ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين

ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

المؤلف:

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين


المحقق: د. المرتضى بن زيد المحطوري الحسني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

[موقفه يوم حنين]

ثم وقوفه عليه‌السلام يوم حنين في وسط الكفار يحمي ويحمل عليهم ويقاتل أربعة وعشرين ألفا إلى أن أنزل الملائكة مددا وهزم القوم. وهو الذي أقسم الله تعالى بدابّته في قوله : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (١) [العاديات : ١]. رواه الزجاج في معانيه فإنه روي أن ذلك أنزل في علي عليه‌السلام حين صبّح بني زهرة ، إلى غير ذلك من مقاماته المشهورة المحمودة ، كليلة الهرير فإنه كبّر فيها ستمائة تكبيرة وأسقط بكل تكبيرة عدوا من أعداء الله (٢) ، فهذا هو سيف الله الذي لا يخطي.

كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «يا عليّ أنت فارس العرب وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين ، وأنت أخي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة من بعدي ، وأنت سيف الله الذي لا يخطئ وأنت رفيقي في الجنة».

وروى الشيخ أبو القاسم البستي رحمه‌الله ما هو ظاهر ، وهو نداء جبريل في يوم (٣) أحد من السماء : لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار. وذكر أنّ الخبر بذلك متواتر. وما ذكره أبو القاسم البستي رحمه‌الله فهو خبر صحيح ، وقد نظمه فيما ذكر حسان بن ثابت فقال في بعض أشعاره :

ولقد سمعت مناديا من فوقنا

نادى فأسمع كلّ أهل المحفل

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى

في النّاس طرّا كلّهم إلا علي

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٤٢٢.

(٢) أنظر وقعة صفين للمنقري ص ٤٧٩ قال : قتل ٥٠٠ قتيلا. والمسعودي في المروج ٢ / ٣٨٩ وذكر أنه قتل ٥٢٣ رجلا في تلك الليلة.

(٣) في (ب) : يوم أحد بدون في.

٤٠١

وروى الناصر للحق عليه‌السلام أنّ أبا أيوب رحمه‌الله بعد قتال أهل البصرة دخل عليه جماعة من الصحابة ، فيهم عمار بن ياسر رحمه‌الله ، فقال أبو أيوب : لا ترونا أنّا سفكنا الدماء واستحللنا الأموال ـ يعني المأخوذة من البغاة ـ بغير أمر أمرنا به ؛ فنحن إذن لا على شيء ، ولكنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا بقتال ثلاثة : النّاكثين والقاسطين والمارقين ؛ فأما الناكثون فقد كفاناهم الله ؛ طلحة والزبير وأشياعهما. وأما القاسطون فقد أوجهنا إليهم إن شاء الله : معاوية وأهل الشام ؛ وأما المارقون فو الله ما رأيتهم بعد ، ولكنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدثنا أنّ قوما يخرجون بطرقات أرض يقال لها : النهروان ، فقلت : يا رسول الله أمرتنا أن نقاتل هؤلاء مع من؟ قال : مع علي بن أبي طالب ، فسرنا هذا المسير بأمر الله وأمر رسوله (١). وروينا عن الحاكم رحمه‌الله ما رفعه بإسناده إلى سعيد بن جبير رحمه‌الله أنه قال : كان مع علي عليه‌السلام يوم صفين ثمانمائة من الأنصار وتسعمائة ممن بايع تحت الشجرة. وروينا عن الحاكم رحمه‌الله ما رفعه بإسناده إلى الحكم بن عتيبة (٢) أنه قال : شهد مع علي عليه‌السلام يوم صفين ثمانون بدريّا ، وكان معه سيد التابعين أويس القرني (٣). وروى أن عسكر علي عليه‌السلام في صفين كانوا تسعين ألفا ، وكان عسكر معاوية مائة وعشرين ألفا.

__________________

(١) أخرج الحاكم في المستدرك ٣ / ١٤٠ عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات ، قال أبو أيوب : قلت : مع من يا رسول الله نقاتل هؤلاء؟ قال : مع علي بن أبي طالب.

(٢) هو عالم أهل الكوفة ، ولد نحو سنة ٤٦ ه‍. ومات سنة ١٥. سير النبلاء ٥ / ٢٠٨.

(٣) ابن الأثير ٣ / ١٦٥. وسير أعلام النبلاء ٤ / ٣٢ ذكر أنه قتل مع علي في صفين.

