نهاية المرام في علم الكلام - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية المرام في علم الكلام - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: فاضل العرفان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-393-57
ISBN الدورة:
978-964-357-390-4

الصفحات: ٥٨١

فالأعراض المحتاجة إليه أولى بالإمكان ، فإذن العالم ممكن.

وأمّا الكبرى ، فلأنّ الممكن لا يترجح وجوده على عدمه [إ] لا (١) لمؤثر (٢) ، وذلك المؤثر يمتنع أن يكون موجبا ، لما تقدم أنّ كلّ عرض يصحّ ثبوته فانّه يصحّ ثبوته في آخر ، ونسبة الموجب المجرّد إلى كلّ الأجسام واحدة ، فلم يكن بأن يختص بعض الأجسام بقبول بعض الصفات منه أولى من الباقي ، فإمّا أن يجتمع كلّ الصفات المتضادة في كلّ واحد من الأجسام ، أو يخلو كلّ واحد منها عن كلّها ، وهو محال. فثبت أنّ المؤثر ليس بموجب فهو مختار ، وكلّ فعل لفاعل مختار فانّه محدث ، فالعالم محدث.

ولأنّ كلّ ممكن مفتقر إلى المؤثر بالضرورة ، وكلّ مفتقر إلى المؤثر محدث ، لأنّ افتقاره إليه يمتنع أن يكون حال بقائه لامتناع إيجاد الموجود ، فهو إمّا حال حدوثه أو حال قدمه ، وعلى كلّ تقدير يجب حدوثه.

فإن قيل : لا نسلّم أنّ العالم ممكن ، وجاز أن يكون وجوب الوجود وصفا سلبيا ، والأشياء (٣) الكثيرة يجوز أن تشرك في قيد سلبي ، فانّ كلّ ماهيتين بسيطتين اشركتا في سلب ما عداهما عنهما وهنا قد اشتركت الأشياء الكثيرة في قيد سلبي هو الوجوب وتختلف بتمام حقائقها ، فلا يلزم التركيب.

وإنّما قلنا : الوجوب سلبي ، لأنّه لو كان وجوديا لشارك باقي الموجودات في

__________________

(١) في النسخ : «لا» ، أصلحناها طبقا للمعنى.

(٢) راجع المطالب العالية ١ : ٧٤ (بيان انّ الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجح). وقال الطوسي : «هذا حكم أولى وإن كان قد يمكن للعقل أن يذهل عنه ويفزع إلى ضروب من البيان ، كما يفزع إلى التمثيل بكفّتي الميزان المتساويتين اللتين لا يمكن أن يترجح إحداهما على الأخرى من غير شيء ينضاف إليها». شرح الإشارات ٣ : ١٢١.

(٣) نهاية العقول : «فالأشياء».

١٠١

الوجود وخالفها في حقيقته التي هي الوجوب ، وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز ، فوجود وجوب الوجود مغاير لحقيقته ، فاقتضاء حقيقته لذلك الوجود إن كان ممكنا كان الوجوب ممكنا ، فيكون وجود واجب الوجود أولى بالإمكان ؛ لأنّه إنّما هو واجب بهذا الوجوب ، وهذا الوجوب يمكن زواله لأنّه ممكن ، وإذا أمكن زواله خرج الواجب عن كونه واجبا ، فيكون واجب الوجود ممكن الوجود ، هذا خلف. وإن كان واجبا كان للوجوب وجوب زائد ويتسلسل.

ولأنّه لو كان ثابتا فامّا أن يكون نفس الحقيقة ، وهو محال لإمكان حمله على الذات والمحمول مغاير لموضوعه. ولأنّ وجوب الواجب معلوم وحقيقته غير معلومة. ولأنّه وصف إضافي لا يعقل إلّا عند نسبة أمر إلى آخر ، والذات غير إضافية ، وإلّا لم تكن مستقلة بنفسها.

وبهذا يظهر أنّه ليس جزءا من الذات ، بل هو أظهر في الاستحالة ، لأنّ الإضافي متأخر عن الذات والذات متأخر عن جزئها ، فيدور. ولأنّ المتقوم بالإضافي لا يعقل أن يكون مستقلا ، فالذات لا يعقل كونها مستقلة ، هذا خلف. ولأنّ كلّ مركب ممكن.

وليس خارجا عن الذات ، وإلّا لكان صفة عارضة لها فاحتاج إليها ، فيكون ممكنا ، والممكن إنّما يجب تبعا لوجوب سببه ، فيلزم أن يكون الواجب ممكنا لذاته واجبا لوجوب معروضه فقبل كلّ وجوب وجوب آخر للذات وله إلى غير النهاية. ولأنّ الممتنع يصدق عليه أنّه واجب أن لا يوجد ، فالوجوب المحمول على اللاوجود لو كان ثبوتيا لكان المعدوم موصوفا بالوصف الوجودي ، وهو محال.

اعترض بأنّ قول الوجوب على وجوب العدم والوجود بالاشتراك اللفظي ، وهو خطأ ؛ لأنّ مفهومه واحد ولأنّ ذلك الوجوب الذي نضيفه إلى الوجود يمكننا

١٠٢

إضافته إلى العدم.

سلّمنا كون الوجوب ثبوتيا ، لكن نمنع اشتراكه ، فجاز أن يكون المفهوم من كون كلّ منهما (١) واجبا مغايرا للمفهوم من كون الآخر واجبا.

لا يقال : أدلّة اشتراك الوجود بعينها أدلّة اشتراك الوجوب.

