رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

الصحيح السابق ، ولا يخلو عن نظر.

( وقيل ) في السرائر ، وغيره (١) ( إن كان ) النذر ( مطلقاً توقّع المكنة ) لوجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان ( وإن كان معيّناً بسنة ) وقد حصل العجز فيها ( سقط ) الحجّ ( لعجزه ) المستتبع لسقوطه.

وهو قويّ متين ، لولا النصوص المتقدمة الآمرة بالركوب عند العجز مطلقاً ، وأقلّها الجواز إن لم نقل بالوجوب.

ويعضدها بالإضافة إلى النذر المطلق أنّ الأمر بتوقع المكنة بعد طريان العجز ربّما يوجب العسر والحرج المنفيين آيةً وروايةً ، سيّما وأنّ يكون بعد التلبس بالإحرام ، فيعضده حينئذ مع ذلك الأمر بإكمال الحجّ والعمرة.

ولذا قال بعض المتأخرين بمقتضى النصوص ، من وجوب الإكمال في هذه الصورة وقال بمقالة الحلّي في صورة العجز قبل التلبس (٢).

وفيه : أنّ النصوص المزبورة شاملة بإطلاقها أيضاً لهذه الصورة ، بل العمل بها مطلقاً متوجه.

لكن يستفاد عن فخر الإسلام وغيره (٣) أنّ الخلاف إنّما هو في النذر المعيّن ، وأما المطلق فلا خلاف فيه في وجوب توقّع المكنة.

فإنّ تم إجماعاً ، وإلاّ كما هو الظاهر المستفاد من نحو العبارة فالأخذ بمقتضى النصوص أجود ؛ لأنها بالإضافة إلى الأُصول المقتضية للقول الأخير بشقّيه أخص ، فلتكن بالتقديم أجدر ، سيّما بعد الاعتضاد بما‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٦١ ؛ وأُنظر الإرشاد ١ : ٣١٢ والإيضاح ١ : ٢٧٦.

(٢) المدارك ٧ : ١٠٨.

(٣) فخر الإسلام في إيضاح الفوائد ١ : ٢٧٦ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٦٦.

٦١

مرّ.

ويبقى الإشكال في حكم السياق ، أهو على الوجوب أو الاستحباب ، والأوفق بالأُصول : الأول ، وإن كان الثاني لا يخلو عن وجه ، ومع ذلك فهو أحوط.

ولشيخنا في المسالك والروضة (١) تفصيل ، لم أقف عليه في كلام أحد من الجماعة.

وللمختلف والتنقيح (٢) تفصيل آخر ، وهو كالحلي إلا في النذر المعيّن ، فيركب عند العجز.

وهو كما عدا القولين الأولين خارج عن النصوص ، بل الأُصول ، ما عدا الأول منها ؛ لموافقته الأُصول وإن خالفت النصوص ، ولولاها لكان المصير إليه متعيّناً.

بل يمكن المصير إليه معها أيضاً ، بناءً على صراحتها في نذر الحجّ ماشياً يعني نذر الحجّ مع المشي مشروطاً أحدهما بالآخر كما هو ظاهر فرضنا ؛ لأنّ مورد الصحيحين منها نذر المشي إلى بيت الله ، وهو لا يستلزم نذر الحجّ ، فلعلّ إيجابه إنّما هو لوجوبه عليه مضيقاً سابقاً بالاستطاعة ونحوها.

وما عداهما وإن ورد بلفظ الفرض إلاّ أنّه مع ضعف بعضها يحتمل أن يكون المراد منها نذر المشي خاصة ، منضمّاً إلى الحجّ الواجب مضيقاً سابقاً ، كما هو مورد الصحيحين.

وحينئذ فلا تعلّق له بمسألتنا إلاّ من حيث الإطلاق ، أو العموم ، وفي‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٩٤ ، الروضة ٢ : ١٨٢.

(٢) المختلف : ٣٢٣ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٢٣.

