ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين

ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

المؤلف:

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين


المحقق: د. المرتضى بن زيد المحطوري الحسني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

النفس الزكية :

وهو الإمام محمد بن عبد الله العالم بن الإمام الحسن الرضى بن الإمام الحسن السبط ابن الإمام أمير المؤمنين وصي رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.

روينا عن الشيخ أبي القاسم إسماعيل بن أحمد البستى رحمه‌الله أنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «يقتل من ولدي عند أحجار الزيت رجل اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، وإنّه النفس الزكية» ، فكان ذلك محمد بن عبد الله عليه‌السلام.

وروينا عن الشريف العقيقي (١) مصنف كتاب الأنساب ما مثاله قال : كتب إليّ عباد يخبرني عن يحيى بن حمّاد عن عمر قال : كنت مع محمد بن عبد الله في منزله ، فذكرنا النفس الزكية فخرجنا حتى انتهينا إلى أحجار الزيت ، فقال عليه‌السلام : هاهنا يا أبا حفص يقتل النفس الزكية. وإنما ذكر ذلك لما جاء في الحديث أنّ النفس الزكية يقتل فيسيل دمه إلى أحجار الزيت. لقاتله ثلث عذاب أهل النار (٢).

__________________

(١) يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام السجاد زين العابدين ، أبو الحسين العبيدلي العقيقي ، ولد سنة ٢١٤ ه‍ ، مؤرخ نسابة ، من أهل المدينة ، وهو أول من صنف في أنساب الطالبيين ، كان من أصحاب القاسم بن إبراهيم ، وتلاميذ الحافظ بن عقدة ، توفي سنة ٢٧٧ ه‍ ، وله أنساب الطالبيين ، وأخبار مكة ، ومسائل الإمام القاسم. ينظر الأعلام ٨ / ١٤١ ، وأعلام المؤلفين الزيدية ١٠٩٦.

(٢) الشافي ١ / ١٩٩ ، ومقاتل الطالبين ١٦٧ ، والحدائق الوردية (خ) ١ / ١٦٦ بلفظه ، ورسائل العدل والتوحيد ٢ / ٧٢ / ٧٣.

٤٦١

وروى جماعة من علماء المدينة أنهم أتوا علي بن الحسين عليه‌السلام فذكروا له القيام ، فقال محمد بن عبد الله : أولى بهذا مني ، وذكر حديثا طويلا فقال ، ثم أوقفني عند أحجار الزيت ، فقال : هاهنا يقتل النفس الزكية.

وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : النفس الزكية من ولد الحسن فلما قتل محمد بن عبد الله عند أحجار الزيت عرف أنّه النفس الزكية.

وروي عن محمد بن عبد الله عليه‌السلام أنه قال : آية قتل النفس الزكية أن يسيل الدّم حتى يدخل بيت عاتكة. قال فكانوا يعجبون كيف يسيل الدم حتى يدخل بيت عاتكة؟ فكان يوما مطيرا فسال الدم حتى دخل بيت عاتكة (١). وهذه الأخبار مأخوذة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبريل عن الله تعالى ؛ لأنها أخبار (٢) غيوب.

الإمام الحسين [الفخّي]

ابن علي العابد ابن الإمام الحسن الرضى (ع) وعن يحيى بن زيد عن أبيه زيد بن علي (ع) أنه قال : انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى موضع فخّ فصلّى بأصحابه صلاة الجنائز ، ثم قال : «يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين ، ينزّل عليهم بأكفان وحنوط من الجنة ، تسبق أرواحهم أجسادهم». وذكر من فضلهم أشياء لم يحفظها الراوي (٣).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ١٨٣ ، والحدائق الوردية (خ) ١ / ١٦٦.

(٢) في (ب) : إعلام.

(٣) الشافي ١ / ٢١٧ ـ ٢١٨. ومقاتل الطالبين ٤٣٦ ، والرازي في أخبار فخ ٢٨٠.

٤٦٢

وعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفخّ ، فنزل فصلّى ركعة ، فلما صلّى الثانية بكى وهو في صلاته ، فلما رآه الناس يبكي بكوا ، فلما انصرف قال : ما يبكيكم؟ ، قالوا : لمّا رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله ، قال : نزل عليّ جبريل لمّا صليت الركعة الأولى ، فقال لي : يا محمد إنّ رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان أجر الشهيد معه أجر شهيدين (١).

وروي أنّ جعفر الصادق بن محمد الباقر (ع) لما انتهى في طريقه من المدينة إلى فخ يريد مكة توضأ وصلّى ثم ركب فسئل : هل هذا شيء من مناسك الحج أو لا؟ قال : لا ، ولكن يقتل رجل من أهل بيتي هاهنا في عصابة من المؤمنين تسبق أرواحهم أجسادهم (٢) إلى الجنة (٣).

وروي مثل ذلك عن عبد الله بن الحسن الرضى (ع) إلا أنه لم يتوضأ ، ولم يصلّ فكان المقتول في هذا الموضع هو الحسين بن علي العابد ، ولذلك سمّي الفخي عليه‌السلام.