٤٠٢

وروينا عن المنصور بالله عليه‌السلام بطريق روايتنا لكتابه الشافي أنّ جملة القتلى في صفين سبعون ألفا من أصحاب علي عليه‌السلام خمسة وعشرون ألفا ، ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا ، وأن جملة القتلى في حرب الجمل ثلاثون ألفا. وما رويناه عن المنصور بالله مذكور في الجزء الرابع من كتاب الشافي ص ٢٩. وعليّ عليه‌السلام لم يكن على ظهره جوشن حديد فسئل عن ذلك فقال : إنّما يحتاج إليه من يهرب من عدوه ليحفظ ظهره وأنا لا أهرب. وقيل له : لم لا تقاتل على الفرس؟ فقال : إنّ الفرس يحتاج إليه من يهرب من العدو أو يهرب العدو منه فيلحقه ، وأنا لا أهرب ولا أترك العدو يهرب. وقيل : قال في حرب البغاة : إني لا أفرّ ولا أكرّ على من يفرّ ؛ فالبغل والفرس سواء ؛ فثبت بما ذكرناه أن عليا عليه‌السلام هو سيف الله الذي لا يخطي. فأما خالد بن الوليد فقد عمل في بني جذيمة ما لم يرض به الله (١) ولا رسوله ؛ فإنه بعث داعيا ولم يبعث مقاتلا ؛ فلما وطئ بني جذيمة أخذوا السلاح ليحاربوه ، فقال : دعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا فلما وضعوا السلاح أمر بهم فأوثقوا كتافا (٢) ثم ضرب أعناقهم إلا من أراد تركه ، وسبى ذراريهم ؛ فلما بلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع يديه إلى السماء بعد أن قام مستقبل القبلة ثم قال : «اللهمّ إني أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد» (٣) ، ثم بعث عليّا عليه‌السلام بمال فوداهم حتى إنه ليدي ميلغة الكلب. وفضل معه مال ، قيل : خمسمائة. وقيل : أكثر. فقال : هذا لكم فيما

__________________

(١) في (ب) : يرض الله.

(٢) في (ب) : فأوثقوا أكتافا.

(٣) الطبري ج ٣ ص ٦٥ ، البخاري ج ٤ ص ١٥٧٧ رقم ٤٠٨٤ ، النسائي ج ٨ ص ٢٣٧.

٤٠٣

لا يعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تعلمون». وروي أنه قال : هذا لكم بروعات (١) النساء والصبيان ؛ فأحلّوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وروى الإمام الناصر الحسن بن علي الأطروش عليه‌السلام أن خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وجعل رأسه أثفية القدر ، وبنى بامرأته من ليلته ، ولم يستبرها حتى أنكر ذلك عمر بن الخطاب. وروى الطبري في تأريخه (٢) : أن خالدا قتل مالك بن نويرة وأصحابه وهم مسلمون وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وأن أبا قتادة الحارث بن ربعي الانصاري كان يحدّث أن خالدا لما غشيهم تحت الليل أخذوا السلاح ، وكان أبو قتادة مع خالد في تلك السرية قال : فقلنا : إنا المسلمون ، فقالوا (٣) : ونحن مسلمون ، قلنا : فما بال السلاح؟ قالوا : فما بال السلاح معكم؟ قلنا : فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ، فوضعوها وصلّينا وصلّوا ثم قدّم خالد مالك بن نويرة فضرب عنقه وأعناق أصحابه ، فانكسر (٤) أبو قتادة وفارق خالدا ، وعاهد الله أن لا يشهد مع خالد حربا بعدها ، وأنكر عمر بن الخطاب أشدّ الإنكار ، وتكلم عند أبي بكر ، وقال : عدو الله عدى على مسلم فقتله ، ثم نزل (٥) على امرأته. وأقبل خالد حتى دخل المسجد معمّما (٦) بالعمامة قد غرز

__________________

(١) في (ب) : تروعات ، وفي الأصل بغير نقط ، وأثبتنا ما في (ج) لظهوره. والمعنى : بترويع.

(٢) ج ٣ ص ٢٨٠.

(٣) في (ب) : قالوا.

(٤) في (ب) : فأنكر.

(٥) في (ج) : نزى. وهو الأظهر.

(٦) في (ب) : متعمم.

٤٠٤

فيها أسهما ، فقام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ، ثم قال : قتلت امرأ مسلما ، ثم نزوت على امرأته؟ : والله لأرجمنك بأحجارك ؛ فلم يكلّمه خالد ، ودخل إلى أبي بكر فاعتذر إليه فقبل عذره ، فخرج خالد ـ وعمر جالس في المسجد ، فقال : هلم إليّ يا ابن أم شملة ، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عن خالد ، فقام عمر فدخل بيته. وقال لأبي بكر : إن في سيف خالد رهقا ، فقال (١) أبو بكر : لم أكن لأشيم (٢) سيفا سلّه الله على الكافرين. وقدم متمم بن نويرة أخو مالك ينشد أبا بكر دم مالك ، ويطلب إليه في سبيهم. فقال عمر : إنّ في سيف خالد رهقا ؛ فإن يكن هذا حقا حقّ عليه أن يقيده. وأكثر عليه في ذلك ، ولم يكن أبو بكر يقيد من عمّاله ، ولم يقبل من عمر. وودى مالكا. وأمر بردّ سبيهم. وهذا كله في تأريخ الطبري ، وهو ممن يرى تفضيل الشّيخين ويقدمهما (٣) ؛ فيجب القضاء بأن خالدا ليس بسيف الله ؛ لأنه يخطي ، وإنما سيف الله أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنه كان (٤) لا يخطئ ولا يفعل إلا ما أمر به رسول الله عن جبريل عن الله. وبذلك يثبت (٥) الكلام في المطلب الثالث. وبثبوته يثبت الكلام في إمامة علي عليه‌السلام وهي المسألة الأولى من مسائل الإمامة.

__________________

(١) في (ب) : قال.

(٢) شام السيف : أدخله الغمد.

(٣) في (ب) وتقديمها.

