تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٣٧] (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) سماوي (فِيهِ تَدْرُسُونَ) تقرأون فيه.

[٣٨] (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) تريدون من خير الدنيا والآخرة.

[٣٩] (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) عهود (عَلَيْنا بالِغَةٌ) في التأكيد (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) به لأنفسكم بأن أخذتم منا عهدا بذلك.

[٤٠] (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ) الحكم ، وهو إن لهم ما يتخيرون ويحكمون (زَعِيمٌ) كفيل.

[٤١] (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) في هذا القول (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) ليشهدوا بهذا (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في أن لهم شركاء يعتقدون مثل اعتقادهم ، والحاصل أنه لا مستند لهم من عقل أو نقل.

[٤٢] اذكر (يَوْمَ) أي يوم القيامة حيث (يُكْشَفُ) يظهر (عَنْ ساقٍ) كناية عن شدته ، فإن الإنسان إذا وقع في مشكلة وأراد أن ينجي نفسه كشف ثوبه عن ساقه لئلا يعرقل حركته ثوبه (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) توبيخا لهم ، وبيانا لأنهم لم يسجدوا في الدنيا ولذا ابتلوا بهذا العذاب (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) السجود النافع لأن وقته قد مضى.

٥٨١

[٤٣] (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) لا ترفع (تَرْهَقُهُمْ) تغشاهم (ذِلَّةٌ) حيث علموا ما لهم من العذاب (وَقَدْ كانُوا) في الدنيا (يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) ينفعهم السجود فلا يسجدون.

[٤٤] (فَذَرْنِي) اتركني (وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي القرآن ، فأنا أعاقبه (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) نقرّبهم درجة درجة ، بالإنعام عليهم حتى ينسوا ويلهوا ويتموا أمدهم في الدنيا (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) إنه استدراج.

[٤٥] (وَأُمْلِي لَهُمْ) أمهلهم (إِنَّ كَيْدِي) علاجي للأمور (مَتِينٌ) مستحكم.

[٤٦] (أَمْ) هل (تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على الرسالة فيفرون لأنهم (مِنْ مَغْرَمٍ) غرامة وإعطاء مال (مُثْقَلُونَ) بحملها ولذا لا يؤمنون.

[٤٧] (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي علم الغيب (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) من ذلك العلم وفيه ما ينهاهم عن الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٤٨] (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بأن بلّغه ولا تبال بالأذى (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) السمك ، والمراد به يونس عليه‌السلام حيث إنه لم يصبر على البلاغ ، فقد يئس وخرج عن قومه فألقاه الله في بطن الحوت (إِذْ نادى) ربه من هناك (وَهُوَ مَكْظُومٌ) مملوء غيظا.

[٤٩] (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) بأن استغفر الله على ما صدر منه من ترك الأولى (لَنُبِذَ) أي طرح (بِالْعَراءِ) بالصحراء بعد تأديبه ببطن الحوت (وَهُوَ مَذْمُومٌ) بتركه الأولى.

[٥٠] (فَاجْتَباهُ) اختاره (رَبُّهُ) بالعفو عن تركه للأولى (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) الكاملين في الصلاح.

[٥١] (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (يَكادُ) يقرب (الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) أي ينظرون إليك نظر غاضب فيزلونك عن موقفك ، أو المراد يصيبونك بالعين ، لأنهم أرادوا ضرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعين (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) القرآن (وَيَقُولُونَ) حسدا (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) فقوله قول المجانين.

[٥٢] (وَ) الحال (ما هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) موعظة (لِلْعالَمِينَ) لجميع الناس وليس كلام مجنون.

٦٩ : سورة الحاقة

مكية آياتها اثنتان وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] (الْحَاقَّةُ) القيامة التي هي حق وواجبة الوقوع. (مَا الْحَاقَّةُ) أيّ شيء هي ، والاستفهام للتهويل والتفخيم.

[٣] (وَما أَدْراكَ) أيّ شيء أعلمك (مَا الْحَاقَّةُ) ما هي ، فإنها أعظم من أن تدرك حقيقتها وعظيم الهول فيها.

[٤] (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) الحالة التي تقرع الناس بالأهوال.

[٥] (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا) بسبب تكذيبهم (بِالطَّاغِيَةِ) بالصيحة المجاوزة الحد في الطغيان.

[٦] (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) شديدة البرودة (عاتِيَةٍ) شديدة الهبوب كأنها عتت على خزّانها.

[٧] (سَخَّرَها) سلطها الله (عَلَيْهِمْ) على عاد (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) متتابعات (فَتَرَى الْقَوْمَ) لو حضرتهم (فِيها) في تلك الأيام والليالي (صَرْعى) ملقين في حالة الهلاك (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) أصول (نَخْلٍ خاوِيَةٍ) نخرة ساقطة.

[٨] (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ) نفس (باقِيَةٍ) كلا بل أبدناهم جميعا.

٥٨٢

[٩ ـ ١٠] (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) من الأمم المكذبة (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) أي أهل القرى التي ائتفكت وانقلبت ، وهي قرى قوم لوط بالفعلة الخاطئة من الكفر والمعاصي. (فَعَصَوْا) كل جماعة من هؤلاء (رَسُولَ رَبِّهِمْ) المبعوث إليهم (فَأَخَذَهُمْ) الله (أَخْذَةً رابِيَةً) زائدة في الشدة.

[١١] (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) تجاوز حده في زمان نوح صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأجل إهلاك قومه (حَمَلْناكُمْ) في أصلاب آبائكم (فِي) السفينة (الْجارِيَةِ) التي كانت تجري في الطوفان.

[١٢] (لِنَجْعَلَها) أي تلك الفعلة بإنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين (لَكُمْ تَذْكِرَةً) عبرة (وَ) ل (تَعِيَها) تحفظها (أُذُنٌ واعِيَةٌ) من شأنها أن تعي وتحفظ.

[١٣] (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) البوق الذي ينفخ فيه إسرافيل لأجل إحياء الأموات (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) لا أكثر.

[١٤] (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) من أماكنها ، فالجبال تكون سرابا والأرض تحمل من أعاليها لتملأ منخفضاتها (فَدُكَّتا) ضربتا بعضهما ببعض (دَكَّةً واحِدَةً) في مرة واحدة ، لا تطول ، فصارت الجبال هباء والأرض قاعا صفصفا.

[١٥] (فَيَوْمَئِذٍ) في ذلك اليوم (وَقَعَتِ) قامت (الْواقِعَةُ) القيامة.

[١٦] (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) بأن تبدد نظامها (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) غير مستحكمة.

[١٧] (وَالْمَلَكُ) جنس الملائكة يرى (عَلى أَرْجائِها) أطراف السماء صعودا ونزولا (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ) وهو شيء عظيم خاص بالله تعالى تشريفا ، كالكعبة في الأرض (فَوْقَهُمْ) فوق أكتاف الملائكة (يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) من أفرادهم.

[١٨] (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) تحضرون للحساب (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) نفس خافية على الله.

[١٩] (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ) أعطي (كِتابَهُ) كتاب أعماله (بِيَمِينِهِ) وفي ذلك دلالة على نجاته (فَيَقُولُ) فرحا (هاؤُمُ) أمر للجماعة ، بمنزلة (هاكم) أي خذوا ، والتفتوا (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) أي كتابي ، والهاء للسكت.