الإمام الرضى علي بن موسى الكاظم

ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر (ع) : روينا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ستقتل بضعة مني بخراسان ، ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته ، ولا مذنب إلا غفر الله ذنبه» (٤). وعن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ستلقى بضعة مني بخراسان لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة ، وحرم جسده على النار».

__________________

(١) الحدائق الوردية ١ / ١٧٦. ومقاتل الطالبيين ٢٩٠. والشافي ١ / ٢١٨.

(٢) في (ب) : وأبدانهم.

(٣) مقاتل الطالبين ٢٩٠. والشافي ١ / ٢١٨.

(٤) في (ب) : غفر له الله ذنبة.

٤٦٣

وعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : من زار قبر ابني بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ، وإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذا منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعن الرضى علي بن موسى (ع) أنه قال : «ألا وإني مقتول بالسم ظلما ، ومدفون في موضع غربة ، من شدّ رحله إلى زيارتي استجيب دعاؤه ، وغفر ذنبه.

وكلّ هذه الأخبار قاضية بفضل علي بن موسى الرضى ، إذ هذه الأمارات كلّها فيه ؛ فإنّ المأمون أنكحه ابنته متحيلا لقتله ، ثم دسّ له السم فقتله به ، ثم أظهر الجزع عليه ، ودفنه بطوس في أرض خراسان ، والأمر فيه ظاهر مشهور وقبره بطوس مزور (١).

الإمام القاسم [الرسي]

ابن إبراهيم الغمر (٢) طباطبا بن إسماعيل الديباج (٣) بن إبراهيم الشّبه ؛ لأنه كان يشبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بن الإمام الحسن الرضى بن الإمام الحسن السبط (ع) : كان عليه‌السلام معروفا بالفضل ، أجمع على فضله المخالف والمؤالف ، ولم ينكره عالم عارف ، وبلغ في الزهد مبلغا عظيما ، وكان بجميع فنون العلم عليما.

__________________

(١) مقاتل الطالبين ٥٦٦. والشافي ١ / ٢٦٥. قد زرته عند ذهابي إلى إيران بدعوة من السيد جواد الشهرستاني ، وكيل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني ، ووجدت الزحام على قبره يشبه الطواف حول الكعبة ، ويسمى عليه‌السلام : بملك خراسان وأكثر عقارات (مشهد) وتلك الديار أوقاف الإمام علي بن موسى لكن قبور أئمة كبار من آل البيت مهجورة مثل الناصر الاطروش والإمام الداعي والمؤيد بالله ، فأرجو أن يلتفت إليها الأخوة في تلك الديار وعلى رأسهم المرشد آية الله الخامنئي والذي أصدر توجيها بعمارة قبر الناصر كما بلغني.

(٢) بالفتح : الكثير المعروف. وسمّي بذلك لجوده.

(٣) سمّي الديباج لجماله.

٤٦٤

ونحن نروي أنه دعا الله في مخمصة فتهدّل البيت عليه رطبا ، ودعا الله في ظلمة فأمدّه بالنور في الحال فزالت عنه الظلمة (١). فأما ما ورد فيه من الأخبار فمما هو في أفواه الناس ، ويروونه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمة (ع) : «يا فاطمة منك هاديها ومهديها ومستلب الرباعيتين». يعني القاسم بن إبراهيم ، هكذا يروونه مفسّرا ، ولم تصح لي فيه الرواية عمن أثق به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يقل ، ثم روى لي من أثق به بإسناده إلى رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمة (ع) (٢) : «يا فاطمة منك هاديها ومهديها ومسترق الرباعيتين ، لو كان بعدي نبيّ لكان نبيّا».

الإمام الهادي إلى الحق

يحيى بن الحسين الحافظ بن الإمام القاسم بن إبراهيم الغمر (ع) : روينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أشار بيده إلى اليمن ، وقال : «سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة اسمه يحيى الهادي ، يحيي الله به الدّين» (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام ، أنه قال : إذا قتل أهل مصر كبيرهم ، وظهر اليمانيّ باليمن ، فإنه يملأ الأرض عدلا. فقتل أهل مصر كبيرهم سنة قام الهادي إلى الحق عليه‌السلام (٤).

وعن أبي العباس القيسراني ، أنه قال : صاحب الحقّ حسنيّ ، يظهر باليمن ،

__________________

(١) ذكره في الشافي ١ / ٢٦٤.

(٢) في (ب) : بحذف لفاطمة.

(٣) الحدائق الوردية ٢ / ١٤. والتحف شرح الزلف ص ١٠٠.

(٤) سيرة الهادي ص ٢٩. حيث قتل والي مصر وهو خمارويه بن أحمد بن طولون عام ٢٨٢ ه‍. ينظر الطبري ١٠ / ٤٢. وسيرة الهادي ص ٢٠. وهو نفس العام الذي دخل الهادي عليه‌السلام صنعاء.