(٤) في (ب) : بحذف كان.

(٥) في (ب) : ثبت.

٤٠٥

وأما المسألة الثانية :

وهي في إمامة الحسن والحسين (ع)

فالكلام فيها يقع في ثلاثة فصول : أحدها في الدلالة على إمامتهما. والثاني ـ في ذكر طرف يسير من فضائلهما. والثالث في الإشارة إلى طرف يسير من مثالب معاوية وولده يزيد ؛ ليتضح بذلك أيها المسترشد ـ الحقّ من الباطل ، والناقص من الكامل.

أما الفصل الاول :

وهو في إمامة الحسن والحسين (ع) فالذي يدل على ثبوتها الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب : فقول الله سبحانه في إبراهيم عليه‌السلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤].

ولا خلاف بين علماء الاسلام في إجابة دعوة إبراهيم عليه‌السلام ، وأنّ قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) استثناء أخرج به الظالمين بعد إجابة الدعوة عن استحقاق الإمامة. وإذا ثبت ذلك فقد جعل الله الإمامة فيمن لم ينتظم (١) في سلك الظالمين من ولد إبراهيم عليه‌السلام (٢) ، ولم تقع العصمة فيمن علمنا من ولد إبراهيم عليه‌السلام إلا في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) ، فثبت بذلك إمامتهما على القطع ، ويدل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ إِنْ

__________________

(١) في (ب) : ينضم.

(٢) في هذه الآية لا يستقيم الكلام إلا كذا ؛ فإن الأنبياء من ولد إبراهيم عليهم‌السلام معصومون قطعا ، أولهم إسماعيل وإسحاق ويعقوب. تمت من الوالد مجد الدين.

٤٠٦

مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) ... الآية [الحج : ٤١].

وهما بلا إشكال بهذه الصفة ، بخلاف معاوية وولده يزيد ؛ فإنهما لم يكونا بهذه الصفة ، فوجب كون الحسن والحسين (ع) إمامين ، ولزم القضاء بكونهما أولى بالامامة وأجدر بفضيلة الزعامة.

ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الآية [الطور : ٢١] ، وهما سلام الله عليهما ممن آمن أهلهما واتّبعاهم بإيمان ، وقفياهم بإحسان فلحقا بهم ، وقد استحق أبواهما محمد وعلي (ع) الإمامة ، وقد شرك الحسن والحسين (ع) في شروط استحقاق أبويهما (ع) الإمامة فوجب أن يلحقا بهما في استحقاقها والقيام بها.

وأما السنة : فقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وأبو هما خير منهما» (١) ، ولا شبهة في كون هذا الخبر مما تلقته الأمة بالقبول ، وبلغ حد التواتر (٢) ؛ فصح الاحتجاج به ، وهو نص صريح في إمامتهما ، وإشارة قوية إلى إمامة أبيهما أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ إذ لا يكون أحد من الرعية خيرا من الإمام بالإجماع ؛ فإذن لا يكون خيرا من الإمام إلّا إمام.

__________________

(١) حديث متلقى بالقبول عند آل محمد عليهم‌السلام وقد أجمعوا على صحته كما ذكره في لوامع الأنوار ٣ / ٣٧. ومجموع رسائل الإمام الهادي ١٩٥ ، وأخرجه المؤلف في شفاء الأوام ٣ / ٤٩٧ ، والإمام عبد الله بن حمزة في الشافي ٣ / ١٥١ ، ٤ / ٧٩. والطبرسي في مجمع البيان ٢ / ٣١١. وعلل الشرائع للصدوق ١ / ٢٤٨ وساق سنده إلى الحسن بن علي (ع).

(٢) لعله يريد بالتواتر : اشتهاره على ألسنة أهل البيت عليهم‌السلام حتى لا يحتاج إلى نظر فيمن رواه. والله أعلم.

٤٠٧

وأما الإجماع : فلا خلاف بين المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم من المؤمنين في كونهما إمامين ، ولم يخالف في ذلك إلا جماعة الحشوية ، وهي فرقة خارجة من الإسلام ، فلا يعتدّ بخلافهم (١).

وبعد فإن أهل البيت (ع) أجمعوا على ثبوت إمامتهما ، وإجماعهم حجة كما تقدم بيانه. وبعد فإن كل واحد منهما قام ودعا إلى الإمامة مع تكامل شروط الإمامة فيه ، وبايعه (٢) أهل الحل والعقد. وكل من كانت هذه حاله فهو إمام. وبعد فإنه لا خلاف في كونهما أفضل الأمة في وقتهما وفي وقت قيامهما وطلبهما الإمامة ، وهذا إجماع معلوم على فضلهما ، وأنهما أفضل الأمة عند طلبهما للإمامة ؛ والأفضل هو الأولى والأحق بالإمامة بإجماع الصحابة (رض) على ما فصّلنا ذلك في غير هذا الموضع ؛ فثبت بذلك إمامتهما ، وثبت بذلك (٣) الفصل الاول.

وأما الفصل الثاني : وهو في ذكر طرف يسير من فضائلهما.

