السيد الأمير الحسين بن بدر الدين
المحقق: د. المرتضى بن زيد المحطوري الحسني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩
المحاريب المعروف بين المسلمين قد وجد ونزل على محمد الأمين صلوات الله عليه وعلى آله الأكرمين وهذا معلوم بالاضطرار ، فلا يخلو أن يكون لوجوده أوّل ، أم لا. وهذه قسمة صحيحة لترددها بين النفي والإثبات ، فإن كان لوجوده أوّل فهو محدث ، وإن لم يكن لوجوده أوّل ؛ فهو قديم ؛ فبطل بذلك قول المطرفية ؛ لأنهم خرجوا في حكم واحد عن النفي والإثبات ، وهذا خروج عن قضايا العقول.
وقد تكلمنا في كتاب نظام درر الأقوال النبوية في بيان كفر المطرفية بما فيه كفاية كافية ، وأدلة بتوفيق الله واضحة شافية. ولا يجوز أن يكون قديما لما بيّنّا فيما تقدم أنه لا قديم إلا الله تعالى ، وبذلك يبطل قول الحشوية أنه قديم ؛ ولأن الله تعالى قد أشار إليه فقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) .. الآية. [الحشر : ٢١] ، وقال : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [النمل : ٧٦] ، إلى غير ذلك من الإشارات. ولا إشكال في حدوث هذا المشار إليه.
ومما يوضح حدوثه قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) .. الآية [الأنبياء : ٢]. وما شاكلها. والذكر هو القرآن ؛ لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] ، ولقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] ؛ ولأنه فعل من أفعال الله تعالى ، والفعل محدث ؛ لأنه لا بد من تقدّم فاعله عليه ، وما تقدم عليه غيره فهو محدث بالضرورة.
ومما يدل على حدوثه قول الله تعالى : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [الأحقاف : ١٢]. وما كان قبله غيره فهو محدث بالضرورة ؛ وإنما قال ذلك عزوجل ردا على الكفار وتكذيبا لهم حيث قالوا : بأنه إفك قديم.
ونظام الآية يشهد بذلك ، قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ* وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [الأحقاف : ١١ ، ١٢] ؛ وخبره تعالى صدق ؛ لأنه لو لم يكن صدقا لكان كذبا ، ولا يجوز أن يكون كذبا ؛ لأن الكذب قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح على ما مضى بيانه. يزيد ذلك وضوحا قوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) [الزمر : ٢٣] ، فوصفه بأنه منزّل والقديم لا يجوز عليه النزول ، ووصفه بأنه حسن ، والحسن من صفات المحدث ، ووصفه بأنه حديث ، والحديث يناقض القديم ، ووصفه بأنه كتاب ، والكتاب هو المجموع ؛ ولذلك سميت الكتيبة كتيبة ؛ لاجتماعها ، والاجتماع من صفات المحدث.
ومما يدل على أنه محدث أنه مفعول ؛ لأن الله تعالى سمّاه أمرا فقال : (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) [الطلاق : ٥] ، وقال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [النساء : ٤٧]. والمفعول لا محالة محدث.
وقد دلت السنة على ذلك حيث قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أنزل الله في التّوراة ولا في الزّبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثل فاتحة الكتاب ، وهي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بين الله وبين عبده ، ولعبده ما سأل» (١) والقديم لا يوصف بالنزول ؛ فثبت أنه محدث ؛ وإذا ثبت أنه موجود ، وأنّ لوجوده أوّلا ـ فعندنا أنه مخلوق عرفا وشرعا ، فلا يجوز أن يقال بقدمه ؛ إذ هو معجزة لنبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) أحمد بن حنبل ٨ / ٨ رقم ٢١١٥٢ ، ورقم ٢١٥٣ عن أبي بن كعب. والدارمي في سننه ٢ / ٤٤٦. والترمذي ٥ / ٢٧٨ رقم ٣١٢٥ ، وصححه. والسيوطي في الدر المنثور ١ / ٢١ وذكر كثير ممن أخرج الحديث.
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «القرآن موجود في ثلاثة مواضع : في الصحف مكتوب ، وعلى الألسن متلو ، وفي القلوب محفوظ». ويطابق هذا الخبر قول الله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ* بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت : ٤٨].
ولا يقدح في ذلك أن يقال : إذا كان كلاما وجب عدمه في الوقت الثاني ، وإذا قلتم بأنه باق كان متنقلا ، وذلك مما لا يصح في الكلام ؛ لأنا نقول : إن الدلالة قد دلت على أنه باق فيجب الانقياد لها ، والقارئ له يشتمل ما يلفظ به على الحكاية والمحكي ، والتلاوة والمتلو ، والقراءة والمقروء ؛ فالمقروء ، والمتلوّ والمحكي فعل الله تعالى عرفا وشرعا. والتلاوة والحكاية والقراءة فعل القارئ والتالي والحاكي ؛ ولهذا يثاب على ذلك إذا فعله مع الطهارة من الجنابة ، ويعاقب عليه إذا فعله مع فقدها.
وأما الانتقال فإن الأعراض تكون في حكم المنتقلة بانتقال محالها ؛ لأن الزعفران والمسك وغيرهما إذا نقل ذلك من بلد إلى بلد فإنّ ريحه في حكم المنتقل بانتقال محله وهو الزعفران والمسك ونحوهما ، فكذلك نزول القرآن وانتقاله من بلدة إلى أخرى (١).
