نهاية المرام في علم الكلام - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية المرام في علم الكلام - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: فاضل العرفان
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-393-57
ISBN الدورة:
978-964-357-390-4

الصفحات: ٥٨١

أن يكون له طرف موجود.

وأمّا ثانيا : فلأنّه عند مثبتيه مشترك بين الماضي والمستقبل فيكون سببا لاتصال المعدوم بالموجود ، هذا خلف.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ذلك الآن محال أن يبقى ، لأنّه إن كان سيالا كان منقسما فلا يكون الشيء الواحد باقيا ، وإن لم يكن سيالا كان الحاصل في آخره وأوّله حاصلا دفعة واحدة ، وهو محال. وأمّا إن انعدم فإن كان عدمه متدرجا عاد المحال ، [وإن كان دفعة لم يكن عدمه مقارنا لوجوده بل كان في آن آخر ، فإن كان بينهما زمان عاد المحال] (١) ، وإن لم يكن بينهما زمان تتالي آنات فيلزم وجود الجزء الذي لا يتجزأ.

الوجه الثاني : لو كان الزمان ثابتا لكان لأجل احتياج الحركة من حيث هي هي إليه والحركة غير محتاجة إلى وجود حركة أخرى ، وإلّا تسلسل. وإذا كان كذلك فكلّ حركة من حيث هي هي مستتبعة زمانا كما أنّ كلّ حركة فهي من حيث هي هي مستتبعة مكانا. وإذا وجدت الحركات معا كانت أزمنتها معا معينة تمتنع (٢) أن يثبت المع قبلا أو بعدا ، وتلك هي المعية الزمانية. فإذن لتلك الأزمنة زمان محيط بها وذلك المحيط يكون أيضا مع تلك الأزمنة فيكون هناك زمان آخر محيط بها والكلام فيه كالأوّل فيلزم وجود أزمنة يحيط بعضها بالبعض لا إلى نهاية ، والأزمنة تابعة للحركات فهناك حركات مختلفة محيط بعضها بالبعض وهي لا محالة لمتحركات محيط بعضها بالبعض لا إلى نهاية فهنا أجسام غير متناهية ، وهو محال.

الوجه الثالث : لو كان الزمان موجودا لكان منقسما سيالا فيكون لا محالة

__________________

(١) ما بين المعقوفين ساقط في جميع النسخ وأثبتناه من الشفاء والمباحث.

(٢) في المباحث : «تمنع».

٥٢١

بعض أجزائه قبل البعض وتلك القبلية ليست بالعلّية ؛ لوجوب حصول المعلول مع علته ، والقبل هنا يمتنع حصوله مع البعد.

ولأنّ الجزء المفروض علّة إن كان وصف العلية له لماهيته أو لوازمها (١) وجب تخالفهما في الحقيقة ، وإلّا كان الشيء علّة لنفسه. فإذن كلّ جزء يفرض في الزمان فهو مخالف في الماهية للجزء الآخر ، لكن الأجزاء التي يمكن فرضها فيه غير متناهية فهي حاصلة بالفعل ، لأنّ امتياز الأمور المتخالفة بالماهية لا يتوقف على الفرض والاعتبار ، وذلك محال لأنّ كلّ واحد من تلك الأجزاء غير قابل للقسمة وإلّا كانت الأجزاء الممكنة فيه متميزة لا (٢) بالفعل فلا يكون واحدا وقد فرض كذلك ، فيلزم تركب الزمان من الآنات المتتالية فيلزم تركب الجسم من الجواهر الأفراد.

وإن كانت علّية المتقدم للمتأخر من العوارض ، أمكن زوال هذا الوصف عنه فكان يمكن أن يكون أمس غدا والغد أمس ، وهو محال. ولأنّ المتقدم إذا أمكن أن يكون هو بعينه متأخرا كان حصول القبلية له بسبب وقوعه في الزمان المتقدم وكذا المتأخر ، فللزمان زمان ويتسلسل. فتقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض ليس بالذات ولا بالعلية ولا بالشرف ولا بالمكان ، لأنّ الزمان ليس ذا وضع فهو إذن بالزمان لانحصار أنواع التقدم عندهم في الخمسة ، فللزمان زمان ويتسلسل.