لأنّا نقول : تلك الوجوه ضعيفة.

سلّمنا اشتراكها في الوجوب ، لكن نمنع كون الهوية ثبوتية (٢) فجاز أن تكون عدمية ، ومعناها أنّ كلّ واحد من الأشياء ليس هو الآخر ، لأنّها لو كانت وجودية لكانت شخصية كلّ شخص مساوية لشخصية الآخر في مطلق حقيقة الشخصية ، ولا بدّ لها من امتيازها عنها في كونها تلك الشخصية ، فانّ شخصية كلّ شخص مغايرة لشخصية الآخر فتكون للشخصية شخصية أخرى ، ويتسلسل.

ولأنّ تلك الشخصية لو كانت وجودية لكان انضمامها إلى الماهية في الوجود الخارجي بعد دخول الماهية في الوجود ، فلو توقف دخول الماهية في الوجود الخارجي على انضمام تلك الشخصية إليها دار.

ولأنّه لو كان التعين زائدا على الذات توقف اختصاص كلّ ذات به على تميزها عن سائر الذوات الموقوف على بعضها ، وهو دور.

ولكان الواحد مركبا من الذات والتعين ، وكل منهما من آخرين ـ هو وتعينه ـ وهلمّ جرّا ، فالواحد أعداد غير متناهية ، وهو محال ، إذ الواحد لا يكون عددا. وأيضا كلّ كثرة ففيها واحد لكن ذلك الواحد له تعين ، فليس الواحد

__________________

(١) نهاية العقول : «منها».

(٢) أنكر المتكلّمون ثبوتية التعيّن واحتجوا بأمور ، ذكرها المصنف هنا والرازي في المحصل وأشكل عليها الطوسي في نقد المحصل : ٢٣٢ (كلّ موجودين فلا بدّ وأن يتباينا بتعينهما). راجع أيضا شرح الإشارات ٣ : ٤٨.

١٠٣

واحدا.

ثمّ هذا التركب لازم في الواجب الواحد لوجوه :

الأوّل : كون الثلاثة فردا والأربعة زوجا واجب لذاته ، ولزم التركيب المذكور.

قيل : هذا التركيب إنّما لزم من تعدد الواجب لذاته وليس بجيد ، لأنّ اللوازم واجبة يمتنع انفكاكها لذاتها عن ملزوماتها في نفس الأمر وواجب الوجود لذاته واحد فيتشاركان في الوجوب الذاتي ، ويلزم التكثير ، بل الوجه أنّ وجوب فردية الثلاثة وزوجية الأربعة لذاتها ، وكيف لا وهي محتاجة إلى الموضوعات؟

الثاني : واجب الوجود لذاته يشارك الواجب لغيره في مسمّى الوجوب ، ويباينه بتعينه.

الثالث : أنّه يشارك سائر الموجودات في الوجود ويباينها في تعينها.

ثمّ المركّب قد يكون واجبا لوجوب جزئيه معا.

سلّمنا أنّ الهويّة ثبوتية ، لكن نمنع التكثير في ذات كلّ واحد من تلك الأشياء الواجبة.

قوله : «إنّها متشاركة في الوجوب وهو يدخل في الذات ، فتكون متشاركة في ذاتي ومتباينة بمقوماتها (١) التي هي ثبوتية ، والبديهة شاهدة بالتغاير بين ما به الاشتراك وما به الامتياز فتقع الكثرة في ذات كلّ منهما». (٢)

قلنا : إن اقتضى ذلك وقوع الكثرة في ذات كلّ واحد من تلك الأشياء اقتضى وقوع الكثرة في الواجب وإن فرض واحدا ؛ لاشتراك الوجود وامتياز

__________________

(١) نهاية العقول : «بهوياتها».

(٢) نهاية العقول : «منها».

١٠٤

الواجب عن الممكن في خصوصية ذاته على ما قدمناه ، فالتركيب لازم سواء فرض الواجب واحدا أو كثيرا.

سلمنا (١) ، فلم قلتم : إنّ الكثرة في ذات كلّ واحد من تلك الأشياء محال؟ وبين كلّ واحد من الجزءين ملازمة ، فلا يكون أحدهما تابعا كتلازم المضافين ، كالأبوة والبنوة ، ولا معية وإلّا لم يكذبا معا بالذات ، فلا تكون إضافات.

سلمنا التبعية ، فجاز أن يكون ما به الاشتراك تابعا لما به الامتياز.

وما ذكرتموه من امتناع كون الوجوب تابعا معارض بأمرين :

الأمر الأوّل : ما مرّ من كون الوجوب إضافيا ، والإضافة تابعة لغيرها.

الأمر الثاني : الوجوب بالذات يشارك الوجوب بالغير في أصل الوجوب لانقسامه إليهما ومورد التقسيم مشترك ، فذلك المشترك إن كان مستقلا والوجوب بالغير متقوم به والمتقوم بالمستقل بنفسه يجب أن يكون مستقلا بنفسه ، فالوجوب بالغير غني عن الغير فيكون الوجوب بالغير وجوبا بالذات ، هذا خلف ، وليس بجيد. وإن كان (٢) المشترك غير مستقل بنفسه والوجوب بالذات متقوم به والمتقوم بما لا يكون مستقلا لا يكون هو أيضا مستقلا بنفسه بطريق الأولى ، فالوجوب بالذات غير مستقل بنفسه ، بل يكون حكما تابعا لغيره.

سلّمنا أنّ الوجوب لا يكون تابعا للتعيّن ، فجاز أن يكون التعين تابعا له.

