تفسير من وحي القرآن - ج ٢١

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ٢١

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٠

شهواتهم وأهوائهم ، لأنهم لا يتحركون من موقع الفكر الجادّ ، والموقف المسؤول الباحث عن الحقيقة ، ولهذا كذبوا بالوحي تكذيبا عمليا متعمّدا. (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) فإن طبيعة الحقائق لا تتغير بسبب تكذيب الناس لها ، بل هي ثابتة مهما حاول الآخرون تغطيتها بوسائلهم الخاصة ، لأنها ستظهر في نهاية المطاف ، وسيعرف الجميع من خلال الواقع ، صدق الداعية أو كذبه.

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) فقد قص عليهم النبي من أنباء الأمم الماضية التي كفرت كما كفروا ، وكذبت كما كذبوا ، فنالهم العذاب في الدنيا قبل الآخرة ما يوجب ازدجارهم عما هم فيه من ضلال لما تتضمنه تلك الأنباء من دواعي الاتّعاظ والاعتبار.

(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) في ما جاء به الوحي الإلهي من الأفكار والتعاليم والتشريعات التي تطابق المصلحة العميقة للإنسان في حياته ، لانسجامها مع الحكمة التي تضع الأشياء في مواضعها. ومن الطبيعي أن حركة الحكمة في الحياة خاضعة للالتزام بها من قبل الناس ، فلا فائدة منها إذا رفضوها وأصرّوا على عنادهم وتكذيبهم (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) لأن قيمة الإنذار إنما تكون بالعمل ، لأن دور المنذرين هو الإبلاغ ، والباقي دور الذين أنذروا.

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي أعرض عنهم ، ولا تتعقد من ذلك ، لتشعر بالإحباط والسقوط أمامهم ، وتابع سيرك ، واتركهم لمصيرهم الذي يستقبلونه في يوم القيامة ، (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) وهو الله (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) لا ترتاح إليه النفوس ، بل تنكره لما يشتمل عليه من عذاب يواجهونه جزاء لأعمالهم ، (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) من الذلّة والخضوع ، (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) أي القبور حائرين مذهولين ، (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) لكثرتهم ، بحيث يختلط بعضهم ببعض من دون أيّة فسحة أو فاصل بينهم ، (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) أي مسرعين إلى دعوة الله للحساب والجزاء ، حيث (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) في ما يشتمل عليه من صعوبة وشدّة وخطورة على المصير.

* * *

٢٨١

الآيات

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١٧)

* * *

معاني المفردات

(مُنْهَمِرٍ) : منصبّ انصبابا شديدا.

(وَفَجَّرْنَا) ؛ التفجير : تشقيق الأرض عن الماء.

(عُيُوناً) ؛ العيون : جمع عين الماء ، وهو ما يفور من الأرض مستديرا كاستدارة عين الحيوان.

(أَلْواحٍ) : جمع لوح ، وهو الخشبة.

٢٨٢

(وَدُسُرٍ) : جمع دسار ، وهو المسمار.

* * *

مع نوح وقومه في خط الذكرى

هذه جولة قرآنية في تاريخ الأمم السابقة ، التي كذبت رسلها فنالت عذابها من الله جزاء على ذلك.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) نوحا في ما جاءهم به من رسالة الله الداعية إلى توحيده وإلى الاستقامة على خط التقوى ، فتمردوا عليه ، وواجهوه بمختلف الأساليب المتعسفة اللّامعقولة ، (وَقالُوا مَجْنُونٌ) فاتهموه في عقله ، لأنه دعاهم إلى ما لم يألفوه ، أو أنكر عليهم ما ألفوه من عبادة الأصنام ، ليبطلوا تأثيره في النفوس ، وهذا ما يفعله المترفون في كل زمان ومكان عند ما تواجههم الدعوات التغييرية والإصلاحية ، لاختصار الرد بذلك ، باعتبار أن المعقول لديهم هو ما يلتزمونه ويتبنونه ، (وَازْدُجِرَ) أي ازدجره القوم وردعوه عن الانطلاق في رسالته ، فلم يتمكن من الوصول إلى النتيجة الحاسمة. وقيل : إن الكلمة من تتمة التهمة بالجنون ، أي أنه ازدجر من قبل الجن فلا يتكلم إلا عن زجر منهم بشكل غير إرادي (١).