وأمّا أنه مخلوق ؛ فمعنى وصفنا له بأنه مخلوق أنه مصوّر ، مرتّب ، مقدّر ، منزّل ، على مقدار معلوم ، مطابق للمصلحة ؛ فهذا هو معنى قولنا : إنه مخلوق ، وقد ورد وصف ما هذه حاله بأنه مخلوق لغة وشرعا : أما اللغة فقال زهير في هرم بن سنان الغطفاني (٢) :
__________________
(١) في (ب) : من بلد إلى آخر.
(٢) من أجواد العرب في الجاهلية يضرب به المثل ، وهو ممدوح زهير. توفي نحو ١٥ ق. ه. ينظر الأعلام ٨ / ٨٢.
ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثم لا يفري |
أي إنك تقطع ما قدّرت ، وبعض القوم يقدّر ثم لا يقطع. وقال بعض المتقدمين في اللغة مفتخرا على غيره : لا أعد إلّا وفيت ، ولا أخلق إلا فريت (١) ، أي لا أقدّر إلا وأقطع كما قدّرت ، يعنى أنه لا يخطئ في التقدير ، ولا يعجز عن قطع ما قدره. وهذا هو معنى قولنا : بأن القرآن مخلوق ؛ لأنه مصوّر مرتب مقدر منزل على مقدار معلوم ، مطابق لمصلحة العباد.
وأما الشرع : فقال الله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] ؛ أي المصورين.
وقال في عيسى عليهالسلام : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [المائدة : ١١٠] ؛ أي تقدّر وتصوّر على مقدار معلوم. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من سورة البقرة ، وأعظم ما فيها آية الكرسي» (٢). وقال صلّى الله عليه وعلى آله الأكرمين : «كان الله ولا شيء ، ثم خلق الذّكر» (٣) ، والذّكر هو القرآن كما تقدم.
وروى أنس عن عمر بن الخطاب أنه قال : اقرءوا القرآن ما ائتلفتم ؛ فإذا اختلفتم فكلوه إلى خالقه» ؛ ولأن هذا القرآن لا يخلو أن يكون خالقا أو لا. بل هو مخلوق ، وهذه قسمة صحيحة لترددها بين النفي والإثبات ، ومعلوم أنه ليس بخالق فلم يبق إلا أنه مخلوق ، ومن قال : بأنه مخلوق بمعنى أنه مكذوب فهو كافر برب العالمين ؛ فاعرف ذلك أيها المسترشد.
__________________
(١) هو قول الحجاج كما في التاج ١٣ / ١٢١ بلفظ : ما خلقت إلا فريت ، وما وعدت إلا وفيت.
(٢) الدر المنثور للسيوطي ١ / ٥٧٣ عن ابن مسعود. والبيهقي في الأسماء والصفات. والترمذي في سننه ٥ / ١٤٨ برقم ٢٨٨٤.
(٣) الطبراني في الكبير ١٨ / ٢٠٤ رقم ٤٩٩ عن عمران بن حصين.
فصل في الإمامة : وفيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى في ثبوت إمامة علي عليهالسلام. والثانية في إمامة الحسن والحسين (ع) ، والثالثة في إثبات الإمامة بعدهما.
المسألة الأولى : ففيها ثلاثة مطالب :
الأول في ثبوت إمامة علي عليهالسلام. وثانيها في ذكر طرف يسير من فضائله. وثالثها في إيراد ما يحتج به القدرية على إمامة أبي بكر وعمر.
أما المطلب الأول وهو في ثبوت إمامته ؛
فأعلم أنا نعتقد أنه الإمام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل ، وأن طريق إمامته هي النص ، وهذا هو قول جميع الزيدية (١). والخلاف في ذلك مع المعتزلة والحشوية فإنهم ذهبوا إلى أن الإمام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي بن أبي طالب ؛ والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه المخالفون الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب : فقول الله سبحانه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة : ٥٥] ، والكلام في هذه الآية يقع في موضعين : أحدهما أنها نازلة في أمير المؤمنين علي عليهالسلام. والثاني أن ذلك يفيد معنى الإمامة.
أما الموضع الأول : وهو أنها نازلة في علي عليهالسلام وجهان : أحدهما إجماع أهل النقل على أن المراد بها علي عليهالسلام ، وأنها نزلت فيه مع تباين أغراضهم إلّا
__________________
(١) ينظر تثبيت الوصية والصفوة للإمام زيد ، وكتاب تثبيت الوصية للإمام الهادي ، وكتاب الدعامة لأبي طالب المطبوع باسم «نصرة مذاهب الزيدية» والمنسوب إلى الصاحب ابن عباد.
من لا يعتد به ، وأجمعوا على أنه المتصدق بخاتمه في ركوعه دون غيره. فإن قيل : أين ذكره المخالفون؟ قلنا : هو مذكور في كتاب الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري ، فإنه روى أنها نزلت في علي عليهالسلام ، وأنه المتصدق بخاتمه في حال ركوعه في الصلاة. وهو مذكور في كتاب ابن المغازلي ؛ فإنه ذكر في تفسير هذه الآية ما رواه بإسناده إلى عبد الله بن عباس أنه قال : إن هذه الآية نزلت في علي عليهالسلام في قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ٥٥] ، قال الذين آمنوا علي بن أبي طالب (١).