[٢٠ ـ ٢٢] (إِنِّي ظَنَنْتُ) علمت (أَنِّي مُلاقٍ) ألاقي وأرى في الآخرة (حِسابِيَهْ) حسابي ، ولذا عملت لهذا اليوم. (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) مرضية. (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) رفيعة.

[٢٣] (قُطُوفُها) ثمارها (دانِيَةٌ) قريبة من الإنسان حتى إذا أراد أن يتناولها وهو مستلق تمكن.

[٢٤] ويقال لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أكلا بدون تعب ولا حزن بسبب ما (أَسْلَفْتُمْ) قدمتم من الخير (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) الماضية أي أيام الدنيا.

[٢٥ ـ ٢٧] (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) وذلك علامة سوء الحال (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) حتى يسيئني. (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) لم أعرف حسابي. (يا لَيْتَها) أي الموتة التي ذقتها (كانَتِ الْقاضِيَةَ) المبيدة لحياتي إلى الأبد فلم أحي.

[٢٨ ـ ٣١] (ما أَغْنى) ما أفادني في النجاة من عذاب الله (عَنِّي مالِيَهْ) أموالي. (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) ذهب جاهي وسلطنتي ولم يفدني. ثم يقال للملائكة : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) اربطوا يديه ورجليه بالأغلال. (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أدخلوه فيها.

[٣٢ ـ ٣٤] (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ) من الحديد (ذَرْعُها) قدرها بالذراع (سَبْعُونَ ذِراعاً) وهذا المقدار إما لأجل التهويل في عذابهم ، أو لأجل لفّها على أعضائهم (فَاسْلُكُوهُ) اجعلوه فيها. (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُ) لا يحث (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ومن لا يحض لا يبذل ، فإنه قسم من الحث ، ولعل المراد الزكاة.

٥٨٣

[٣٥] (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) صديق.

[٣٦] (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) صديد أهل النار ، وأصله ما يبقى من الغسالة.

[٣٧] (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) الذين تعمدوا الخطيئة.

[٣٨] (فَلا أُقْسِمُ) لا ، زائدة للتأكيد ، أو المراد التلميح إلى القسم بدون القسم (بِما تُبْصِرُونَ).

[٣٩] (وَما لا تُبْصِرُونَ) أي بالمخلوقات كلها ، أو بها وبخالقها ، لأن الله لا يبصر.

[٤٠] (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) على الله ، وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قول الله ، إذ (ما ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحي يوحى) (١).

[٤١] (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) كما تزعمون (قَلِيلاً ما) زائدة لتأكيد القلة (تُؤْمِنُونَ) لعنادكم ، والمعنى أنكم لا تصدقون إلا ببعض ما ظهر لكم من الحق ، لا بكله.

[٤٢] (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) وهو من يخبر عن الشياطين (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) تذكرا واتعاظا قليلا.

[٤٣] بل هو (تَنْزِيلٌ) إنزال (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[٤٤] (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن نسب إلينا قولا بالكذب (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) الأقوال.

[٤٥] (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) بيمينه.

[٤٦] (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) عرق قلبه.

[٤٧] (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ) عن المقتول (حاجِزِينَ) مانعين ، بأن يمنعنا عن إذلاله وقتله ، ولكنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكذب علينا قط.

[٤٨] (وَإِنَّهُ) القرآن (لَتَذْكِرَةٌ) مذكر وواعظ (لِلْمُتَّقِينَ) فإنهم المنتفعون بالذكرى.

[٤٩] (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ) يا أهل مكة (مُكَذِّبِينَ) فنجازيهم على تكذيبهم.

[٥٠] (وَإِنَّهُ) القرآن (لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) في يوم القيامة حيث يتحسرون لما ذا لم يعملوا به في الدنيا.

[٥١] (وَإِنَّهُ) القرآن (لَحَقُّ الْيَقِينِ) الحق المتيقن الذي لا شك فيه.

[٥٢] (فَسَبِّحْ) نزّه بذكر اسم (رَبِّكَ الْعَظِيمِ) صفة (الرب) فإذا قال الإنسان : الله العادل الغني الصادق مثلا فقد نزهه عن الظلم والاحتياج والكذب.

٧٠ : سورة المعارج

مكية آياتها أربع وأربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (سَأَلَ سائِلٌ) دعا داع (بِعَذابٍ واقِعٍ) كان الكفار يقولون (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) فالعذاب واقع بهم لا محالة ، إن عاجلا أو آجلا ، وقد ورد إن الآية نزلت في بعض المنافقين يوم الغدير ، لما طلب من الله أن يعذبه إن كان نصب أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بأمره تعالى ، فرماه الله بحجر فقتله.

[٢] (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) لا أحد يدفعه من الكفار.

__________________

(١) سورة النجم : ٣ ـ ٤.

٥٨٤

[٣] (مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) المصاعد ، أي السماوات التي تعرج الملائكة فيها ، أو درجات الجنة.

[٤] (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) جبرئيل (إِلَيْهِ) إلى محل تشريف الله (فِي يَوْمٍ) أي أن العروج يكون في يوم وهو يوم القيامة (كانَ مِقْدارُهُ) بأيام الدنيا (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).

[٥] (فَاصْبِرْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (صَبْراً جَمِيلاً) لا شكوى فيه ولا جزع.

[٦] (إِنَّهُمْ) أي الكفار (يَرَوْنَهُ) أي يوم القيامة (بَعِيداً) عن أن يكون.

[٧] (وَنَراهُ قَرِيباً) كائنا في وقت قريب ، فإن أمد الدنيا قصير مهما طال.

[٨] (يَوْمَ) ظرف ل (قريبا) (تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) كالفلز المذاب.

[٩] (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) كالصوف الملوّن المنفوش ، يسير به الريح.

[١٠] (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) أي لا يسأل الصديق صديقه لهول ذلك اليوم.

٥٨٥

[١١ ـ ١٢] (يُبَصَّرُونَهُمْ) فإن عدم السؤال لتشاغل كل بنفسه ، لا لأنه لا يبصر صديقه (يَوَدُّ) يتمنى (الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) بأن يعطي الفدية ويخلّص نفسه (بِبَنِيهِ). (وَصاحِبَتِهِ) زوجته (وَأَخِيهِ).

[١٣ ـ ١٤] (وَفَصِيلَتِهِ) عشيرته (الَّتِي تُؤْوِيهِ) تضمّه فإن العشيرة تضم أفرادها. (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من الخلائق (جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) الافتداء.

[١٥] (كَلَّا) لا نجاة (إِنَّها) النار المعدة للمجرم (لَظى) لهب محرقة.

[١٦] (نَزَّاعَةً) كثيرة النزع (لِلشَّوى) للأطراف من الجسم.

[١٧] (تَدْعُوا) النار إلى نفسها (مَنْ أَدْبَرَ) ذهب عن الحق وأعطى إليه دبره (وَتَوَلَّى) أعرض.

[١٨] (وَجَمَعَ) المال (فَأَوْعى) جعله في وعاء ومنع حق الله عنه.