قوله : «يجب تحقّق ذلك التعيّن في كلّ موضع تحقّق فيه الوجوب ، لامتناع انفكاك المؤثر عن الأثر».

قلنا : قد سبق في الدليل الأوّل النقوض على هذه القاعدة.

__________________

(١) انّ ذلك يوجب وقوع الكثرة في ذات كلّ واحد من تلك الأشياء.

(٢) «كان» ساقطة في ق ، وهو خطأ.

١٠٥

وأمّا الوجه الثاني على إمكان العالم ، فلا نسلم أنّ وجود العالم زائد على ماهيته.

قوله : «نعقل الماهية ونشك في وجودها».

قلنا : ينتقض بما ذكرناه في زيادة الكائنية. وبأمرين آخرين :

النقض الأوّل : يمكننا أن نعقل ماهية الوجود مع الشكّ في حصوله في الأعيان ، فيكون للوجود وجود ويتسلسل.

لا يقال (١) : الشكّ في تحقّق الوجود في الأعيان بعد تصور ماهيته ليس شكا في ثبوت وجود آخر له ، بل في (٢) ثبوته للماهية وهو يقتضي المغايرة ، وهو المطلوب.

وأيضا الوجود وحده لا يعقل (٣) بالمعلومية ، بل لا بدّ وأن يتصور أوّلا ما يكون الوجود وجودا له ، فالوجود وحده لا يمكن الحكم عليه بالوجود واللاوجود ، بل المحكوم عليه بذلك الماهية.

لأنّا نقول : الأوّل : ضعيف ؛ لأنّ حصول الشيء للشيء إنّما يكون بعد حصوله في نفسه ، فالوجود ما لم (٤) يتحصل أوّلا لم يكن حاصلا لغيره ، وإذا كان كذلك ظهر الفرق بين حصول الوجود في نفسه وبين حصوله لغيره ، ونحن بعد تصوّر ماهية الوجود يمكننا الشكّ في حصوله في نفسه ، إذ لو كان نفس ماهية

__________________

(١) قال الرازي : «فإذن الشكّ في أنّ الوجود هل هو ثابت ليس شكا في ثبوت وجود آخر له بل هو شكّ في أنّه هل هو ثابت لماهيّته أم لا؟ وذلك يقتضي أن يكون مغايرا لذلك الأمر الذي هو ثابت له ، وهذا هو الذي تمسكنا به ابتداء في إثبات هذا المطلوب». المباحث المشرقية ١ : ١١٦. وأجاب عليه في نهاية العقول.

(٢) ق : «هو في».

(٣) نهاية العقول : «يستقل».

(٤) ق : «لا» بدل «ما لم» ، وهو خطأ.

١٠٦

الوجود هي نفس تحصلها في الأعيان ، وكون الماهيات ماهيات أمور ممتنعة التبدل ، فحينئذ يكون كون الوجود حاصلا في الأعيان أمرا ممتنعا عن الزوال (١) لما هو هو فيكون كلّ واحد من الوجودين واجبا لذاته ، وهو يبطل ما ذكرتموه.

والثاني : ضعيف أيضا ، لأنّ الوجود الذي للسواد إمّا أن تكون ماهيته ممتازة عن ماهية السواد ، فيستقيم الالزام ؛ لأنّ تلك الماهية إن كانت محصلة في الخارج كان للوجود وجود آخر ويتسلسل ، وإن لم تكن محصلة كان وجود الموجود معدوما ، فيكون الموجود معدوما. وإن لم يكن وجود السواد ممتازا في ماهيته عن ماهية السواد كان وجود السواد نفس السواد ، وهو يناقض أنّ الوجود زائد.

النقض الثاني : يمكننا أن نعقل حقيقة الله تعالى مع الذهول عن وجوده ، فيكون وجوده زائدا على حقيقته ، وهو باطل عندكم. (٢)

قوله في الوجه الثاني على زيادة الوجود : «الماهيات مشتركة في الوجود» (٣) ممنوع.

قوله : «اعتقاد الوجود باق عند تبدل اعتقاد الخصوصيات». (٤)

قلنا : ينتقض بالماهية ، فإنّا إذا اعتقدنا ماهية فانّ ذلك الاعتقاد لا يتبدل عند تبدل اعتقاد كونها جوهرا أو عرضا ، فيكون كون الماهية ماهية وصفا زائدا على حقيقتها وتكون مشتركا فيه بين الماهيات ، وهو باطل لوجهين :

الأوّل : ماهية الشيء متحقّقة عند فرض قطع النظر عن جميع صفاتها ، فلو كان كون الماهية ماهية صفة له لزم أن لا تبقى الماهية عند فرض زوال تلك الصفة ، وهو محال ؛ لأنّ تحقّق الصفات متوقف على تحقّق الموصوف ، فلو توقف

__________________

(١) نهاية العقول : «التبدل».

(٢) لقولكم : إنّ كلّ ما كان كذلك فهو ممكن محدث.

(٣) و (٤) مرّ في ص ٩٧ ـ ٩٨.

١٠٧

تحقّق الموصوف على تحقّق شيء من الصفات دار.

الثاني : كونه ماهية لو كان أمرا زائدا عليه فذلك الزائد مخالف لسائر الماهيات بحقيقته المخصوصة ومشاركا لها في كونه ماهية من الماهيات ، فيكون كون ذلك الزائد ماهية زائدا عليه أيضا ، ويتسلسل.

