ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين

ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

المؤلف:

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين


المحقق: د. المرتضى بن زيد المحطوري الحسني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

ومنها ما لا يتعلق بشرعه. ثم منها ما يتعلق بمعجزته ، وذلك أنه يعصم عن الإحسان (١) لجنسها والإتيان به ؛ لأن ذلك يؤثّر في سكون النفس إلى معجزته ، وكونه يحسن جنس معجزته يوهن أمرها ؛ فيجب أن يعصم عن ذلك. ومنها ما لا يتعلق بمعجزته ، وهو أشياء : منها ما يرجع إلى أخلاقه. ومنها ما يرجع إلى غيرها ممّا يتعلق بفعله ومما لا يتعلق بفعله ؛ فيجب أن يعصم عن الفظاظة والغلظة على المؤمنين ، ويعصم عن سوء الأخلاق. ويجب أن لا يكون ولد زنا ، ولا يكون لقيطا ، ولا حجّاما ، ولا حمّاميّا ، ونحو ذلك من الخدم التي يستنكرها (٢) القوم الذين يرسل إليهم ، ويسترذلونها. ويجب أن يعصم عن الكبائر قبل النبوة وبعدها ، وعن الكذب صغيرا كان أو كبيرا ، وعن الصغائر المسخّفة المنفّرة كالأكل على الطرقات. خلافا للحشوية والكرّامية فإنهم يجوّزون على الأنبياء الكبائر قبل النبوة وبعدها. وعندنا أنهم لا يأتون بشيء من الصغائر إلا على سبيل التأويل دون العمد (٣).

والذي يدل على اعتبار ما تقدم أن الغرض بالبعثة للرسول هو الأخذ عنه والقبول ؛ لتنزاح به علّة المكلّفين. فكما أنه يجب في الحكمة أن يمكّنه الله من الأداء والتبليغ ؛ لئلّا يكون ذلك مفوّتا لمصالح المكلّفين ـ كذلك يجب في الحكمة أن يعصمه عن كل منفّر ليكون المكلّف أقرب إلى القبول ؛ لأن اللطف ينبغي أن يفعل على أبلغ الوجوه.

__________________

(١) في هامش (ب) : حاشية نصها : ينظر والذي ظهر من قوله عن الإحسان ، في سياق الكلام أنه يشترط أن لا يحسن النبيّ أن يأتي بمثل معجزته من ذات نفسه ؛ لأنه يكون توهينا لشأن المعجزة ، وتلبيسا للمعجز بغيره ، فلا وجه للنظر على كلام الأمير فهو مستقيم ؛ فتأمل ، تمت كاتبها. والخلاصة أن النبي يجب أن لا يحسن جنس معجزته.

(٢) في (ب) و (ج) : يستكرهها.

(٣) ينظر الفخر الرازي مج ٢ ج ٣ ص ٩.

٢٨١

واعلم أيها المسترشد أن الأنبياء (ع) بشر من الناس كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، وهم مركّبون على الخطإ والنسيان إلا فيما أمروا بتبليغه فإنهم معصومون عن ذلك كما تقدم بيانه. وقد قال الله تعالى في نبينا عليه‌السلام : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الأعلى : ٦] فثبت أنه يعصمه عن نسيان ما أمر بتبليغه.

وأما في غير ذلك فجائز عليهم النسيان. قال الله تعالى في آدم عليه‌السلام : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥]. ومعنى قوله : (فَنَسِيَ) أي نسي النظر ، وهو فعله لا فعل الله تعالى. وقيل : النسيان هاهنا بمعنى التّرك أي ترك النظر. ومعنى قوله (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، قيل : عزما على المعصية في المستقبل. وقال تعالى حاكيا عن موسى في اعتذاره إلى العالم عليهما جميعا السّلام : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) [الكهف : ٧٣].

وروينا أن النبي محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بجماعة الظّهر خمس ركعات ساهيا فلما أعلموه بذلك استقبل القبلة وهو جالس ، وسجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع وسلّم (١). وروي أنه سها عن التشهد الأوسط فلم يعد له ، ثم سجد سجدتي السهو بعد التسليم (٢). وكذلك فإنهم غير معصومين عن الشهوات ، بل هم مركّبون على شهوة القبائح والمعاصي ؛ لأنهم لو لم يكونوا كذلك لم يكن للواحد منهم ثواب في لزم نفسه وقمعها عن القبائح ، ولما كان محمودا على ترك اتّباع الشهوات ؛ ولكنهم أقوى على لزم أنفسهم عن

__________________

(١) المجموع للإمام زيد ١٢٣ ، وفي البخاري ١ / ٤١١ رقم ١١٦٨. ومسلم ١ / ٤٠٢. قبل التسليم.

(٢) البخاري ١ / ٤١١ رقم ١١٦٧. ومسلم ١ / ٣٩٩ رقم ٥٧٠. قبل التسليم والغرض الاستدلال على سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٨٢

المحرمات ؛ لما شاهدوه من الدلائل والمعجزات.

ويجوز أن يصرف الله عنهم بالتوفيق والعصمة كثيرا من المحظورات ، كما قال تعالى حاكيا عن يوسف : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) [يوسف : ٣٣]. ثم قال تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف : ٣٤].

وأما الموضع الرابع :

وهو الكلام في المعجز الدالّ على نبوة الأنبياء (ع)

فالكلام فيه يقع في موضعين : أحدهما في حقيقة المعجز ، وبيان صحة الشروط الداخلة في حقيقته. وثانيهما في جواز ظهور جنس المعجز على غير نبي ، نحو أن يكون إكراما لوليّ ، أو تكذيبا لعدوّ ، أو إرهاصا لنبوة نبي.

أما الموضع الأول فالمعجز في اصطلاح المتكلمين هو الفعل الناقض للعادة الحاصلة من فعل الله تعالى ، وما يجري مجرى فعله المتعلّق بدعوى المدّعي للنبوة. والذي يدل على صحة هذا الحد أنه يكشف عن معنى المحدود على وجه المطابقة ، ولا يفهم في اصطلاح المتكلمين سوى ذلك ؛ ولهذا يطرد المعنى فيه وينعكس. وكلّ ذلك من دلائل صحة الحد.