٤٦٥

اسم أبيه ستّة أحرف (١). وروي أنه لمّا ولد يحيى بن الحسين الهادي عليه‌السلام حمل إلى جده القاسم ، فوضع في حجره المبارك ، وعوّذه ودعا له ، ثم سأل أباه الحسين ما سمّاه؟ قال : يحيى ، فبكى القاسم عليه‌السلام ، وقال : هو والله يحيى صاحب اليمن. وإنما قال ذلك لأخبار رويت فيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢). فمنها ما تقدم ، ومنها قول أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : تكون فتن بين الثمانين والمائتين ، فيخرج من عترتي رجل اسمه اسم نبيّ يميّز بين الحق والباطل ، ويؤلّف الله تعالى قلوب المؤمنين على يديه (٣).

ومنها قول الصادق عليه‌السلام : أوّل ما يأتيكم الفرج من اليمن. إلى غير ذلك من الأخبار ، فإنها مما لا يمكننا (٤) حصرها في كتابنا هذا.

الإمام الناصر للحق الحسن

ابن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي زين العابدين (ع). وهو المعروف بالأطروش.

روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ويده اليمنى علي كتفي : «يا عليّ يكون من أولادك رجل يدعى بزيد المظلوم ، يأتي يوم القيامة مع أصحابه على نجب من نور ، يعبر على رءوس الخلائق كالبرق اللامع يقدمهم زيد ، وفي أعقابهم رجل يدعى بناصر الحق ، يقفون على باب الجنة فتستقبلهم الحور العين ، وتجذب بأعنّة نجبهم إلى أبواب قصورهم».

__________________

(١) سيرة الهادي ص ٣٠ ، قال عن أبي عباس الفرياني.

(٢) الحدائق الوردية ٢ / ١٣. والتحف شرح الزلف ص ١٦٧.

(٣) سيرة الهادي ص ٣١ ، والحدائق الوردية ٢ / ١٤. والتحف شرح الزلف ص ١٦٨.

(٤) في (ب) : يمكن.

٤٦٦

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه خطب خطبة بليغة بالكوفة اشتملت على أمور كثيرة وذكر فيها خروج الشيخ ، وأنه يخرج نحو الديلم من جبال طبرستان (١).

وروينا من خطبته عليه‌السلام يوم النهروان قوله : وظهر العلم الأحمر ، والراية الصفراء من أرض جيلان ، والشيخ الأصمّ مع أقوام مستضعفين. ثم قال : تلك راية يسير بها رجل من ولدي اسمه اسم ابني يظهر الحق. وإنما أراد بقوله : اسم ابني يعني : الحسن بن علي (ع). وإنما قال : الأصم ؛ لأنّ أعداء الله تعالى هجموا عليه في داره وقد ظهر عليهم أنّه يريد الخروج عليهم وأنه قد أجابه قوم ، فقبضوه وسألوه عمن قد أجابه ، ووعدوه التخلية عن سبيله إن هو أخبرهم بمن قد أجابه ، فأبى أن يخبرهم فضربوه ثلاثمائة سوط ، بعد أن ضربوه خمسين سوطا قبل ذلك ، وهو لا يخبرهم مع ذلك حتى سقط كالميت ، والدّم يخرج من إحدى أذنيه ، ويدخل إلى الأخرى ، فتجمّد فيها ، فأصابه الطّرش لذلك مع أنه كان يسمع إذا جهر له ، ويجيب المتعلمين والسائلين عن مسائلهم.

ومن جملة ما ورد من البشارات بالناصر للحق عليه‌السلام ما أنزل الله تعالى في كتاب دانيال (٢) ، فإنّ فيه : أنّ الشيخ الأصمّ يخرج في بلد يقال لها : ديلمان ، ويكابد من أصحابه وأعدائه جميعا ما لا يقادر قدره ، ولكنّ عاقبته محمودة (٣).

__________________

(١) الحدائق الوردية ٢ / ٢٩.

(٢) دانيال : اسم نبي من أنبياء بني إسرائيل. وكتابه منزل من عند الله سبحانه وتعالى.

(٣) الشافي ١ / ٣٠٩. وأخبار الأئمة الزيدية ص ٢١٣.

٤٦٧

المهدي [المنتظر] عليه‌السلام

روينا عن أم سلمة (رض) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «كيف تهلك أمّة أنا أوّلها ، والمهديّ وسطها ، والمسيح آخرها» ، وقالت أم سلمة : من المهديّ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من بني فاطمة» (١). وعن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «نحن سبعة سادات أهل الجنة : أنا ، وأخي عليّ ، وعمي حمزة ، والحسن ، والحسين ، وجعفر ، والمهديّ ، (ع)» (٢). وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل سبعة يدخلون الجنة : أنا ، وحمزة ، وجعفر ، وعليّ ، والحسن ، والحسين ، والمهديّ محمد بن عبد الله». وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا تذهب الدّنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما» (٣). وفي خبر آخر : «يملك الأرض سبع سنين».

وفي حديث أبي سعيد الخدري عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «فيجيء الرجل فيقول : يا مهديّ أعطني قال (٤) ، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله» (٥).

