تفسير من وحي القرآن - ج ٢١

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ٢١

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٠

يزيل الخطايا وكأنهم لم تكن ، لأن الله ينظر إلى عمق الإيمان في الذات ويجعله أساسا لمغفرته (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) ، لأن ذلك يعني السعادة الأبدية ، فلا موقع للشقاء بعدها.

(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) من الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان ، ليحوّلوا المجتمع الإسلامي إلى مجتمع قلق مرتبك ، (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) الذين رفضوا وحدة العبادة ووحدة الألوهية وساروا في خط الشرك الذي يضع الأصنام الحجرية والبشرية في موقع يقرّبها من موقع الألوهية بطريقة أو بأخرى ، (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) فلا ينظرون إلى قضية الإيمان بالله نظرة معرفة بكونه ينصر عباده ويلطف بهم ويرحمهم ويفتح لهم أكثر من نافذة للنصر وللتوفيق وللتسديد ، بل ينظرون إليه نظرة سلبية ويرون فيه معنى الخذلان الذي يفكرون بوقوعه على المؤمنين.

(عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) التي تقع عليهم ، وتحيط بهم ، وتدفعهم إلى أن يعيشوا القبح الروحي في نفوسهم في الداخل ، والقبح المادي في ما يتخبطون به من خبائث الأقوال والأفعال والأوضاع العامة والخاصة.

(وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) لأنهم مارسوا الخطيئة والجريمة التي تستتبع غضبه ، (وَلَعَنَهُمْ) فأبعدهم عن رحمته لأنهم ابتعدوا عن ساحاتها ، (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ) وهي المكان الطبيعي للمنافقين والمشركين ، (وَساءَتْ مَصِيراً) لأنها مصير سيّئ للساكنين فيها بما فيها من جحيم النار والعذاب.

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) وهذا هو التأكيد الثاني لهذه الحقيقة الكونية التي إذا تمثلها الإنسان ، فإنه يتمثل التدبير الإلهي الشامل للكون كله في مواقع العزّة والحكمة.

* * *

١٠١

الآيتان

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٩)

* * *

معاني المفردات

(وَتُعَزِّرُوهُ) : تنصروه.

(وَتُوَقِّرُوهُ) : تعظّموه.

(بُكْرَةً وَأَصِيلاً) : غداة وعشيّا.

* * *

دور النبي في حياة الأمة

ما هو دور النبي في حياة أمته ، وما هو دور الأمة في رسالة النبي؟

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) في حضورك الرسالي الحركيّ المتطلع إلى مواقع الاستجابة أو الرفض لك ولرسالتك ، ما يجعلك في مقام من يستطيع تأدية الشهادة أمام الله غدا في ما بلّغهم إيّاه ، وما واجهوه به من رد إيجابي أو سلبي.

١٠٢

وهكذا يتحوّل الحضور الرسالي النبويّ إلى موقف للشهادة الحيّة المنفتحة على الواقع كله ، والمسؤولة عن تقديم التقرير الكامل عنه إلى الله ، (وَمُبَشِّراً) يبشر المؤمنين بالجنة إذا حركوا العمل الصالح في خط الإيمان ، (وَنَذِيراً) ينذرهم بعذاب الله ، وذلك (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ) أيها الناس في ما يقدّمه إليكم من دلائل الإيمان بالله وبيّنات الهدى (وَرَسُولِهِ) في ما يعرّفكم من مواقع الصدق في دعوته ، (وَتُعَزِّرُوهُ) أي تنصروه ، على أساس أن التعزير يحمل معنى النصر ، (وَتُوَقِّرُوهُ) أي تعظّموه ، (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) لتعبّروا ـ بالتسبيح ـ عن إحساسكم الداخلي بكل مواقع عظمته ، ليكون التسبيح بداية اليوم الذي تستقبلونه ، وبداية الليل الذي تلتقون به.

* * *

١٠٣

الآية

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١٠)

* * *

معاني المفردات

(يُبايِعُونَكَ) ؛ البيعة : نوع من الميثاق ببذل الطاعة.

(نَكَثَ) ؛ النكث : نقض العهد والبيعة.

(أَوْفى) : ثبت على الوفاء.

