نهاية المرام في علم الكلام - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية المرام في علم الكلام - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: فاضل العرفان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-393-57
ISBN الدورة:
978-964-357-390-4

الصفحات: ٥٨١

باق في ذلك البعد زمانا.

وإن جعلنا المكان هو السطح الحاوي وجعلنا الحركة أعمّ ممّا يكون الاستبدال صادرا عن المتحرك أو عن المكان ، فهو متحرك.

وإن جعلنا السكون حفظ النسبة بينه وبين الأمور الثابتة ، فهو ساكن.

الأمر الثالث : الآن الذي هو ابتداء الحركة وانتهاؤها لا يكون الجسم فيه ساكنا ولا متحركا.

وبالجملة كلّ آن يفرض ينتفي عن الجسم فيه الوصفان ، لاستدعاء كلّ من الحركة والسكون زمانا يقعان فيه لانقسام الحركة فيمتنع وقوعها في الآن. وامتناع السكون أيضا ، لأنّ السكون عدم الحركة عمّا من شأنه أن يتحرك والجسم في الآن الواحد يمتنع عليه أن يتحرك ، فيمتنع عليه السكون.

٤٢١

البحث الثامن

في أحكام الحركة

اعلم أنّ الحركة لها أحكام تشتمل عليها مسائل :

المسألة الأولى : في انقسام الحركة (١)

اعلم أنّ القسمة وعدمها عدم الملكة إنّما يعرضان بالذات وأوّلا للكم ، وبالعرض وثانيا لذي الكم ، والحركة ليست كمّا (٢) بل تعرض لها الكمية أو تعرض لما له كم ، فتقبل حينئذ القسمة باعتبار قسمة عارضها أو معروضها.

أمّا معروض الحركة فالجسم المتحرك ، فانّ للجسم مقدارا متصلا والحركة عرض قائم فيه تنقسم بانقسامه.

وأمّا عارضها فانّ الحركة يعرض لها مقداران : أحدهما من حيث الزمان ، فانّها تزيد بزيادته وتنقص بنقصانه. وثانيهما من حيث المسافة ، فإنّها أيضا تعرض لها الزيادة والنقصان باعتبار عروضهما للمسافة.

وإذا تقرر هذا فنقول : لمّا كان كلّ حركة إنّما تقع في زمان والزمان منقسم أبدا قسمة بغير نهاية وجب انقسام كلّ حركة دائما ، فإنّ الحركة الواقعة في نصف

__________________

(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٧٢٩ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٤٨ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٤٣.

(٢) فإنّها من المقولات النسبية لا من مقولة الكم. شرح المواقف ٦ : ٢٤٨.

٤٢٢

كلّ زمان نصف الحركة في كلّه مع حفظ النسبة.

وأيضا لمّا كان كلّ حركة واقعة على مسافة وكانت المسافة قابلة للقسمة بغير نهاية وجب انقسام الحركة لذلك ، فانّه من المعلوم أنّ الحركة إلى نصف المسافة نصف الحركة إلى آخرها. وهذا في الحركة الأينية ظاهر على رأي نفاة الجزء. وأمّا باقي الحركات فكذلك إلّا أنّه غير ظاهر ظهور الحركة الأينية ، فإنّ بين كلّ مقدار يتحرك عنه الجسم وبين كلّ مقدار يتحرك إليه ، وبين كلّ كيف وكيف ، ووضع ووضع تفرض حدود غير متناهية كحدود المسافة المفروضة ، إذ لو تناهت لم تكن حركة متصلة بل مركبة من أجزاء غير منقسمة.

واعلم أنّه قد سبق أنّ الجسم منقسم دائما بالقوة أو إلى ما لا يتناهى بالفعل على اختلاف الرأيين ، والحركة عرض قائم به فتنقسم بانقسامه. فعلى رأي مثبتي الجزء تكون الحركة الأينية تابعة في الانقسام الفعلي له. وعلى رأي من نفاه فالحركة المكانية لا تكون منقسمة بالفعل ، فانّ المتحرك المكاني إن لم تكن أجزاؤه حاصلة بالفعل فهي غير متحركة ، وإن كانت حاصلة بالفعل لم يكن كلّ واحد منها متحركا على الاستقلال بل هي لا محالة متصلة أو متماسة. وكيف ما كانت فهي إنّما تفارق جزء مكانها لا كلّه بل تفارق جزء مكان الكل ، وقد عرفت أنّ جزء مكان الكل جزء مكان الجزء لا كلّ مكانه ، فهي إذن غير مفارقة أمكنتها بالكلية ، فهي غير متحركة.

فأمّا سائر التغيرات فهي منقسمة بانقسام محالّها ، لأنّه يصحّ أن يقال : بعض التسوّد في بعض الجسم المتسوّد سواء كانت الجزئية (١) حاصلة بالفعل أو لا.

وفيه نظر ، فانّ مفارقة الجزء يستلزم مفارقة الكل. والجزء إذا كان حاصلا

__________________

(١) في المباحث : «الجهة».