سلمنا سلامة ما ذكرتموه من النقض ، لكن نقول : قولكم «إنّ اعتقاد وجود موجود لا يتبدل عند تبدل اعتقاد الخصوصيات كالجوهرية والعرضية» إن أردتم بوجود الجوهر أو العرض نفس كونه جوهرا أو (١) نفس كون العرض عرضا ، فمعلوم أنّ هذا الاعتقاد يتبدل عند تبدّل اعتقاد الجوهرية أو العرضية. وإن عنيتم بوجود الجوهر والعرض أمرا زائدا على جوهريته وعرضيته كان دليلكم مبنيا على كون وجود الجوهر زائدا على جوهريته ، والدليل الذي يبتني صحته على صحّة المطلوب يكون باطلا.

قوله في الوجه الثاني في بيان اشتراك الوجود : «إنّه مقابل للسلب والسلب واحد».(٢)

قلنا : إن عنيتم بالسلب المقابل للثبوت أنّ تحقّق كلّ ماهية يقابل لا تحقّق تلك الماهية فصحيح ، لكن لا يلزم منه كون الماهيات متشاركة في الثبوت المطلق. وإن عنيتم به أنّ هنا ثبوتا عاما مشتركا بين كلّ الأشياء الثابتة ، وأنّ ذلك الثبوت العام مقابل للسلب العام فهو بناء على عام (٣) مشترك ، وهو المتنازع فيه أوّلا ، فيكون الدليل هنا مبنيا على المطلوب.

لا يقال : السلوب غير متخالفة ، وإلّا لكان لكلّ واحد منها في نفسه

__________________

(١) نهاية العقول : «و».

(٢) راجع ص ٩٨.

(٣) نهاية العقول : + «ثبوت» قبل «عام».

١٠٨

خصوصية وتعين ، ولا معنى للوجود (١) إلّا ذلك فيكون كلّ من السلوب وجوديا ، وهو محال. وإذا تساوت السلوب في مفهوم السلبية وجب أن يقابلها ثبوت عام ، وإلّا لم يكن المقابل لذلك السلب العام ثبوتا عاما واحدا بل أمورا كثيرة ، وذلك يبطل انحصار القسمة في الطرفين.

لأنّا نقول : إنّكم تصفون السلوب بالكثرة والعدد (٢) ، ثمّ مع ذلك لا يلزم كونها ثبوتية ، فلم لا يجوز وصفها بالكثرة النوعية وإن لم تكن ثبوتية؟

ولأنّ قولهم : السلوب لا اختلاف فيها كاذب ، فإنّ عدم العلّة والشرط يقتضيان عدم المعلول والمشروط ، وعدم غيرهما لا يقتضيه ، وعدم الضدّ مصحح لوجود الضدّ بخلاف غيره ، فلولا اختلاف السلوب وإلّا لما كان كذلك.

ولأنّ هذا الوجود الذي جعلتموه مقابلا للعدم المطلق إن كان من قسم الثبوت فقد شارك غيره من الأمور الثابتة في مطلق الثبوت ويمتاز عنها بخصوصيته التي له ، فله ثبوت آخر ويتسلسل. وإن كان من قسم العدم المطلق كان وجود الوجود (٣) معدوما ، وذلك متناقض. وإن خرج عن القسمين بطل دليلكم من أنّه لا واسطة بين النقيضين.

قوله في الثالث (٤) : «الوجود مورد التقسيم بالواجب والممكن».

قلنا : إن عنيتم به أنّ حقيقة كلّ واحد من الأشياء يمكن أن يقال بأنّ كونه تلك الحقيقة إمّا أن يكون من الواجبات أو من الممكنات ، فصحيح ولكنه يكون مورد التقسيم في كلّ شيء حقيقته المخصوصة. وإن عنيتم به أنّ هنا ثبوتا عاما

__________________

(١) نهاية العقول : «للموجود».

(٢) نهاية العقول : «بالكثرة العددية».

(٣) نهاية العقول : «الموجود».

(٤) أي في الدليل الثالث على اشتراك الوجود المذكور في الوجه الثاني ، ص ٩٨.

١٠٩

وهو مورد التقسيم ، فإنّما يثبت بعد صحّة القول بثبوت عام ، والنزاع ما وقع إلّا فيه. وينتقض أيضا بالماهية حيث يجعل موردا لهذه القسمة ، فيقال : الماهية إمّا جوهر أو عرض فيلزم أن يكون كون الجوهر ماهية وكون العرض ماهية اعتبارا مشتركا زائدا على حقائقها ، وقد أبطلناه.

قوله في الرابع (١) : «الحكم بأنّ الوجود غير مشترك إنّما يتم لو كان مشتركا».

قلنا : هذا يقتضي أن يكون الحكم بأنّ الماهيات (٢) المختلفة لا تكون مشتركة في ماهياتها ، لا يصحّ إلّا إذا كانت تلك الماهيات مشتركة فيلزم كون المختلفات غير مختلفات ، وهو باطل ، فكذا هنا.

قوله في الخامس (٣) : «العلم بكون الوجود مشتركا ضروري».

قلنا : ممنوع.

والتكرير لو جعل الوجود قافية أبيات (٤) ، فلزم أن يكون كون هذه الحقائق والماهيات حقائق وماهيات وصفا مشتركا زائدا عليها ، وهو باطل.

سلّمنا دلالة ما ذكرتم على اشتراك الوجود ، ولكن (٥) يعارضه ما ذكرناه في الوجه الأوّل من (٦) أنّ الجسمية (٧) يمتنع أن يكون مشتركة بين الأجسام.

__________________

(١) أي في الدليل الرابع على اشتراك الوجود المذكور في الوجه الثاني ، ص ٩٨.

