تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[١٢] (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أشجارها وقصورها (الْأَنْهارُ وَ)

(الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) بمتاع الدنيا (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) غافلين عن العاقبة (وَالنَّارُ مَثْوىً) منزل (لَهُمْ) للكافرين.

[١٣] (وَكَأَيِّنْ) بمعنى كم للتكثير (مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ) أي من مكة (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) فإن أهل مكة أخرجوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) يدفع العذاب عنهم.

[١٤] (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة واضحة (مِنْ) قبل (رَبِّهِ) كالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنون (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) زين الشيطان في أنظارهم أعمالهم السيئة (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) شهواتهم النفسية.

[١٥] (مَثَلُ) أي حاله حال (الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) غير متغير بالعفونة (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) فلم يفسد (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ) لذيذة لا مثل خمر الدنيا (لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) لم يخالطه الشمع (وَلَهُمْ فِيها) في الجنة (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أنواع الفواكه (وَمَغْفِرَةٌ) غفران ، فمن هو خالد في الجنة بهذه النعم (مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً) شديد الحرارة (فَقَطَّعَ) ذلك الماء من شدة حرارته (أَمْعاءَهُمْ) أحشاءهم.

[١٦] (وَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) حين تتكلم (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) من المجلس (قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) العلماء من المؤمنين (ما ذا قالَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (آنِفاً) قبل ساعة ، يقولون ذلك استهزاء (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) لأنهم لما ضلوا عنادا وسم الله قلوبهم بسمة النفاق (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) بدل أن يتبعوا الحق.

[١٧] (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) قبلوا الهدى ولم ينافقوا (زادَهُمْ) كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (هُدىً) ثبوتا على الهدى وهداية جديدة (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) وفقهم الله للتقوى.

[١٨] (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) ينتظر هؤلاء المنافقون (إِلَّا السَّاعَةَ) القيامة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) فجأة (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) علائمها التي منها بعثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانشقاق القمر وما أشبه (فَأَنَّى) فمن أين (لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ) الساعة (ذِكْراهُمْ) أي تذكرهم فلا ينفعهم التذكر حينذاك.

[١٩] (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) قد سبق أن الحاجات الضرورية للبدن يعدها الأنبياء عليهم‌السلام ذنبا أمام الله تعالى كمن يعد مدّ رجله لمرض في قبال الملك ذنبا (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) انتشاركم بالنهار (وَمَثْواكُمْ) مستقركم بالليل ، أو محل عملكم في الدنيا ومصيركم في الآخرة.

٥٢١

[٢٠] (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي من أظهروا الإيمان (لَوْ لا) هلا (نُزِّلَتْ سُورَةٌ) تأمرنا بالقتال (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) صريحة (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) الأمر بالقتال (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ) الذي أخذته الغشوة (مِنَ الْمَوْتِ) من جهة قرب موته ، والمراد إن حالتهم تصبح كحالة المحتضر من الخوف والجبن (فَأَوْلى لَهُمْ) هذا مثال بمعنى وليهم المكروه ، يقال : أولى لك أي وليك المكروه ، أو بمعنى أولى لهم.

[٢١] (طاعَةٌ) بأن يطيعوا (وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) يقولون قولا معروفا بإظهار الموافقة للحرب (فَإِذا عَزَمَ) جد (الْأَمْرُ) مجاز (١) ، أي عزم أصحاب الأمر للقتال (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) بامتثال أمره (لَكانَ) الصدق (خَيْراً لَهُمْ) في دنياهم وآخرتهم.

[٢٢] (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) أي هل يتوقع منكم يا معاشر المنافقين (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم عن الدين وذهبتم (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) أي أنتم أهل الفساد لا أهل القتال.

[٢٣] (أُولئِكَ) المنافقون هم (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم عن رحمته (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أي تركهم أصم عن سماع الحق وأعمى عن رؤية الحق.

[٢٤] (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) بأن يتفكروا فيه حتى يعتبروا (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) جمع قفل فلا يدخل قلوبهم معانيه.

[٢٥] (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) بأن كفروا قلبا ونافقوا كمن يرجع موليا دبره (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ) ظهر (لَهُمُ الْهُدَى) بحقيقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الشَّيْطانُ سَوَّلَ) زين (لَهُمُ) النفاق والعصيان (وَأَمْلى) أمدّ (لَهُمُ) في الآمال.

[٢٦] (ذلِكَ) التسويل والإملاء بسبب أنهم أي المنافقين (قالُوا لِلَّذِينَ) لأسيادهم الكفار (كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) أي كرهوا الإسلام والدين (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) كالتظاهر على عداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتشكيك في القرآن (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) ما يسره بعضهم إلى بعض فيجازيهم.

[٢٧] (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ) أخذت أرواحهم (الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) المواضع التي كانوا لم يقاتلوا توقيا منهم لها.

[٢٨] (ذلِكَ) التوفي بهذا الحال بسبب أنهم أي المنافقين (اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) أغضبه (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) رضاه بأن لم يفعلوا ما يرضيه (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) أبطلها ولم يثبهم على أعمالهم الحسنة كصلة الرحم والإنفاق.

[٢٩] (أَمْ) بل (حَسِبَ) زعم (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) النفاق (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) أحقادهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين.

__________________

(١) أي نسبة العزم إلى الأمر مجاز ، لأن الأمر لا يتصف بالعزم ، بل الآمر يتصف به.

٥٢٢

[٣٠] (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) أي عرفناك يا رسول الله المنافقين بدلائل تدل على نفاقهم (فَلَعَرَفْتَهُمْ) بعد أن أريناكهم (بِسِيماهُمْ) بعلاماتهم (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) كيفية كلامهم فإن في كلامهم التواء وانحرافا (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) فيجازيكم عليها.

[٣١] (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي نختبرنكم بالجهاد ونحوه (حَتَّى نَعْلَمَ) يظهر علمنا إلى عالم الخارج (الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) على الشدائد (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي ما تقولونه عن أنفسكم : بأنكم مؤمنون صابرون مجاهدون ، نمتحن هل هذا الكلام صدق أم لا.

[٣٢] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بأن منعوا الناس عن سلوك طريق الحق (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) خالفوه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ) ظهر (لَهُمُ الْهُدى) بأن علموا بصدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) وإنما يضرون أنفسهم (وَسَيُحْبِطُ) يبطل الله (أَعْمالَهُمْ) الحسنة بسبب كفرهم ونفاقهم.

[٣٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) الحسنة بالشك والنفاق.

[٣٤] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) بأن لم يتوبوا (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لأن الكافر المعاند لا غفران له.

[٣٥] (فَلا تَهِنُوا) لا تضعفوا أيها المسلمون (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) الهدنة ، أي لا تدعوا إلى ذلك (وَ) الحال (أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) قوة وعدة (وَاللهُ مَعَكُمْ) ناصركم (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) لن ينقصكم أجر (أَعْمالَكُمْ) فإن اللازم محاربة الكافرين لأجل إحقاق الحق وإنقاذ المظلومين من براثن الحكام الجائرين.

[٣٦] (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ما يلهي الإنسان عن المقصد ، فلا ترجحوا الدنيا حتى لا تقاتلوا (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) الكفر والعصيان (يُؤْتِكُمْ) يعطكم الله (أُجُورَكُمْ) ثواب أعمالكم (وَلا يَسْئَلْكُمْ) الله (أَمْوالَكُمْ) حتى تفروا خوفا وتحفظا على الأموال.

[٣٧] (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) أي إن يسألكم أن تعطوا جميع أموالكم في سبيل الله (فَيُحْفِكُمْ) يجهدكم بطلب كل أموالكم (تَبْخَلُوا) ولم تبذلوا (وَيُخْرِجْ) البخل (أَضْغانَكُمْ) أحقادكم على الدين ، ولذا لا يكلفكم تكليفا شاقا يوجب انحرافكم ، تفضلا منه.