* * *

بيعة الرسول بيعة لله

وكانت البيعة كموقف في ساحة الصراع ، تمثل تعبيرا عن الالتزام الذاتي بتعليمات النبي والثبات معه ، ليؤكد المسلم من خلالها أنه لا يكتفي بالحالة

١٠٤

الإيمانيّة التي يعيشها بعقله وقلبه ، ولكنه يضيف إليها ميثاقا مؤكدا يتمثل بوضع يده بيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تعبيرا عن عقد التواصل مع مسيرته ، وعدم الانفصال عنه تحت تأثير أيّ ظرف من الظروف.

وهذا ما حدث في الحديبية عند ما دعا رسول الله أصحابه إلى البيعة على الاستمرار معه ، حتى في مواجهة قريش ، عند ما تحين اللحظة المناسبة لمواجهتها بالطريقة المسلّحة ، ليضمن بذلك القدرة على الضغط نفسيا على قريش ، كونه جاء إليها من موقع القوّة المستمدة من بيعة أصحابه ، لا من موقع الضعف. وقد حدّث جابر بن عبد الله ، في ما روي عنه ، قال : «فبايعنا تحت الشجرة على الموت ، فما نكث إلا حرّ بن قيس (١) وكان منافقا» (٢). وقد سميت باسم بيعة الرضوان ، لأن الله رضي عنهم بهذه البيعة.

وفي هدى ذلك ، نستطيع أن نفهم أن البيعة لا تضيف شيئا جديدا من حيث المسؤولية ، ولكنها تعمّقها في معنى الالتزام الشخصي بالرسالة والرسول.

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) بما تمثله البيعة من ميثاق مؤكد في نصرتهم لك في موقع المواجهة للمشركين (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأنك لم تطلب ذلك منهم بصفتك الشخصية ، بل بصفتك الرسالية التي تجعل من كلمتك كلمة الله ، ومن الالتزام بنصرتك التزاما بالله في نصرة رسوله ، لأن طاعة الرسول هي طاعة الله ، على ضوء ما ورد في الآية الكريمة : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ، مما يجعل البيعة أكثر عمقا في تأثيرها في جانب الالتزام منهم.

* * *

__________________

(١) كذا ورد الاسم في نسخ البحار ، لكنّ المحقّقين ذكروا أن الصحيح هو : الجدّ بن قيس.

(٢) البحار ، م : ١٢ ، ج : ٣٦ ، باب : ٣٩ ، ص : ٨٢ ، رواية : ٦٥.

١٠٥

(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)

(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) فكأنه هو الذي يضع يده فوق أيديهم في ما درجت عليه صورة البيعة ، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) لأن البيعة ليست التزاما في مصلحة الرسول ليكون نكثها إساءة شخصية له ، بل هي التزام لمصلحة المسلمين في الدنيا بانتصارهم على الشرك ، وفي الاخرة بالحصول على رضى الله.

(وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) وتحرَّك في اتجاه تحقيق مضمون العهد في موقفه وأخلص لله أمره ، وحافظ في الساحة على موقعه ، (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) لأن الالتزام بعهد الله ، يمثل الإيمان القويّ الرافض لكل الإغراءات أو التحديات التي تواجه المؤمنين ، ممّا يوحي بالإخلاص لله ، والالتزام بعهده ، الأمر الذي يستحق عليه الإنسان المؤمن الأجر العظيم.

* * *

١٠٦

الآيات

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٤)

* * *

معاني المفردات

(الْمُخَلَّفُونَ) ؛ المخلَّف : هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد.

(الْأَعْرابِ) : الجماعة من عرب البادية.

١٠٧

(بُوراً) ؛ البور : هو الفاسد الهالك.

(سَعِيراً) : نارا حارقة.

* * *

الأعراب يبرون تخلّفهم عن الفتح

كانت واقعة الحديبية تجربة مريرة في المجتمع الإسلامي ، ذلك أن بعض أفراده لم يستوعبوا فكر الرسالة وحركتها وتطلعاتها وأهدافها بروحية الإيمان الصادق ، لأنهم دخلوه بصفته الشكلية دون امتلاك عمق المضمون الروحي المنفتح على الله ، ولهذا كانوا يأخذون من انتمائهم إلى الإسلام المكاسب التي تمنحهم إياها هذه الصفة ، ويبتعدون عن المسؤوليات الصعبة في مواقع الجهاد والتضحية والعطاء ، كما هو شأن كثير ممن يندمجون في المجتمعات القائمة على المبادئ التغييرية ، ويتجمَّدون في داخل شؤونهم الخاصة فيها ، ويعملون على تجميد الحياة من حولهم ، وتعطيل المبادرات الحركية في ساحتهم ، ويثيرون المشاكل في الساحة العامة.