٤٢٣

بالفعل كان متحركا بالفعل في المكان لتحركه عن حيّزه. وإذا كان بالقوة لم يكن متحركا بالفعل لا في المكان ولا في الكيف ويكون متحركا فيهما معا بالقوة.

المسألة الثانية : في معنى كون الحركة لها أوّل (١)

الأوّل يثبت للحركة على وجوه ثلاثة :

الوجه الأوّل : بمعنى الطرف ، وهو الذي يطابق طرف المسافة وطرف (٢) الزمان. وأوّل الحركة بهذا المعنى ليس بحركة ، كما أنّ طرف المسافة نقطة وليس جسما ، وطرف الزمان آن ليس بزمان ، لأنّ كلّ حركة فعلى مسافة منقسمة وفي زمان منقسم فتكون منقسمة فيستحيل حصولها في طرف الجسم الذي لا ينقسم وفي الآن.

الوجه الثاني : إذا عرضت قسمة للحركة بالفعل أو بالفرض كان الجزء المتقدم في هذه القسمة أوّل أجزاء الحركة ، وهذه الأوّلية وضعية لا حقيقية.

الوجه الثالث : اعتقد قوم أنّ للأجسام حدّا في الصغر إذا انتهت إليه لا تقبل الانقسام مع بقاء طبائعها النوعية ، فالحركة أيضا لها حدّ في الوجود بحيث يمتنع أن توجد حركة مفردة أصغر منها زمانا وإن كان يجوز في التوهم وجود ما هو أصغر منها دائما لاحتمالها التجزية بتجزية الجسم لكنّها لا تخرج إلى الفعل. فإذن كلّ حركة فانّ الجزء الذي يساوي فيها أصغر الحركات بهذا المعنى وهو أوّل تلك الحركة ، لكن هذا إنّما يكون إذا كان هناك حركات غير متصلة متتالية ويكون تقدمها على الصفة المذكورة. وأمّا إذا كانت متصلة واحدة فلا يوجد فيها (٣) جزء

__________________

(١) راجع السادس من ثالثة الأوّل من الشفاء (السماع الطبيعي) : ٢٠٤ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٣٠.

(٢) في النسخ : «بطرف» ، وما أثبتناه من الشفاء.

(٣) في النسخ : «فيه» ، أصلحناها طبقا للسياق.

٤٢٤

أوّل بهذه الصفة ، فانّه لا توجد فيها حركة مفردة بنفسها على الوصف المذكور ، ولا أيضا هناك جزء على الوجه المذكور ، لأنّ كلّ جزء يفرض فهو منقسم إلى أجزاء ويكون السابق منها أولى بالأوّلية ولمّا كان كلّ ما جعل أوّلا فهناك ما هو أولى بالأوّلية ، فليس في الحركات المتصلة شيء أوّل البتة.

وقيل : الجزء من الحركة الذي لا يمكن أن يدخل في الوجود أصغر منه هو أوّل الحركة ، فانّ ذلك الجزء متميز عمّا عداه بالفرض أو بالفعل ولعلّه يكون بالفعل أبدا ، لأنّ اختصاص ذلك القدر بهذه الخاصية يقتضي الامتياز بالفعل.

المسألة الثالثة : في أنّ ما لا ينقسم هل تصحّ عليه الحركة؟ (١)

اختلف الناس فيه ، فالأوائل على المنع (٢) لوجهين :

الوجه الأوّل : ما لا ينقسم لا تكون له أطراف ولا حدود فلا يكون جانب منه يلي المقصد وجانب آخر يلي المهرب وإذا كان كذلك لم يكن له اختلاف أوضاع ، فلم تصحّ الحركة عليه.

الوجه الثاني : كلّ متحرك فإنّه يتحرك أوّلا مثل نفسه وبعد ذلك مثله إلى أن تفنى المسافة ، فلو كان ما لا يتجزأ يتحرك لزم تركب المسافة من نقط متتالية ، وهو محال.

__________________

(١) راجع السادس من ثالثة الأوّل من الشفاء (السماع الطبيعي) : ٢٠٦ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٣١.

(٢) قال الشيخ : «فالموجود في كتب المشائين أنّ ذلك محال.» وذكر الأشعري آراء المتكلمين في هذه المسألة هكذا : «قال قائلون : لا يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الأجسام ولا يجوز أن يتحرك الجوهر الواحد ولا أن يسكن ... وهذا قول هشام وعباد ... وقال قائلون : يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم إذا انفرد ما يجوز على الأجسام من الحركة والسكون ... والقائل بهذا القول أبو الهذيل ... ومحمد بن عبد الوهاب الجبائي ...» مقالات الإسلاميين : ٣١١ وما يليها.

٤٢٥

واعترض بالخط القائم على مثله إذا تحرك عليه حتى أنهاه فانّه يقطع ذلك الخط بتلك النقطة ويلزم منه ما فروا عنه. وهذا البحث على تقدير وقوع ما لا ينقسم قائما بذاته.

