تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٥٢] (وَنادَيْناهُ) تكلمنا معه (مِنْ جانِبِ الطُّورِ) جبل في الشام (الْأَيْمَنِ) الأكثر يمنا وبركة (وَقَرَّبْناهُ) تقريب كرامة (نَجِيًّا) مناجيا له.

[٥٣] (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) أي جعلنا أخاه نبيا ووزيرا له.

[٥٤] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) إذا وعد بشيء وفى به (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا).

[٥٥] (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) رضي أعماله.

[٥٦ ـ ٥٧] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) عاليا.

[٥٨] (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ) بيان (الذين) (النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا) في السفينة أي من ذرية من حملنا (مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ) من ذرية (إِسْرائِيلَ) يعقوب عليه‌السلام (وَ) أولئك (مِمَّنْ هَدَيْنا) هم (وَاجْتَبَيْنا) اخترناهم (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا) وقعوا على الأرض تواضعا لله (سُجَّداً) ساجدين (وَبُكِيًّا) باكين من خوف الله.

[٥٩] (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) أي من أقوامهم وأولادهم الذين هم من بعدهم (أَضاعُوا الصَّلاةَ) بأن تركوها (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) المحرّمة (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ) أولئك الخلف (غَيًّا) جزاء غيّهم وضلالهم.

[٦٠] (إِلَّا مَنْ تابَ) ندم عن معاصيه (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم.

[٦١] (جَنَّاتِ) بدل (الجنة) (عَدْنٍ) إقامة (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) وهي غائبة عنهم (إِنَّهُ) تعالى (كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) آتيا.

[٦٢] (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) من الكلام الذي لا فائدة فيه (إِلَّا سَلاماً) لكن يسمعون من الملائكة سلاما (١) (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها) في الجنة (بُكْرَةً) صباحا (وَعَشِيًّا) عصرا (٢).

[٦٣] (تِلْكَ) الجنة المذكورة هي (الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ) نعطي (مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) اتقى الكفر والمعاصي ، وحيث ذكر الجنة وقول الملائكة هناك للناس : سلاما عطف على أحوال الملائكة ، فقد قالوا :

[٦٤] (وَما نَتَنَزَّلُ) أي لا ننزل من السماء إلى الأرض (إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) المستقبل (وَما خَلْفَنا) الماضي (وَما بَيْنَ ذلِكَ) الحال (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ينسى شيئا من أمور الأزمان الثلاثة ، وحيث ذكر الأزمنة الثلاثة جاء إلى ذكر الأماكن فقال :

__________________

(١) والاستثناء منقطع كما لا يخفى. والسلام اسم جامع لكل خير.

(٢) والمراد : دوام الرزق.

٣٢١

[٦٥] (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ) اصبر (لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) مثلا وشبيها يسمى بهذا الاسم حقيقة ، والاستفهام بمعنى النفي.

[٦٦] (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) الكافر : (أَإِذا ما) زائدة (مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) بعد الموت ، والاستفهام على طريق الإنكار والاستهزاء.

[٦٧ ـ ٦٨] (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) فمن قدر على الإيجاد يقدر على الإعادة (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) نجمعنّهم (وَالشَّياطِينَ) أي مقرّنين بالشياطين (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) أي واقعين على ركبهم لهول الموقف ، فإن كثرة الخوف توجب سقوط الإنسان لاضطراب أعصاب الرّجل.

[٦٩ ـ ٧٠] (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَ) لنستخرجن (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) من كل جماعة (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) أي الأعتى فالأعتى (١) ، فنلقيهم في جهنم أولا فأول (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها) أحق بجهنّم (صِلِيًّا) دخولا ، والمعنى لا ندخل جهنم إلا المستحق لها.

[٧١] (وَإِنْ) نافية (مِنْكُمْ) أيها البشر (إِلَّا وارِدُها) لأنّ الصراط على النار ، فكلهم يردون على النار عبورا على الصراط (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) حكم بذلك حكم واجبا على نفسه.

[٧٢] (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والمعاصي ، بأن يعبروا الصراط بسلام (وَنَذَرُ) نترك (الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) ساقطين ، لأن أرجلهم لا تحملهم من الخوف والعذاب.

[٧٣] (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) المؤمنين والكافرين (خَيْرٌ مَقاماً) مقامكم على الإيمان ، أو مقامنا على الكفر (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) مجلسا ، ومعناه أن الكفار يقولون : نحن أحسن منكم.

[٧٤] (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أهل كل عصر خالفوا أوامر الله (هُمْ أَحْسَنُ) من هؤلاء (أَثاثاً) متاعا وزينة (وَرِءْياً) من الرؤية بمعنى المنظر.

[٧٥] (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) عن الحق (فَلْيَمْدُدْ لَهُ) يمدّه ويمهله بطول العمر وإعطاء متاع الدنيا ، وذلك استدراجا له (الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) عند انتهاء أمدهم (إِمَّا الْعَذابَ) بالقتل والأسر (وَإِمَّا السَّاعَةَ) أي الموت ، فمن مات قامت قيامته (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ) من الفريقين (شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) هل جندهم أو جند المؤمنين.

[٧٦] (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) بأن يلطف بهم الألطاف الخفيّة (وَ) الطاعات (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) مما متع به الكفار (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) عاقبة.

__________________

(١) عتا يعتو عتوا وعتيا : استكبر وجاوز الحد ، لسان العرب.

٣٢٢

[٧٧] (أَفَرَأَيْتَ) استفهام للتعجب (الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) ورد أن المراد به العاص بن وائل ، وإن كان اللفظ عاما (وَقالَ لَأُوتَيَنَ) أعطى من الله على تقدير الحساب والقيامة (مالاً) كثيرا (وَوَلَداً) أولادا ، فإن الكفار يزعمون كرامتهم على الله حتّى إذا كانت هناك قيامة أكرمهم هناك أيضا كما أعطاهم في الدنيا.

[٧٨] (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) هل أشرف على أحوال الآخرة التي هي غائبة عن الحواس حتى يقول هذا الكلام والاستفهام للإنكار (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) فعهد الله إليه بأن يعطيه المال والولد.

[٧٩] (كَلَّا) لا هذا ولا ذاك (سَنَكْتُبُ) السين للتأكيد (ما يَقُولُ) نحفظ عليه لنجزيه على كذبه (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) نزيده عذابا ، كما زدناه عمرا ومالا فكفر.

[٨٠] (وَنَرِثُهُ) نرث منه عند هلاكه (ما يَقُولُ) من المال والولد ، إذ يبقى ماله وولده لله تعالى بعد أن مات فلا يقدر أن يذهب بهما إلى الآخرة (وَيَأْتِينا) في الآخرة (فَرْداً) بلا مال وولد.

[٨١] (وَاتَّخَذُوا) الكفار (مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) أصناما (لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) ليتعززوا بهم.

[٨٢] (كَلَّا) ليس الأمر كما ظنّوا ، بل الآلهة أسباب ذلّهم (سَيَكْفُرُونَ) تكفر الآلهة (بِعِبادَتِهِمْ) بأن تنكر منهم عبادتهم لها (وَيَكُونُونَ) الآلهة (عَلَيْهِمْ) على الكفار (ضِدًّا) أعداء لهم ، عوض ما أرادوا من أن تكون عزة لهم.