فقد تخلّف هؤلاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما استنفرهم ، فلم يستجيبوا لندائه ، بل حاولوا الابتعاد عن المسيرة ، وكان ممّا قالوه : إن محمدا ومن معه ، يذهبون إلى قوم غزوهم بالأمس في عقر دارهم فقتلوهم قتلا ذريعا ، وأنهم لن يرجعوا من هذه السفرة ، ولن ينقلبوا إلى ديارهم وأهلهم أبدا.

وفي هذه الآيات ، حديث عن هؤلاء المخلّفين من الأعراب الذين قيل إنهم من الأعراب المقيمين حول المدينة من قبائل جهينة ومزينة وغفار وأشجع وأسلم ودئل .. وعن منطقهم التبريري في تخلّفهم عن الخروج مع النبيّ ، بعد رجوعه إلى المدينة وظهور الخلل في موقفهم والضعف في إيمانهم.

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) فقد كانت لنا

١٠٨

علاقات ماليّة معقدة ، فلنا مع الناس أموال وللناس معنا أموال ، وطبيعة الأوضاع التجارية المعقدة تلك جعلتنا نخاف على أموالنا من الضياع ، كما أن شؤون أهلنا كانت تتطلب منا المحافظة عليهم ، والرعاية لأمورهم ، لوجود الصغير والعاجز والمريض والمرأة فيهم ، ممن يحتاجون إلى أولياء قادرين يدبرون أمورهم ، ويحرّكون مصالحهم في خدمة حياتهم ، فقد شغلنا ذلك كله عنك وعن الخروج معك ، وإذا كان ذلك ذنبا يؤاخذنا الله عليه ، لأن طاعتك واجبة بالمستوى الذي تتقدم فيه على كل شؤون الأهل والأموال ، فإننا نعتذر إليك من ذلك ، (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) ليغفر الله لنا.

ويأتي التعليق القرآني على هذا القول ليكشف واقعهم النفاقي : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) فهم يختزنون في داخلهم التمرد على النبي وعلى أوامره في حركة الجهاد ، ويفكرون بالمعصية في المستقبل ، بالطريقة التي مارسوها في الماضي ، ممّا يجعل من كلامهم كذبا ونفاقا ، فلم يكن الانشغال بالأهل والمال هو ما منعهم من إجابة نداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن الاستغفار مطلبا حقيقيا لهم ، لأنهم لا يحسّون بعقدة الذنب تجاه ما فعلوه.

* * *

الرسول يردّ أعذار المنافقين

(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) ، فإنّ اللعبة النفاقية التي تلعبونها في مواجهة الرسول ، وتصرفاتكم معه ، ليست دائرتها الناس ، بل ساحة الله في أوامره ونواهيه ، وفي رسالة الرسول وحركته الرسالية ، مما يجعل منها مسألة خطرة على مستوى حياتكم كلها ، لأن الله هو الذي يملك الأمر كله ، فما ذا تفعلون إذا أراد أن ينزل بكم الضرّ في أهلكم وأموالكم وأنفسكم ، ومن ذا الذي يملك دفع ذلك عنكم؟ هل يستطيع الآخرون منع النفع الإلهي عنكم إذا أراد أن ينفعكم بنعمه وعطاياه؟

١٠٩

إن هذا يفرض عليكم أن تفكروا بمراقبة الله الدائمة لكم ، والخوف من سطوته ، والرغبة في ثوابه في الدنيا والآخرة ، لتتوازن مواقفكم ، ولتتركوا أمر الأعذار التي لا معنى لها ، لأن الله يعلم منكم ما لا تعلمونه من أنفسكم ، ويملك منكم ما لا تملكون منها (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فلا تستطيعون إخفاء السرّ عنه ، ولا الهروب من عقابه ..

(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) لأنكم مهزومون في داخلكم أمام قوّة قريش في مواقعها ، بالمستوى الذي كنتم تتصورون أنها سوف تقضي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، فلا يعود أحد منهم إلى أهله أبدا ، وهذا ما دفعكم إلى التخلف عن الخروج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنكم أيقنتم بالهلاك في هذا السير.

(وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) من خلال التهاويل التي أثارها الشيطان في أوهامكم ، حتى خيّل إليكم أن هذه الفكرة الخائفة ، تمثل مستوى الحقيقة التي ترتاحون إليها ، (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) أن لن تنتهي المواجهة إلى نصر الله ورسوله ، (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي قوما لا حياة فيهم ولا خير ، تماما كما هي الأرض البور التي لا نبات فيها ولا خضرة ولا ثمار ، لأنهم لا يعيشون حسن الظن بالله الذي يفتح القلب على مواقع القوّة وآفاق النور التي تجدد الأمل في الروح واليقظة في العقل والحركة في الواقع. وهذا هو الفرق بين المؤمن الذي يملأ الإيمان بالله قلبه ، فينطلق إلى الحياة بروح واثقة به ، مطمئنة إلى النصر ، وبين المنافق الذي يعيش الاهتزاز الإيماني في روحه ، فيعيش القلق والحيرة والخوف والاهتزاز في الموقف.

* * *

السعير جزاء الكافرين

(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فيتحرك عقله وقلبه ووجدانه بالكفر (فَإِنَّا

١١٠

أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) وهو جزاء الكافرين الذين تشتعل النار في أجسادهم ، كاشتعال الكفر في قلوبهم.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو المهيمن على ساحة الجزاء (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فقد سبقت رحمته غضبه ، فلا يعذب إلا أولئك الذين لا يتعلقون من الله بشيء.

* * *

١١١

الآيتان

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٦)

* * *

معاني المفردات

(ذَرُونا) : اتركونا.

(بَأْسٍ) : قوة.

* * *

١١٢

منطق الطمع في كلام المخلّفين

هذه صورة أخرى من صور هؤلاء المخلّفين ، عند ما توحي مسيرة النبي وأصحابه في بعض معارك الحق والباطل أن هناك نصرا وغنيمة دون أيّ خطر أو خوف ، فنراهم ، عند ذلك ، متحمّسين للخروج إلى المعركة يطالبون بالانضمام إلى المجاهدين ، ولكن النبيّ يرفض ذلك ، لأنهم قد يربكون الموقف بالنوايا السيئة التي تختفي وراء الكلمات ، أو بالمشاعر القلقة التي يعيشونها.

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) من الأعراب (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) عند ما تكون المعارك معارك فتح ، يرزقون فيها المغانم الكثيرة التي يحصل عليها المقاتلون ، (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) طمعا في الحصول على الغنيمة. وقيل : إنها إشارة إلى غزوة خيبر التي شارك فيها المؤمنون الذين كانوا مع النبيّ في سفرة الحديبية ، ولم يشارك فيها غيرهم ، وهي الأولى بعد صلح الحديبية.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) الذي وعد أهل الحديبية أن يخصهم بغنائم خيبر بعد فتحها ، كما سيجيء في قوله : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) [الفتح : ٢٠]. فكأنهم يريدون أن يبدِّلوا كلام الله ، ويظهروا أنه ليس دقيقا في تحديد المستقبل ، بالقول إنهم قد شاركوا في ما قال الله إن أحدا لن يشارك فيه.

(قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) فقد أراد الله للنبي أن يرفض ذلك قبل أن يسألوه الخروج معه ، (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) لأنكم لا تريدون أن نشارككم في الغنيمة ، تماما كما هي عقلية الحاسد الذي يرى في المحسود فضلا ليعمل على إزالته ، أو يتمنى زواله ، فالمسألة ليست مسألة أمر الله ونهيه ، كما تقولون ، بل هي مسألة حسد يبغي فيه الحاسد على المحسود.

(بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) فهم لا ينطلقون في حديثهم وموقفهم من منطلق تفكير ، ولو فكروا لرأوا أن النبي الذي يتميز بالوعي والعصمة ، لا يمكن أن يمنع أحدا من الخروج معه ـ وهو صاحب الأمر في ذلك ـ بهدف منعه من

١١٣

الغنيمة ، فالغنيمة حق المجاهدين ، وهو بحاجة إلى كثير منهم كي يربح المعركة ، فكيف يمنع من يريدون الخروج إلى الجهاد معه ، لو لم يكن هناك ضرورة في ذلك ، أو خوف من إساءتهم للحرب ، أو أمر من الله لاختصاص غيرهم بالجهاد في هذه المعركة؟!

