تبيين القرآن

آية الله السيد محمد الشيرازي

تبيين القرآن

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٢

[٨٢] (وَ) سخرنا لسليمان عليه‌السلام (مِنَ الشَّياطِينِ) أي من الجن (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) في البحار لاستخراج اللآلئ (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) سوى الغوص من البناء وغيره (وَكُنَّا لَهُمْ) للشياطين (حافِظِينَ) نحفظهم من أن يفسدوا.

[٨٣] (وَ) اذكر يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) الضرر حيث إنه مدة مديدة مرض مرضا شديدا (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

[٨٤] (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) بإذهاب مرضه (وَآتَيْناهُ) أعطيناه (أَهْلَهُ) فقد مات بعض أهله فأحياهم الله له (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) بأن ولد له أولاد أخر (رَحْمَةً) كائنة (مِنْ عِنْدِنا) على أيوب عليه‌السلام (وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) فيصبروا كما صبر أيوب عليه‌السلام فيثابوا كما أثيب.

[٨٥] (وَ) اذكر (إِسْماعِيلَ) بن إبراهيم عليه‌السلام أو غيره (وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) الذين صبروا لأوامرنا.

[٨٦] (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) سعادة الدارين (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) عملا.

[٨٧] (وَذَا النُّونِ) صاحب الحوت وهو يونس عليه‌السلام (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) غضبان على قومه ، فهجرهم قبل أن يأذن له الله في هجرهم (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أن لن نضيق عليه بحبسه في بطن الحوت فلما حبسناه في بطن الحوت نادى دعا (فِي الظُّلُماتِ) ظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة بطن الحوت (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) أنزهك عما لا يليق بك (إِنِّي كُنْتُ) في هجرتي للقوم بدون إذن (مِنَ الظَّالِمِينَ) بترك الأولى.

[٨٨] (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) الحزن (وَكَذلِكَ) هكذا (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) من غمومهم.

[٨٩] (وَ) اذكر (زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) بدون ولد (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) الذي ترث الخلق بعد فنائهم.

[٩٠] (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) زوجته فكانت هرمة عقيمة فرددناها شابة ولودة (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ) يبادرون (فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً) راغبين في ثوابنا (وَرَهَباً) خائفين من عقابنا (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) خاضعين.

٣٤١

[٩١] (وَ) اذكر مريم عليهم‌السلام (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) حفظته عن الزنا وعن الزواج (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) الروح المشرفة بانتسابها إلينا (وَجَعَلْناها وَابْنَها) عيسى عليه‌السلام (آيَةً) دليلا على قدرة الله (لِلْعالَمِينَ).

[٩٢] (إِنَّ هذِهِ) هؤلاء الأنبياء عليهم‌السلام (أُمَّتُكُمْ) جماعتكم المنقادون لله في حال كونها (أُمَّةً واحِدَةً) لوحدة دين الجميع (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) اعبدوني ولا تشركون.

[٩٣] (وَتَقَطَّعُوا) تفرقوا أمم هذه الأنبياء عليهم‌السلام (أَمْرَهُمْ) أمر دينهم (بَيْنَهُمْ) بأن اختلفوا في الدين (كُلٌ) من الفرق (إِلَيْنا راجِعُونَ) فنجازيهم.

[٩٤] (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي لا نجحد أعماله الصالحة بل نثيبه عليها (وَإِنَّا لَهُ) لسعيه (كاتِبُونَ) نكتب أعماله في صحيفة حسناته لنجزيه عليها.

[٩٥] (وَحَرامٌ) ممتنع (عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) بالعذاب (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) بل يرجعون إلينا لنعاقبهم في الآخرة ، والحاصل أن المؤمن والكافر رجوعهم إلى الله تعالى.

[٩٦] (حَتَّى) متعلق ب (كاتبون) أي نكتب الأعمال إلى زمان القيامة (إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) أي فتحت الأرض أمام قبائلهما ليأتوا إلى البلاد للفساد (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) ارتفاع في الأرض (يَنْسِلُونَ) يسرعون فلا يمنعهم ارتفاع عن التسلق.

[٩٧] (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) القيامة (فَإِذا هِيَ) ضمير القصة (شاخِصَةٌ) أي أن قصة القيامة هي شخوص أبصار الكفار فهي متحركة خائفة غير مستقرة (أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا) قائلين : يا سوء حالنا (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اليوم فلم نعلم أنه حق (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) لأنفسنا حيث لم ننظر إلى الآيات بنظر الاعتبار.

[٩٨] (إِنَّكُمْ وَما) الأصنام التي (تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ) وقود (جَهَنَّمَ أَنْتُمْ) أيها الكفار (لَها) للنار (وارِدُونَ) داخلون فيها.

[٩٩] (لَوْ كانَ هؤُلاءِ) الأصنام (آلِهَةً) حقيقة (ما وَرَدُوها) إذ دخولها ينافي الألوهية ، فالإله لا يرد لا أن كل من لم يرد فهو إله ، فلا ينقض بالمسيح عليه‌السلام (وَكُلٌ) من العابد والمعبود (فِيها خالِدُونَ).

[١٠٠] (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) صوت شديد دالّ على شدة التلهف (وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) كلاما حسنا أو شيئا لشدة العذاب.

[١٠١] (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) أي العدة الحسنة بأن قلنا إنهم محسنون ، وكان قولنا تبعا لما علمنا من أعمالهم (أُولئِكَ عَنْها) عن النار (مُبْعَدُونَ) بعيدون.

٣٤٢

[١٠٢] (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) صوت النار (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ) من نعم الجنة (خالِدُونَ) باقون دائما.

[١٠٣] (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) الخوف الأكبر الذي هو خوف القيامة (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) تستقبلهم بالتهنئة قائلين : (هذا يَوْمُكُمُ) وقت ثوابكم ويوم عزكم (الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) في الدنيا.

[١٠٤] وذلك في (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) نجمعه بمحو نظامه (كَطَيِّ السِّجِلِ) الذي يسجل فيه ويكتب (لِلْكُتُبِ) بيان السجل ، أي طي الصحيفة المجعولة للكتابة (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) كما خلقنا أولا الناس نعيدهم ، وعدناه (وَعْداً عَلَيْنا) إنجازه (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ).