[٣٨] (ها) للتنبيه (أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) بعض أموالكم لأجل الجهاد وغيره (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) لأن ضرر البخل يعود إلى نفسه (وَاللهُ الْغَنِيُ) عن أموالكم (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) فأمركم بالإنفاق لأجل أن يغنيكم من الثواب (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) تعرضوا عن اتباع أوامر الله (يَسْتَبْدِلْ) يبدلكم الله (قَوْماً) إلى أناس آخرين مطيعين لله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) في التولي عن الطاعة ، بل هم مطيعون لله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أمرا.

٥٢٣

٤٨ : سورة الفتح

مدنية تسع وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) قضينا لك بالفتح (فَتْحاً مُبِيناً) ظاهرا ، والمراد فتح مكة.

[٢] (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) فإن الفتح سبب لأن يغفر لك أهل مكة ما زعموه من ذنبك كنفي آلهتهم وما أشبه ، حيث إن الناس يغفرون للسلطان معاصيه السابقة إليهم إذا سيطر وأحسن (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) قبل الهجرة (وَما تَأَخَّرَ) عن الهجرة (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإعطائك السيطرة على الجزيرة العربية (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) يثبتك عليه ، لأن الإنسان في كل يوم يحتاج إلى هداية جديدة وكذلك في كل عمل.

[٣] (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) فإن نصره على مكة يوجب نصره الكامل الذي لا ذل بعده عن الناس.

[٤] (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) الطمأنينة (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً) بما أنزل عليك (مَعَ إِيمانِهِمْ) السابق فإن الإيمان ملكة له مراتب (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الملائكة والجن وقسم من الناس وسائر الكائنات فيتمكن من نصر من يشاء (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بكل شيء (حَكِيماً) في تدبيره.

[٥] وإنما زادهم إيمانا (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ) دائمين (فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي يمحيها (وَكانَ ذلِكَ) الثواب (عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) أي فوزا عظيما عند الله.

[٦] (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) فإن المنافق يتأذى من تقدم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) بالغلبة والسيطرة عليهم (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) بأن الله لا ينصر دينه ونبيه (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أي تدور عليهم الفلك بدائرة سيئة وهذا دعاء عليهم (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ) طردهم عن رحمته (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) محلّا أي جهنم.

[٧] (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) فيما أراد (حَكِيماً) في تدابيره.

[٨] (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على أمتك بما يفعلون تشهد عليهم يوم القيامة (وَمُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيراً) بالنار.

[٩] (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أيها الناس (وَتُعَزِّرُوهُ) أي تنصروا الله (وَتُوَقِّرُوهُ) تعظموه (وَتُسَبِّحُوهُ) تنزهوه عما لا يليق به (بُكْرَةً) صباحا (وَأَصِيلاً) عصرا.

٥٢٤

[١٠] (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) والبيعة أن يمد الشخص يده مادة بيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كناية عن أنه باع كل شيء للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد هنا بيعة الحديبية (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأنه المقصود بالبيعة ولأن طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي طاعة الله (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) تمثيل للتأكيد حيث شبهت يد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حال البيعة بيد الله (فَمَنْ نَكَثَ) نقض البيعة (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) إذ ضرر النكث يعود إلى نفسه (وَمَنْ أَوْفى) ثبت على الوفاء (بِما عاهَدَ عَلَيْهُ) يجوز في الضمير المجرور الخفض والضم ، وهنا القراءة على الضم (اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ) في الآخرة (أَجْراً عَظِيماً) هو الجنة.

[١١] (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ) الذين خلّفهم ضعف اليقين فلم يخرجوا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة عام الحديبية خوفا من الكفار (مِنَ الْأَعْرابِ) أهل البادية الذين كان لهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلف (شَغَلَتْنا) عن الخروج معك (أَمْوالُنا) التي كنا بصدد إصلاحها (وَأَهْلُونا) الذين كنا نداريهم ونقوم بحوائجهم (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) اطلب أن يغفر الله لنا قعودنا عن الخروج معك (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) لأن عدم خروجهم كان خوفا لا شغلا (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) أي من يمنعكم عن مراد الله إن أراد بكم إيقاع ضرر فما فائدة فراركم من الخروج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أن الله مسيطر عليكم (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) جاء هذا لتتميم الكلام وبيان القاعدة الكلية وإن لم يكن هو بالذات محل الاستشهاد (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من التخلف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفا (خَبِيراً) فيجازيكم عليه.

[١٢] (بَلْ ظَنَنْتُمْ) أيها الأعراب (أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) لا يرجعون ، لأن الكفار سيقتلونهم ولذا لم تخرجوا (وَزُيِّنَ) زينه الشيطان (ذلِكَ) الظن (فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) بهلاك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) جمع بائر ، أي هالكين ، بسبب تخلفكم عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١٣] (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا (لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) نارا ذات لهب.

[١٤] (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيدبرهما كيف يشاء حسب المصلحة (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) من استحق العقاب (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) كثير الغفران (رَحِيماً) فقد سبقت رحمته غضبه.

[١٥] (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) الذين تخلفوا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عام الحديبية (إِذَا انْطَلَقْتُمْ) أيها المسلمون (إِلى مَغانِمَ) غنائم (لِتَأْخُذُوها) والمراد غنائم خيبر ، إذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رجع عن الحديبية غزى خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وخصهم بغنائمها دون من سواهم (ذَرُونا) دعونا (نَتَّبِعْكُمْ) في الغزو وأخذ الغنيمة (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) فإن الله وعد أصحاب الحديبية بغنائم خيبر دون من سواهم فإعطاء المخلفين من الغنائم تبديل لكلام الله (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) نفي في معنى النهي (كَذلِكُمْ) هكذا و(كم) للخطاب (قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) قبل عودنا من الحديبية (فَسَيَقُولُونَ) أي المخلفون (بَلْ تَحْسُدُونَنا) أن نشارككم في الغنيمة (بَلْ) ليس كذلك وإنما (كانُوا) أي المخلفون (لا يَفْقَهُونَ) لا يفهمون الحكم والمصالح (إِلَّا قَلِيلاً) منها ، فإن هذا العمل يوجب أن لا يتخلف أحد من بعد عن أوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفا من أن يصيبه الحرمان.

٥٢٥

[١٦] (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ) فيما بعد (إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أصحاب قوة ومراس في الحرب ، كثقيف وهوازن وغيرهما (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) بأن تخيروهم بين الأمرين من الإسلام أو القتال ، وذلك لنقضهم العهد مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَإِنْ تُطِيعُوا) بإجابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى القتال (يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) غنيمة في الدنيا وثوابا في الآخرة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) تعرضوا عن القتال (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) في الحديبية (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما.

[١٧] (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) ضيق في ترك الجهاد (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ) الذي يصعب عليه الجهاد (حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أشجارها (الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَ) يعرض عن أوامر الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما.

[١٨] (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) التي كانت في الحديبية ، فقد خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه لأجل العمرة ، ولما وصل إلى الحديبية وهي موضع قرب مكة أرسل بعض أصحابه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت للقتال ، فشاع بين المسلمين أن من ذهب إلى قريش قتل ، فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخبر وجمع أصحابه وأخذ منهم بيعة ثانية لقتال قريش ، لكن قريشا لما علموا بالخبر أرسلوا بعضهم للمفاوضة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرجوع والمجيء إلى مكة في العام المقبل ، وتبين أن الإشاعة كانت باطلة ، وبعد الحديبية ذهب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خيبر وفتحها (فَعَلِمَ) الله (ما فِي قُلُوبِهِمْ) من صدق النية للقتال (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ) السكون والطمأنينة (عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ) أعطاهم ثواب صدقهم (فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح خيبر.