[٨٣] (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) خلينا بينهم وبين الشياطين (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) تزعجهم إزعاجا ، فكما إن الشياطين ـ الذين هم أولياء الكفار ـ سبب لإيذائهم ، كذلك الآلهة المعبودة للكفّار سبب زيادة عذابهم في الآخرة.

[٨٤] (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) على الكفّار بطلب عذابهم (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ) الأيام (عَدًّا) حتى ينهوا أجلهم المقدّر لهم ثم نأخذهم.

[٨٥] وذلك (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (نَحْشُرُ) نجمع (الْمُتَّقِينَ) الذين اتقوا الكفر والمعاصي (إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) يذهبون جماعة إلى ثواب الله (١).

[٨٦] (وَنَسُوقُ) نسيّرهم سيرا بدون احترام (الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) واردين لها عطاشا.

[٨٧] (لا يَمْلِكُونَ) لا يملك أحد (الشَّفاعَةَ) لأحد (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) بأن آمن وعمل صالحا وهو عهده عند الله بأن يدخله الجنة ، و(إلا) بمعنى لكن من كان كذلك دخل الجنة.

[٨٨ ـ ٨٩] (وَقالُوا) الكفار : (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً). (لَقَدْ جِئْتُمْ) أيها القائلون بهذا القول (شَيْئاً إِدًّا) منكرا عظيما.

[٩٠] (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) يتشقّقن (مِنْهُ) من هذا الكلام (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ) تسقط بانكسار (هَدًّا) كسرا ، فان الكلام السيئ يزلزل الكون.

[٩١ ـ ٩٢] وذلك ل (أَنْ دَعَوْا) المشركون (لِلرَّحْمنِ وَلَداً). (وَما يَنْبَغِي) لا يليق (لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً).

[٩٣] (إِنْ) ما (كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي) أتى (الرَّحْمنِ عَبْداً) والعبد ليس بولد.

[٩٤] (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) حصرهم (وَعَدَّهُمْ) عدّ أشخاصهم (عَدًّا).

[٩٥] (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) منفردين بلا مال ولا شخص نصير.

__________________

(١) الوفد : الركبان المكرمون. لسان العرب.

٣٢٣

[٩٦] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) محبة في قلوب الناس ، والسين للتأكيد.

[٩٧] (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) القرآن (بِلِسانِكَ) بأن أنزلناه على لغتك (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) من الشرك والمعاصي (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) جمع ألدّ : شديد الخصومة والعناد.

[٩٨] (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أمة من الأمم (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) هل تشعر بأحد منهم وتراه ، وهذا بيان لأنه لم يبق منهم أحد (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) أي صوتا خفيّا فلم يبق منهم خبر ولا أثر ، وكما أهلكناهم نهلك هؤلاء.

٢٠ : سورة طه

مكية آياتها مائة وخمس وثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (طه) اسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو رمز.

[٢] (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) لتتعب بكثرة العبادة.

[٣] (إِلَّا تَذْكِرَةً) تذكيرا (لِمَنْ يَخْشى) الله ، فإنه المنتفع بالتذكير.

[٤] (تَنْزِيلاً) أي أنزل تنزيلا (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) الرفيعة.

[٥] هو (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ) أي السلطة (اسْتَوى) استولى.

[٦] (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات (وَما تَحْتَ الثَّرى) أي التراب.

[٧] (وَإِنْ تَجْهَرْ) تريد الجهر (بِالْقَوْلِ) بالعبادة والدعاء ، فهو غني عن ذلك (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) ما أسررته إلى غيرك (وَأَخْفى) من السّر كالخطرات القلبية.

[٨] (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) كالرازق والخالق وما أشبه.

[٩] (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ) قصّة (مُوسى).

[١٠] (إِذْ رَأى ناراً) في الصحراء على الشجرة (فَقالَ لِأَهْلِهِ) زوجته : (امْكُثُوا) ابقوا في مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أبصرتها (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) بشعلة (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ) عند النار (هُدىً) هاديا يدلني على الطريق ، إذ كانوا في الصحراء والهواء بارد وقد ضلّوا الطريق.

[١١ ـ ١٢] (فَلَمَّا أَتاها) اقترب من النار (نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) خلق الله الصوت هناك فسمعه موسى عليه‌السلام (فَاخْلَعْ) انزع (نَعْلَيْكَ) من رجلك (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) المبارك (طُوىً) هو اسم الوادي.

٣٢٤

[١٣] (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) اصطفيتك (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) إليك من كلامي.

[١٤] (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) خالصا بدون جعل شريك (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) لأن تكون مذكرة لي.

[١٥] (إِنَّ السَّاعَةَ) القيامة (آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) أريد أن أخفيها عن عبادي لتأتيهم بغتة ، أو أكاد أظهرها ، من أخفاه بمعنى أزال خفاءه (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) بالذي سعي وعمل.

[١٦] (فَلا يَصُدَّنَّكَ) لا يمنعنك (عَنْها) أي عن الإيمان بالساعة (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ) هوى نفسه في الإنكار (فَتَرْدى) فتهلك.

[١٧] (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ) في يدك اليمنى (يا مُوسى).

[١٨] (قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا) اتكئ (عَلَيْها وَأَهُشُ) أسقط ورق الشجر (بِها عَلى غَنَمِي) علوفة لها (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ) حوائج (أُخْرى) كحمل الزاد في السفر وإلقاء الكساء عليها للاستظلال وطرد الموذيات.

[١٩ ـ ٢٠] (قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ) تنقلب (حَيَّةٌ تَسْعى) تمشي بسرعة.

[٢١] (قالَ) الله : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها) نرجع الحيّة إلى (سِيرَتَهَا) حالتها (الْأُولى) أي نجعلها عصا.

[٢٢] (وَاضْمُمْ) أخف (يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) إبطك (تَخْرُجْ) اليد (بَيْضاءَ) لها شعاع كشعاع الشمس (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) فليس بياضها كبياض البرص (آيَةً أُخْرى) معجزة ثانية لك.

[٢٣] نفعل ذلك (لِنُرِيَكَ) يا موسى عليه‌السلام (مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) التي هي من أكبر المعجزات.

[٢٤] (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) تجاوز الحدّ.

[٢٥] (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) وسع صدري حتى لا أضجر.

[٢٦] (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) سهل أمر القيام بالرسالة.

[٢٧] (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) حتى لا أرتج في الكلام بل أكون بليغا.

[٢٨] كي (يَفْقَهُوا) يفهموا (قَوْلِي).

[٢٩ ـ ٣٠] (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي) يعاضدني في التبليغ.

[٣١] (اشْدُدْ بِهِ) بهارون (أَزْرِي) ظهري في الدعوة إليك.

[٣٢] (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) أمر النبوة ليكون نبيا.

[٣٣] (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً) فإنّ التعاون يوجب زيادة النشاط.

[٣٤ ـ ٣٥] (وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً* إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) وعالما بأن هارون نعم الظهر.

[٣٦] (قالَ) الله : (قَدْ أُوتِيتَ) أعطيت (سُؤْلَكَ) سؤالك (يا مُوسى).

[٣٧] (وَلَقَدْ مَنَنَّا) أنعمنا (عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) في السابق.

٣٢٥

[٣٨] (إِذْ أَوْحَيْنا) ألهمنا (إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) ما يلزم أن تلهم.