[١٠٥] (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) لداود عليه‌السلام (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) من بعد أن كتبنا في الذكر الذي هو التوراة (أَنَّ الْأَرْضَ) الدنيا (يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) فإن الله يظهر الإسلام على كل الأديان ويملك المسلمين الدنيا ، وأوّلت الآية بظهور الإمام الحجة (عج).

[١٠٦] (إِنَّ فِي هذا) الذي ذكرناه من الأخبار والمواعظ والمواليد (لَبَلاغاً) لكفاية من جهة الإرشاد والتنبيه (لِقَوْمٍ عابِدِينَ) لله تعالى.

[١٠٧] (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمناهجه رحمة لكل البشر ، أما المسلمون منهم فواضح ، وأما الكفار فتعلموا من المسلمين فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحمة لهم بالواسطة.

[١٠٨] (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) استفهام إرشادي.

[١٠٩] (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن التوحيد (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ) أعلمتكم دين الإسلام (عَلى سَواءٍ) مستوين في الإعلام (وَإِنْ أَدْرِي) لا أعلم (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) من غلبة المسلمين عليكم ومن عذابكم في الدنيا والآخرة.

[١١٠] (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ) ما تقولونه جهرا في الطعن بالإسلام (وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) من عداوة الدين والمسلمين ، يعلم كل ذلك فيجازيكم عليه.

[١١١] (وَإِنْ) ما (أَدْرِي لَعَلَّهُ) لعل تأخير عذابكم وما توعدون (فِتْنَةٌ) امتحان (لَكُمْ) ليظهر كل قبائحكم (وَمَتاعٌ) لأجل التمتع (إِلى حِينٍ) يأتي أجلكم المقرر.

[١١٢] (قالَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) بيني وبين المكذبين (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ) الذي نستعين به (عَلى ما تَصِفُونَ) من تكذيب القرآن والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والبعث ، فإنا نستعين به لأجل أن نغلب عليكم.

٣٤٣

٢٢ : سورة الحج

مدنية آياتها ثمان وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) عذابه فأطيعوه (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) الزلزلة التي تقارن يوم القيامة (شَيْءٌ عَظِيمٌ) هائل.

[٢] (يَوْمَ تَرَوْنَها) ترون الزلزلة (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) تدهش المرأة المرضعة عن ولدها وتذهب لشدة هولها (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) جنينها ، أي تسقط من شدة الخوف ما في بطنها (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) كأنهم في حالة سكر من الهول (وَما هُمْ بِسُكارى) على الحقيقة (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) بحيث أذهلهم.

[٣] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) في توحيده أو صفاته (بِغَيْرِ عِلْمٍ) برهان (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) المارد المفسد.

[٤] (كُتِبَ عَلَيْهِ) على الشيطان (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) اتبع الشيطان (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) عن الطريق (وَيَهْدِيهِ) يسلك به (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) المشتعل.

[٥] (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) شك (مِنَ الْبَعْثِ) القيامة فاعتبروا بأول الخلقة فإن من يقدر على البدء يقدر على الإعادة إنا (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) تحول نباتا ثم طعاما ثم دما ثم منيا (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) المني (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) دم مجمّد (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) لحمة قدر ما يمضغ (مُخَلَّقَةٍ) تام الخلقة (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) غير تام الخلقة (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) بهذا التدريج قدرتنا (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) من ولد وبنت (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقت الوضع الذي سمي بأن يوضع فيه (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) كمالكم وقوتكم (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) قبل الهرم (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ) يرجع (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أردأه وهو الهرم والخرف (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) بأن يرجع إلى حالة طفولته في عدم علمه بشيء ، واللام للعاقبة (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) يابسة ميتة (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) تحركت (وَرَبَتْ) انتفخت (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) صنف (بَهِيجٍ) ذو رونق ، فالقادر على إحياء الإنسان والأرض قادر على المعاد.

٣٤٤

[٦] (ذلِكَ) الخلق والإحياء (بِأَنَ) بسبب أن (اللهَ هُوَ الْحَقُ) والإله الحق قادر على كل شيء (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

[٧] (وَأَنَّ السَّاعَةَ) القيامة (آتِيَةٌ) تأتي لا محالة حيث وعد ذلك (لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ).

[٨] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) في نفسه (وَلا هُدىً) حسب دلالة عقلية (وَلا كِتابٍ) مبادئ (مُنِيرٍ) ذي نور ينير الطريق.

[٩] (ثانِيَ عِطْفِهِ) العطف جانب الإنسان ، والثاني بمعنى المائل للإعراض وهذا كناية عن التكبر إذ المتكبر يلوي جانبه معرضا (لِيُضِلَ) علة (يجادل) (عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) ذل بغلبة المسلمين عليه (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) عذاب الشيء الحريق وهو النار.

[١٠] ويقال له : (ذلِكَ) العذاب (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) بما عملته في الدنيا من الكفر والعصيان (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ) بذي ظلم (لِلْعَبِيدِ).

[١١] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) طرف من الدين لا على كل الأوجه والتقلبات (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) نعمة ورخاء (اطْمَأَنَّ بِهِ) بسببه على عبادة الله (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) محنة وبلاء (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) عاد إلى كفره كمن سقط على وجهه (خَسِرَ الدُّنْيا) بفقد فوائد الإسلام (وَالْآخِرَةَ) بالعذاب (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) الواضح.

[١٢] (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) من الأصنام (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) عن القصد.

[١٣] (يَدْعُوا لَمَنْ) الصنم الذي (ضَرُّهُ) لأنه يوجب عذاب الله (أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) الذي يرجوه من أن يشفع له (لَبِئْسَ) الصنم (الْمَوْلى) النصير (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) الصاحب.

[١٤] (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أشجارها وقصورها (الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من إثابة المؤمن وعذاب الكافر.

[١٥] (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) بأن يئس عن نصرة الله ورحمته فليعلم أنه لا طريق آخر ولو أنه أوصل نفسه إلى السماء ليمدد يمدّ (بِسَبَبٍ) بحبل من الأرض (إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ) الطريق بأن يصعد بسببه إلى السماء (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) بالذهاب إلى السماء (ما يَغِيظُ) أي غيظه بأن يتمكن من إحراز النصرة حتى يذهب غمه وهمه.