[١٩] (وَ) أثابهم (مَغانِمَ) غنائم (كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) في سلطانه (حَكِيماً) في أفعاله.

[٢٠] (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ) من المشركين وغيرهم في المستقبل (كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) غنائم خيبر أعطاكم إياها عاجلا (وَكَفَ) منع (أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) فإن يهود خيبر وحلفاءهم لم يقدروا على مقابلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَلِتَكُونَ) هذه الغنائم العاجلة (آيَةً) علامة على صدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث وعدهم ثم صار كما وعد (لِلْمُؤْمِنِينَ) فإنهم المستفيدون منها (وَيَهْدِيَكُمْ) يثبتكم على الهداية (صِراطاً مُسْتَقِيماً).

[٢١] (وَ) وعدكم الله مغانم (أُخْرى) عاجلة أيضا كغنائم خيبر (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) بعد (قَدْ أَحاطَ) استولى (اللهُ بِها) حيث علم أنكم تأخذونها عن قريب (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).

[٢٢] (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة في الحديبية (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) انهزموا (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يلي أمرهم بحفظهم (وَلا نَصِيراً) ينصرهم ، وإنما أمر الله بالصلح معهم ، لأنه تعالى أراد فتحها بدون إراقة دم وبدون جهد.

[٢٣] (سُنَّةَ اللهِ) أي سن الله غلبة أنبيائه سنة (الَّتِي قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلُ) في سائر الأنبياء عليهم‌السلام حيث نصرهم على الكفار (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) تغييرا.

٥٢٦

[٢٤] (وَهُوَ الَّذِي كَفَ) منع (أَيْدِيَهُمْ) أي الكفار (عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) بأن نهى عن قتالهم (بِبَطْنِ مَكَّةَ) أي داخلها ، والمراد به الحديبية (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) حيث إنه خرج جمع من الكفار لمحاربة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من أصحابه فهزموهم وعلموا أنه لا طاقة لهم بالمسلمين (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) يجازيكم عليه.

[٢٥] (هُمُ) أهل مكة (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ) منعوكم أيها المسلمون (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) في عام الحديبية فلم يأذنوا لدخولكم إليها لأداء المناسك (وَ) صدوا (الْهَدْيَ) الأنعام التي كانت معكم مهداة إلى الكعبة لأجل ذبحها في حال كونه (مَعْكُوفاً) ممنوعا منعوه منعا (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) مكانه المعهود لنحره وذبحه وهو مكة (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) في مكة (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالكفار (أَنْ تَطَؤُهُمْ) أي لو لا مخافة وطئكم أي قتلكم للمسلمين في مكة ، إذا صارت المحاربة في الحديبية (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ) من جهة أولئك المسلمين (مَعَرَّةٌ) تبعة كلزوم الدية والكفارة والتأسف (بِغَيْرِ عِلْمٍ) منكم ، متعلق ب (تطئوهم) ، وجواب (لو لا) مقدر أي لأذن الله لكم في قتال أهل مكة (لِيُدْخِلَ) علة أخرى لعدم إذنهم في القتال ، وهو دخول الناس في الإسلام ، لأن صلح الحديبية صار سببا لدخول جماعات في الإسلام (اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا) تفرقوا وتميز الكافر من المؤمن في مكة (لَعَذَّبْنَا) بإجازة القتل والقتال (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما بقتلهم وأسرهم.

[٢٦] (إِذْ) اذكر زمانا (جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) العصبية (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) حيث قالوا كيف يدخل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة بلدنا وقد قتل في أحد آباءنا وإخواننا والحال أن الحج والعمرة لا يرتبطان بالمنازعات ـ حتى في عرف الكفار ـ (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) طمأنينته (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) لأنهم هاجوا حيث أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلح ، ثم أسكن الله قلوبهم حتى رضوا بما أراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) أن اتقوا معصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَكانُوا) أي المسلمون (أَحَقَّ بِها) بالتقوى من غيرهم (وَ) كانوا (أَهْلَها) أي أهل التقوى (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فعلم صدق نياتهم وإطاعتهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢٧] (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) المنام الذي رآه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الحديبية أنه دخل مكة وأدى المناسك فقص رؤياه على أصحابه ، ولما أراد الصلح قال بعض الأصحاب فأين رؤياك يا رسول الله ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه سيكون في المستقبل ـ ولم أقل لكم أنه في هذا العام ـ وكان كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل مكة بعد ذلك وأدّى المناسك (بِالْحَقِ) صدقا متلبسا بالحق ، فالصدق مطابقة الشيء للواقع ، والحق مطابقة الواقع للشيء (لَتَدْخُلُنَ) أي أيها المسلمون لتدخلن في المستقبل ـ كما رأى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رؤيا صادقة ـ (الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) في حال أمن (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) هو أخذ بعض الشعر والظفر ، وأحدهما سبب التحليل عن الإحرام (لا تَخافُونَ) تأكيدا ل (آمنين) (فَعَلِمَ) الله (ما لَمْ تَعْلَمُوا) من الحكمة في تأخير دخولكم مكة (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) قبل دخول مكة (فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح خيبر.

[٢٨] (هُوَ) الله (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) أي مع ما يهدي الناس كالقرآن (وَدِينِ الْحَقِ) الإسلام (لِيُظْهِرَهُ) أي يغلب دينه وهو الإسلام (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) كل الأديان (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) شاهدا على أن ما وعده سيكون لا محالة.

٥٢٧

[٢٩] (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ) جمع شديد (عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) يرحم بعضهم بعضا (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) جمع راكع وساجد (يَبْتَغُونَ) يطلبون (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) زيادة ثوابه ورضاه (سِيماهُمْ) علامتهم (فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) كالمحل الخشن في الجبهة (ذلِكَ) الوصف المذكور : (أشداء ...) إلخ (مَثَلُهُمْ) الذي يعرفون به (فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) فقد عرّفوا في الكتابين بهذه الأوصاف فهم (كَزَرْعٍ) نبات (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) فراخه (فَآزَرَهُ) فقوى الزرع الشطأ (فَاسْتَغْلَظَ) صار غليظا (فَاسْتَوى) استقام الزرع (عَلى سُوقِهِ) جمع ساق ، بأن صار محكما قويا (يُعْجِبُ) ذلك الزرع (الزُّرَّاعَ) الزارعين لاستوائه وغلظته ، ووجه الشبه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا وحده ، ثم كثروا وقووا حتى أن الرائي يعجب من كثرتهم وقوتهم وحسن عملهم ، وإنما فعل الله بالمسلمين ذلك (لِيَغِيظَ بِهِمُ) أي بسب المسلمين (الْكُفَّارِ) فإنهم أعداء الله فأغاظهم الله بالمسلمين (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ) من المسلمين ـ لأن جماعة منهم كانوا منافقين فليس الوعد لهم ـ (مَغْفِرَةً) غفرانا لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) في الآخرة.

٤٩ : سورة الحجرات

مدنية آياتها ثماني عشر

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا) بقول أو فعل (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي لا تعجلوا بأمر قبل إذنهما فيه ، والأصل أن أمام الإنسان يكون بين يديه ، ولذا استعير بين اليدين للإمام (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بأقوالكم (عَلِيمٌ) بأفعالكم.

[٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) فإذا كلمتموه لا يكن صوتكم أرفع من صوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي كما يجهر أحدكم في الكلام إذا تكلم مع الآخر ، بل اخفضوا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصواتكم ، كما ينبغي عند العظماء فإنه مرتبة من الاحترام والتكريم ، وذلك ل (أَنْ) لا (تَحْبَطَ) تبطل (أَعْمالُكُمْ) الحسنة بسبب رفع الصوت أو الجهر (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) لا تفهمون أنها أحبطت.