فمن ذلك اختصاصهما بأبوة الرسول ، وولادة البتول : أما اختصاصهما بأبوة الرسول فيدل عليه الكتاب والسنة والإجماع :

أما الكتاب : فقول الله سبحانه في آية المباهلة : (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) [آل عمران : ٦١] ، فأجمعت الأمة على أنّ من دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عليّا وفاطمة والحسن والحسين (ع) ، فكانت الأبناء الحسن

__________________

(١) يحمل الحكم بالخروج من الإسلام على من تعمّد رد قطعي أجمعت عليه الأمة.

(٢) في (ب) و (ج) : وتابعه.

(٣) بذلك محذوفة في «ب».

٤٠٨

والحسين (ع) ، وكانت النساء فاطمة (ع) دون زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت الأنفس (١) محمدا وعليا (ع) وهذا أمر معلوم (٢).

ويدل على كونهما من ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول الله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٦] ؛ فجعل عيسى من ذرية نوح ، وإنما هو ابن ابنته ؛ وهذا أمر معلوم ، فيجب في أولاد فاطمة أن يكونوا من ذريته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) وليس المراد بقوله : (وَأَنْفُسَنا) نفس محمد ؛ لأن الإنسان لا يدعو نفسه بل المراد به غيره وأجمعوا على أن ذلك الغير كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد. والمراد أنّ هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه وترك العمل بهذا العموم في حق النبوة.

(٢) أنظر الدر المنثور للسيوطي ٢ / ٦٨. والكشاف ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، وتيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير ١ / ٢٧٩ ، ومجمع البيان ٢ / ٣١٠. وأسباب النزول للواحدي ٥٨ ، ٥٩. وأحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢٧٤ ، وتفسير القرطبي ٤ / ٦٧. وتفسير الطبري مج ٣ ج ٣ ص ٤٠٩ ـ ٤١٠. وقال الفخر الرازي في تفسيره مج ٤ ج ٨ ص ٩٠ : هذه الآية دالة على أن الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا ابني رسول الله ، وعد أن يدعو أبناءه ؛ فدعا الحسن والحسين ، فوجب أن يكونا ابنيه. ومما يؤكد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ ...) إلى قوله : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) ومعلوم أن عيسى عليه‌السلام إنما انتسب إلى إبراهيم عليه‌السلام بالأم لا بالأب ، فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابنا. والله أعلم.

٤٠٩

وأما السنة : فقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما» (١). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين ابناي» (٢). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبي من صلبه ، وإنّ الله جعل ذرّيّتي في صلب علي بن أبي طالب» (٣).

وهذا يوجب أن يكون جميع ولد علي عليه‌السلام ذرية لرسول الله ، إلا أنّ من عدا أولاد فاطمة (ع) مخصوصون بالإجماع ؛ فإنه لا خلاف في أنّ من عدا أولاد فاطمة (ع) ليسوا من ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ أولاد أنثى ، أبوهم عصبتهم إلا أولاد فاطمة فأنا أبوهم وعصبتهم» (٤). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلا ابني فاطمة فأنا وليّهم وعصبتهم» (٥). وروينا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رأى الحسن والحسين يمشيان وقد تهلّل لهما التفت إلى أصحابه وقال : «أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض» (٦).

وأما الاجماع : فلا خلاف في أن الصحابة (رض) كانوا يقولون للحسن والحسين : هما ابنا رسول الله ويعلنون بذلك في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته ، وهذا أمر معلوم لمن عرف أخبارهم واقتص آثارهم. وأما اختصاصهما بولادة البتول فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم فهو معلوم ضرورة.

__________________

(١) درر الأحاديث النبوية ص ٥٢ ، والطبراني في الكبير ج ٣ ص ٤٤ رقم ٢٦٣١ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٣.

(٢) المرشد بالله في أماليه ١ / ١٥٢. وكنز العمال بلفظ : ابناي هذان الحسن والحسين» ج ١٢ ص ١١٢.

(٣) الطبراني في الكبير ٣ / ٤٤ رقم ٢٦٣٠.

(٤) الخطيب في تاريخه ١١ / ٢٨٥.

(٥) الطبراني في الكبير ٣ / ٤٤ برقم ٢٦٣٢. والحاكم في مستدركه ٣ / ١٦٤. واللفظ له.

(٦) تنبيه الغافلين ١٤٨.

٤١٠

ومن فضائلهما :

ما رويناه عن ابن مسعود رحمه‌الله أنه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا منعهما أشار إليهم : دعوهما ؛ فلما انصرف من صلاته وضعهما في حجره وقال : «من أحبّني فليحبّ هذين» (١). فقال في ذلك المنصور بالله عليه‌السلام :

ألم يكن والدي هبلت إذا

صلّى لديه امتطى على صلبه

ثم يشير اتركوه لا تركت

لك الرزايا مالا لمنتهبه (٢)

ومن جملة (٣) ذلك حمله لهما يوم الحديقة يوم فقدتهما أمّهما فاطمة الزهراء وبكت فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا بنية لا تبكي فإنّ لهما ربا هو أحفظ لهما (٤) ، وأرأف بهما منّي ومنك». ثم نزل عليه جبريل عليه‌السلام فأخبره بهما وسرّي عنه وهو يضحك حتى بدت نواجذه (٥) وقال : «هذا حبيبي جبريل