٣٤٥

[١٦] (وَكَذلِكَ) هكذا (أَنْزَلْناهُ) أي القرآن (آياتٍ بَيِّناتٍ) واضحات (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) بأن يقيم له الحجة.

[١٧] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) اليهود (وَالصَّابِئِينَ) قسم من المتدينين بيحيى عليه‌السلام (وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) بالحكومة بينهم وإظهار المحق من المبطل (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) شاهد عليه.

[١٨] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ) ينقاد (لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) المؤمنين (وَكَثِيرٌ) من الناس (حَقَ) ثبت (عَلَيْهِ الْعَذابُ) بسبب كفره (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) يهنه بأن أراد إذلاله (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) إذ الإكرام والإذلال بيد الله (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) مما فيه الصلاح.

[١٩] (هذانِ) المؤمنون والكافرون (خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فالمؤمنون يوحدونه والكافرون ينكرونه (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ) كما يقص الخيّاط الثياب (لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) الماء المغلي.

[٢٠] (يُصْهَرُ) يذاب (بِهِ) بالحميم (ما فِي بُطُونِهِمْ) من الأحشاء (وَالْجُلُودُ) أي يصهر جلودهم أيضا.

[٢١] (وَلَهُمْ مَقامِعُ) سياط (مِنْ حَدِيدٍ) للضرب على رؤوسهم.

[٢٢] (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) من النار (مِنْ غَمٍ) من غموم النار وكربها (أُعِيدُوا فِيها) في النار وقيل لهم : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي النار المحرقة.

[٢٣] (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت أشجارها وقصورها (الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ) يلبسون الحلي والزينة (فِيها مِنْ أَساوِرَ) ما يلبس في اليد من الزينة (مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ).

٣٤٦

[٢٤] (وَهُدُوا) هداهم الله (إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) التحيات الحسنة في الجنة (وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) الله المحمود.

[٢٥] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ) يمنعون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (وَ) عن (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بأن يخرجوا أهله منه ويمنعوا الناس عن زيارته (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً) متساوين في حق الاستفادة منه (الْعاكِفُ) المقيم (فِيهِ) حول المسجد (وَالْبادِ) الآتي من الخارج لأجل الزيارة (وَمَنْ يُرِدْ) أي يريد (فِيهِ) في بلد المسجد (بِإِلْحادٍ) أي إلحادا وانحرافا عن القصد (بِظُلْمٍ) بيان (بإلحاد) (نُذِقْهُ) جواب (من) (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) مؤلم ، والمراد إما التعدي من مكة فإنه يقتص منه وإما الشرك فيها فإنه يضاعف له العذاب في الآخرة وذلك لشرف المكان.

[٢٦] (وَإِذْ) اذكر يا رسول الله حيث (بَوَّأْنا) عينّا (لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) أي محل الكعبة وذلك لأجل أن يبني البيت وقلنا له : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) لا تجعل شريكا لي (وَطَهِّرْ) من عبادة الأوثان والأقذار ، والمعنى أن حل بينه وبين أن يكون محلا للأوثان والأقذار (بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) حوله (وَالْقائِمِينَ) للصلاة (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) الراكعين الساجدين.

[٢٧] (وَأَذِّنْ) ناد (فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) بأن يأتوا لأجل المناسك (يَأْتُوكَ) الناس (رِجالاً) راجلين مشاة (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) كل بعير مهزول أهزله السفر (يَأْتِينَ) تلك الضامرات (مِنْ كُلِّ فَجٍ) طريق (عَمِيقٍ) بعيد ، وهذا كناية عن أن الناس يتوجهون إلى البيت من أبعد الأماكن.

[٢٨] (لِيَشْهَدُوا) علة ل (أذن) أي يحضروا (مَنافِعَ لَهُمْ) التجارة والشوكة في الدنيا والثواب في الآخرة (وَ) ل (يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) هي أيام الحج (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) الإبل والبقر والغنم ، والبهيمة بمعنى التي لا تفصح فهي من إضافة الصفة إلى الموصوف ، وإنما قال أن يذكروا الاسم على ما رزقهم لان ذلك من أكبر المظاهر في مقابل الشرك فإنهم كانوا يذكرون اسم أصنامهم على الذبائح (فَكُلُوا مِنْها) من بهيمة الأنعام (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ) الذي أصابه بؤس أي شدة (الْفَقِيرَ).

[٢٩] (ثُمَّ لْيَقْضُوا) ليزيلوا (تَفَثَهُمْ) وسخهم بقص الشعر ونحوه للتحليل من الإحرام (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) ما نذروا من البر

في حجهم (وَلْيَطَّوَّفُوا) طواف الزيارة والنساء ، بعد رجوعهم من منى (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الكعبة المعظمة وكان عتيقا لأنه أول بيت وضع للناس.

[٣٠] (ذلِكَ) أي أمر الحج هكذا (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) ما احترمه الله من أحكام الحج وغيره ، ما لا يحل انتهاكه (فَهُوَ) فالتعظيم (خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) إذ يثيبه عليه ثوابا كبيرا (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) الإبل والبقر والغنم (إِلَّا ما يُتْلى) يقرأ (عَلَيْكُمْ) تحريمه من الميتة والدم إلخ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) القذر (مِنَ الْأَوْثانِ) أي الأصنام بأن لا تعبدوها (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الكذب ونحوه.

٣٤٧

[٣١] (حُنَفاءَ) موحدين ، مائلين عن الشرك (لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ) سقط (مِنَ السَّماءِ) فقد أهلك نفسه هلاك من يسقط من السماء (فَتَخْطَفُهُ) أي تأخذه بسرعة (الطَّيْرُ) في وسط السماء فتأكله (أَوْ تَهْوِي) تميل (بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) بعيد فهو يجمع بين الهلاك والهول.

[٣٢] (ذلِكَ) الأمر كما ذكر (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) الأمور المرتبطة بالله ، جمع شعيرة وهي الأمر اللاصق بالشخص كأنه لاصق بشعره (فَإِنَّها) أي فإن الشعائر ، أي تعظيمها (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فإن القلب المتقي هو الباعث على التعظيم.

[٣٣] (لَكُمْ فِيها) في الأنعام التي تهدي إلى البيت (مَنافِعُ) كاللبن والركوب (إِلى أَجَلٍ) وقت (مُسَمًّى) قد سمي وهو حين النحر والذبح (ثُمَّ مَحِلُّها) محل ذبحها ونحرها (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) حواليه كمنى ومكة.