[١٩] (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) قليل الصبر شديد الحرص ، يفسره قوله :

[٢٠] (إِذا مَسَّهُ) أصابه (الشَّرُّ) كالفقر والمرض (جَزُوعاً) يكثر الجزع.

[٢١] (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ) كالصحة والغنى (مَنُوعاً) يمنع حق الله في بدنه وماله.

[٢٢ ـ ٢٣] (إِلَّا) فليس المستثنى هلوعا (الْمُصَلِّينَ). (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) مواظبون.

[٢٤] (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) كالزكاة.

[٢٥] (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الذي لا يسأل فيحسبه الناس غنيا ، فيحرمونه.

[٢٦ ـ ٢٧] (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) يوم القيامة. (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) خائفون.

[٢٨] (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أن ينزل بالإنسان.

[٢٩ ـ ٣٠] (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي إمائهم (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) من استعمال فرجهم في الزوجة والأمة.

[٣١ ـ ٣٢] (فَمَنِ ابْتَغى) طلب (وَراءَ ذلِكَ) الذي أباحه الله من الزوجة والمملوكة (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) المجاوزون للحدود. (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ) أمانة الناس عندهم (وَعَهْدِهِمْ) مع الناس (راعُونَ) يراعون ويحفظون.

[٣٣ ـ ٣٥] (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) يقيمون الشهادة كما تحملوها. (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) بأدائها في أوقاتها. (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) يكرمهم الله والملائكة والصالحون.

[٣٦] (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فأي شيء للكفار الذين هم (قِبَلَكَ) عندك (مُهْطِعِينَ) مسرعين.

[٣٧] (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) عن يمينك وشمالك (عِزِينَ) جماعات متفرقة ، جمع (عزة) بمعنى جماعة ، فإن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان يقرأ القرآن كان الكفار يسرعون نحوه للاستهزاء به فيحفون به جماعات جماعات.

[٣٨] (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) ذات نعمة ، فإنهم كانوا يقولون : لو كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادقا لكان لنا عند الله أفضل مما له ، كما تفضل علينا في الدنيا بالمال والأولاد ، ولم يعطها لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٣٩] (كَلَّا) لا جنة لهم (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) من نطفة قذرة فلا كرامة لهم ذاتا ، وإنما تكون الكرامة ودخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح.

٥٨٦

[٤٠] (فَلا أُقْسِمُ) (لا) زائدة للتأكيد ، أو تلميح إلى القسم فتكون نافية (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) لأن للشمس في كل يوم مشرقا ومغربا خاصا (إِنَّا لَقادِرُونَ).

[٤١] (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) بأن نهلكهم ونبدلهم بأناس آخرين خيرا منهم ، فلا كرامة لهم عندنا ، كما يزعمون (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) بمغلوبين ، بأن يسبقونا ، فلا نصل إليهم ، كما يسبق من يفرّ ممن يريد أخذه.

[٤٢] (فَذَرْهُمْ) دعهم ولا تقابلهم بالإساءة (يَخُوضُوا) يدخلوا في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم بدون تفكر بالآخرة (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي يوم القيامة.

[٤٣] (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) القبور (سِراعاً) مسرعين ، فرارا من أهوال المحشر بزعمهم (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ) صنم (يُوفِضُونَ) يسرعون ، فإنهم كانوا في الدنيا يسرعون إلى الأصنام لعبادتها.

[٤٤] (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) ذلا وخوفا (تَرْهَقُهُمْ) تغشاهم (ذِلَّةٌ) في (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) به في الدنيا فلا يصدقون به.

٧١ : سورة نوح

مكية آياتها ثمان وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ) بأن خوف (قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم ، في الدنيا بالغرق ، وفي الآخرة بالنار.

[٢] (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) واضح.

[٣] (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) اعتقدوا به (وَاتَّقُوهُ) خافوا عقابه (وَأَطِيعُونِ) أي أطيعوني فيما أمركم الله.

[٤] فإن فعلتم ذلك (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بعضها ، فإن حق الناس يلزم أن يرد إليهم (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) قد سمي لكم ، بأن تموتوا فيه ، وإلا أخذتم بالعذاب قبل انتهاء الأجل الطبيعي (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) الوقت المقرر لموتكم أو عذابكم (إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) فبادروا إلى الإيمان قبل فوات الأوان (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الحقائق لعلمتم ما ذكرت لكم.

[٥] (قالَ) نوح عليه‌السلام : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) أي دائما.

[٦] (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) عن الإيمان.

[٧] (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ) بأن يؤمنوا حتى تغفر لهم (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) لئلا يسمعوا كلامي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) تغطوا بها على وجوههم لئلا يروني (وَأَصَرُّوا) على كفرهم (وَاسْتَكْبَرُوا) تكبروا عن الإيمان (اسْتِكْباراً).

[٨] (ثُمَ) لترتيب الكلام (إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) بصوت جهوري.

[٩] (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ) الدعوة في الملأ (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) تكلمت معهم في السر أيضا ، والحاصل تكلمت معهم بكل الوجوه الممكنة.

[١٠] (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) بالتوبة عن الكفر والعصيان (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) لمن استغفره.

٥٨٧

[١١] فإن استغفرتم (يُرْسِلِ السَّماءَ) بإنزال المطر (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) مطرا كثيرا.

[١٢] (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) أي يكثرها لكم (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) أي يكثر خيركم.

[١٣] (ما لَكُمْ) أي شيء لكم في أن (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أي ثباتا ، فلا تعتقدون بوجوده ، فمن لا يعتقد بالله لا يرجوه ولا يخاف عقابه ، وأتى بلفظ الرجاء لأن من اعتقد بوجود الله وثباته رجاه.

[١٤] (وَ) الحال (قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) طورا بعد طور :

منيا وجنينا وهكذا ، فإن هذا الخلق يدل على الخالق فلما ذا لا تعتقدون به.

[١٥] (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) مطابقة بعضها فوق بعض.

[١٦] (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَ) في السماوات (نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) مصباحا.

[١٧] (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ) أنشأكم (مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) إذ الأرض تتحول إلى العشب فيؤكل وتكون دما ونطفة.

[١٨] (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ) بعد الموت (فِيها) في الأرض (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) عند القيامة.

[١٩] (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) مبسوطة.

[٢٠] (لِتَسْلُكُوا) تمشوا (مِنْها) في بعض الأرض (سُبُلاً فِجاجاً) واسعات.

[٢١] (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ) أي رؤساءهم الذين (لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) فإن الأموال والأولاد إذا صرفت في عصيان الله سبب زيادة الخسارة ، بالإضافة إلى كفر الشخص وعصيانه الشخصي.

[٢٢] (وَمَكَرُوا) لأجل إطفاء الدين (مَكْراً كُبَّاراً) كبيرا جدا.

[٢٣] (وَقالُوا) أي الرؤساء للناس (لا تَذَرُنَ) لا تدعنّ (آلِهَتَكُمْ) لتعبدوا إله نوح عليه‌السلام ، ثم ذكروا خمسة من الآلهة الكبار في نظرهم حيث قالوا : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً).

[٢٤] (وَ) قال نوح عليه‌السلام : يا رب (قَدْ أَضَلُّوا) هؤلاء الرؤساء (كَثِيراً وَ) رب (لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) أنفسهم بالعناد (إِلَّا ضَلالاً) بأن تخذلهم أكثر فأكثر.