__________________

(١) الكنز ١٤ / ٢٦٩ رقم ٣٨٦٨٢ ، عن ابن عباس ، وبلفظ : «كيف تهلك أمة أنا في أولها ، وعيسى بن مريم في آخرها ، والمهدي من أهل بيتي في وسطها». وفي ابن ماجة ٢ / ١٣٦٨ عن سعيد بن المسيب قال : كنا عند أم سلمة ، فتذاكرنا المهدي ، فقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «المهدي من ولد فاطمة».

(٢) ابن ماجة ٢ / ١٣٦٨ برقم ٤٠٨٧ وبلفظ مقارب. وذخائر العقبى ص ١٥. وفضائل الصحابة لأحمد جزء منه ٢ / ٧٨٩.

(٣) أخرجه الترمذي ١ / ٤٣٨ رقم ٢٢٣٠ ، وقال : حديث حسن صحيح. وأبو نعيم في الحلية ٥ / ٨٧. وفي هذا المقام أحاديث كثيرة بألفاظ متعددة.

(٤) في (ب) : بحذف قال.

(٥) الترمذي ٤ / ٤٣٩ برقم ٢٢٣٢.

٤٦٨

وفي حديث جابر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدّه» (١). إلى غير ذلك من الأخبار فإنها كثيرة.

جماعة معيّنون

روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد لها دينها» (٢). تمّ كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأقول : إنّا نظرنا في أهل البيت (ع) من كان منهم في هذا الوقت يصلح للإمامة والإفادة للمسلمين عامة (٣) ، فكان على رأس مائة سنة زيد ومحمد الباقر ابنا علي زين العابدين. وعلى رأس المائتين محمد والقاسم [الرسي] ابنا إبراهيم. وعلى رأس الثلاثمائة المرتضى لدين الله محمد بن الهادي والناصران جميعا الحسن بن علي الأطروش ، وأحمد بن الهادي. وعلى رأس الأربعمائة المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (٤). وعلى رأس الخمسمائة أبو طالب يحيى ابن الأمير أبي القاسم ابن الإمام المؤيد بالله. وعلى رأس الستمائة المنصور بالله عبد الله بن حمزة صلوات الله عليهم جميعا ، وعلى آبائهم الأكرمين (٥).

__________________

(١) مسلم ٤ / ٢٢٣٥ عن جابر وأبي سعيد. وأحمد بن حنبل ٥ / ١٥٦ رقم ١٤٤١٣ ، بلفظ مقارب.

(٢) أخرجه أبو داود ٤ / ٤٨٠ رقم ٤٢٩١. والحاكم ٢ / ٥٢٢.

(٣) في (ب) : ولإفادة المسلمين عامة.

(٤) ولد سنة ٣٣٣ ه‍ ، وهو بحر لا ينزف ، وإمام في كل فن ، حتى قيل : إنه في عدله وأهل البيت في عدله ، وبويع له بالخلافة سنة ٣٨٠ ه‍ ، وتوفي سنة ٤١١ ه‍ ، وله مؤلفات منها : شرح التجريد والإفادة والهوسميات والزيادات والتفريعات والتبصرة والأمالي الصغرى والنوات والبلغة وسياسة المريدين. ينظر التحف ٢١١.

(٥) والمجدد على رأس السبعمائة الإمام المتوكل على الله المظلّل بالغمام المطهر بن يحيى وولده الإمام المهدي محمد بن المطهر. [التحف ٢٦٥]. وعلى رأس الثمانمائة الإمام الهادي إلى الحق علي بن المؤيد بن جبريل [التحف ٢٨٥]. وعلى رأس التسعمائة الإمام المؤتمن

٤٦٩

ومن عرف أخبارهم واقتص سيرتهم وآثارهم علم أنّ من هؤلاء من دعا إلى الإمامة لرأس المائة السنة. ومنهم من كملت المائة وقد صار من العلم والفضل بالمنزلة التى معها يهتدى به ، ويغترف من بحر علمه ، ويفزع إليه في المهمات ويفتح بعلمه أقفال المشكلات.

فصل : في فضل أهل البيت على العموم

اعلم أيها المسترشد أنّ هذا باب واسع ، ولو استقصينا ما ورد فيه لخرجنا عن الغرض بالكتاب ، ولد خلنا في المكروه من الإطناب والإسهاب. فلنذكر من ذلك ما هو كالتنبيه عليه ، وكالإشارة إليه.

ذكر فضلهم على غيرهم

روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «نحن أهل البيت شجرة النبوة ، ومعدن الرسالة ، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري» (١).

وجوب الصلاة عليهم

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ وعلى أهل بيتي فإنها تذهب بالنّفاق» (٢). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ،

__________________

عز الدين بن الحسن [التحف ٢٩٦]. وعلى رأس الألف الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد [التحف ٣٢١] والإمام عبد الله بن علي من أحفاد الإمام عز الدين بن الحسن. وعلى رأس الألف والمائة الإمام المؤيد بالله محمد بن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم [التحف ٣٤٤]. وعلى رأس الألف والمائتين الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن أحمد بن الكبسي المغلس [التحف ٣٥٢]. وعلى رأس الألف والثلاثمائة الإمام محمد بن القاسم الحوثي [التحف ٣٦٤ ـ ٣٦٥]. هذا ما ذكره الوالد مجد الدين مؤلف التحف.