(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ) بعد أن استنفد كل تجاربه في دعوتهم إلى رسالته ، فلم يزدادوا إلا عنادا وإصرارا على الكفر ، إلى درجة أن شيئا لم يبق لديه ليقوله ، وبالتالي أصبحت تجربة الحديث معهم مجددا تجربة عبثية ، لذا نادى ربه بأني مغلوب ، في ما أملكه من قدرات استنفدتها في حياتي معهم ، وفي ما واجهوني به من قهر وغلبة وتعسف وإنذار ، (فَانْتَصِرْ) لي فإنك ناصر من لا ناصر له ، لا سيّما إذا كان المغلوب المستضعف من رسلك.

* * *

__________________

(١) انظر : تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ٧٠.

٢٨٣

الله يجيب رسوله وينتصر له

(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) متدفق بغزارة ، (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) فتدفقت الينابيع حتى تحوّلت إلى أنهار ، (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) وهكذا اجتمع الماء المنهمر من السماء والماء المتدفق من ينابيع الأرض ، فكان الطوفان الذي أغرق الأرض كلها حتى بلغ الجبال ، وهذا ما قدّره الله من أمر أراد فيه الانتصار لرسوله ، بإغراق هؤلاء المكذبين بالطوفان.

(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) وهي السفينة التي صنعت من ألواح الخشب ، والدسر التي هي المسامير التي تربط الخشب ببعضه البعض .. ونجا نوح ومن معه من هذا الطوفان ، حيث إن الفلك التي حملتهم كانت (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) في رعاية الله وعنايته ، وكان الطوفان (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) عقابا لهؤلاء الكافرين ، (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) لمن يأتي من بعدهم ليتذكروا ويعتبروا ، (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي من متذكر (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) فهل يعرف الكافرون من قومك أو من غيرهم كيف يعاقب الله الناس ، وكيف ينذرهم بما ينتظرهم في المستقبل؟!

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) بما نقصُّ فيه من أخبار الماضين ، وما نثيره من آيات العبرة ، وما نحركه من المفاهيم العامة الحكيمة التي تبني لهم عقولهم ، وتدير لهم حياتهم ، ليخرجوا من أجواء الغفلة واللامبالاة ، ليكون ذكرى لكل حياتهم ، (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) إنه السؤال الذي يطرح نفسه على كل فكر وشعور ليهتز وليتذكر ولينفتح على الحقيقة الإلهية في كل مواقعها ، وليطرح التحدي في خط المعرفة المسؤولة في كل زمان ومكان.

* * *

٢٨٤

الآيات

(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ(٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٣٢)

* * *

معاني المفردات

(صَرْصَراً) ؛ الصرصر : الريح الشديدة الهبوب.

٢٨٥

(نَحْسٍ) : شؤم.

(أَعْجازُ نَخْلٍ) : أسافله.

(مُنْقَعِرٍ) : مقلوع من أصله.

(وَسُعُرٍ) : جنون.

(أَشِرٌ) : شديد البطر ، متكبر.

(شِرْبٍ) : نصيب من شرب الماء.

(فَتَعاطى) : تناول.

(كَهَشِيمِ) : كحطام الشجر المنقطع بالكسر.

(الْمُحْتَظِرِ) : صاحب الحظيرة.

* * *

عاد في خط الذكرى والعبرة

ويتكرر تناول القرآن لقصة عاد وثمود في أكثر من سورة ، وهو في هذه السورة تناولها في معرض الحديث عن العذاب الذي أنزله الله على الأمم التي تمردت على رسالاته ، وكذّبت رسله ، على الطريقة القرآنية التي تحرّك القصة الواحدة في أكثر من موقع للاستفادة من بعض جوانبها في هذا الموقع أو ذاك ، تبعا لما تشتمل عليه من عناصر في طبيعتها الواقعية.