[٢٥] (مِمَّا) من أجل (خَطِيئاتِهِمْ) معاصي أولئك القوم (أُغْرِقُوا) بالطوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) في الآخرة (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (أَنْصاراً) فلم تنصرهم آلهتهم.

[٢٦] (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ) لا تدع (عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) أي أحدا ينزل الدار.

[٢٧] (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) المؤمنين (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) إلا من يؤول أمره إلى الفجور والكفر.

[٢٨] (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ) منزلي (مُؤْمِناً) حال كونه مؤمنا ، فإنهم كانوا يراودون نوح عليه‌السلام في داره (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) عامة (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) هلاكا ، لأنهم معاندون ، فلا يستحقون زيادة نعمة وفضل.

٥٨٨

٧٢ : سورة الجن

مكية آياتها ثمان وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ) أي الشأن (اسْتَمَعَ) القرآن (نَفَرٌ) جماعة (مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا) لقومهم لما رجعوا إليهم (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) بديعا لا يشبه كلام البشر.

[٢] (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) الصواب (فَآمَنَّا بِهِ) بالقرآن (وَلَنْ نُشْرِكَ) فيما بعد (بِرَبِّنا أَحَداً) لا نجعل له شريكا.

[٣] (وَأَنَّهُ) الشأن (تَعالى) ارتفع (جَدُّ رَبِّنا) أي عظمته ، يقال جد فلان في عيني أي عظم (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً) زوجة (وَلا وَلَداً) كما يقول الكفار.

[٤] (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) أي الشيطان لأنه من الجن (عَلَى اللهِ شَطَطاً) قولا كذبا حتى يجعل له الولد والشريك.

[٥] (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) أي إنما اتبعنا الشيطان السفيه في اتخاذ الولد والشريك لظننا أنه صادق في قوله.

[٦] (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) كان الرجل إذا مشى بقفر يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه (فَزادُوهُمْ) زاد الجن الإنس (رَهَقاً) تعبا وظلما بإغوائهم للإنس.

[٧] (وَأَنَّهُمْ) أي الإنس (ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) أيها الجن (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) لا يرسل رسولا.

[٨] (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) مسسناها لاستراق السمع (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ) السماء (حَرَساً) من الملائكة (شَدِيداً) في الحراسة (وَشُهُباً) جمع شهاب ، وهي لمن استرق السمع من الشياطين.

[٩] (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها) من السماء (مَقاعِدَ) مجالس (لِلسَّمْعِ) إلى كلام الملائكة ، وذلك قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) بأن يذهب إلى تلك المقاعد للاستماع (يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) قد رصد ليرجم به إذا خطف الخطفة.

[١٠] (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) بنزول العذاب إليهم ، ولذا ملأ السماء بالرصد والحرس ، كما أن الحكومة إذا أرادت تدمير بلد أكثرت فيه من الجيش والأرصاد (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) كما أن الحكومة إذا أرادت البناء والتأسيس والعمران أكثرت من العمال والموظفين وما أشبه.

[١١] (وَأَنَّا مِنَّا) معاشر الجن (الصَّالِحُونَ) إيمانا وعملا (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) الصلاح بالفسق ثم الكفر (كُنَّا طَرائِقَ) ذوي طريقات ومذاهب (قِدَداً) متفرقة.

[١٢] (وَأَنَّا ظَنَنَّا) تيقّنا (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ) بأن ندافع عن ما يريد بنا من التقديرات ، في حال كوننا (فِي الْأَرْضِ وَ) ظننا أن (لَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) بأن نهرب منه فلا يدركنا.

[١٣] (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) القرآن (آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) نقصا في أجره (وَلا رَهَقاً) ظلما وتعبا.

٥٨٩

[١٤] (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) الجائرون ، العادلون عن الحق (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا) طلبوا (رَشَداً) صوابا.

[١٥] (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) وقودا.

[١٦] (وَ) علمنا (أَنْ) مخففة من الثقيلة (لَوِ اسْتَقامُوا) أي الثقلان (عَلَى الطَّرِيقَةِ) الصحيحة وهي الإيمان (لَأَسْقَيْناهُمْ) التفات من كلام الجن إلى كلام الله تعالى (ماءً غَدَقاً) كثيرا ، والمراد الرزق الكثير فإن الماء يسبب الإرزاق.

[١٧] (لِنَفْتِنَهُمْ) نختبرنهم (فِيهِ) في ذلك الماء ، فإن كثرة النعمة امتحان ، كما أن البلاء امتحان (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) بأن كفر وعصى (يَسْلُكْهُ) يدخله (عَذاباً صَعَداً) يشمله ويصعد على كل جسمه أي صاعدا.

[١٨] (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) بنيت لأجله (فَلا تَدْعُوا) في المساجد (مَعَ اللهِ أَحَداً) كما كان المشركون يعبدون الأصنام في مسجد مكة أو المراد بالمساجد الأعم من الأبنية ومواضع السجود.

[١٩] (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَدْعُوهُ) أي يدعو الله وحده (كادُوا) أي الجن (يَكُونُونَ عَلَيْهِ) على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لِبَداً) أي مزدحمين لاستماع القرآن.

[٢٠] (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) صنما أو غيره.

[٢١] (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) نفعا ، فلا أقدر على نفعكم أو ضركم لأنهما بيد الله.

[٢٢] (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي) يحفظني (مِنَ اللهِ أَحَدٌ) إن أراد بي ضرر (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ) دون الله (مُلْتَحَداً) ملجأ أفر إليه إذا أراد بي ضررا.

[٢٣] (إِلَّا) استثناء من : (لا أملك) (بَلاغاً) التبليغ إليكم (مِنَ اللهِ وَ) إلا (رِسالاتِهِ) عطف بيان ل (بلاغا) (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) يبقون فيها إلى الأبد.

[٢٤] (حَتَّى) غاية لمحذوف دلّ عليه الكلام ، أي أن الكفار يستضعفون الأنبياء والمؤمنين (إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) من العذاب (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) أعوانا ، هم أم الأنبياء؟.

[٢٥] (قُلْ إِنْ أَدْرِي) لست أعلم (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) من العذاب (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) مدة بعيدة إنه كائن لا محالة لكن لا أعلم وقته.

[٢٦] هو تعالى (عالِمُ الْغَيْبِ) ما غاب عن الحواس (فَلا يُظْهِرُ) لا يعلم (عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) من خلقه.

[٢٧] (إِلَّا مَنِ ارْتَضى) اختاره الله لأن يطلعه على بعض غيبه (مِنْ رَسُولٍ) وعلم الأئمة عليه‌السلام بواسطة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد الغيب الخاص بالله ، أما ما جعل الله له طرقا ، ولو بواسطة تصفية النفس كما نرى في الزهاد ومن إليهم فليس من الغيب الخاص بالله (فَإِنَّهُ) أي الله (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) يجعل ملائكه حوالي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحينذاك يوحى إليه بالغيب ، حفظا للوحي من تخاليط الشيطان ، ومن المعلوم أن هذا تشريفي ، كسائر شؤون الكون مثل جعل الحفظة لأعمال الإنسان ، مع أن الله مطلع ، وهكذا.