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الكبير ٣ / ٤٧ رقم ٢٦٤٤. والبيهقي في السنن ٢ / ٢٦٣. وابن خزيمة في صحيحة ٢ / ٤٨ رقم ٨٨٧. والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٧٩ ، وقال : رجال ثقات. والبزار ٢ / ٣٣٩ رقم ١٩٧٨. والطبراني في الأوسط ٥ / ١٠٢ رقم ٤٨٩٥ عن أبي هريرة : «من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

(٢) ديوانه ص ٢٠٢ ، الشافي ٣ / ٧٥. ويليهما :

أنا ابن من إذا أصابه غضب

يغضب ربّ السماء من غضبه

خليفة الله من بريّته

وهو شريك النبي في نسبه

دون بني هاشم ودون ذوي القر

بى إليه من عبد مطّلبه

والإمام عبد الله بن حمزة أشعر الأئمة بلا نزاع وسنحقق ديوانه إن شاء الله.

(٣) في (ب) : بحذف جملة.

(٤) في (ب) : بهما.

(٥) النواجذ : الأنياب

٤١١

يخبرني عن الله أنّ ابنيّ : الحسن والحسين في حظيرة لبني النجار ، وقد وكّل الله بهما ملكا من الملائكة جعل أحد جناحيه تحتهما وأظلّهما بالآخر» ، ثم قال لأصحابه : «قوموا ننظر إليهما على هذه الصفة» ؛ فأتاهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخلها فوجدهما نائمين والملك موكل بهما ، فانكبّ عليهما يقبّلهما وبكى فرحا ممّا رآهما عليه ، ثم أيقظهما فحمل الحسن على عاتقه الايمن والحسين على عاتقه الأيسر ؛ فلما خرج من الحظيرة اعترضه أبو بكر ؛ فقال يا رسول الله : أعطني أحد الغلامين أحمله عنك فقال : «يا أبا بكر نعم الحامل والمحمول ، وأبو هما خير منهما». فاعترضه عمر بمثل قول أبي بكر فأجابه بمثل جوابه ، وقال : «والله لأشرّفنّهما كما شرّفهما الله». والقصة طويلة والغرض الاختصار.

وفي بعض الأخبار «فنعم المطية مطيتهما ، ونعم الراكبان هما ، وأبو هما خير منهما» (١) ، فقال : في ذلك السيد الحميري من قصيدة له في أهل البيت (ع) :

أتى حسنا والحسين الرسو

ل وقد برزا ضحوة يلعبان

فضمّهما وتفدّاهما

وكانا لديه بذاك المكان

ومرّا وتحتهما منكبا

ه فنعم المطية والرّاكبان

ومن فضائلهما : ما رويناه من كتاب المصابيح ، وهو أنّ جبريل عليه‌السلام كان يأتي منزل فاطمة الزهراء صلوات الله عليها فإذا ارتفع ضرب بجناحه فتنافرت (٢) زغب (٣) ريشه فكانت فاطمة (ع) تأخذه فتجمعه وتعجنه بعرق

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الكبير ٣ / ٦٥ رقم ٢٦٧٧. وفي ذخائر العقبى ص ١٣٠. ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٢.

(٢) في (ب) : فتناثر.

(٣) الزغب : الشعيرات الصّفر على رأس الفرخ. المصباح ص ٢٧٢.

٤١٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتفوح (١) منه رائحة المسك. ومن غير هذه الطريق فتجعله تمائم للحسن والحسين (ع) تعلّقه عليهما (٢). وقد ذكر أيضا في المصابيح إلى غير ذلك من فضائلهما ؛ فإنها أكثر من أن نأتي على جميعها. وليس غرضنا إلا الإشارة فقط ؛ إذ فضلهما مما لا يحتاج فيه إلى شرح وبرهان لكونه في ظهوره كالمشاهدة بالعيان ، وبذلك ثبت الفصل الثاني وهو : في ذكر طرف يسير من فضائلهما.

وأما الفصل الثالث :

وهو في ذكر طرف يسير من مثالب معاوية بن أبي سفيان

وولده يزيد بن معاوية [....] ففي ذلك مطلبان :

أحدهما : في ذكر معاوية ، والثاني : في ذكر يزيد :

أما المطلب الاول :

وهو في ذكر معاوية وأبيه صخر وولده يزيد الجبار العنيد

أما أبوه صخر فهو قائد الأحزاب ، ومخالف حكم الكتاب ، الذي ركب بعيرا أحمر يوم الأحزاب ، ومعاوية يسوق به ، وعتبة بن صخر أخو معاوية يقود به ، فلعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجمل والقائد والراكب والسائق (٣). ولعن رسول الله

__________________

(١) في (ب) : فيفوح.

(٢) الطبري في ذخائره ص ١٣٤. والشافي ٤ / ١١٥. ولم يذكر أن فاطمة كانت تعجنه بعرق رسول الله.

(٣) الطبراني ٣ / ٧٢ برقم ٢٦٩٨. مجمع الزوائد للهيثمي ١ / ١١٣ ، وذكر بعده : فقال عمار يوم صفين : والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما رأوا عليه أعوانا أظهروه ٧ / ٢٤٧. وشرح نهج البلاغة ٢ / ٤٦١ في مناشدة الحسن ومعاوية وعمر.