[٣٤] (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم المتدينة (جَعَلْنا مَنْسَكاً) محل عبادة ، من النسك بمعنى العبادة (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي عند ذبحها (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فلا تذكروا اسم الأصنام على الذبائح (فَلَهُ أَسْلِمُوا) انقادوا (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) الخاضعين لله.

[٣٥] (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ) خافت هيبة منه (قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) من المصائب (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فيما أمر الله.

[٣٦] (وَالْبُدْنَ) جمع بدنة وهي الإبل ، والمراد بها التي تنحر في الحج (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) المرتبطة بدين الله (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) نفع ديني ودنيوي (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) قائمات قد صفقت أيديها وأرجلها وذلك حين تريدون نحرها (فَإِذا وَجَبَتْ) سقطت (جُنُوبُها) جمع جنب أي وقعت على الأرض لأنها ماتت (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ) الذي يقنع بما أعطي (وَالْمُعْتَرَّ) الذي يعتر أي يعترض لك بسؤال أو بدون سؤال (كَذلِكَ) هكذا (سَخَّرْناها) ذللناها (لَكُمْ) مع عظمها وقوتها (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

[٣٧] (لَنْ يَنالَ اللهَ) لن يصعد إليه (لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ) يصعد إليه (التَّقْوى مِنْكُمْ) فالأمر بنحرها ليس لأجل استفادة الله من لحمها ودمها ، وإنما لأجل تقواكم التي تصعد إليه سبحانه (كَذلِكَ) هكذا (سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ) لتعرفوا عظمته (عَلى ما هَداكُمْ) أرشدكم إلى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).

[٣٨] (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ) يبالغ في الدفاع (عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) كيد المشركين والمنافقين (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) كثير الخيانة بالشرك وغيره (كَفُورٍ) جحود لله ولنعمه.

٣٤٨

[٣٩] (أُذِنَ) الله أذن لهم (لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) يقاتلهم الكفار (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (ظُلِمُوا) حيث ظلمهم الكفار فحق لهم القصاص (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قادر على أن ينصرهم.

[٤٠] (الَّذِينَ) بدل من (للذين) (أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يعني مكة أخرجهم المشركون (بِغَيْرِ حَقٍ) بلا موجب استحقوا به الإخراج (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) سوى التوحيد (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) بأن ينصر كل ذي دين على من يخالف دينه (لَهُدِّمَتْ) خربت (صَوامِعُ) جمع صومعة للرهبان (وَبِيَعٌ) كنائس للنصارى جمع بيعة (وَصَلَواتٌ) أي مكان صلوات اليهود (وَمَساجِدُ) للمسلمين (يُذْكَرُ فِيهَا) في المساجد ، أو في الأربعة (اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) ينصر دينه (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) على النصر (عَزِيزٌ) لا يغالب.

[٤١] (الَّذِينَ) وصف ل (الذين أخرجوا) (إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) بأن جعلنا لهم السلطة (أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) ولذا ينهي الأمور إلى أصحاب الدين.

[٤٢] (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا رسول الله ، وهذا تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ).

[٤٣ ـ ٤٤] (وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) شعيب عليه‌السلام (وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أمهلتهم (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعذاب (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي إنكاري عليهم بالانتقام منهم ، والاستفهام للتقرير.

[٤٥] (فَكَأَيِّنْ) فكم (مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ) نفسها بالكفر والعصيان (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) بأن سقطت سقوفها ثم سقطت جدرانها على السقوف (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) متروكة بموت أهلها (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) مبني بأن مات أهله وبقي خاليا.

[٤٦] (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) يذهب الكفار ويسافروا ليروا آثار الأمم الهالكة (فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) يعرفوا العبر (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أخبار الأمم السابقة (فَإِنَّها) فإن القصة (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) عمى يوجب هلاك الإنسان (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) إذ عمى القلب يوجب الهلاك.

٣٤٩

[٤٧] (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) يطلبون منك أن تنزل عليهم العذاب كما أوعدتهم (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) أنه لا بد وأن يعذبهم حال يحين موعدهم (وَإِنَّ يَوْماً) من أيام عذابهم (عِنْدَ رَبِّكَ) في الآخرة (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) في الدنيا.

[٤٨] (وَكَأَيِّنْ) وكم (مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها) أمهلتها (وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها) بالعذاب ، وهكذا أفعل بهؤلاء الكفّار (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) مرجع الجميع إلى حسابي وجزائي.

[٤٩] (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) واضح.

[٥٠] (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) غفران (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يرزقونه مع كرامة.

[٥١] (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) سعوا لأجل إبطال الآيات (مُعاجِزِينَ) يظنون أنهم يعجزونا فلا نقدر على تنفيذ مقاصدنا (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).

[٥٢] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) قرأ أحكام الله (أَلْقَى الشَّيْطانُ) الزوائد والأكاذيب (فِي أُمْنِيَّتِهِ) قراءته كما نرى أن المعاندين يزيدون في كلام الكبار ما يقصدون به التشويش وتنفيذ مأربهم (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) يبطله ببيان النبي أن هذا باطل ليس من الحكم المنزل (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) يبقيها محكمة بلا زيادة وتشويش (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يفعل الشيطان (حَكِيمٌ) في تدبيره.

[٥٣] (لِيَجْعَلَ) اللام للعاقبة أي إن عاقبة زيادة الشيطان فتنة المنافقين ، وحيث إن الله سبحانه يترك الشيطان ليلقي ما يشاء نسب الجعل إلى نفسه تعالى (ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) من الزيادة (فِتْنَةً) امتحانا (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق لأن هؤلاء هم الذين يلتفون حول كل باطل ومشكوك (وَ) ل (الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) أي الكفار الذين قست قلوبهم فلم يدخلها نور الإيمان ، فإنه فتنة لهم أيضا (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ) خلاف (بَعِيدٍ) من الحق.