[٣٩] (أَنِ اقْذِفِيهِ) والوحي هو أن اجعليه (فِي التَّابُوتِ) الصندوق (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ) اطرحي التابوت الذي فيه موسى عليه‌السلام في البحر (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُ) أمر بمعنى الخبر أي فيلقي البحر الصندوق (بِالسَّاحِلِ) الشاطئ (يَأْخُذْهُ) أي موسى عليه‌السلام (عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) لموسى عليه‌السلام ، فإنّ فرعون كان عدوا لله ولرسوله (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ) يا موسى عليه‌السلام (مَحَبَّةً مِنِّي) من عندي فكان إذا رآه أحد أحبّه فورا. (وَلِتُصْنَعَ) تربّى (عَلى عَيْنِي) برعايتي ، لا برعاية عدوي فرعون.

[٤٠] وأرجعناك إلى أمّك ويفهم ذلك من قوله (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) فإن الأم أرسلت أخت موسى عليه‌السلام لتقتفي أثره فجاءت ورأت موسى عليه‌السلام عند فرعون وهو يطلب له الحاضنة (فَتَقُولُ) الأخت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) أرشدكم يا آل فرعون (عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) يكفل موسى عليه‌السلام ، فقالوا : نعم ، فجاءت بأمّه فقبل ثديها (فَرَجَعْناكَ) يا موسى عليه‌السلام (إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) برؤيتك ، أي تفرح (وَ) كي (لا تَحْزَنَ) بفراقك (وَ) منة أخرى مننّا عليك حين (قَتَلْتَ نَفْساً) قبطيا حال نازعت مع الإسرائيلي فخفت أن يقتلوك (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) بأن ألهمنا إليك بالفرار ففرت واسترحت عن قصاصهم (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) اختبرناك اختبارا بالشدائد والآلام (فَلَبِثْتَ) مكثت وبقيت (سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) قبيلة شعيب النبي عليه‌السلام (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ) قدرة على الرسالة (يا مُوسى).

[٤١] (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) صنعتك لأن تكون نبيا لي.

[٤٢] (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) دلالاتي (وَلا تَنِيا) تفترا ، من الفتور (فِي ذِكْرِي) بالتسبيح وتبليغ الرسالة.

[٤٣] (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) جاوز الحدّ.

[٤٤] (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) رقيقا بدون خشونة. (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) يتّعظ (أَوْ يَخْشى) العقاب.

[٤٥] (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) بأن يعاقبنا فورا (أَوْ أَنْ يَطْغى) يزداد طغيانا.

[٤٦] (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) بالحفظ والنصرة (أَسْمَعُ) قولكم (وَأَرى) أفعالكم ، فأدفع شرّه عنكما.

[٤٧] (فَأْتِياهُ) اذهبا إليه (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ) أطلق (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) حتى نخرج بهم عن مصر (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالتكاليف الشاقة (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ) أدلة (مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ) السلامة من عقاب الدنيا والآخرة (عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) الهداية.

[٤٨] (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ) بما جئنا به (وَتَوَلَّى) أعرض.

[٤٩ ـ ٥٠] (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى * قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ) من المخلوقات (خَلْقَهُ) صورته (ثُمَّ هَدى) هداه إلى ما يجلب له النفع ويدفع عنه الضرر.

[٥١] (قالَ) فرعون : (فَما بالُ) ما حال (الْقُرُونِ الْأُولى) الأمم السابقة فما حالهم في الآخرة ، على زعمك بأن بعد الموت عالما آخر.

٣٢٦

[٥٢] (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أعمالهم معلومة لله محفوظة لديه (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي) لا يضيع ربي شيئا من أعمالهم (١) (وَلا يَنْسى) وقد أراد موسى عليه‌السلام عدم التفصيل في هذا الموضوع الذي لا يرتبط بكلامه ولذا رجع إلى بيان صنائع الله تعالى :

[٥٣] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) فراشا (وَسَلَكَ) جعل (لَكُمْ فِيها) في الأرض (سُبُلاً) طرقا تسلكونها (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) جهة العلو (ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً) أصنافا (مِنْ نَباتٍ شَتَّى) مختلفة الألوان والطعوم والأشكال.

[٥٤] (كُلُوا) منها (وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) حيواناتكم فيها (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ) لعبر أو أدلة (لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول ، (نهى) جميع نهية ، بمعنى العقل.

[٥٥] (مِنْها) من الأرض (خَلَقْناكُمْ) فان التراب يتحوّل نباتا ثم مأكلا ثم دما ثم منيّا (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) بعد الموت ، فإن الإنسان يصبح ترابا (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ) بتأليف الأجزاء الأرضيّة وإحيائها (تارَةً) مرّة (أُخْرى) كما أخرجناكم من الأرض في المرة الأولى.

[٥٦] (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) أي فرعون (آياتِنا كُلَّها) المعاجز التسع (فَكَذَّبَ) الآيات (وَأَبى) امتنع عن القبول.

[٥٧] (قالَ أَجِئْتَنا) يا موسى (لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا) مصر (بِسِحْرِكَ يا مُوسى) فإن موسى عليه‌السلام لو استولى اضطر القبط بقبول دينه أو الخروج منها.

[٥٨] (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) يقابله حتى يبطل ادعاؤك الإعجاز (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) وعدا (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ) بل نحضر عند الموعد (مَكاناً سُوىً) في الوسط يستوي بيننا وبينك.

[٥٩] (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) كان يوم عيد لهم يتزينون فيه ويخرجون للتفرج ، عيّنه عليه‌السلام ليشهد الجميع المقابلة (وَأَنْ يُحْشَرَ) يجمع (النَّاسُ ضُحًى) قبل الظهر ليروا رؤية كاملة.

[٦٠] (فَتَوَلَّى) انصرف (فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أسباب كيده من السحر وآلاته وأبهته (ثُمَّ أَتى) في الموعد.

[٦١] (قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ) السوء عليكم (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن تنسبوا إعجازي إلى السحر (فَيُسْحِتَكُمْ) يهلككم (بِعَذابٍ) من عنده (وَقَدْ خابَ) خسر (مَنِ افْتَرى).

[٦٢] (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي وقع النزاع بين أصحاب فرعون في أن موسى هل صادق في دعواه أم لا (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أي أخذوا يخفون الكلام حول موسى عليه‌السلام حتى لا يسمع موسى وقومه أنهم شاكون ويحتملون صدق موسى عليه‌السلام.

[٦٣] (قالُوا إِنْ) مخففة من الثقيلة (هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) بالاستيلاء عليها (بِسِحْرِهِما) بسبب سحرهما (وَيَذْهَبا) يبطلا (بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) بدينكم الأحسن الذي هو عبادة فرعون والأصنام.

[٦٤] (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) أحكموه واجعلوه مجمعا عليه (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) مصطفّين ليكون أكثر رهبة وأنظم للأمر (وَقَدْ أَفْلَحَ) فاز (الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) صار الأعلى لدى المحاجّة والمقابلة.

__________________

(١) ضل الشيء : خفي وغاب. لسان العرب.

٣٢٧

[٦٥] (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) ما معك (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ) نحن السحرة (أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) ما معنا.

[٦٦] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ) التي صوروها كالحيّات (وَعِصِيُّهُمْ) جمع عصا (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) أي إلى فرعون ، أو إلى موسى عليه‌السلام (مِنْ) جهة (سِحْرِهِمْ) بتلك الحبال والعصي (أَنَّها تَسْعى) تتحرّك مسرعة.