الوجه الرابع : المعقول من الزمان : الأمر الذي به يكون تقدّم الأشياء بعضها على بعض التقدم والتأخر اللذان يمتنع أن يوجد المتقدم والمتأخر معا ، فهذا المعنى لو ثبت لكان متعلقا بالحركة لأدلة المشائين ، لكن هذا المعنى قد يوجد في

__________________

(١) أي لوازم ماهيته.

(٢) ساقطة في المباحث المشرقية.

٥٢٢

الموضع الذي يستحيل فيه وجود الحركة ، فإنّ الباري تعالى لا شكّ أنّه موجود مع كلّ حادث يحدث ويكون قبلا لكلّ واحد من تلك الحوادث عند حدوثها ومعا لها عند حدوثها. (١)

فإذا قطعنا النظر عن سائر أنواع التقدم من التقدم بالعلية وبالشرف وبالطبع وجرّدنا النظر إلى أنّه تعالى كان موجودا مع عدم هذه الحوادث وهو الآن موجود مع وجودها ، كانت قبليته لها تارة ومعيته لها أخرى من هذا الاعتبار المخصوص كقبلية سائر الأشياء بعضها مع بعض ومعها (٢) ، فإذا كانت هذه القبلية والمعية حاصلتين في حقّه تعالى مع استحالة حصول الحركة والتغيّر ، علمنا أنّ حصول التقدّم والتأخر من هذا الوجه لا يتوقف على وجود الزمان المتعلق بالحركة والتغير. وعلمنا أنّ حصول التقدم والتأخر لا يتوقف على وجود الزمان المتوقف على وجود الحركة. (٣)

ولا يندفع هذا بما قاله الشيخ (٤) بأنّ معية المتغير مع المتغير بالزمان ومعية الثابت مع المتغير بالدهر فالدهر محيط بالزمان ومعية الثابت مع الثابت بالسرمد فيكون السرمد مباينا للزمان ، لأنّ هذه تهويلات خالية عن التحصيل ؛ لأنّا لمّا رأينا تقدما وتأخرا ومعية لبعض الحوادث مع بعض ثمّ اختلفنا في أنّ هذه العوارض هل هي لأجل الزمان الذي هو مقدار الحركة أو لا؟ فلما رأيناها باقية حيث لا تثبت فيه الحركة أصلا ، علمنا أنّ ثبوت هذه الأمور غير متعلق بالزمان الذي هو مقدار الحركة.

__________________

(١) والعبارة في المباحث هكذا : «قبل حدوثها ومعها وعند حدوثها».

(٢) في المباحث : «معيتها».

(٣) العبارة الأخيرة ليست في المباحث.

(٤) راجع الثالث عشر من ثانية الأول من طبيعيات الشفاء : ١٧١.

٥٢٣

ولأنّ هذا الدهر الذي يثبتونه إمّا أن يكون وجوديا في الخارج أو لا ، فإن لم يكن بطل القول بالزمان ، لأنّه لمّا جاز أن تكون المعية بين الثابت وبين ما ليس بثابت لأجل أمر ليس بموجود في الخارج جاز أن تكون معية المتغير مع المتغير لأجل أمر ليس بموجود في الخارج. وإن كان الدهر موجودا في الخارج ، فإمّا أن يكون ثابتا أو متقضيا ، فإن كان ثابتا استحال انطباقه على الزمان المقتضي ، إذ لو جاز أن يتقدر الزمان المتقضي بالدهر الثابت جاز أن تتقدر الحركة بالدهر ، وحينئذ لا يحتاج إلى الزمان. وإن كان متقضيا استحال انطباقه على الثابت إذ لو جاز أن يتقدّر الثابت بالمتغير ويتحدد به جاز أن تتحدد الأمور الثابتة وتتقدر بالزمان ، وحينئذ لا يحتاج إلى الدهر. فثبت أنّ التقدم والتأخر والمعية على الوجه المخصوص لا حاجة بها إلى وجود مقدار الحركة ، فبطل القول بالزمان.

وأيضا الدهر والسرمد ليسا واجبين لذاتيهما بل هما ممكنان ، وليسا بجوهرين مستقلين بالذات في الوجود فهما عرضان. وليس بعض الأشياء بالمحلّية لهما أولى من بعض.