وروى ابن المغازلي أيضا وهو الفقيه الشافعي أبو الحسن علي بن محمد الطيب المعروف بالمغازلي الواسطي (٢) ما رفعه بإسناده إلى ابن عباس أنه قال : مرّ سائل برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي يده خاتم فقال : «من أعطاك هذا الخاتم؟» ، قال : ذلك الراكع ، وكان علي يصلي ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحمد لله الذي جعلها فيّ وفي أهل بيتي (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، وتلى الآية (٣).
وهو مذكور أيضا في تفسير الثعلبي ـ وهو الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن
__________________
(١) ص ١٩٣ رقم ٣٥٤ ـ ٣٥٨. وشواهد التنزيل ١ / ١٦١ برقم ٢١٦ إلى رقم ٢٢٠. وذخائر العقبى ص ٨٨. وأسباب النزول للواحدي ص ١٦٨.
(٢) فاضل عالم برجالات واسط وحديثهم ، وكان حريصا على سماع الحديث وطلبه ت ٤٨٠ ه وله كتاب في مناقب الشافعي. والأربعين في فضائل قريش ، والقضاء والشهادات على مذهب الشافعي شرح الجامع الصحيح للبخاري. وكتاب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. انظر ترجمته في مقدمة المناقب ص ٩.
(٣) ص ١٩٤. وشمس الأخبار ١ / ١٠١ بألفاظ مقاربه. وشواهد التنزيل ١ / ١٦٦ من رقم ٢٢٣ ـ ٢٣٠. وأسباب النزول للواحدي ص ١٦٨. وروح المعاني مج ٤ ج ٦ ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥.
محمد بن إبراهيم الثعلبي (١) فإنه روى فيه ما رفعه بإسناده إلى السّدي (٢) وغالب ابن عبد الله ما لفظه : إنّما عنى بقوله سبحانه وتعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة : ٥٥] ـ عليّ بن أبي طالب ؛ لأنه مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه (٣).
وروى الثعلبي بإسناده أيضا إلى عبد الله ابن عباس أنه قال : بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أقبل رجل معتم بعمامة [متلثّم] (٤) ؛ فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله ، إلا وقال الرجل : قال رسول الله ؛ فقال له ابن عباس : سألتك بالله من أنت؟ فكشف عن وجهه ، وقال : يا أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب ابن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بهاتين وإلا فصمّتا ، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول : «عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله» ، أما أني صليت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما من الأيام
__________________
(١) كان حافظا مفسرا وأحد أوعية العلم ، بصيرا بالعربية ، طويل الباع في الوعظ ، صحيح النقل ، كثير الشيوخ ، كثير الحديث ، موثوق فيه. ت ٤٢٧ ه ، وله التفسير المسمى الكشف والبيان عن تفسير القرآن ، وربيع المذاكرين ، وكتاب العرائس في قصص الأنبياء. ينظر سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤٣٥ ، ومعجم الأدباء مج ٣ ج ٥ ص ٣٦. ووفيات الأعيان ١ / ٢٢.
(٢) وعتبه بن أبي حكيم. ساقط من النسخ وأثبتناه من العمدة.
(٣) أنظر العمدة لابن البطريق ١٦٧ وعزاه إلى الثعلبي. والدر المنثور ٢ / ٥١٩. والطبري ٤ / ٣٨٩. والزمخشري ١ / ٦٤٩ ، والفتوحات الإلهية ١٢ / ٥٠٤. والميزان ٦ / ٢١. والقرطبي مج ٣ ج ٦ ص ١٤٤.
(٤) ما بين القوسين زيادة من (ب). وهي بين السطور في الأصل وعليها ظ.
صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء ، وقال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي راكعا ؛ فأومأ بخنصره اليمنى ـ وكان يتختم فيها ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إن موسى سأل فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه : ٢٥ ـ ٣٢] ؛ فأنزلت عليه : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) [القصص : ٣٥] ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري وأجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري». قال أبو ذر : فما استتم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلمة حتى نزل عليه جبريل عليهالسلام من عند الله تعالى فقال : يا محمد اقرأ ، فقال : وما أقرأ؟ قال اقرأ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١) [المائدة : ٥٥] ، فما عذر المخالفين لنا مع شهادة أئمتهم بأنها نازلة في علي عليهالسلام؟.
واعلم أيها المسترشد أنا قد جعلنا الرواية مضافة إلى هؤلاء الرواة ونسبناها
__________________
(١) الإمام عبد الله بن حمزة في الشافي ١ / ١٢٢. ٣ / ١٤١. والشبلنجي في نور الأبصار ص ٨٦. والعمدة لابن البطريق ص ١٦٨ ، وكل واحد منهم عزاه إلى الثعلبي في التفسير. وأخرج الطبرسي في مجمع البيان ٣ / ٣٦١ ما يوافق هذه الرواية. أقول : قد أجمع المفسرون على نزول الآية في علي (ع) فلا حاجة لسرد الروايات التي لا تفيد شيئا سوى الحشو وخلط السليم بالسقيم.
إلى كتبهم ؛ لاشتهار كتبهم عندهم ؛ فإن الصحاح مشهورة ، والفقهاء عن يد يعتمدون على ما فيها ، فألزمنا الخصوم قبول رواية أهل مذهبهم وأئمتهم ليكون أبلغ في الاحتجاج ، وتنكّبنا عن (١) طريق رواية أهل البيت (ع) وشيعتهم الهداة الأعلام على اتساع نطاقها ، وثبوت ساقها ؛ ليعلم المستبصر أن طريق الحق واضحة ، وأعلامه لائحة.