[٢٨] (لِيَعْلَمَ) أي ليحصل علمه تعالى في الخارج (أَنْ) مخففة من الثقيلة (قَدْ أَبْلَغُوا) الرسل ، أو الملائكة الرصد الذين يأتون بعلم الغيب إلى الرسول (رِسالاتِ رَبِّهِمْ) بلا زيادة أو نقصان (وَ) قد (أَحاطَ) الله علما (بِما لَدَيْهِمْ) مما يفعلون فليس الرصد لعلمه بواسطتهم (وَأَحْصى) علما (كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) فمن يعلم عدد الأشياء ويعلم ما لدى الناس ، عالم بالجميع.

٥٩٠

٧٣ : سورة المزمل

مكية آياتها عشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) أي المتلفف بثيابه ، والمراد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعله أوحي إليه حال كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في الليل ، كما يلمح إلى ذلك قوله : (قُمِ اللَّيْلَ) أي للصلاة في الليل (إِلَّا قَلِيلاً) من الليل فنم فيه.

[٣] (نِصْفَهُ) بدل من (الليل) (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ) من النصف (قَلِيلاً).

[٤] (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) على النصف ، والحاصل قم نصف الليل أو أكثر منه أو أقل ، ولا يخفى إن الإنسان إذا قام بالعبادة بمقدار نصف الليل ، يقال : نام البارحة قليلا ، فهو اصطلاح ، لا أن المراد القليل من الليل لغة حتى يقال : كيف يحمل لفظ (قليلا) على ظاهره (وَرَتِّلِ) اقرأ بهدوء (الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً).

[٥] (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً) أي القرآن (ثَقِيلاً) والمراد الآيات التي تنزل بعد ذلك ، وثقلها لما فيها من الأحكام الشاقة والأوامر والنواهي الصعبة على النفس عملا ، وتبليغا.

[٦] (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) العبادة التي تنشأ في الليل (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) صعوبة على الإنسان لأن ذلك وقت النوم اللذيذ (وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي أصوب قولا ، لكثرة ثوابه.

[٧] (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً) تقلبا في حوائجك (طَوِيلاً) فلا تفرغ لمناجاة الله ، ولذا أمرت بالعبادة في الليل ، أو المراد : تسبيحا ، فيكون أمرا بصورة خبر ، أي سبحه في النهار سبحا طويلا ـ أيضا ـ.

[٨] (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) دائما (وَتَبَتَّلْ) انقطع (إِلَيْهِ) في العبادة (تَبْتِيلاً).

[٩] (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) موكلا إليه أمورك فإنه يكفيكها.

[١٠] (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من تكذيبك (وَاهْجُرْهُمْ) فلا تقابلهم بالمثل (هَجْراً جَمِيلاً) بالمداراة لئلا تستفزهم.

[١١] (وَذَرْنِي) دعني (وَالْمُكَذِّبِينَ) فإنا أجازيهم ، وبي غنية عنك (أُولِي النَّعْمَةِ) أصحاب النعمة أي صناديد قريش (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) زمانا قليلا فإني سوف آخذهم وأنصرك عليهم.

[١٢] (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) جمع نكل وهو القيد الثقيل (وَجَحِيماً) جهنما.

[١٣ ـ ١٤] (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) ينشب في الحلق لمرارته وحرارته وعفوصته ونتنه ، والغصة ما اعترض في الحلق (وَعَذاباً أَلِيماً) مؤلما. وذلك في (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) تتزلزل (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً) رملا (مَهِيلاً) منشورا فإنها تتحرك من هنا إلى هناك.

[١٥ ـ ١٦] (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ) يا أهل مكة (رَسُولاً) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) موسى عليه‌السلام. (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) المبعوث إليه (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) شديدا أليما ، بالغرق.

[١٧] (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ) وتدفعون العذاب (إِنْ كَفَرْتُمْ) في الدنيا (يَوْماً) أي عذاب يوم (يَجْعَلُ) ذلك اليوم (الْوِلْدانَ) أي الأولاد (شِيباً) جمع أشيب ، لشدة هوله وطول مدته.

[١٨ ـ ١٩] (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ) منشق (بِهِ) أي تنشق و(به) لأجل التعدية (كانَ وَعْدُهُ) وعد الله بإتيان ذلك اليوم (مَفْعُولاً) كائنا لا محالة. (إِنَّ هذِهِ) الآيات (تَذْكِرَةٌ) مذكرة لكم (فَمَنْ شاءَ) الهداية بهذه الآيات (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) رضاه تعالى (سَبِيلاً) بأن سلك السبيل الموجب لرضوانه.

٥٩١

[٢٠] (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) أقل (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) في بعض الليالي كسبع ساعات من ليلة اثنتي عشرة ساعة ـ مثلا ـ (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) كست وأربع ، في بعض الليالي الأخر (وَ) تقوم أيضا للعبادة (طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) من المؤمنين (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي يوجدهما مقدرين بالمقادير المضبوطة بالامتداد تارة والتقليص أخرى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) لا تقدرون على قيام تمام الليل ، فالله المقدر عالم بحالكم (فَتابَ عَلَيْكُمْ) بأن خفف في قيام الليل ، وأصل التوبة العطف ، وإلا كان مقتضى العبودية أن يقوم الإنسان كل الليل مناجيا مصليا (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) في الليل عند العبادة ، في الصلاة وخارجها (عَلِمَ) ضعف حالكم ، فلم يأمركم بقيام تمام الليل ، فالمشقة النوعية سبب إسقاط التكليف الاستحبابي (أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) والمريض لا يقدر على السهر (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) يسافرون (يَبْتَغُونَ) يطلبون (مِنْ فَضْلِ اللهِ) بالتجارة ، والمسافر قد تعب في النهار فلا يقدر على السهر (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فالمجاهد ذو تعب كثير فيريد النوم ليلا (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ما سهل من القرآن ، ليلا (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً) بالإنفاق في سبيله ، فإنه قرض يرده الله عليكم (حَسَناً) بإخلاص (وَما تُقَدِّمُوا) إلى الآخرة (لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) عمل أو مال (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) في الآخرة (هُوَ) التقديم يكون لكم (خَيْراً) من البخل والتقصير (وَأَعْظَمَ أَجْراً) ثوابا (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) اطلبوا غفرانه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) كثير الغفران (رَحِيمٌ) يرحم عباده المؤمنين.

٧٤ : سورة المدثر

مكية آياتها ست وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) أي المتغطي بالدثار ، والمراد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] (قُمْ) من مضجعك (فَأَنْذِرْ) الناس ، خوفهم من بأس الله.

[٣] (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) عظّمه عما لا يليق به.

[٤] (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) عن الأدناس ، ومن جملة التطهير تقصيره.

[٥] (وَالرُّجْزَ) الأوثان (فَاهْجُرْ) ابتعد عنه.

[٦] (وَلا تَمْنُنْ) في عطيتك (تَسْتَكْثِرُ) بأن تراه كثيرا.

[٧] (وَلِرَبِّكَ) لذاته تعالى (فَاصْبِرْ) على ما تلاقيه من الأذى.

[٨] (فَإِذا نُقِرَ) نفخ (فِي النَّاقُورِ) الصور.