٦٢

تخصيص الأُصول بمجردهما إشكال ، مع إمكان العكس بصرفهما إلى نذر المشي خاصة في سنة الوجوب مضيقاً.

وحيث أمكن الجمع بإرجاع إحداهما إلى الأُخرى كان صرف النصوص إلى الأُصول أولى ، لكونها مقطوعاً بها ، بخلاف النصوص ، لكونها آحاداً. فتأمل جدّاً.

( الثالثة : المخالف إذا ) حجّ و ( لم يخلّ بركن ) من أركانه ( لم يُعده ) وجوباً ( لو استبصر ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفاقاً للشيخ والحلّي (١) ؛ للصحاح الصراح. (٢)

خلافاً للإسكافي والقاضي (٣) ، فيعيد ؛ للخبرين (٤). وحملا على الاستحباب جمعاً ، مضافاً إلى ضعف السند ، ووقوع التصريح به في تلك الصحاح : « ولو حجّ أحبّ إليّ » ( وإن أخلّ ) بركن ( أعاد ) وجوباً بلا خلاف ، وإن اختلف في المراد بالركن عندنا ، كما ذكره الفاضلان في المعتبر والتحرير والمنتهي (٥) ، وتبعهما الشهيد رحمه‌الله في الدروس (٦). أو عنده ، كما هو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة وسبطه (٧) ، وجماعة ممّن تأخّر عنهما (٨).

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٢٠٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٥١٨.

(٢) الوسائل : ١١ : ٦١ أبواب وجوب الحج ب ٢٣.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٢٥٨ ، وهو في المهذّب ١ : ٢٦٨.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ١ ، ٢٧٥ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٩ / ٢٢ ، ١٠ / ٢٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٥ / ٤٧٤ ، ٤٧٣ ، الوسائل ١١ : ٦٢ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٣ ح ٥ ، ٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٦٥ ، التحرير ١ : ١٢٥ ، المنتهى ٢ : ٨٥٩ ٨٦٠.

(٦) الدروس ١ : ٣١٥.

(٧) المسالك ١ : ٩١ ، ٩٢ ، الروضة ٢ : ١٧٧ ، وسبطه في المدارك ٧ : ٧٤.

(٨) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٩٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٦٤ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ١٦٢.

٦٣

والنصوص خالية من القيد مطلقاً ، إلاّ أن موردها « من حجّ » وظاهره الحجّ الصحيح عنده ، لا عندنا ، فإذا حجّ فاسداً عنده لم يدخل في موردها ، فتجب عليه الإعادة حينئذ ؛ عملاً بالعمومات السليمة عن المعارض هنا.

وأمّا إذا حجّ صحيحاً عنده ، كان داخلاً في مورد النصوص النافية للإعادة قطعاً.

وعلى هذا فالقول الثاني أقوى ، مع أن عليه مدار أُولئك الفضلاء في الصلاة ونحوها ، ووجه الفرق غير واضح.

وما ذكره بعض من أنّه هنا إن أخلّ بركن عندنا لم يأت بالحجّ حينئذٍ مع بقاء وقت إبرائه ، بخلاف الصلاة ، لخروج وقتها ، ولا يجب القضاء إلاّ بأمر جديد (١).

فهو كما ترى ، فإنّ الصلاة فاسدة عندنا يجب قضاؤها خارج الوقت إجماعاً ؛ لعموم : « من فاتته فريضة فليقضها » وهم لا يقولون بوجوب قضائها إذا كانت عنده صحيحة ، فسقوط القضاء ثمّة ليس إلاّ لنحو الصحاح المتقدمة ، وهي جارية هنا بعينها.

وبالجملة : بقاء الوقت وخروجه لا يصلح فارقاً بعد ورود الأمر الجديد الملحق للقضاء بالأداء ، سيّما وهم قد قالوا به هناك لو أتى بها فاسدة عنده.