المسألة الرابعة : في المناسبات بين المتحرك والمسافة والزمان (١)

اعلم أنّه قد يجري بين هذه الأمور الثلاثة تناسب بالوحدة والتعدد ، فنقول : إذا كان المتحرك واحدا فإن تعددت المسافة وجب أن يتعدد الزمان لامتناع حصول الجسم الواحد فإن دفعة واحدة في مكانين. وإن تعدّد الزمان مع وحدة المتحرك أيضا فإن كانت الحركة في الأين لم يجب تعدد المسافة ، لأنّ المتحرك الواحد قد يقطع المسافة الواحدة بالشخص مرارا متعددة إذا تعدد الزمان. وإن كانت في الكم والكيف والوضع وجب التعدد ، لأنّ الكيفيات التي وقع التبدل فيها في الزمان الأوّل غير باقية في الزمان الثاني حتى يقع التبدل (٢) في أعيانها ، وكذا الكم والوضع.

وأمّا إن تعدد المتحرك فإن كانت الحركة في الكم أو الكيف أو الوضع فالمسافة لا محالة متعددة ، لأنّ الكيفية التي لأحدهما غير التي للآخر ، وكذا الكم والوضع. وإن كانت في الأين فإن اتحدت المسافة تعدد الزمان وإن اتحد الزمان تعددت المسافة. والعلّة فيهما امتناع حصول جسمين في زمان واحد في مكان واحد.

__________________

(١) راجع الثاني من رابعة الأوّل من الشفاء (السماع الطبيعي) : ٢٦٣ ؛ المعتبر في الحكمة ٢ : ٩٢ (الفصل الثالث والعشرون) ؛ المباحث المشرقية : ١ : ٧٣١ ـ ٧٣٢.

(٢) ق : «المتبدل».

٤٢٦

البحث التاسع

في تقاسيم الحركة

وهو على أنواع ستة :

النوع الأوّل

تقسيم الحركة باعتبار الوحدة وعدمها

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في الوحدة الشخصية للحركة (١)

قد عرفت أنّ الحركة تتعلّق بأمور ستة ، فوحدتها الشخصية متعلّقة بأحدها لا محالة. ولمّا اعتبرنا تلك الأمور لم نجد المقتضي لوحدتها إلّا وحدة الموضوع والزمان وما هي فيه.

أمّا وحدة الموضوع والزمان فأمر لا بدّ منه في وحدة كلّ عرض ، لأنّ السواد

__________________

(١) راجع أرسطوطاليس ، الطبيعة ٢ : ٥٥٠ (وحدة الحركة) ؛ الثاني من رابعة الأوّل من طبيعيات الشفاء ١ : ٢٦٢ ؛ التحصيل : ٤٣٤ (الفصل الرابع عشر) ؛ المعتبر في الحكمة ٢ : ٩٣ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧١٥ ؛ شرح حكمة العين : ٤٤٢ ؛ كشف المراد : ٢٦٨ ؛ مناهج اليقين : ٥٧ ؛ إيضاح المقاصد : ٢٨٥ (المسألة السادسة في وحدة الحركة) ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٢٩ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٣٢.

٤٢٧

القائم بأحد الجسمين مغاير للسواد القائم بالآخر. وإذا وجد سواد في محل ثمّ عدم ووجد السواد لم يكن هذا السواد الثاني عين السواد الأوّل بالشخص بل بالنوع ، لاستحالة إعادة المعدوم. وكذا الحركة إنّما تكون واحدة بوحدتهما معا.

وفيه نظر ، فانّ تعدد السواد هنا ليس لتعدد الزمان ، لأنّ تعدّد الزمان إنّما هو بالفرض وقد يفرض تعدد الزمان مع بقاء الشيء الواحد بالشخص وقد يتكثر الواحد بالشخص مع الوحدة الاتصالية في الزمان.

وأمّا وحدة ما فيه الحركة فلانّا لو فرضنا متحركا واحدا بالشخص ابتداء انتقاله في الأين حال ابتداء انتقاله في الكيف وحال ابتداء انتقاله في الكم ، فانّ كلّ واحد من الموضوع والزمان واحد والحركة متكثرة لما تكثرت المسافة ، فلا يلزم من وحدة الموضوع والزمان وحدة الحركة ، لأنّ ما فيه ليس واحدا وحينئذ لا تكون وحدة ما فيه الحركة لازمة لوحدة الموضوع والزمان. وليس أيضا وحدة الحركة الأينية لوحدة ما فيه الحركة خاصة. فوحدة الحركة إنّما تكون إذا اجتمعت هذه الوحدات الثلاثة ، ويلزم من وحدة هذه الأمور الثلاثة وحدة ما منه وما إليه.

ووحدة المحرّك غير معتبرة في وحدة الحركة ، فانّا لو قدّرنا محركا يحرك جسما وقبل انقطاع تحريكه أو معه يوجد محرك آخر بحيث لا تكون بين تعطيل الأوّل وابتداء الثاني بالتأثير فاصلة فانّ الحركة تكون واحدة ، كما لو فرضنا مغناطيسا جذب حديدا ثمّ فسدت طبيعته في آن وهناك مغناطيس آخر في ذلك الآن فانّ الجذب يتصل والحركة لا تنقطع. وكذا الماء إذا سخن بنيران متلاحقة فإنّ ذلك التسخن يكون واحدا مستمرا. إلّا أن يقال إنّه تحدث في تلك الحركة بسبب نسبتها إلى المحركين كثرة وانقسام ولكن مثل هذا الانقسام لا يبطل الوحدة الاتصالية للحركة ، كما أنّ الحركة الفلكية متصلة وتعرض لها مع اتصالها انقسامات بسبب الشروق والغروب والمسامتات.

