ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين

ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

المؤلف:

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين


المحقق: د. المرتضى بن زيد المحطوري الحسني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

شيء ، وادرءوا ما استطعتم» (١) ، يعني به من جنس ما تقدم ذكره ، فاستعمل ذلك في جميع صلاتك أوّلها وآخرها.

فصل : في التوجه

ثم تقول بعد الاستعاذة : وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، الحمد لله الذي لم يتّخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذّلّ». هذا كله سنة وليس بواجب ، وإن اقتصرت ـ على الاستفتاح الصغير وهو من قولك : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا إلى آخره ، فلا بأس في ذلك. نص عليه القاسم عليه‌السلام (٢).

فصل : في نيّة الصّلاة

لا خلاف بين العلماء في وجوب نية الصلاة ، وتجوز نية الصلاة عند القيام إلى الصلاة عند القاسم عليه‌السلام. وفي الوافي حكاية عن السيد أبي العباس عن القاسم عليه‌السلام ما لفظه : ويجب (٣) أن ينويها قبل أن يقوم إليها (٤) تم كلامه. ويجوز عند القاسم وعند (٥) الهادي إلى الحق (ع) تقديمها قبل التوجه ، وفي حال التوجه ، وقبل تكبيرة الإحرام ، وفي أولها ، ويجوز أن تخالط

__________________

(١) المجموع ص ١٢٠. وأبو داود ١ / ٤٦٠.

(٢) ذكره الإمام الهادي في الأحكام ١ / ٩١ ، التحرير ١ / ٨٥.

(٣) في (ب) : يجب.

(٤) ذكر الرواية عن القاسم في التجريد ١ / ١٤٧. والوافي ص ١٨ مخطوطة مكتبة الجامع الكبير.

(٥) في (ب) بحذف عند.

٥٤١

التكبيرة من أولها إلى آخرها عندهما جميعا (ع) (١).

واعلم أيها المسترشد أنه يجزيك في النية أن تنوي الصلاة بقلبك ، وتميزها بما تتميز (٢) به عن غيرها ، ولن ينفعك إلا ما كان بقلبك دون لسانك. ومما يقع به التمييز أن تنوي عين الفرض ظهرا كان أو عصرا أو غيرهما ، فإن كنت إماما لجماعة نويت الإمامة لهم ، وإن كنت مؤتما نويت الائتمام بالإمام المتقدم لإمامة الصلاة ، وإن كنت تقضي نويت القضاء ونويت من أول ما فاتك أو من آخره ، ومن آخره أولى ، وذلك لأجل التعيين والترتيب ، ويكره التلفظ بالنية لكراهة الكلام بين الإقامة والصلاة (٣) ، وإن صليت صلاة من صلوات الأسباب قيّدتها بسببها (٤) ؛ ليقع التمييز به كصلاة الجنازة ، والعيدين ، والاستسقاء ، والخسوف ، والكسوف ، ونحو ذلك ؛ لأنه لا بد من تعيين الصلاة ، ولا يقع التعيين إلا بذلك ، فهذا من فروض النيّة.

ومن جملة ما يستحق به الثواب أن تخطر ببالك أن تصلي الصلاة لوجوبها ، ولوجه وجوبها إن كانت واجبة ، وإن كانت سنة ، فلكونها سنة ونحو ذلك من كونها عبادة لله وإرغاما للشيطان ونحو ذلك ، وليس ذلك بواجب بل هو فضيلة وهيئة.

__________________

(١) التجريد ١ / ١٤٧. والمنتخب ٣٦. والتحرير ١ / ٨٥.

(٢) في (ب) : تميّز.

(٣) أفتى ابن تيمية بقتل من جهر بالنية ، وذلك عند ما سئل عن رجل ، قيل له : لا يجوز الجهر بالنية ، فقال : صحيح ما فعله النبي ، ولا آمر به ، ولكن ما نهى عنه ، ولا تبطل صلاة من جهر بها ، ثم قال : إن لنا بدعة حسنة وبدعة سيئة ، واحتج بصلاة التراويح فإنها بدعة حسنة ، فأجاب ابن تيمية : يستتاب قائل هذا ، فإن تاب وإلا عوقب بما يستحقه!! ، أقول : إن الاستتابة والقتل لا تكون إلا للمرتد عن دينة ليس للذي يقول بالجهر بالنية فعديد من المسلمين يجهر بها فهل يستتابوا ثم يقتلوا كما قال ابن تيمية ، نعوذ بالله من التعصب والذميم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. مجموع فتاويه مج ٢٢ / ٢ / ٢٣٣.

(٤) قال في الأزهار : ويضاف ذو السبب إليه.

٥٤٢

فصل : في تكبيرة الإحرام

ثم قل : الله أكبر ـ بضم الراء أو بسكونها والوقف عليها ـ وهذه التكبيرة عندنا من الصلاة وهي فرض واجب (١) ، والجهر بها سنّة على المنفرد والمأموم ، والجهر بها واجب على الإمام ، وحدّ الواجب من الجهر بها على الإمام مقدار ما يسمعه المؤتمون فيكبرون التكبيرة.