(١) المرشد بالله ١ / ١٥٤. والشافي ١ / ٧٢.

(٢) أمالي أبي طالب ص ٣٥٥ ، وفي هامش (ب) تعليق للوالد مجد الدين عافاه الله ضعّف حديث ارفعوا أصواتكم ؛ لعدم صحة طرقه بعد البحث والتحقيق ؛ ولأن بعض رواته من الغلاة وهو أحمد بن محمد البرقي ، وقد قدح فيه بعض الإمامية مع أنه منهم ،

٤٧٠

ولكن صلّوا عليّ وعلى آلي معي ، فإنّ الله لا يقبل الصلاة عليّ إلا بالصلاة على آلي» (١).

وجوب مودّتهم

قال الله سبحانه : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] فجعل الله سبحانه مودتهم مستحقّة ؛ لأنه جعلها أجرا. والأجر لا يكون إلا مستحقّا. ولا خلاف بين المسلمين في وجوب تسليم الأجرة إلى الأجير. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه» (٢). ولفظة : القربى المراد بها القرابة بدليل قوله سبحانه (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) [الأنفال : ٤١].

ولا خلاف بين المسلمين في أنّ المراد به قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أوضحنا ذلك عند كلامنا في الأخماس في كتاب ثمرة الأفكار في أحكام الكفار. ولما نزلت هذه الآية وهي قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ

__________________

والحديث وإن رواه بعض أئمتنا المتأخرين فقد أوضحوا سنده فالعهدة على المطلع في النظر في الرجال ، وقد قال النجاشي : إنه ـ أي البرقي ـ قد أكثر الرواية عن الضعفاء ، واعتمد على المراسيل ، وفي الخلاصة للحلي من الإمامية والنجاشي عن الغضائري أن القميون طعنوا عليه ، وليس للطعن فيه ، إنما الطعن في من يروي عنه ، فإنه كان لا يبالي عمّن يأخذ على طريقة أهل الأخبار. وهذا الكلام منقول من أعيان الشيعة للأميني ٣ / ١٠٦ ، وقد ساق الأميني توثيقه عن كبارهم ، ثم استدل الوالد مجد الدين بأنه مخالف لقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) ، ونحوها ، ولم يشرع رفع الصوت إلا في الأذان والخطب وإمام الصلاة ، والتلبية.

(١) الشافي ٤ / ٩٦ ، وذكر أنه رواه عن أبيه مسندا.

(٢) أخرجه ابن ماجة ٢ / ٨١٧ رقم ٢٤٤٣. والطبراني في الصغير ص ٥٢ رقم ٣٤. والبيهقي في السنن ٦ / ١٢٠.

٤٧١

فِي الْقُرْبى) ، قيل : يا رسول الله ، من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة وولدها» (١). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة ، أغصانها في الدنيا ، فمن شاء اتّخذ إلى ربه سبيلا. وإنّ الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي. وإني سائلكم غدا فمحف بكم (٢) في المسألة» (٣). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعلي عليه‌السلام : «من أحبّ ولدك فقد أحبّك ، ومن أحبّك فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنة» (٤). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «والله لا تؤمنون حتى تحبّوني ، والله لا تحبّوني حتى أكون عند المؤمن آثر من نفسه. وأهل بيتي آثر عنده من أهل بيته. وولدي أحب إليه من ولده. وأزواجي أحب إليه من أزواجه». وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لو أنّ عبدا عبد الله بين الركن والمقام ألف عام ، ثم ألف عام ، ولم يقل بحبنا أهل البيت أكبّه الله على منخره في النار».

وجوب إكرامهم وقضاء حوائجهم

روينا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة : المكرم لذرّيّتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه» (٥). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة : الضارب بسيفه أمام ذرّيّتي ، والقاضي لهم

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ / ١٣٠ رقم ٨٢٢ ـ ٨٢٩. والطبراني في الكبير ٣ / ٤٧ رقم ٢٦٤١. والعمدة لابن البطريق ص ٩١. وأحمد بن حنبل كما في هامش العمدة وقد سبق تخريجها.

(٢) في (ب) بدون في.

(٣) الصواعق لابن حجر ص ١٥٠.

(٤) الأحكام ٢ / ٥٥٥.

(٥) علي بن موسى ص ٤٦٣. وفرائد السمطين ٢ / ٢٧٧. وذخائر العقبى ص ١٨. وكنز العمال ١٢ / ١٠٠ رقم ٣٤١٨٠.

٤٧٢

حوائجهم عند ما اضطروا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه» (١). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من اصطنع إلى أحد من أهل بيتي معروفا فعجز عن مكافأته كنت أنا المكافي له يوم القيامة» (٢).