٤١٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا سفيان ، وهو صخر في سبعة مواطن : لعنه يوم لقيه خارجا من مكة مهاجرا إلى المدينة وأبو سفيان واصل من الشام فوقع فيه وسبّه وكذّبه وأوعده وهمّ أن يبطش به فصدّه الله عنه. ولعنه يوم أحد حين قال أبو سفيان : أعل هبل ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الله أعلى وأجلّ» ، فقال أبو سفيان : لنا العزّى ولا عزّى لكم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الله مولانا ولا مولى لكم ، ولعنة الله وملائكته ورسله عليكم. ولعنه يوم بدر. ولعنه يوم الأحزاب. ولعنه يوم حملوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة وهم اثنا عشر رجلا : سبعة من بني أمية وأبو سفيان منهم (١). ولعنه يوم همّ أبو سفيان أن يسلم فنهاه معاوية عن الإسلام (٢) وكتب إليه شعرا يقول فيه :

يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا

بعد الّذين ببدر أصبحوا مزقا

جدي (٣) وخالي (٤) وعمّ الأم (٥) يا لهم

قوما وحنظلة المهدي لنا الأرقا (٦)

__________________

(١) في (ب) ، (ج) : فيهم.

(٢) ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ٤٦١ ، عن الحسن ولم يذكر السابعة أنه يوم همّ أن يسلم وربما السابعة أنه يوم الجمل في يوم المناشدة. والأميني في الغدير ذكر ما يؤكد ذلك ١٠ / ٨١.

(٣) جده أبو أمه هند : عتبة بن ربيعة الذي قتله عبيدة بن الحارث عبد المطلب رضي الله عنه.

(٤) خاله أخو أمه : الوليد بن عتبة ، قتله الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وفي الأصل : وعمي ، والأصح : وخالي.

(٥) عم أمه هو : شيبة بن ربيعة قتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.

(٦) في شرح النهج الأبيات كلها مع اختلاف في البيتين التاليين :

جدي وخالي وعم الأم ثالثهم

وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

حاد ابن حرب عن العزى لنا فرقا

٤١٤

فالموت أهون من قول السّفاه لقد

خلّى ابن حرب لنا العزّى لنا فرقا

فإن أتيت أبينا ما تريد فلا (١)

نثني عن اللات والعزى لنا عنقا (٢)

ولعنه يوم الهدي معكوفا أن يبلغ محلّه فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يطف بالبيت ، ولم يقض نسكه (٣). وهو الذي نكث البيعة (٤). وهو الذي قال للعباس بن عبد المطلب بعد أن أسلم بزعمه : إنّ ابن أخيك أصبح في ملك عظيم ، فقال له العباس : إنه نبوّة ، فقال صخر : إنّ في نفسي منه شيئا ، وهذا يدل على نفاقه ، وهو الذي قال بعد ما كفّ بصره يوم بويع لعثمان : أرجو أن يعود ديننا كما عاد ملكنا (٥) ، يعني بدينهم عبادة الأصنام.

ثم معاوية أمه هند بنت عتبة آكلة أكباد الشهداء في يوم أحد فإن من قصتها أنها حرّضت على القتال ، وأنشدت الأشعار تحثّ بها الأبطال ، فقالت في بعض قولها :

__________________

(١) في الأصل و (ب) : ولا. والأصح ما ذكر ؛ لأن جواب الشرط مربوطا بالفاء.

(٢) أنظر شرح نهج البلاغة ٢ / ٤٦١. في حديث المناشدة.

(٣) ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ٤٦٢ ، وهي أحدى السبع. والأميني في الغدير ١٠ / ٨٢. هو يوم الحديبية.

(٤) ربما أراد بيعة الإسلام حيث أظهره وأبطن الكفر.

(٥) روى المقريزي في النزاع والتخاصم ص ٢٠ : دخل أبو سفيان على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال : قد صارت إليكم بعد تيم وعدي ؛ فأدرها كالكرة واجعل أوتادها لبني أمية ، فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار. وفي لفظ المسعودي ج ١ : يا بني عبد مناف ؛ تلقفوها تلقف الكرة ؛ فو الذي حلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة.

٤١٥

ويها بني عبد الدار

ويها حماة الأدبار (١)

ضربا بكل بتّار

وقالت (٢) وهي تضرب بالدف :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق (٣)

إن تقبلوا نعانق

ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

ثم مثّلت بالشهداء من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي والنسوة من قريش ، وكنّ يجدّ عن الآذان والأنف ، حتى اتّخذت هند من أذان الرجال وأنفهم خدما (٤) وقلائد ، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيّا ، عبد جبير بن مطعم ، وهو قاتل حمزة رحمه‌الله ـ وبقرت هند عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ، ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر

ولا أخي وعمّه وبكري

شفيت نفسي وقضيت نذري

شفيت وحشيّ غليل صدري

__________________

(١) في الأصل : الأذمار ، والمحفوظ والمشهور ما ذكر.

(٢) في (ب) : وقالت أيضا.

(٣) في (ب) زيادة بعده : والمسك في المفارق.