[٣] (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ) يخفضون (أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) إجلالا له (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) اختبرها فرآها أهلا للتقوى ، ولذا منح التقوى لها (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) غفران لذنوبهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) في الآخرة.

[٤] (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) كانوا يأتون والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غرفته بعد فيصيحون من وراء الباب يا محمد يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) إنه مخل بالآداب ، ولعل الإتيان بلفظ (الأكثر) لأجل أن بعضهم كانوا مغرضين في ذلك.

٥٢٨

[٥] (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) بدون أن ينادوك (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) من الاستعجال لما في الصبر من حفظ الآداب (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ) ولذا لا يعاجلهم بالعقاب.

[٦] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) بخبر (فَتَبَيَّنُوا) اطلبوا بيان صدقه وكذبه ولا ترتبوا الأثر على خبره فورا وذلك ل (إِنْ) لا (تُصِيبُوا) بمكروه (قَوْماً) ممن وشي الفاسق عليهم (بِجَهالَةٍ) في حال كونكم جاهلين أمرهم (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ) من إصابة القوم بالأذى (نادِمِينَ) حين تبين كذب الفاسق ، وقد وشى الوليد الفاسق على بني المصطلق كذبا فأراد جمع من المسلمين الانتقام منهم وطلبوا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك فنزلت الآية ناهية عن الاستعجال وإنه يلزم عليهم اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أن يطلبوا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتباع آرائهم.

[٧] (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) الذي تريدون أن يتبع رأيكم فيه (لَعَنِتُّمْ) وقعتم في العنت والمشقة (وَلكِنَ) بيان لعذر المسلمين حيث استعجلوا في تصديق الخبر فإنهم من فرط حبهم للإيمان وكراهتهم الكفر أشاروا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالانتقام من القوم (اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ) أي الإيمان (فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ) الخروج عن الطاعة (وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ) المستثنون (هُمُ الرَّاشِدُونَ) المهتدون الذين لهم رشد فكري.

[٨] (فَضْلاً مِنَ اللهِ) حبب وكره فضلا وزيادة منه تعالى لا باستحقاقكم (وَنِعْمَةً) منه عليكم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال المؤمنين (حَكِيمٌ) في أوامره ونواهيه.

[٩] (وَإِنْ طائِفَتانِ) جماعتان كما حدث بين الأوس والخزرج على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) تقاتلوا (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) بالنصح ودعوتهم إلى الرجوع إلى موازين الشريعة (فَإِنْ بَغَتْ) تعدت بعد النصح (إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا) أيها المسلمون الطائفة (الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ) ترجع (إِلى أَمْرِ اللهِ) في الصلح والرضوخ لحكم الشرع (فَإِنْ فاءَتْ) رجعت الطائفة المعتدية (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) بأن تأخذوا من الظالم منهما دية المظلوم وما أشبه ذلك ، لا بمثل الأحكام الاعتباطية والعادات القبلية (وَأَقْسِطُوا) اعدلوا في كل أمر (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

[١٠] (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) كأن الدين أب لهم فهم أخوة في الدين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) إذا تخاصما (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بتقواكم.

[١١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ) رجال (مِنْ قَوْمٍ عَسى) لعل (أَنْ يَكُونُوا) أي المسخورون (خَيْراً مِنْهُمْ) من الساخرين ، عند الله فكيف يسخرهم لبعض الأمور الدنيوية (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) لا يعيب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) لا يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه (بِئْسَ الِاسْمُ) أي العلامة (الْفُسُوقُ) الخروج عن طاعة الله (بَعْدَ الْإِيمانِ) فإنكم حيث كنتم مؤمنين لا تعملوا على أنفسكم علامة الفسق بسبب التنابز بالألقاب (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) من هذه المعاصي (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أنفسهم بتعريضها للعقاب.

٥٢٩

[١٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) أي ظن السوء ، فإنه الكثير في ظنون الإنسان ، مقابل الظن الحسن كحسن الظن بالله وبالمؤمنين (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) معصية (وَلا تَجَسَّسُوا) لا تبحثوا عن عورات المسلمين (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) والغيبة هي ذكرك أخاك في غيبته بما يكره (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) في حال موت الأخ ، فعرضه كلحمه ، وغيبته كالموت ، لأنه الغائب والميت كلاهما لا يشعران (فَكَرِهْتُمُوهُ) كما كرهتم ذلك فاكرهوا الغيبة لأنها نظيره (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ) يتوب على من تاب (رَحِيمٌ) ولذا لا يعاجلكم بالعقوبة.

[١٣] (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ) آدم (وَأُنْثى) حواء (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً) جمع شعب أعم من القبيلة (وَقَبائِلَ) جمع قبيلة ، فلا النسب ولا الشعب والقبيلة موجبة لرفع الإنسان وكرامته (لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) أكثركم تقوى ، فإن ميزان الفضيلة عند الله التقوى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بما تفعلون (خَبِيرٌ) ببواطنكم.

[١٤] (قالَتِ الْأَعْرابُ) جماعة من أهل البادية أظهروا الإسلام في سنة جدبة لينالوا من الصدقة التي كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوزعها على الفقراء (آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) وهذا تحريض لهم على الإيمان فلا ينافي قوله تعالى (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) (١) (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) دخلنا في الإسلام بإظهار الشهادتين (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي بعد لم يدخل الإيمان الذي هو الاعتقاد القلبي (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ) لا ينقصكم (مِنْ) ثواب (أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) أي يعطيكم ثوابكم كاملا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ) بعباده حيث لا يعاجلهم بالعقوبة.

[١٥] (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) حقيقة هم (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) لم يشكّوا فيما آمنوا به (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) لأجل إعلاء كلمة الله (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الذين صدقوا في كونهم مؤمنين.

[١٦] (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) أي هل تخبرون الله بقولكم (آمنا) إنكم متدينون ، والاستفهام للتوبيخ (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو أعلم بأنكم مؤمنون أم لا.

[١٧] (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أي بإسلامهم ، كأنه منة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) بإسلامكم (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ) حيث هداكم (لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ادعاء إيمانكم.

[١٨] (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ) ما غاب عن الحواس في (السَّماواتِ وَ) في (الْأَرْضِ) فهو يعلم أنكم صادقين في إيمانكم أم لا (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فسوف يجازيكم عليه.

__________________

(١) سورة النساء : ٩٤.

٥٣٠

٥٠ : سورة ق

مكية آياتها خمس وأربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (ق) رمز بين الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ذو المجد والرفعة ، وجواب القسم مقدر ، أي أنكم مبعوثون ، دل عليه (بل عجبوا) إلخ.

[٢] (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنْهُمْ) من جنسهم (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا) الذي يقوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (شَيْءٌ عَجِيبٌ).

[٣] (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) نرجع أحياء (ذلِكَ) الرجوع إلى الحياة (رَجْعٌ) رجوع (بَعِيدٌ) أن يكون.

[٤] (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ما تأكل الأرض من أجسادهم ، فإذا أردنا إحياءهم جمعنا الأجزاء (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) حافظ لكل شيء ، والمراد اللوح المحفوظ أو علم الله.

[٥] (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) النبوة (لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) مضطرب فيقولون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة إنه شاعر وتارة كاهن وهكذا.

[٦] (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) للاستدلال على الله وصفاته وقدرته على البعث (إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) بلا عمد بهذا الشكل الجميل (وَزَيَّنَّاها) بالكواكب (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) شقوق توجب خللا فيها.