[٥٤] (وَلِيَعْلَمَ) عطف على (ليجعل) (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) المؤمنون الصادقون (أَنَّهُ) أي القرآن ، وما قرأه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ) فيزيد إيمانهم ، أي إن عاقبة إلقاء الشيطان زيادة نفاق وكفر أولئك وإيمان هؤلاء (فَتُخْبِتَ) تخضع (لَهُ) للقرآن (قُلُوبُهُمْ) بالإيمان والانقياد (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) يهديهم ما أشكل عليهم (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

[٥٥] (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ) شك (مِنْهُ) من القرآن (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) القيامة أو الموت (بَغْتَةً) فجأة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) لا خير فيه ، والمراد عذابهم على أيدي المؤمنين ، أو نزول العذاب الغيبي عليهم.

٣٥٠

[٥٦] (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلَّهِ) بدون أن يكون هناك من يزعم أنه مالك (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) فيما اختلفوا فيه (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يتنعمون فيها.

[٥٧] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يهينهم ويذلهم.

[٥٨] (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) من بلادهم (فِي سَبِيلِ اللهِ) لأجل الدين (ثُمَّ قُتِلُوا) قتلهم الكفار (أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) في الجنة (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

[٥٩] (لَيُدْخِلَنَّهُمْ) الله (مُدْخَلاً) محلا يدخلون فيه ، والمراد به الجنة (يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بأحوالهم (حَلِيمٌ) لا يعاجل الكفار بالعقوبة.

[٦٠] (ذلِكَ) الأمر هو الذي قصصنا عليك (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) جازى من ظلمه بقدر ظلمه بلا زيادة (ثُمَ) بعد ذلك (بُغِيَ عَلَيْهِ) ظلمه الظالم ثانيا (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) بالانتقام من ظالمه فإن المسلمين إذا قاتلوا الكفار ـ حيث ظلمهم الكفار ـ ثم قتل الكافر أحدا منهم ينصره الله بالانتقام من قاتله في الدنيا والآخرة ، والآية مربوطة بقوله (والذين هاجروا) فإن المهاجرين ظلموا ثم إذا أرادوا الانتقام ظلمهم الكفار ثانيا بأن قتلوا كان الله ناصرهم (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).

[٦١] (ذلِكَ) النصر للمسلمين بسبب أن الله قادر على كل شيء بدليل أنه (يُولِجُ) يدخل (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) بامتداد الليل (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) للأقوال (بَصِيرٌ) بالأفعال.

[٦٢] (ذلِكَ) الوصف بالقدرة بسبب أن (اللهَ هُوَ الْحَقُ) والإله الحق قادر على كل شيء (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) فلا يقدر على نصرة من عبده (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) شأنا (الْكَبِيرُ) الذي لا أكبر منه.

[٦٣] (أَلَمْ تَرَ) دليلا على قدرة الله (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) بالنبات (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) في أفعاله (خَبِيرٌ) بتدبير خلقه.

[٦٤] (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُ) فلا يحتاج إلى إيمان أحد وعمله (الْحَمِيدُ) المحمود في أفعاله.

٣٥١

[٦٥] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) جعلها معدة لمنافعكم (وَ) سخر لكم (الْفُلْكَ) السفينة (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ) ما فيها من الأجرام (أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فإنه إذا أراد وقوع السماء على الأرض وقعت (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ) هي فوق الرحمة (رَحِيمٌ) ومن رحمته هيّأ لهم أسباب الراحة.

[٦٦] (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) أعطاكم الحياة بعد أن كنتم جمادا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في العالم الآخر (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) جحود لنعمة الله عليه.

[٦٧] (لِكُلِّ أُمَّةٍ) أهل دين (جَعَلْنا مَنْسَكاً) شريعة (هُمْ ناسِكُوهُ) عاملون بتلك الشريعة (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) بأن يقول أهل الكتاب والكفار لما ذا تعمل هكذا ، فإن الجواب إنّ كل أمة لهم شريعة ، وهذه شريعتي (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) عبادته (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) أي أنك مستقيم.

[٦٨] (وَإِنْ جادَلُوكَ) في أمور الدين (فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم عليه.

[٦٩] (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أيها المسلمون والكفّار (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين.

[٧٠] (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ومنه أمر هؤلاء الكفّار (إِنَّ ذلِكَ) العلم مثبت (فِي كِتابٍ) هو اللوح المحفوظ (إِنَّ ذلِكَ) الثبت في الكتاب (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) سهل.

[٧١] (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) حجة تدل على جواز عبادته (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) فلا علم ولا دليل على صحة عبادته (وَما لِلظَّالِمِينَ) أنفسهم بالشرك (مِنْ نَصِيرٍ) يدفع عنهم العذاب.

[٧٢] (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات (تَعْرِفُ) ترى (فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) الإنكار لما تكره نفوسهم من الآيات (يَكادُونَ يَسْطُونَ) يبطشون (بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) يقرءون لهم آيات القرآن (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ) أخبركم (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) من غيظكم على الذين يتلون ، و(كم) للخطاب ، هو (النَّارُ) في الآخرة (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس النار مرجعا ومحلا لهم.

٣٥٢

[٧٣] (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) لأصنامكم (فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) أي ولو شيئا صغيرا كالذباب (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) اجتمع كل الأصنام لخلقه (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) بأن يأخذ منهم شيئا فيطير (لا يَسْتَنْقِذُوهُ) لا يقدرون على إرجاعه (مِنْهُ) من الذباب ، فقد كانوا يطلون أصنامهم بالعطر فيأتي الذباب فيلمسه فلا يقدرون على حفظ ذلك العطر وإرجاعه منه (ضَعُفَ الطَّالِبُ) العابد (وَالْمَطْلُوبُ) المعبود.

[٧٤] (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عظموه حق عظمته حيث أشركوا به (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) والأصنام لا قوة لها (عَزِيزٌ) بخلاف الصنم الذليل.

[٧٥] (اللهُ يَصْطَفِي) يختار (مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) إلى أنبيائه (وَمِنَ النَّاسِ) رسلا إلى البشر (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بأقوالهم (بَصِيرٌ) بأفعالهم.

[٧٦] (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ما مضى وما يأتي من أحوال الملائكة والأنبياء عليهم‌السلام (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) في يوم القيامة فيجازي الكل حسب عمله.

[٧٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تفوزون.