فإذا كان المخالفون يروون في كتبهم أن هذه الآية نازلة في علي عليهالسلام مع رواية سائر الموافقين ـ اتضح بذلك الكلام في الوجه الأول وهو أنها نازلة في علي عليهالسلام.
الوجه الثاني : أنه لا يجوز أن يكون المراد بها غيره ؛ لأن الله تعالى وصف الوليّ في هذه الآية بصفة لم توجد إلا في علي عليهالسلام ، وهي الصدقة بخاتمه في حال الركوع ، ولا يقدح في ذلك كون اللفظ لفظ الجمع في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) إلى أخره ؛ لأنه إنما ورد بلفظ الجمع تفخيما لشأنه وتعظيما لحاله ، وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] ؛ فذكر لفظ الجمع هاهنا في خمسة مواضع ، والمراد الحكيم تعالى وحده ، ومثله كثير في اللغة العربية. وجه ثالث وهو أن المعطوف يقتضي غير المعطوف عليه بالاتفاق بين أهل اللغة العربية ، وبعضه للتفخيم عندنا على خلاف في ذلك مع الإطباق على الأول ، فإذا لم يجز عطف قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) على جميع من أريد بالضمير في قوله : (وَلِيُّكُمُ) (٢) ، وحمل على الغير المتفق عليه ، أو
__________________
(١) في (ب) : بحذف «عن».
(٢) يحقق كلام الأمير هنا : فليس وليكم معطوفا ولا معطوفا عليه ، وإنما المعطوف عليه الله ، والمعطوفان رسوله والذين آمنوا والأولى أن يقال : أفادت أن ثمة مولى ومولى عليه ، وهو ضمير المخاطبين في قوله : (وَلِيُّكُمُ) ، ولا يمكن أن يكون المولى والمولى عليه واحدا ، ولعل هذا هو مقصود الأمير الحسين عليهالسلام ، فسبق ذهنه إلى العطف سهوا ، والله ولي التوفيق. تمت مولانا مجد الدين.
البعض المختلف فيه ـ فالغير أو البعض المختلف فيه لا يكون إلا أمير المؤمنين عليهالسلام. ومما يزيد ذلك وضوحا أن الآية أفادت مخاطبا هو الله تعالى ، ومخاطبا هم المؤمنون ، ووليّا هو الله ورسوله وأمير المؤمنين ، وثبت بذلك الموضع الأول وهو في أنها نازلة في أمير المؤمنين.
وأما الموضع الثاني : وهو أن ذلك يفيد معنى الإمامة ؛ فالذي يدل على ذلك أن السابق إلى الأفهام من معنى لفظة وليّ هو المالك للتصرف ، كما يقال : هذا ولي المرأة ، وولي اليتيم ، الذي يملك التصرف عليهما فلما كان الله تعالى مالكا للتصرف في عباده ، وكذلك الرسول ـ وجب مثل ذلك لأمير المؤمنين.
ووجه آخر (١) وهو أنا لو سلّمنا أن لفظة ولي ليست بحقيقة مفردة فيما ذكرناه (٢) بل مشتركة في المالك للتصرف وفي غيره من سائر معانيها ؛ فإنه لا يخلو [إمّا] (٣) أن تحمل على جميع معانيها ـ دخل فيها المالك للتصرف ، وفي ذلك ثبوت الإمامة ، أو لا تحمل على شيء من معانيها وذلك محال ؛ لأنه يلحق كلام الحكيم تعالى بالهذر والعبث [الذي لا فائدة فيه ، أو تحمل على بعض منها معيّن دون بعض من غير مخصّص فهذا لا يجوز ؛ لأنه يكون إثباتا للأحكام] (٤) بغير دلالة. وذلك يفتح باب كل جهالة.
شبهة أوردها الطرثيثي (٥) المعتزلي على الاحتجاج بهذه الآية ، وهي أنه قال ما لفظه : والذي يصحّح ذلك ، يعني أنها لا تدل على الإمامة أنّ قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) ، لا يجوز أن يكون أراد به إمامكم الله.
__________________
(١) في (ب) و (ج) : وجه.
(٢) في (ب) و (ج) : ذكرنا.
(٣) زيادة من (ب). ظ.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(٥) الطريثيثي نسبة إلى طريثيث بلدة بناحية نيسابور ، وفي (ب) : الطريقي نسبة إلى علي بن المنذر الطريقي من أئمة الكوفة.
والجواب : أنّ هذا عدول عن الانصاف ، وركوب لمتن الخلاف ، فإن أحدا من الزيدية لم يقل بأنها تفيد لفظ الإمامة فيلزمهم هذا الاعتراض ، وحينئذ لا محيص (١) لهم منه. وإنّما قلنا : بأنه يفيد ملك التصرف الذي هو معنى الإمامة ، ولا مانع من ذلك فكأنه (٢) سبحانه قال : إنما المالك التصرف (٣) عليكم الله ورسوله وعليّ بن أبي طالب فلا يختل معنى الآية ، ولا يفسد نظمها ، وبذلك تزول شبهته ، وتسقط حجته والحمد لله سبحانه.
وأما السنة : فكثير نحو خبر الغدير ، وهو قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا خطب الناس بغدير خمّ : «ألست أولى بكم من أنفسكم»؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» ، وقد روى هذا الخبر المخالفون في كتبهم أيضا (٤).