ولا فرق بين من حكم بكفره كالحروري والناصبي وغيره في ظاهر العبارة ونحوها ، والصحاح بل صريح بعضها ، لتضمنه من قدّمناه.

خلافاً لمحتمل المختلف وغيره (٢) ، ففرّقا بينهما ، وأوجبا الإعادة‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٩٤.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ / ١٤٣.

(٣) المختلف : ٢٥٩ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٢٥٦.

٦٤

على الأول. وهو ضعيف جدّاً.

وهل الحكم بعدم الإعادة لصحة العبادة في نفسها ، بناءً على عدم اشتراط الإيمان فيهما ، كما هو صريح الفاضلين وجماعة ممّن تأخّر عنهما (١) ، أم إسقاط للواجب في الذمة من قبيل إسلام الكافر ، كما هو ظاهر الإسكافي والقاضي (٢) وشيخنا الشهيد الثاني وسبطه ومن تأخر عنهما (٣)؟

قولان : أجودهما الثاني ؛ لدلالة النصوص الكثيرة عليه جدّاً.

ولا ثمرة لهذا الاختلاف ، إلاّ ما مرّ من الاختلاف في تفسير الركن ، فيراد منه عندنا على القول الأول هنا ، وعنده على الثاني ، على ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (٤) ، حيث بنى الاختلاف ثمّة على الاختلاف هنا.

وهو متوجه لولا حكم المفسّر للركن هنا بعندنا في الصلاة بكون الاعتبار بفعلها صحيحة عنده لا عندنا.

( القول في النيابة )

( ويشترط فيه ) أي في النائب المدلول عليه بالسياق ( الإسلام ، والعقل ، وأن لا يكون عليه حجّ واجب ) مطلقاً ، كما يقتضيه إطلاق نحو العبارة ، أو إذا كان ذلك الواجب مضيّقاً في ذلك العام مع التمكن منه ولو‌

__________________

(١) المحقق في المعتبر ٢ : ٧٦٥ ، العلاّمة في المختلف : ٢٥٩ والشهيد الأول في الدروس ١ : ٣١٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٢٤.

(٢) قد مرّ أنّهما يقولان بوجوب الإعادة ، والمسألة متفرّعة على عدم وجوبها.

(٣) الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٧٧ ، وسبطه في المدارك ٧ : ٧٥ ؛ وأُنظر المفاتيح ١ : ٣٠٠ والحدائق ١٤ : ١٦٨.

(٤) المسالك ١ : ٩١.

٦٥

مشياً حيث لا يشترط فيه الاستطاعة ، كالمستقر من حجّ الإسلام ثمّ يذهب المال ، كما صرّح به جماعة (١).

( فلا يصحّ نيابة الكافر ) مطلقاً ؛ للإجماع على فساد عباداته ، لعدم تأتّي نيّة القربة منه.

( ولا نيابة المسلم عنه ) لأنّه لا يستحق الثواب ؛ ولأنّ فعل النائب تابع لفعل المنوب عنه في الصحة ، لقيامه مقامه ، فكما لا يصحّ منه لا يصحّ من نائبه.

( ولا ) يصحّ نيابة المسلم ( عن مخالف ) للحق.

أمّا الناصبي فلا خلاف فيه ؛ لكفره الحقيقي ، وللصحيح الآتي ، والخبر : « لا يحجّ عن الناصب ، ولا يحجّ به » (٢).

وأمّا غيره فعليه الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع (٣) ، بل في المسالك : إنّه المشهور (٤) ، ويفهم من الحلي الإجماع (٥) حيث عزا الصحيح المستثني للأب إلى الشذوذ ، ولعلّه لذا حكي عنه الفضلان الإجماع (٦) كما يأتي ، وإن غفل عنه كثير.

وهو الأظهر ؛ لفحوى ما دلّ على عدم انتفاعهم بعباداتهم (٧) ، فبعادات غيرهم أولى.

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٧ : ١٠٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٦٧ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٢٤١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٩ / ٢ ، الوسائل ١١ : ١٩٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٠ ح ٢.