فصل : في القراءة

ولا خلاف بين أئمتنا (ع) ، وإن اختلفوا في مقدار الواجب منها ، فقال القاسم عليه‌السلام : وليس للقراءة عندي حدّ محدود من سورة أو غيرها ، وما قرأ المصلي في صلاته من قليل أو كثير فقد أغنى. يعني مع الفاتحة. وقال الهادي إلى الحق عليه‌السلام : أقلّ ذلك ثلاث آيات مع الفاتحة أو سورة (٢) ، وقال الناصر للحق عليه‌السلام : يجب قراءة الفاتحة في الأربع الركعات (٣) ، وإذا ثبت ذلك فعند القاسم والهادي جميعا (ع) أنه تجب القراءة لهذا القدر المذكور على الخلاف بينهما مرة واحدة في الصلاة ، في ركعة لا بعينها. والسّنّة أن يجعل ذلك في الركعة الأولى ، وأن يقرأ مرة ثانية في الركعة الثانية. والجهر واجب في القدر الواجب من القراءة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة والفجر (٤). والمخافتة واجبة في القدر الواجب من القراءة في صلاة الظهر والعصر. ومن نسي القراءة في صلاته ثم تذكّر قبل التسليم فعليه أن يأتي بركعة كاملة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة ، ذكره السيد أبو طالب في فتاويه تخريجا على المذهب ، فإن

__________________

(١) خلافا للمؤيد بالله ، وأبي حنيفة ، وقول للشافعي. ذكره الجلال في ضوء النهار ١ / ٤٨٢.

(٢) التحرير ١ / ٨٥. والأحكام ١ / ٩٢.

(٣) الناصريات ٢١٨.

(٤) في هامش (ب) : والجمعة.

٥٤٣

نسي الجهر في القراءة فيما يجهر به أو المخافتة فيما يخافت فيه (١) ـ فعليه أن يأتي بركعة كاملة يجهر فيها بالقراءة ـ إن كانت الصلاة مما يجهر فيها بالقراءة ، أو يخافت فيها إن كانت مما يخافت فيها ، ذكره المنصور بالله عليه‌السلام تخريجا على مذهب من يقول بوجوب ذلك. واجتهد أيها المسترشد أن لا تخلّ بشيء من التشديد في سورة الفاتحة ، وأن لا تدع شيئا من آي الفاتحة.

وبيان ذلك : إنّ بسم الله الرّحمن الرّحيم آية من الفاتحة عندنا ، وهي الآية السابعة ، روينا ذلك عن ابن عباس رحمه‌الله (٢). والجهر ببسم الله الرحمن

__________________

(١) في (ب) و (ج) : به.

(٢) ينظر أمالي أحمد بن عيسى ١ / ١١٤ ، وقد ذكر أنه إجماع أهل البيت (ع) ، وذكر روايات كثيرة حول ذلك. والكشاف ١ / ١. والأحكام ١ / ١٠٥. وتفسير الرازي مج ١ ج ١ ص ٢٠٢. وروى في ص ٢٠٤ : أن معاوية قدم المدينة فصلى بالناس صلاة يجهر فيها فقرأ أم الكتاب ، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم حين استفتحت القرآن؟ فأعاد معاوية الصلاة ، وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وقال : وهذا الخبر يدل على إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنها من القرآن ، ومن الفاتحة وعلى الأولى الجهر بقراءتها. وروى في ١ / ٢١٢ عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وكان يقول : من ترك قراءتها فقد نقص ، وقال الشيخ أبو حامد الأسفرايني : روي عن أنس في هذا الباب ست روايات [أي في بسم الله الرحمن الرحيم]. أما الحنيفة فقد رووا عنه ثلاث روايات : أحدها قوله : صليت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، وثانيتها : أنهم ما كانوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم ، وثالثها : قوله : لم أسمع أحد منهم قال : بسم الله الرحمن الرحيم ؛ فهذه الروايات الثلاث تقوي قول الحنفية ، وثلاث أخر تناقض قولهم ؛ أحدها : ما ذكرنا أن أنسا روى أن معاوية لما ترك بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والأنصار ، وهذا يدل على أن الجهر بهذه الكلمات كالأمر المتواتر فيما بينهم. ثانيتها : روى أبو قلابة عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وثالثتها : أنه سئل عن الجهر ببسم الله

٥٤٤

الرحيم واجب في مواضع الجهر ، والمخافتة بها واجبة في موضع المخافتة. والتشديد في الفاتحة في أربعة عشر موضعا ؛ فلا تخلّ بواحدة منها ، وافرق بين الضاد والظاء فيما تتلوه من كتاب الله تعالى ، فإن المغضوب والضالين ، بالضاد ، فإن قرأتهما أو أحدهما بالظاء بطلت صلاتك ، وكذلك في سائر آي القرآن ، إن قرأت ما هو بالظاء بالضاد ، أو قرأت (١) ما هو بالضاد بالظاء بطلت صلاتك ، إلا في لفظة واحدة في كتاب الله تعالى وهي قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (٢) [التكوير : ٢٤] فإنه يجوز قراءتها بالضاد والظاء جميعا.

__________________

الرحمن الرحيم والإسرار به ، فقال : لا أدري هذه المسألة ؛ فثبت أن الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخطب والاضطراب ، فبقيت متعارضة فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل. وأيضا ففيها تهمة أخرى وهي : أن عليا عليه‌السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعيا في إبطال آثار علي عليه‌السلام ؛ فلعل أنسا خاف منهم ، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه. ونحن وإن شككنا في شيء فإننا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس وابن المغفل وبين قول علي بن أبي طالب الذي بقي عليه طول عمره ، فإن الأخذ بقول علي أولى ، فهذا جواب قاطع في هذه المسألة .. إلى آخر كلامه. ينظر تفسير الرازي ١ / ٢١١. ومن أراد المزيد في ذلك فليرجع إلى المصابيح للشرفي ١ / ١٤٦. وتفسير الرازي فقد أوسعا في ذلك.

(١) في بقية النسخ : قريت.

