البحث الثاني
في إمكان الحصول التدريجي
نازع أفضل المتأخرين في ذلك (١) ، وذهب إلى امتناعه. واستدل عليه بأنّ : «الشيء إذا تغير فذلك التغيّر إنّما يكون لحصول شيء فيه أو لزوال شيء عنه ، إذ لو لم يحدث فيه شيء ما كان موجودا أو لم يزل عنه شيء ممّا يكون موجودا ، وجب أن يكون حاله في ذلك الآن كحاله قبله فلا يكون فيه تغير وقد فرض فيه تغيّر ، هذا خلف.
فإذن كلّ شيء متغير فلا بدّ له من حدوث شيء فيه أو زوال شيء عنه فليفرض أنّه حدث فيه شيء ، فذلك الحادث قد كان معدوما ثمّ صار موجودا ـ تحقيقا للحدوث ـ وكلّ ما كان كذلك فلوجوده ابتداء بالضرورة وذلك الابتداء غير منقسم ، وإلّا لكان أحد جزئيه هو الابتداء لا هو ، فذلك الذي حدث إمّا أن يكون في ابتداء وجوده موجودا أو لا يكون ، فإن لم يكن فهو بعد في عدمه لا في ابتداء وجوده ، وإن حصل له وجود فلا يخلو إمّا أن يكون قد بقى منه شيء بالقوّة أو لم يبق ، فإن لم يبق فالشيء قد حصل بتمامه في أوّل حدوثه ، فهو حاصل دفعة لا يسيرا يسيرا ، وإن بقي منه شيء بالقوّة فذلك الذي بقى إمّا أن يكون عين الذي وجد ، وهو محال ، لاستحالة أن يكون الشيء الواحد موجودا معدوما دفعة واحدة ،
__________________
(١) وقد ذكر بهمنيار هذه الشبهة عمّن سبقه من الأقدمين وأبطلها ، كما في الأسفار ٣ : ٢٧.