وإنما اشترطنا في المعجز أن يكون ناقضا للعادة ؛ لأنّ ما هو معتاد لا يكون دلالة على نبوة أحد ؛ إذ نسبته إلى صدق المدعي كنسبته إلى كذبه لعدم الاختصاص به. واشترطنا أن يكون من فعل الله تعالى ، نحو قلب العصا حيّة ، وإخراج النّاقة من جبل ، ونحو ذلك. أو جاريا مجرى فعله بأن يكون بإقداره وتمكينه نحو إقدار المدّعي للنبوة على المشي على الهواء أو على الماء ونحو ذلك ؛ لأن الله تعالى هو الدالّ بالمعجز على صدق رسله فلم يكن بدّ من

٢٨٣

أن يكون له تعلّق ، وليس ذلك إلا بأن يكون على ما قلنا ؛ فيكون (١) نسبته إليه أولى من نسبته إلى غيره. واشترطنا أن يكون متعلقا بدعوى المدّعي.

والمراد بذلك أن يكون مطابقا لها ، وعقيبها ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن بأن يدلّ على نبوته أولى من أن يدلّ على نبوة غيره ، ولا بأن يدل على صدقه أولى من أن يدل على كذبه. فما كان على هذه الأوصاف فهو معجز ، ومتى اختل شيء منها فليس بمعجز.

وأما الموضع الثاني وهو في ظهور جنس المعجز على غير نبي نحو أن يكون إكراما لوليّ أو تكذيبا لعدو ، أو إرهاصا لنبوة نبيّ فنحن نعتقد جواز ذلك. وهو قول أهل البيت (ع) ، وهو قول سائر الزيدية.

والذي يدل على ذلك أنه قد وقع ، فلو كان قبيحا لما وقع. وإنما قلنا : بأنه قد وقع لما رواه العلماء نحو ما رواه صاحب الإكليل (٢) : وهو ما أنزله الله تعالى على أعين الناس من التّراب الذي يشبه الطحين من نواحي زبيد (٣) إلى صنعاء إلى الجوف إلى مأرب (٤). وكذلك الظلمة العظيمة الحادثة في زبيد على وجه لا يمكّنهم التصرف بالنهار إلا على المصابيح. قال : وهذان أمران ظاهران حادثان في الزمان القريب.

__________________

(١) في (ب) و (ج) : ويكون.

(٢) في (ب) و (ج) : صاحب كتاب الإكليل. وهو الحسن بن أحمد الهمداني ، ويعرف بابن الحائك ، ولد بصنعاء سنة ٢٨٠ ه‍ ، عالم ، أديب ، مؤرخ ، مشارك في أنواع من العلوم ، توفي سنة ٣٣٤ ه‍ ، وقيل : بل عاش بعدها ، ورجح الشامي أنه توفي سنة ٣٤٠ ه‍. وله الإكليل في مفاخر اليمن ، والقصيدة الدامغة وشرحها ، وكتاب الجوهرتين العتيقتين في الكيمياء وغيرها. ينظر في ترجمته : تاريخ اليمن الفكري ١ / ١٨٢.

(٣) اسم مدينة بتهامة اليمن تبعد جنوبا يمن بحوالي ١٠٠ ك. بنيت أيام المأمون.

(٤) الجوف ومأرب محافظتان يمنيّتان ناحية الشرق من صنعاء على بعد ١٥٠ ك.

٢٨٤

ونحو ما نقلته أرباب السّير والأخبار أنّ السحاب كان يظلّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل نبوته (١). وأن الملائكة نزلت عليه في حال صغره ، وشقّوا صدره ، وغسلوا قلبه (٢). وأنّ الحجارة كانت تسلّم عليه. ونحو قصة الفيل وشبهها ، مما جعله البصريون معجزا بزعمهم لنبيّ في ذلك الزمان اسمه خالد بن سنان (٣) لم ينزل بذكره كتاب ولا وردت به سنة ، ولا قامت على نبوته دلالة.

__________________

(١) أنظر السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٢٢٨ : عن ابن عباس قال : خرجت حليمة تطلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد وجدت البهم تقيل ، فوجدته مع أخته ، فقالت : في هذا الحر ، فقالت أخته : يا أمه ما وجد أخي حرّا ، رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت ، وإذا سار سارت ، حتى انتهى إلى هذا الموضع.

(٢) ابن كثير في سيرته ١ / ٢٢٩.

(٣) خالد بن سنان العبسي : حكيم ، واختلف هل هو نبي أم لا ، فقد قال بعضهم : إنه لم يكن نبيا ، قال المجلسي : الأخبار الدالة على نبوته أقوى ، كان في أرض بني عبس ، يدعو الناس إلى دين عيسى. قيل : إنه كان بعد المسيح بثلاثمائة سنة ، قال ابن الأثير : معجزته أن نارا ظهرت بأرض العرب فافتتنوا فيها وكادوا يدينون بالمجوسية ، فأخذ خالد عصا ، فضربها وهو يقول : بدّا بدّا ، كل هدي مؤدّى ، لأدخلنها وهي تلظى ، ولأخرجن منها وثيابي تندى ، وطفئت وهو في وسطها. وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عند ما وفدت إليه ابنته فبسط رداءه وأجلسها عليه ، قال : «ابنة نبي ضيّعه أهله» [كنز العمال ١٢ / ١٤٨ رقم ٣٤٤٢٩] ، وفي حديث : قال لها «مرحبا يا ابنة أخي» ، وقال في شرح نهج البلاغة : إن خالدا لم يكن يقرأ كتابا ولا يدعي شريعة وإنما كانت نبوته مشابهة لنبوة جماعة من أنبياء بني إسرائيل الذين لم تكن لهم كتب إنما ينهون على الشرك ويأمرون بالتوحيد ، وقد أنكر الصادق عليه‌السلام أن يكون نبيّا كما ذكر ذلك صاحب الاحتجاج ٢ / ٣٤٦ قال عليه‌السلام في أسئلة الزنديق ، منها : أخبرني عن المجوس هل بعث إليهم خالد بن سنان؟ قال عليه‌السلام : إن خالدا كان عربيّا بدويّا ، وما كان نبيّا ، وإنما ذلك شيء يقوله الناس. وهو كما يظهر رأي الأمير. ينظر الأعلام ٢ / ٢٩٦. وميزان الحكمة ٤ / ٣١٨٢. والنور المبين للجزائري ص ٦٠١. والطبقات الكبرى لابن سعد ١ / ٢٩٦.