[٦٧] (فَأَوْجَسَ) فأحس ووجد (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً) خوفا (مُوسى) قيل : كان الخوف من جهة التباس الأمر على الناس.

[٦٨] (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) عليهم بالغلبة.

[٦٩] (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) عصاك (تَلْقَفْ) تأكل بسرعة (ما صَنَعُوا) من الحبال والعصي (إِنَّما صَنَعُوا) أي الذي افتعلوه هو (كَيْدُ ساحِرٍ) لا حقيقة له (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) أينما كان الساحر ، فألقى موسى عليه‌السلام عصاه ، فأكلت سحرهم مما أذعن الجميع أن عمله ليس سحرا.

[٧٠] (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ) فإن أنفسهم لما أذعنت بأنّه حق أجبرتهم على الاعتراف (سُجَّداً) ساجدين (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى).

[٧١] (قالَ) فرعون : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) في الإيمان ، استفهام توبيخي (إِنَّهُ) موسى عليه‌السلام (لَكَبِيرُكُمُ) أستاذكم ورئيسكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) وقد تواطأتم مع موسى عليه‌السلام على ما فعلتم (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) اليد اليمنى والرجل اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) على أجسام النخيل (وَلَتَعْلَمُنَ) أيّها السحرة (أَيُّنا) أنا أو موسى عليه‌السلام (أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) عذابه أكثر بقاء.

[٧٢] (قالُوا) السحرة : (لَنْ نُؤْثِرَكَ) نختارك (عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) المعجزات (وَالَّذِي فَطَرَنا) قسما بالذي خلقنا (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) فاحكم ما تريد أن تحكم فينا (إِنَّما تَقْضِي) تحكم في (هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) أما الآخرة فليست بيدك.

[٧٣] (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) الكفر والمعاصي (وَ) يغفر لنا (ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) فإنّ فرعون أكرههم على أن يسحروا في قبال موسى عليه‌السلام وقد علموا قبل ذلك أن موسى عليه‌السلام ليس بساحر (وَاللهُ خَيْرٌ) ثوابا (وَأَبْقى) أما ثوابك فهو زائل.

[٧٤] (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) بأن يموت على الكفر (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها) حتى يستريح (وَلا يَحْيى) حياة مريحة.

[٧٥] (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) المنازل الرفيعة.

[٧٦] (جَنَّاتُ) بدل من (الدرجات) (عَدْنٍ) بساتين إقامة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أشجارها وقصورها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) تطهر من أدناس الكفر.

٣٢٨

[٧٧] (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ) أذهب ليلا (بِعِبادِي) مع عبادي بني إسرائيل ، وذلك فرارا عن فرعون (فَاضْرِبْ) أي اضرب بعصاك (لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) يصير يابسا لعبور بني إسرائيل (لا تَخافُ دَرَكاً) فكن آمنا من أن يدرككم فرعون (وَلا تَخْشى) غرقا.

[٧٨] فخرج بهم موسى عليه‌السلام (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) مع جنوده ليردهم إلى مصر (فَغَشِيَهُمْ) علاهم (مِنَ الْيَمِ) ماء البحر (ما غَشِيَهُمْ) تهويل لكيفيّة غرقهم.

[٧٩] (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) سبّب ضلالهم في باب الدين (وَما هَدى) لم يهدهم إلى الخير.

[٨٠] ثم قلنا لهم : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون (وَواعَدْناكُمْ) إعطاء التوراة في (جانِبَ الطُّورِ) اسم جبل (الْأَيْمَنَ) الأكثر يمنا (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) قسم من السكريات (وَالسَّلْوى) قسم من الطير ، وذلك حين كنتم في التيه.

[٨١] (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي اللذائذ المحلّلة (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) أي فيما رزقناكم بأن تبطروا بالنعم ولا تشكروها (فَيَحِلَ) من الحلول أي الدخول (عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) هلك وسقط في النار.

[٨٢] (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) من الكفر (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) استمر على ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح.

[٨٣] (وَما أَعْجَلَكَ) ما سبب أن تعجل أنت (عَنْ) المجيء مع (قَوْمِكَ يا مُوسى) حيث قال سبحانه : (وواعدناكم جانب الطور) ، إذ كان الميعاد أن يخرج موسى عليه‌السلام مع قومه فتعجّل عليه‌السلام ووصل إلى الطور قبل قومه.

[٨٤] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (هُمْ) القوم ه (أُولاءِ) الذين (عَلى أَثَرِي) في عقبي (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) زيادة لرضاك.

[٨٥] (قالَ) الله : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا) امتحنا (قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) بعد خروجك من بينهم (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) الذي كان أحد بني إسرائيل حيث صنع لهم عجلا من الذهب ودعاهم إلى عبادته فعبدوه.

[٨٦] (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) حزينا (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) بأن يعطيكم التوراة (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) زمان مفارقتي لكم (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَ) يثبت (عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) حيث عبدتم العجل (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) وعدكم إيّاي باللحاق بي والبقاء على ديني والاستفهام إنكاري.

[٨٧] (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) أي ونحن مالكون لإرادتنا ، بل فقدنا الإرادة حين غلبنا السامري بتزويره (وَلكِنَّا حُمِّلْنا) كان معنا (أَوْزاراً) أثقالا (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) القبط فإنهم أخذوا منهم جملة من الحلي وقت كانوا في مصر فكانت معهم لما عبروا البحر (فَقَذَفْناها) ألقينا تلك الزينة في النار بأمر السامري (فَكَذلِكَ) كما ألقينا (أَلْقَى السَّامِرِيُ) ما معه في النار حيث قال يجب أن تحترق هذه الزينة.

٣٢٩

[٨٨] (فَأَخْرَجَ) السامري (لَهُمْ عِجْلاً) صاغه من الذهب (جَسَداً) جسما بلا روح (لَهُ خُوارٌ) صوت إما بالريح أو من أثر جبرئيل (فَقالُوا) السامري وأتباعه : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) موسى عليه‌السلام أن هذا إلهه.

[٨٩] (أَفَلا يَرَوْنَ) أفلا يرى بنو إسرائيل (أَلَّا يَرْجِعُ) يرد العجل (إِلَيْهِمْ قَوْلاً) جوابا ، ومن لا يقدر على جواب السؤال ليس إلها (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً).

[٩٠] (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) قبل عود موسى عليه‌السلام : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) فتنكم السامري بهذا العجل أي أضلكم (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) لا العجل (فَاتَّبِعُونِي) فيما أدعوكم إليه (وَأَطِيعُوا أَمْرِي).

[٩١] (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ) لن نزال (عَلَيْهِ) على العجل (عاكِفِينَ) مقيمين (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى).

[٩٢] (قالَ) موسى عليه‌السلام : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) بعبادة العجل.

[٩٣] (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) بأن تخرج إليّ وتتركهم فما سبب عدم خروجك (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) حيث أقمت فيما بينهم.

[٩٤] (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) حيث أخذهما موسى عليه‌السلام يجر هارون عليه‌السلام إلى الخارج من الجماعة ، إظهارا لبراءتهما منهم ، وحيث كان ذلك منظر الساخط على هارون أمام بني إسرائيل ، نهاه هارون عن ذلك (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) لو فارقتهم فانه يقع الخلاف الشديد بينهم كما هو شأن خروج كل زعيم من بين الناس (وَ) تقول لي (لَمْ تَرْقُبْ) لم تراع (قَوْلِي) حيث قلت لي : (أصلح) ، بأن تقول لي خروجك لم يكن إصلاحا.

