المقام الثاني : في وقوع الحركة في الكيف
قد عرفت أنّ أقسام الكيف أربعة فلنتكلم في كلّ واحد منها :
القسم الأول : الانفعالات والانفعاليات (١)
وإنّما تثبت فيها الحركة بشرطين :
الشرط الأوّل : (٢) أنّ حواملها قد تتغير فيها مع بقاء طبائعها النوعية ، فانّ التغير لو لم يثبت لم تتحقق الحركة التي هي عبارة عن تغير ما ، وبقاء الطبيعة لو لم يتحقق حالة التغير لم يكن ذلك حركة ، بل كونا وفسادا.
وقد اختلف الناس هنا ، فالمحقّقون على جواز التغير وثبوت الاستحالة (٣) في الكيفيات. وظن بعض من لا مزيد تحصل له أنّه لا يجوز أن تتغير كيفياتها المحسوسة ، وأنكر الاستحالة وزعم أنّ البارد لا يصير حارا ولا الحار يصير باردا.
ولمّا كذّبهم الحس في ذلك حيث يشاهد تسخن الماء ، افترقوا إلى فرقتين : (٤)
الفرقة الأولى : الذين أنكروا الاستحالة والكون (٥) معا فزعموا أنه لا يوجد شيء من الأجسام بسيطا على صرافته بل كلّ جسم يوجد فانّه يكون ممتزجا من كلّ
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٦٩٥ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٠٩ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٢٠.
(٢) ويأتي الشرط الثاني في ص ٣٩٢.
(٣) «Alteration الاستحالة هي التحوّل من حالة إلى أخرى ، وهي عند «أرسطو» تغير في الكيف ، أي صيرورة الشيء شيئا آخر ، وتستعمل في نظرية المعرفة بمعنى التبدل في الأعراض لا في الجواهر.
جميل صليبا ، المعجم الفلسفي ١ : ٦٥.
(٤) راجع شرح الإشارات ٢ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ؛ الفصل الرابع من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء ؛ كشف المراد : ٢٦٧.
(٥) أنظر تفصيل مذهبهم في الفصل الأوّل من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء.