من التفكر مفردا (وَفُرادى) إن تمكن من التفكر مفردا (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنْ جِنَّةٍ) جنون (إِنْ هُوَ) ما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلَّا نَذِيرٌ) مخوف (لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ) قبل (عَذابٍ شَدِيدٍ) هو عذاب الآخرة.

[٤٧] (قُلْ) لهم يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) على أداء الرسالة (فَهُوَ لَكُمْ) فإني لا أريد الأجر ، وبهذا نفى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله الكفار من أن ادعاء النبوة إما لأجل أنه مجنون ، أو لأجل أنه يريد أجرا (إِنْ) ما (أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) مطلع فهو يعلم صدقي.

[٤٨] (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ) يلقي (بِالْحَقِ) إلي (عَلَّامُ) خبر ثان ل (إن ربي) (الْغُيُوبِ).

٤٤٥

[٤٩] (قُلْ جاءَ الْحَقُ) الإسلام (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ) الشرك ، أي زهق الباطل فلا يتكلم ببادئه ولا عائده ، وهذا كالمثل (وَما يُعِيدُ).

[٥٠] (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ) كما تزعمون (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) فإن وبال الضلال يعود إليّ (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ) لأقوالنا (قَرِيبٌ) منا بالعلم فيعرف المهتدي من الضال.

[٥١] (وَلَوْ تَرى) لرأيت أمرا عظيما (إِذْ فَزِعُوا) خاف الكفار عند البعث (فَلا فَوْتَ) فلا يفوتني أحد منهم (وَأُخِذُوا) للحساب (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) فإنهم قريب في قدرة الله وإن كانوا في أقاصي الأرض.

[٥٢] (وَقالُوا) حينذاك (آمَنَّا بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن (وَأَنَّى) من أين (لَهُمُ التَّناوُشُ) تناول الإيمان بسهولة (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) فإنه في دار التكليف وهم في الآخرة بعيدون عن التكليف.

[٥٣] (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ) أي بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن (مِنْ قَبْلُ) في الدنيا (وَيَقْذِفُونَ) يرمون الكلام (بِالْغَيْبِ) بما غاب عن علمهم حيث ينفون البعث وهم جاهلون به (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) فإنهم بعداء عن حقيقة الأمر ولذا كلامهم ككلام الإنسان البعيد عن شيء حيث لا يعلمه.

[٥٤] (وَحِيلَ) حال أمر الآخرة (بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) مشتهياتهم فإنه ليس لهم في الآخرة إلا النار (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ) بموافقيهم في الكفر (مِنْ قَبْلُ) سابقا حيث كفروا ، فلما ماتوا أبعدوا عن مشتهياتهم (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍ) من الإيمان (مُرِيبٍ) موجب للتردد في العمل ، إذ الشك قد لا يظهر أثره ، وقد يظهر.

٣٥ : سورة فاطر

مكية آياتها خمس وأربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ) مبدع وخالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) إلى الأنبياء عليهم‌السلام (أُولِي) أصحاب (أَجْنِحَةٍ مَثْنى) جناحان جناحان (وَثُلاثَ) أجنحة (وَرُباعَ) أجنحة ، ينزلون ويعرجون بها (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ) ما يخلق من الملائكة وغيرهم (ما يَشاءُ) كما وكيفا (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

[٢] (ما يَفْتَحِ) يعطي (اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) كمال وأولاد (فَلا مُمْسِكَ لَها) يمنعها عن الوصول إلى الخلق (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ) لما أمسك (مِنْ بَعْدِهِ) بعد إمساكه تعالى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) في تدبيره.

[٣] (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) التي من جملتها أنه خلقكم (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بإنزال المطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى) أين (تُؤْفَكُونَ) تصرفون إلى الأصنام.

٤٤٦

[٤] (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) فاصبر كما صبروا (وَإِلَى اللهِ) إلى جزائه (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازي المكذب بالعقاب والصابر بالثواب.

[٥] (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالجزاء (حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بأباطيلها حتى تصرفكم عن الآخرة (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان الذي هو كثير الخداع ، بأن يجرّئكم على معصية الله وعدا لكم بأنه لا جزاء.

[٦] (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) عاملوا معه معاملة الأعداء في عدم سماع كلامه (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) اتباعه (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) النار الملتهبة.

[٧] (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) غفران لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) عظيم في الآخرة.

[٨] (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) زينت نفوسهم إليهم أعمالهم السيئة (فَرَآهُ) ظنه (حَسَناً) كمن ليس كذلك ، والاستفهام لإنكار التسوية (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) يتركه حتى يضل إذا أعرض عن الحق (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ) فلا تهلك يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسك (عَلَيْهِمْ) على الكفار (حَسَراتٍ) للحسرات على غيهم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) فيجازيهم على سيئاتهم.

[٩] (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ) تهيج الرياح (سَحاباً فَسُقْناهُ) أرسلنا ذلك السحاب (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) لا زرع فيه (فَأَحْيَيْنا بِهِ) بالمطر (الْأَرْضَ) بالزرع (بَعْدَ مَوْتِها) باليبس (كَذلِكَ) كإحياء الأرض بعد موتها (النُّشُورُ) والبعث.