__________________
(١) في (ب) و (ج) : مخلص. كأنها كانت في (أ) مخلص ثم نقط اللام بنقطتين من أسفل بدليل وجود نقطة فوق الخاء. ومعنى مخلص أو محيص متقارب.
(٢) في (ب) : وكأنه.
(٣) في (ب) و (ج) : للتصرف.
(٤) مسند أحمد ج ١ ص ١٨٢ رقم ٦٤١ ورقم ٩٥٠ ورقم ٩٦٤ ورقم ١٣١٠ مسند علي. ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٣ ، ١٠٤ وما بعدها ، بروايات عديدة. وتاريخ الإسلام عهد الخلفاء ص ٦٣١ ـ ٦٣٢. وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٠. وابن حبّان المذكور رقم ٦٨٩٢. وأمالي أحمد بن عيسى ج ٤ ص ٣١٠. وكنز العمال ج ١١ ص ٣٣٢ رقم ٣١٦٦٢. وقد ساقه في مواضع كثيرة جدا من نفس الجزء ، وأجزاء أخرى. والمستدرك ج ٣ ص ١٣٤. وينظر مختصر زوائد مسند البزار ج ٢ ص ٣٠٢ وما بعدها رقم ١٩٠٠ وساق روايات من طرق متعددة. والمسند لأبي سعيد الشاشي ج ١ ص ١٦٦. والبداية والنهاية لابن كثير مج ٤ ج ٧ ص ٣٨٣ وما بعدها. وهو من المتواتر. وقد صنف الشيخ عبد الحسين الأميني موسوعة بحالها في شأن حديث الغدير هذا سمّاه «الغدير في الكتاب والسنة والأدب» خصص الجزء الأول لطرق حديث الغدير ، ثم ظل يلاحق الغدير في الشعر والنثر حسب الطبقات ـ طبع منه ١١ مجلدا ـ الطبعة الرابعة ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٣٩٧ ه ـ ١٩٧٧ م.
فروى ابن المغازلي ما رفعه باسناده إلى الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن أرقم قال : أقبل نبي الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ، فأمر بالدّوحات فقمّ ما تحتهن من شوك ، ثم نادى : الصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في يوم شديد الحر وإنّ (١) منّا لمن يضع رداءه على رأسه وبعضه (٢) تحت قدميه من شده الحر حتى انتهينا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فصلى بنا الظهر ، ثم انصرف إلينا فقال : «الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضلّ ولا مضلّ لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أما بعد : أيها الناس ، فإنّه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف ما عمّر من قبله ، وإنّ عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة ، وإني قد أشرعت في العشرين ، وإني أوشك أن أفارقكم ، ألا وإني مسئول وأنتم مسئولون فهل بلغتكم؟ فما ذا أنتم قائلون؟».
فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد أنك عبد الله ورسوله قد بلّغت رسالاته وجاهدت في سبيله ، وصدعت بأمره ، وعبدته حتى أتاك اليقين ، جزاك الله عنا خير ما جزى نبيّا عن أمته ؛ فقال : «ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ الجنة حقّ ، وأنّ النار حقّ ، وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ ، قالوا : بلى ، قال : أشهد أنّكم قد صدقتم وصدّقتموني ، ألا وإني فرطكم وأنكم تبعي يوشك أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم حين تلقوني عن ثقليّ ، كيف خلفتموني فيهما؟» ، قالوا : فاعتلّ (٣) علينا ما ندري ما الثقلان؟.
__________________
(١) في جميع النسخ : إنّ ، وأثبتنا ما في المناقب لابن المغازلي.
(٢) في الأصل و (ب) : ويضعه ، وأثبتنا ما في المناقب و (ج) وهو الأصح.
(٣) في (ج) : فأعيل. وهو كذلك في المناقب.
حتى قام رجل من المهاجرين قال (١) : بأبي وأمي أنت (٢) يا رسول الله ما الثقلان؟ ، فقال : «الأكبر منهما : كتاب الله سبب ؛ طرف بيد الله تعالى ، وطرف بأيديكم ؛ فتمسّكوا به ولا تولّوا فتضلّوا ، والأصغر منهما : عترتي ، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ، ولا تقهروهم ، ولا تقصّروا عنهم ، فإني قد سألت لهما (٣) اللطيف الخبير فأعطاني ، ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليّهما لي وليّ ، وعدوّهما لي عدوّ ، ألا فإنها (٤) لم تهلك أمّة قبلكم حتى تدين بأهوائها ، وتظاهر على نبوّتها ، وتقتل من قام بالقسط منها» ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب عليهالسلام ؛ فرفعها ؛ وقال : «من كنت وليّه ؛ فهذا وليّه (٥) ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه» (٦). والكلام في هذا الخبر يقع في موضعين : أحدهما : في صحته في نفسه. والثاني : أنه يفيد معنى الإمامة.
أما الموضع الأول : وهو في صحته في نفسه ؛ فالذي يدل على ذلك أنّ هذا التفصيل الأخير الذي رواه ابن المغازلي قد ورد تفصيله في الصحاح ما يختصّ أهل البيت مفردا ، وما يختص بحديث ولاية علي عليهالسلام وحده أيضا ، ورواه أيضا بطريق أخرى كالأول. وفيه زيادة قول عمر بن الخطاب : بخ بخ (٧) لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ؛ قال : فأنزل الله
__________________
(١) في (ب) : فقال.