٤٢٨

واعترض بأنّ المحرك الثاني إمّا أن يكون له أثر أو لا ، فإن لم يكن له أثر لم يكن محركا. وإن كان فإمّا أن يكون الأثر الحركة التي وجدت وهو محال (١) ، أو حركة أخرى فيلزم من تغاير المحرك تغاير الحركة.

وفيه نظر ، فانّ التغاير لا ينافي الوحدة (٢) إذا اختلف الاعتبار ، والوحدة هاهنا بمعنى الاتصال (٣) وهو لا ينافي التغاير بين الأجزاء الفرضية كما في الأجسام المتصلة بالفعل إذا فرض لها قسمة بالوهم.

واعلم أنّ وحدة المبدأ غير كافية في وحدة الحركة فقد تتغاير الحركة مع وحدة المبدأ ، كما يتحرك جسمان من مبدأ معيّن إلى منتهى معيّن مع امتناع وحدة الحركة بالشخص ، فانّ العرض القائم بأحد الجسمين يمتنع أن يكون هو العرض القائم بالآخر بل قد تختلف الحركة بالنوع ، فانّ أحد الجسمين قد يتحرك من البياض إلى السواد والآخر من البياض إلى الإشفاف.

وكذا وحدة المنتهى لا تقتضي وحدة الحركة لا بالشخص كما قلنا من تغاير الحالّ عند تغاير المحلّ ولا بالنوع ، فانّ الوصول إلى المنتهى قد يكون دفعة من غير حركة وقد يكون على التدريج والمتدرج قد يكون واقعا على طرق مختلفة.

ووحدتهما معا أيضا غير كافية (٤) ، لأنّ السلوك من المبدأ إلى المنتهى يمكن بطرق كثيرة فانّ المتحرك الأيني قد يقصد الانتقال من نقطة معيّنة إلى منتهى

__________________

(١) وفي شرح المواقف هكذا : «فإن كان أثره عين أثر المحرك الأوّل لزم تحصيل الحاصل واجتماع مؤثرين على أثر واحد شخصي» ٦ : ٢٣٢. راجع أيضا شرح حكمة العين : ٤٤٣ (المبحث الخامس في تقسيم الحركة).

(٢) هكذا الجواب في المصدر نفسه.

(٣) كما صرّح به الشيخ في طبيعيات النجاة (فصل في الحركة الواحدة) حيث قال : «وتكون وحدة هذه الحركة الشخصية هي بوجود الاتصال فيها».

(٤) أي وحدة المبدأ والمنتهى غير كافية في وحدة الحركة.

٤٢٩

معيّن تارة بالاستقامة وتارة بالاستدارة. والمنتقل في الكيف ينتقل من البياض إلى السواد تارة من الصفرة إلى الحمرة إلى القتمة ، وتارة من الفستقية ثمّ الخضر ثمّ النيلية ، وقد يكون من الغبرة إلى السواد. فعلم أنّ اتحاد المبدأ والمنتهى غير كاف في وحدة الحركة. وإذا اعتبرنا وحدة الموضوع والزمان والمسافة وجب اتحاد المبدأ والمنتهى.

وأورد منكروا الوحدة في الحركة (١) : أنّ كلّ حركة فانّها تنقسم إلى ماض ومستقبل لا غير والذي في الماضي مغاير للذي في المستقبل وهما معدومان ، فكيف يعقل الاتصال بين المعدومين؟ وأمّا الحاضر فليس حركة ولا الحركة مركبة منه ، لاستحالة تتالي الآنات عندهم وتركّب المقادير من الأجزاء التي لا تتجزأ سواء كانت قارّة أو لا. ولو فرض موجودا كيف يتصل المعدوم به ويتحد هو وإياه حتى تصير حركة؟

وأجيب : بأن الحركة بمعنى الكون في الوسط أمر موجود وهو أبدا بين الماضي والمستقبل باق في جميع الزمان.

واعترض عليه بأنّه يقتضي كون الحركة أمرا ثابتا مستقرا ، وذلك مكابرة.

وقيل : الحركة غير ثابتة فلا تكون واحدة.

وأجيب : بأنّ الوحدة التمامية أخصّ من الوحدة المطلقة ولا يلزم من نفي الخاص نفي العام. ولأنّ الحركة بمعنى التوسط غير منقسمة وهي محفوظة الذات ثابتة إلى أن يسكن الجسم ، وأمّا الحركة بمعنى القطع فإنّها تتم عند البلوغ إلى آخر المسافة ، لأنّ التام هو الذي ليس شيء منه خارجا فإذا كان كلّ ما له وكلّ شيء منه قد حصل فهو تام الوجود.

__________________

(١) راجع الرابع من رابعة الأوّل من طبيعيات الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧١٧.