[٧] (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) بسطناها (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) جبالا ثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) صنف من النبات (بَهِيجٍ) حسن ذو بهجة يسر من رآه.

[٨] (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) أي فعلنا كل ذلك لأجل تبصيرهم وتذكيرهم بالفطرة الكامنة فيهم (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع إلى ربه.

[٩] (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) المطر (مُبارَكاً) كثير البركة (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) أشجار وبساتين (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد ، كالحنطة.

[١٠] (وَ) أنبتنا به (النَّخْلَ باسِقاتٍ) طوالا (لَها طَلْعٌ) أول ما يطلع منها وفيه التمر (نَضِيدٌ) منضود بعضه على بعض.

[١١] (رِزْقاً) لأجل الرزق والأكل (لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ) بالمطر (بَلْدَةً مَيْتاً) باليبس لا نبات فيه (كَذلِكَ) كالإحياء للبلدة بعد الموت (الْخُرُوجُ) خروج الموتى أحياء عند البعث.

[١٢] (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل قومك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِ) البئر التي رسوا فيها نبيهم قرب شط الرس (وَثَمُودُ).

[١٣] (وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) أي قومه.

[١٤] (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قوم شعيب النبي عليه‌السلام (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) الملك كما سبق في سورة الدخان (كُلٌ) أي كل واحد من هؤلاء الأقوام (كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَ) ثبت عليهم (وَعِيدِ) وعيدي أي عذابي فأهلكتهم.

[١٥] (أَفَعَيِينا) أي هل عجزنا (بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) أي بهذه الخلقة ابتداء ، حتى لا نقدر على إعادة الخلق للآخرة ، والاستفهام للإنكار (بَلْ) لم نعي وإنما (هُمْ) الكفار (فِي لَبْسٍ) شك (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) من أن نخلق الناس جديدا للحساب.

٥٣١

[١٦] (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) الوسوسة ما تدور في صدره من الأفكار فنحن الخالق العالم (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) عرق العنق ، والإضافة بيانية ، وفي طرفي العنق عرقان كل واحد وريد ، فإنه قد يريد شيئا بقلبه فنحول دون أن ينفذ إرادته بعينه أو أذنه أو لسانه ، وقد يتكلم بشيء أو يرى أو يسمع ونحول دون أن يصل ذلك الشيء إلى قلبه ، كما في حالات الغفلة.

[١٧] (إِذْ) اذكر زمانا (يَتَلَقَّى) يأخذ (الْمُتَلَقِّيانِ) الآخذان وهما ملكان يكتبان ما يعمل الإنسان (عَنِ الْيَمِينِ) أحدهما قاعد (وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أي قاعد ، وفي بعض الروايات أنهما على الشدقين أي طرفي الفم.

[١٨] (ما يَلْفِظُ) لا يتكلم الإنسان (مِنْ قَوْلٍ) كلمة (إِلَّا لَدَيْهِ) لدى التلفظ (رَقِيبٌ) يراقب كلامه (عَتِيدٌ) حاضر مستعد لكتابته.

[١٩] (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) شدته المزيلة للفعل ، كالسكر (بِالْحَقِ) أي بالحقيقة من أمر الإنسان ، فإن الحقائق هناك تنكشف (ذلِكَ) الموت (ما) الذي (كُنْتَ) أيها الإنسان (مِنْهُ تَحِيدُ) تهرب.

[٢٠] (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) بوق ينفخ فيه إسرافيل لأجل إحياء البشر للحساب (ذلِكَ) الوقت (يَوْمُ الْوَعِيدِ) يتحقق فيه الوعيد بالعذاب.

[٢١] (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ) ليسوقها (وَشَهِيدٌ) شاهد يشهد عليها بما عملت في الدنيا.

[٢٢] ويقال له : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اليوم ، كالإنسان الغافل لا تعمل لهذا اليوم (فَكَشَفْنا) رفعنا (عَنْكَ غِطاءَكَ) الذي كان على قلبك في الدنيا فيمنعك عن فهم الحقائق (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) حاد يرى الحقائق إذ زالت الشهوات والموانع عن القلب.

[٢٣] (وَقالَ قَرِينُهُ) الملك الشاهد عليه : (هذا ما لَدَيَ) هذا الأمر الذي هو مكتوب عندي (عَتِيدٌ) حاضر.

[٢٤] (أَلْقِيا) أيها السائق والشهيد (فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) كثير الكفر المعاند للحق.

[٢٥] (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) كثير المنع للأعمال الخيرية (مُعْتَدٍ) مجاوز للحق (مُرِيبٍ) شاك في الدين.

[٢٦] (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) من الأصنام أو نحوها (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ).

[٢٧] (قالَ قَرِينُهُ) الشيطان الذي كان يغويه في الدنيا : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) لم أكن سببا لطغيانه (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) هو كان ضالا فدعوته فاستجاب لي ، والبعيد يعني بعيد عن الحق ، وهو يقول ربنا إنه أضلّني.

[٢٨] (قالَ) الله : (لا تَخْتَصِمُوا) لا يخاصم أحدكم الآخر (لَدَيَ) الآن فلا يفيد الاختصام (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) على أن من كفر فجزاؤه النار.

[٢٩] (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) لا يقع خلاف وعيدي للكفرة (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ) بذي ظلم (لِلْعَبِيدِ) فلا أعاقب إلا من استحق العقاب.

[٣٠] (يَوْمَ) اذكر يوما (نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) والسؤال لأجل التقرير وتبكيت الداخلين فيها (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)

٥٣٢

أي هل في موضع زيادة ، كناية عن امتلائها كما قال سبحانه : (لأملأن جهنم) (١).

[٣١] (وَأُزْلِفَتِ) قرّبت (الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) الذي كانوا يتقون الكفر والعصيان في الدنيا ، في حال كونها (غَيْرَ بَعِيدٍ) منهم.

[٣٢] ويقال لهم (هذا) الثواب (ما) كنتم (تُوعَدُونَ) في الدنيا فهو (لِكُلِّ أَوَّابٍ) كثير الأوبة والتوبة (حَفِيظٍ) حافظ نفسه عن الكفر والعصيان.

[٣٣] (مَنْ) بدل من (أواب) (خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) حال كونه لا يرى الله (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) راجع إلى الله.

[٣٤] ويقال لهم (ادْخُلُوها) أي الجنة (بِسَلامٍ) سالمين عن المكروه (ذلِكَ) اليوم (يَوْمُ الْخُلُودِ) خلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.

[٣٥] (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) في الجنة ، من أنواع النعم (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) زيادة على ما يشاءون ، مما لا يخطر ببالهم.

__________________

(١) سورة هود : ١١٩.

٥٣٣

[٣٦] (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) قبل هؤلاء الكفار (مِنْ قَرْنٍ) أمة (هُمْ) ذلك القرن (أَشَدُّ مِنْهُمْ) من هؤلاء (بَطْشاً) قوة وأخذا (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) فتحوا المسالك في البلاد لشدة بطشهم وقوتهم ف (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) مهرب من العذاب إذا جاءهم ، فلم تفدهم قوتهم ونقبهم.

[٣٧] (إِنَّ فِي ذلِكَ) إهلاك الأمم السابقة (لَذِكْرى) تذكرة للاعتبار (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) عقل يتفكر به (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أصغى للاستماع (وَهُوَ شَهِيدٌ) حاضر القلب ، ليفهم الحقائق.

[٣٨] (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) تعب ، أي لم نتعب ، ومن هو بهذه القدرة قادر على البعث.

[٣٩ ـ ٤٠] (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي الكفار ، فيك وفي القرآن (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) نزّهه حامدا له (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) في صلاة الصبح (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) في صلاة الظهر والعصر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) أي في صلاة المغرب والعشاء (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) أي بعد الصلاة ، وأدبار جمع دبر بمعنى العقب.