الوجه الخامس : لو كان الزمان موجودا لكان مقدارا للحركة لأدلة المشائين ، والتالي باطل ، لأنّ الحركة إمّا بمعنى التوسط وهي آنية ولا تعلق لها بالزمان ، لأنّ الشيخ صرح بذلك. (١) ولأنّ كلّ آن يفرض فإنّه يوجد الجسم فيه عند كونه متحركا حاصلا في الوسط. وإمّا بمعنى القطع وهي ذهنية لا خارجية على ما صرح به الشيخ ، فيكون الزمان متعلّق الوجود بما لا تحقّق له في الخارج فلا يكون له وجود في الخارج.

فإذن الحقّ أنّ وجود الزمان كوجود الحركة بمعنى القطع ، فكما أنّ الذهن لما ارتسمت فيه صورة المتحرك عند كونه في المكان الأوّل ثمّ قبل زوال تلك الصورة

__________________

(١) راجع الفصل الأوّل من ثانية الأول من الشفاء (السماع الطبيعي).

٥٢٤

ارتسمت صورة عند كونه في المكان الثاني ، فحينئذ يشعر الذهن بالصورتين معا على أنّهما شيء واحد ممتد ، وإن لم يكن لذلك وجود في الخارج فكذا الزمان وجوده في الذهن فقط ؛ فانّ للمتحرك قربا من بداية المسافة ونهايتها ، لكن القربان لا يوجدان دفعة في الخارج بل توجد في النفس صورتاهما معا مع صورة الواسطة ، فحينئذ يشعر الذهن بجميع تلك الأمور على أنّها أمر واحد. وليس لذلك وجود في الخارج كما ليس للحركة ، وليس في الخارج إلّا اقتران متجدد موهوم بمتجدد معلوم ازالة للابهام ، كما يقال : آتيك عند طلوع الشمس ، فإنّ طلوع الشمس معلوم والمجيء موهوم. فإذا قرن ذلك الموهوم بذلك المعلوم زال الابهام. ولو أنّ الموقت قرن المجيء بحادث آخر كقدوم زيد صحّ ، لكن طلوع الشمس لمّا كان أعمّ وأعرف وأشهر كان هذا التوقيت أولى. (١)

وقد اعترض الشيخ على الأوّل : بأنّا نسلّم أنّ الزمان ليس موجودا في الآن ولا في الماضي ولا في المستقبل ، لكن لم قلتم بأنّه لو كان موجودا لكان وجوده إمّا في الآن أو في الماضي أو في المستقبل؟ فإنّ الوجود المطلق أعمّ من الوجود في الآن أو في الماضي أو في المستقبل ، ولا يلزم من كذب الأخص كذب الأعم ، كما لو قيل : لو كان المكان موجودا لكان موجودا إمّا في المكان أو في طرف منه ، فانّه يكون قولا باطلا. فكذا لو قيل : لو كان الزمان موجودا لكان وجوده إمّا في الماضي أو في المستقبل أو في الآن الذي هو طرفه ، كان قولا باطلا ، بل الزمان موجود مع أنّه ليس موجودا في الماضي ولا في المستقبل ولا في الآن ، لأنّا لا نعني بالزمان إلّا الإمكان المفترض من مبدأ المسافة ومنتهاها الذي يمكن أن تقع فيه حركة مخصوصة على قدر مخصوص من السرعة ، فإن لم يكن الزمان موجودا لم يكن هذا الإمكان موجودا. ولمّا عرفنا بالضرورة أنّ لهذا الإمكان وجودا علمنا أنّ الزمان

__________________

(١) فهذا ما يمكن أن يقوله نفاة الزمان وإن كان أكثره غير مذكور في الكتب. المباحث : ٧٦١.

٥٢٥

موجود وإن لم يكن وجوده حاصلا في الماضي والمستقبل والآن.