[١٠] (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) فليطلبها من عنده تعالى بالإيمان والطاعة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ) جمع كلمة (الطَّيِّبُ) الحسن (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) الله إلى ذاته المقدسة ـ بمعنى قبوله له ـ وهذان هما موجبا العزة (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ) المنكرات (السَّيِّئاتِ) لأجل إطفاء الدين وإذلال المسلمين (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) في الآخرة (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) يبطل ولا ينفذ.

[١١] (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) فإن التراب يتحول نباتا ثم طعاما ثم دما (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) التي هي المني (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) ذكرا وأنثى (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) فإنه عالم بكل شيء (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) ما يمد في عمر من يصير إلى كبر (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) لمن لا يمتد عمره إلى المقدار المعتاد (إِلَّا فِي كِتابٍ) اللوح المحفوظ (إِنَّ ذلِكَ) الزيادة والنقصان (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) سهل.

٤٤٧

[١٢] (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ) حلو (فُراتٌ) شديد العذوبة (سائِغٌ شَرابُهُ) هنيء يمر في الحلق بسهولة (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) شديد الملوحة (وَمِنْ كُلٍ) منهما (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) السمك (وَتَسْتَخْرِجُونَ) من البحر (حِلْيَةً) زينة كاللؤلؤ والمرجان (تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ) السفينة (فِيهِ) في البحر (مَواخِرَ) جمع ماخرة أي تشق الماء شقا (لِتَبْتَغُوا) تطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) بالتجارة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله على ذلك.

[١٣] (يُولِجُ) يدخل (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) بتمديد الليل (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) بتمديد النهار (وَسَخَّرَ) ذلل (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ) مدة (مُسَمًّى) قد سمي عند الله تعالى (ذلِكُمُ) الفاعل لهذه الأشياء (اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي الأصنام (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) القشرة التي في شق النواة.

[١٤] (إِنْ تَدْعُوهُمْ) أي الأصنام (لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) لأنهم جماد (وَلَوْ سَمِعُوا) فرضا (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لعدم قدرتهم على الإنفاع (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) يقرون هناك ببطلان إشراككم إياهم مع الله (وَلا يُنَبِّئُكَ) يخبرك (مِثْلُ) الله الذي هو (خَبِيرٍ) وقد أخبرك بحالة الأصنام.

[١٥] (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ) المحتاجون (إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ) عن خلقه (الْحَمِيدُ) المستحق للعبادة.

[١٦] (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يفنيكم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) غيركم.

[١٧] (وَما ذلِكَ) إذهابكم والإتيان بغيركم (عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) بمتعذر.

[١٨] (وَلا تَزِرُ) لا تحمل (وازِرَةٌ) نفس حاملة للذنب (وِزْرَ) إثم نفس (أُخْرى) بل كل عاص يجزى عقاب عصيان نفسه (وَإِنْ تَدْعُ) تطلب نفس (مُثْقَلَةٌ) ثقيلة بالذنب (إِلى حِمْلِها) أي حمل بعض وزرها (لا يُحْمَلْ مِنْهُ) من وزره (شَيْءٌ) نائب فاعل ل (لا يحمل) (وَلَوْ كانَ) المدعو (ذا قُرْبى) قريبا للداعي (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي في حال كونهم غائبين عن عذابه ، فإن فائدة الإنذار تعود إليهم (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى) تطهر (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) لأن فائدة التطهير ترجع إلى نفس المتزكي (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) مرجع الكل إلى جزائه.

٤٤٨

[١٩] (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى) الكافر (وَالْبَصِيرُ) المؤمن.

[٢٠] (وَلَا الظُّلُماتُ) الكفر (وَلَا النُّورُ) الإيمان.

[٢١] (وَلَا الظِّلُ) الثواب (وَلَا الْحَرُورُ) النار الحارة والمراد بها العقاب.

[٢٢] (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ) المؤمنون (وَلَا الْأَمْواتُ) الكفار (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) سماعا نافعا ، وهو من لا يعاند الحق (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) أي الأموات ، فإن مثل المعاند مثل الميت الذي لا يسمع سماعا ذا أثر.

[٢٣] (إِنْ) ما (أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) فما عليك إلا الإنذار.

[٢٤] (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ) ما (مِنْ أُمَّةٍ) جماعة (إِلَّا خَلا) مضى (فِيها نَذِيرٌ) من نبي أو من قام مقامه.

[٢٥] (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) أي هؤلاء الكفار (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أنبياءهم ، فاصبر كما صبر الأنبياء عليهم‌السلام (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي المعجزات (وَبِالزُّبُرِ) الصحف من دون جمع في كتاب كامل (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) ذي النور ، وهو الكتاب الكامل كالتوراة والإنجيل.

[٢٦] (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) إنكاري لهم بالعذاب ، وهذا تهديد لهؤلاء الكفار.

[٢٧] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ) بالماء (ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) أصنافها لونا وشكلا وطعما وخاصية (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) خطط وطرائق (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) بالشدة والضعف (وَ) منها (غَرابِيبُ) جمع غربيب وهو شديد السواد (سُودٌ) مفسرة ل (غرابيب) أي أن الثمار والجبال ، مختلف ألوانها.

[٢٨] (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) كاختلاف الثمار والجبال (كَذلِكَ) هكذا (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فاعل (يخشى) فإن الأكثر علما بمخلوقات الله أكثر خوفا منه (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يغالب (غَفُورٌ) لمن تاب من عباده.

[٢٩] (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ) يقرءون (كِتابَ اللهِ) القرآن (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) في حالتي السر والعلن (يَرْجُونَ) خبر (إن) (تِجارَةً) تحصيل ثواب بالطاعة (لَنْ تَبُورَ) لن تهلك.

[٣٠] (لِيُوَفِّيَهُمْ) اللام للعاقبة ، أي يعطيهم كاملا (أُجُورَهُمْ) ثواب أعمالهم (وَيَزِيدَهُمْ) على استحقاقهم (مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ) لما بدر منهم من السيئات (شَكُورٌ) لطاعاتهم.

٤٤٩

[٣١] (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) بيان ل (أوحينا) والمراد به القرآن (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب السماوية ، أي ما تقدمه (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) يرى بواطنهم (بَصِيرٌ) يرى ظواهرهم.

[٣٢] (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) أي كل كتاب (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) الأمة التي اخترناها لحمل الرسالة (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) يعملون بالسيئات (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) متوسط في العمل (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) ترجح حسناته (بِإِذْنِ اللهِ) بأمره (ذلِكَ) السابق بالخيرات بالتوفيق له (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) الذي تفضل الله عليهم به.

[٣٣] (جَنَّاتُ) بدل من (الفضل) (عَدْنٍ) إقامة ، فإن الجنان هي دار الإقامة (يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ) يزينون (فِيها) في تلك الجنات (مِنْ أَساوِرَ) ما يوضع في اليد (مِنْ ذَهَبٍ) بيان (أساور) (وَلُؤْلُؤاً) عطف على محل (أساور) (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ).

[٣٤] (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) هموم الدنيا وأحزان الآخرة (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) لذنوب عباده (شَكُورٌ) للطاعات.

[٣٥] (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ) أي التي نقيم فيها أبدا (مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) تعب (وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) إعياء إذ لا مشقة في الجنة.

[٣٦] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ) لا يحكم عليهم بالموت (فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) حتى يخف حرقهم (كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) مبالغ في الكفر.

[٣٧] (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ) يصيحون بأعلى صياحهم (فِيها) في النار قائلين (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) سابقا من السيئات ، فقال لهم توبيخا (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما) عمرا (يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) أي عمرا طويلا حتى أنكم لو كنتم قابلين للتذكر لاتعظتم (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) الرسول المنذر (فَذُوقُوا) العذاب (فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) ينصرهم ويدفع العذاب عنهم.

[٣٨] (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا يخفى عليه شيء (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بتلك الصدور ومحتوياتها.

٤٥٠

[٣٩] (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) بأن جعلكم خليفة وخلفا لمن تقدمكم (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) جزاء كفره (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) غضبا ، فإن تمادي الكافر في الكفر يزيده غضبا من الله (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) خسارة للآخرة.

[٤٠] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أصنامكم التي تدعونها شركاء لله ، أخبروني و (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ) أجزاء (الْأَرْضِ) وما فيها (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ) شركة (فِي) خلق (السَّماواتِ) فإذا لم يكن لهم شرك في الأرض ولا في السماء فكيف كانوا آلهة (أَمْ آتَيْناهُمْ) أعطيناهم (كِتاباً) فيه إنهم شركاء لله (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة (مِنْهُ) أي من ذلك الكتاب (بَلْ) هذا ولا ذاك وإنما (إِنْ) ما (يَعِدُ) من الوعد (الظَّالِمُونَ) عباد الأصنام (بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) وخداعا فهم يعدون أن في عبادة الأصنام اتخاذ شفعاء عند الله.

[٤١] (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ) يحفظ (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) عن محلهما (وَلَئِنْ زالَتا) بأن تركهما الله حتى زالتا (إِنَ) ما (أَمْسَكَهُما) حفظهما (مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) بعد الزوال (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) فلا يعاجل الكفار بالعقوبة (غَفُوراً) يغفر ذنب من تاب.

[٤٢] (وَأَقْسَمُوا) أي الكفار (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي أيمانهم المغلظة (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) رسول منذر (لَيَكُونُنَّ أَهْدى) أكثر هداية (مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) الماضية كاليهود والنصارى (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما زادَهُمْ) مجيء النذير (إِلَّا نُفُوراً) تباعدا عن الحق.

[٤٣] (اسْتِكْباراً) أي لأجل ما فيهم من الكبر عن الحق (فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ) أي ما زادهم إلا المكر السيئ ضد الإيمان وأهله (وَلا يَحِيقُ) لا يحيط (الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) أي الماكر (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) ينتظرون (إِلَّا سُنَّتَ) الله وطريقته في (الْأَوَّلِينَ) المكذبين للرسل حيث عذبهم الله ، أي هل ينتظر هؤلاء الكفار عذاب الله (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) لا يبدل بالعذاب غيره (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) لا يحول إلى غير مستحقه.

[٤٤] (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) يسافروا (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) حيث يمرون على بلاد عاد وثمود وقوم لوط ويرون آثارها الخربة (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ) فاعل ل (يعجزه) و(من) للتبعيض ، بأن يكون هناك شيء يسبب عجز الله عن الانتقام منهم (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بكل شيء (قَدِيراً) على ما يشاء.

٤٥١

[٤٥] (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من الذنوب (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) ظهر الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) تدب وتتحرك ، ولعل المراد بها الإنسان بتقدير (نسمة) (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ) أي العصاة (إِلى أَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) قد سمي وحدّد (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) وقت حسابهم وهو يوم القيامة (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) فيجازيهم حسب أعمالهم.