٢٨٥

ونحو كرامات أهل البيت (ع) (١)

ونحن نورد طرفا من كراماتهم ليتضح به الأمر.

[كرامات الإمام الحسين عليه‌السلام]

فمن ذلك أن الحسين السبط بن علي الوصي أمير المؤمنين (ع) لمّا قتل بكربلاء بكت عليه الأرض والسماء ، وقطرت ـ كما رويناه بالنقل الصحيح ـ دما (٢).

[كرامات الإمام زيد بن علي (ع)]

ومن ذلك كرامات زيد بن علي السجّاد بن الحسين الشهيد (ع). ونحن نذكر من كراماته وهو مصلوب على الخشبة طرفا دون ما عداها من كراماته.

__________________

(١) الكرامات عند الزيدية مقبولة. وأما المعتزلة فأنكروها. الشافي ٤ / ٤. وقال إمام الحرمين في كتاب الإرشاد ٢٦٦ ، فالذي صار إليه أهل الحق جواز انحراف العادات في حق الأولياء. والفخر الرازي في تفسيره مج ٤ ج ٨ ص ٣٣ في سياق الآية ٣٧ من سورة مريم : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) ، قال : هذا دليل جواز الكرامات.

(٢) ذكره الشهيد المحلي في الحدائق الوردية ١ / ١٢٤ ـ ١٢٨. وأبو نعيم في دلائل النبوة ص ٥٨٢. والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص ١٤٥ عن نضرة الأزدية. وتهذيب التهذيب لابن حجر ٢ / ٣٥٤. والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦. والسيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) في سورة مريم ٤ / ٤٧٥. وأيضا في تفسير سورة الدخان في الآية : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ج ٥ / ص ٧٤٩.

٢٨٦

فمنها : ما رواه سعيد بن خثيم (١) ، قال : حدثني شبيب بن غرقدة (٢) قال : دخلنا الكنّاس (٣) ليلا فلما أن كنا بالقرب من خشبة زيد بن علي (ع) ـ وهو مصلوب عليها ـ أضاء لنا الليل فلم نزل نسير قريبا من خشبته فنفحت رائحة المسك ، قال : فقلت لصاحبي : هكذا توجد رائحة المصلّبين؟ قال : فهتف بي هاتف : هكذا توجد رائحة أولاد النبيين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون (٤). ومنها : عنه أيضا (٥) ، قال : حدثني غير واحد لا أحصي من سمعت منه هذا الحديث أنّ زيدا عليه‌السلام كان يوجّه بوجهه ناحية الفرات ، فيصبح وقد دارت خشبته ناحية القبلة مرارا (٦). وصلبوه عريانا فعلت العنكبوت حتى نسجت على عورته (٧). ومنها : ما رويناه عن يوسف بن زفر وكان قد أدرك زيد بن علي (ع) ، قال : صلب زيد بن علي عريانا ؛ فلم يمس حتى سقطت سرّته على عورته فسترته (٨). ومنها : ما رويناه عن سماعة بن موسى قال : رأيت زيد بن علي (ع) مصلوبا بالكناسة ، فما رأى أحد له عورة ، استرسل جلد من بطنه من

__________________

(١) ابن رشد الهلالي كوفي ، قال فيه يحيى بن معين : شيعي ثقة ، وقدري ثقة. تهذيب الكمال ١٠ / ٤١٣.

(٢) السلمي ، ويقال البارقي الكوفي ، تابعي وثقه أحمد ويحيى بن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات ، روى له الجماعة. تهذيب الكمال ١٢ / ٣٧٠ ، وتهذيب التهذيب ٤ / ٢٨١.

(٣) الكناس : موضع بالكوفة صلب فيه الإمام زيد عليه‌السلام.

(٤) الحدائق الوردية ١ / ١٤٩.

(٥) بحذف أيضا في (ب).

(٦) ابن عساكر ١٩ / ٤٧٩.

(٧) الحدائق الوردية ١ / ١٤٨. وعمدة الطالب ٢٨٩. وتاريخ ابن عساكر ١٩ / ٤٧٩. وحياة الحيوان للدميري ٢ / ٢٦٦. مادة العنكبوت عنه.

(٨) مقاتل الطالبين ص ١٤٤.

٢٨٧

قدّامه وخلفه ، حتّى ستر عورته.

ومنها ما رويناه عن (١) فاطمة امرأة من بني سلامة لمّا مرّت بزيد وهو مصلوب بغير لحاف حلّت خمارها عن رأسها ثمّ رمت به على عورته ؛ فاستدار الخمار حتى انعقد في وسطه ، وهم ينظرون فصعدوا فحلوه ؛ فاسترخت سرّته حتى غطّت عورته ؛ فمضوا يعني الحرس إلى يوسف بن عمر (٢) والي هشام بن عبد الملك ـ لعنهم الله ـ فأخبروه فقال : امضوا فأحرقوه ؛ فإذا صار مادا فاذروه في الفرات (٣) إلى غير ذلك من كراماته. وقد ذكرنا طرفا منها في كتاب الإرشاد.

__________________

(١) في (ب) و (ج) : ما روينا أنّ.

(٢) هو يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم أبو يعقوب ، الثقفي أمير من جبابرة الولاة في العهد الأموي. كانت منازل أهله في البلقاء بشرقي الأردن ، وولي اليمن لهشام بن عبد الملك سنة ١٠٦ ه‍ ثم نقله هشام إلى ولاية العراق سنة ١٢١ ه‍ ، وأضاف إليه إمرة خراسان ؛ فاستخلف ابنه الصلت على اليمن ، ودخل العراق ، وعاصمته يومئذ الكوفة فقام بها ثم قتل سلفه في الإمارة خالد بن عبد الله القسري تحت العذاب. واستمر إلى أيام يزيد ابن الوليد فعزله يزيد في أواخر سنة ١٢٦ ه‍ ، وقبض عليه وحبسه في دمشق إلى أن أرسل إليه يزيد بن خالد القسري من قتله في السجن بثأر أبيه سنة ١٢٧ ه‍. وكان يسلك سبيل الحجاج في الأخذ بالشدة والعنف ، وكان يضرب به المثل في التيه والحمق ، يقال : أتيه من أحمق ثقيف ، قال الذهبي : كان مهيبا جبارا ظلوما. ينظر الأعلام ٨ / ٢٤٣ ، وسير أعلام النبلاء ٥ / ٤٤٢.