والجواب أن نقول : الضرورة قاضية بأنّ كلّ موجود فإنّه لا ينفك وجوده عن أحد الأزمنة الثلاثة. والشيخ استعمل هذه المقدمة فقال لمّا بحث عن مفهوم قولنا : «الحركات الماضية غير متناهية» ، إن عني بذلك أنّ الحركات الماضية أمور موجودة موصوفة بوصف اللانهاية فذلك كاذب ، لأنّها لو كانت موجودة لكان وجودها إمّا في الماضي أو المستقبل أو الحال ، ولمّا لم يكن لذلك المجموع من حيث هو مجموع وجود في أحد هذه الأوقات الثلاثة فهو غير موجود أصلا. فإذا كان الشيخ يستنتج من نفي حصول الشيء في الماضي أو في المستقبل أو الحال نفي حصوله مطلقا ، فكيف زعم هنا أنّ الشيء قد يكون موجودا وإن لم يكن وجوده في أحد الأوقات الثلاثة؟

وكلّ من راجع نفسه علم أنّ الشيء الذي لا ثبوت له لا في الحال ولا في الماضي ولا في المستقبل ولا تمكن الإشارة إليه في وقت من الأوقات أنّه الآن قد حصل. فالحكم بثبوته مع ذلك محال ، فإنّه لا معنى للعدم إلّا ذلك. وكلّ واحد من الوجود في الماضي أو في الحال أو في المستقبل وإن كان أخص من مطلق الوجود إلّا أنّ العقل لمّا حصر مطلق الوجود في مجموع هذه الأقسام الثلاثة لزم من ارتفاعها ارتفاع مطلق الحصول. كما أنّ الواجب والممكن لمّا كان كل واحد منهما وإن كان أخص من مطلق الوجود إلّا أنّ العقل لمّا حصر مطلق الوجود فيهما لزم من ارتفاعهما ارتفاع الوجود ، فكذا هنا لمّا حصر العقل طبيعة في مواضع مخصوصة لزم من ارتفاع تلك المواضع بأسرها ارتفاع تلك الطبيعة ؛ لأنّ الكلي لا وجود له إلّا في جزئياته فإذا انتفت انتفى.

وقد عارض بعضهم بالحركة ، فإنّ الحس دالّ على وجودها ، مع أنّ التقسيم الذي ذكروه قائم بعينه وهو غلط.

٥٢٦

أمّا أوّلا : فلأنّ الحركة عند نفاة الزمان مركبة من أجزاء لا تتجزأ كلّ واحد منها يوجد آنا ، فإذا عدم الآن عدمت الحركة الموجودة فيه وإذا تجدد آخر تجدد فيه حركة أخرى غير منقسمة.

وأمّا ثانيا : فإنّ الحركة بمعنى القطع لا وجود لها عينا ، فالزمان الذي هو الأمر الممتد الذي يكون مطابقا للحركة بمعنى القطع يستحيل أن يكون له وجود في الأعيان. وبمعنى التوسط آنية واحدة ثابتة مستمرة من أوّل المسافة إلى آخرها. والحركة بمعنى القطع أمر وهمي إنّما يحصل بسبب استمرار ذلك المعنى من أوّل المسافة إلى الآخر ، فيجب أن يعتقد في الزمان ذلك ، وهو أن يقال : الأمر الوجودي في الخارج غير منقسم ، وهو مطابق للحركة بمعنى الكون في الوسط.

ثمّ كما أنّ الحركة بمعنى الكون في الوسط تفعل الحركة بمعنى القطع ، كذا في الآن الغير المنقسم يفعل بسيلانه الزمان. وكما أنّ الحركة بمعنى القطع لا وجود لها في الأعيان فالزمان الذي هو أمر ممتد منقسم لا وجود له في الأعيان. والذي ثبت له وجود عينا من الزمان هو الذي يسمى بالآن السيال.

وعلى الثاني : بأنّ الزمان لكلّ حركة ولكن وجوده لا يتعلق بكلّ حركة ، فإنّ من الجائز أن يكون المقدار الواحد تتقدر به أمور كثيرة بعضها بواسطة البعض ، وإذا جاز ذلك فالدليل الذي ذكرتموه لمنع أن يكون لكلّ حركة زمان على حدة يوجب الجزم باستحالة ذلك القطع ، فإنّ وجود الزمان متعلق بالحركة التي هي أقدم الحركات ، ثمّ تتقدر سائر الحركات به.

والجواب أن يقال : إذا قدّرنا أنّ تلك الحركة لا توجد لزم أن تبقى سائر الحركات خالية عن الزمان حتى لا يكون جزء منها مقدما على الآخر ، فلا تكون الحركة حركة.