[٤١] (وَاسْتَمِعْ) أي انتظر سماع قول إسرافيل (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) هو إسرافيل ، ينادي لإحياء الأموات (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) بحيث يسمعه كل الأموات فيحيون.

[٤٢] (يَوْمَ) بدل من (يوم ينادي) (يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) نداء إسرافيل (بِالْحَقِ) الذي هو البعث (ذلِكَ) اليوم (يَوْمُ الْخُرُوجِ) من القبور.

[٤٣] (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي) من التراب (وَنُمِيتُ) في الدنيا (وَإِلَيْنَا) إلى جزائنا (الْمَصِيرُ) العود في الآخرة.

[٤٤] (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ) تنفتح الأرض (عَنْهُمْ) عن الأموات (سِراعاً) في حال كونهم مسرعين إلى المحشر (ذلِكَ حَشْرٌ) جمع للناس للحساب (عَلَيْنا يَسِيرٌ) سهل.

[٤٥] (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) في إنكار البعث (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) بمسلط قادر على أن تجبرهم على الإيمان (فَذَكِّرْ) لأن شأنك التذكير (بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) أي وعيدي ، وخص به لأنه المنتفع بالتذكير.

٥١ : سورة الذاريات

مكية آياتها ستون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (وَالذَّارِياتِ) قسما بالرياح التي تذري التراب وتنشره في الهواء (ذَرْواً) مصدر تأكيدي.

[٢] فقسما بالرياح الحاملات للسحاب (وِقْراً) أي حملا ثقيلا.

[٣] فقسما بالرياح الجاريات التي تجري من مهابها جريا (يُسْراً) سهلا.

[٤] فقسما بالرياح المقسمات ما نأمرها بتقسيمها كالمطر وتلقيح الثمار والأزهار (أَمْراً) أي ما تؤمر به وهناك تفاسير أخر للآيات.

[٥] (إِنَّما) جواب القسم (تُوعَدُونَ) من البعث وغيره (لَصادِقٌ) لا خلف فيه.

[٦] (وَإِنَّ الدِّينَ) الجزاء (لَواقِعٌ) يقع لا محالة.

٥٣٤

[٧] (وَ) قسما ب (السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) الطرق للملائكة والطيور والأمطار وما أشبه.

[٨] (إِنَّكُمْ) جواب القسم (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) حول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن والله سبحانه ، أي ليس قولكم عن منشأ صحيح بل عن الهوى ولذا هو مختلف.

[٩] (يُؤْفَكُ) يصرف (عَنْهُ) عن الإيمان (مَنْ أُفِكَ) من صرف عن الخير.

[١٠] (قُتِلَ) دعاء عليهم بأن يقتلوا (الْخَرَّاصُونَ) الكذابون.

[١١] (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) جهل يغمرهم (ساهُونَ) يسهون ويغفلون عن البعث والجزاء.

[١٢] (يَسْئَلُونَ) استهزاء (أَيَّانَ) أي وقت يكون (يَوْمُ الدِّينِ) الجزاء.

[١٣] وقت يوم الدين هو (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يعذبون.

[١٤] ويقال لهم (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) عذابكم (هذَا) العذاب هو (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) تطلبون تعجيله في دار الدنيا ، استهزاء به.

[١٥] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين اتقوا الكفر والعصيان (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) من الماء.

[١٦] (آخِذِينَ) في حال كونهم قد أخذوا (ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) من النعم (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) في دار الدنيا (مُحْسِنِينَ) في عقيدتهم وعملهم.

[١٧] (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما) زائدة للتأكيد (يَهْجَعُونَ) الهجوع النوم ، أي يصلون ويذكرون الله أكثر الليل.

[١٨ ـ ٢١] (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) نصيب يعطونه (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الذي هو عفيف فيظن غناه فيحرم من الإعطاء. (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) دلائل على وجود الله وقدرته (لِلْمُوقِنِينَ) الذين يريدون اليقين ، وخصهم لأنهم المنتفعون بالآيات. (وَ) آيات (فِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) هذه الآيات لتعتبروا بها.

[٢٢ ـ ٢٣] (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) فإن المطر ينزل من السماء ، كما أن تقدير الرزق هناك (وَما تُوعَدُونَ) من الثواب والعقاب ، فإن تقديره هناك. (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ) أي القرآن ، أو ما قلناه (لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فكما أن نطقكم واضح وحق عندكم ، كذلك ما قلناه.

[٢٤] (هَلْ أَتاكَ) سمعت (حَدِيثُ) قصة (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) صفة (ضيف) كانوا ذوي كرامة ، لكونهم ملائكة.

[٢٥] (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ) إبراهيم عليه‌السلام في جوابهم (سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي أنتم أناس لا نعرفكم.

[٢٦ ـ ٢٨] (فَراغَ) مال إبراهيم عليه‌السلام وذهب (إِلى أَهْلِهِ) عائلته ليأتي إليهم بالأكل (فَجاءَ بِعِجْلٍ) ولد البقر المشوي (سَمِينٍ). (فَقَرَّبَهُ) أدناه إبراهيم عليه‌السلام (إِلَيْهِمْ) إلى الضيف ليأكلوا لكنهم لم يأكلوا منه (قالَ أَلا) للعرض أي لما ذا لا (تَأْكُلُونَ) منه. (فَأَوْجَسَ) فأحسّ (مِنْهُمْ خِيفَةً) خوفا حيث ظن أن عدم أكلهم دليل أنهم يريدون به سوء (قالُوا لا تَخَفْ) إنا ملائكة (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ) ولد (عَلِيمٍ) عالم هو إسحاق عليه‌السلام.

[٢٩ ـ ٣٠] (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ) سارة لما سمعت البشارة (فِي صَرَّةٍ) في صيحة تصيح تعجبا (فَصَكَّتْ) لطمت (وَجْهَها) بأطراف الأصابع كما يفعل المتعجب (وَقالَتْ) كيف ألد وأنا (عَجُوزٌ) تجاوزت سن الولادة بالإضافة إلى أني (عَقِيمٌ) عاقر لا ألد أصلا. (قالُوا كَذلِكَ) أي هكذا ، والكاف خطاب إليها (قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) في تدبيره فيعطيك الولد بحكمته (الْعَلِيمُ) عليم بحالك.

٥٣٥

[٣١] (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام : (فَما خَطْبُكُمْ) ما شأنكم ولأي أمر جئتم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) الملائكة.

[٣٢] (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) وهم قوم لوط.

[٣٣] (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) أصله طين وقد جف وهو أشد إيذاء.

[٣٤] (مُسَوَّمَةً) معلّمة لتكون عذابا (عِنْدَ رَبِّكَ) العذاب من عنده (لِلْمُسْرِفِينَ) الذين تجاوزوا الحد في الكفر والعصيان.

[٣٥] (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) في القرية (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لوط عليه‌السلام وعائلته.

[٣٦] (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) هو بيت لوط عليه‌السلام.

[٣٧] (وَتَرَكْنا فِيها) في القرية بعد إهلاكها (آيَةً) علامة وهي البيوت الخربة والصحراء التي لا تزرع (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) المؤلم ، وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بالآية.

[٣٨] (وَفِي مُوسى) آيات ، عطف على (في الأرض) (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجة ظاهرة هي العصا وسائر المعاجز.

[٣٩ ـ ٤٠] (فَتَوَلَّى) أعرض فرعون (بِرُكْنِهِ) الركن ما يعتمد عليه ويتقوى به من الملك والجند (وَقالَ) : إن موسى (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ) طرحناهم (فِي الْيَمِ) البحر (وَهُوَ مُلِيمٌ) آت بما يلام عليه ، أو يلوم نفسه حين أدركه الغرق.