(٤) الخدمة ـ محركة : السير الغليظ المحكم مثل الحلقة تشد في رسغ البعير فيشد إليها سرائح نعلها. القاموس ص ١٤٢١. وفي بعض النسخ : خذما والخذم : القطع ، وخضمت الشيء قطعته. مقاييس اللغة ٢٩١.

٤١٦

فشكر وحشيّ عليّ عمري

حتّى ترمّ أعظمي في قبري (١)

وأما معاوية فلم يدخل في الاسلام إلا فرقا ، ولم يقم عليه إلّا نفاقا. ثم من جملة مثالبه منازعته الخلافة لعلي عليه‌السلام ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من نازع عليّا الخلافة فهو كافر» (٢) ، فكان ذلك معاوية. وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قاتل عليّا على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان» (٣) ، فكان ذلك معاوية. وروينا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاضربوا عنقه» (٤) ، رواه جماعة

__________________

(١) أنظر سيرة ابن هشام ٣ / ٧٦ ـ ١٠٦ ، وابن كثير في سيرته ٣ / ٣١ ـ ٧٤ ، والمغاري للواقدي ١ / ٢٢٥ وما بعدها إلى نهاية غزوة أحد. والسيرة الحلبية ٢ / ٢٢٥.

(٢) ابن المغازلي ص ٤٨ رقم ٦٨. إذا صح الحديث فيحمل على أنه كافر تأويل ؛ أو كافر نعمة ، ويتوجه الحديث لمن حمل السيف في نزاعه مع علي فهو هالك قطعا سواء سمي فاسقا أو كافرا ؛ لأن حكم علي حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عدا النبوة. كما وردت بذلك النصوص القاطعة.

(٣) أخرجه المتقي في كنز العمال ١ / ٢٠٩ رقم ١٠٤٦ ، وعزاه إلى الديلمي.

(٤) تأريخ بغداد بلفظ : فاقتلوه ١٢ / ١٨١ عن الحسن. والذهبي في ميزانه وصححه ٢ / ١٢٩ ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٥ / ١١٠ ، ٧ / ٣٢٤ ، والطبري في تاريخه ، والبلاذري في أنساب الأشراف بإسنادين صحيحين ، وابن عدي في الكامل ج ٥ ص ٩٨ ، ١٠٣ بسندين في ترجمة عمر بن عبيد عن الحسن ، وعن أبي سعيد ٦ / ٤٢٢ ، وعنه أيضا بلفظ : فارجموه ٥ / ٢٠٠. وأيضا عنه : «إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه» ، وأيضا عن ابن مسعود ٢ / ١٤٦ ، ٢٠٩ ، وعن أبي سعيد أيضا ٥ / ١٠١ ، ٣١٤. وقد استوفى الأميني في الغدير [١٠ / ١٤٣] ما قيل حول إسناده فليراجع. ويقوي هذا الحديث ما روى : إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الأخر منهما ؛ فهذا الحديث كالصريح في قتل معاوية. وحديث : «من قاتل عليّا على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان». والذهبي في تاريخ الإسلام عهد معاوية ص ٣١٢. ومحمد بن سليمان الكوفي ٢ / ٣١٨.

٤١٧

منهم أبو سعيد الخدري وجابر وحذيفة وابن مسعود في آخرين. قال الحسن بن أبي الحسن البصري : فلم يفعلوا فأذلّهم الله (١). وروينا عن محمود بن لبيد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إنّ هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ سيريد الأمر بعدي فمن أدركه منكم وهو يريده فليبقر (٢) بطنه» (٣). وروينا عن عبد الله بن عمرو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يطلع عليكم رجل من أهل النار» (٤) ، فاطّلع معاوية. وروينا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «يموت معاوية على غير ملتي» (٥) ، فأخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يموت على غير ملته. وخبره صدق لا كذب فيه. وسئل الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه‌الله : معاوية أفصح أم الحسن بن عليّ؟ فقال : معاوية حمار نهّاق (٦). وروينا أن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) قال لمعاوية في جملة كلام زرى عليه فيه أفعاله ، وذكر مثالبه ثم قال : ومنها أنّ عمر بن الخطاب ولّاك الشام فخنته ، وولّاك عثمان بن عفان فتربصت به ، وقاتلت عليّا على أمر كان

__________________

(١) الخطيب في تاريخه ١٢ / ١٨١.

(٢) بقره كمنعه : شقّه ووسّعه ، القاموس ٤٥٠.

(٣) الإمام عبد الله بن حمزة في الشافي ٤ / ٤١.

(٤) ينظر المناقب للكوفي ٢ / ٣١٣ في هامش الأصل : ليت هذا الحديث كفّ من عرام عبد الله بن عمرو وأبيه ؛ فإن أصحاب معاوية كلهم لم يقاتل الواحد منهم إلا بسيف واحد ، وقاتل عبد الله بسيفين في صفين.

(٥) أخرجه محمد بن سليمان الكوفي في مناقبه ١ / ٣١١ ، وفي هامشه : أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف بسندين في ترجمة معاوية.

(٦) الشافي ١ / ١٦٠ بلفظ : يا أبا سعيد! أمعاوية كان أحلم أم الحسن ، فقال : وهل كان معاوية إلا حمارا نهاقا ، وأيضا برواية أخرى ١ / ١٦٥ ، أنه لما سئل عنه فقال : هل كان إلا حمارا نهاق وكيف يكون حليما من نازع الأمر أهله وطلب ما ليس له وسب خير خلق الله ، وحارب عترة رسول الله.