اعترض بأنّ عدم الحركة الأولى إنّما يكون بعدم محلها الفاعل للجهات ،

٥٢٧

ومتى عدم ذلك الجسم استحال أن تكون الأجسام المستقيمة الحركة موجودة. فما ذكرتموه مبني على مقدمات ممنوعة إلّا أن يعتمد على مجرّد الوهم الكاذب ، ولكن ذلك لا يوجب نتيجة صادقة. (١)

والجواب : أنّ المحيط جسم لا يفعل الجهة ، لأنّ الجهة هي طرف الامتداد. وكما أنّ الجسم لا يفعل الجسم كذا لا يفعل باقي المقادير ، بل إنّما يفعل تمايز الجهات وبوجوده تمايزت الجهات ، ولا يضر عدمه في التميز الذي حصل لها ، فلا يلزم ارتفاع ما عداه من الأجسام بارتفاعه وعدمه.

واعترض على من جعل الزمان نفس التوقيت : بأنّ حاصله راجع إلى معيّة بين حادثين وتلك المعية ليست هي نفس الزمان ، لأنّ الزمان الواحد توجد فيه معيّات كثيرة ولا توجد في الزمان أزمنة كثيرة.

ولأنّ المعية ليست نفس ماهيتي المعين ، لأنّ المعية أمر لا يختلف باختلاف المواضع ، والأشياء التي تعرض لها المعية أمور مختلفة.

ولأنّ المعية أمر إضافي لا تستقل بنفسها ، بل هي عارضة لغيرها ومعروضها مغاير لها ، ولا يجوز أن تكون المعية لازمة للأمر الذي عرضت له المعية ، لأنّ الشيء الذي عرضت له المعية يمكن أن تعرض له البعدية ، والقبلية لا تبقى مع البعدية. فإذن تلك المعية غير لازمة لماهية المعين ، فهي إذن من العوارض ، وذلك لأجل حصول الشيئين في زمان واحد ، فإذا كانت تلك المعية معلولة للزمان امتنع أن تكون هي نفس الزمان.

وأيضا لو كان زمان حصول الشيء الحادث الذي كان معه عبارة عن الوقت الذي يوقت فليكن الغد عبارة عن شيء معين معه حادث آخر ، فلو فرض

__________________

(١) انظر الاعتراض من الرازي في المباحث ١ : ٧٦٤.

٥٢٨

حصول ذلك الشيء لكان الغد حاصلا في اليوم ، فبطل ما قالوه من : أنّ التوقيت نفس الزمان.

وفيه نظر ، فانّا إذا جعلنا الزمان نفس التوقيت الذي هو معية الموقت مع الموقت به ، أمكن اجتماع أوقات كثيرة دفعة واحدة. وإنّما يتعذر في المغرب لوقوع التوقيت بطلوع الشمس في المشهور. فأيّ حادث قارن طلوعا معينا كان مؤقتا به ، ولم تختلف الحوادث ولا الطلوع من هذه الحيثية وإن اختلفت الإضافة.

ولا نسلم أنّ المعية العارضة للمعين يجب أن تكون بالزمان ، وفرض حصول ما يقارن الغد الآن محال.

المسألة السابعة : في الآن (١)

هنا آنان :

__________________

(١) الآن «Instant ,moment­ في اللغة : الوقت ، قيل : أصله أوان ، حذفت الألف الأولى وقلبت الواو ألفا ، فصار آنا. (جميل صليبا ، المعجم الفلسفي ١ : ٢٨).

وهذه خلاصة الآراء في تعريفه :

١. الكندي : «هو نهاية الزمان الماضي الأخيرة ونهاية الزمان الآتي الأولى» رسائل الكندي ١ : ١٢٢.

وقال في موضع آخر : «حد الزمان الذي به يسمى متصلا هو : الآن المتوهم الذي يصل أو يواصل ما بين الماضي منه وبين المستقبل». الكندي ، رسالة في الجواهر الخمسة : ٣٣ ـ ٣٤.

٢. ابن سينا : «طرف موهوم يشترك فيه الماضي والمستقبل من الزمان ، وقد يقال : آن الزمان صغير المقدار عند الوهم متصل بالآن الحقيقي من جنسه» رسالة الحدود. ومثله في طبيعيات النجاة (القول في الزمان).