(٢) ق : «الماهية» ، وهو خطأ.

(٣) أي في الدليل الخامس على اشتراك الوجود المذكور في الوجه الثاني ، ص ٩٨.

(٤) العبارة كذا. وهي إشارة إلى قوله : «إنّ من جعل الوجود قافية لأبياته ، فإنّ كلّ أحد يحكم عليه بالتكرير». وأجاب الرازي عنه في نهاية العقول هكذا : «قلنا : وكذا لو جعل الماهية قافية من قوافي أبياته ، فانّهم يحكمون عليه بالتكرير ، فيلزم أن يكون كون هذه الحقائق ...».

(٥) ج : «لكن».

(٦) في النسخ : «في» ، أصلحناها طبقا للسياق.

(٧) في النسخ : «الجسم» ، أصلحناها طبقا للسياق والمعنى.

١١٠

قوله : «البديهة فرّقت بين قولنا : الجوهر جوهر وبين قولنا : الجوهر موجود». (١)

قلنا : فكذا (٢) فرّقت بين قولنا : الجوهر جوهر والجوهر ماهية فيلزم أن يكون كون الجوهر ماهية زائدا عليه. وكذا فرّقت بين قولنا : الأسد أسد والأسد ليث ، فيلزم أن تخرج للشيء بحسب كلّ اسم صفة. (٣) وفرّقت بين قولنا : الباري تعالى باري والباري موجود مع أنّ وجوده نفس ماهيته. ولأنّكم بيّنتم هذه الطريقة على أنّ كلّ ما كان وجوده زائدا عليه فانّه يكون ممكنا محدثا ، فكيف يمكن التزامه في حقّ الباري تعالى؟!

سلّمنا ، لكن معنا ما يدل على أنّ الوجود ليس زائدا (٤) ، وإلّا لتوقف ثبوته للماهية على ثبوت الماهية في الخارج ؛ لأنّ حصول الشيء للشيء فرع على ثبوت ذلك الشيء في نفسه ، إذ ما لا ثبوت له في الخارج يمتنع حصول غيره له خارجا ؛ لأنّ حصول غيره له إضافة للغير إليه في الخارج ، وإضافة الغير إليه في الخارج بعد تحقّقه في الخارج ، فحصول الوجود للماهية موقوف على كون الماهية موجودة ، فيسبق (٥) الشيء نفسه أو يجتمع (٦) المثلان. وعلى هذا التقدير يكون الكلام في ذلك الوجود كالأوّل ، ويتسلسل.

وبتقدير تسليمه لا بدّ وأن ينتهي إلى (٧) وجود تكون الماهية قابلة له لما هي

__________________

(١) مرّ في ص ٩٩.

(٢) ق : «هكذا».

(٣) أنظر موارد النقض والجواب عليها في المباحث المشرقية ١ : ١١٣.

(٤) راجع شرح المقاصد ١ : ٣١٢.

(٥) ق : «فسبق».

(٦) ق : «مجتمع».

(٧) ق : «على» ، وهو خطأ.

١١١

هي ، فالقابل (١) للوجود غير موجود ، ويلزم المحال.

وأيضا لو كان الوجود زائدا فإن كان ثابتا تسلسل ، وإلّا كان وجود الموجودات معدوما.

لا يقال : الوجود موجود لوجود (٢) هو نفسه.

لأنّا نقول : ماهية الوجود يصحّ أن تعقل مع الشكّ في تحصله (٣) في الخارج فتكون موجودية الوجود غير كونه موجودا.

وأيضا لو كان الوجود زائدا لصحّ أن تعقل الماهية محصلة في الأعيان مع الذهول عن وجودها أو بالعكس ، فلما لم يصحّ ذلك علمنا أنّ الوجود نفس الماهية.

سلّمنا أنّ الوجود زائد ، فلم قلتم : إنّه يلزم منه كون الماهيات ممكنة؟

قوله : «إمّا أن يكون الوجود محتاجا إلى تلك الماهية أو غنيّا».

قلنا : يكون غنيّا في ذاته عن الماهية ، لكنّه لذاته يقتضي أن يكون مقارنا للماهية ، فلا يكون الوجود في نفسه ممكنا ؛ فانّ ذات الباري تعالى تقتضي صفاتا ثابتة ولا يلزم من امتناع انفكاك ذاته عنها احتياج ذاته إليها (٤) ، بل ذاته غنية عن تلك الصفات ولكن حصول تلك الصفات له من لوازم ذاته ، فكذا هنا يجوز أن يقال : الوجود غني في (٥) نفسه عن الماهية ولكن من لوازم الوجود وجوب مقارنته للماهية.

__________________

(١) ق : «والقابل».

(٢) ق : «لموجود» ، وهو خطأ.

(٣) ق : «تحصيله».

(٤) في النسخ : «إليه» ، أصلحناها طبقا للسياق.

(٥) في النسخ : «عن» ، أصلحناها طبقا للمعنى.

١١٢

قوله : «المؤثر لا بدّ (١) وأن يوجد قبل وجود الأثر ، فلو أثرت الماهية في وجودها كانت موجودة قبل أن تكون موجودة».