[٤١] (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) لم تكن كسائر الرياح التي توجب ولادة السحاب أو تلقح الأشجار ، بل ما كانت تلد ، فإنها كانت ريح عذاب.

[٤٢] (ما تَذَرُ) لا تدع تلك الريح (مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) مرت عليه (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) كالرماد في حرقه وتفتيته ، أو كالعظام البالية.

[٤٣] (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا) بالدنيا (حَتَّى حِينٍ) أي ثلاثة أيام حيث إنهم لما عقروا الناقة قال لهم صالح بعد ثلاثة أيام تهلكون.

[٤٤] (فَعَتَوْا) أعرضوا (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) العذاب الذي صعقهم أي أهلكهم (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) وقت نزول العذاب لا يقدرون دفعه.

[٤٥] (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) بأن يقوموا بعد الصاعقة (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ممتنعين منها.

[٤٦] (وَ) أهلكنا (قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) قبل عاد (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) خارجين عن طاعة الله.

[٤٧] (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) بقوة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) نوسع في السماء.

[٤٨] (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) جعلناها فراشا (فَنِعْمَ) نحن (الْماهِدُونَ) جاعلون المهد للاستقرار.

[٤٩] (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ذكرا وأنثى (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فتعلمون أن خالق الأزواج فرد لا شريك له.

[٥٠] (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) التجئوا إليه بالإيمان والطاعة ، فرارا عن عقابه (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) من عنده (نَذِيرٌ) أخوفكم عقابه (مُبِينٌ).

[٥١] (لا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ظاهر الإنذار.

٥٣٦

[٥٢] (كَذلِكَ) هكذا كما قالوا لك (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا) أي الأمة التي أتاهم رسولهم (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) وفيه تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٥٣] (أَتَواصَوْا بِهِ) استفهام إنكاري أي هل أوصى بعضهم بعضا بأن يقولوا للأنبياء إنهم سحرة مجانين (بَلْ) ليس قولهم بالتواصي (هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) فإن الطغيان جمعهم في تفكير واحد.

[٥٤] (فَتَوَلَ) أعرض يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَنْهُمْ) ولا تقابلهم بالمثل (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) على إعراضك.

[٥٥] (وَذَكِّرْ) عظهم مع ذلك (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذين هم في طريق الإيمان.

[٥٦] (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فعدم عبادتهم خلاف ما خلقوا لأجله.

[٥٧] (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) فما خلقتهم لينفعوني بل لأنفعهم.

[٥٨] (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لكل من يحتاج إلى الرزق (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الشديد الذي لا يغالب.

[٥٩] (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والعصيان (ذَنُوباً) نصيبا من العذاب (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) سائر الأقوام السابقة المكذبة للرسل (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) فلا يطلبوا عجلة عذابهم فإنهم معذبون لا محالة.

[٦٠] (فَوَيْلٌ) وأسوأ حالهم (لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) هو يوم القيامة ، أو يوم نزول العذاب عليهم.

٥٢ : سورة الطور

مكية آياتها تسع وأربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (وَالطُّورِ) قسما بالجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه‌السلام.

[٢] (وَكِتابٍ) القرآن (مَسْطُورٍ) قد سطر وكتب.

[٣] (فِي رَقٍ) الورق الذي يكتب فيه (مَنْشُورٍ) المبسوط المفتوح.

[٤] (وَالْبَيْتِ) الكعبة (الْمَعْمُورِ) بالحجاج والزوار.

[٥ ـ ٦] (وَالسَّقْفِ) السماء (الْمَرْفُوعِ). (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) المملوء بالماء.

[٧] (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) يقع لا محالة.

[٨] (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) يدفعه عن الكفار.

[٩] (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) تتحرك وتضطرب ، وذلك في يوم القيامة.

[١٠] (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) من مقامها حتى تستوي الأرض.

[١١] (فَوَيْلٌ) سوء وهلاك (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ) بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١٢] (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ) في حديث باطل يخوضون (يَلْعَبُونَ) يلهون عن البعث.

[١٣] (يَوْمَ يُدَعُّونَ) يدفعون بعنف (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) دفعا بشدة.

[١٤] ويقال لهم (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) في الدنيا.

٥٣٧

[١٥] (أَفَسِحْرٌ هذا) استفهام بقصد التوبيخ ، لأنهم كانوا في الدنيا كلما شاهدوا من المعاجز قالوا إنه سحر (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) النار كما كنتم تقولون في الدنيا إنا لا نبصر المعاجز وإنما هي على خلاف واقعها.

[١٦] (اصْلَوْها) ادخلوا النار (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) لأن الصبر وعدمه لا يفيدكم في دفع العذاب (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما) جزاء الأعمال التي (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

[١٧] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين اتقوا الكفر والعصيان (فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) نعمة.

[١٨] (فاكِهِينَ) ناعمين متلذذين (بِما آتاهُمْ) أعطاهم من أنواع النعيم (رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ) حفظهم الله من (عَذابَ الْجَحِيمِ).

[١٩] يقال لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) بلا مشقة وسوء عاقبة (بِما) بسبب ما (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الأعمال الصالحة.

[٢٠] (مُتَّكِئِينَ) في حال كونهم (عَلى سُرُرٍ) جمع سرير (مَصْفُوفَةٍ) مصطفة متصلة بعضها ببعض (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ) نساء جميلات بيضاوات (عِينٍ) واسعات العيون.

[٢١] (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) في الجنة ليكمل سرورهم بذلك (وَما أَلَتْناهُمْ) نقصناهم بسبب هذا الإلحاق (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فليس هناك كالدنيا توجب الأولاد المشاركة مع الآباء في خيراتهم (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) كل إنسان مرهون عند الله بعمله فإن عمل صالحا فك من النار ولم يعذب وإلا هلك.

[٢٢] (وَأَمْدَدْناهُمْ) زدناهم وقتا بعد وقت (بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) من مختلف أنواعها.

[٢٣] (يَتَنازَعُونَ) يتعاطون بالتجاذب مزاحا (فِيها) في الجنة (كَأْساً لا لَغْوٌ) لا يتكلمون اللغو بسبب تلك الكأس كما يفعل السكارى في الدنيا (فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) لا إثم فيها.

[٢٤] (وَيَطُوفُ) يجيء ويذهب بالكأس والطعام (عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ) جمع غلام أي الأولاد (لَهُمْ) مخصوصون بهم (كَأَنَّهُمْ) في البياض والصفاء (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) قد حفظ فلم يغيره الزمان.

[٢٥] (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) عن أحوالهم.

[٢٦] (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ) في الدنيا (فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) خائفين من عذاب الله.

[٢٧] (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالجنة (وَوَقانا) حفظنا من (عَذابَ السَّمُومِ) النار النافذة في المسام (١).

[٢٨] (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) في الدنيا (نَدْعُوهُ) تعالى ونسأل فضله (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) البار (الرَّحِيمُ) بعباده المؤمنين.

[٢٩] (فَذَكِّرْ) الناس ، يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تبال بما يقال فيك (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) بسبب إنعامه عليك (بِكاهِنٍ) تخبر بواسطة الشياطين (وَلا مَجْنُونٍ) كما يزعمون.

[٣٠] (أَمْ) بل (يَقُولُونَ شاعِرٌ) لأن القرآن بقولهم شعر (نَتَرَبَّصُ) ننتظر (بِهِ) بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (رَيْبَ) ما يقلب (الْمَنُونِ) الموت ، أي ننتظر به الموت حتى نستريح منه.

[٣١] (قُلْ تَرَبَّصُوا) انتظروا (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) لنرى الغلب مع أينا.

__________________

(١) المسام : منافذ البدن.