(٣) انظر المفاتيح ١ : ٣٠٣.

(٤) المسالك ١ : ٩٤.

(٥) السرائر ١ : ٦٣٢.

(٦) المحقق في المعتبر ٢ : ٧٦٦ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٨٦٣.

(٧) الوسائل ١ : ١١٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

٦٦

مضافاً إلى مخالفة النيابة للأصل المقتضي لوجوب المباشرة ، فيقتصر فيها على المتيقن المقطوع به فتوًى وروايةً ، وليس إلاّ المنوب عنه المسلم خاصّة ، وأمّا غيره فلا يدخل في إطلاق أخبار النيابة ؛ لوروده لبيان أحكام غير مفروض المسألة ، فهي بالنسبة إليه مجملة.

هذا مع احتمال إدخاله في الخبرين ؛ إمّا لأنّه ناصب حقيقي كما قيل (١) ، ويشهد له من الأخبار كثير (٢) ؛ أو لإطلاق الناصب عليه فيها ، بل الكفر ايضاً ، والأصل الشركة في الجميع.

خلافاً للفاضلين والشهيد في المعتبر والمنتهى والمختلف والدروس (٣) ، فخصّوا المنع بالناصب ؛ بناءً على ما ذهبوا إليه من صحة عبادة المخالف غيره ، وقد مرّ ما فيه ، مع أنّ من عدا المعتبر قد رجع عنه ، فالفاضل في المختلف أخيراً والشهيد في اللمعة (٤) ، فكادت تصير المسألة إجماعية ، فلا شبهة فيها.

( إلاّ ) أن يكون النيابة ( عن الأب ) فتصحّ هنا على الأشهر الأقوى ؛ للصحيح : أيحجّ الرجل عن الناصب؟ فقال : « لا » قلت : فإن كان أبي؟ قال : « إن كان أباك فنعم » (٥).

وفي لفظ آخر « إن كان أباك فحجّ عنه » (٦).

__________________

(١) انظر الحدائق ١٤ : ٢٤٤.

(٢) الوسائل ١١ : ١٩٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٦٦ ، المنتهى ٢ : ٨٦٣ ، المختلف : ٣١٢ ، الدروس ١ : ٣١٩.

(٤) المختلف : ٣١٢ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ١٨٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٠٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٤١ ، الوسائل ١١ : ١٩٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٠ ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٦٢ / ١٢٧٣.

٦٧

خلافاً للحلّي والقاضي (١) ، فمنعا عنه ؛ لدعوى شذوذ الرواية.

وفيها : أنّها مشهورة ، كما اعترف به الماتن ، فقال : إنه مقبول عند الجماعة ، قال وهو يتضمن الحكمين معاً ، فقبول أحدهما وردّ الآخر ودعوى الإجماع على مثله تحكّمات يرغب عنها (٢).

وفيه نظر ؛ لأنّه لم يظهر من الحلّي الاستناد في المنع إلى الرواية ، حتى يتوجّه عليه ما ذكره ، من أنّه عمل ببعض الخبر وردّ بعضه ، فيحتمل استناده إلى ما قدّمناه من الأدلة ، ولو لا صحة الرواية واشتهارها بين الجماعة لكان خيرته في غاية القوّة والمتانة.

ثم إنّه في المختلف استشكل على مختاره من المنع عن النيابة عن الناصبي ، لكفره الحقيقي في الفرق بين الأب منه وغيره الوارد في الرواية ، قال : فإنّ هذه الرواية فصّلت بين الأب وغيره ، فنقول : المراد بالناصب إن كان هو المخالف مطلقاً ثبت ما قاله الشيخ ، وإن كان هو المعلن بالعداوة والشنآن لم يبق فرق بن الأب وغيره ، ولو قيل بقول الشيخ كان قوياً (٣).

أقول : وربما يظهر منه الاتفاق في الناصبي على فساد النيابة عنه مطلقاً.