حكم باغضهم وقاتلهم والمعتدي عليهم

روينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «اشتدّ غضب الله على اليهود ، واشتدّ غضب الله على النّصارى ، واشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي» (٣). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعلي عليه‌السلام : «يا عليّ من أبغض ولدك فقد أبغضك ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله أدخله النار» (٤). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم ، والمعين عليهم ، ومن سبّهم ، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم» (٥). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «الويل لظالم أهل بيتي ، عذابهم مع المنافقين في الدّرك الأسفل من النار» (٦). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «اشتدّ غضب الله وغضب رسوله على من

__________________

(١) أمالي أبي طالب ص ٤٤٣.

(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط ٢ / ١٢٠ رقم ١٤٤ بلفظ : «من صنع إلى أحد من ولد عبد المطلب يدا فلم يكافئه بها في الدنيا فعليّ مكافأته غدا إذا لقيني». ورواه الجعابي في تاريخ الطالبيين كما ذكره الأمير. ينظر كشف الخفاء ٢ / ٢٢٥.

(٣) كنز العمال ١٢ / ٩٣ رقم ٣٤١٤٣٧ ، ٥ / ٢٧٦. وفيض القدير للمناوي ١ / ٥١٥ كما ذكره في فضائل الخمسة.

(٤) الأحكام ٢ / ٥٥٥.

(٥) أمالي أبي طالب ص ١٢١. وصحيفة الإمام علي الرضى ص ٤٦٢.

(٦) صحيفة علي بن موسى الرضى ص ٤٦٤.

٤٧٣

أهرق دم ذرّيتي ، وآذاني في عترتي» (١). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديّا. قيل : وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم؟ قال : وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم» (٢). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من كان في قلبه حبة خردل عداوة لي ولأهل بيتي لم يرح رائحة الجنة». وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «في أهل بيته قدّموهم ولا تقدّموهم ، وتعلّموا منهم ولا تعلّموهم ، ولا تخالفوهم فتضلّوا ، ولا تشتموهم فتكفروا» فقضى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو لا يقضي بالهوى إن هو إلّا وحي يوحى ـ بالضلال على من خالفهم والكفر على من شتمهم. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا يبغضنا أهل البيت إلا ثلاثة : من يؤتى من دبره ، ومن كان لغير رشدة ، ومن حملت به أمّه في غبّر (٣) حيضة» (٤) يريد (٥) آخر حيضة. إلى غير ذلك من الأخبار في كونهم أمانا لأهل الأرض. روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «النجوم أمان أهل السماء ، وأهل بيتي أمان أهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون ، وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون» (٦).

__________________

(١) المناقب لابن المغازلي ص ٤٦ رقم ٦٤. ولسان الميزان ٥ / ٣٦٢. والبساط ص ٩٨.

(٢) الطبراني في الأوسط ٤ / ٢١٢ رقم ٤٠٠٢.

(٣) غبّره : بقية دم الحيض. القاموس ص ٥٧٥.

(٤) أخرجه المرشد بالله حديثا بنفس المعنى قال : «من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لزنية ، وإما امرؤ حملت به أمه في غير طهر». والمناقب للكوفي ٢ / ٦٠١ بلفظ : «لا يبغض أهل بيتي من الناس إلا ثلاثة : رجل وضع على فراش أبيه لغير أبيه ، ورجل جاءت به أمه وهي حائض ، ورجل منافق».

(٥) في (ب) : يريد في.

(٦) نهج البلاغة الخطبة رقم ٩٨ ص ٢٧١.

٤٧٤

وفي بعض الأخبار : «فإذا انقرضوا من الأرض صبّ الله عليهم العذاب صبّا» ، يعنى على أهل الأرض. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «بنا أهل البيت بدأ الله الدنيا ، وبنا يختم الدنيا». وفي وجوب إجابة دعوتهم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبّه الله على منخريه في نار جهنم» (١).

وفي اتباع مذهبهم وعصمة جماعتهم

قال الله سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣]. وروينا بالإسناد الموثوق به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه دعى بعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) وأجلسهم عن يمينه ويساره ومن خلفه وقدّامه ثم جلّلهم بكساء فدكيّ ، ثم قال : «اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا». فقالت أمّ سلمة (رض) : وأنا من أهل بيتك يا رسول الله؟ فقال : لست منهم وإنك لعلى خير (٢) ، فسمّيت بعد ذلك (٣) أمّ سلمة الخير.

وفي ذلك أخبار غير هذا عن عائشة ، وأمّ سلمة (رض) حذفناها هنا للاختصار. وإذا ثبت ذلك فالآية وإن كانت نازلة فيمن تقدم ذكره وهم الخمسة صلوات الله عليهم ؛ فإنه لا يجب قصر الآية عليهم ؛ لأنّ الدليل هو الخطاب ، وهو عامّ ، فيجب إجراؤه على عمومه. واستعماله فيمن يتناوله اسم البيت حقيقة ؛ لأنّ السبب ليس بدليل فيقال بوجوب قصر الخطاب عليه. وقال

__________________

(١) أخرجه المؤيد بالله في التجريد ٢ / ٢٥٥. والطبري في تاريخه ٥ / ٤٠٧ في سياق كلام الحسين عليه‌السلام.