(٢) لأنك إذا قرأت بالظاء فهي على قراءة ابن كثير وأبي عمر والكسائي. وإن قرأت بالضاد فهي على قراءة غيرهم. قال الزمخشري في كشافه ٤ / ٧١٣ (بِضَنِينٍ) : بمتهم من الظنة وهي التهمة ، وقرئ بضنين من الضن وهو البخل أي : لا يبخل بالوحي فيزوي بعضه غير مبلغه ؛ أو يسأل تعليمه فلا يعلمه وهو في مصحف عبد الله بن مسعود بالظاء وفي مصحف أبيّ بالضاد ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بهما ، وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ، ومعرفة مخرجيهما ممّا لا بد منه للقارئ ؛ فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين ، وإن فرقوا ففرقا غير صواب وبينهما بون بعيد ، فإن مخرج الضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره. وهي أحد الحروف الشجرية أخت الجيم والشين. وأما الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا ، وهي من الحروف المذلقة أخت الذال والثاء.

٥٤٥

وإن كنت أيها المسترشد أمّيّا لا تحسن القراءة وجب عليك تعلّم الفاتحة وثلاث آيات. فإن أتى عليك آخر الوقت ولم تحفظ هذا القدر فإنك تقف في إحدى الركعات قائما ساكتا (١) ، مقدار ما يمكنك أن تقرأ فيه ثلاث آيات لو كنت ممن يعرف القراءة.

فصل : في الركوع

ثم لا تصل القراءة بتكبيرة الركوع (٢) ، إن كنت ممن يقرأ ؛ بل افصل بينهما بمقدار النّفس ، فإن ذلك من الهيئات ، ثم كبر للركوع فابتدأ بالتكبيرة قائما وطوّلها حتى تتمّها راكعا ؛ لأن تشغل بالذكر جميع الركن ؛ فإن ذلك هيئة حسنة ، ومن الهيئات في الركوع أن تضع راحتيك على ركبتيك ، وأن تمد ظهرك وعنقك ورأسك مستويا (٣) كالصّفحة ، وأن تجافي مرفقيك عن جنبيك ، فالركوع في نفسه واجب ، والطمأنينة فيه واجبة ، ثم قل : سبحان الله العظيم وبحمده ثلاث مرات ، وإن زدت إلى خمس فلا بأس ، ذكره الهادي إلى الحق عليه‌السلام في المنتخب [ص ٤٠]. والخمس في النوافل أفضل ، وهذا كله سنة ، أعني التسبيح وعدده. عند القاسم والهادي (ع). قال زيد بن علي (ع) : إن شئت قلت ذلك سبعا أو تسعا أو ثلاثا (٤) ، ذكره عنه في الوافي [ص ١٦] ، وروى محمد بن القاسم عن أبيه القاسم (ع) في كتاب الفرائض والسنن : أنّ من أكثر في التسبيح فله إكثاره ، ومن أقلّ أجزأه إقلاله.

__________________

(١) في (ب) و (ج) : ساكنا.

(٢) في (ب) : ثم لا يصل القراءة بالركوع.

(٣) في (ب) : متساويا.

(٤) المجموع ص ١٠٦ قال : إن شئت قلت ذلك تسعا ، وإن شئت خمسا ، وإن شئت ثلاثا.

٥٤٦

فصل : في القيام من الركوع

ثمّ ارفع رأسك من الركوع ، وقل : سمع الله لمن حمده ، إن كنت إماما أو منفردا ، وإن كنت مؤتما قلت : ربّنا لك الحمد ، مجيبا للإمام في قوله سمع الله لمن حمده ، وهذا اللفظ سنة ، وفعله بعد قول الإمام هيئة. ومن الهيئات أيضا أن تبتدئ بذلك وأنت راكع ، وتتمّها وأنت قائم لتكون قد شغلت جميع الرّكن بالذّكر ، ثم تبتدئ بالتكبير للسجود وأنت قائم وتتمّه وأنت ساجد ؛ لتكون قد شغلت جميع الرّكن بالذّكر. فالتكبير سنة وما عداه ، من الهيئات.

فصل : في السّجود

فإذا سجدت فلا تبرك كما يبرك البعير ، بل ضع يديك قبل ركبتيك على الأرض ، واسجد بباطن كفّيك دون ظاهرهما وحروفهما ، كذلك كان يسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قال : «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، ثم ضع ركبتيك ، ثم جبهتك وأنفك ، وخوّ في سجودك ، ومدّ ظهرك وسوّ آرابك ، وضع يديك حذا خدّيك ، وبالقرب من أذنيك ، وانصب قدميك ، ثم ليكن سجودك على أطراف أصابعهما ، ولا تسجد بظاهرهما ولا بحروفهما ؛ فإن ذلك يفسد صلاتك ، وفرّج إبطيك ، وأبن عضديك ومرفقيك عن جنبيك ، واطمئن ساجدا ، ولا تنقر نقر الديك ، واضرب ببصرك إلى أنفك ، وسبّح ثلاثا ، وإن شئت خمسا ، فقد ذكره في المنتخب [ص ٤٠] ، فقل : سبحان الله الأعلى وبحمده.

وذكر الهادي عليه‌السلام في المنتخب [ص ٤٠] : أن وضع الأنف في السجود ليس بفرض. فالسّجود واجب والطّمأنينة فيه واجبة ، والسّجود على أطراف الرّجلين (١) وعلى الجبهة وباطن الكفين واجب.

__________________

(١) في (ب) : أصابع الرجلين.

٥٤٧

وظاهر كلام القاسم عليه‌السلام (١) أنه لا يجب كشف الجبهة والكفين في حال السجود ، وذلك لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، ولا أكفّ ثوبا ، ولا شعرا» (٢). وإن سجد المصلي بظاهر كفيه أو بحروفهما لم يجزه ، وكذلك في القدمين. والتسبيح سنّة ، وما عدا ذلك من الهيئات (٣).