٣٦ : سورة يس

مكية آياتها ثلاث وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (يس) اسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو رمز بين الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) أي قسما بالقرآن المحكم أحكامه وآياته.

[٣] (إِنَّكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

[٤] (عَلى صِراطٍ) طريق (مُسْتَقِيمٍ) يؤدّي بسالكه إلى المطلوب.

[٥] نزّل (تَنْزِيلَ) الله (الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب (الرَّحِيمِ) بعباده.

[٦] (لِتُنْذِرَ) متعلق ب (تنزيل) (قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) إذ آباؤهم لم يكن لهم رسول (فَهُمْ غافِلُونَ) عن الدين ولذا أرسلناك إليهم.

[٧] (لَقَدْ حَقَ) ثبت (الْقَوْلُ) بالعذاب (عَلى أَكْثَرِهِمْ) أكثر الناس (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) حيث علم الله ذلك أثبت لهم العذاب.

[٨] (إِنَّا جَعَلْنا) حيث تركوا طريق الحق بعد أن عرفوه (فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) جمع غل ، كالذي في عنقه غل ومن أمامه وخلفه سد وعلى عينه غطاء ، حيث لا يبصر شيئا ولا يقدر على شيء ، تشبيه لهم بمن هو هكذا في عدم قبولهم الإيمان (فَهِيَ) أي الأغلال (إِلَى الْأَذْقانِ) جمع ذقن منتهى الوجه ، والغل الطويل يوجب رفع الرأس إلى فوق كناية عن عدم رؤية أمامه لأن رأسه مرفوع (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) مرفوعو الرأس ، يقال قمح البعير إذا رفع رأسه.

[٩] (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أمامهم (سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ) غطيناهم بغطاء (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).

[١٠] (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لعنادهم في الباطل.

[١١] (إِنَّما تُنْذِرُ) تنفع بإنذارك (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) تدبره وأراد العمل به ، والمراد بالذكر : القرآن أو مطلق الموعظة (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) في حال كونه سبحانه غائبا عن حواسه (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) غفران (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) يعطى له مع التكريم.

[١٢] (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) في الآخرة (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) قدم الناس في حياتهم (وَ) نكتب (آثارَهُمْ) الباقية بعد مماتهم كالصدقة الجارية (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) أحطنا به وأدرجناه (فِي إِمامٍ) اللوح المحفوظ (مُبِينٍ) واضح.

٤٥٢

[١٣] (وَاضْرِبْ لَهُمْ) لهؤلاء الكفار (مَثَلاً) من قصص الأمم السابقة الموجبة للعبرة (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) إنطاكية في سوريا (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) رسل عيسى عليه‌السلام لهداية الناس.

[١٤] (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ) أوّلا (اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما) أي كذب أصحاب القرية الرسولين (فَعَزَّزْنا) قويناهما برسول ثالث جاءهم (فَقالُوا) أي الرسل (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ).

[١٥] (قالُوا) أي أهل القرية (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فلا تصلحون للرسالة (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) وحي ورسالة (إِنْ) ما (أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ).

[١٦] (قالُوا) أي الرسل (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ).

[١٧] (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ) التبليغ (الْمُبِينُ) الظاهر ، أما عدم قبولكم فيعود وباله عليكم.

[١٨] (قالُوا) أي أهل القرية (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) أي تشأّمنا من وجودكم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عن ادعائكم الرسالة (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) لنرمينكم بالحجارة (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ) يصيبنكم (مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.

[١٩] (قالُوا) أي الرسل (طائِرُكُمْ) شؤمكم (مَعَكُمْ) أي أنتم سبب شؤمكم لكفركم (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) الاستفهام للإنكار ، أي هل وعظنا لكم سبب لرجمكم إيانا وتطيركم بنا ، فالجواب محذوف (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) مجاوزون الحد.

[٢٠] (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا) آخر (الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) يعدو ، وهو حبيب النجار (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ).

[٢١] (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) على الرسالة (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) إلى طريق الحق.

[٢٢] (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) خلقني ، أي ما يمنعني عن الهداية (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) عند البعث ، إذ تردون إلى جزائه.

[٢٣] (أَأَتَّخِذُ) استفهام إنكار أي كيف آخذ (مِنْ دُونِهِ) دون الله (آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ) أراد بي (الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) بلاء (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ) أي شفاعة الأصنام لا تفيدني في إنقاذي من ذلك الضر (شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ) أي لا تخلصني تلك الأصنام.

[٢٤] (إِنِّي إِذاً) إذا عبدت الذي لا يفيدني شيئا (لَفِي ضَلالٍ) انحراف عن الحق (مُبِينٍ) ظاهر.

[٢٥] (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) الذي خلقكم (فَاسْمَعُونِ) فاسمعوا إيماني ، ثم إن القوم قتلوا حبيب النجار فأدخله الله الجنة.

[٢٦] (قِيلَ) والقائل الملائكة : (ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ).

[٢٧] (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) بغفران ربي (وَ) بما (جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) عنده ، حتى يسبب ذلك إيمان القوم.

٤٥٣

[٢٨] (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) بعد موت حبيب النجار (مِنْ جُنْدٍ) جيش (مِنَ السَّماءِ) لأجل محاربتهم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) أي ليس من شأننا الإنزال.

[٢٩] (إِنْ) ما (كانَتْ) العقوبة التي أنزلنا بهم لكفرهم (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) بأن صاح بهم جبرئيل فأهلكهم (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ميتون.