[٩] (فَذلِكَ) النقر (يَوْمَئِذٍ) في ذلك اليوم وهو يوم القيامة (يَوْمٌ عَسِيرٌ) شديد.

[١٠] (عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) غير سهل.

٥٩٢

[١١] (ذَرْنِي) دعني فإني أكفيكه (وَمَنْ خَلَقْتُ) أي الوليد بن مغيرة (وَحِيداً) في حال كونه بلا ولد ولا مال ثم تفضلت عليه

حيث :

[١٢] (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) كثيرا مبسوطا.

[١٣] (وَبَنِينَ شُهُوداً) حاضرين معه بمكة يتمتع بلقائهم.

[١٤] (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) هيأت له الأمور من الجاه والرئاسة.

[١٥] (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) فيما أنعمت به عليه.

[١٦] (كَلَّا) لا أزيده ف (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) معاندا ، والمعاندة تسلب النعمة ولا تزيدها فإن الشكر يزيد النعمة.

[١٧] (سَأُرْهِقُهُ) أكلفه في الآخرة (صَعُوداً) عذابا يصعد عليه ، أو جبلا يصعد عليه في جهنم ، كما صعد بأنفه في الدنيا.

٥٩٣

[١٨] (إِنَّهُ) تعليل آخر للوعيد (فَكَّرَ) فيما يطعن به القرآن (وَقَدَّرَ) ذلك في نفسه.

[١٩] (فَقُتِلَ) دعاء عليه بأن يقتله الله (كَيْفَ قَدَّرَ).

[٢٠] (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) استهزاء بتقديره السخيف.

[٢١] (ثُمَّ نَظَرَ) في أمر القرآن ماذا يطعنه به.

[٢٢] (ثُمَّ عَبَسَ) قطّب وجهه كما يفعل من يفكر في مؤامرة سيئة (وَبَسَرَ) واهتم لذلك ، أو عبارة أخرى عن العبوس.

[٢٣] (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحق (وَاسْتَكْبَرَ) تكبر.

[٢٤] (فَقالَ إِنْ) ما (هذا) القرآن (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) يروى عن السحرة.

[٢٥] وقال : (إِنْ هذا) ما هذا القرآن (إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) وليس كلام الله.

[٢٦] (سَأُصْلِيهِ) أدخله في الآخرة (سَقَرَ) النار.

[٢٧] (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) إنها أعظم من أن يدرك حقيقة عذابها الإنسان.

[٢٨] (لا تُبْقِي) شيئا يدخلها (وَلا تَذَرُ) لا تتركه حتى تهلكه وتغطيه بأشد العذاب.

[٢٩] (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) مغيرة لظاهر الجلود بالإحراق.

[٣٠] (عَلَيْها) من الملائكة الذين هم خزنتها (تِسْعَةَ عَشَرَ) ملكا.

[٣١] (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ) أي الموكلين بها (إِلَّا مَلائِكَةً) فلا يتمكن أهل النار من مقاومتهم ، لقوتهم ، ولا يرحمون لأنهم لا يحسون بحس البشر (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) أي جماعتهم (إِلَّا فِتْنَةً) تعذيبا (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فإن كثرة العدد أشد في الإيلام من أن يكون واحدا ، مع أنه كان يمكن أن يكون الخازن واحدا (لِيَسْتَيْقِنَ) يعلم (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي اليهود صدق النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أخبر بحقائق هم يجدونها في كتبهم (وَ) ل (يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِيماناً) فإن التخويف يزيد المؤمن إيمانا (وَ) لكي (لا يَرْتابَ) لا يشك (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) فإن من تيقن لا يدخله الريب في المستقبل (وَ) لا يرتاب (الْمُؤْمِنُونَ) والمعنى للعلم والإيمان حالا ومستقبلا (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) من أهل النفاق (وَالْكافِرُونَ) علنا (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) أي بهذا المطلب الذي قاله من أن أصحاب النار ملائكة بهذا العدد ، إذ الحق يزيد المبطل ضلالا ، فالإتيان بالحق لأجل تقوية المؤمنين ، وزيادة ضلال المبطلين حتى يصلوا إلى جزائهم المقرر (كَذلِكَ) أي هكذا بإنزال الآيات الموجبة لضلال الكفار والمنافقين وزيادة إيمان المؤمنين (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) بتركهم حتى يضلوا (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) كم هم وكيف هم (إِلَّا هُوَ وَما هِيَ) هذه السورة أو الآيات (إِلَّا ذِكْرى) تذكرة (لِلْبَشَرِ).

[٣٢] (كَلَّا) ليس الأمر كما زعم الكفار من أنه لا جنة ولا نار (وَالْقَمَرِ) قسما به.

[٣٣] (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) بأن ذهب.

[٣٤] (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) أضاء.

[٣٥] (إِنَّها) أي سقر (لَإِحْدَى) الدواهي (الْكُبَرِ) جمع كبرى أي عظمى.

[٣٦] (نَذِيراً) موجبا تخويفا (لِلْبَشَرِ).

[٣٧] (لِمَنْ) بدل من (البشر) (شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) بأن يتقدم إلى الخير أو يتأخر في إتيان الخير.

[٣٨] (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) مرهونة فإذا قدّم العمل الصالح فك نفسه من عذاب الله.

٥٩٤

[٣٩] (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) الذين يؤتون صحائف أعمالهم بأيمانهم فإنهم يذهبون إلى الجنة إذ لا عمل فاسد لهم.

[٤٠] فهم (فِي جَنَّاتٍ) البساتين (يَتَساءَلُونَ) يسألون.

[٤١] (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) الذين دخلوا في النار.

[٤٢] (ما سَلَكَكُمْ) أدخلكم (فِي سَقَرَ) النار.

[٤٣] (قالُوا) أي المجرمون في جوابهم (لَمْ نَكُ) في الدنيا (مِنَ الْمُصَلِّينَ).

[٤٤] (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) لم نزكّ أموالنا.

[٤٥] (وَكُنَّا نَخُوضُ) ندخل في الباطل (مَعَ الْخائِضِينَ).

[٤٦] (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي بيوم الجزاء فكنا لا نعتقد بالجزاء.

[٤٧] (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) أي الموت.

٥٩٥

[٤٨] (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) فإنهم لو شفعوا لهم فرضا لا تنفعهم لأن الشفاعة لمن أسلم.

[٤٩] (فَما لَهُمْ) أي شيء لهم في إعراضهم (عَنِ التَّذْكِرَةِ) أي التذكر بسبب القرآن (مُعْرِضِينَ).

[٥٠] (كَأَنَّهُمْ) في تنفّرهم عن التذكّر وبلادتهم (حُمُرٌ) جمع حمار (مُسْتَنْفِرَةٌ) وحشية متنفرة.

[٥١] (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أسد.

[٥٢] (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) من هؤلاء الكفار (أَنْ يُؤْتى) يعطيه الله (صُحُفاً مُنَشَّرَةً) حيث إنهم قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا من السماء.

[٥٣] (كَلَّا) إنهم لا يريدون الحجة لأن الحجة تمت عليهم (بَلْ) لا يؤمنون لأنهم (لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) فلذا أعرضوا عن التذكر والإيمان.