فصل : في القعود بين السجدتين

فإذا فرغت من التسبيح فارفع رأسك ، وأنت تقول : الله أكبر ، تبتدي بها ساجدا وتتمّها قاعدا ؛ لأن تشغل جميع الرّكن بالذّكر ، واجلس على رجلك اليسرى بعد وضع ظاهر قدمها على الأرض ، وانصب رجلك اليمنى على أطراف الأصابع بحيث تكون الأرض مماسة لباطن الأصابع (٤) اليمنى. هذا كلّه واجب مع الطمأنينة في القعود ، على ظاهر فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وذكر الشيخ علي خليل (٥) رحمه‌الله أنّ ذلك هيئة غير واجب على مذهب الهادي والمؤيد بالله (ع) إلا التكبير فهو سنة ، وتطويله هيئة. ومن الهيئة أيضا في القعود أن تضع يديك على فخذيك ، وأصابعهما على أسافل الفخذين مما يلي الركبتين وأن تبسطهما وتفرّقهما ، وأن تضرب ببصرك في قعودك إلى حجرك

__________________

(١) في (ب) بعد القاسم بزيادة : والهادي ، بخط جديد.

(٢) التجريد ١ / ١٥٨ ، ١٥٩.

(٣) ينظر في شرح التجريد ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩. وكأن كلام الأمير مأخوذ منه.

(٤) في (ب) : أصابع.

(٥) هو علي بن محمد الخليلي الزيدي ، الجيلي ، من أتباع المؤيد بالله في أوائل المائة الخامسة ، وهو يروي كتب الزيدية وشيعتهم بالسند المعروف عن القاضي يوسف الجيلي. له المجموع المسمى بمجموع علي خليل ، والجمع بين الإفادة والإفادات. ينظر لوامع الأنوار ١ / ٢٩٦. وتراجم الرجال ص ١٥.

٥٤٨

فصل : في السجدة الثانية

ثم ابتدئ بالتكبيرة قاعدا ، ثم أتمها ساجدا وافعل في سجودك الثاني ، وفي سائر السجدات المستقبلة مثلما فعلت في سجودك الأول ، فالحكم في الجميع واحد ، فإذا فرغت من ذلك كبّرت للقيام وطوّلت التكبيرة لتتمّها وأنت قائم ، وإذا انتصبت فانتصب على يديك في موضعهما الذي هما فيه ولا تسحبهما ، فإن سحبتهما أو رفعت إحداهما قبل الأخرى أو رفعت كلاهما خالفت في الهيئة ، فإنّ جميع ذلك هيئة ، إلا التكبير فهو سنّة ، ثم افعل في الركعة الثانية كما فعلت في الركعة الأولى. فإن كنت في صلاة الفجر قنّت بعد رفعك رأسك (١) من الركوع في الركعة الثانية ، وبعد قولك : سمع الله لمن حمده. ولا تقنت إلّا بشيء من آيات القرآن التي فيها الدعاء (٢).

[التشهد الأوسط]

فإذا جلست بعد السجدة الثانية من الركعة الثانية ، قلت : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنى كلّها لله. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله (٣). وإن شئت قلت : التحيات (٤) والصلوات والطيبات ، أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله (٥). فإن كنت في صلاة الفجر أتممت التّشهّد وسلّمت.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) : رفع رأسك.

(٢) عملا بالأحوط فانظر استدلال الهادي للقنوت بالقرآن في الأحكام ١ / ١٠٨.

(٣) الأحكام ١ / ١٠٢. والمجموع ص ١٠٨. والتحرير ١ / ٨٧. ورأب الصدع ١ / ٢٦٧.

(٤) في (ب) : التحيات لله. وهو الأظهر.

(٥) التجريد ١ / ١٦١.

٥٤٩

وسنذكره بلفظه فيما بعد إن شاء الله تعالى : وكذلك إن كنت في صلاة الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة (١) وأنت قاصر أتممت وسلّمت ، وإن كنت في صلاة الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة وأنت غير قاصر بل متمّ ، وكذلك إن كنت في صلاة المغرب قمت عند بلوغك هذا الحدّ من التشهد. وهذا التشهد سنّة ، وكذلك القعود فيه غير واجب بل سنّة.

[القيام إلى الركعة الثالثة]

فإذا انتهضت للقيام ابتدأت بالتكبيرة وأنت قاعد وطوّلتها حتى تنتصب قائما وأتممت التكبيرة وأنت قائم كما تقدم ، فهو من الهيئات ، ثم قلت : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر. تقول ذلك ثلاث مرات.

قد رواه في كتاب الفرائض والسنن محمد بن القاسم بن إبراهيم (ع) قال : وهو قول كثير من علماء آل محمد. وتخافت في جميع التسبيح في الصلاة وفي جميع التوجه ، وفي التشهد الأول ، والتشهد الآخر (٢) ، فإن ذلك من السنة. وإن قرأت الفاتحة وحدها في الركعتين الآخرتين من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة أو الثالثة من المغرب (٣) أجزأك إلا أن التسبيح أفضل عند القاسم والهادي (ع) وأسباطهما السادة ، ورووه جميعا عن أمير المؤمنين علي (ع) (٤).

وذكر محمد بن القاسم (ع) في كتاب الفرائض والسنن ما لفظه : قال أبي

__________________

(١) في (ب) ، (ج) : والعصر والعشاء.

(٢) في (ب) : الأخير.

(٣) في (ب) كلها بغير أو. بل بالواو.

(٤) الأحكام ١ / ٩٤. والمجموع ص ١٠٤. والتجريد ١ / ١٦٠. والتحرير ١ / ٨٧. والمنتخب ص ٤٥.

٥٥٠

رحمه‌الله : فمن أكثر من التسبيح فله إكثاره ، ومن أقل أجزأه إقلاله ، قال : وكان يسبّح كثيرا ، ويقول : التسبيح أيضا حسن جميل ، وليس لقائل أن يقول (١) : الفاتحة في هذا الموضع أولى ؛ لأن كلام الله أفضل من كلام غيره ؛ لأنا نقول : لا شكّ أنّ كلامه (٢) تعالى أفضل الكلام ، إلا أنه ينبغي اتباع السنة (٣).

ولا خلاف أنه لو قرأ في الركوع والسجود الفاتحة بدلا من التسبيح ، لكان مخالفا مبتدعا ، ولا خلاف أن التسبيح فيهما أفضل من قراءة القرآن فيهما مع كون ذلك من كلام الله تعالى ، فكذلك في التسبيح في الركعتين الأخيرتين ؛ لأن ذلك مأخوذ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال الإمام الناصر للحق أحمد بن الهادي (ع) : والذي صحّ لنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يسبّح في الركعتين الأخيرتين بما ذكرناه ، وفي الثالثة من المغرب ، ولأنّ المصلي متى سبّح في هذا الموضع كان قد جمع في صلاته بين قراءة القرآن والتسبيح ، الذي فيه من الفضائل ما لا يحصى. والتسبيح غير واجب في شيء من الصلوات الخمس عند أئمتنا (ع) ، وهو قول جميعهم ، إلا ما ذكره المتوكل على الله عليه‌السلام (٤) ، فإنه ذكر وجوبه. واحتج على ذلك بأنّ الله تعالى أمر بالتسبيح في كتابه نحو قوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [النصر : ٣] ، وقوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] ، ونحو ذلك.

وظاهر الأمر يقتضي الوجوب ، ولا خلاف أنه لا يجب في غير الصلاة ، فلم

__________________

(١) في (ب) : لقائل يقول إنّ الفاتحة.

(٢) في (ب) : كلام الله.

(٣) قد يقال : والقنوت بغير القرآن من السّنّة ، ولا سيما ما صح منها عند أهل البيت (ع)

(٤) الإمام أحمد بن سليمان عليهما‌السلام.

٥٥١

يبق إلا أن يجب في الصلاة. ويمكن أن يقال بأن إجماع متقدمي أهل البيت (ع) يخصّ عمومات الكتاب ، فيكون ذلك رافعا حكم الوجوب. وتفعل في القيام والسجود والركوع والقيام بعد الركوع والانحطاط من القيام والقعود بين السجدتين. وفي التشهد الأخير مثل ما ذكرناه أوّلا

[التّشهّد الأخير]

فإذا جلست بعد آخر سجدة من صلاتك جلست كما تجلس بين السجدتين في الهيئة ، وقلت ما قلت أولا في التشهد الأوسط ، ثم قلت : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما صلّيت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

وفي الوافي [ص ١٩] : إن ترك التّشهّد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لم يجزه. وروى ابن مرداس عن القاسم عليه‌السلام : أن التشهد لازم لا يحلّ تركه.

[وجوب الصلاة على النبي في الصلاة]

والذي يدلّ على وجوب الصلاة على النبي في الصلاة : قول الله سبحانه : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦] ، فأمر بالصلاة عليه ، والأمر يقتضي الوجوب ، ولا خلاف في أنّ الصلاة عليه لا تجب في غير الصلاة ، فلم يبق إلا أن تجب في الصلاة ، وإلا أدى إلى سقوط فائدة الخطاب ، وذلك لا يجوز ؛ لأنه كلام حكيم لا يعرى عن الفائدة ، فثبت وجوب الصلاة عليه في الصلاة.

[وجوب الصلاة على آله معه في الصلاة]

والذي يدلّ على وجوب الصلاة على آله معه في الصلاة. قوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، ولكن صلّوا عليّ وعلى آلي معي ؛ فإن الله لا يقبل

٥٥٢

الصلاة عليّ إلا مع آلي» (١). ولما روي عن ابن مسعود ، قال : قلت يا رسول الله! كيف الصلاة عليك في الصلاة؟ فقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، إلى قوله (٢) : وبارك على محمد وعلى آل محمد» (٣). والاستدلال به من وجهين : أحدهما : أنّه بيّن أن الصلاة على آله من جملة الصلاة عليه ، والصلاة عليه واجبة فكذلك الصلاة على آله. والوجه الثاني : أنه أمر بالصلاة عليه وعلى آله ، والأمر يقتضي الوجوب.

[وجوب التسليم بالألف واللام وكيفيته والنية فيه والتشديد عليها]

فإذا فرغت أيها المسترشد من ذلك سلّمت عن يمينك ، فقلت : السّلام عليكم ورحمة الله ، ثم كذلك تقول عن يسارك ، وتقصد بالسّلام الحافظين ـ إن كنت منفردا ، وإن كنت في جماعة قصدت به الحفظة ومن معك من المسلمين المؤمنين. هذا كله واجب عندنا. وذكر السيد أبو طالب وجوب التسليم بالألف واللام ، وأنه إذا سلّم بغير ألف ولام بطلت صلاته. وذكر المنصور بالله عليه‌السلام أن الجهر بالتّسليم واجب على الإمام ؛ لأنّ السّلام على الملائكة وعلى المؤمنين لا يتم إلا بإسماعهم. والجهر به سنة على المنفرد وكذلك المؤتم.