(٣) أنظر الطبري ٧ / ١٨٩. ومقاتل الطالبيين ص ١٤٤. وما رواه ابن عساكر ١٩ / ٤٧١ قال : بعث هشام إليه فقتلوه فقال الموكل بخشبته : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم وقد وقف على الخشبة ، وقال : هكذا تصنعون بولدي من بعدي ، يا بني ، يا زيد ، قتلوك قتلهم الله ، صلبوك صلبهم الله ، فخرج هذا في الناس ، وكتب يوسف بن عمر إلى هشام أن عجل إلى العراق فقد فتنهم ، فكتب إليه : أحرقه بالنار ، فأحرقه. وفي المقاتل ص ١٤٣ : فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف : أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فاحرقه وانسفه في اليم نسفا.

٢٨٨

[كرامات الإمام القاسم الرسي عليه‌السلام]

ونحو كرامات الإمام العالم ترجمان الدين أبي محمد القاسم بن إبراهيم (ع) فإنه دعا إلى الله في مخمصة فقال : اللهم إني أسألك بالاسم الذي دعاك به صاحب سليمان بن داود فجاءه العرش قبل ارتداد الطّرف ؛ فتهدّل البيت رطبا على القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع). وروينا أنه عليه‌السلام دعا الله تعالى في ليلة مظلمة ، فقال : اللهم إني أسألك بالاسم الذي إذا دعيت به أجبت فامتلأ البيت نورا إلى غير ذلك من كراماته (١) [عليه‌السلام].

[كرامات الإمام الهادي عليه‌السلام]

ونحو كرامات الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الحافظ بن القاسم بن إبراهيم (ع) (٢). ويكفي في ذلك طيب رائحته عند الموت. وكان يقول لولده الإمام المرتضى لدين الله محمد بن الهادي (ع) : يا بنيّ هذا يوم ألقى الله فيه ، ولقد رجوت أن يبلغني الله الأمل في جهاد الظالمين ، ومنابذة الفاسقين ، والله غالب على أمره. قال المرتضى لدين الله وهو عليه‌السلام مع ذلك جالس لم تتغير

__________________

(١) أنظر الحدائق الوردية ٢ / ٤. ومقاتل الطالبيين للأصفهاني ٥٥٦. قال أبو الفرح : وأخبرنا أحمد بن سعيد عن محمد بن منصور ، قال : سمعت القاسم بن إبراهيم يقول : أعرف رجلا دعا في ليلة وهو في بيت ، فقال : اللهم إني أسألك بالاسم الذي دعاك به صاحب سليمان فجاءه السرير ؛ فتهدل البيت عليه رطبا قال : وسمعت القاسم بن إبراهيم يقول : أعرف رجلا دعا الله تعالى : اللهم إني أسألك بالاسم الذي من دعاك به أجبته ـ وهو في ظلمة ـ فامتلأ البيت نورا ، قال محمد : عنى به نفسه.

(٢) الإمام الهادي أعظم مصلح عرفه التاريخ اليمني ؛ فقد بذل نفسه ودمه وماله في سبيل الدعاء إلى الله ورسوله ، وتطبيق الشريعة المطهرة ؛ ليعم الخير والصلاح ، حتى قضى نحبه شهيدا بالسم وتوفي سنة «٢٩٨ ه‍».

٢٨٩

جلسته غير أن الصّفرة تعتليه قليلا قليلا ، وهو يذكر الله ويمجده ثم أدنى برأسه ، وخفي صوته ، قال المرتضى لدين الله : فأضجعته فإذا هو قد فارق الدنيا (١).

[كرامات الإمام الناصر للحق عليه‌السلام]

ونحو كرامات الإمام الناصر للحق عليه‌السلام (٢) ؛ فإنّ رجلا كان في بلد (٣) الدّيلم متلصّصا يقطع الطريق بين الغياض ، ويقتل الناس ، ومعه كلب له قد ضرّاه يأكل الناس ؛ فكان يعمد من الرجل إلى مذاكيره فيقطعها فمرّ به الناصر عليه‌السلام فأغرى الرجل به الكلب فلم يطعه بل بصبص (٤) بالناصر ، فلما قرب من الناصر أغراه الناصر بمالكه. وقال له : يا كلب كله ؛ فافترس الكلب حينئذ مولاه وقتله ، وبقي بعد ذلك مع الناصر للحق عليه‌السلام (٥). ونحو النور الذي رئي يضيء

__________________

(١) درر الأحاديث النبوية ص ٢٠٢.

(٢) من أئمة الزيدية في الجيل والديلم ولد سنة ٢٢٥ ه‍ أثنى عنه الكثير سواء وافقوه في اعتقاده الزيدي أم لا. فها هو الطبري في تاريخه يقول : ولم ير الناس مثل عدل الناصر الأطروش وحسن سيرته ، وإقامته الحق. أسلم على يده مليون نسمة من أهل الجيل والديلم ت ٣٠٤ ه‍. وقبره مشهور مزور. وله البساط ـ طبع ـ والمغني. والباهر ، جمعه أبو القاسم إسماعيل البستي. وكتاب التفسير الذي يشتمل على ألف بيت من ألف قصيدة ، وغيرها. قيل : إن مؤلفاته تزيد على ثلاثمائة. ينظر التحف شرح الزلف ص ١٨٤. والشافي ١ / ٣٠٨. تراجم رجال شرح الأزهار للجنداري ص ١١. ومعجم المؤلفين ١ / ٥٦٧. والفلك الدوار ص ٣٨. والطبري ١٠ / ١٤٩ في حوادث سنة ٣٠٢ ه‍. والحدائق الوردية ٢ / ٢٨. وأخبار أئمة الزيدية ص ٨٥.