[٣٠] (يا حَسْرَةً) تحسرا وتحزنا (عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) والمعنى إن الكفار حقيقون بأن يتحسر عليهم.

[٣١] (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ) للكثرة (أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) الأمم المكذبة (أَنَّهُمْ) إي الهالكين (إِلَيْهِمْ) إلى هؤلاء القوم (لا يَرْجِعُونَ) فقد انقطعوا عن الدنيا تماما ولا مرجع حتى يتدارك الإنسان ما فرط منه.

[٣٢] (وَإِنْ) ما (كُلٌّ لَمَّا) إلا (جَمِيعٌ لَدَيْنا) لدى جزائنا في الآخرة (مُحْضَرُونَ) يحضرون لأجل الحساب.

[٣٣] (وَآيَةٌ) دالة على وجود الله وقدرته (لَهُمُ) لأبصارهم (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) عن النبات (أَحْيَيْناها) بالنبات والشجر (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) جنس الحب كالحنطة (فَمِنْهُ) أي من ذلك الحب (يَأْكُلُونَ).

[٣٤] (وَجَعَلْنا فِيها) في الأرض (جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا) أخرجنا (فِيها مِنَ الْعُيُونِ) عيون الماء.

[٣٥] (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) فاكهة ما ذكر من الجنات (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) فإنه من عمل الله ، لا من عمل أيديهم (أَفَلا يَشْكُرُونَ).

[٣٦] (سُبْحانَ) أنزه تنزيها (الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) الأصناف من النبات والحيوان والإنسان وغيرها (كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) ذكرا وأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) من الموجودات الكائنة في الكون ، مثلا الكهرباء التي لم يعلموها ذلك الوقت ، ذكر وأنثى.

[٣٧] (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) كأن النهار جلد على الليل ، كالجلد على الحيوان ، فإذا سلخ النهار ظهر الليل (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) داخلون في الظلام.

[٣٨] (وَ) آية لهم (الشَّمْسُ) في حال كونها (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) منتهى وجودها ، إذ في يوم القيامة تبطل الشمس (ذلِكَ) الجري (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب (الْعَلِيمِ) بما هو الصلاح.

[٣٩] (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) قدرنا لسيرة (مَنازِلَ) في السماء (حَتَّى عادَ) رجع في آخر منازله الثمانية والعشرين (كَالْعُرْجُونِ) عذق التمر (الْقَدِيمِ) العتيق في الدقة والقوس والاصفرار.

[٤٠] (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي) يصح ويجوز (لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) في سرعة سيرها ، فإن ذلك يفسد نظام الكون (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) بأن يسبقه فيدخل في وقته ، فمثلا يرى في وسط النهار مفاجئة الليل (وَكُلٌ) من الشمس والقمر (فِي فَلَكٍ) دائرة (يَسْبَحُونَ) يجرون ، كما يسبح الإنسان في الماء.

٤٥٤

[٤١] (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أولادهم ، أما هم وإن كان إركابهم آية أيضا ، لكنهم حيث يتمكنون من السباحة كانت القدرة بالنسبة إلى الذرية أظهر (فِي الْفُلْكِ) السفينة (الْمَشْحُونِ) المملوء ، كيف لا يغوص في الماء ويغرق.

[٤٢] (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) مثل الفلك في الماء (ما يَرْكَبُونَ) في البر وهي الخيل والبغال والحمير.

[٤٣] (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) في البحر (فَلا صَرِيخَ) مغيث ومنجي (لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) لا ينقذهم أحد من الموت.

[٤٤] فإنقاذهم ليس (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) لهم (وَمَتاعاً) أي لأجل أن يتمتعوا حسب ما قدر لهم من الحياة (إِلى حِينٍ) وقت آجالهم.

[٤٥] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) للمشركين (اتَّقُوا) خافوا (ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) ما تقدم عليكم من العذاب الذي نزل على الأمم السابقة (وَما خَلْفَكُمْ) أي النار في الآخرة (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لتكونوا راجين رحمة الله ، والجواب مقدر ، أي أعرضوا.

[٤٦] (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ) أي أدلة (رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) فلا يتفكرون فيها حتى يهتدوا.

[٤٧] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أعطاكم من ماله (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) الذين يأمرونهم بالإنفاق (أَنُطْعِمُ) أي نعطي المال لطعام (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) فعدم إطعام الله له دليل على أنه تعالى لا يشاء إطعامه فكيف نطعمه نحن (إِنْ) ما (أَنْتُمْ) أيها المؤمنون (إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) واضح ـ حسب زعمهم ـ حيث تأمروننا بإطعامهم.

[٤٨] (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بالعذاب الذي تعدوننا بأنه ينزل بالكفار ، قالوا ذلك استهزاء (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم بنزول العذاب على غير المؤمن.

[٤٩] (ما يَنْظُرُونَ) ما ينتظرون (إِلَّا صَيْحَةً) من جبرئيل لإهلاكهم كما صاح على الأمم السابقة (واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ)

(يَخِصِّمُونَ) يختصمون في معاملاتهم وأمورهم.

[٥٠] (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) لأن الصيحة تأخذهم فجأة فلا يقدرون على الوصية (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) لأنهم يموتون حيث تأخذهم الصيحة فلا يقدرون على الرجوع إلى أهلهم.