٥٣٨

[٣٢] (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) عقولهم (بِهذا) الذي يقولون فيه من أنك شاعر وكاهن ومجنون ، وهل يمكن الجمع بين هذه الأمور (أَمْ هُمْ) بل هم (قَوْمٌ طاغُونَ) مجاوزون الحد فهم معاندون.

[٣٣] (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) ادعاه على الله كذبا (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) لعنادهم فيرمون القرآن بهذه المطاعن.

[٣٤] (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) مثل القرآن (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في أنه كلام آدمي.

[٣٥] (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) من غير خالق فلذا ينكرون الله (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) بأن أحدثوا هم أنفسهم.

[٣٦] (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) بالله وإلا لوحدوه وأطاعوا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٣٧] (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) خزائن فضله حتى يعطوا النبوة من شاءوا (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) المسلطون على العالم يدبرونه كما يشاءون حتى لا يريدوا نبوتك.

[٣٨] (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) يصعدون بسببه إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) في ذلك السلم فيعلمون ما هو الحق فيسمعون فرضا أن الله لم يبعثك بالرسالة فيكفرون بك (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) إن قالوا بذلك الصعود (بِسُلْطانٍ) دليل (مُبِينٍ) واضح على دعواه بأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس برسول.

[٣٩] (أَمْ لَهُ) لله (الْبَناتُ) كما قالوا بأن الملائكة بنات الله (وَلَكُمُ الْبَنُونَ).

[٤٠] (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على تبليغ الرسالة (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) غرامة هي أجر الرسالة (مُثْقَلُونَ) لأنه يثقل عليهم ولذا لا يقبلون رسالتك فرارا من الغرامة.

[٤١] (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) يعلمون ما غاب عن الحواس (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) عن ذلك اللوح ، ولذا لا يؤمنون بالبعث لأنهم رأوا في الغيب تكذيبا له.

[٤٢] (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) مكرا لإفنائك (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) يعود عليهم وبال كيدهم.

[٤٣] (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) كما يقولون (سُبْحانَ اللهِ) أنزّهه تنزيها أن يكون له شريك (عَمَّا يُشْرِكُونَ) عن شركهم.

[٤٤] (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً) قطعا (مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) على الكفار كما قالوا (أسقط علينا كسفا من السماء) (١) (يَقُولُوا) عنادا هذا (سَحابٌ مَرْكُومٌ) مجموع بعضه فوق بعض.

[٤٥] (فَذَرْهُمْ) اتركهم (حَتَّى يُلاقُوا) يروا (يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) يموتون ، أو يعذبون.

[٤٦] (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ) ومكرهم ضد أعدائهم (شَيْئاً) في دفع العذاب عنهم (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لا ينصرهم أحد.

[٤٧] (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ) قبل عذاب الآخرة ، في الدنيا بالإفناء ، أو عذاب القبر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لأنهم لا يؤمنون بكلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٤٨] (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) واحتمل أذى القوم (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) بمرئى منا ، جمع عين ، فنجازيك بالثواب على الصبر (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) نزّهه حامدا له (حِينَ تَقُومُ) من النوم صباحا.

[٤٩] (وَمِنَ اللَّيْلِ) بعضه (فَسَبِّحْهُ) أيضا (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) حين تدبر النجوم بظهور النهار.

__________________

(١) سورة الشعراء : ١٨٧.

٥٣٩

٥٣ : سورة النجم

مكية آياتها اثنتان وستون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] (وَالنَّجْمِ) قسما بجنس النجم (إِذا هَوى) مال نحو الغروب. (ما ضَلَ) لم ينحرف (صاحِبُكُمْ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَما غَوى) عن إصابة الرشد.

[٣ ـ ٥] (وَما يَنْطِقُ) لا يتكلم (عَنِ الْهَوى) التشهي وهوى النفس. (إِنْ) ما (هُوَ) الذي ينطق به (إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) إليه من الله. (عَلَّمَهُ) لهذا الوحي ـ من قبل الله ـ ملك (شَدِيدُ الْقُوى) هو جبرئيل.

[٦ ـ ١٠] (ذُو مِرَّةٍ) قوة عقلية كبيرة (فَاسْتَوى) على صورته القوية العاقلة. (وَهُوَ) جبرئيل (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) من السماء. (ثُمَّ دَنا) اقترب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَتَدَلَّى) فتعلق في الهواء ونزل. (فَكانَ) جبرئيل من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقدار (قابَ) المسافة بين طرفي (قَوْسَيْنِ) أي بمقدار بعد قوسين (أَوْ أَدْنى) أقل بعدا. (فَأَوْحى) ألقى جبرئيل (إِلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما أَوْحى) الله إليه.

[١١] (ما كَذَبَ الْفُؤادُ) قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما رَأى) من جبرئيل فلم يكن قلبه يحكم بخلاف الواقع فيما رآه كما يحكم قلب من يرى السراب أنه ماء كذبا.

[١٢] (أَفَتُمارُونَهُ) تجادلون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلى ما يَرى) على ما رآه.

[١٣] (وَلَقَدْ رَآهُ) رأى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل على صورته (نَزْلَةً) عند نزول جبرئيل مرة (أُخْرى) قبل ذلك.

[١٤] (عِنْدَ سِدْرَةِ) هي (الْمُنْتَهى) في محل ارتفاع الملائكة وهي شجرة عن يمين العرش.

[١٥] (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) التي تأوي إليها نفوس المتقين.

[١٦ ـ ١٧] (إِذْ) في زمان (يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) يحيط بها ما يحيط من النور والبهاء وذلك حين عرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السماء. (ما زاغَ الْبَصَرُ) أي لم يمل يمينا وشمالا (وَما طَغى) لم يجاوز الحد.

[١٨] (لَقَدْ رَأى) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنْ آياتِ) بعض آيات (رَبِّهِ الْكُبْرى) صفة الآيات كالجنة والنار ونحوهما.

[١٩ ـ ٢٢] (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ) هي ثلاثة أصنام كان أهل الجاهلية يعبدونها (الْأُخْرى) صفة للثالثة ، بمعنى هي الأخرى أيضا إله لكم في زعمكم. (أَلَكُمُ الذَّكَرُ) بأن يولد لكم الأولاد الذكور (وَلَهُ الْأُنْثى) البنات إذ قالوا الملائكة بنات الله وهذه الأصنام الثلاثة هياكل لأولئك الملائكة. (تِلْكَ) القسمة بأن لكم الذكر وله الأنثى (إِذاً) على ما تقولون (قِسْمَةٌ ضِيزى) جائرة غير عادلة حيث أخذ الله البنات التي تكرهونها وأعطاكم الأولاد.

[٢٣ ـ ٢٦] (إِنْ) ما (هِيَ) الأصنام التي تسمونها آلهة (إِلَّا أَسْماءٌ) فقط لا حقيقة لها ، إذ ليست بآلهة (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) بدون حجة (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) بكونها آلهة (مِنْ سُلْطانٍ) دليل (إِنْ) ما (يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) لا العلم (وَما تَهْوَى) تميل (الْأَنْفُسُ) حسب ميلكم (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) فتركوه عنادا. (أَمْ) منقطعة بمعنى الإنكار (لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) أي ليس للإنسان ما تمناه من شفاعة الأصنام. (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) فالشفاعة والإعطاء والمنع كل له لا شريك له. (وَكَمْ) للتكثير (مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) في الشفاعة (لِمَنْ يَشاءُ) من عباده (وَيَرْضى) عنه فإذا كان حال الملائكة هكذا فكيف يكون حال الجماد ، وإنما قال (كم) والحال إن كل الملائكة هكذا لأن قسما من الملائكة ليسوا في محل الشفاعة أصلا لأنهم لا يرتبطون بمثل هذه الأمور.

٥٤٠