(٣) في (ب) ، (ج) : بلاد.

(٤) في الأصل ، نضنض. في القاموس ص ٧٩١ بصبص الكلب : حرّك ذنبه ، وهو الصحيح.

(٥) أنظر الحدائق الوردية ٢ / ٣٤. وأخبار الأئمة الزيدية في الديلم ٢٢٣.

٢٩٠

من دار الناصر قبل موته وهو يصعد إلى السماء ، فما زال كذلك حتى فارق الدنيا ، فلما مات انقطع ذلك الضوء. ونحو أمره للضفدع بأكل الحنش فأكلته (١). ونحو قصة الكلب ؛ وهو أنّ رجلا صنع له طعاما وجعل فيه سمّا ، ثم أدخله عليه وكان مع الناصر عليه‌السلام الكلب الذي تقدم ذكره الذي أغرى به صاحبه أوّلا فأكله ، فلمّا أدخل الناصر على الطعام نبح الكلب نباحا مستنكرا ، وأتاهم إلى موضع الطعام فتركه فأكل منه قبل الناصر عليه‌السلام ؛ فأكل منه ومات إلى غير ذلك من كراماته (٢) ؛ فإنها كثيرة.

[كرامات الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان] (٣)

ونحو كرامات الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان من ولد الهادي (ع) فإنه روي أن رجلا من المطرفية الأنجاس كان واقفا مع جماعة من الزيدية بمسجد حوث (٤) ؛ فتذاكروا الإمام المتوكل على الله فسبّه المطرفي ولعنه فنهاه أهل المسجد فنزل ثعبان من سقف المسجد فالتوى بحلق المطرّفي ، وهو يخنقه

__________________

(١) ينظر أخبار الأئمة الزيدية ٢٢٤. والحدائق الوردية ج ٢ ص ٣٤.

(٢) انظر أخبار الأئمة الزيدية في الديلم ٢٢٣.

(٣) الإمام المتوكل على الله : هو أبو الحسن أحمد بن سليمان بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ، ولد سنة ٥٠٠ ه‍ ، من أكابر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، كان من العباد الزهاد المجاهدين ، بويع له سنة ٥٣٢ ه‍ ، واستفاض على جميع اليمن ، وخطب له بينبع والنخيل ، وانقادت لأحكامه الجيل والديلم ، وتوفي عليه ٥٦٦ ه‍ ، وقبره بحيدان مشهور مزور ، وله مؤلفات منها : أصول الأحكام ، وحقائق المعرفة ، ورسالة عامة ، وكتاب المطاعن ، وكتاب الهاشمة لأنف الضلال ، وشرحها العمدة ، والمدخل في أصول الفقه. ينظر التحف ٢٣١ ، وطبقات الزيدية ١ / ١٣٤.

(٤) حوث : مدينة شمال صنعاء بحوالي ١٥٠ ك.

٢٩١

خنقا عظيما حتى كاد أن يهلكه ثم أفلته ؛ فتاب المطرفي بعد ذلك وأناب. ومن كراماته ما رواه الإمام المنصور بالله عليه‌السلام وهو أمور : منها أنه أتاه شيخ كبير فشكى عليه الصمم فنفث في أذنيه ودعا له فبرئ من الصمم بلطف الله تعالى.

ومنها أنه مسح على رجل أعمى فارتدّ بصيرا يرى ويبصر بلطف الله تعالى. ومنها أنه في بعض مخارجه لحق أصحابه وعسكره العطش الكثير حتى أشفوا (١) على الهلاك ، وهم في موضع لا ماء فيه ؛ فقام عليه‌السلام فعلم لهم فيه ثلاثة أمكنة ، وقال : احفروا ؛ فحفروا موضعين ، فلحقوا الماء على قامة وبسطة ؛ فشرب الناس كلهم ، وسقوا بهائمهم ، وملئوا مزادهم (٢) وجميع أسقيتهم ، وطهروا واستقوا وأمسوا إلى الصبح. ثم طهروا وصلوا صلاة الفجر وارتحلوا ، فلما فصلوا من الماء وصاروا في بعض الطريق ، رجع منهم قوم لشيء نسوه من أدواتهم فأتوا وليس للماء أثر ، ولا بقي منه شيء. فلحقوا بالناس وأعلموهم. وكانوا من أهل الصدق والثقة والدين ، فعجب الناس من ذلك وزادهم ذلك يقينا. وقال بعض شعرائهم (٣) في المتوكل على الله عليه‌السلام من جملة أبيات (٤) :

__________________

(١) في (ج) : أشرفوا.

(٢) في (ب) : مزاودهم.

(٣) هو القاضي محمد بن عبد الله الحميري وكان من أولياء المتوكل ، وله فيه مدائح ذكر بعضها صاحب الحدائق ج ٢ ص ١٣٠ ..

(٤) مطلعها :

يا ابن بنت النبي كلّ لسان

مادح ما يكون مدح لساني؟!

غير أن الولي لله لا تن

كر فيه خصائص الرحمن

٢٩٢

ظهرت فيك معجزات كبار

لم نخلها تكون في إنسان

لم نخبّر عنها سماعا ولكن

نا رأينا يقينها بالعيان

تبرئ الأكمه البصير (١)

وتشفي

بشفى الله أعين العميان

وتسوق الحيا (٢)

إلى حيث ما كن

ت وتجري الأنهار في الغيطان (٣)

ومنها أن رجلا من مذحج يقال له : دهمش ، وكان غلاما ريّسا شجاعا شابّا جاهد بين يديه في بلاد يام (٤) فاستشهد صابرا محتسبا ، وتاب عند القتال ، وكان قبل ذلك مسترسلا في المعاصي كما يسترسل الشبان ، فبقي أهله يتأسّفون عليه من النار ، فرضخت صبيّة صغيرة بنت ثلاث سنين ، فبينا هي تجود بنفسها إذ قالت : لا تقبروني مع الكبار أهل النار ، واقبروني مع الصغار أهل الجنة ، وإنّ دهمشا من أهل الجنة ، وعليه صيام شهر رمضان ، وهي لا تعرف دهمشا ولا تعرف ما عليه.