واعلم أيها المسترشد أن من الهيئات في التسليم أن تنحرف عند التّسليم

__________________

(١) الشافي ٤ / ٩١ ، والدار قطني ١ / ٣٥٥ ، بلفظ : من صلّى صلاة لم يصل فيها عليّ ولا على أهل بيتي لم تقبل منه. وفيه أيضا ١ / ٣٥٦ : عن أبي مسعود الأنصاري لو صليت صلاة لا أصلي فيها على آل محمد ، ما رأيت أن صلاتي تتم.

(٢) في (ب) بحذف إلى قوله.

(٣) أخرجه البخاري ٣ / ١٢٣٣ رقم ٣١٩٠ عن كعب بن عجزة. و ٤ / ١٨٠٢ رقم ٤٥١٩ عنه أيضا. وبرقم ٤٥٢٠ عن أبي سعيد الخدري ، وأيضا برقم ٥٩٩٦ ، ٥٩٩٧ عنهما. وأحمد بن حنبل ٨ / ٣١٧ رقم ٢٢٤١٥ عن أبي مسعود الأنصاري ، وغيرهم كثير. ونكتفي بذلك.

٥٥٣

على اليمين حتى يكون خدّك الأيسر مستقبلا للقبلة ، وعند التسليم على اليسار بحيث يكون خدّك الأيمن مستقبلا للقبلة ، فإن نسيت نيّة السّلام على الملكين حال التسليم فعليك إعادة الصلاة في الوقت ، ولا إعادة عليك بعده ، قد ذكر ذلك أبو طالب رحمه‌الله.

وقد روى أبو مضر عن القاضي يوسف أنه قال : كان السيد أبو طالب يقول بوجوب نيّة السّلام على الملكين ثم رجع إلى أنها لا تجب. وروي عن الشيخ علي خليل أنه قال : من ترك نيّة التّسليم على الملكين لم تفسد صلاته ، فعليك بالمحافظة على نيّة السّلام على الملكين لتخرج من موضع الخلاف بين أهل المذهب. ويصلّي المريض على قدر ما يمكنه : إن أمكنه قائما فقائما وإن لم يمكنه صلّى جالسا ويجعل جلوسه في موضع القيام في صلاته تربّعا ، ويفعل في سائرها كما كان يفعل من التورّك وغيره ، وإن لم يقدر على الركوع والسّجود أومأ لهما إيماء ، يكون إيماؤه لسجوده أخفض من إيمائه لركوعه ، ولا يقرّب وجهه من شيء يسجد عليه ولا يقرب إليه شيئا ، من وسادة أو حجر أو غيرهما ، إنما عليه أن يسجد إن أطاق ، أو الإيماء (١) إن لم يطق. ويصلّي الأخرس راكعا وساجدا ويجزيه ما في قلبه. ذكره زيد بن علي ، قال : والأمي يسبح الله ويذكره.

قيل للسيد أبي طالب : إن كان الأخرس يحسن القراءة قبل حصول هذه الآفة هل يلزمه التفكر في القرآن ، وإمرار الفاتحة وسورة أخرى على قلبه أو لا؟ فقال : يحتمل أن يلزمه ذلك. ويكون هو المراد بقوله عليه‌السلام ويجزيه ما في قلبه ، ويحتمل أن يقال : إنه (٢) لا يلزمه. وقيل له : هل ما ذكره زيد بن علي في الأمي

__________________

(١) في (ب) : والإيماء.

(٢) في (ب) : إن هذا.

٥٥٤

على الوجوب أو لا؟ فقال : الظاهر أنه على الوجوب. وإذا عجز المريض عن الإيماء للركوع والسجود برأسه سقط عنه وجوب الصلاة ، قد ذكره أبو العباس والسيد أبو طالب وحصّلاه من مذهب القاسم ويحيى (ع). والمومي والقاعد يصلّيان في آخر الوقت ، ويفسق المريض إذا ترك الصلاة وهو يقدر عليها بالإيماء والطهارة ولا خلاف فيه.

فصل :

وقد أوصيتك في استحضار قلبك واستعمال فكرك في الصلاة ، وفي التفهم لمعانيها وحقائق ألفاظها ، فعليك بذلك في كل صلاة تصليها ، فإنا روينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له منها سدسها ولا عشرها ، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها. فإن وقعت معك الخواطر في صلاتك وأتيت بما ذكرناه من فروضها أسقطت عنك الفرض ولم يلزمك القضاء ، وقلّ لذلك ثوابك ؛ لأنه إذا استولى عليك فيها الوسواس قلّ انتفاعك بها إلا سقوط الفرض ، وفقد لزوم القضاء فاعرف ذلك راشدا.

فصل : في صلاة المرأة

قال القاسم عليه‌السلام : والمرأة في هذا كلّه كالرجل ، غير أنها تضمّم بين فخذيها ، وإذا ركعت انتصبت قليلا ولا تنكّب انكبابا شديدا ، ولا تتفجج إذا سجدت ولا تجافى (١) وتلصق بالأرض ما أمكنها ، ولا ترفع عجيزتها من الأرض. ولم يذكر القاسم والهادي (ع) أنها تتورّك تورّكا مخالفا لتورّك الرّجل ، فظاهر قولهما أنهما على سواء. وقال المنصور بالله عليه‌السلام : والمرأة تعزل قدميها إلى الجانب الأيمن ، وتنعطف من غير أن تقلّ عجيزتها ، وتسجد عند ركبتيها.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) : تتجافا.

٥٥٥

وذراعاها (١) حيال فخذيها ، مبسوطتان على الأرض ، وعضداها يلصقان بإبطيها ، قال وإن خالفت في شيء من ذلك لم تفسد صلاتها. وذكر بعض أسباط الهادي عليه‌السلام (٢) : أن المرأة تقول في توجّهها حنيفة مسلمة ، ولم أظفر بذلك لغيره من آبائه (ع). وظاهر قولهم أنها تقول : حنيفا مسلما وهو أولى ؛ لأن يكون لفظها مطابقا للفظ القرآن.