[٥١] (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) بوق ينفخ فيه إسرافيل فيحيى كل الناس للبعث (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) القبور (إِلى رَبِّهِمْ) إلى جزائه (يَنْسِلُونَ) يسرعون.

[٥٢] (قالُوا) لما شاهدوا أهوال ذلك اليوم (يا وَيْلَنا) هلاكا لنا (مَنْ بَعَثَنا) أحيانا (مِنْ مَرْقَدِنا) محل نومنا أو موتنا ، ثم قالوا (هذا) البعث (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) حال كوننا في الدنيا (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) في كلامهم بالحشر.

[٥٣] (إِنْ) ما (كانَتْ) النفخة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وفي ذلك دلالة على أن الأمر سهل لله سبحانه (فَإِذا هُمْ) بمجرد الصيحة (جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) حاضرون لأجل الحساب.

[٥٤] (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) بزيادة العقاب أو نقص الثواب (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما) أي جزاء (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

٤٥٥

[٥٥] (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) متنعمون.

[٥٦] (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ) زوجاتهم الدنيوية والحورية (فِي ظِلالٍ) جمع ظل ، والمراد عدم إصابتهم الشمس (عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السرير (مُتَّكِؤُنَ) في حالة الراحة.

[٥٧] (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ) أنواع الثمار (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) ما يطلبون من أنواع النعم.

[٥٨] (سَلامٌ) لهم (قَوْلاً) يقال لهم (مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) بهم ، أي يقال لهم : سلامة لكم من الله عزوجل.

[٥٩] (وَ) يقال للكفار : (امْتازُوا) تميزوا عن المؤمنين في هذا (الْيَوْمَ) ويقال لهم (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ).

[٦٠] (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) ألم آمركم على لسان رسلي (يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) لا تطيعوه (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة.

[٦١] (وَأَنِ اعْبُدُونِي) وحدي (هذا) عبادتي وحدي دون شريك (صِراطٌ) طريق (مُسْتَقِيمٌ) لا اعوجاج فيه.

[٦٢] (وَلَقَدْ أَضَلَ) الشيطان (مِنْكُمْ جِبِلًّا) خلقا (كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) حتى تحفظوا أنفسكم عن إضلاله.

[٦٣] (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها في دار الدنيا.

[٦٤] (اصْلَوْهَا) ذوقوا حرها (الْيَوْمَ) بسبب ما (كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

[٦٥] (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) حتى لا يقدروا على الكلام ، وهذا موقف من مواقف القيامة وذلك حين يكذبون في أقوالهم ولا يقبلون بالشهود ولا بكتابهم (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ) بما عملوا (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) فإن الله ينطق جوارحهم لتشهد عليهم بسيئاتهم.

[٦٦] (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) أعميناها طمسا أي محوا لمكانها (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أي انحرفوا عن الطريق الذي كانوا يسلكونه (فَأَنَّى) فكيف (يُبْصِرُونَ) بعد إعمائهم.

[٦٧] (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) قردة وخنازير (عَلى مَكانَتِهِمْ) مع عظم شرفهم الظاهري (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا) إلى المقصد (وَلا يَرْجِعُونَ) إلى أهلهم إذ الممسوخ لا يكون له مقصد وأهل.

[٦٨] (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) نطيل عمره (نُنَكِّسْهُ) نقلبه (فِي الْخَلْقِ) بنقص بنيته وضعف قوته (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أي من يقدر على ذلك يقدر على إحياء الموتى والطمس والمسخ.

[٦٩] (وَما عَلَّمْناهُ) أي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الشِّعْرَ) حيث كانوا يقولون إنه شاعر (وَما يَنْبَغِي لَهُ) أن يقول الشعر (إِنْ) ما (هُوَ) القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) تذكرة وموعظة (وَقُرْآنٌ) يقرأ (مُبِينٌ) واضح.

[٧٠] (لِيُنْذِرَ) يخوف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مَنْ كانَ حَيًّا) عاقلا فإن الغافل كالميت (وَيَحِقَ) أي يحق ويثبت (الْقَوْلُ) بالعذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) فإن الاستحقاق إنما يكون عقب الإنذار وإتمام الحجة.

٤٥٦

[٧١] (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي الكفار ، ليعتبروا (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ) لمنافعهم (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) مما أحدثناه وخلقناه ، وإسناد العمل إلى اليد استعارة (أَنْعاماً) الإبل والبقر والغنم (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) بتمليكنا إياهم.

[٧٢] (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) صيرناها منقادة لهم (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) يركبون عليها (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) لحمها.

[٧٣] (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) كالانتفاع بالجلد (وَمَشارِبُ) من لبنها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) الله بإعطائهم هذه النعم.

[٧٤] (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) تنصرهم الآلهة في حروبهم.

[٧٥] (لا يَسْتَطِيعُونَ) أي الآلهة (نَصْرَهُمْ) نصر المشركين (وَهُمْ) المشركون (لَهُمْ) للآلهة (جُنْدٌ) خدم (مُحْضَرُونَ) حاضرون لأنهم يخدمون الآلهة.

[٧٦] (فَلا يَحْزُنْكَ) يا رسول الله (قَوْلُهُمْ) الباطل (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) يخفون من الكلام (وَما يُعْلِنُونَ) يظهرون فنجازيهم عليه.

[٧٧] (أَوَلَمْ يَرَ) يعلم (الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) من المني (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) مخاصم لنا (مُبِينٌ) ظاهر ، فبدل شكره يكون خصما لله تعالى.