٤١٨

أولى به منك عند الله ، فلما بلغ الكتاب أجله صار إلى خير منقلب ، وصرت إلى شر مثوى ، وقد خفّفت عنك من عيوبك (١) ، فأقره معاوية ولم يكذبه وهو في معرض المجادلة.

وكان معاوية كافرا في الباطن مظهرا للإسلام ، فكان من جملة المنافقين ، ثم كان يعمل الأصنام ويأمر بها على وجه التجارة تباع له في بلد الكفار.

ثم لمّا مات الحسن بن علي عليه‌السلام استلحق زياد ابن أبيه ـ هذه تسميته عندهم ـ وقد أجمعت الأمة على صحة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ؛ فاستلحق زيادا وادعى أنه أخوه بالعهر ، وصحّح نسبه بذلك فكان ردا لما علم من دين النبي ضرورة ، والرادّ لما هذه حاله كافر بالإجماع بين المسلمين المتمسكين بشريعة الإسلام ، وكفر (٢) ظاهرا وأظهر ما كان يبطنه من الكفر وقد قال الشاعر في استلحاقه زيادا :

ألا أبلغ (٣) معاوية بن حرب

مغلغلة من الرّجل اليماني

أتغضب أن يقال : أبوك عفّ

وترضى أن يقال : أبوك زان!

فأقسم إنّ إلّك (٤) من زياد

كإلّ الفيل من ولد الأتان (٥)

__________________

(١) معناه : أنه لم يذكر كل عيوبه.

(٢) في (ب) : فكفر.

(٣) في (ب) : بلّغ.

(٤) الإلّ : القرابة.

(٥) هو ليزيد بن مفرغ الحميري. ينظر الشافي ١ / ١٦١. والطبري ٥ / ٣١٨. والأغاني ١٨ / ٤٣٦.

٤١٩

وروي عن الحسن بن أبي الحسن البصري (١) أنه قال : أربع خصال في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة منهن كانت موبقة : خروجه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة ، وفيهم بقايا الصحابة. واستخلافه يزيد ، وهو سكّير خمّير ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير. وادّعاؤه زيادا وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٢). وقتله حجر بن عدي. فيا له من حجر وأصحاب حجر (٣).

__________________

(١) تابعي زاهد مفسر ومحدث ، توفي ١١٠ ه‍. ينظر المعارف ٤٤٠ ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٥٦٣.

(٢) رواه الإمام عبد الله بن حمزة في الشافي ١ / ١٦١ حيث قال : قد أجمعت الأمة على صحة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وعلمنا ضرورة أن معاوية استلحق زيادا ، وادعى أخوته بالقهر ، وصحح نسبه بذلك ؛ فكان ردّا لما علم من دين النبي ضرورة ، والرادّ لما علم من دين النبي ضرورة كافر بإجماع أهل العلم. وأخرج هذه الحديث أبو داود : [٢ / ٧٠٥ رقم ٢٢٧٣]. والنسائي : [٦ / ١٨٠ رقم ٣٤٨٢ ، ٣٤٨٣ ، ٣٤٨٤ ، ٣٤٨٥ ، ٣٤٨٦]. وابن ماجة : [١ / ٦٤٧ رقم ٢٠٠٦ ، ٢٠٠٧]. وأيضا البخاري : [٢ / ٧٧٣ رقم ٢١٠٥ ، ٢ / ٨٥٢ رقم ٢٢٨٩ ، ٣ / ١٠٠٨ رقم ٢٥٩٤. ٤ / ١٥٦٥ رقم ٤٠٥٢ ، ٦٣٦٨ ، ٦ / ٢٤٨٤ رقم ٦٣٨٤ ، ٦ / ٢٤٩٩ رقم ٦٤٣٢ ، ٦ / ٢٦٢٦ رقم ٦٧٦٠]. وأحمد بن حنبل [١ / ٢٢٣ رقم ٨٢٠. ج ٣ ص ٢٨ رقم ٧٢٦٦ ، وغيرها من الروايات. أما قصة الاستلحاق فهي مشهورة متواترة ، ينظر تأريخ الطبري ٥ / ٢١٤. وابن الأثير ٣ / ٢١٩ ـ ٢٢١. والذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٩٤ ـ ٤٩٥. وابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ١٠٢. والشافي ١ / ١٦١. والمسعودي في مروج الذهب ٣ / ٨. قال الإمام عبد الله بن حمزة في الشافي [٣ / ٣٨] : أما أنا وآباؤنا عليهم‌السلام لم نختلف في تكفير معاوية ؛ لخلافه لما علم من دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة من ادعائه زيادا وهذا لا يمكنه إنكاره ، وإنكار الخبر.

(٣) الطبري ٥ / ٢٧٩. وابن الأثير ٣ / ٢٤٢ بتفاوت يسير. وابن كثير في البداية والنهاية ١ / ١٣٩. والاصابة ١ / ٣١٣ رقم ١٦٢٩ ، وأسد الغابة ١ / ٦٩٨ رقم ١٠٩٣ ، والاستيعاب ١ / ٣٩٠.

٤٢٠