* * *

إن تطيعوا الله يؤتكم أجرا حسنا

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) لمن يريدون تأكيد موقفهم المخلص لله ولرسوله في خط الجهاد ، إن هناك فرصة أخرى لإثبات إيمانهم بالمشاركة في ساحة الصراع بين الشرك والإسلام ، وذلك في مواقع القتال العنيف الذي يواجه الآخرين بقوة ، (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) في ما يملكونه من الشجاعة والقوّة (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) بحيث يكون إعلانهم الإسلام ، وسيلة من وسائل تحييدهم عن دائرة الشرك ، وإخضاعهم لسلطة الإسلام ، وليفتح لهم ذلك الإسلام الشكلي باب معرفة الإسلام والاطّلاع على ما في الحياة الإسلامية من انفتاح على الحرية ، ومن عدالة وغنى في التجربة ، ليسلموا عن قناعة وإخلاص.

(فَإِنْ تُطِيعُوا) الله ورسوله في ذلك كله بالخروج مع المجاهدين ، وبالقتال في تلك الساحة ، (يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) جزاء لطاعتكم وإخلاصكم ، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) وتتخاذلوا وتبرّوا الامتناع بأعذار واهية كما فعلتم في سفرة الحديبية ، (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) في الدنيا والآخرة ، كما يعذّب كلّ المعاندين من المنافقين والكافرين.

* * *

١١٤

الآية

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) (١٧)

* * *

معاني المفردات

(حَرَجٌ) : ضيق.

(يَتَوَلَ) : يعرض.

* * *

رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض

للجهاد شروط لجهة نوعية الأشخاص المكلّفين به ، والأشخاص المعذورين فيه ، فلا بد من أن يكون الشخص المجاهد قادرا على الحركة بحرية ويملك ما تحتاجه الحرب من إمكانات طبيعية ، فليس من الطبيعيّ أن يكلّف بالجهاد أشخاص لا يملكون البصر أو المقدرة الجسدية على التحرك ، أو على

١١٥

المشي باستقامة ، ولكن ليس معنى ذلك ، أن لا يكلف أمثال هؤلاء بمهمات جهادية تتوافق مع إمكاناتهم الجسدية في ما يمكن أن يعطيه العميان والمرضى والعرج من خدمات.

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) لأنه لا يستطيع أن يبصر طريقه في ساحة تحتاج إلى التحديق بكل زواياها ، وبكل الأعداء الذين يواجهونه في المعركة ، (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) لأنه لا يقدر على الحركة الدائبة هنا وهناك التي تحتاج إلى كل عضو من أعضاء جسمه ، وإلى كل جهاز من أجهزته ، مما يجعل الخلل الصحِّي في أيّ من أعضاء الجسم مانعا يعيق الحركة ، ويمنع من الانطلاق.

وهكذا يمكن أن يمتد رفع الحرج عن كل ذوي العاهات التي تعيق قيامهم بهذا الفرض الشرعي ، بحيث تجعل الجهاد أمرا شاقّا عليهم في جميع الحالات.

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في ما يفرضه الله من الجهاد وغيره (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) على أساس الثواب الذي أعدَّه الله للمطيعين له ولرسوله (وَمَنْ يَتَوَلَ) ويعرض عن خط الطاعة (يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً).

* * *

١١٦

الآيات

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً(٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٢٤)

* * *

بيعة الشجرة ورضى الله

وهذا فصل جديد من السورة يتحدث عن بيعة الرضوان ، وعن رضى الله

١١٧

عن الذين قاموا بها وكيف عاشوا السكينة الروحية في داخلهم وحصلوا على الثواب الإلهي ، بالفتح القريب الذي كانوا يتمنونه وينتظرونه ، وكيف وصل المسلمون إلى مستوى من القوة كانوا فيه قادرين على هزيمة المشركين ، لولا إرادة الله التي لم تجد حكمة في القتال في تلك الفترة.

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) لأن البيعة كانت موقفا صارخا في وجه المشركين الذين كانوا يستغلون قدراتهم الذاتية وتحالفاتهم مع القوى الأخرى ، لمنع الدعوة من التحرك بحرية في ساحة الصراع ، كي يبقى موقف المسلمين موقفا خائفا قلقا ، خاصة إذا تعلق الأمر بمهاجمة قريش داخل مكة ، التي تسيطر على كل مواقع القوّة فيها.