[٩٥] ثم توجّه موسى عليه‌السلام إلى السّامري (قالَ فَما خَطْبُكَ) شأنك الذي حملك على ما فعلت (يا سامِرِيُ).

[٩٦] (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) رأيت ما لم يره بنو إسرائيل عند دخولنا البحر رأيت جبرئيل وتحت قدمه التراب يتحرّك ، حيث تضفي قدمه عليه روحا (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) جبرئيل (فَنَبَذْتُها) ألقيتها في جوف العجل ، ولذا صار له خوار (وَكَذلِكَ) هكذا (سَوَّلَتْ) زيّنت (لِي نَفْسِي) بأن أفعل هكذا.

[٩٧] (قالَ) موسى عليه‌السلام للسامري : (فَاذْهَبْ) طريدا (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) ما دمت حيا (أَنْ تَقُولَ) لمن لقيته (لا مِساسَ) أي لا تمسّني وكان إذا مسّه أحد أخذته الحمّى فصار يهيم في البرّية (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) بعذابك (لَنْ تُخْلَفَهُ) لن تخلف عن ذلك الموعد وهو عند الموت أو في القيامة (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) تقيم على عبادته (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ) نذريه (فِي الْيَمِ) في البحر (نَسْفاً).

[٩٨] (إِنَّما إِلهُكُمُ) المستحق للعبادة (اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) علمه شمل كل شيء.

٣٣٠

[٩٩] (كَذلِكَ) كما قصصنا عليك أخبار موسى وهارون عليهما‌السلام (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ) أخبار (ما قَدْ سَبَقَ) من الأمم (وَقَدْ آتَيْناكَ) أعطيناك (مِنْ لَدُنَّا) عندنا (ذِكْراً) قرآنا.

[١٠٠] (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) عن الذكر (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) حملا ثقيلا من الذنب.

[١٠١] (خالِدِينَ فِيهِ) في ذلك الوزر (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) بئس الحمل حملهم.

[١٠٢] (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بوق ينفخ فيه لأجل إحياء الأموات (وَنَحْشُرُ) نأتي بهم إلى المحشر (الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) جمع أزرق ، أي أجسامهم زرق من شدة العذاب.

[١٠٣] (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) يتكلمون سرا من جهة الهول المحيط بهم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) يقولون بقيتم في الدنيا عشرة أيام.

[١٠٤] (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أي بمدّة لبثهم في الدنيا (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أعدلهم في الرأي (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) فيظنون أنّ مدّة مكثهم في الدنيا يوم واحد فقط.

[١٠٥] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) ما حالها في القيامة (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) يجعلها كالرمل.

[١٠٦] (فَيَذَرُها) يدع موضع الجبال (قاعاً) أرضا ملساء (صَفْصَفاً) مستويا.

[١٠٧] (لا تَرى فِيها عِوَجاً) انخفاضا (وَلا أَمْتاً) ارتفاعا.

[١٠٨] (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) الذي يدعوهم إلى المحشر ، إذ لا يتمكنون من العصيان كما كانوا يعصون الدعاة في الدنيا (لا عِوَجَ لَهُ) لا يميل عنه أحد ، لأنه لا يميل دعاؤه عن أحد حتى لا يبلغه (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) سكنت لعظمة الرحمن وهول الموقف (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) صوتا خفيّا.

[١٠٩] (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا) شفاعة (مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) في الشفاعة (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) بأن كان مرضي القول سابقا ، فإنه هو الذي يؤذن له.

[١١٠] (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ما قدّموه إلى الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) ما تركوه من خير وشر بعدهم كسنّة حسنة أو سيئة (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) هم لا يعلمون ذاته سبحانه.

[١١١] (وَعَنَتِ) خضعت (الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) القائم على كل شيء (وَقَدْ خابَ) خسر (مَنْ حَمَلَ) ارتكب (ظُلْماً).

[١١٢] (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) بعض الطاعات الصالحات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً) بأن يظلم هناك (وَلا هَضْماً) بأن ينقص من حقّه ، والمعنى لا يعذّب في مقابل غيره ممّن يعذب.

[١١٣] (وَكَذلِكَ) هكذا (أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا) كرّرنا وبيّنا (فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) بعض الوعد بالعذاب (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الكفر والمعاصي (أَوْ يُحْدِثُ) القرآن (لَهُمْ ذِكْراً) موعظة بسبب ما علموه من عقوبات الأمم السابقة.

٣٣١

[١١٤] (فَتَعالَى) ارتفع عن مشابهة المخلوقين (اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) لا كملوك الدنيا حيث ملكهم اسمي فقط وزائل (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) بأن تقرأه أثناء قراءة جبرئيل لك ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأه عاجلا لئلا ينساه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى) يتم (إِلَيْكَ وَحْيُهُ) بل اقرأه في إثر قراءة جبرئيل لأن الله قد أقوى ذاكرتك حتى لا تنسى (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) فان فوق كل علم علم ، حتى ينتهي إلى علم الله تعالى.

[١١٥] (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) بالكف عن الشجرة (مِنْ قَبْلُ) زمانك يا محمد (فَنَسِيَ) أي ترك العهد ، وكان ترك الأولى (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ثباتا ، فهو عليه‌السلام ليس من أولي العزم.

[١١٦] (وَإِذْ) واذكر يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) امتنع.

[١١٧] (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا) الشيطان (عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ) بوساوسه (فَتَشْقى) تتعب في كسب المعاش وتوابع الدنيا.

[١١٨] (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) في الجنة (وَلا تَعْرى) من الثياب.

[١١٩] (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) لا تعطش (فِيها وَلا تَضْحى) لا يصيبك حرّ الشمس.

[١٢٠] (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ) إلى آدم عليه‌السلام (الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) إذا أكلت منها بقيت دائما في الجنة (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) لا يزول ولا يضعف.

[١٢١] (فَأَكَلا مِنْها) من الشجرة (فَبَدَتْ) ظهرت (لَهُما سَوْآتُهُما) عورتهما ، حيث سقطت عنهما ألبسة الجنة (وَطَفِقا) أخذا (يَخْصِفانِ) يلصقان (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) من ورق أشجار الجنة لأجل الستر (وَعَصى) خالف أمره الإرشادي كقول الطبيب أمرته فعصاني (آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) انحرف عن طريق عيشه الهنيء.

[١٢٢] (ثُمَّ اجْتَباهُ) اصطفاه (رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ) قبل توبته وصرف النظر عن تركه للأولى (وَهَدى) بأن ألهمه العصمة وحفظ ما يبقيها.

[١٢٣] (قالَ اهْبِطا) انزلا يا آدم وحواء (مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) فإنه عداوة بين الرجال والنساء (١) (فَإِمَّا) أصله (إن) و(ما) (يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) كتاب وشريعة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُ) في الدنيا (وَلا يَشْقى) في الآخرة.

[١٢٤] (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) بأن لم يعمل طبق هدايتي (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً) عيشا (ضَنْكاً) ضيقا كما نرى أن دول العالم الكبار في أشد الضيق من المناهج المعقدة والحروب والقلق النفسي (وَنَحْشُرُهُ) نأتي به في المحشر (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) العين.