ونحو ذلك من كراماته عليه‌السلام كقصة تراب التيمم (٥). وقصة السيل يوم صعدة. وقصة ورقة الذرة المكتوب فيها خلقة من الله تعالى : «لا إله إلا الله محمد رسول الله أحمد بن سليمان المتوكل على الله حجة الله» (٦) ؛ فما تقدم

__________________

أنظر الشافي ١ / ٣٤٥. وهامش (ب).

(١) في الشافي ١ / ٣٤٥ : العليل. وهو الأصح.

(٢) الحيا : المطر.

(٣) الغيط ـ بغين معجمة ومثناة تحتية وطاء مهملة هو : البستان.

(٤) مخلاف شرق صنعاء.

(٥) حيث يسّر الله له ترابا جافّا رغم أن الأرض مبلولة بالمطر. ينظر الشافي ١ / ٣٤٤.

(٦) أنظر الحدائق الوردية ٢ / ١٢٥.

٢٩٣

رواه الإمام المنصور بالله عليه‌السلام (١) إلا قصة ورقة الذرة فأنا أرويها عن بعض العلماء.

[كرامات الإمام عبد الله بن حمزة عليه‌السلام] (٢)

ونحو كرامات الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (ع) (٣) ؛ فإنا روينا أنه كتب كتاب (٤) بركة الصبي قد ابيضت عينه (٥) فما كان إلا أن تعلّق الكتاب وأبصر في الحال وعوفي.

ومن كراماته : النور الذي وقع على مدينة شبام (٦) وقد أقبل الإمام (٧) المنصور بالله متوجها إلى بلدهم في أوّل الليل في آخر شهر ، حتى ظنه بعضهم ضوء القمر ، فلما أظهر ظنّه وقال هو ضوء القمر عرّف بغلطه. وقيل : إنك في

__________________

(١) أنظر الشافي ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٦.

(٢) هو إمام الجهاد والاجتهاد ، ولد سنة ٥٦١ ه‍ ، ودعى إلى الله سنة ٥٩٤ ه‍ ، ومكث يجاهد بلسانه وسنانه فرق البغي حتى توفي بكوكبان ، ثم نقل إلى بكر ، ثم إلى ظفار ، وقبره مشهور مزور ، وله مؤلفات شهيرة. ينظر في ترجمته التحف ٢٤١ ، واللطائف السنية ٧٥ ، والسيرة المنصورية لأبي فراس دعثم ، تحقيق الدكتور عبد الغني محمود عبد العاطي.

(٣) لو اقتصرنا في كراماته على ما شيده في ظفار وكيف استطاع عمّار تلك الصخور الضخمة في ذلك العلو الشاهق الذي لا تصل إليه إلا الطيور ، أن يبنوها أو حتى يرسبوها فقد زرت ظفارا ولم أستطع الوقوف على الجدران لأن تحتها هواء سحيق. وقد كان الإمام يقلب الحجار بنفسه ـ لكان أعظم كرامته وأجمل فضيلة تدل على همة فوق السحاب. المحقق.

(٤) في (ب) : كتابا. بركة /

(٥) في (ب) : عيناه.

(٦) شبام كوكبان : شمال غرب صنعاء ب ٥٦ ك م. وهناك أربع مناطق يمنية يطلق عليها شبام.

(٧) الإمام محذوفة في (ب).

٢٩٤

أخر الشهر. وهي قصة ظاهرة ، وكرامة شاهرة (١). ومنها ما روي من الراية الخضراء الرابعة لراياته الثلاث. ومنها فتحه باب غمدان بصنعاء بشصّة من نشابة من غير تعب (٢) وكان لا ينفتح بمفتاحه إلا بعد علاج شديد.

ومنها الطيور البيض التي رآها الشيخ أحمد بن الحسن الرّصّاص (٣) رحمه‌الله ، وهي قدر ثمانية مظلّة على رأس المنصور بالله عند دخوله مدينة صنعاء. إلى غير ذلك من كراماته (٤) فإنّها كثير. (٥)

[كرامات الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد]

ونحو كرامات الأمير شمس الدين الداعي إلى الحق شيخ العترة يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد الله المعتضد بالله بن الإمام المنتصر لدين الله أبي القاسم محمد بن الإمام المختار لدين الله أبي محمد القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق (ع) فإنه عليه‌السلام مضى في طريق في بلاد خولان (٦). وفيها شجرة عظيمة فأصابته

__________________

(١) التحف شرح الزلف ص ١٦٦.

(٢) «من غير تعب» محذوف في (ب).

(٣) هو العلامة أحمد بن الحسن الرصاص من كبار علماء الزيدية ، كان فقيها أصوليا متكلما ، توفي سنة ٦٢١ ه‍ ، وله مؤلفات في الأصولين ، منها : مصباح العلوم في معرفة الحي القيوم. أعيد طبعه بتحقيقنا. والواسطة في أصول الدين. والشهاب الثاقب في مناقب علي بن أبي طالب ، والخلاصة النافعة. أنظر مطلع البدور (خ) ، وطبقات الزيدية ١ / ١٠٩.

(٤) ينظر الحدائق الوردية ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٤.

(٥) في (ب) ، (ج) : كثيرة.

(٦) خولان : قبيلة تقع شمال غرب صعدة ، وهي خولان ابن عامر ، وتوجد قبيلة خولان المشهورة شرق صنعاء وتسمى خولان الطّيال.

٢٩٥

فدعا عليها فاقتلعها الله تعالى من أصلها في الحال (١).

[كرامات الأمير بدر الدين محمد بن أحمد]

ونحو كرامات أخيه الأمير بدر الدين شيخ العترة الطاهرين ، الداعي إلى الحق المبين والدي [أي والد المؤلف] محمد بن أحمد قدس الله روحه ، فإنه عند ولادته ـ وكانت في الليل ـ ارتفعت سبلة المصباح وطالت حتى بلغت سقف البيت. ومن كراماته رضى الله عنه أنّ شاة آذته بنجس كان فيها فدعا عليها فأماتها الله في الحال ولم يمهلها (٢).

