المقام الرابع : في امتناع وقوع الحركة في الجوهر (١)
اعلم أنّ الذي يقع الاشتباه فيه من الجواهر وأنّه متحرك في الجوهر إنّما هو الصور الجوهرية.
وقد عرفت أنّ الحدوث يقع على وجهين : الدفعي والتدريجي. والمدعى هنا بيان أنّ الصور الجوهرية إنّما يمكن حدوثها على الوجه الأوّل دون الثاني. وإنّما يمكننا بيان أنّ الصور الجوهرية تحدث دفعة إذا بيّنا إمكان تبدلها وتغيرها ؛ فإنّه قد نازع بعض القدماء في ذلك ومنع من الكون والفساد وسلّم الاستحالة. وهؤلاء هم الذين يجعلون العنصر واحدا ، إمّا النار وتكوّن الأشياء عنها بتزايد التكاثف ، أو الأرض وتتكون عنها البواقي بتزايد اللطافة ، أو شيئا متوسطا بينهما كالدخان أو البخار ويتكون منه البعض بتزايد اللطافة والبعض بتزايد الكثافة. ويزعمون أنّ ذلك العنصر مع اختلاف درجات التخلخل والتكاثف محفوظا الطبيعة. فالنظر في
__________________
(١) يستفاد من بعض كلمات القدماء وجود الحركة في الجوهر غير أنّهم لم ينصّوا عليه. وأوّل من ذهب إليه وأشبع الكلام في إثباته صدر المتألهين الشيرازي. وهو يقول : «فلم يبق من المقولات التي يتصوّر فيها الحركة إلّا أربع عند الجمهور وخمس عندنا : الجوهر ، والكيف ، والكم ، والأين ، والوضع.» ويعلق عليه العلّامة الطباطبائي بأنّ القول بوقوع الحركة في مقولة الجوهر يستتبع القول لوقوعها في جميع المقولات ، ثمّ يقول : «والتحقيق : أنّ القول بوقوع الحركة في الجوهر المادي مع القول بكون وجود العرض من مراتب الجوهر كما يصرح به المصنف رحمهالله في بعض ما أقامه من البراهين على حركة الجوهر يستلزم القول باستيعاب الحركة جميع المقولات العرضية التي هي من مراتب الجوهر.» الأسفار ٣ : ٧٨ و ٧٩. وقال في نهاية الحكمة : «فعالم المادة برمّتها حقيقة واحدة سيّالة متوجّهة من مرحلة القوّة المحضة إلى فعلية لا قوّة معها.» ص ٢١٠.
وانظر البحث في الطبيعة لأرسطوطاليس ٢ : ٥١١ (موضوعات الحركة) ، قال فيه : «فأمّا في الجواهر فليس حركة من قبل أنّه ليس شيء من الموجودات البتة ضدّ للجوهر». التحصيل : ٤٢٦ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٠١ ؛ كشف المراد : ٢٦٥ ؛ شرح حكمة العين : ٤٣٧ ؛ إيضاح المقاصد : ٢٨٣.