[١٢٥] (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) في الدنيا.

__________________

(١) أو عداوة بين الشيطان والإنسان ، وذلك حيث قال سبحانه : (بَعْضُكُمْ) ولم يقل : بعضكما.

٣٣٢

[١٢٦] (قالَ) مثل ذلك فعلت : أتتك آيات مبصرة في الدنيا فعميت عنها (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا) أدلّتنا (فَنَسِيتَها) تركتها (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) تهمل وتترك ولا تقدّر.

[١٢٧] (وَكَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) جاوز الحدّ (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) بحججه تعالى (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ) من عذاب الدنيا (وَأَبْقى) لأنه دائم باق.

[١٢٨] (أَفَلَمْ يَهْدِ) يبين الله (لَهُمْ) لهؤلاء الكفار (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) الأمم في حال كونهم (يَمْشُونَ) مطمئنين (فِي مَساكِنِهِمْ) فأخذهم العذاب بغتة ، أو المراد إن هؤلاء الكفار يمشون في مساكن أولئك الأمم وذلك مما يوجب أن يعتبروا (إِنَّ فِي ذلِكَ) الهلاك (لَآياتٍ) عبرا وعظات (لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول.

[١٢٩] (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بأن قال ربك أمهل هؤلاء الكفار ولا أعاجلهم بالعقوبة (لَكانَ) الأخذ العاجل (لِزاماً) لازما لهم لأن كفرهم يقضي بتعجيل عقابهم (وَ) لو لا (أَجَلٌ) مدة (مُسَمًّى) قد سمّي.

[١٣٠] (فَاصْبِرْ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلى ما يَقُولُونَ) من الطعن فيك وفي القرآن (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) نزهه تنزيها مقترنا بالحمد ، فإنك قد تقول إن الله ليس له شريك فهذا تنزيه ، وقد تقول إن الله واحد فهذا تنزيه بحمد ، إذ الحمد ذكر صفات الكمال (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) صلاة الصبح (وَقَبْلَ غُرُوبِها) صلاة الظهرين (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) ساعاته ، صلاة العشاءين (فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ) بما شئت من التسبيح ، أو صلاة النافلة (لَعَلَّكَ تَرْضى) بما يعطيك الله في الدارين فإنك إذا فعلت ما أمرت به أعطاك الله ما يرضيك.

[١٣١] (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) لا تنظر بنظر الرغبة والتمني فإن في التمني مد شعاع البصر (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً) أصنافا (مِنْهُمْ) من الناس (زَهْرَةَ) زينة (الْحَياةِ الدُّنْيا) بدل من (ما متعنا) فإنها زينة الدنيا ولا دوام لها (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي متعناهم لأجل امتحانهم (وَرِزْقُ رَبِّكَ) الذي وعدك في الآخرة (خَيْرٌ وَأَبْقى) أكثر بقاء.

[١٣٢] (وَأْمُرْ أَهْلَكَ) أهل بيتك (بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ) دوام أنت (عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) حتى يشق عليك تحصيله بل نأمرك بالصلاة (نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ) المحمودة (لِلتَّقْوى) لذوي التقوى والخوف من الله.

[١٣٣] (وَقالُوا) الكفار : (لَوْ لا) هلا (يَأْتِينا) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) مما نقترح عليه (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) بيان ما في سائر الكتب المنزلة يعني القرآن ، لتضمنه أصول ما في تلك الكتب ، وهو بينة أي معجزة.

[١٣٤] (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن أو قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا) هلا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) لهدايتنا (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) في الدنيا (وَنَخْزى) في الآخرة بالعذاب.

[١٣٥] (قُلْ كُلٌ) منا ومنكم (مُتَرَبِّصٌ) منتظر لما يحل بالآخر (فَتَرَبَّصُوا) أنتم وانتظروا لتروا عاقبة الأمر (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ) منا ومنكم (أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) المستقيم (وَمَنِ اهْتَدى) من الضلالة.

٣٣٣

٢١ : سورة الأنبياء

مكية آياتها مائة واثنتي عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (اقْتَرَبَ) قرب (لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) وقت حسابهم وذلك حين يموت الإنسان ، أو يوم القيامة (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) عنه (مُعْرِضُونَ) عن الاستعداد.

[٢] (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) تنزيله (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) يستهزئون به غير مبالين بالذكر.

[٣] (لاهِيَةً) غافلة منصرفة (قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) بالغوا في إخفائها (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالكفر والعصيان (هَلْ) بدل من (النجوى) بمعنى (ما) (هذا) أي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) وليس برسول (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) هل تحضرون سحر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاستفهام للإنكار (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ترون أنه بشر وكلامه سحر.

[٤] (قالَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ) كائنا (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي كل قول يصدر من قائل سواء كان القائل في السماء أو الأرض فيعلم ما ليس يعلم هؤلاء الكفار (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

[٥] (بَلْ قالُوا) : إن القرآن (أَضْغاثُ) تخاليط (أَحْلامٍ) منامات (بَلِ افْتَراهُ) نسبه إلى الله افتراء (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) فما أتى به شعر (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) نقترحها (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) الأنبياء السابقون كاليد والعصا.

[٦] (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) لم يأمنوا بالآيات المقترحة ف (أَهْلَكْناها) كما جرت عادة الله بإهلاك غير المؤمن بالآيات المقترحة (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) لو جئت بها.

[٧] (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) فقولهم (هل هذا إلا بشر ...) كلام سخيف (نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل الكتاب (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك فإنهم يعلمون أن الأنبياء كانوا بشرا.

[٨] (وَما جَعَلْناهُمْ) أي الأنبياء عليهم‌السلام (جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) رد لقول الكفار بأن النبي لما ذا يأكل الطعام (وَما كانُوا خالِدِينَ) لا يموتون ، فكونهم بشرا يلازمهم كل ذلك.

[٩] (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) بالنصرة لهم (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ) ممن آمن بهم (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) المكذبين لهم.

[١٠] (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) ما يوجب حسن الذكر لكم إن تمسكتم به (أَفَلا تَعْقِلُونَ).

٣٣٤

[١١] (وَكَمْ قَصَمْنا) أهلكنا (مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) بالكفر والعصيان (وَأَنْشَأْنا) أوجدنا (بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) مكان أولئك.

[١٢] (فَلَمَّا أَحَسُّوا) أدركوا بحواسهم (بَأْسَنا) عذابنا (إِذا هُمْ مِنْها) من القرية (يَرْكُضُونَ) إلى خارجها لينجوا من العذاب.

[١٣] (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) أي إلى المحل الذي نعمتم فيه (وَ) إلى (مَساكِنِكُمْ) بيوتكم (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) عن أعمالكم وتحاكمون ، فإن من يريد أخذ شيء من شخص يسأله الحاكم عن دليله وبرهانه ، وهذا على سبيل الاستهزاء بهم.

[١٤] (قالُوا يا وَيْلَنا) يا سوء حالنا (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لأنفسنا بتكذيب الرسل.

[١٥] (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) أي كلامهم يرددون : يا ويلنا إنا كنا ظالمين (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) كالزرع المحصود (خامِدِينَ) موتى لا يتحركون كالنار التي تخمد.

[١٦] (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) بل لأجل غاية وغرض.

[١٧] (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ما يلهى به من الألعاب (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) بأن نخلق اللهو في الملكوت ، فلما ذا نتخذ اللهو من جنس البشر والسماء والأرض ، إذ لهو كل شخص من الشيء الملائم له (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) اتخاذ اللهو.

[١٨] (بَلْ) إضراب عن اتخاذ اللهو (نَقْذِفُ) نضرب (بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) الذي من جملته اللهو (فَيَدْمَغُهُ) يظهر بطلانه (فَإِذا هُوَ) الباطل (زاهِقٌ) باطل مضمحل (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) تصفون الله به من أنه اتخذ الخلق لهوا.

[١٩] (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ) أي الملائكة الذين لهم القرب الشرفي منه (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) لا يعجزون منها.

[٢٠] (يُسَبِّحُونَ) ينزهون الله في (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) لا يكسلون.

[٢١] (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) كائنة منها كالحجر والخشب (هُمْ يُنْشِرُونَ) أي هل يقدرون على إحياء الموتى ونشرهم ، الذي هو من لوازم الألوهية.

[٢٢] (لَوْ كانَ فِيهِما) في السماوات والأرض (آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) غير الله (لَفَسَدَتا) خربت السماوات والأرض ، فإن إرادة كل إن وافقت الأخرى لزم تأثير علّتين في معلول واحد وتقع المطاردة ، إذ قدرة أحدهما تطرد قدرة الآخر ، وإن خالفت لزم التصادم ، وإن تعلقت إرادة دون إرادة لزم الاجتماع المصلحة والمفسدة ، وهذا لا يعقل (فَسُبْحانَ اللهِ) أنزهه عن الشريك (رَبِّ الْعَرْشِ) السلطة المطلقة (عَمَّا يَصِفُونَ) الله من أن له شريكا.

[٢٣] (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) لأن كل أعماله حسب الصواب والحكمة (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لأنهم عبيد.

[٢٤] (أَمِ) بل (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) كرر لاختلاف ما رتب عليه (قُلْ هاتُوا) ائتوا (بُرْهانَكُمْ) دليلكم على تعدد الآلهة (هذا) القرآن (ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) تذكير لأمتي (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) من سائر الكتب ، ليس فيها دليل على تعدد الآلهة (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) الذي هو توحيد الله (فَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن النظر.

٣٣٥

[٢٥] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) فوحدوني.

[٢٦] (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) قال المشركون إن الملائكة بنات الله (سُبْحانَهُ) أنزهه تنزيها (بَلْ) الملائكة (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) أكرمهم الله تعالى.

[٢٧] (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) لا يقولون شيئا حتى يقول الله (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) لا يعملون إلا ما يأمرهم الله به.

[٢٨] (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي ما عملوا وما هم عاملون (وَلا يَشْفَعُونَ) أي الملائكة (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) اختاره الله أن يشفع الملائكة له (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) خوفه تعالى (مُشْفِقُونَ) خائفون.

[٢٩] (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) من الملائكة (إِنِّي إِلهٌ) أو ولد له (مِنْ دُونِهِ) دون الله (فَذلِكَ) القائل (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ) الجزاء (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) الذين يظلمون أنفسهم بادّعاء الألوهية.

[٣٠] (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) ملتصقة فالسماء لا تنزل المطر والأرض لا تخرج النبات (فَفَتَقْناهُما) أنزلنا من السماء المطر ومن الأرض أخرجنا النبات (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) فإن حياة الحيوان والنبات بالماء (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) مع ظهور الآيات.

[٣١] (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) الجبال (أَنْ تَمِيدَ) لئلا تزل الأرض (بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً) طرقا (سُبُلاً) بدل (فجاجا) (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) إلى مصالحهم.

[٣٢] (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) عن الفساد (وَهُمْ عَنْ آياتِها) الأدلة الدالة الموجودة فيها (مُعْرِضُونَ) لا يتفكرون.

[٣٣] (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌ) واحد (فِي فَلَكٍ) دائرة خاصة به (يَسْبَحُونَ) يسرعون في الحركة كسباحة الإنسان في الماء.

[٣٤] (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) البقاء في الدنيا (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) والمعنى أن الكل يموتون ، وهذا مما يوجب معرفة الإنسان أن له ربا بيده زمام أمره.

[٣٥] (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ) تذوق (الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ) نختبركم (بِالشَّرِّ) بالبلاء (وَالْخَيْرِ) النعم (فِتْنَةً) ابتلاء (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) بعد الموت لجزاء عملكم.

٣٣٦

[٣٦] (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ) ما (يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) مهزوا به ويقولون (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) بسوء (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) الذي هو الإله حقيقة (هُمْ كافِرُونَ) فمن يكفر بالإله الحقيقي كيف يتّخذ الآلهة الباطلة.

[٣٧] (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) فإنه لفرط استعجاله في الأمور ، كأنه خلق من جنس العجل ، كما نقول خلق زيد من الشجاعة (سَأُرِيكُمْ آياتِي) الأدلة الدالة على التوحيد والرسالة والمعاد (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) لرؤيتها ، وفيه إشارة إلى لزوم التأمل والتفكر في الأمور.

[٣٨] (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) وعد وقت العذاب الذي يهددنا به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنْ كُنْتُمْ) أيها المسلمون (صادِقِينَ) في أن الله يعاقبنا إن بقينا على الكفر.

[٣٩] (لَوْ) جوابه محذوف ، أي لو علموا شدة العذاب لما استعجلوه (يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ) وقت (لا يَكُفُّونَ) لا يدفعون (عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) يعني وقت إحاطة النار بكل جوانبهم (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لا ينصرهم أحد لدفع العذاب عنهم.

[٤٠] (بَلْ تَأْتِيهِمْ) القيامة (بَغْتَةً) فجأة (فَتَبْهَتُهُمْ) تحيرهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) دفع القيامة (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يؤخرن إلى وقت آخر.

[٤١] (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) استهزأ الكفار ، وهذا تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ) أحاط (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) من الرسل أي استهزءوا بهم ، جزاء (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).

[٤٢] (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) يحفظكم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) من بأسه ولعل ذكر الرحمن لأنه كانوا ينفرون من هذا الاسم (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) لا يلتفتون إليه.

[٤٣] (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ) من حلول العذاب بهم (مِنْ دُونِنا) غيرنا (لا يَسْتَطِيعُونَ) تلك الآلهة (نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) بأن يدفعوا عن أنفسهم من يريد كسرها وتحطيمها (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) يحفظون ، يقال : صحبك الله أي حفظك.

[٤٤] (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ) الكفار بأنواع نعيم الدنيا (وَ) متعنا (آباءَهُمْ) من قبل (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) فغرّهم عدم أخذ الله لهم (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) بتسليط المسلمين على بلاد الكفار دلالة على قدرتنا الكاملة (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) أي فهل لهم الغلبة علينا بعد ما يرون من غلبتنا على الكفار بأخذ أراضيهم؟

٣٣٧

[٤٥] (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) بما أوحي إليّ (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُ) شبّه الكفار بالأصم لأنهم مثله في عدم الانتفاع بالسماع (الدُّعاءَ) إذا دعي ونودي الأصم (إِذا ما يُنْذَرُونَ) يخوفون و(ما) زائدة.

[٤٦] (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ) أقل شيء (مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا) يا سوء حالنا (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أنفسنا بتكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٤٧] (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ) التي تزن الأعمال ب (الْقِسْطَ) العدل (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) لأهل يوم القيامة (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) بتقليل ثواب أو زيادة عقاب (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ) زنة (حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) حبة الأفيون وهي صغيرة جدا (أَتَيْنا بِها) أحضرناها لنعطي جزاء عاملها (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) إذ لا حساب أحسن من حسابنا.