وفيه نظر ، وقد صرّح بالجواز في الدروس (٤) وهو غير بعيد ؛ لاحتمال صحة ما يقال في وجه الفرق (٥) : من أنّه لتعلّق الحجّ بماله فيجب الإخراج عنه ، أو الحجّ : بنفسه ، ولفظ الخبر لا يأبى الشمول لهما.

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ٦٣٢ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٦.

(٣) المختلف : ٣١٢.

(٤) الدروس ١ : ٣١٩.

(٥) كما في كشف اللثام ١ : ٢٩٦.

٦٨

وبالجملة : فليس لإثابة المنوب عنه ، ويمكن أن يكون سبباً لخفّة عقابه ، وإنّما خصّ الأب به مراعاةً لحقه.

وفي الموثق أو الصحيح : عن الرجل يحجّ فيجعل حجّته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله ، وهو عنه غائب ببلد آخر ، ينقض ذلك من آجره؟ قال : « لا ، هي له ولصاحبه ، وله أجر سوى ذلك بما وصل » قلت : وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال : « نعم ، حتى يكون مسخوطاً عليه فيغفر له ، أو يكون مضيّقاً عليه فيوسّع عليه » قلت : فيعلم وهو في مكانه أن عمل ذلك لحقه؟ قال : « نعم » قلت : وإن كان ناصباً ينفعه ذلك قال : « نعم يخفّف عنه » (١).

( ولا ) يصحّ ( نيابة المجنون والصبي غير المميّز ) بلا خلاف ولا إشكال.

وفي المميّز قولان ، أجودهما وأشهرهما : لا ؛ للأصل المتقدم ، المعتضد بما قيل (٢) : من خروج عباداته عن الشرعية ، وإنّما هي تمرينيّة ، فلا تجزي عمن تجب عليه أو يندب إليها ، لأن التمرينيّة ليست بواجبة ولا مندوبة ، لاختصاصهما بالمكلّف ، مع أنه لا ثقة بقوله إذا أخبر عن الأفعال أو نيّاتها ، نعم إن حجّ عن غيره استحقّا الثواب عليه.

وحكي في الشرائع والتذكرة (٣) كما قيل ـ (٤) قول بالصحة ، لصحة عباداته. وفيه ما عرفته.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٥ / ٤ ، الوسائل ١١ : ١٩٧ أبواب النيابة في الحج ب ٢٥ ح ٥.

(٢) كشف اللثام ١ : ٢٩٦.

(٣) الشرائع ١ : ٢٣١ ، التذكرة ١ : ٣٠٩.

(٤) كشف اللثام ١ : ٢٩٦.

٦٩

( ولا بدّ من نية النيابة ) بأن يقصد كونه نائباً ، ولمّا كان ذلك أعمّ من تعيين المنوب عنه نبّه على اعتباره بقوله ( وتعيين المنوب عنه ) قصداً ( في المواطن ) كلّها.

قيل : ولو اقتصر في النية على تعيين المنوب عنه ، بأن ينوي أنّه عن فلان أجزأ عنه ؛ لأن ذلك يستلزم النيابة عنه (١).

وهذا الحكم مقطوع به في كلامهم على الظاهر ، المصرح به في عبائرهم ، ومنها الذخيرة (٢) ، وفيها : لكن روى الشيخ عن ابن ابي عمير في الصحيح ، عن ابن أبي حمزة والحسين ، عن أبي عبد الله ٧ : في رجل أعطى رجلاً مالاً يحجّ عنه فحجّ عن نفسه ، فقال : « هي عن صاحب المال » (٣).

أقول : ونحو المرفوع المروي في الكافي (٤).

وضعف سندهما بالرفع والاشتراك يمنع عن العمل بهما ، مضافاً إلى مخالفتهما الأُصول ، فإن الأعمال بالنيات ، ولكلّ امرئ ما نوى ، والإجماع الظاهر والمنقول (٥).