لهذا كان موقف البيعة محطّ رضى الله ، لأن المسلمين فيه تمرّدوا على كل عوامل الضعف ، وواجهوا مواقف التحدي بروحية التضحية والشهادة ، (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من الإخلاص والتضحية ، (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) بما أودعه فيهم من طمأنينة روحية تستمد الثقة من الله ، وتنفتح على مواقع لطفه ورحمته ، فلم يعيشوا الشعور بالخوف والقلق ، بل انطلقوا في مسيرتهم كما لو لم يكن هناك عدوٌّ أو مشكلة ، (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) ، والظاهر أن المراد به فتح خيبر الذي جاء بعد الحديبية ، (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) وهي غنائم خيبر ، كما قيل ، (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) فإذا أراد شيئا كان ، وإذا خطَّط لشيء فإن حكمته متقنة في أكثر من جانب.

* * *

وعد الله يتحقق

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) مما تحصلون عليه في معارك الإسلام المقبلة ، (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) المغانم بحصولكم عليها في خيبر ، وقد جاء التعبير بها من باب تنزيل المستقبل منزلة الحاضر لقرب وقوعه وتحققه ، إذا

١١٨

كانت الآية قد نزلت مع الآيات السابقة ،. أمَّا إذا كانت قد نزلت بعد معركة خيبر فلا إشكال ، (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) من أهل مكة ، فلم يقاتلوكم ، ذلك أن النبي عند ما قصد خيبر ، همّت بعض القبائل أن تغير على أموال المسلمين وعيالهم بالمدينة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب.

(وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) إذ في ما يحققه الله من وعده بالغنيمة والفتح والنصر علامة من علامات الإيمان التي تقوّي ثقتهم بالله وبوعده ، (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) في الخط الذي تسيرون عليه ، بالانقياد إلى الله فيه ، والطاعة لأوامر الرسول ونواهيه ، والجهاد في سبيل الله.

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) من الغنائم التي لا تملكون وسائل الحصول عليها ، لعدم وجودها تحت متناول أيديكم ، (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) فلا ينال شيء إلا بقدرته التي تحتوي الأمر كله.

* * *

نصر المؤمنين سنة الله تعالى

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) فقد كانوا في موقع الضعف الروحي والمادي بسبب الخوف الذي دبّ في قلوبهم ، والتعب الذي سيطر عليهم ، لذا قبلوا بالصلح لأول مرّة ، ولولا ضعفهم ذاك لاستمروا في القتال لأن دوافعهم للقتال لا تزال موجودة ، فالمسيرة النبوية بالنسبة لهم تمثل تحديا وهجوما ، (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ، لأن الله إذا أراد نصرة المؤمنين عليهم ، لأنه وليهم ، فلن يستطيع أحد أن يدفع عنهم الضرر الذي أراد لهم أن يخضعوا له.

(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) في نصرة أنبيائه والمؤمنين معهم إذا أخذوا بأسباب النصر ، واعتمدوا وسائله ، وتحركوا في اتجاهه من موقع الإخلاص له ، والطاعة لرسوله في مواقع القيادة أو في مواقع النبوّة ، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) لأن السنن الكونية الإلهية التي تحكم حركة المجتمعات

١١٩

وبقاءها ، ليست خاضعة للظروف الطارئة والتغيرات التي تحدث للزمان والمكان ، بل هي ثابتة من ثوابت التقدير الإلهي في نظام الكون كله.

(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ، فقد استطاع المسلمون السيطرة على مكة عسكريا وفرض قوّتهم على كل مواقعها ، وكانت قريش وأحلافها في موقف المواجهة للنبي ومن معه ، مما جعل وقوع الحرب أمرا واردا في أيّة لحظة ، ليسقط المزيد من القتلى والجرحى هنا وهناك. ولكن الله أراد أن يكفّ كل طرف عن الآخر في هذه المرحلة ، التي قد لا تكون للحرب فيها مصلحة لأي من الطرفين ، لا سيّما بالنسبة للمسلمين ، الذين كانوا يتطلعون إلى فتح مكة دون قتال.

(وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) فجعلكم في موضع رعايته وعنايته ، وأعطاكم من فضله الكثير ، ممّا هيّأ لكم أمره ، ومهّد لكم فعله.

* * *

١٢٠