[٤٨] (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) الفارق بين الحق والباطل (وَضِياءً) يستضاء به الناس (وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) فإنهم المنتفعون بالذكر.

[٤٩] (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) وهو غائب عن حواسهم (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) القيامة (مُشْفِقُونَ) خائفون.

[٥٠] (وَهذا) القرآن (ذِكْرٌ مُبارَكٌ) كثير البركة والخير (أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) استفهام توبيخي.

[٥١] (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) الهداية والنبوة (مِنْ قَبْلُ) موسى عليه‌السلام ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) بأنه أهل لذلك.

[٥٢] (إِذْ) اذكر حيث (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام (لِأَبِيهِ) عمه آزر (وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ) الأصنام (الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) مقيمون.

[٥٣] (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) فقلدناهم.

[٥٤] (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) واضح.

[٥٥] (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِ) بالجد في ما تقوله (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) تريد اللعب والاستهزاء.

[٥٦] (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) خلقهن (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) المذكور من التوحيد و(كم) للخطاب (مِنَ الشَّاهِدِينَ) فإن الشاهد من حقق الشيء وأثبته.

[٥٧] (وَتَاللهِ) والله (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) لأدبّرن في كسرها (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا) تذهبوا إلى عيدكم (مُدْبِرِينَ) عنها ، قاله سرا فسمعه رجل فأفشاه.

٣٣٨

[٥٨] (فَجَعَلَهُمْ) جعل الأصنام (جُذاذاً) قطعة قطعة (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) أكبر الأصنام فجعله بحاله (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ) إلى الكبير (يَرْجِعُونَ) فيسألونه فيكون عدم جوابه حجة لإبراهيم عليه‌السلام في أنها ليست آلهة.

[٥٩] (قالُوا) بعد رجوعهم : (مَنْ فَعَلَ هذا) الكسر (بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) لنفسه حيث عرضها على القتل.

[٦٠] (قالُوا) قال بعضهم : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) يذكر الآلهة بالسوء (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ).

[٦١] (قالُوا فَأْتُوا بِهِ) بإبراهيم عليه‌السلام (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) بمرأى من الناس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) بأنه كسر الأصنام فتتم الحجة.

[٦٢] (قالُوا) بعد إحضار إبراهيم عليه‌السلام : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا) الكسر (بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ).

[٦٣] (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) الصنم الكبير (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي أن كانوا ينطقون فكبيرهم فعل.

[٦٤] (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) إلى عقولهم (فَقالُوا) بعضهم لبعض : (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) حيث تعبدون ما لا يدفع الأذى عن أصدقائه الأصنام ولا يتكلم إذا سئل.

[٦٥] (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) انقلبوا إلى الجدال كالمنكس على رأسه بعد استقامتهم بالتفكر ، أو معناه إنهم نكسوا رؤوسهم خجلا قائلين : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) فإن الأصنام لا تنطق فكيف نسألهم.

[٦٦] (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ).

[٦٧] (أُفٍّ لَكُمْ) تضجر من استمرارهم على الباطل (وَلِما) لأصنامكم التي (تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أليس لكم عقل يدرك قبح فعلكم.

[٦٨] (قالُوا) قال بعضهم لبعض : (حَرِّقُوهُ) أحرقوا إبراهيم عليه‌السلام وذلك حيث أعوزتهم الحجة (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) بالانتقام ممن كسرها (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ناصرين لها.

[٦٩] فألقوه في النار و (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) يسلم فيك (عَلى إِبْراهِيمَ).

[٧٠] (وَأَرادُوا بِهِ) بإبراهيم عليه‌السلام (كَيْداً) إحراقا (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) لأن النار انقلبت دليلا آخر لإبراهيم عليه‌السلام على صحة كلامه.

[٧١] (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً) وهو من أقرباء إبراهيم عليه‌السلام كانا بالعراق (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي أرض بيت المقدس التي بورك بإرسال الأنبياء عليهم‌السلام وكثرة الثمار (لِلْعالَمِينَ) فهي أرض بركة لكل الناس.

[٧٢] (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) عطية (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) وفقناهم للصلاح.

٣٣٩

[٧٣] (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) الناس (بِأَمْرِنا) إلى الله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ) أي أن افعلوا (الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) مخلصين في عبادتهم بلا شرك.

[٧٤] (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً) سلطة لأن يحكم بين الناس ، فإنه لا يجوز الحكم إلا بإذن الله (وَعِلْماً) نبوة (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ) سدوم في أراضي الشام (الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) فإن أهل القرية كان يلوطون مع الذكور (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) سيئين (فاسِقِينَ) خارجين عن طاعة الله.

[٧٥] (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) بأن أفضنا عليه الرحمة واللطف (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

[٧٦] (وَ) اذكر (نُوحاً إِذْ نادى) قائلا : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (١) (مِنْ قَبْلُ) قبل إبراهيم عليه‌السلام (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الغمّ الذي أصابه بسبب أذى قومه وكفرهم.

[٧٧] (وَنَصَرْناهُ مِنَ) خلصناه من أيدي (الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ).

[٧٨] (وَ) اذكر (داوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) الزرع (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ) تفرقت ليلا وأكلت منه (غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) حكم داود وسليمان عليهما‌السلام والمتحاكمين إليهما (شاهِدِينَ) حاضرين حكم داود عليه‌السلام بأن الغنم تكون لصاحب الزرع ، وحكم سليمان عليه‌السلام بأن ينتفع أهل الزرع بدرها ونسلها وصوفها ويقوم أهل الغنم على الحرث حتى يعود كما كان ثم يترادّان ، وكان كلا الحكمين صحيحا وإن كان الثاني أحسن ، كما إنك لو استعملت قلم زيد فصارت قيمته نصف دينار بعد أن كانت دينارا فللحاكم أن يقول أعط قلمك الذي يساوي نصف دينار لزيد وأن يقول خذ أنت قلم زيد وزيد قلمك وأصلح قلمه ثم ترادا القلمين لأنه في كلا الحالين ردت القلم ذاته أو نقصه إلى زيد.

[٧٩] (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) أي الحكومة التي هي أحسن (وَكُلًّا) من سليمان وداود عليهما‌السلام (آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) الجبال مع تسبيح داود عليه‌السلام بحيث يسمع صوتها (وَ) سخرنا (الطَّيْرَ) فكان الطير يسبح بتسبيح داود عليه‌السلام (وَكُنَّا فاعِلِينَ) لهذه الأمور وان استغربها الناس.

[٨٠] (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ) صنع (لَبُوسٍ) لباس الحرب وهي الدرع (لِتُحْصِنَكُمْ) تحفظكم الدرع حال الحرب (مِنْ بَأْسِكُمْ) شدتكم في الحرب (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) نعمي.

[٨١] (وَ) سخرنا (لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) فكانت تحمل بساطه في حال كونها (عاصِفَةً) شديدة الهبوب (تَجْرِي) الريح (بِأَمْرِهِ) بأمر سليمان عليه‌السلام (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي أرض الشام (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) فنفعل كل شيء حسب الحكمة والصلاح.

__________________

(١) سورة نوح : ٢٦.

٣٤٠