(٢) في (ب) : بأبي أنت وأمي.
(٣) في المناقب : لهم.
(٤) في المناقب : وإنها. وفي (ب) بدون ألا.
(٥) في المناقب : من كنت مولاه فهذا مولاه ، ومن كنت وليه فهذا وليه.
(٦) المناقب ص ٢٩ برقم ٢٣. قالها ثلاثا.
(٧) بخّ : كلمة مدح ، وتكرّر للمبالغة بخ بخ ، وتخفض وتنون للوصل بخ بخ.
تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] (١).
وروى أيضا مثل هذا الخبر رفعه إلى اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم سرد الخبر (٢). ورفع الحديث أيضا مفرّعا إلى مائة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ منهم العشرة ـ ومتن الحديث فيها واحد ، ومعناه واحد ، وفيه زيادات نافعة في أوّل الحديث وآخره ، وسلك فيه (٣) اثني عشرة طريقا ، بعضها يؤدي إلى غير ما أدّى إليه صاحبه من أسماء الرجال المتّصلين بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد ذكر محمد بن جرير الطبري (٤) صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمس وسبعين طريقا (٥) ، وأفرد له كتابا سمّاه كتاب الولاية. وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير وأفرد له كتابا. وطرقه من مائة طريق وخمس طرق.
ذكر جميع ذلك الإمام المنصور بالله (٦) عليهالسلام ، وصحّت الرواية في ذلك لنا
__________________
(١) المناقب ص ٣١ برقم ٢٤. والعمدة لابن البطريق ١ / ١٣٩. وأحمد بن حنبل في مسنده ٦ / ٤٠١ برقم ١٨٥٠٦ بطريقين إلى البراء بن عازب ، وبلفظ مقارب. شواهد التنزيل ج ١ ص ١٥٦.
(٢) انظر المناقب لابن المغازلي ص ٣١ ـ ٣٦.
(٣) في (ب) : ويسلك فيه إلى اثني عشر. وما في الأصل أصح.
(٤) محمد بن جرير الطبري محدث ، فقيه ، مقرئ ، مفسر ، مؤرخ ، ولد سنة ٢٢٤ ، وتوفي يوم السبت في شوال سنة ٣١٠. معجم الأدباء ج ١٨ ص ٤٠ ، وله تاريخ الأمم والملوك ، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن.
(٥) قال ياقوت في معجم الأدباء ج ١٨ ص ٨٠ من ترجمته : وله كتاب فضائل الإمام علي ابن أبي طالب عليهالسلام تكلم في أوله بصحة الأخبار الواردة في غدير خم ثم تلاه بالفضائل ولم يتم.
(٦) ينظر الشافي : ١ / ١١٧.
عنه. ولا شك ولا إشكال في بلوغه حدّ التواتر وحصول العلم به. والأمّة بين محتجّ به على الإمامة ، ومتأوّل فيه ، إلا من كابر وركب متن العناد. وقد تنكّبنا طريق رواية العترة (ع) ، وشيعتهم الهداة الأعلام لهذا الخبر ؛ لأنا أردنا إلزام الحجة للمخالفين بما رواه علماؤهم ، وشهد بصحته كتب الصحاح ، وإلّا فرواية العترة وشيعتهم فوق ما حكيناه عن غيرهم ؛ لأنهم أهل هذا الشأن ، وهم أهل الجري في هذا الميدان ، فهذا هو الكلام في الموضع الأول وهو الكلام في صحة هذا الخبر في نفسه.
وأما الموضع الثاني : وهو أنّه يفيد معنى الإمامة ، فما ورد في هذا الخبر بلفظ الولي ؛ فالذي يدل على أنه يفيد معنى الإمامة مثل ما قدمناه (١) في لفظ ولي في الآية فلا فائدة في التكرار.
وأما ما ورد بلفظ مولى ، فاعلم أن أكثر ما قيل أو وجد في لفظة مولى : إنها تحتمل عشرة معان (٢) أوّلها : الأولى وذلك ثابت في اللغة لا ينكر ذلك من له أدنى مسكة من معرفة ، وقد ذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى (٣) في تفسير قوله : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحديد : ١٥] ، قال : معنى مولاكم : أي هي
__________________
(١) في (ب) ، (ج) : قدمنا.
(٢) ينظر المعنى اللغوي لكلمة (مولى) في اللغة : الأضداد ص ٤٦ للأنباري فقد ذكر جميع ما استشهد به الأمير من الأشعار. والعمدة لابن البطريق ص ١٥٨.
(٣) التيمي بالولاء ، ولد بالبصرة سنة ١١٠. أديب لغوي ، نحوي ، عالم بالبعيد والقريب والأخبار. ت ٢٠٩ ه. وله معاني القرآن ، ونقائض جرير والفرزدق ، ومقاتل الفرسان. ينظر في ترجمته تارخ بغداد ١٣ / ٢٥٢. ووفيات الأعيان ٢ / ١٠٥. ومعجم المؤلفين ٣ / ٩٠١.