ومنها ما أخبرني به الأمير تاج الدين أحمد بن بدر الدين أدام الله سعادته (٣). قال : حكى لي الثقة العدل المرضي : أنه كان مع الأمير بدر الدين شيخ آل رسول الله صلوات الله عليهم في مخرجه إلى نجران ، فبيناه (٤) يطهّر وكان بطيء الطّهور (٥) جدّا إذ بالمطر قد أقبل فأصابنا فغرقنا جميعا إلّا الأمير

__________________

(١) لا يناسب الدعاء على شجرة تضفي على المكان بهاء وجمالا إلا إذا كانت مزعجة ذات شوك ، وفي الطريق. وفي تقديري أن أئمة الهدى ليسوا بحاجة لمثل هذا ؛ فسيرتهم العاطرة لا تحتاج لشيء آخر ؛ لأن قناعة الناس بهم تعود إلى التزامهم بسيرة جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) في (ب) تعليقة للسيد مجد الدين حفظه الله صاحب التحف واللوامع قال فيها : الأولى أن تحذف هذه الكرامة في الطبع وإن كان ذلك جائزا ، ولعل هذه الشاة كانت تأكل النجاسة ، فرأى أن الأولى إزالتها ، ولم ير ذبحها لأنها جلّالة ، ولبعد بعض الأفهام عن المعرفة. تمت

(٣) أخو المؤلف كان معروفا بالعلم والدين والصلاح جامعا لخصال الفضل ، وله تصنيف في أصول الدين ، ولّاه الإمام المنصور على صعدة ونجران بعد استشهاد الأمير مجد الدين. ت ٦٤٤ ه‍ وعمره ٦٣ سنة إلّا ثلاثة شهور ، وقبره بمشهد الإمام الهادي بصعدة. ينظر تراجم رجال الأزهار ص ٣٢. والتحف ص ٢٦١.

(٤) كأن كتابة الكلمة «فبينا هو».

(٥) قال في المغرب ٢ / ٢٨ : الطّهور بالفتح مصدر بمعني التطهر.

٢٩٦

بدر الدين فإنّ الله تعالى جعل على مكانه حيث يطّهّر هالة صحو كهالة القمر فما أصابه شيء أصلا مع إبطائه (١) في الطهور ، والمطر مستمر حواليه لا عليه وهو في العرا والصّحا إلى أن فرغ من طهوره سالما. قال الأمير الفاضل تاج الدين طول الله مدته : فعجبت من هذه الحكاية عجبا عظيما ، ثم وقعت مع الأمير بدر الدين رحمة الله عليه في مثل هذه الكرامة ، وذلك أني سلكت معه في طريق القد (٢) حتى انتهينا إلى جبل يسمى عربوصان ، وأصابتنا مطارة عظيمة غزيرة. فالتجأت أنا ورجل معي إلى أصل شجرة بقرب الطريق ، فلم تكنّنا من المطر ، بل غرقنا غرقا عظيما إلى أن وقف معنا بجنبها الأمير الكبير بدر الدين رضوان الله عليه. قال الأمير تاج الدين خلد الله علوّه فأنا أشهد أن المطر حوالينا قاب الرمح أو أكثر كأفواه القرب ، وما زاد أصابنا بعد وقوفه معنا حتى القطرة الواحدة ببركته رضوان الله عليه.

ومن كرامات الأميرين الكبيرين شيخي آل رسول الله شمس الدين وبدره ، ورأس الإسلام وصدره : يحيى ومحمد رضوان الله عليهما ـ ما أخبرني به الشريف الطاهر الفاضل العالم جمال الدين كعبة الشّرعيين علي بن الحسين أدام الله أيامه (٣) ، قال : خرجت ذات ليلة إلى قبريهما لزيارتهما ، وهي في ليلة

__________________

(١) في (ب) : بطائه ، ولعل الهمزة سقطت.

(٢) قرية في جبل رازح.

(٣) اتفقت الزيدية على فضله واعتمدت كتبه وكان متواضعا ، أخذ عنه الأمير الحسين مؤلف الينابيع. وله مؤلفات منها اللمع في الفقه وهو من أجلّ كتب الزيدية في الفقه وهي مأخوذة من التحرير لأبي طالب ، والتجريد للمؤيد بالله ، والكواكب. وله القمر المنير على التحرير ، والدرر في الفرائض ، وقد أذن للإمام أحمد بن الحسين في إصلاحه ، وهداية البرايا والوصايا. توفي سنة ٦٢٧ ه‍ ، ودفن في قطابر ناحية صعدة إلى جنب ابني عمه شمس الدين وبدر الدين. ينظر مطلع البدور (خ). تراجم رجال شرح الأزهار ١ / ٢٤ ، وطبقات الزيدية ٢ / ٧٢٥.

٢٩٧

من ليالي رمضان ، قال : وإذا برائحة العود القاقلي قريبا من قبريهما. قال : فداخلني الرعب وولّيت. ثم قلت : لا بد من المعاودة لأتحقّق من أين هذه الرائحة؟ قال : فعدت فإذا بها في قبريهما دون سائر القبور ، وزال ما كان بي من الرّعب. إلى غير ذلك من كرامات أهل البيت (ع).

وجوّزنا نقض العادة إذا كان تكذيبا لعدوّ ؛ لما روي أن مسيلمة الكذاب لمّا حكي له : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تفل في بئر ، فيها ماء قليل فزاد ماؤها ، ودعا لأعور فرد الله بصره. فتفل مسيلمة في بئر فيها ماء فغار ماؤها. ودعا لأعور فذهبت عينه الصحيحة. وما أشبه ذلك. فثبت قولنا : إنّ ذلك قد وقع. وإنما قلنا : بأنه لو كان قبيحا لما وقع ؛ فالذي يدل على ذلك ما قدمنا من أنه تعالى لا يفعل القبيح.

وأما الموضع الخامس

وهو في الكلام في نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

فالذي يدل على إثبات نبوته وجهان : أحدهما أنه ظهر على يديه المعجز عقيب دعواه للنبوة. وكلّ من ظهر على يديه المعجز عقيب دعواه للنبوة فهو نبي صادق. وتحقيق هذه الدلالة أنها مبنية على أصلين : أحدهما أنه ظهر على يديه المعجز عقيب دعواه للنبوة. والثاني : أن من ظهر على يديه المعجز عقيب ادعائه للنبوة فهو نبي صادق.