قلنا : نمنع تقدّم المؤثر على الأثر في الوجود ، لوجوه :

الوجه الأوّل : دليلكم مبني على احتياج الممكن إلى مؤثر واجب ، فذلك الواجب وجوده مساو لوجود غيره ـ لأنّكم بيّنتم اشتراك الوجودات (٢) بأسرها في الوجود ـ فذلك الوجود لا بدّ أن يقارن ماهية غيره لما يأتي ، فإمّا أن يقال : بأنّ ذلك الوجود وإن كان مقارنا للماهية إلّا أنّه غني عن المؤثر ، أو يقال : المؤثر فيه نفس تلك الماهية أو شيء آخر؟ فالأوّلان إن كانا صحيحين ، فلم لا يجوز مثله في الأجسام والأعراض؟ والثالث يقدح في كون الواجب لذاته واجبا.

الوجه الثاني : الماهيات مقتضية للوازمها واقتضاؤها للوازمها (٣) لا يتوقف على الوجود، وإلّا لكانت قبل الوجود خالية عن تلك اللوازم ، فلا تكون تلك اللوازم لوازم الماهية مطلقا ، بل للوجود أو لشرط (٤) الوجود ، وكلامنا في اللوازم المطلقة كزوجية الأربعة والمحاذاة للنقطة ، ولمّا بطل ذلك ثبت أنّ اقتضاءها للوازمها لا يتوقف على الوجود ، وهو يبطل ما ذكرتموه.

الوجه الثالث : قابلية الماهية (٥) الممكنة للوجود ليست مشروطة (٦) بالوجود ، وإلّا تسلسل ، وإذا جاز أن لا تتوقف القابلية على الوجود جاز أن لا تتوقف المؤثرية عليه.

__________________

(١) «لا بدّ» ساقطة في ق ، وهو خطأ.

(٢) نهاية العقول : «الموجودات».

(٣) ق : «للوازم».

(٤) ق : «بشرط» ، وهو خطأ.

(٥) «الماهية» ساقطة في ق.

(٦) في النسخ : «ليس مشروطا» ، أصلحناها طبقا للسياق.

١١٣

الوجه الرابع : كون الماهية قابلة للوجود حكم ثابت لا بالفاعل بل لذاتها. فإذن ذواتها قابلة للوجود ، فتلك القابلية يكون المؤثر فيها ذات الماهية ولا يمكن أن يكون ذلك التأثير متوقّفا على الوجود ، وإلّا دار ، ولمّا بطل ذلك ثبت المطلوب.

قوله في الوجه الثالث على إمكان العالم : «الجسم مركّب من المادة والصورة» (١) باطل عندكم ، وقد بنيتم الطريقة الأولى على إبطال ذلك. وإذا كان كذلك لم يكن بناء الحجّة عليها بناء برهانيا بل إلزاميا ، وهو غير مفيد.

سلّمنا ، لكن لم قلتم : إنّ الهيولى والصورة ممكنتان؟

وحلول (٢) الصورة لا يقتضي حاجتها ؛ لجواز أن تكون الصورة غنية في ذاتها عن الهيولى ، لكنّها اقتضت لذاتها المقارنة للهيولى.

سلّمنا (٣) ، فلم قلتم : الهيولى محتاجة؟ وجاز أن تكون الهيولى علّة للصورة. والقبول لا ينافيه. (٤) لأنّ الفلاسفة عوّلوا على هذه المقدمة في صفاته (٥) تعالى ، وأنتم قدحتم فيها وكشفتم عن فسادها ، فكيف يمكنكم القول بها؟

قوله في الرابع : «الجسم ليس علّة الكائنية». (٦)

قلنا : ممنوع.

ولا يلزم (٧) حصول كلّ جسم في ذلك الحيز ، لما مرّ في الوجه الأوّل.

__________________

(١) راجع ص ١٠٠.

(٢) جواب لقوله : «الصورة حالة في الهيولى فتكون محتاجة إليها».

(٣) احتياج الصورة إلى الهيولى.

(٤) جواب لقوله : «الهيولى قابلة للصورة ، فلا تكون علّة لها».

(٥) نهاية العقول : «نفي صفاته».

(٦) راجع ص ١٠٠.

(٧) جواب لقوله : «يلزم أن يكون كلّ جسم حاصلا في ذلك الحيز».

١١٤

سلّمنا ، فجاز أن لا تكون له حاجة إلى الكائنية ، بأن تكون ذات الجسم تقتضي وجوب كونه تعالى مقارنا للكائنية بالمحلية ؛ لأنّ الجسم لو احتاج إلى الكائنية المحتاجة إليه لكونها صفة ، دار.

سلّمنا دلالة ما ذكرتم على إمكان العالم ، لكن يعارض بأنّه لا ممكن هنا لدلائل سبقت. (١)

سلّمنا إمكانه ، لكن جاز أن تكون الوجودية أولى فيستغني عن المؤثر.

سلّمنا تساوي العدم والوجود ، لكن نمنع الافتقار إلى المؤثر على ما يأتي. (٢)

سلّمنا ، لكن متى يحتاج إلى المؤثر إذا كان محدثا أو لا؟ م ع (٣) ، وحينئذ إنّما يمكنكم بيان احتياجه إلى المؤثر لو ثبت حدوثه ، وأنتم بنيتم حدوثه على احتياجه إلى السبب ، فدار.

سلّمنا ، فلم لا يكون موجبا؟ ولا نسلم تساوي نسبة إلى جميع الأجسام. (٤)

سلّمنا ، فلم قلتم : إنّه يلزم من تساوي نسبة إلى جميع الأجسام تساوي جميع الأجسام في قبول الأثر عنه؟

سلّمنا ، لكن ينتقض بالقادر ، فانّ نسبة إلى المقدورين (٥) الضدين على السواء مع صدور أحدهما دون الآخر عنه.