[٧٨] (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) في إنكار البعث بالعظم البالي (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) من النطفة ، وأن القادر على تبديل النطفة إلى الإنسان قادر على تبديل العظم البالي إلى الإنسان (قالَ) في مثله (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) بالية.

[٧٩] (قُلْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) خلقها (أَوَّلَ مَرَّةٍ) فهو قادر على الخلق (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) عالم فلا يضيع أجزاء الإنسان البالية.

[٨٠] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) المرخ والعفار ، إذا صك أحدهما بالآخر خرج منه النار ، أو أن الشجر ينقلب إلى اليابس الذي يشتعل (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) تخرجون النار منه ، فمن قدر على إخراج النار من الشجر الأخضر قادر على البعث.

[٨١] (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) بأن يعيدهم بعد الموت ، فإن الخلق ثانيا مثل الخلق أولا (بَلى) قادر على ذلك (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) فيقدر على الخلق (الْعَلِيمُ) فيعلم أجزاءه المتفرقة.

[٨٢] (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) ف (كن) أمره (فَيَكُونُ) ما أراده.

[٨٣] (فَسُبْحانَ) أنزهه تنزيها (الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ) السلطة والملك على (كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ) إلى جزائه (تُرْجَعُونَ) في يوم القيامة.

٤٥٧

٣٧ : سورة الصافات

مكية آياتها مائة واثنتان وثمانون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (وَالصَّافَّاتِ) قسما بالملائكة المصطفين لإطاعة أوامر الله (صَفًّا) تأكيد له.

[٢] (فَالزَّاجِراتِ) التي تزجر السحاب وتسوقه (زَجْراً).

[٣] (فَالتَّالِياتِ) لكتب الله (ذِكْراً).

[٤] (إِنَ) جواب القسم (إِلهَكُمْ لَواحِدٌ).

[٥] (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) فإن للشمس في كل يوم مشرقا.

[٦] (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) القريبة منكم (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) فإن الكواكب مزينة لنا.

[٧] (وَ) جعلنا الكواكب (حِفْظاً) حافظا (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) خبيث ، فإن من سمع منهم كلاما من السماء رمي بالشهاب.

[٨] (لا يَسَّمَّعُونَ) لا يستمعون (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) الملائكة ، خوفا منهم (وَيُقْذَفُونَ) يرمون (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) من جوانب السماء.

[٩] (دُحُوراً) أي لأجل الدحر والطرد (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) دائم في الآخرة.

[١٠] (إِلَّا) استثناء من واو في (لا يسمعون) (مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) أي استرق من كلام الملائكة خطفة بسرعة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ) هو النيزك (ثاقِبٌ) يثقب الجو فيلحقه ويهلكه.

[١١] (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي سلهم ، احتجاجا (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) من السماء وما فيها ، فإن الخالق للأشد قادر على بعث الأضعف لأنه قسم من الخلق (أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) ملتصق ، فهم في اللين والضعف.

[١٢] (بَلْ عَجِبْتَ) من إنكارهم المعاد (وَيَسْخَرُونَ) منك.

[١٣] (وَإِذا ذُكِّرُوا) بما يدل على الحشر (لا يَذْكُرُونَ) لا يتعظون.

[١٤] (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) معجزة (يَسْتَسْخِرُونَ) يبالغون في السخرية.

[١٥] (وَقالُوا إِنْ) ما (هذا) الكلام أي القرآن (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر السحرية.

[١٦] (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) بأن تبدل لحمنا ترابا (وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) في يوم القيامة.

[١٧] (أَوَ) يبعث (آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ).

[١٨] (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) صاغرون.

[١٩] (فَإِنَّما هِيَ) البعثة (زَجْرَةٌ) صيحة ونفخة (واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ) أحياء (يَنْظُرُونَ) ينتظرون ماذا يفعل بهم.

[٢٠] (وَقالُوا يا وَيْلَنا) هلاكنا (هذا يَوْمُ الدِّينِ) يوم الجزاء.

[٢١] (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) القضاء (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) في الدنيا فتقولون إنه كذب.

[٢٢ ـ ٢٣] ويقول الله للملائكة (احْشُرُوا) اجمعوا (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والشرك (وَأَزْواجَهُمْ) أي أشباههم ، فعابد الصنم مع مثله ، وعابد الكوكب مع مثله ، أي الذين اتبعوا طريقتهم ، أو كبارهم مع أتباعهم (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ) عرّفوهم (إِلى صِراطِ) طريق (الْجَحِيمِ) النار.

[٢٤] (وَقِفُوهُمْ) في الموقف (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن عقائدهم وأعمالهم.

٤٥٨

[٢٥] ثم يقال لهم (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) لا ينصر بعضكم بعضا.

[٢٦] (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) منقادون حيث يرون القوة الهائلة.

[٢٧] (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ) الأتباع (عَلى بَعْضٍ) المتبوعين (يَتَساءَلُونَ) يتلاومون.

[٢٨] (قالُوا) أي الأتباع (إِنَّكُمْ) أيها السادة (كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) عن طريق الحلف لنا بأنكم على حق وتخدعوننا بذلك.

[٢٩] (قالُوا) أي السادة (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) إنكم بأنفسكم كنتم ضالين فإنا لم نسبب ضلالكم.

[٣٠] (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) سلطة نقهركم على الكفر (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) بأنفسكم ولذا لم تتبعوا الحق.