نعم في الدروس : أنه لو أحرم عن المنوب ، ثم عدل إلى نفسه لغا العدول ، وإذا أتمّ الأفعال أجزأ عن المنوب عند الشيخ (٦).

وفي غيره أيضاً عنه ذلك في الخلاف والمبسوط (٧).

__________________

(١) المسالك ١ : ٩٥.

(٢) الذخيرة : ٥٦٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦١ / ١٦٠٥ ، الوسائل ١١ : ١٩٣ أبواب النيابة في الحج ب ٢٢ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣١١ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٢ / ١٢٧٦ ، الوسائل ١١ : ١٩٤ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٢ ح ٢.

(٥) انظر المدارك ٧ : ١١٣ ، والحدائق ١٤ : ٢٥٠.

(٦) الدروس ١ : ٣٢١.

(٧) الخلاف ٢ : ٢٥٢ ، المبسوط ١ : ٣٢٣.

٧٠

وكذا عن الجواهر والجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير (١).

ويمكن حمل الخبرين على ذلك إن صحّ المصير إليه. لكن لا دليل عليه ، عدا ما قيل : من أن الأفعال استحقّت للمنوب عنه بالإحرام عنه ، فلا يؤثر العدول ، كما لا يؤثر فيه نية الإخلال ، بل تبعت الإحرام (٢).

وهو مجرّد دعوى خالية عن الدليل ، ولهذا قال الفاضلان في الشرائع والقواعد وغيرهما (٣) بعدم الإجزاء عن أحدهما ، وهو قوي.

ولا يجب تسمية اسمه ، بل يستحب كما يأتي.

( ولا ينوب من وجب عليه الحجّ ) في عام الاستنابة مع التمكن منه بلا خلاف ؛ للنهي عن ضده ، أو عدم الأمر به ، الموجبين للفساد.

والصحاح ، منها : عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت؟ قال : « نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحجّ من ماله ، وهي تجزى عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال » (٤) ونحوه آخر (٥).

ومنها : في رجل صرورة مات ولم يحجّ حجّة الإسلام وله مال ، قال : « يحجّ عنه صرورة لا مال له » (٦).

__________________

(١) جواهر الفقه : ٣٩ ، الجامع للشرائع : ٢٢٦ ، المعتبر ٢ : ٧٧٧ ، المنتهى ٢ : ٨٦٩ ، التحرير ١ : ١٢٧.

(٢) قال به المحقق في المعتبر ٢ : ٧٧٧ والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٠٠.

(٣) الشرائع ١ : ٢٣٥ ، القواعد ١ : ٧٧ ؛ وانظر إرشاد الأذهان ١ : ٣١٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٥ / ٢ ، التهذيب ٤١٠ / ١٤٢٧ ، الوسائل ١١ : ١٧٢ أبواب النيابة في الحج ب ٥ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٦١ / ١٢٧٠ ، الوسائل ١١ : ١٧٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٥ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٣٠٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٢٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٢ ، الوسائل ١١ : ١٧٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٥ ح ٢.

٧١

( ولو لم يجب عليه ) حجّ أصلاً ، أو وجب مطلقاً ، أو في غير عام الاستنابة ، أو فيه ، ولم يتمكن منه ، سواء كان قبل الاستقرار أو بعده ( جاز. )

بلا خلاف أجده في جميع الصور ، إلا من إطلاق نحو العبارة ، وصريح الحلي (١) فيمن استقرّ عليه حجّ ، فيبطل النيابة. ولم أعرف وجهه ، مع اقتضاء الأصل والإطلاقات السليمة عن المعارض خلافه.

نعم يعتبر في المستقرضين الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة ، إلاّ أنّ يكون الاستنابة مشروطة بعدم تجدّدها.

ثم الحكم بجواز الاستنابة مطلق ( وإن لم يكن ) النائب ( حجّ ) ويعبّر عنه بالصرورة ، بلا خلاف فيه بيننا إذا كان ذكراً ، والصحاح به مستفيضة جدّاً (٢) ، ومنها الصحاح المتقدمة قريباً.