٤٣٠

المسألة الثانية : في الوحدة النوعية والجنسية للحركة (١)

لما كانت الحركة قد تتكثر أفرادها إمّا تكثرا ذاتيا أو عرضيا مع صدق مفهوم الحركة على تلك الأفراد وجب أن تعرض لها وحدة نوعية وجنسية قريبة وبعيدة فتكثرها بالنوع إنّما يكون بأحد أمور ثلاثة : إمّا المبدأ ، أو المنتهى ، أو الذي فيه الحركة. فأمّا الثلاثة الباقية فلا أثر لها في ذلك.

أمّا المتحرك ، فلأنّ إضافة الحركة إليه إضافة العرض إلى موضوعه وإضافة العرض إلى الموضوع أمر خارج عن ماهيته ، واختلاف الأمور الخارجة لا يوجب اختلاف المعروضات في الماهية ، كما أنّ بياض القطن والثلج متفقان بالنوع وإن اختلف موضوعاهما فيه فلم يختلفا بالنوع لاختلاف موضوعهما ، بخلاف الكثرة الشخصية فإنّها متعلّقة بتكثر العوارض فلهذا كفى فيها تعدّد الموضوع.

وأمّا الزمان ، فلا اختلاف فيه بل هو في الحقيقة واحد بالشخص. وإن فرض فيه تكثر فهو تكثر شخصي لا نوعي ، فالأزمنة المتعددة متفقة بالنوع غير مختلفة بالماهية. ولو كانت مختلفة فانّها لا تكون علّة للاختلاف النوعي في الحركات ، لأنّ الزمان عوارض الحركات واختلاف العارض لا يوجب اختلاف المعروض فلا تكون أسبابا لاختلاف الحركات في ماهياتها.

واختلاف المحرّك غير معتبر في اختلاف الحركات ، لأنّ المحرك الواحد يفعل حركات مختلفة الماهية وبالعكس. ولأنّ انتساب المتماثلات إلى المختلفات جائز.

__________________

(١) راجع الثالث من رابعة الأوّل من طبيعيات الشفاء ١ : ٢٦٧ ؛ طبيعيات النجاة ، فصل في الحركة الواحدة : ١٣٨ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧١٨ ؛ شرح حكمة العين : ٤٤٥ ؛ كشف المراد : ٢٦٨ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٣٢ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٣٧.

٤٣١

وإذا خرجت هذه الأمور الثلاثة عن اقتضاء الاختلاف لم يبق لاختلاف الحركات بالماهية إلّا اختلاف ما منه وما إليه وما فيه. فإن اتّحدت الثلاثة كانت الحركة واحدة بالنوع. وإذا لم يوجد واحد منها اختلفت الحركات في الماهية ، فانّه إذا اتحد ما منه وما إليه واختلف ما هي فيه اختلفت ماهية الحركة.

ففي الكيف مثل الانتقال من البياض إلى التسود بطريق التصفر ثمّ التحمر ثمّ التسود تارة ، وبطريق الفستقية إلى الخضرة إلى النيلية إلى السواد أخرى ، فإنّ المبدأ والمنتهى في الحركتين واحد وما فيه الحركة مختلفة فاختلفت الحركة.

وفي الأين مثل أن ينتقل جسم من مبدأ مفروض إلى منتهى تارة على الاستقامة وتارة على الاستدارة مع أنّ المخالفة بالاستقامة والاستدارة مخالفة نوعية لا عرضية ، وكذا الحركة عليهما ، وكذا إذا اتحد ما فيه الحركة واختلف ما منه وما إليه فانّ الحركة تختلف أيضا ، فانّ الانتقال من السواد إلى البياض مخالف للانتقال من البياض إلى السواد. وإن اتحد الطريق وسلك كلّ واحد منهما فيه بالعكس من صاحبه ، وذلك لاختلاف ما منه وما إليه.

وأمّا في الأين فكالصاعد والهابط.

واعلم أنّ الصعود حركة مستقيمة من مبدأ إلى منتهى ويتم بذلك تحقيقه. (١) وكذا النزول ، لكن عرض لأحد المبدأين أن كان فوق والآخر أن كان تحت فعرض بسبب ذلك أنّ للحركة أن صار صعودا وهبوطا ، وهذا لا يوجب الاختلاف في الماهية. لكنّهما اختلفا بالمبدئية والمنتهائية وهما متقابلان تقابل الضدية على ما عرفت وهذا القدر يكفي في وقوع الاختلاف بين الحركتين.

__________________

(١) في المباحث : «تحقّقه» ، وفي الشفاء : «كونه حركة».

٤٣٢

وفيه نظر ، فانّا نقول : تضاد العارض لا يوجب تضاد المعروض والبداية والنهاية عارضتان للنقطتين المتساويتين في الحقيقة وللحركة أيضا فكيف اقتضى تضاد العارض هنا تضاد الحركات وقد منعتم ذلك في المحلّ والزمان على ما سلف؟

ثمّ لا يلزم من انتفاء العلية انتفاء الاحتياج فجاز أن لا يكون أحد ما ذكرتم علّة ويكون محتاجا إليه. والحركات المتفقة في الجنس الأسفل متحدة بالجنس الأسفل كالانتقال من فوق إلى أسفل وبالعكس ، والانتقال من السواد إلى البياض وبالعكس. وإن أخذ الجنس الأعلى كانت متحدة به كالحركة في الكم أو الكيف. وإن اختلفت في الأعلى لم تكن متحدة باعتبار الذاتيات بل باعتبار العوارض كالحركة في الكم والكيف.