(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) فهل رأيتموه في وجدان متأمل يستقرئ نتائج الوقائع التاريخية في عناصرها الوعظية التي تثير الاعتبار؟! (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) شديدة الهبوب (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) في ما توحي به كلمة النحس من شؤم يثير الكثير من المخاوف في مشاعر الإنسان الداخلية ، ويصنع الحيرة والقلق أمام المستقبل ، وقد تكون النحوسة ، في هذا المورد ، تعني البرد الشديد القارس الذي يمثل شؤما فعليا على حياة الإنسان من الناحية

٢٨٦

الواقعية ، تماما كما هو الشؤم في ما يتوقعه الإنسان من غيب المستقبل ، لأن القضية في مسألة الشؤم ، هي قضية النتائج. (تَنْزِعُ النَّاسَ) تقتلعهم من الأرض وترميهم في الهواء (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) كصورة حيّة للتهشيم والتحطيم الذي يصيب الناس عند انطلاق العاصفة الهوجاء.

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) فهل عرفتم كيف يعذب الله المتمردين على رسالاته بتجنيد الطبيعة الخاضعة لإرادته ، في ما تتحرك به الرياح في كل مكان .. (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ليتذكر الناس من خلال العبر التاريخية التي تعطي الإنسان دروسا مستقبلية في حياته (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يستجيب لذلك ، فيتعلم من التجارب التي عاشها الآخرون ، لئلا يقع في ما وقعوا فيه؟!

* * *

وثمود في خط الذكرى والعبرة

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) وهذه جماعة عاشت في التاريخ القديم ، وواجهت الرسول بالموقف المتمرّد الذي يرفض الحوار والتفاهم ، ويؤكد الحالة العدوانية التي لا تتكلم إلا بلغة العنف والتهديد ، وهكذا تحدثوا بمنطق أهوج ضالّ في العقلانية (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) فما هي ميزته علينا ، وكيف يطلب منا أن نتبع دعوته ونرتبط بقيادته في المجال الفكري والعملي؟

(إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) إذا صدّقناه ، فلا يصدقه إلا ضالّ أو مجنون ، (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) في ما يدعيه من إنزال الوحي عليه من الله من خلال دعواه الرسالة؟! (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) يحركه البطر والتعاظم الذي لا ينطلق من موقع الحقيقة.

ولكن ما قيمة هذا المنطق؟ فلما ذا لا يمكن أن يكون الرسول واحدا منهم ما دام يملك الكفاءة الروحية والعملية التي تؤهله للقيام بهذه المهمّة العظيمة؟ وهل يتصورون أن المميزات التي يحددون على أساسها القيمة الاجتماعية في

٢٨٧

تقاليدهم ، هي المميزات نفسها التي تحكم اصطفاء الله لرسله؟ فقد يترك الغنى والجاه والقوّة ونحوها تأثيرا على عقلية الناس الذين ينبهرون بهذه الأمور ، بحيث يخضعون للشخص الذي يملكها .. ولكن كيف نتصور ذلك في الله الذي خلق الناس ، وخلق كل ما يملكون من ذلك كله؟ (سَيَعْلَمُونَ غَداً) عند ما يقفون جميعا أمام الله ليواجهوا الحقيقة الحاسمة (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) ليكتشفوا أن هذه الصفة تنطبق على كل فرد منهم ، لا على الرسول.

(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) العجيبة بما أودعه الله فيها من خصائص معجزة ، لتكون (فِتْنَةً لَهُمْ) يواجهون فيها الامتحان الكبير الذي يختبر مواقفهم الإيجابية والسلبية ليحاسبهم عليها ، (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) ليكن لك أيها الرسول دور المنتظر الصابر الذي يتابع المسألة ليعرف نتائجها ، (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) وبين الناقة ، فلها شرب يوم لا يشاركونها فيه ، ولهم شرب يوم يتزودون فيه لليوم الاخر ، (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) يحضره صابحه من نوبته دون غيره ...