[٥٤] (كَلَّا) ليس الأمر على ما زعموا حتى لا يخافون (إِنَّهُ) أي القرآن (تَذْكِرَةٌ) مذكر لهم.

[٥٥] (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) اتعظ به.

[٥٦] (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) بأن يجبرهم لأنهم معاندين (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) أهل لأن يتقى منه ويخاف (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) بأن يغفر للمؤمنين.

٧٥ : سورة القيامة

مكية آياتها أربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (لا) إما زائدة للتأكيد ، أو إشارة إلى القسم بلفظ النفي ، كما يقال : لا أحلف بك لكن الأمر هكذا (أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ).

[٢] (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) المؤمنة التي تلوم صاحبها دائما على ترك الخير والإتيان بمكروه.

[٣] (أَيَحْسَبُ) هل يزعم (الْإِنْسانُ) المنكر للبعث (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) بعد الموت وتفرقها.

[٤] (بَلى) نجمعها في حال كوننا (قادِرِينَ) نقدر (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ) ونحيي (بَنانَهُ) أنامله ، فإن الأنملة لخطوطها المختلفة من أصعب الأشياء إعادة بالنسبة إلى القدرة البشرية المحدودة.

[٥] (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) أي يدوم على فجوره في أوقاته الباقية من عمره ، فإنه لا يريد تقييد نفسه بالدين والإيمان.

[٦] (يَسْئَلُ) استهزاء (أَيَّانَ) متى (يَوْمُ الْقِيامَةِ).

[٧] (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) تحير رعبا ، يقال برق الرجل إذا دهش بصره.

[٨] (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) ذهب نوره.

[٩] (وَجُمِعَ) في مكان واحد والمراد طلوع الشمس من المغرب (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ).

[١٠] (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ) في هذا اليوم (أَيْنَ الْمَفَرُّ) أي لا محل للفرار ، فالاستفهام لليأس.

٥٩٦

[١١] (كَلَّا) لا مفرّ (لا وَزَرَ) لا محل يعتصم به الإنسان.

[١٢] (إِلى رَبِّكَ) إلى أمره وجزائه (يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) محل استقرار العباد لحسابهم وجزائهم.

[١٣] (يُنَبَّأْ) يخبر لأن يجزى (الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ) إلى الآخرة في حياته (وَأَخَّرَ) بأن تركه بعد وفاته كسنة حسنة أو سيئة.

[١٤] (بَلِ) لا يحتاج (الْإِنْسانُ) إلى أن ينبأ لأنه (عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) التاء للمبالغة.

[١٥] (وَلَوْ أَلْقى) أعطى وجاء ب (مَعاذِيرَهُ) بأعذاره فإنه يعلم كذبها.

[١٦] (لا تُحَرِّكْ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِهِ) بالقرآن (لِسانَكَ) قبل إتمام وحيه (لِتَعْجَلَ بِهِ) لتأخذه بعجلة فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتابع جبرئيل في القراءة خوفا من أن ينسى.

[١٧] (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك (وَقُرْآنَهُ) قراءته.

[١٨] (فَإِذا قَرَأْناهُ) أي قرأه جبرئيل (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي قراءته بعد استماعه تماما.

[١٩] (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) بتفهيمك إياه.

٥٩٧

[٢٠] (كَلَّا) إنهم يعاندون القرآن ولا يريدون الحق (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) أي الدنيا.

[٢١] (وَتَذَرُونَ) تدعون (الْآخِرَةَ) أي العمل لها.

[٢٢] (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) في يوم القيامة (ناضِرَةٌ) ذات بهجة.

[٢٣ ـ ٢٤] (إِلى رَبِّها) إلى رحمته تعالى (ناظِرَةٌ) لأنه ينتظر الرحمة. (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) عابسة.

[٢٥] (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) داهية تقصم فقار الظهر.

[٢٦ ـ ٢٧] (كَلَّا) لا تنتظرون رحمة الله (إِذا بَلَغَتِ) النفس (التَّراقِيَ) أعالي الصدر. (وَقِيلَ) قالت الملائكة الذين حوله (مَنْ راقٍ) يرقى بها إلى الملأ الأعلى ، أي هل يذهب بها ملائكة الرحمة أو العذاب.

[٢٨ ـ ٢٩] (وَظَنَ) المحتضر (أَنَّهُ الْفِراقُ) إن ما حل به هو فراق الدنيا. (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) ساقه بساقه من كرب الموت فلا يقدر على تحريكهما.

[٣٠] (إِلى) حكم (رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) السوق.

[٣١] (فَلا صَدَّقَ) بالحق (وَلا صَلَّى) لله.

[٣٢] (وَلكِنْ كَذَّبَ) بالحق (وَتَوَلَّى) أعرض عن الإيمان.

[٣٣] (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) يتبختر إعجابا بنفسه.

[٣٤] (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) هذا مثل ، أي المكروه أولى لك ، وهذا دعاء عليه.

[٣٥ ـ ٣٦] (ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) هملا بلا تكليف ولا جزاء.

[٣٧] (أَلَمْ يَكُ) في أوله (نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) يراق في الرحم.

[٣٨] (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً) قطعة دم (فَخَلَقَ) الله إياه إنسانا (فَسَوَّى) فعدّله.

[٣٩] (فَجَعَلَ مِنْهُ) من هذا الأصل (الزَّوْجَيْنِ) الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى).

[٤٠] (أَلَيْسَ ذلِكَ) الفاعل لهذه الأمور (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) فإن من خلق ابتداء قادر على الإعادة ، فكيف ينكر هؤلاء المعاد.

٧٦ : سورة الإنسان (الدهر)

مدنية آياتها إحدى وثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) جنسه (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) مدة من الزمان (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) يذكر ، بل كان عدما محضا ، والاستفهام لأجل التقرير وتذكيرهم بأصلهم.

[٢] (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) مني (أَمْشاجٍ) أخلاط من ماء الزوجين (نَبْتَلِيهِ) لأجل أن نمتحنه (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) لأجل أن يكون قابلا للامتحان.

[٣] (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) طريق الخير والشر (إِمَّا شاكِراً) لنعم الله بالإيمان والطاعة (وَإِمَّا كَفُوراً) بأنعم الله.

[٤] (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا (لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ) لأن يغلوا بها (وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) في نار ملتهبة.

[٥] (إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع بار (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) إناء من خمر الجنة (كانَ مِزاجُها) ما مزج بتلك الكأس (كافُوراً) في بياضه وعطره.

٥٩٨

[٦] وترى في الجنة (عَيْناً) من الماء أو اللبن (يَشْرَبُ بِها) منها (عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) يظهرونها حيث ما شاءوا من أماكن الجنة.

[٧] ومن صفاتهم أنهم (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ) شر ذلك اليوم (مُسْتَطِيراً) منتشرا في كل الجهات.

[٨] (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) حب الله تعالى (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) من الكفار عند المسلمين ، فقد نذر علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) أن يصوموا ثلاثة أيام فصاموا وأعطوا إفطارهم ليلة للمسكين وليلة لليتيم وليلة للأسير فنزلت فيهم هذه السورة.

[٩] قائلين (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) تقربا لمرضاته (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) في إطعامكم (وَلا شُكُوراً) شكرا على الطعام ـ والشكور مصدر ـ.