واعلم أنّ اختلاف الحركات بالطبع والقسر لا يوجب اختلاف الحركات في الماهية (١) لما بيّنا من أنّ وحدة المحرك غير معتبرة في وحدة الحركة. ولأنّ حركة الحجر إلى فوق قسرا تخالف حركة النار إليه طبعا والحركتان واحدة ، لأنّ الماهية الواحدة يجوز تعلقها بالمختلفات كالحرارة الطبيعية والقسرية فانّهما متفقان في الماهية ، وكذا الألوان والأشكال الطبيعية والقسرية لا تختلف باعتبار كونها طبيعية أو قسرية ، فكذا الحركات.

فإذن الاختلاف بالطبع والقسر لا يوجب الاختلاف في الماهية.

__________________

(١) قال الشيخ : «الاختلاف الذي بين الحركات في أن تكون طبيعية أو قسرية ، فإنّه أيضا اختلاف في أمور خارجة عن ماهية الحركة وإن كان لازما.» الثالث من رابعة الأوّل من الشفاء (السماع الطبيعي) : ٢٦٨ ـ ٢٦٩.

٤٣٣

المسألة الثالثة : في أنّ المستديرة أولى بالوحدة من غيرها (١)

أولى الحركات بالوحدة المستوية التي لا اختلاف فيها وتلك هي (٢) المستديرة لوجهين:

الأوّل : المكانية إمّا طبيعية أو قسرية أو إرادية ، فإن كانت طبيعية لم تتشابه أحوالها فانّها في مبدأ حالها تكون ممنوة بالعائق الكبير فإذا قاربت المقصد اشتدت باعتبار قلّة المعاوق. وإن كانت قسرية اشتدت في الوسط زيادة على الطرفين على ما يأتي. والإرادية غير الدورية تختلف أحوالها باختلاف الإرادات فانّها كالطبيعية في أنّها تشتد أخيرا ، لأنّ الطالب قد يخيل قلّة المعاوقة فاشتد طلبه لينال غرضه بسرعة.

الثاني : الواحد يكون تاما والناقص بعض الواحد ، والأولى بالتام (٣) هو المستدير ، لأنّ الزيادة عليها غير ممكنة لذاتها فانّ الدورة إذا تمت لم يمكن الزيادة عليها ، بل ربما تكررت. وأمّا المستقيمة فانّها إذا تمت لم يمكن تمامها ، لأنّ الزيادة عليها غير معقولة ، بل لأنّ المسافة انتهت وانقطعت كقطر العالم.

لا يقال : المستقيمة أولى بالتمام ، لاشتمال المستقيم على المبتدأ والوسط والمنتهى بخلاف الدائرة.

ولأنّ المستقيمة تتناهى وتتمّ والدورية لا تتم ولا تنقطع عند حدّ.

لأنّا نقول : لا يلزم من الاشتمال على الطرفين والوسط أولوية باسم

__________________

(١) راجع الثاني من رابعة الأوّل من طبيعيات الشفاء ١ : ٢٦٥ ؛ المعتبر في الحكمة ٢ : ١٠٤ (الفصل الخامس والعشرون) ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧١٧.

(٢) في النسخ : «ذلك هو».

(٣) في المباحث : «التمام».

٤٣٤

الوحدة ، فانّ وحدة الواحد أتم من وحدة العدد مع انتفاء الطرفين والوسط عنه ، فكذا الدائرة لقوّة وحدتها لا يوجد فيها ذلك.

وقد تقدم أنّ المستقيمة تنقطع لا باعتبار تمام طبيعتها بل لانقطاع مسافتها. وأمّا الدورية فكلّ دورة حصلت فقد تمت في ذاتها ، وما يوجد بعدها تكون دورة أخرى. (١)

وفيه نظر ، لأنّ اشتداد الحركة إن اقتضى التكثر لزم اشتمال الحركة على ما لا يتناهى بالفعل وإلّا بطل الدليل. والدورة إذا تمت إن اقتضى كمال تلك الحركة لزم تكثر الحركات الفلكية بواسطة تكميل كلّ دورة دورتها ، وإلّا فلا عبرة به.

__________________

(١) وكلامنا في دورة واحدة. الشفاء.

٤٣٥

النوع الثاني

تقسيم الحركة باعتبار السرعة والبطء (١)

إنّ من الأجسام ما يقطع مسافة معيّنة في زمان معين ، ومنها يقطع تلك المسافة في زمان أقل فيلزم أن يقطع بالضرورة في الزمان المساوي مسافة أكثر بذلك الحدّ بعينه ، ومنها ما يقطع تلك المسافة في زمان أطول ، فتحصل بسبب ذلك للحركات أوصاف من السرعة والبطء وتناسب بعضها مع بعض ، فالسريعة ما يقطع مسافة أطول في زمان مساو أو يقطع المساوي في زمان أقصر ، والبطيء بالعكس. وفي هذا النوع مسائل.