[٧٨] (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) بما يلزم من الجهاد (١) (هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم لدينه (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) من ضيق بل أحكامه سهلة (مِلَّةَ) اختار لكم طريقه (أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) فإن دين إبراهيم عليه‌السلام كان التوحيد ، لا اليهودية والنصرانية والشرك (هُوَ) الله (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) حيث قال إبراهيم عليه‌السلام : (ومن ذريتنا أمة مسلمة) (٢) (وَفِي هذا) أي القرآن (لِيَكُونَ) لام العاقبة أي اختاركم ليشهد (الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) بالطاعة (وَ) ل (تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بأن بلغتم أوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) تمسكوا بدين الله (هُوَ مَوْلاكُمْ) وليكم والمتولي لأموركم (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الناصر.

__________________

(١) الجهاد : ممارسة الأمر الشاق وأصله من الجهد.

(٢) سورة البقرة : ١٢٨.

٣٥٣

٢٣ : سورة (المؤمنون)

مكية آياتها مائة وثماني عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (قَدْ أَفْلَحَ) فاز بخير الدنيا والآخرة (الْمُؤْمِنُونَ).

[٢] (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) متذللون لله.

[٣] (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ) الذي لا فائدة فيه من قول أو فعل (مُعْرِضُونَ) لا يلتفتون إليه ولا يقاربونه.

[٤] (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) مؤدون.

[٥ ـ ٦] (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) زوجاتهم (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) إمائهم (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) لا يلامون شرعا إذا استعملوا فروجهم بالنسبة إلى زوجاتهم وإمائهم.

[٧] (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) طلب غير ذلك المباح من الفرج (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) تعدوا حدود الله.

[٨] (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ) ما أتمنه الناس عندهم (وَعَهْدِهِمْ) مع الله ومع الناس (راعُونَ) يرعون فلا يخونون ولا ينقضون.

[٩] (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) فيؤدونها في أوقاتها.

[١٠ ـ ١١] (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) الجنة (هُمْ فِيها) في الفردوس (خالِدُونَ) دائمون.

[١٢] (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ) خلاصة وصفوة (مِنْ طِينٍ).

[١٣] (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً) منيا ، لأن الطين يتبدل نباتا ثم مأكلا ثم دما ثم منيا (فِي قَرارٍ) الرحم (مَكِينٍ) مستحكم محفوظ.

[١٤] (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) دما جامدا (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) قطعة لحم (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) بأن صلّبناها حتى صارت عظاما (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أثبتنا اللحم على العظام (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ) خلقناه (خَلْقاً آخَرَ) بإعطاء الروح له (فَتَبارَكَ اللهُ) دام ذا خير (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فإن كل صانع لشيء يسمى خالقا.

[١٥] (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) المذكور من خلق الإنسان (لَمَيِّتُونَ).

[١٦] (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) تحيون للحساب.

[١٧] (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) سماوات لأنها طرق الملائكة والكواكب (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) بل ندبّرها ونعرف أمورها.

٣٥٤

[١٨] (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) بمقدار ما علمنا من الصلاح (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) جعلناه مستقرا فيها (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ) بذلك الماء بالتصعيد إلى السماء أو الإعدام (لَقادِرُونَ).

[١٩] (فَأَنْشَأْنا) خلقنا (لَكُمْ بِهِ) بالماء (جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها) في تلك الجنات (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) تتعيشون.

[٢٠] (وَشَجَرَةً) عطف على (جنات) (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ) جبل (سَيْناءَ) محل في أطراف مصر (تَنْبُتُ) تخرج (بِالدُّهْنِ) متلبسا بالدهن وهو الزيتون (وَ) ب (صِبْغٍ) أي إدام (لِلْآكِلِينَ) فإن الزيتون يكون إداما.

[٢١] (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ) الإبل والبقر والغنم (لَعِبْرَةً) اعتبارا دالا على وجود الله (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) من اللبن (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) كالركوب والحمل والجلد وما أشبه (وَمِنْها) من لحومها (تَأْكُلُونَ).

[٢٢] (وَعَلَيْها) على الإبل في البر (وَعَلَى الْفُلْكِ) السفينة في البحر (تُحْمَلُونَ).

[٢٣] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) عذابه.

[٢٤] (فَقالَ الْمَلَأُ) الأشراف (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) خاطبوا أتباعهم (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) يسودكم (وَلَوْ شاءَ اللهُ) إرسال الرسول (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) يؤدوا أحكامه إلى الناس (ما سَمِعْنا بِهذا) الذي يدعونا نوح عليه‌السلام إليه (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) في الأمم الماضية.

[٢٥] (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) جنون وكلامه صادر عن جنون (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) انتظروا بنوح عليه‌السلام (حَتَّى حِينٍ) يفيق عن جنونه أو حين يموت.

[٢٦] (قالَ) نوح عليه‌السلام : (رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) بسبب تكذيبهم لي فلم يبق إلّا نصرك.

[٢٧] (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) برعايتنا وإعانتنا لك (وَوَحْيِنا) وتعليمنا لك (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) بعذاب القوم (وَفارَ التَّنُّورُ) ارتفع الماء منه (فَاسْلُكْ) أدخل (فِيها) في السفينة (مِنْ كُلٍ) من أنواع الحيوان (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكر وأنثى (وَ) أدخل (أَهْلَكَ) عائلتك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بإهلاكه (مِنْهُمْ) من أهلك : زوجته الطالحة وولده الفاسق (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) لا تكلمني يا نوح في إمهال الكفار (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) يغرقون قطعا فلا مجال لإمهالهم.

٣٥٥

[٢٨] (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ) ركبت (أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) من المؤمنين (عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بالشرك.

[٢٩] (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي) في السفينة (مُنْزَلاً مُبارَكاً) كثير الخير (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).

[٣٠] (إِنَّ فِي ذلِكَ) أمر نوح عليه‌السلام وقومه (لَآياتٍ) عبرا لمن أراد الاعتبار (وَإِنْ) مخففة من الثقيلة (كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) مختبرين الناس لنجازيهم بما عملوا.

[٣١] (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد قوم نوح عليه‌السلام (قَرْناً) أمة ، ولعله عاد قوم هود عليه‌السلام (آخَرِينَ).

[٣٢] (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) من نفس قبيلتهم فقال لهم : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) عذاب الله.

[٣٣] (وَقالَ الْمَلَأُ) الأشراف (مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) بأن أنكروا يوم القيامة (وَأَتْرَفْناهُمْ) نعمناهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) والبشر لا يكون رسولا.

