المسألة الرابعة : في حجج مثبتي الإعدام
ذهب مشايخ المعتزلة إلى (١) إمكان افناء العالم وإعدامه ، وأنّه سيقع. ثمّ ادعوا على ذلك الإجماع ولم يذكر فيه خلاف (٢) ، إلّا ما شنّع به ابن الراوندي على الجاحظ ، فانّه زعم أنّه لا يقول بافناء العالم ، وأنكره جماعة (٣) وقالوا : لو كان مذهبا له لحكاه غيره وذكره. والله أعلم بحقيقة الحال.
واستدلوا على ذلك أيضا بأنّ العالم قد ثبت أنّه ممكن وكلّ ممكن فانّه يقضي العقل بإمكان عدمه كما يقضي بإمكان وجوده. والنبي عليهالسلام قد أخبر بوقوع عدمه فوجب أن يثبت عدمه. وبينوا أخبار الصادق بوقوعه بوجوه :
الوجه الأوّل : ما ذكره قاضي القضاة في قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (٤) ،
__________________
(١) في النسخ : «على» ، وهو من إقحام الناسخ.
(٢) وادّعى المصنف أيضا الإجماع على ذلك حيث قال : «وقد وقع الإجماع على الفناء وإنّما الخلاف في كيفيته» كشف المراد : ٤٠٢.
(٣) منهم الخياط حيث قال بعد هذا الإسناد : «وهذا كذب على الجاحظ عظيم ، وذلك أنّ قول الرجل إنّما يعرف بحكاية أصحابه عنه أو بكتبه ، فهل وجد هذا القول في كتاب من كتبه؟ فانّ كتب عمرو الجاحظ معروفة مشهورة في أيدي الناس. أو هل حكاه عنه أحد من أصحابه؟» الانتصار : ٢٢.
والجدير بالذكر أنّ ابن الراوندي ليس وحيدا في هذا الاسناد ، بل ذكره كثير من المتكلمين وغيرهم ، منهم : ١. البغدادي في أصول الدين : ٦٦ (المسألة الخامسة عشرة من الأصل الثاني في إجازة الفناء على العالم). ٢. الشهرستاني في الملل والنحل في ترجمة الجاحظية. ٣. الطوسي في نقد المحصل : ٢٢٢.
(٤) الحديد / ٣. قال القاضي عبد الجبار : «فأمّا الذي يدلّ من السمع على أنّه تعالى يفني الجوهر ، فوجوه. منها قوله سبحانه : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) المغني ١١ : ٤٣٧. المجموع في المحيط بالتكليف ٢ : ٢٨٧. واستدل فيهما بالآية الرابعة والخامسة أيضا ، فراجع. وانظر أيضا الأدلّة السمعية في كشف المراد : ٤٠٢ ؛ شرح المقاصد ٥ : ١٠٠ وما يليها.