المسألة الأولى : في سبب بطء الحركات وسرعتها (٢)

اختلف الناس هنا ، فالمتكلمون على أنّ سبب ذلك هو تخلّل السكنات بين

__________________

(١) راجع أرسطو طاليس ، الطبيعة ٢ : ٧٧٣ (المقارنة بين الحركات) ؛ السادس من ثالثة الأوّل : ٢٠٣ ، والخامس من رابعة الأوّل من طبيعيات الشفاء ١ : ٢٧٦ ؛ شرح الإشارات ٢ : ٢١٧ ؛ شرح حكمة العين : ٤٤٥ ؛ كشف المراد : ٢٦٩ ؛ إيضاح المقاصد : ٢٨٧ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٥١ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٤٥.

(٢) راجع طبيعيات النجاة : ١٣٧ ؛ الحادي عشر من ثانية الأوّل : ١٥٥ ، والرابع من ثالثة الأوّل : ١٩٤ من الشفاء (السماع الطبيعي) ؛ التحصيل : ٤٣٢ (الفصل الثالث عشر) ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٢٠ ؛ شرح حكمة العين : ٤٤٦ ؛ كشف المراد : ٢٧٠ ؛ إيضاح المقاصد : ٢٨٨ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٤٦.

٤٣٦

أجزاء الحركة ، لأنّ الحركة عندهم مركّبة من أجزاء لا تتجزأ فإن لحق التالي السابق من الأجزاء من غير فصل فالحركة سريعة في الغاية ، وإن تخلل الأجزاء سكنات فالحركة بطيئة. ثمّ يختلف البطء بكثرة السكنات وقلتها وطول أزمنتها وقصرها.

وأمّا الأوائل فانّهم لمّا اعتقدوا أنّ الحركات متصلة اتصال المسافة غير مركبة من أجزاء لا تتجزأ بل هي واحدة من أوّل المسافة إلى آخرها لم يكن لها جزء بالفعل فلا تتصور السكنات بين أجزائها وإنّما سرعتها وبطؤها راجعان إلى شدّتها وضعفها ، فهما كيفيتان زائدتان على الحركة.

واستدلوا على ذلك بوجوه : (١)

الوجه الأوّل : لو كان بطء الحركات لتخلل السكنات لوجب أن لا بظهر للحس أشدّ الحركات فضلا عن أضعفها ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّا نفرض فرسا شديد العدو بحيث يخطف البصر فإنّه أكثر ما يتحرك من أوّل النهار إلى آخره فإنّه فرسخ ، لكن في هذا الوقت تكون الشمس قد قطعت نصف الفلك ونصف الفلك أضعاف أضعاف ما به فرسخ ، فلو كان البطء لتخلل السكنات لزم أن تكون في حركات الفرس سكنات متخللة بينها بقدر فضل حركات الشمس على حركاته ، لكن فضل الحركات على الحركات أضعاف مضاعفة ، فالسكنات أضعاف أضعاف حركات الفرس فكان يجب أن لا نحس بحركات الفرس الذي لا شيء أسرع من حركته في الحس ، ولمّا كان ذلك باطلا فانّا لا نحس في حركات ذلك الفرس بشيء من السكنات ، عرفنا أنّ التفاوت بين الحركتين ليس لتخلّل السكنات ، وهو المطلوب.

وفيه نظر ، فإنّ بطء الحركات وسكونها أمر محسوس فالإشكال مشترك

__________________

(١) وفي شرح المواقف اعتراضات على بعض هذه الوجوه ، وفيها ما لا يخفى فراجع ٦ : ٢٥٢ ـ ٢٥٤.

٤٣٧

الإلزام.

فإنّا نقول : لا شكّ في أنّ حركة الفرس أبطأ من حركة الفلك أضعافا مضاعفة فكان يجب أن لا نحس فيه بسرعة.

ويمكن الجواب بأن يقال : الحس قد يعجز عن إدراك مراتب السرعة وتفاوت الشدّة فجاز أن تحصل حركة هي في غاية السرعة عند الحس ولا يكون في نفس الأمر كذلك كحركة الفرس ويوجد ما هو أسرع منها أضعافا مضاعفة ويقصر الحس عن إدراك التفاوت بينهما ، لأنّ السرعة قابلة للشدّة إلى ما لا يتناهى.

الوجه الثاني : أنّا نشاهد أنّ الجسم كلّما كان أثقل كانت حركته إلى أسفل أشدّ وأسرع ، فلو فرضنا جسما بلغ ثقله إلى حيث خلا عن السكنات فإنّ حركته تكون في غاية السرعة بحيث لا يمكن الزيادة عليها ، فإذا فرضنا أنّ ثقله زاد فإن كانت حركته أسرع كانت الأولى أبطأ بالضرورة مع عدم تخلل السكنات فيها ، فلا يكون بطء الحركات لتخلّل السكنات. وإن كانت مساوية لم يكن للثقل الزائد تأثير فيكون الشيء مع غيره كهو لا مع غيره ، هذا خلف.