[٣٤] (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) فيما يأمركم به بزعم أنه من جانب الله (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) باتّباعه.

[٣٥] (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً) صارت لحومكم ترابا (وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) من قبوركم أحياء لأجل الحساب.

[٣٦] (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) بعيد بعيد (لِما تُوعَدُونَ) من الحياة بعد الموت.

[٣٧] (إِنْ هِيَ) ما هي الحياة (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) القريبة فقط (نَمُوتُ وَنَحْيا) يموت قوم ويحيا قوم (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) بمحيون بعد الموت.

[٣٨] (إِنْ هُوَ) ما هو (إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فيما ادعى من الرسالة (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ).

[٣٩] (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي) عليهم (بِما كَذَّبُونِ) بسبب تكذيبهم لي.

[٤٠] (قالَ) الله : (عَمَّا قَلِيلٍ) بعد زمان قليل (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) لتكذيبهم.

[٤١] (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) صاح بهم جبرئيل عليه‌السلام فأهلكهم (بِالْحَقِ) حيث استحقوا العذاب (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) هو الذي يحتمله السيل من النفايات ، شبهوا به في عدم الروح وعدم ترتب الفائدة عليه (فَبُعْداً) أي أبعدوا عن الرحمة بعدا (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

[٤٢] (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) جماعات أخر.

٣٥٦

[٤٣] (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) بأن تموت قبل وصول أجلها (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) بأن يصل وقت أجلها ولا تموت.

[٤٤] (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) متواترين يتبع بعضهم بعضا (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ) بعض الأمم (بَعْضاً) ببعض في الإهلاك (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لم يبق منهم إلّا حكايات (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ).

[٤٥] (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) بأدلتنا (وَسُلْطانٍ) حجة (مُبِينٍ) ظاهر.

[٤٦] (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أشراف قومه (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان (١) (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) متكبرين.

[٤٧] (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ) موسى وهارون عليهما‌السلام (مِثْلِنا وَقَوْمُهُما) بنو إسرائيل (لَنا عابِدُونَ) خاضعون فكيف نؤمن بمن لا قوم له.

[٤٨ ـ ٤٩] (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ* وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (لَعَلَّهُمْ) لعل بني إسرائيل (يَهْتَدُونَ).

[٥٠] (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ) المسيح عليه‌السلام (وَأُمَّهُ آيَةً) دالة على قدرة الله بالإيلاد من غير أب (وَآوَيْناهُما) أسكناهما (إِلى رَبْوَةٍ) مرتفع من الأرض (ذاتِ قَرارٍ) استواء يستقر عليها الإنسان (وَمَعِينٍ) ماء جار.

[٥١] وقد خاطبنا الأنبياء عليهم‌السلام بقولنا : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً) عملا صالحا (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

[٥٢] (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) لأن المؤمنين في كل زمان بمنزلة أمة واحدة (وَأَنَا رَبُّكُمْ) الواحد (فَاتَّقُونِ) اخشوا عقابي.

[٥٣] (فَتَقَطَّعُوا) الأمم (أَمْرَهُمْ) أمر دينهم (بَيْنَهُمْ زُبُراً) كتبا يدينون بها (كُلُّ حِزْبٍ) فريق وجماعة (بِما لَدَيْهِمْ) من الدين (فَرِحُونَ) لظنهم أنه الحق وما عداه باطل.

[٥٤] (فَذَرْهُمْ) دعهم (فِي غَمْرَتِهِمْ) في جهالتهم (حَتَّى حِينٍ) يموتون حيث يعاقبون هناك.

[٥٥] (أَيَحْسَبُونَ) يظنون (أَنَّما نُمِدُّهُمْ) نعطيهم (بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ).

[٥٦] (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) نسارع لهم فيما فيه خيرهم ، هل يظنون ذلك؟ (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) إنه لأجل الاستدراج لا لأجل الخير.

[٥٧] (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ) خوف (رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) خائفون.

[٥٨] (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) يصدقون.

[٥٩] (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) لا يجعلون له شريكا.

__________________

(١) الاستكبار : الامتناع عن قبول الحق معاندة وتكبرا.

٣٥٧

[٦٠] (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ) يعطون (ما آتَوْا) أعطوا من الأموال (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) خائفة أن لا يقبل منهم (أَنَّهُمْ) لأنهم يوقنون (إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) يرجعوهم إلى ربهم العالم بخفيّات نفوسهم فلا يقبل إنفاقهم لاحتمال رياء أو سمعة فيه.

[٦١] (أُولئِكَ) الذين جمعوا هذه الصفات هم الذين (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها) لأجل تلك الخيرات (سابِقُونَ) إلى الجنة ، كما قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

[٦٢] (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ما تتمكن أن تأتي به في يسر (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) بما عملوا (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقص من ثوابهم كما لا يزيد في عقاب المسيئين.

[٦٣] (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ) غفلة (مِنْ هذا) الكتاب وهذا كناية عن عدم اعتنائهم بما يكتب عنهم لأنهم منكرون له (وَلَهُمْ أَعْمالٌ) سيئة (مِنْ دُونِ ذلِكَ) سوى ذلك الكفر (هُمْ لَها) لتلك الأعمال السيئة (عامِلُونَ).

[٦٤] (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) متنعميهم (٢) ، والنسبة إليهم مع أن العذاب شامل للجميع لأجل أنهم الرؤوس في الضلال والإضلال (بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) يضجون من شدة العذاب.

[٦٥] فيقال لهم : (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ) فلا يفيدكم الجأر ف (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ).

[٦٦] (قَدْ كانَتْ آياتِي) القرآن (تُتْلى عَلَيْكُمْ) أيها الكافرون (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) ترجعون القهقرى أي تكفرون.

[٦٧ ـ ٦٨] (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) مكذبين بالقرآن (سامِراً) أي تسمرون وتتحدثون بذكر القرآن والطعن فيه (تَهْجُرُونَ) تقولون كلاما هجرا وهذيانا. (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) يتدبروا القرآن ، والاستفهام للإنكار (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) فكيف يكفرون بالقرآن والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحال أنه قد جاء آباءهم رسل وكتب.

[٦٩] (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) بالصدق والأمانة وكمال العقل فلذا هم له للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مُنْكِرُونَ) نعم كل ذلك كان ، فقد تدبروا القرآن وعلموا إعجازه ، وقد جاء آباءهم رسل وكتب وعرفوا رسولهم ولكنهم معاندون.