(٢) الكوفي في المناقب ٢ / ١٣٢. وشواهد التنزيل ٢ / ٥٥.

(٣) في (ب) : لذلك.

٤٧٥

الله سبحانه : (هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج : ٧٨] فاختارهم له شهداء ، وهو لا يختار شهودا إلا العدول الذين لا يجمعون على ضلالة ولا خطإ ، فثبت بذلك عصمة جماعتهم. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى» (١). والمعلوم أنه لم ينج من أمة نوح إلا من ركب في السفينة ، فيجب أن لا ينجو من هذه الأمة إلا من تمسّك بالعترة ، واتبع مذاهبهم ، واعتصم بهم ، وإلا بطل التشبيه ، وهو كلام حكيم لا يجوز ذلك فيه. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا أبدا (٢) : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (٣).

فجعل التمسك بهم كالتمسك بالكتاب ، فكما أن المتمسك بالكتاب لا يضلّ ، فكذلك المتمسك بهم. وإلا بطلت فائدة الخطاب.

وجوب نصرتهم والقيام معهم والذّبّ عنهم

روينا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي أمير المؤمنين (ع) أنه قال : «بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنت أبايع له على السمع والطاعة في العسر واليسر وفي الأثرة علينا وأن نقيم ألسنتنا بالحق ، ولا يأخذنا في الله لومة لائم. فلمّا ظهر الإسلام وكثر أهله قال يا عليّ : «ألحق فيها أن تمنعوا رسول الله وذريته من

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) في (ب) : بعدي أبدا.

(٣) سبق تخريجه.

٤٧٦

بعده مما منعتم منه أنفسكم وذراريكم» ، قال علي : فوضعتها على رقاب القوم ، وفي بها من وفى ، وهلك بها من هلك (١).

وفي زيارة قبورهم

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبرا من قبور أهل البيت ثم مات في عامه الذي زار (٢) فيه وكّل الله بقبره سبعين ملكا يسبّحون له إلى يوم القيامة» (٣). ولنقتصر على هذا القدر من فضائل أهل البيت (ع) فليس غرضنا إلا التنبيه لا غير ونحن نسأل الله أن يجعلنا ممن أخذ في هذا الفضل بنصيب ، وأن يكفينا شر يوم عصيب ، ويصلي على محمد وآله.

فصل : إن قيل : قد رويتم في كتابكم هذا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل أهل بيته أحد الثّقلين ، وأنّ الثقلين هما الكتاب والعترة ، وأنه يجب التمسك بهما ، وأن من تمسك بهما نجا ، وقد ثبت أن في أهل البيت عصاة لا تجوز موالاتهم ، ومخالفون (٤) للحق وأهله لا يحل اتّباعهم.

قلنا : وكذلك في القرآن منسوخ سقط حكمه فلا يجوز لأهل الأيمان العمل به ، ومتشابه يتّبعه أهل الزيغ والضلال يجب رده إلى أدلة العقول ومحكم القرآن ، ولا يحل العمل بما يقتضيه ظاهره. فإن قلت : لا يجب اتّباع

__________________

(١) مجموع الإمام زيد ٤٠٢ ، وأبي طالب ص ١٢٦.

(٢) في (ب) : زاره.

(٣) أبي طالب ص ١١١.

(٤) في هامش (ب) : مخالفين. «ومخالفين» عطف على اسم أنّ ، «ومخالفون» على أنه مبتدأ و «في أهل البيت» خبر مقدم ؛ لأن ، وهو دليل على خبر مخالفون ، والتقدم ، وفي أهل البيت مخالفون من الثاني لدلالة الأول عليه.

٤٧٧

القرآن كذلك (١) فقل في أهل البيت (ع) كذلك. قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ). [الحديد ٢٦] ، فلم يسقط (٢) فسق الفاسقين وجوب اتّباع الهداة الصادقين ، ولا إخراجهم من وراثة الكتاب ، فعل أهل الزيغ والارتياب. ونقول : بأن كثيرا مما ذكرناه من فضائلهم من وجوب موالاتهم ، ونصرتهم ، ومودتهم ونحو ذلك إنما يختص به منهم المؤمنون ، ويخرج منه المجرمون ، قال الله سبحانه : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] وقال : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] وقال : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية [المجادلة : ٢٢].

وأما الفصل الثالث :

وهو في ذكر طرف يسير من مناقب أتباعهم وشيعتهم

فقال الله تعالى حاكيا عن إبراهيم الخليل عليه‌السلام : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم : ٣٦] ، فأقرّه الله تعالى ولم يعقبه بإنكار ، فثبت كون أتباعه منه. وسمع إبراهيم بن عبد الله صاحب باخمرا عليه‌السلام (٣) بعض شيعته وقد ضرب رجلا من المسوّدة يقول : خذها وأنا

__________________

(١) في (ب) : لذلك ، وقد كانت في الأصل «لذلك» ثم زاد كافا.