فصل :

وإذا قد فرغنا من الكلام في كيفية الصلاة فقد بينا لك أيها المسترشد ما هو منها فرض واجب ، وما هو سنة ماضية ، وما هو هيئة حسنة ، فكأنها اشتملت على ثلاثة أمور : فرض واجب ، وسنّة ماضية ، وهيئة حسنة ، فاعرف كل شيء منها في موضعه فإن في ذكر ذلك وتمييز بعضه من بعض فائدة عظمى.

وغرضنا إسناد ذلك ، أن السهو اذا اعتراك في صلاتك : فإن كان في زيادة زدتها فيها فعليك سجود السهو بعد التسليم ، ولا نقص في صلاتك ، وإن كان في نقصان نقّصته من صلاتك : فإن نقّصت من مفروض الصلاة وذكرت قبل التسليم ، أعدته على الصّحّة والثّبات ، ووجب عليك سجود السهو بعد التسليم ، وإن ذكرت بعد التسليم بطلت صلاتك ، ولزمتك الإعادة للصلاة كلّها ، وإن نقّصت من مسنون الصلاة وجب عليك سجود السهو بعد التسليم وصحت صلاتك وأجزت ، وإن نقصت من الهيئات فلا نقص عليك في صلاتك فتجبره بالسهو ، فلا يجب عليك سجود السهو لأجل ذلك ، وذكر الشيخ علي خليل ما معناه : إن المصلي إن ترك نفس الفعل المسنون كالجلسة الأولى ، وكوضع اليدين على الأرض في السجود ، ـ إذا

__________________

(١) في (ب) : ذراعيها. والأصوب بالألف ؛ لأنه مبتدأ.

(٢) هو محمد بن المحسن أخو الإمام الداعي يحيى بن المحسن.

٥٥٦

قلنا : إن ذلك ليس بواجب فإنه يستدعي سجود السّهو بالإجماع ، وإن كان المتروك صفة الفعل وهيئته وحليته كالقعود على الفخذ اليسرى في التشهد وافتراش القدم اليسرى ونصب اليمنى ووضع اليدين على الركبتين في الركوع ، والابتداء بوضع اليدين عند الإهواء للسجود وما أشبه ذلك ، ـ لم يدخل في ذلك سجود السهو. قال ذكره المؤيد بالله قدس الله روحه في الإفادة.

قال الشيخ علي خليل رحمه‌الله : وهو قول الهادي عليه‌السلام وذكر في عرض الاحتجاج : أنّ تغيير هيئة التشهد الأول والثاني لا يتعلّق به سجود السهو لأنه من الهيئات.

فصل : وسجدتا السهو واجبتان

وفروضهما : نيّة السجود للسهو الواقع في الصلاة ، وتكبير الإحرام لهما ، والسّجدتان في أنفسهما ، والقعود بينهما وبعد (١) الثانية ، والتسليمتان على اليمين واليسار كتسليم الصلاة.

والسّنّة فيهما تكبير النقل ، والتسبيح في السجود ، والتشهد بعد السجدة الأخيرة كما يفعل في التشهد الأخير في الصلاة من التشهد ، والصلاة على محمد وعلى آله كما تقدم ذكره.

وروى لي القاضي جلال الدّين محمد بن عبد الله بن معرّف أيده الله (٢) عن حي والدي وسيدي بدر الدين عماد الإسلام محمد بن أحمد رضى الله عنه : أن

__________________

(١) في (ب) ، (ج) : وبين.

(٢) هو من علماء الزيدية الأعلام ، عاصر الإمام أحمد بن الحسين (أبو طير) ، وامتد عمره إلى زمان الإمام الحسن بن بدر الدين وبايعه في سنة ٦٥٦ ، أخذ عليه المؤلف ، ويعد من المذاكرين ، وقبره بالقرب من الفندق من محافظة صعدة. وله البيان المشهور ببيان ابن معرّف ، ومذاكرة التحرير ، والمنهاج المنير في فوائد التحرير. ينظر طبقات الزيدية ٢ / ١١٤ ، ولوامع الأنوار ٢ / ٥٤. وتراجم الرجال ص ٣٦. والحبشي ص ١٧٩.

٥٥٧

المصلي إن رفع يديه في حال سجوده بعد وضعه لهما على الأرض بطلت صلاته ، قال : فإن سحبهما في حال السجود فإنه يقرب بطلان صلاته ، ورواه عن القاضي شمس الدين رضي الله عنه.

فصل :

فإن كنت أيها المسترشد مسافرا وذلك بأن تنوي سفر بريد ، والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل ثلاثة آلاف ذراع ، بالذراع الهاشمي ، وأحسب أنه المعبّر عنه في زماننا هذا بذراع الحديد (١) ـ فإذا نويت سفر هذا القدر ، وخرجت من ميل بلدك ـ وجب عليك القصر في الصلاة الرباعية ، فتصليها (٢) ركعتين تخفيفا من الله تعالى على عباده. وسواء كان السفر في طاعة الله أو معصية له تعالى ، وسواء كان السفر في برّ أو بحر ، وسواء كان في خوف أو أمن. كذلك قصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر بريد ، وهو آمن غير خائف ، وقصر في خروجه من مكة إلى عرفات وهو بريد. وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«صلّوا كما رأيتموني أصلي» (٣) ، فأمر بذلك ، والأمر يقتضي الوجوب. وإن كنت في سفر ؛ فالجمع رخصة للمسافر بين الصلاتين ، ويجوز لك أن تجمع بينهما في أول وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين.

وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجمع بينهما في السفر إذا كان نازلا في أول الوقت ، وإذا كان سائرا جمع بينهما في آخر الوقت. ولا يجوز الجمع بين الصلاتين في سفر المعصية ؛ لأن الجمع رخصة بالإجماع فيما أعلمه ، وهذه الرخصة مأخوذة من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعلوم أنه لم يكن سفره في معصية ،

__________________

(١) الظاهر أنه ٢١ كيلو بمقياس اليوم.

(٢) في (ب) : فتصليهما.

(٣) البخاري ١ / ٢٢٦ رقم ٦٠٥. والبيهقي في سننه ٢ / ٣٣٥. والدار قطني ١ / ٢٧٣.

٥٥٨

والإجماع قد خصّ الجمع فلا يقاس عليه القصر ؛ لأنه لا دلالة على أن القصر رخصة.

فصل : في طرف من الكلام في إمامة الصلاة

اعلم أيها المسترشد أيدك الله أنه لا يصح إمامة الكافر ، ولا إمامة الفاسق لمؤمن ولا لفاسق ، ولا إمامة الصبي والمجنون ، ولا إمامة اللاحن ، ولا إمامة ناقص الطهارة أو الصلاة بكاملها ، ولا إمامة الأمّي للقارئ ، ولا إمامة المرأة للرجال ، ولا إمامة الرجل لنساء لا رجل معهن ، ويجوز أن تؤمّ المرأة النساء إذا كانت بالغة عاقلة مؤمنة كاملة الطهارة والصلاة. والذي تجوز إمامته على الإطلاق : هو الحرّ الذكر البالغ العاقل المؤمن الذي هو كامل الطهارة والصلاة بشرطين : أحدهما : أن لا يصلي بنساء لا رجل معهن ، فإن صلّى بهن ونوى أن يؤمّهنّ ونوين الإتمام به بطلت صلاته وصلاتهن. والثاني : أن لا يختلف فرض المؤتم وفرض الإمام ، فإن اختلفا لم تصح صلاة المؤتم.

وأولى الناس بالتقديم العلماء العاملون ؛ وأولاهم الأفقه لمساس الحاجة إلى الفقه في الصلاة إذا كان الأفقه صحيح الاعتقاد وكان ظاهره السّتر ، فإن استووا في جميع ما تقدم فالأقرأ ، فإن استووا فأكبرهم سنّا. والأب أولى بالتقدم من الابن إذا استويا في جميع ما تقدم. فإن تقدم الابن برضاه جاز. والحر أولى بالتقدم من العبد. والشّريف أولى بالتّقدّم متى كان جامعا لهذه الخصال ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عترته : «قدّموهم ولا تقدّموهم» ، وهذا أمر ، والأمر يقتضي الوجوب. قال المنصور بالله عليه‌السلام : وتصح إمامة من لا يرى بوجوب المضمضة والاستنشاق ، أو لا يستنجي من خروج الريح أو النوم ـ بمن يوجب ذلك ، وإن علم بذلك المأموم ، ولا نص للقاسم ولا للهادي إلى الحق (ع) في ذلك فيما

٥٥٩

أعلم وفوق كل ذي علم عليم ، إلّا أن هذا القول قويّ من جهة النّظر لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ مجتهد مصيب». فإذا كان مصيبا فالمقتدي به مصيب ؛ ولأنه متى دخل معه في الصلاة كان دخوله فيها مؤتما به كالحكم عليه بالمتابعة ؛ فإن في الحديث : «لا تختلفوا على إمامكم فيخالف الله بين أفئدتكم ، أو قال بين قلوبكم» وهذا نهي يقتضي الحظر ؛ لاقتران الوعيد به ، فدل على وجوب المتابعة على المأموم ، فالظاهر صحة الصلاة (١).

وصفة صلاة الجماعة ظاهرة فلا نحتاج فيها إلى بيان ، إلا في وجه واحد وهو أن عندنا أن المأمومين لا يتقدمون على إمامهم بل يتقدم عليهم.

والاعتبار بذلك التقدّم بالأقدام ، فإن تقدّم بقدميه على أقدامهم وتقدّموا برءوسهم على رأسه صحت صلاتهم ، وكذلك إن استوى قدما المؤتم وقدما الإمام صحت الصلاة. ويجب أن يصلي المؤتمون خلفه ، فإن صلوا أمام إمامهم بطلت صلاتهم سواء كانوا متوجهين بوجوههم إليه أو لا (٢). وأما اللاحق فإذا لحق الإمام وقد فاته بعض الرّكعات جعل ما لحقه فيها أوّل صلاته ويصلّي معه باقي صلاته يقوم بقيامه ويقعد بقعوده ، وإذا سمع الإمام يقرأ قدر الواجب من القراءة في الصلاة المجهور بالقراءة فيها أجزأه ذلك عن فرضه.

وإن لم يسمع القدر الواجب من القراءة وجب عليه أن يقرأ ، فإن لم يمكنه

__________________

(١) قال صاحب الأزهار : إذا اختلف الإمام والمأموم في المذهب فالإمام حاكم ، وهو كلام يشهد بسماحة أئمة المذهب الزيدي شرفه الله.

(٢) أقول : إن صلاة المسلمين دائرة في الحرم المكي متقدمين على الإمام صحيحة إن شاء الله ، ولو بحكم الضرورة ؛ لأن الحجاج أصبحوا بالملايين ولا تسعهم جهة واحدة ، والله أرحم وأكرم من أن يرد عباده خائبين ، ولكن الأولى من باب التحري أن يقف الملتزم باجتهاد المذهب وراء الإمام ، والله أعلم.

٥٦٠