وعن جماعة كونه مجمعاً عليه بيننا ، ومنهم الماتن في المعتبر وشيخنا في المسالك وغيرهما (٣).

والخبران الواردان بخلاف ذلك (٤) مع ضعف سندهما شاذان محمولان على التقية ، أو الإنكار ، أو عدم معرفة الصرورة بأفعال الحجّ ، أو‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٢٦.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٣ أبواب النيابة في الحج ب ٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٦٧ ، المسالك ١ : ٩٥ ؛ وانظر المدارك ٧ : ١١٥.

(٤) الأوّل :

التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٤ ، الوسائل ١١ : ١٧٣ أبواب النيابة في الحجّ ب ٦ ح ٣.

الثاني :

التهذيب ٥ : ٤١٢ / ١٤٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٢١ / ١١٣٧ ، الوسائل ١١ : ١٧٤ أبواب النيابة في الحجّ ب ٦ ح ٤.

٧٢

الكراهة كما عن المعتبر (١).

( ويصحّ نيابة المرأة عن المرأة والرجل ) ولو كانت صرورة ، بلا خلاف إلاّ من الشيخ والقاضي ، فمنعا عن نيابتها مطلقاً إذا كانت صرور ، في النهاية والتهذيب والمهذّب والمبسوط (٢) وفيه التصريح بعموم المنع عن نيابتها عن الرجل والمرأة.

وكذا أطلق في الاستبصار على الظاهر ، المصرح به في المختلف (٣).

وقيل : خصّه بنيابتها عن الرجل كما عنون به الباب (٤).

وفيه : أن الإطلاق يستفاد من السياق.

وكيف كان ، فلا ريب أنّ مذهبه المنع على الإطلاق ؛ للخبرين (٥).

وهما مع ضعف سندهما معارضان بعد الأصل والإطلاقات بالنصوص المستفيضة ، بل المتواترة كما عن الحلّي ـ (٦) وفيها الصحاح والموثق وغيرهما ، منها : « يحجّ الرجل عن المرأة ، والمرأة عن الرجل ، والمرأة عن المرأة » (٧).

وما يقال من أن هذه مطلقة والخبران مقيّدان فيجب تقييدها بهما ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٦٧.

(٢) النهاية : ٢٨٠ ، التهذيب ٥ : ٤١٣ ، المهذّب ١ : ٢٦٩ ، المبسوط ١ : ٣٢٦.

(٣) المختلف : ٣١٢ ، وانظر الاستبصار ٢ : ٣٢٢.

(٤) المدارك ٧ : ١١٦.

(٥) الأوّل : التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٣٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ / ١١٤٣ ، الوسائل ١١ : ١٧٨ أبواب النيابة في الحجّ ب ٩ ح ١. الثاني : التهذيب ٥ : ٤١٣ / ١٤٣٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤٢ ، الوسائل ١١ : ١٧٧ أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ٧.

(٦) السرائر ١ : ٦٣٠.

(٧) التهذيب ٩ : ٢٢٩ / ٩٠٠ ، الوسائل ١١ : ١٧٧ أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ٦.

٧٣

فحسن بشرط الحجية والتكافؤ ، وهما مفقودان.

فيجب صرف التأويل إليهما : بحملهما على الكراهة ، كما فعله الجماعة ، ويشعر به رواية : عن امرأة صرورة حجّت عن امرأة صرورة ، فقال : « لا ينبغي » (١).

أو على ما إذا كانت غير عالمة بمسائل الحج ولا بأحكامه ، كما هو الغالب في النسوة في جميع الأزمنة.

وأما الموثق : عن الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه ، هل يجزي عنه امرأة؟ قال : « لا ، كيف تجزي امرأة وشهادته شهادتان » قال : « إنما ينبغي أن تحجّ المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل » وقال : « لا بأس أن يحجّ الرجل عن المرأة » (٢). فشاذّ لا قائل به منّا ، فليحمل على التقية كما قيل ، أو على الكراهة.