أولى بكم على ما جاء في التفسير (١) ، واستشهد بقول لبيد (٢) :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه |
|
مولى المخافة خلفها وأمامها (٣) |
معناه : أولى بالمخافة. يريد أن هذه الظبية تحيرت فلم تدر أخلفها أولى بالمخافة أو أمامها (٤)؟. وبقول الأخطل (٥) في عبد الملك بن مروان (٦) :
__________________
(١) غريب القرآن للإمام زيد ص ٣٢٤ ، وأشار بهامشه ابن قتيبة في تفسيره غريب القرآن ص ٤٥٣. ومجمع البيان ج ٩ ص ٣٩٢. والكشاف ٤ / ٤٧٦. والطبري في تفسيره مج ١٣ ج ٢٧ ص ٢٩٦.
(٢) شرح ديوانه ٣١٣. لبيد بن ربيعة بن مالك أبو عقيل العامري أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية من أهل عالية نجد أدرك الإسلام ووفد على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويعد من أصحابه ومن المؤلفة قلوبهم وترك الشعر فلم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا ، قيل هو :
ما عاتب المرء الكريم كنفسه |
|
والمرء يصلحه الجليس الصالح |
وسكن الكوفة وعاش مائة وسبعة وخمسين سنة وهو أحد أصحاب المعلقات ومطلع معلقته :
عفت الديار محلها فمقامها |
|
بمنى تأبد غولها فرجامها |
وكان كريما. جمع بعض شعره في : ديوان صغير ، ترجم إلى الألمانية. ت ٤١ ه. ٦٦١ م. ينظر الأعلام ٥ / ٢٤٠. والمعارف ص ٣٣٢.
(٣) مجاز القرآن ؛ لأبي عبيدة ٢ / ٩٠٣.
(٤) حاشية في الكشاف ٤ / ٤٧٦.
(٥) هو غياث بن غوث التغلبي ، شاعر مشهور ولد سنة ١٩ ه ، ومات نصرانيا سنة ٩٠ ه ، وكان مقدما عند خلفاء بني أمية ، لمدحه لهم وانقطاعه إليهم ، ومدح معاوية وابنه يزيد وهجا الأنصار رضي الله عنهم. تهاجى مع جرير والفرزدق وتناقل الرواة شعره. انظر خزانة الأدب ١ / ٤٦١. ومعجم المؤلفين ٢ / ٦٠٥.
(٦) هو أحد جبابرة بني أمية ولد سنة ٢٦ ه استعمله معاوية على المدينة وهو في ١٦ سنة ، تولى الملك بعد أبيه ٢١ سنة ، وبعده أربعة من أولاده. قال الذهبي : أنى له العدالة وقد سفك الدماء وفعل الأفاعيل ، وهو الذي ولى الحجاج العراق والحجاز واليمن. ت ٨٦ ه. ينظر ميزان الاعتدال ٢ / ١٥٣ ، وتاريخ بغداد ١٠ / ٣٨٨.
فأصبحت مولاها من الناس كلّهم |
|
وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا |
فخاطبه بلفظة مولى ، وهو عند نفسه خليفة مطاع الأمر من حيث اختص بالمعنى الذي احتمله ، وليس أبو عبيدة متّهما بالتقصير في علم اللغة ، ولا مظنونا به الميل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام بل هو معدود في جملة الخوارج. وقد شاركه في هذا التفسير ابن قتيبة (١) ، ومعلوم أنه لا ميل له إليه ، بل هو مائل عنه عليهالسلام ، إلّا أنه لو علم أن الحق في غيره لقاله (٢). وقال الكلبي في قوله تعالى : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) ؛ قال : هي أولى بكم (٣). وقد حصل من ذلك غرضنا. ويدل على ذلك قول الله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [النساء : ٣٣] ، ولا خلاف بين المفسرين أنّ المراد بالموالي من كان أملك بالميراث وأولى بحيازته وأحقّ به. وقال الفرّاء : إن الولي والمولى في لغة العرب واحد ، ومثله ذكر الأنباري (٤) أيضا ، وقرأ عبد الله بن مسعود : إنّما مولاكم الله ورسوله في الآية الأولى مكان (إِنَّما وَلِيُّكُمُ
__________________
(١) أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ولد سنة ٢١٣ ه. وله مشاركة في جميع العلوم ت ٢٦٧ ه ، وله غريب القرآن ومعانيه ، وغريب الحديث ، وأدب الكاتب ، والإمامة والسياسة ، والمعارف ، وغيرها. أنظر معجم المؤلفين ٢ / ٢٩٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٣١٤. وتاريخ بغداد ١٠ / ١٧٠.
(٢) كما فعل في كتابه الإمامة والسياسة مما جعل الكثير يحاول إنكار نسبته إليه.
(٣) ذكر ذلك الرازي في تفسيره مج ١٥ ج ٢٩ ص ٢٢٨ ، حيث قال الكلبي : يعني أولى بكم ، وهو قول الزجاج ، والفرّاء ، وأبي عبيدة.
(٤) هو أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري صاحب الأضداد. ولد ببغداد عام ٢٧١ ه. أحد أعلام الأدب في عصره ، وإمام في النحو واللغة والتفسير ، وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن ، وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها ت ٣٢٧ ه. ومن آثاره الأضداد ، والأمالي ، والسبع الطوال ، وغيرها. ينظر معجم الأدباء ١٨ / ٣٠٦. وتاريخ بغداد ٣ / ١٨١.
اللهُ وَرَسُولُهُ) (١).
وفي الحديث : «أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» (٢) ، والمعلوم أنّ المراد وليّها الذي هو أولى الناس بها. وذكر المبرد أن الولي هو الأحقّ والأولى ، قال : ومثله المولى.