وقال في موضع آخر : «الآن : فصل الزمان وطرف أجزائه المفروضة فيه ، ينفصل به كلّ جزء في حدّه ويتصل بغيره». عيون الحكمة : ٢٧ ، تحقيق عبد الرحمن بدوي. ـ

٥٢٩

الأوّل : الذي يكون حصوله فرعا على حصول الزمان ، وهو الذي إذا وجد الزمان ثمّ فرض فيه حدّ وفصل فإنّه يكون ذلك الحدّ طرفا للزمان ، وهو المسمى بالآن.

الثاني : الذي يكون حصول الزمان فرعا على حصوله.

أمّا الأوّل فالنظر فيه يتعلّق بأمرين :

الأمر الأوّل : في كيفية وجوده

قد عرفت أنّ الزمان عندهم مقدار الحركة متصل وأنّه يقبل انقسامات غير متناهية ، وتلك الانقسامات غير موجودة بالفعل ، بل إنّما تحصل عند أمور ثلاثة : القطع ، واختلاف الفرضين ، والوهم.

والقطع غير ممكن في الزمان عندهم لاستحالة أن تكون للزمان بداية ونهاية

__________________

ـ ٣. الجرجاني : «هو اسم للوقت الذي أنت فيه ، وهو ظرف غير متمكّن ، وهو معرفة ولم تدخل عليه الألف واللام للتعريف لأنّه ليس له ما يشركه» التعريفات : ٥٥.

٤. الآمدي : «الآن عبارة عن نهاية الزمان وإن شئت قلت : هو ما يتصل به الماضي والمستقبل». المبين (الآن).

٥. صدر المتألهين : «الآن : فاصل للزمان باعتبار وواصل له باعتبار آخر. أمّا كونه فاصلا فلأنّه يفصل الماضي عن المستقبل. وأمّا كونه واصلا فإنّه حدّ مشترك بين الماضي والمستقبل ولأجله يكون الماضي متصلا بالمستقبل». الأسفار الأربعة ٤ : ١٧٨.

وانظر البحث أيضا في الثاني عشر من ثانية الأول من الشفاء (السماع الطبيعي) : ١٦٠ ؛ التحصيل : ٤٥٨ ؛ المعتبر في الحكمة ٢ : ٧٧ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٨٣ : المطالب العالية ٥ : ٨٣.

٥٣٠

بالفعل ، فهذا الآن يستحيل حصوله بالفعل ، بل حصوله إنّما يمكن على أحد وجهين آخرين : إمّا بموافاة الحركة حدّا مشتركا غير منقسم ، كمبدإ طلوع أو غروب. وإمّا بحسب فرض الفارض.

ثمّ لا شيء من هذه إحداث فصل في ذات الزمان ، وإنّما حصول الفصل في الزمان إنّما هو بسبب هذه الأمور كحصول الانقسام في الجسم بسبب اختلاف الأعراض النسبية كاختلاف موازاتين (١) ، أو مماستين ، وإمّا بسبب الفرض والوهم.

والاعتراض قد مرّ منع كون الزمان مقدارا للحركة وعدم المبدئية فيه ، وأنّ الشيء قد يكون منقسما بالقوة. ثمّ نقول : إنّما منعتم عن إثبات البداية والنهاية في الزمان لاستلزامه ثبوت زمان قبله ، وأنتم قائلون به فلا استحالة فيه عندكم فنقول : لم لا ينقطع الزمان بالآن ويكون ذلك فاصلا بالفعل بين الماضي والمستقبل؟

الأمر الثاني : في كيفية عدم هذا الآن

والكلام فيه يبتني على مقدمة وهي : أنّ الشيء إذا كان موصوفا بوصف في زمان ثمّ يصير موصوفا بوصف آخر في زمان يتلو الزمان الأوّل فهل يكون في الآن الفاصل بين ذينك الزمانين موصوفا بأحد ذينك الوصفين أم لا؟ وإن كان موصوفا بأحدهما فهل هو موصوف بالوصف الأوّل أو الثاني؟ فيه تفصيل وهو :

__________________

(١) في المباحث : «موازيين».