[٧٠] (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) جنون (بَلْ) ليس شيء من ذلك وإنما (جاءَهُمْ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لأنه مخالف لشهواتهم.

[٧١] (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) وميولهم (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) لأنهم يريدون أشياء وتغييرات في الكون توجب الفساد (بَلْ أَتَيْناهُمْ) أعطيناهم (بِذِكْرِهِمْ) بما فيه تذكير لهم (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ).

[٧٢] (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) أجرا على تبليغ الرسالة ولذا يفرون من الإيمان بك (فَخَراجُ) أجر (رَبِّكَ خَيْرٌ) من أجرهم ، فإن أجرك على الله (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فرزقك منه تعالى لا منهم.

[٧٣] (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فلا اعوجاج لطريقك حتى يكون فرارهم لأجل اعوجاج الطريق.

[٧٤] (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) لمنحرفون عنه.

__________________

(١) سورة الواقعة : ١٠ ـ ١١.

(٢) المترف : المتنعم المتوسع في ملذات الدنيا وشهواتها.

٣٥٨

[٧٥] (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا) رفعنا (ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) شدة هم فيها (لَلَجُّوا) أصروا (فِي طُغْيانِهِمْ) كفرهم وظلمهم (يَعْمَهُونَ) يترددون ولا يشكرون الله تعالى.

[٧٦] (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) بالشدائد (فَمَا اسْتَكانُوا) ما خضعوا (لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) لا يرغبون إليه في الدعاء والضراعة.

[٧٧] (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) بأن نعذبهم بجوع أو خوف أو ما أشبه (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) متحيرون آيسون من كل خير.

[٧٨] (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) خلق (لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) جمع فؤاد بمعنى القلب (قَلِيلاً ما) تأكيد للقلة (تَشْكُرُونَ).

[٧٩] (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أوجدكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ) إلى حسابه (تُحْشَرُونَ) تجمعون.

[٨٠] (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي كون أحدهما يعقب الآخر (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أفلا تستعملون عقولكم حتى تدركوا إن كل شيء منه تعالى.

[٨١] (بَلْ قالُوا) هؤلاء الكفار (مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) الكفار من آبائهم.

[٨٢] (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) بأن تبدّل لحمنا إلى تراب (وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) في القيامة ، قالوا ذلك على وجه الإنكار.

[٨٣] (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا) المعاد (مِنْ قَبْلُ) أي وعد آباؤنا بذلك قبل هذا (إِنْ هذا) أي ما هذا الوعد (إِلَّا أَساطِيرُ) خرافات (الْأَوَّلِينَ) ممن ادعوا النبوة.

[٨٤] (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذلك فأجيبوني.

[٨٥] (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) لأنهم كانوا يعترفون بالله وإنما يجعلون الأصنام وسطاء وشركاء (قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) بأن من قدر على الابتداء يقدر على الإعادة ، أو بأن من له كل شيء هو الله ، لا غيره من أصنامكم.

[٨٦ ـ ٨٧] (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) عقابه باتباع أوامره.

[٨٨] (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ) ملك (كُلِّ شَيْءٍ) أي إن التصرف في كل شيء تحت إرادته (وَهُوَ يُجِيرُ) يغيث من يشاء (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) ولا أحد يغيثه لأنه لا يحتاج إلى إغاثة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

[٨٩] (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى) فمن أين وكيف (تُسْحَرُونَ) تكونون كالمسحور يخيل إليه الباطل حقا والحق باطلا.

٣٥٩

[٩٠] (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) بيّنا لهم ما هو حق من التوحيد والمعاد (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في ادعاء الولد والشريك ونفي المعاد.

[٩١] (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) المسيح وعزير عليه‌السلام والملائكة (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) شريك له (إِذاً) أي إذا كان له شريك (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) بأن انحاز مع مخلوقاته في جانب (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) بالتغالب كما يفعل الملوك ، وقد تقدم استحالة ذلك (سُبْحانَ اللهِ) إنه منزّه (عَمَّا يَصِفُونَ) من الولد والشريك.

[٩٢] (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ما غاب عن الحواس وما حضر لديها (فَتَعالى) ارتفع (عَمَّا يُشْرِكُونَ) عن شركهم.

[٩٣] (قُلْ رَبِّ إِمَّا) أصله (إن) الشرطية و(ما) الزائدة (تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) من عذابهم والنقمة عليهم.

[٩٤] (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي معهم كي لا يصيبني ما أصابهم ، وهذا دعاء لاستمرار لطفه.

[٩٥] (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ) من العذاب (لَقادِرُونَ) ولكن نؤخرهم للوصول إلى أجلهم المسمى.

[٩٦] (ادْفَعْ) بالكيفية التي (هِيَ أَحْسَنُ) الكيفيات (السَّيِّئَةَ) مفعول (ادفع) (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) الله به من الشرك والولد فنجازيهم عليه.

[٩٧ ـ ٩٨] (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ) وساوس (١) (الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) أي يحضر الشياطين عندي لإغوائي.

[٩٩] (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ) أي الكفّار (الْمَوْتُ) بأن قارب موته (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) أي ارجعوا بي وردوني إلى الدنيا.

[١٠٠] (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) من الأموال بأن أنفق منها حق الله (كَلَّا) لا رجوع (إِنَّها) أي الكلمة التي يقولها (كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) فهي مجرد لفظ لا أثر له (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ) وهو ما بين الدنيا والآخرة (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) في الآخرة.

[١٠١] (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) بوق ينفخ فيه إسرافيل عليه‌السلام لإحياء الناس (فَلا أَنْسابَ) نسب يفيد (بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) لا يسأل بعضهم بعضا خوفا من أن يبتلى به ، ولأن كل إنسان مشغول بنفسه.

[١٠٢] (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بالطاعات (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون.

[١٠٣] (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن كانت معاصيه أكثر (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ضيعوها وهم (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) باقون دائما.

[١٠٤] (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تضربها فتحرقها (٢) (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) عابسون تتقلص شفاههم من شدة الاحتراق.

__________________

(١) والهمزة في اللغة : شدة الدفع.

(٢) لفحت وجهه النار : أصابته.

٣٦٠