سلّمنا أنّ المؤثر فاعل بالاختيار ، فلم لا يجوز أن يقال : إنّ ذاته موجب لوجود الأجسام وبالاختيار فاعل لصفاتها؟ فيقال (٦) : هنا شيء يوجب وجود

__________________

(١) و (٢) قال الرازي : «وذلك سيأتي إن شاء الله في مسألة إثبات العلم بالصانع» نهاية العقول.

(٣) أي إذا كان محدثا فهو مسلم ، وإذا لم يكن محدثا فهو ممنوع.

(٤) جواب لما مرّ في الوجه الرابع ، ص ١٠١ (ونسبة الموجب المجرد إلى جميع الأجسام واحدة).

(٥) في النسخ : «المقدرين» ، أصلحناها طبقا للمعنى.

(٦) نهاية العقول : «أو يقال».

١١٥

الأجسام ويوجب وجود قادر يتولى تخصيص بعض (١) الأجسام بصفاتها المخصوصة وأعراضها المعيّنة.

سلّمنا أنّ [فاعل الأجسام] (٢) فاعل لها ، فلم قلتم : إنّه لا بدّ من حدوثها؟

وبيانه : ما سبق من أنّ احتياج الفعل إلى الفاعل ليس لأجل الحدوث. ولأنّ زوجية الأربعة وفردية الخمسة ممكنة لذواتها لاحتياجها إلى تلك الماهية فهي معلولة لها مع امتناع انفكاكها عنها.

ثمّ ينتقض دليلكم بكونه تعالى عالما بالعلم قادرا بالقدرة ، فإنّ علمه إن كان واجبا لذاته فقد وجد واجبان لذاتيهما وبطلت المقدمة الأولى. و (٣) إن كان ممكنا كان واجبا لوجوب ذاته ، ولزم كون الأثر والمؤثر ذاتين وبطلت الثانية.

والجواب قوله : «لا نسلم أنّ الوجوب ثبوتي». (٤)

قلنا : لأنّه يناقض اللاوجوب ، والموصوف باللاوجوب إمّا المحال وهو معدوم ، أو الممكن وهو جائز العدم. فإذن اللاوجوب إنّما يتّصف به المعدوم أو ما يجوز أن يكون معدوما ، وما كان كذلك امتنع أن يكون ثبوتيا ، فانّ الوصف الثبوتي لا يحصل للمعدوم ، فاللاوجوب عدمي فالوجوب ثبوتي ضرورة انقسام النقيضين في الثبوت والانتفاء.

ولأنّ المعقول من الوجوب استحقاق الوجود ، والضرورة قاضية بأنّ

__________________

(١) ساقطة في نهاية العقول.

(٢) أضفناها طبقا للمعنى.

(٣) ق : «أو» ، وهو خطأ.

(٤) راجع ص ١٠١.

١١٦

استحقاق الوجود ثبوتي ، كما قضت (١) بأنّ حصول الجسم في الجهة ثبوتي بل هنا أولى ، لأنّ حصول الجسم في الجهة انتساب مخصوص للجسم إلى الجهة ، والجهة أمر تقديري لا وجود له ، فإذا كان العلم الضروري هناك حاصلا مع هذا الإشكال كان مع (٢) عدم الإشكال أولى.

قوله : «لو كان الوجوب ثبوتيا لكان ثبوته واجبا ، فللوجوب وجوب آخر لا إلى نهاية». (٣)

قلنا : هذا مشكل ويمكن دفعه بأنّ الوجوب واجب لوجوب هو ذاته ، فانقطع التسلسل.

ولقائل أن يقول : بيّنا أنّ الوجوب لو كان ثبوتيا لكان وجوبه (٤) مغايرا للماهية (٥) ووجوب وجوده كيفية عارضة لانتساب وجوده إلى ماهية (٦) ، وهي مغايرة (٧) لنفس ماهيته.

قوله : «لو كان الوجوب (٨) زائدا فإمّا أن يكون تمام الماهية ، إلى آخره». (٩)

قلنا : يكون تمام الماهية ؛ لأنّا إذا أخذنا الأشياء الممكنة مع وجودها صارت

__________________

(١) ق : «قضيت».

(٢) ق : «هذا مع». وفي نهاية العقول : «هنا مع».

(٣) راجع ص ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٤) نهاية العقول : «وجوده».

(٥) نهاية العقول : «لماهيته».

(٦) نهاية العقول : «ماهيته».

(٧) في النسخ : «هو مغاير» ، أصلحناها طبقا للمعنى ، والمراد انّ الكيفية العارضة لانتساب وجوده إلى ماهيته مغايرة لنفس ماهيته.

(٨) ق : «الوجود» ، وهو خطأ.

(٩) راجع ص ١٠٢.

١١٧

واجبة غير محتاجة ، فإنّ المشي (١) وإن كان ممكنا للإنسان لكن ثبوت المشي (٢) في زمان المشي (٣) واجب له ، فإذا صار الممكن بشرط أخذ وجوده يصير واجبا فالواجد (٤) الوجود المجرّد عن كلّ ما عداه كان أولى بالوجوب فكان ذلك الوجوب هو تمام ذلك الوجود المجرّد ، وقد كنّا تعقّلنا أنّه كيف يمكن أن يكون الوجوب تمام الذات الواجبة. وإذا عقل ذلك في الجملة بطل قولهم : الوجوب وصف إضافي.