والمعنى الثاني : في لفظة (٣) مولى ـ مالك الرّق. قال الله سبحانه : (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) [النحل : ٧٦] ، أي مالك رقّه ، وهو ظاهر.
والمعنى الثالث : المعتق ، وهذا واضح. والمعنى الرابع : المعتق ، وهو كذلك أيضا. والمعنى الخامس : ابن العم. قال تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [مريم : ٥] يعني بني العم. ومنه قول الفضل بن العباس (٤) العباسي (٥) :
مهلا بني عمّنا مهلا موالينا |
|
لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا (٦) |
والمعنى السادس : الناصر ؛ قال الله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم : ٤] ، أي ناصره.
وقال : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] يريد : لا ناصر لهم.
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٣١٣.
(٢) أخرجه الحاكم ٢ / ١٦٨.
(٣) في (ب) : لفظ.
(٤) في (ب) و (ج) : عباس.
(٥) ليس من بني العباس بل هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ، شاعر من فصحاء قريش ، كان معاصرا للفرزدق والأحوص ، وله معهما أخبار في مدح عبد الملك بن مروان ، وهو أول هاشمي مدح أمويّا. ت ٩٥ ه. ينظر الأعلام للزركلي ٥ / ١٥٠.
(٦) ينظر الجامع لأحكام القرآن القرطبي ١١ / ٥٣.
والمعنى السابع : المتولّي المتضمّن الجريرة ، وتحوز الميراث ، قد ذكره بعض الناس. والمعنى الثامن : الحليف. قال الشاعر (١) :
موالي حلف لا موالي قرابة
وقال آخر :
كانوا موالي حلف يطلبون به |
|
فأدركوه وما ملّوا ولا وهنوا (٢) |
والمعنى التاسع : الجار. قال الشاعر : مولى اليمين ومولى الجار والنّسب والمعنى العاشر : الإمام السيد المطاع. قال الإمام المنصور بالله عليهالسلام (٣) : وهذه الأقسام التسعة بعد الأولى [هو الأول] إذا تؤمّل المعنى فيها وجد راجعا إلى معنى الأولى ؛ لأنّ مالك الرق لمّا كان أولى بتدبير عبده من غيره كان مولاه دون غيره. والمعتق لمّا كان أولى بميراث المعتق من غيره كان لذلك مولاه. والمعتق لمّا كان أولى بمعتقه في تحمل جريرته وألصق به من غيره كان لذلك مولاه. وابن العم لمّا كان أولى بالميراث ممّن بعد عن نسبه وأولى بنصرة ابن عمه من الأجنبي ـ كان مولاه لأجل ذلك. والناصر لمّا اختص بالنصرة فصار بها أولى ـ كان من أجل ذلك مولى. والمتولي المتضمن الجريرة (٤) لمّا ألزم نفسه ما يلزم المعتق كان بذلك أولى ممّن لم يقبل الولى ، وصار به أولى بميراثه فكان لذلك مولى. والحليف لاحق في معناه بالمتولى ؛ فلهذا السبب كان مولى. والجار لمّا كان أولى بنصرة جاره ممن بعد عن داره ، وأولى بالشفعة في عقاره ؛ فلذلك صار مولى. والإمام السيد المطاع لمّا كان بتدبير الرعية ، وملك التصرف
__________________
(١) هو الجعدي. وعجزه : ولكن قطينا يسألون الأتاويا. تاج العروس ٢٠ / ٣١١.
(٢) في الأضداد : ولعبوا.
(٣) الشافي ١ / ١١٩.
(٤) كان في الأصل كما هو مثبت ثم أصلحها : والمتولي ليضمن الجريرة.
عليهم وطاعتهم له ممّا يماثل الواجب بملك الرّق ـ كان لذلك مولى ؛ فصارت جميع هذه المعاني كما ترى ترجع إلى معنى الوجه الأول وتكشف عن صحة معناه على الوجه الذي ذكرناه في حقيقته ، ووصفناه تم كلامه عليهالسلام.
وإذا ثبت ذلك فإنه يفيد معنى الإمامة ؛ لأنا لا نعني بقولنا : فلان إمام إلا أنه أولى من غيره بالتصرف على الكافة في أمور مخصوصة وبتنفيذ أحكام معلومة.
يزيد ذلك بيانا ما حدثني به أبي وسيدي بدر الدين الداعي إلى الحق المبين عماد المحققين شيخ العترة محمد بن أحمد رضى الله عنه بإسناده إلى الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين قدس الله روحه يرفعه بإسناده إلى الصادق جعفر بن الباقر محمد بن علي (ع) أنه سئل : ما أراد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله لعلي عليهالسلام : «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؟ فقال : سئل عنها والله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه ، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعليّ مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه» (١). وهذا (٢) تصريح بمعنى الخبر وأن المراد به إثبات الإمامة لعلي عليهالسلام. وقد بسط علماؤنا رحمهمالله الكلام في الاستدلال بهذا الخبر على إمامة علي عليهالسلام ، كالمنازل الخمس وغيرها بما يشفى غليل الصدور.
ومن جملة الأدلة على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام من جهة السنة أيضا (٣) خبر المنزلة وهو مجمع على صحته ، وغير مختلف في ثبوته ، وهو قول النبي
__________________
(١) الأمالي الصغرى ص ١٠٢. رقم ٨.
(٢) في (ب) : هذا.
(٣) في (ب) : بدون أيضا.