ومر زمن طويل عليهم وهم على هذه الوضع ، ولكن المترفين منهم خافوا من سقوط امتيازاتهم في مجتمعهم أمام هذه القوّة العجائبية التي تمثلها الناقة والمنفعة التي ينتفع الناس بها ، مما يمنح الرسول قوّة جديدة تتجاورهم ، (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) وهو أحد الرهط المفسدين في المدينة ، كما أشير إليه في سروة النمل (١) ، (فَتَعاطى) وأقدم على قتلها بوسائله الخاصة (فَعَقَرَ) أي فقتلها ، كوسيلة تحد للرسول ، لإبعاد تأثيره في المجتمع ، لما تمثله الناقة من معجزة إليها تتّصل بالواقع الاقتصادي للناس. (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) فما ذا حدث في مجمل هذا العذاب؟ (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) بحجم الصاعقة التي لا تترك أيّ أثر للحياة في الجسد لأنها تجمّد كل شيء في

__________________

(١) قال تعلى في سورة النمل : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) [النمل : ٤٨].

٢٨٨

داخله (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي كانبات اليابس الذي تذروه الريح ، فلم يبق منهم أحد ..

وجاء القرآن ليحدثكم عنهم لتتذكروا وتخرجوا من الغفلة المطبقة على حياتكم. (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) وتتحوّل القصة إلى ذكرى تلامس العقل والروح والشعور.

* * *

٢٨٩

الآيات

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) (٤٢)

* * *

معاني المفردات

(حاصِباً) ؛ الحاصب : الريح التي تأتي بالحجارة والحصباء.

(بَطْشَتَنا) ؛ البطشة : الأخذة الشديدة بالعذاب.

(فَتَمارَوْا) : فأصروا على الجدال وإلقاء الشك.

(فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) : محوناها ، والمعنى : عميت أبصارهم.

* * *

٢٩٠

لوط وقومه وآل فرعون في خط الذكرى والعبرة

وهؤلاء قوم لوط الذين جاءهم صاحبهم رسولا من الله ليدعوهم إلى عبادته ، وإلى الامتناع عن الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين ، وهي تمثل انحرافا في طريقة إشباع الغريزة الجنسية لا ينسجم مع المصلحة العليا التي وضعت لأجلها في حياته ، فوقفوا من دعوته موقف المكذِّبين ، الذين يرفضون الدعوة كلَّها من ناحية الفكر والعمل ، فعذّبهم الله جميعا ، فلم يبق منهم أحد.

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) وبالرسالات منذ أن انطلقت في تاريخ الأنبياء حتى وصلت إلى لوط الذي كانت رسالته صورة حيّة لذلك التاريخ كله ، فهو فرد يمثل مجموعة كبيرة من الرسل (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) وهي الحصباء التي تحملها الريح لتنطلق كل واحدة منها لتقتل واحدا منهم ، (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) لأنهم آمنوا بالله والتزموا خط هداه ، فأخرجناهم في آخر الليل دون أن يشعر بهم أحد ، (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) جزاء على إيمانهم واستقامتهم ، (كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) سواء كان شكره بالكلمة يقولها ، أو بالإيمان يعتقده ، أو بالالتزام العملي يلتزمه ، لأن للشكر جانبا يتمثل بالقول وجانبا يتمثل بالعمل والموقف عند ما يكون ذلك كله منفتحا على الله ، فيبادل الله شكر عباده بالمغفرة والسلامة والرضوان ، لأن الله يشكر لعباده إيمانهم وطاعتهم.

(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا) وقال لهم إن العذاب الدنيويّ ينتظرهم من الله قبل العذاب الأخرويّ ، (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) وتعاملوا مع الإنذار من موقع الشكّ ، والتقوا به في أجواء الجدال العقيم بالباطل ، ولم يكتفوا بالرفض بل اندفعوا ليعتدوا على حرمة ضيوفه ، (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) عند ما سمعوا أن لديه ضيوفا حسان الوجوه يستثيرون غريزتهم ، فحاولوا أن يطلبوا منه تسليمهم إليهم ليعتدوا عليهم بالطريقة الشاذّة. ولكن هؤلاء الضيوف لم يكونوا بشرا ، بل كانوا ملائكة موكَّلين بالعذاب (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) فأعميناها ، فلم يستطيعوا الوصول

٢٩١

إليهم ، وعاقبناهم على ذلك وقلنا لهم : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) الذي جادلتم فيه ، وأثرتم الشكوك حوله.

(وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) لم يزل عنهم حتى قضى عليهم جميعا (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) وهذا هو النداء الأخير الذي واجههم في حالة العذاب .. وانطلق القرآن ليثير المسألة من جديد أمام الأجيال القادمة من بعدهم ، ليعتبروا في ما يريدون أن يأخذوا به أو يتركوه : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يستجيب لنداء الذكر في الخط العملي ويبتعد عن نهج هؤلاء في الحياة؟!

(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) عند ما جاءهم موسى وهارون باسم كل الرسالات والرسل ليعبدوا الله وحده ، وليكفّوا عن ظلم المستضعفين (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) التي قدمها إليهم موسى من إلقاء العصا ، واليد البيضاء ، (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) لا يغلبه أحد ، وغرقوا في البحر ، فلم يبق منهم أحد ، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا.

* * *

٢٩٢

الآيات

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥)

* * *

معاني المفردات

(الزُّبُرِ) : الكتب السالفة.

(أَدْهى) : أعظم.

(وَأَمَرُّ) : أشدّ.

٢٩٣

(وَسُعُرٍ) : جمع سعير ، وهي النار المستعرة.

(سَقَرَ) : جهنم.

(كَلَمْحٍ) ؛ اللمح : النظر بعجلة ، وهو خطف البصر.

(أَشْياعَكُمْ) : أشباهكم ونظائركم.

* * *

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ)

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) ليكون لهم امتياز خاص يبعدهم عن العذاب الذي أصاب من قبلهم؟ وما هو الأساس في ذلك؟ وما الفرق بين كفر وكفر ما دام ميزان الإيمان يساوي بين الناس في المسؤولية؟ (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أي في الكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله ، فأين هو الكتاب الذي يمنحكم الأمان من العذاب؟

(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) لأنهم يرون لأنفسهم القوّة الغالبة على المسلمين لكثرة العديد والعدة التي يملكونها في مقابل المسلمين ، (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فقد انطلق المسلمون مع معركة بدر وامتدت بعدها معارك الإسلام إلى فتح مكة ، وهزم الشرك شرّ هزيمة ، وانتهى تيار الشرك في منطقة الجزيرة ... وكانت هذه النبوءة القرآنية دليلا على صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما علَّمه الله من غيبه المستقبلي. (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) الذي ينتظرهم ليواجهوا العقاب القاسي من الله سبحانه (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) فما قيمة عذاب الدنيا إذا قيس بعذاب الآخرة؟!

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) عن السبيل الذي يؤدي بهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة ، (وَسُعُرٍ) تلتهب فيه الأبدان ، لأن شركهم وابتعادهم عن مواقع رحمة الله في ساحة طاعته ، جريمة أبعدتهم عن خط الهدى والرضوان ، (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) في عنف وإذلال وتحقير يتحدى كل تلك العنجهية

٢٩٤

والقوّة والاستكبار في الدنيا ، ويقال لهم في هذا الجوّ اللّاهب الصاحب : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) في ما يصيبكم من أهوال جهنم وعذابها وحرّها ولهيبها.

* * *

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) فلكل موجود صغير وكبير قانون دقيق يحدّد له خط سيره الماديّ والمعنويّ ، ويحكم حركته في أيّ موقع ، فليس هناك صدفة طائرة في حركة الوجود ، بل هناك نظام يحكم الكون كلّه من خلال السنن الكونية التي أودعها الله فيه ، وهذا ما يخلق إحساسا لدى العلماء الذين يلاحقون أسرار الظواهر الكونية ، بوجود حكمة وراء كل ظاهرة ، وقانون داخل أيّة حركة ، مما يجعلهم يتحركون لاكتشاف تلك الحكمة وذلك القانون.