ولقائل أن يقول : ماهية الوجوب إن كانت إضافية فحيث وجدت كانت مجرّد إضافة. اللهمّ إلّا إذا قيل : بأنّ الوجوب على الأشياء الواجبة باشتراك الاسم وهو يهدم أصل هذه الطريقة. وإذا لم تكن إضافية ، فهو باطل ؛ لأنّا إذا قلنا : الشيء يجب اتصافه بكذا فمفهوم الوجوب هنا إضافة لا تعقل إلّا (٥) عند تعقل المضافين ، وإذا كان الوجوب هنا إضافة وجب أن يكون في جميع المواضع كذلك.

قوله : «لم لا يجوز أن يكون وجوب كلّ شيء مخالفا لوجوب الآخر؟». (٦)

قلنا : دليل أنّ الوجود مقول بالسوية (٧) يدل على الوجوب كذلك.

ولأنّ المرجع في الاختلاف والتماثل إلى العقل ، وكما يشهد بتساوي السوادين أو البياضين كذا يشهد في الوجودين بالتساوي في هذا القدر ، ولو كان اختلاف لكان في غيره. (٨)

__________________

(١) و (٢) و (٣) في النسخ : «الشيء» أصلحناها طبقا للمعنى.

(٤) ق : «للواجد».

(٥) «إلّا» ساقطة في ق ، وهو خطأ.

(٦) راجع ص ١٠٣.

(٧) وأنّه ليس باشتراك الاسم.

(٨) أي في غير مفهوم الوجود.

١١٨

قوله : «لم قلتم بوجود التعين؟». (١)

قلنا : التعين جزء من المتعين والمتعين من حيث هو ذلك المتعين ثبوتي وجزء الثبوتي ثبوتي ، فالتعين ثبوتي.

والتعيّن (٢) يتعيّن لذاته ، فينقطع التسلسل.

ولقائل أن يقول : إن كان المراد من هذا الكلام أنّ ماهية مطلق التعيّن هو نفس تعيّن هذا المعيّن ، فهو باطل ؛ لأنّ هذا التعيّن شارك سائر التعيّنات في كونه تعيّنا وخالفها في خصوصية تلك التعيّنات ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز. وإن عنيتم به أنّ ماهية مطلق التعيّن غير وشخصية هذا التعيّن غير ، تعيّن التعيّن مغايرا له وتسلسل.

قوله : «يتوقف انضمام التشخص إلى الحقيقة على وجودها في الخارج». (٣)

قلنا : إذا عقل أن (٤) يتوقف اتصاف الحقائق بوجودها ولوازمها على وجودها الخارجي ، فليعقل هنا كذلك.

ولقائل أن يقول : الإشكال المذكور متوجه أيضا في الأمثلة المذكورة.

قوله : «لو لزمت الكثرة ممّا قلتموه لزمت الكثرة من مشاركة الواجب الواحد الممكن في أصل الوجود وامتيازه عنه بالحقيقة». (٥)

قلنا : وجود الباري تعالى زائد على حقيقته عندنا ولا تركيب في حقيقته فلا تكون حقيقته ممكنة وهي مقتضية لوجودها ، فلا يلزم الإمكان. والأجسام

__________________

(١) راجع ص ١٠٣.

(٢) جواب لقوله : «يلزم أن يكون للتعين تعين آخر إلى غير النهاية».

(٣) ويتوقف وجودها في الخارج على انضمام التشخص إليه فيلزم الدور». راجع ص ١٠٣.

(٤) نهاية العقول : «أن لا».

(٥) راجع ص ١٠٤.

١١٩

والأعراض مركّبات فهي ممكنة. (١)

قوله : «لم قلتم : إنّ كلّ متلازمين فأحدهما محتاج إلى الآخر؟».

قلنا : لأنّ مقارنتهما إن كان لحقيقتهما فهما مضافان فاحتاجا إلى شيئين يكونان عارضين لهما فليس يمكن أن يكونا مقومين للواجب بذاته. وإن لم يكن لحقيقتهما فوجوب تلك المقارنة إن كان لوجودهما دار ، أو لوجود أحدها فقط كان واجبا والآخر ممكنا معلولا ، أو لثالث لزم احتياج كلّ منهما إلى ثالث فلا يكون هو مجموعه (٢) ولا بأجزائه واجبا.

ولقائل أن يقول : لم قلت إنّه لو وجب تقارنهما لذاتيهما كانا مضافين؟ نعم كلّ مضافين يجب تقارنهما لذاتيهما ، والعكس الكلي (٣) غير معلوم.

قوله : «لم لا يجوز أن يكون الوجوب تابعا؟». (٤)

قلنا : لما مرّ.

والكلام على كونه وصفا إضافيا تابعا (٥) ، مرّ.

ولا نسلّم (٦) أنّ الوجوب بالغير مركّب ممّا به يشارك الوجوب بالذات ويمتاز عنه ، وجاز أن يكون محتاجا لا في كلّ أجزائه بل في بعضها.

ولا يجوز أن يكون التعيّن تابعا للوجوب (٧) وإلّا لتحقّق في صور الوجوب.

__________________

(١) فظهر الفرق.

(٢) نهاية العقول : «بمجموعه».

(٣) وهو أنّ كل ما يجب تقارنهما لذاتيهما كانا مضافين.

(٤) راجع ص ١٠٥.

(٥) أي الوجوب وصف إضافي فيكون تابعا.

(٦) جواب لقوله : «القدر المشترك بين الوجوب بالذات وبين الوجوب بالغير إن كان غنيا عن الغير لزم أن يكون الوجوب بالغير غنيا عن الغير».

(٧) لانّه يلزم من تحقّق حقيقة الوجوب تحقّق ذلك التعين. نهاية العقول.

١٢٠