٥٣١

أنّ الوارد إن أمكن حصوله دفعة كان ذلك الشيء في الآن المشترك موصوفا به كالتربيع الوارد على شكل آخر ، فانّ الآن الفاصل بين الزمانين يكون الشيء فيه موصوفا بالتربيع ؛ وكذا الصور المتعاقبة ، فإنّ المادة تخلع الصورة السابقة في الآن الفاصل بين الزمانين وتلبس الصورة الواردة ، فإنّ الصورة الأولى لو كانت باقية لكان الزمان زمان الصورة الأولى ، فلا يكون هناك زمانان يفصل بينهما آن. ولو عدمت تلك الصورة في ذلك الآن ولم توجد فيه الصورة الثانية فقد خلت المادة عن الصورة. فإذن المادة في ذلك الآن لا تكون موصوفة بالصورة الواردة.

وأمّا إن كان الوارد ممّا لا يمكن حصوله دفعة كان ذلك الآن الذي هو ابتداء حصوله يكون خاليا منه ويكون فيه نقيض الحالة الأولى مثل : المماس إذا تحرك كانت حركته معدمة لتلك المماسة ، فبين زمان المماسة وزمان الحركة آن يكون الجسم في ذلك الآن موصوفا بنقيض المماسة وهي اللامماسة ، ولا يكون موصوفا بالحركة والسكون ، لاستحالة حصولهما في الآن.

وإذا تقررت هذه المقدمة على رأيهم ، فنقول : الآن إذا وجد فعدمه إن كان على التدريج كان منقسما ، لأنّه تكون بين وجوده الصرف وعدمه الصرف واسطة فيكون زمانا لا آنا ، هذا خلف. وإن كان دفعة فإمّا أن يكون عدمه مقارنا لآن وجوده وهو ظاهر البطلان ، وإمّا أن يتراخى عنه ويكون آن عدمه مغايرا لآن وجوده ، فإمّا أن لا يكون بين الآنين متوسط فيلزم تتالي الآنات. ثمّ الكلام في عدم الآن الثاني كالكلام في عدم الآن الأوّل فيلزم تركّب الأزمنة من الآنات ، وهو محال. وإمّا أن يكون بين الآنين متوسط فحينئذ يكون الآن مستمرا في ذلك المتوسط ، وهو محال.

٥٣٢

وقد أجاب الشيخ عن هذا الإشكال بمنع الحصر في القسمة إلى تحقّق العدم على التدريج أو دفعة وأبدا قسما آخر وهو : أن يكون عدمه في جميع الزمان الذي بعده. (١)

لا يقال : لا نسلّم أنّ عدم الآن في جميع الزمان الذي بعده ، لكن ليس كلامنا في مطلق عدمه بل في ابتداء عدمه ، ومعلوم أنّه ليس ابتداء عدمه في جميع الزمان الذي بعده. فإذن ابتداء عدمه إمّا أن يكون يسيرا يسيرا وإمّا أن يكون دفعة ، ويعود الإشكال.

لأنّا نقول : إنّ ابتداء عدم ذلك الآن هو نفس وجود ذلك الآن. ولا امتناع في أن يكون أوّل زمان عدم الآن يكون فيه وجود الآن ، كما أنّه لا يجب في المتحرك أن يكون في أوّل زمان حركته متحركا ، وكذا الساكن لا يفتقر في سكونه إلى أن يثبت له السكون في أوّل زمان سكونه ، كذا هنا.

والأصل فيه : أنّ الحركة والسكون زمانيان لا يمكن ثبوتهما في الآن ، بل يجب انتفاؤهما في أوّل زمان وجودهما.

لا يقال : هب أنّ ما يتقدّر بالزمان لا يتحصل في الآن الذي هو أوّل ذلك الزمان ، لكن اللاوجود ليس ممّا يتقدّر إلّا بالزمان ، فإنّ بعض الأشياء قد ينعدم في الآن على ما بيّنا في أوّل هذا الباب ، فإنّ التغير المستمر في الزمان عبارة عن حدوث أنواع متعاقبة مختلفة بالماهية ، ولا يوجد كلّ واحد منها إلّا آنا واحدا وينعدم فيه. وإذا ثبت ذلك ظهر أنّه يكون للاوجود أوّل يتحقّق فيه كونه لا وجودا. فإذن تكون لعدم ذلك الآن بداية يتحقّق فيها عدمه.