(٢) في (ب) : فلم يسقط في.

(٣) هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، كان عالما فاضلا خطيبا مصقعا شاعرا مفلقا شجاعا ، بحيث لا يبالي دخل على الموت أو خرج إليه ، واجتمع معه من الزيدية والمعتزلة ، وأصحاب الحديث ما لم يجتمع مع أحد من أهل بيته ،

٤٧٨

الغلام الحداد ، قال عليه‌السلام : لم تقول : أنا الغلام الحداد؟ قل : أنا الغلام العلوي ؛ فإن إبراهيم صلّى الله عليه يقول : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) ، فأنتم منا ونحن منكم ، لكم ما لنا وعليكم ما علينا (١). فعلى هذا نقول : إن أتباع محمد وأهل بيته (ع) يجب أن يكونوا منهم في فضائلهم ومناقبهم.

روى الناصر بإسناده عن الصادق عن آبائه (ع) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «إن في السماء حرسا وهم الملائكة ، وإن في الأرض حرسا وهم شيعتك يا عليّ لن يبدّلوا ولن يغيّروا» (٢).

فصل : والذي يجمع الشيعة [الزيدية] من القول تفضيل أمير المؤمنين على سائر الصحابة ، وأنه كان أولى بالإمامة ، ويرون الخروج على الظلمة ، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن الإمامة تستحقّ بالفضل والطلب دون الوراثة وأنه لا نصّ على أعيان الأئمة بعد الحسين بن علي (ع). وذهبت الجارودية إلى حصر (٣) الإمامة في ولد فاطمة من أبناء الحسن والحسين إلى غير ذلك من مذاهبهم. وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاكيا عن ربه عزوجل «أنت شجرة ، وعليّ أغصانها ، وفاطمة ورقها ، والحسن والحسين ثمارها. خلقتها من طينة عليين ، وخلقت شيعتكم منكم ، إنهم لو ضربوا على أعناقهم بالسيوف لم

__________________

دعا بعد مقتل أخيه النفس الزكية (ع) ، وقد كان بلغه خبر استشهاده يوم العيد غرة شوال فصلّى بالناس صلاة العيد ثم رقى المنبر وخطب ، وذكر مقتل أخيه ، ونعاه إلى الناس ؛ فلما نزل بايعه الكثير من العلماء والفقهاء والزهاد ، واستشهد في ١ / ذو الحجة سنة ١٤٥ ه‍ بباخمرا ، وهي منطقة بين البصرة والكوفة ، في المعركة التي كانت بينه وبين عيسى بن موسى ، ودفن هناك.

(١) أمالي أبي طالب ص ١٢٢. والحدائق الوردية ١ / ١٧٣.

(٢) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين ١٧٤.

(٣) في (ب) : قصر.

٤٧٩

يزدادوا لكم إلا حبّا» (١). وقوله : وخلقت شيعتكم منكم فيه توسّع ومجاز ، وذلك لتشبّههم (٢) بهم ، واحتذائهم بسيرتهم ، ودخولهم في ملّتهم ؛ ولأنهم لم يتّبعوا إلا أهل البيت (ع) الذين قد شهد الكتاب ببراءتهم من رجس المعاصي في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] والذين شهد لهم الرسول بالعدالة في قوله : «إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

وغير ذلك من الأدلة الدالة على وجوب اتّباع العترة الطاهرة ، فكان ذلك دليلا على فضل شيعتهم وأتباعهم ، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تختّموا بالعقيق فإنّه أوّل حجر شهد لله تعالى بالوحدانية ، ولي بالنّبوة ، ولعليّ بالوصية ، ولأهل بيته بالإمامة ولشيعته بالجنّة» (٣). وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «يا عليّ إنّ شيعتنا يخرجون من قبورهم يوم القيامة على ما بهم من العيوب والذنوب وجوههم كالقمر في ليلة البدر ، وقد فرّجت عنهم الشدائد ، وسهّلت لهم الموارد ، وأعطوا الأمن والأمان ، وارتفعت عنهم الأحزان يخاف الناس ولا يخافون ، ويحزن الناس ولا يحزنون ، شرك نعالهم تتلألأ نورا ، على نوق بيض لها أجنحة قد ذلّلت من غير مهانة ، ونجبت (٤) من غير رياضة ، أعناقها من ذهب أحمر ألين من الحرير ؛

__________________

(١) هذا جزء من حديث ذكر في الشافي ١ / ١٧٨. ومسند الإمام زيد ص ٤٠٦.

(٢) في (ب) : لتشبيههم.

(٣) المناقب للكوفي ١ / ٥٥. وابن المغازلي ص ١٧٩ رقم ٣٢٦. والعمدة لابن البطريق ص ٤٣٨.

(٤) هكذا ضبطت في الأصل ، والقياس «نجبت» مثل ظرفت. المختار ص ٦٤٥.

٤٨٠