[٣١] (فَحَقَ) فثبت (عَلَيْنا) جميعا (قَوْلُ رَبِّنا) وهو (إِنَّا لَذائِقُونَ) العذاب ، حيث أنذر الله تعالى أن من كفر يذوق العذاب.

[٣٢] (فَأَغْوَيْناكُمْ) أي دعوناكم إلى الضلال (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) حيث أحببنا أن تكونوا مثلنا.

[٣٣ ـ ٣٤] (فَإِنَّهُمْ) أي السادة والأتباع (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) كما كانوا مشتركين في الضلال في الدنيا. (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) الذين أجرموا بالشرك.

[٣٥] (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ) : قولوا (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) يتكبرون عن التوحيد.

[٣٦] (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا) نترك الأصنام (لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) يقصدون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٣٧ ـ ٣٨] (بَلْ جاءَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِالْحَقِ) لا بالشعر ولا بكلام المجانين (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) فكلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطابق كلامهم عليهم‌السلام. (إِنَّكُمْ) أيها المشركون (لَذائِقُوا) تذوقون (الْعَذابِ الْأَلِيمِ) المؤلم.

[٣٩] (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما) أي جزاء ما (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

[٤٠] وهذا حال الناس (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصهم الله لعبادته.

[٤١] (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) عند الله ، ومن له رزق معلوم في كمال الراحة.

[٤٢] (فَواكِهُ) يتفكهون بها (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) يكرمهم الله.

[٤٣] (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ذات النعمة.

[٤٤] (عَلى سُرُرٍ) جمع سرير في حال كونهم (مُتَقابِلِينَ) بعضهم لبعض ، يمتع بعضهم بكلام الآخر ولقائه.

[٤٥] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) أي تقدّم الملائكة لهم الكأس التي فيها (مِنْ) خمر (مَعِينٍ) جار.

[٤٦] (بَيْضاءَ) من صفائها (لَذَّةٍ) لذيذة (لِلشَّارِبِينَ).

[٤٧] (لا فِيها غَوْلٌ) فساد كما في خمر الدنيا (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) يسكرون.

[٤٨] (وَعِنْدَهُمْ) زوجات (قاصِراتُ الطَّرْفِ) قصرت أعينهن على أزواجهن (عِينٌ) جمع عيناء أي واسعات العيون.

[٤٩] (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) مصون محفوظ عن الفساد فيبقى على صفائه وبياضه.

[٥٠] (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يتحادثون.

[٥١] (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) جليس في الدنيا.

٤٥٩

[٥٢] (يَقُولُ) لي توبيخا : (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) بالبعث.

[٥٣] (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) مجزيون.

[٥٤] ثم (قالَ) ذلك القائل لجلسائه : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) هل تحبون الاطلاع على النار فأريكم ذلك الجليس.

[٥٥] (فَاطَّلَعَ) عليه (فَرَآهُ) رأى قرينه الدنيوي (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) في وسطها.

[٥٦] (قالَ) مخاطبا لقرينه (تَاللهِ) والله (إِنْ) مخففة من الثقيلة (كِدْتَ) قربت (لَتُرْدِينِ) لتهلكني بإغوائك.

[٥٧] (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) بأن لطف بي فحفظني (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) في النار.

[٥٨] ثم يوجه الكلام إلى الكفار (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) أنخلّد في الدنيا إلى الأبد حتى أنتم تنكرون الآخرة.

[٥٩] (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) التي كنّا ميتين قبل إحيائنا (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) على الكفر.

[٦٠] (إِنَّ هذا) الفوز بالجنان (لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

[٦١] (لِمِثْلِ هذا) الفوز (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ).

[٦٢] (أَذلِكَ) المذكور من الثواب (خَيْرٌ نُزُلاً) ما يعد للضيف من المأكول ونحوه (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) التي هي نزل أهل النار.

[٦٣] (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً) عذابا في الآخرة (لِلظَّالِمِينَ) في الدنيا.

[٦٤] (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) في قعرها.

[٦٥] (طَلْعُها) حملها وثمرها في البشاعة (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ).

[٦٦] (فَإِنَّهُمْ) أهل النار (لَآكِلُونَ مِنْها) من تلك الشجرة (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) لشدة جوعهم.

[٦٧] (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) أي بعد الأكل إذا عطشوا ، لمرارة تلك الثمرة (لَشَوْباً) أي شرابا من الصديد (١) المشوب بماء (مِنْ حَمِيمٍ) الحار.

[٦٨] (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) رجوعهم بعد ذلك الأكل والشرب (لَإِلَى الْجَحِيمِ) النار ، أي لا مخلص لهم منها.

[٦٩] (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) وجدوا (آباءَهُمْ ضالِّينَ).

[٧٠] (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) يسرعون في الضلال.

[٧١] (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) قبل قومك يا رسول الله (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ).

[٧٢] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) رسلا مخوفين لهم.

[٧٣] (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) الأمم الذين خوفوا فلم ينفعهم الإنذار كانت عاقبتهم العذاب.

[٧٤] (إِلَّا) الذين قبلوا الإنذار (عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصهم الله لطاعته.

[٧٥] (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) بأن ننصره (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) له نحن.

[٧٦] (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أذى القوم له.

__________________

(١) الصديد : القيح والدم ، أو ما يسيل من جلود أهل النار.

٤٦٠