[١٠] (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا) عذابه (يَوْماً عَبُوساً) تعبس فيه الوجوه (قَمْطَرِيراً) مكفهرا.

[١١] (فَوَقاهُمُ) حفظهم (اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) يوم القيامة (وَلَقَّاهُمْ) كساهم وأعطاهم (نَضْرَةً) حسنا في وجوههم (وَسُرُوراً) في نفوسهم.

[١٢] (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) في مقابل صبرهم على الطاعة (جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً) يلبسونه.

[١٣ ـ ١٥] في حال كونهم (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السرير (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً) أي حر الشمس (وَلا زَمْهَرِيراً) أي بردا. (وَدانِيَةً) حال ، أي قريبة (عَلَيْهِمْ ظِلالُها) ظلال أشجارها (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها) سهل أخذ ثمارها لأنها قريبة (تَذْلِيلاً). (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ) يأتي إليهم ولدان الجنة (بِآنِيَةٍ) ظرف (مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) أباريق بلا عروة ، جمع كوب (كانَتْ قَوارِيرَا) زجاجا.

[١٦] (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) جامعة لصفاء الزجاج وبياض الفضة (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) فلها شكل مقدر لا التواء فيها ولا اعوجاج.

[١٧ ـ ١٨] (وَيُسْقَوْنَ فِيها) في الجنة (كَأْساً) من الخمر (كانَ مِزاجُها) أي الذي مزج بخمر الكأس (زَنْجَبِيلاً) فإن طعمه لذيذ (١). وترى (عَيْناً فِيها) في الجنة (تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) سلسالا عذبا.

[١٩] (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) لخدمتهم (مُخَلَّدُونَ) دائمون في الجنة (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ) ظننتهم (لُؤْلُؤاً) لبياضهم وصفائهم (مَنْثُوراً) لانتشارهم في الخدمة هنا وهناك.

[٢٠] (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) هناك في الجنة (رَأَيْتَ نَعِيماً) كبيرا (وَمُلْكاً كَبِيراً) متسعا.

[٢١] (عالِيَهُمْ) فوقهم (ثِيابُ سُندُسٍ) ما رق من الحرير (خُضْرٌ) جمع أخضر (وَإِسْتَبْرَقٌ) ما غلظ من الديباج [٢٢] (وَحُلُّوا) زينوا (أَساوِرَ) ما يوضع في يد الإنسان (مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) طاهرا من الأقذار.

[٢٢] (إِنَّ هذا) الثواب (كانَ لَكُمْ جَزاءً) على أعمالكم الصالحة (وَكانَ سَعْيُكُمْ) للآخرة (مَشْكُوراً) مقبولا عند الله.

[٢٣] (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) فلا تهتم بما يرموك من الأقاويل الباطلة.

[٢٤] (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بتبليغه (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً) عاصيا (أَوْ كَفُوراً) كافرا كثير الكفر.

[٢٥] (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً) صباحا (وَأَصِيلاً) عصرا ، أي دائما.

__________________

(١) الزنجبيل : نبت طيب الطعم.

٥٩٩

[٢٦] (وَمِنَ اللَّيْلِ) بعضه (فَاسْجُدْ لَهُ) لربك (وَسَبِّحْهُ) نزهه (لَيْلاً طَوِيلاً) أي في طول الليل أي وقت منه.

[٢٧] (إِنَّ هؤُلاءِ) الكفار والعصاة (يُحِبُّونَ) الدنيا (الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) كأن الآخرة خلفهم لأنهم مقبلون على الدنيا (يَوْماً ثَقِيلاً) عليهم ، فلا يعملون له.

[٢٨] (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) أحكمنا ربط مفاصلهم (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا) هم ب (أَمْثالَهُمْ) بأن أهلكناهم وجئنا بأمثالهم (تَبْدِيلاً).

[٢٩] (إِنَّ هذِهِ) السورة أو الآيات (تَذْكِرَةٌ) موعظة لهم (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) إلى رضاه (سَبِيلاً) بأن سلك سبيل الطاعة.

[٣٠] (وَما تَشاؤُنَ) اتخاذ السبيل (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) بأن ينزل إليكم الهدى ، إذ مشيئة الإنسان للهداية لا تنفع إذا لم يكن هناك بعث رسول وإنزال كتاب (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بكل شيء (حَكِيماً) في تدبيره.

[٣١] (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ) أي المؤمنين (فِي رَحْمَتِهِ) أي الجنة (وَالظَّالِمِينَ) بالكفر والعصيان (أَعَدَّ) هيأ (لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما.

٧٧ : سورة المرسلات

مكية آياتها خمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (وَالْمُرْسَلاتِ) قسما بالملائكة المرسلة بأوامره تعالى (عُرْفاً) متتابعة كعرف الفرس ، وهو شعره الكائن في أطراف عنقه.

[٢] فقسما بالملائكة العاصفات التي تعصف عند هبوطها وصعودها (عَصْفاً) كعصف الرياح أي هبوبها.

[٣] (وَ) قسما بالملائكة (النَّاشِراتِ) التي تنشر الكتب المنزلة من السماء ، أو نشر الشرائع ، أو تنشر أجنحتها (نَشْراً).

[٤] فقسما بالملائكة الفارقات التي تفرق بين الحق والباطل بسبب ما أتوا به من الدين إلى الأنبياء عليهم‌السلام (فَرْقاً).

[٥] (فَالْمُلْقِياتِ) الملائكة التي تلقي (ذِكْراً) إلى الأنبياء عليهم‌السلام والمراد به كل ما يذكر الإنسان بالآخرة من الكتب المنزلة وغيرها ، والحاصل قسما بالملائكة التي أرسلت إلى الأرض فعصفت فنشرت الشرائع ففرقت بين الحق والباطل فألقت الآيات إلى الأنبياء ، والفاء للترتيب الذكري ، وفي الآيات تفاسير أخر.

[٦] (عُذْراً) إنما أتى بالذكر لأجل أن يكون عذرا لمن آمن (أَوْ نُذْراً) مخوفا لمن كفر وعصى.

[٧ ـ ٨] (إِنَّما) جواب القسم (تُوعَدُونَ) من قيام الساعة (لَواقِعٌ) لا محالة. (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) محق نورها.

[٩ ـ ١٠] (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) انشقت. (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) أقلعت عن أماكنها.

[١١ ـ ١٣] (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) جمعت لوقتها المقرر وهو يوم القيامة. (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) أي أخرت جمع الرسل ، والاستفهام للتهويل. (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) بين الخلائق بإثابة المحق وعقاب المبطل.

[١٤] (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ) هذا للتهويل ، أي لا يعلم حقيقة يوم الفصل وأهواله أحد.

[١٥ ـ ١٩] (وَيْلٌ) هلاك (يَوْمَئِذٍ) في هذا اليوم (لِلْمُكَذِّبِينَ) الذين كذبوا بالمبدأ والمعاد. (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) بالعذاب ، كقوم نوح عليه‌السلام وعاد. (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ) في الإهلاك (الْآخِرِينَ) من الكفار ، ككفار مكة. (كَذلِكَ) الإهلاك (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) الذين أجرموا بالكفر والعصيان. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

٦٠٠