ولا يقتصر القدر على الظواهر الكونية ، بل يمتد إلى حركة الوجود الإنساني بكامله ، فهناك سنن إلهية تحكم حركة الإنسان الفرد وحركة المجتمعات ، في ولادتها وزوالها ، ويدخل الاختيار كعنصر في تلك السنن ، والإيمان بالقدرة لا يلغي الإرادة الإنسانية ، لأن معنى القدرة هو تحديد حركة الوجود وهندسة شروطه ، ليكون الاختيار جزءا من هذا القدر باعتباره دخيلا في السنّة الإلهية لحركة الوجود.

وقد يحتاج الإنسان إلى كثير من التوفر على الأبحاث العلمية المتعلقة بالإنسان والحيوان والظواهر الكونية والأسرار الخفية المودعة فيها التي تحكم حركة وجودها في دائرة التنوع ، ليعطي لكل نوع من الوجود ما يتوافق مع حاجته من خلال الظروف الموضوعية المحيطة به. وعلى ضوء ذلك ، فإن العلم يقود إلى الإيمان بشكل تفصيلي دقيق ، يدرك الإنسان من خلاله أن الله خلق كل شيء بحكمته ، فقدّره تقديرا ، وأنه الذي قدّر فهدى ، مما يجعل من التقدير تخطيطا عمليا لهداية الموجودات إلى خط سيرها الطبيعي المعقول.

* * *

٢٩٥

(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ)

(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) فليس الله بحاجة إلى مقدّمات وأسباب لإنجاز إرادته للأشياء ، لأن إرادته هي السبب في وجود الشيء على حسب الشروط التي يريدها للوجود ، فلا تتخلّف إرادته في التكوين عن وجود الأشياء ، ولعل التعبير بكلمة (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) وارد على سبيل الكناية باعتبار أقرب لحظة زمنية للوجود ، لتقريب الصورة بالصورة الحسيّة. وعلى ضوء ذلك ، فإن قيام الساعة لا يحتاج إلى كثير من التعقيدات في ما يتصوره هؤلاء المشركون الذين يجادلون فيها ، لأن المسألة هي أن يريد الله قيامها فتقوم دون حاجة إلى وقت طويل أو سبب خارجيِ

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) ممن يتفقون معكم في العقلية والأخلاق والسلوك ، من الأمم التي سبقتكم ، في ما تسيرون عليه تقليدا لهم (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يتذكر ما صاروا إليه ليعرف ما يمكن أن يصير إليه؟ (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) في كتاب الله الذي يحفظ فيه حدود الأشياء (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) فكل ما يفعله الإنسان من صغائر الأعمال وكبائرها مسجّل عند الله في سعة علمه. فهذه هي الحقيقة التي يجب أن يختزنها الإنسان في عمق وعيه ، ليعرف أن الله أحصى كل شيء عددا ، وأن كتاب الإنسان الذي يقدَّم إليه يوم القيامة ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وسيجد كل ما عمله حاضرا ولا يظلم ربك أحدا.

* * *

مصير المتّقين

وإذا كان الحديث كله عن مصير المشركين في هذا التفصيل الطويل ، فما هو مصير المؤمنين المتّقين؟

٢٩٦

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) والظاهر أن المراد به الجنس لا الفرد انسجاما مع إيقاع الآيات ، بدلا من كلمة الأنهار التي يتكرر ذكرها في آيات أخرى ، (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) حيث يعيشون القرب من الله لإيمانهم الصادق ، وعملهم المتحرك في خط الصدق ، فكأنهم يأخذون مواقعهم المميزة في الجنة من خلال مواقع الصدق في الدنيا ، وقد نقل صاحب الميزان عن تفسير روح المعاني عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال : مدح المكان بالصدق ، فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق (١). وربما كان المراد بمقعد الصدق ، التأكيد على أنه الحق الذي لا ريب فيه ؛ والله العالم.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ٩٣.

٢٩٧
٢٩٨

سورة الرّحمن

مكيَّة

وآياتها ثمان وسبعون

٢٩٩
٣٠٠