__________________

(١) الثاني عشر من ثانية الأول من طبيعيات الشفاء.

٥٣٣

لأنّا نقول : لمّا منعنا أن تكون لعدم الآن بداية يكون هو فيها معدوما ، فليس منعنا ذلك لأجل أنّ طبيعة العدم لا تتقرر في الآن ، بل كان المراد منه بيان أنّه لا يجب في كلّ شيء أن تكون له بداية تكون ماهيته محصّلة في تلك البداية. ولمّا ثبت أنّ ذلك معقول في الجملة فهنا لا يمكننا أن نوجب لعدم الآن بداية يكون هو فيها معدوما إلّا بعد تجويز تتالي الآنات ، وهو مصادرة على المطلوب.

قال الشيخ : (١)

__________________

(١) في هامش النسخ : «إلى هاهنا كان كذا». فالنسخ التي بأيدينا تنتهي بهذا المقدار من كتاب «نهاية المرام في علم الكلام» وهي كما ترى ناقصة ، ولم نعثر إلى الآن على نسخة كاملة من هذا الكتاب القيّم. وأملنا تحصيلها وتحقيقها في القريب العاجل إن شاء الله تعالى ، ولمن يرشدنا إلى مكانها مزيدا من الشكر والدعاء.

والحمد لله رب العالمين.

٥٣٤

الفهارس

فهرس الآيات

فهرس الأعلام

فهرس الفرق والمذاهب والملل

فهرس الكتب الموجودة في المتن

فهرس مصادر التحقيق

فهرس محتويات الكتاب / ج ٣

الفهرس الإجمالي

٥٣٥
٥٣٦

فهرس الآيات

الآية

رقمها

الجزء

الصفحة

البقرة (٢)

(اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ)

٢٥٣

٣

٢٣٢

(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)

٢٦٠

٣

٢٠٢

آل عمران (٣)

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)

١٨

٢

١٩٢

(اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ)

٤٧

٣

٢٣٢

النساء (٤)

(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)

١٧٦

٣

٢٣٣

المائدة (٥)

(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ)

١١٠

٣

٢٣٠

الأنعام (٦)

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ)

١٩

٢

١٩٢

٥٣٧

الآية

رقمها

الجزء

الصفحة

الأعراف (٧)

(كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)

٢٩

٣

٢٠٣ و ٢٢٤ و ٢٣٠

يونس (١٠)

(قُلِ انْظُرُوا)

١٠١

١

١٤

هود (١١)

(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)

٧

٣

٩

الحجر (١٥)

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ)

٢١

١

٦١

الكهف (١٨)

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً)

٢٣

١

٦١

مريم (١٩)

(خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)

٩

٣

٢٣١

الأنبياء (٢١)

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ)

٣١

٣

٣١٨

(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)

١٠٤

٣

٢٢٤

٥٣٨

الآية

رقمها

الجزء

الصفحة

الحج (٢٢)

(إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)

١

١

٦١

(اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ)

١٤

٣

٢٣٢

النور (٢٤)

(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ...)

٣٥

٢

٦١

القصص (٢٨)

(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)

٨٨

٣

٢٢٤

العنكبوت (٢٩)

(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ)

١٩

٣

٢٠٣ و ٢٣٠ و ٢٣١

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)

٢٠

٣

٢٠٣

الروم (٣٠)

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ)

٨

١

١٤

(وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ)

١٩

٣

٢٠٣

(خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ)

٢٠

٣

٢٠٣ و ٢٣٠

(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)

٢٧

٣

٢٢٤ و ٢٣٠

(خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ)

٤٠

٣

٢٢٩

٥٣٩

الآية

رقمها

الجزء

الصفحة

السجدة (٣٢)

(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ)

٧

٣

٢٠٣ و ٢٣٠ و ٢٣١

فاطر (٣٥)

(كَذلِكَ النُّشُورُ)

٩

٣

٢٠٣

(خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ)

١١

٣

٢٠٣

يس (٣٦)

(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ...)

٨١

٣

٢٤٨

الزمر (٣٩)

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)

٤٩

١

٤

غافر (٤٠)

(خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ)

٦٧

٣

٢٠٣

فصلت (٤١)

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...)

٥٣

٢

١٩٣

٥٤٠