وفيه نظر ، لأنّ الثقل إنّما تزيد به السرعة لو كان هناك سكنات تعدم أو تقل بواسطة الثقل ، أمّا إذا انتفت السكنات فلا يكون للثقل الزائد أثر البتة ، أو تكون تلك السرعة حصلت بمجموع الأصل والزائد معا.

سلّمنا ، لكن نمنع إمكان وجود تلك الزيادة على تلك السرعة ، لأنّ الشيء لا يكفي في وجوده حصول العلّة الفاعلية بل لا بدّ من إمكانه في نفسه ، وهو ممنوع.

الوجه الثالث : إذا غرزنا خشبة في الأرض والشمس في أفقها الشرقي (١) وقع

__________________

(١) ق : «المشرقي».

٤٣٨

لها ظل في الجانب الغربي وكلّما ارتفعت الشمس جزءا فإن لم ينتقص من الظل شيء جاز أن يرتفع جزءا آخر ولا ينقص الظل وهكذا إلى أن تبلغ الشمس إلى خط نصف النهار والظل على حاله بل وإلى الغروب ، وهو محال ؛ لأنّ سبب الظل وقوع الحجاب بين الشمس والأرض بالخشبة فإذا انتفى انتفى. ولأنّ الخط المرتسم فيما بين الشمس وطرف الظل إذا تحرك الطرف المتصل فيه بالشمس دون الطرف المتصل بالظل حدث لذلك الخط رأسان فيتساوى الزائد والناقص ، وهو محال. فوجب أن ينتقص الظل.

ثمّ يستحيل أن تكون حركة الظل في الانتقاص مشوبة بالسكنات وحركة فلك الشمس في الارتفاع خالصة عنها ، إذ لو جاز أن ترتفع الشمس جزءا ولا ينقص من الظل شيء جاز ذلك في الثاني والثالث ، ويلزم المحال السابق.

ويستحيل أيضا مساواة حركة الظل لحركة الفلك في السرعة ، وإلّا تساوى المقداران.

فلم يبق إلّا أن يقال : إنّ الظل دائما يتحرك في الانتقاص والشمس دائما في الارتفاع لكن حركات الشمس أسرع من حركة الظل فيكون ذلك تفاوتا في البطء والسرعة لا بسب تخلّل السكنات ، وكذا القول في حركة الجزء القريب من القطب من الرحا والبعيد ، والفرجار ذي الشعب الثلاث ، والدلو من أسفل البئر إلى أعلاها حال حركة الكلّاب من المنتصف إليه.

الوجه الرابع : إذا رمينا حجرا إلى فوق فتلك الحركة لها (١) علّة هي قوّة قسرية حصلت من الرامي في المتحرك فإذا كانت القوّة محركة والهواء قابل للانخراق وجب أن تستمر تلك الحركة ولا يعرض في شيء من الأحياز توقّف وسكون ، لتساوي الأحياز وليس في بعضها ما يقتضي التوقف والسكون.

__________________

(١) في المباحث : «عليها».

٤٣٩

فإذن تلك الحركة خالية عن مخالطة السكنات لكنّها أبطأ من الحركة الفلكية فقد وجد التفاوت في السرعة والبطء من غير تخلل سكون.

وفيه نظر ، لأنّ المسافة ممنوة بالعائق فجاز تخلل سكون بينها ، واختص بعض الأحياز فيه لقوّة المانع بسبب تلبد الهواء وتكاثف بعض البخارات فيه.

واعلم للبطء أسبابا : (١) أمّا في الحركة الطبيعية فلا يمكن أن يكون العائق أمرا طبيعيا ، لامتناع اقتضاء الطبيعة الأمرين المتنافيين.

وفيه نظر ، فانّ ذلك لا يتأتى في مركبات الأجسام لتركب طبائعها ، ولا في بسائطها لجواز أن يشتمل على صفتين إحداهما من حيث المادة والأخرى من حيث الصورة ، وعلى قولهم يجب أن يكون المانع خارجيا وهو ممانعة المخروق لامتناع الخلاء عندهم ، فإذا تحرك الحجر بطبعه ثمّ اعتمد عليه الإنسان بقوته ازداد سرعة.

وأمّا في القسرية فممانعة الطبيعة ، فانّ الطبيعة كلّما كانت أقوى كان أثر القاسر أقلّ فحصل البطء.

وأمّا في الإرادية فالسببان معا. (٢)

المسألة الثانية : في أنّ اختلاف السرعة والبطء ليس اختلافا في الماهية (٣)

استدلوا على ذلك بوجهين :

__________________

(١) ق : «أسباب» راجع المباحث المشرقية ١ : ٧٢٢ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٥٤ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٤٦.

(٢) وقد ذكر حسن چلبي سببا ثالثا للبطء في الحركة الإرادية وهو نفس الإرادة ، فراجع شرح المواقف ٦ : ٢٥٤.

(٣) راجع الثالث من رابعة الأوّل من الشفاء (السماع الطبيعي) : ٢٧١ ؛ شرح الإشارات ٢ : ٢٠٩ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٢٢ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٥٤.

٤٤٠