أما الأصل الأول وهو أنه قد ظهر على يديه المعجز عقيب ادّعائه للنبوة ؛ فذلك ظاهر ؛ فإنّه ادّعى النبوة ، ثم جاء بالقرآن ، وجعله معجزة له. ولا شبهة في كونه أعظم المعجزات. وأعظم إعجازه بلوغه في الفصاحة مبلغا عظيما. قصرت الفصحاء قاطبة عن الإتيان بما يقاربه ويدانيه في ذلك ، مع اشتماله على الحقيقة

٢٩٨

والمجاز ، والمحكم والمتشابه ، وكونه مصونا عن الزيادة والنقصان ، وعن الاختلاف والتناقض ، ومشتملا من العلوم على ما لا يحيط به الذّكر ، ومنطويا على قصص المتقدمين ، مختصرة في بعضه ومستوفاة في البعض الآخر بحيث لا ينقض كاملها ناقصها ، ويفيد أحدهما (١) من الفوائد ما لم يفده البعض الآخر. ومنطويا على علم الأوّلين والآخرين.

وكونه معجزة باقية في هذه الأمة إلى يوم الدّين ، ثم تحدّى أهل الفصاحة وقرّعهم بالعجز وادّعى تمييزه (٢) على العرب والعجم لمكانه ، وبيّن أنهم لو تظاهروا وتعاونوا على الإتيان بمقدار سورة من مثله في فصاحته ونظمه لما قدروا على ذلك ؛ فلما عجزوا عن ذلك عدلوا إلى المحاربة الشّاقّة التي فيها إتلاف الأنفس والأولاد ، وذهاب الطارف من مالهم والتّلاد (٣). وظهر على يديه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات كثيرة ؛ فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى بألف معجزة.

وقد رواها العلماء وعدّدوها ، وهي مشهورة عندهم (٤). فمنها ما رووه بطريق التواتر ، ومنها ما رووه بطريق الآحاد. وكلّها محفوظ بحمد الله تعالى :

__________________

(١) في (ب) : أحدها

(٢) في هامش الأصل : تميزه. ظ.

(٣) الطارف : المال الحديث المكتسب. والتّالد ، والتّلاد : المال القديم الأصلي الذي ولد عندك. المختار ٧٨.

(٤) ذكر القاضي عياض في الشفاء ١ / ٤٩٣ : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر الرسل معجزة ، وأبهرهم آية ، وأظهرهم برهانا ، وهي في كثرتها لا يحيط بها ضبط ؛ فإن واحدا منها وهو القرآن لا يحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تحدى بسورة منه فعجز عنها أهل العلم .... ثم قسم معجزاته إلى قسمين : ١ ـ متواترة قطعية كالقرآن. ٢ ـ ما لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع. وهذا القسم الثاني على نوعين : نوع مشتهر منتشر رواه العدد وشاع الخبر به عند المحدثين ونوع ممن اختص به الواحد والاثنان.

٢٩٩

فمن معجزاته كلام الشاة المسمومة له (١) بعد طبخها (٢). ونحو مسير الشجرة إليه وكلامها له (٣). ونحو كلام الحمار اليعفور (٤) ، وكلام الجمل (٥) ، والضب (٦) ، والظبية (٧) ، وتسبيح الحصى في يده (٨) ، وحنين الجذع إليه (٩) ، ونحو مسير الصخرة فوق الماء إليه ، وكلام الصبي في المهد له (١٠) ، ونحو نبوع الماء من بين أصابعه (١١) ونحو إحيائه للموتى (١٢). وغير ذلك مما لا نحصيه لكثرته.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) بحذف له.

(٢) إثبات نبوة النبي ص ١٤٤. والقاضي عياض في الشفاء ١ / ٦٠٧.

(٣) إثبات نبوة النبي ص ١٤٧ ، وقال : إنه تكرر في مواضع : منها مكة ، والمدينة حتى أقبلت إليه تشق الأرض شقّا ، ومرتين في الصحراء حين أراد قضاء الحاجة اجتمعت له شجرتان فاستتر بهما وقضى الحاجة ثم افترقا. ودلائل النبوة لأبي نعيم ٢ / ٣٨٩. والشفاء للقاضي عياض ١ / ٥٧٣ بعدّة روايات.

(٤) أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة ٢ / ٣٨٧ : عن معاذ بن جبل قال : أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بخيبر حمار أسود ، فوقف بين يديه ، فقال له : من أنت؟ ، فقال : أنا عمرو ابن فلان ، كنا سبعة إخوة ، كلنا ركبنا الأنبياء ، وأنا أصغرهم ، كنت لك ، فملكني رجل من اليهود ، فكنت إذا ذكرتك كبأت به فيوجعني ضربا ، فقال النبي له : «فأنت يعفور». وينظر الشفاء للقاضي عياض ١ / ٦٠٤.

(٥) دلائل النبوة ٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٤. والشفاء للقاضي ١ / ٦٠١

(٦) دلائل النبوة لأبي نعيم ٢ / ٢٧٧. والشفاء للقاضي ١ / ٥٩٤.

(٧) رواها أبو نعيم في دلائل النبوة ٢ / ٣٧٥. في (ب) و (ج) : وكلام الذئب. وقد أخرج كلامه القاضي في الشفاء ١ / ٥٩٥.

(٨) أخرجه في دلائل النبوة ٢ / ٤٣٢. والشفاء للقاضي عياض ١ / ٥٨٨.

(٩) رواها الإمام المؤيد بالله في إثبات النبوة ص ١٤٥. والبخاري ٢ / ٧٣٨ رقم ١٩٨٩.

(١٠) أخرجه في دلائل النبوة ج ٦ ص ٥٩.

(١١) رواها الإمام المؤيد بالله في إثبات نبوة النبي ص ١٤٥ ، والبخاري ٥ / ٢١٣٥ رقم ٥٣١٦. والشفاء للقاضي عياض ١ / ٥٥٠. وقال : أما الأحاديث في هذا فكثيرة جدا.

(١٢) أخرجه في الشفاء ص ٦٠٧.

٣٠٠