وفي رواية إنّ والدتي توفّيت ولم تحجّ ، قال : « يحجّ عنها رجل أو امرأة » قال ، قلت : أيّهما أحبّ إليك؟ قال : « رجل أحبّ إليّ » (٣).

( ولو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ ) حجّة ممن حجّ عنه ، بلا خلاف أجده على الظاهر ، المصرّح به في عبائر (٤) ، بل في المسالك وعن المنتهى (٥) الإجماع عليه.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ / ١١٤٤ ، الوسائل ١١ : ١٧٩ أبواب النيابة في الحجّ ب ٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٢٩ / ٨٩٩ ، الوسائل ١١ : ١٧٩ أبواب النيابة في الحجّ ب ٩ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧ / ١٣١٩ ، الوسائل ١١ : ١٧٨ أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٨.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٤٢٦ ، الحدائق ١٤ : ٢٥٤ ، كشف اللثام ١ : ٢٩٧.

(٥) المسالك ١ : ٩٥ ، المنتهى ٢ : ٨٦٣.

٧٤

قيل : لثبوته في المنوب عنه بالإجماع والصحيحين ، فكذا في النائب ؛ لأنّ فعله فعله (١).

وللموثق : عن الرجل يموت فيوصي بحجّه ، فيعطى رجل دراهم ليحجّ بها عنه فيموت قبل أنّ يحجّ ، قال : « إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول » (٢).

وفيهما نظر :

أما الأول فواضح.

وأما الثاني فلمخالفة إطلاقه الإجماع ؛ إذ ليس فيه تقييد الموت بكونه بعد الإحرام ودخول الحرم.

ونحوه في ذلك أخبار أُخر ضعيفة السند ، فلا اعتبار بها لولا الإجماع المقيّد لها بذلك ، لمخالفتها الأُصول المقتضية لوجوب الإتيان بجميع ما في العبادة من الشرائط والأركان ، لكن ترك العمل بالمجمع عليه ، وبقي الباقي ، ولذا اشترط الأكثر دخول الحرم.

خلافاً للخلاف والسرائر (٣) ، فاكتفيا بالموت بعد الإحرام مطلقاً حتى في الحاجّ لنفسه.

ومستندهما غير واضح ، عدا إطلاق الموثق السابق. وفيه مضافاً إلى ما مرّ أنّه معارض بظاهر الصحيحين :

أحدهما : في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ،

__________________

(١) المدارك ٧ : ١١٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٤١٧ / ١٤٥٠ ، الوسائل ١١ : ١٨٥ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ١.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٩٠ ، السرائر ١ : ٦٢٨.

٧٥

فقال « إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام » (١).

ونحوه الثاني : « إن كان صرورة ثم مات في الحرم أجزأ عنه حجّة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل حمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام » الخبر (٢).

لكن ذيله ربما أفهم القول الثاني ، لكنه معارض بمفهوم الصدر المعاضد بالصحيح السابق الظاهر في الأول صدراً وذيلاً.

ونحوه المرسلة المروية في المختلف عن المفيد في المقنعة (٣) ، وفيه : وهذا الشيخ [ ثقة ] يقبل مراسيله كما يقبل مسنده (٤).

هذا مع احتمال الأجرام فيه وفي كلام الخلاف كما قيل دخول الحرم ، فقد جاء بمعناه ، كالإتهام والاتجار. وربما يعضده السياق وما في الخلاف من أن الحكم منصوص للأصحاب لا يختلفون فيه.

فلولا أن المراد من الإحرام في كلامه ما ذكرناه لتوجّه النظر إلى ما ذكره من نفي الخلاف ، كيف لا والخلاف مشهور لو أُريد منه غيره.

وكيف كان ، فالمذهب ما عليه الأصحاب في المقامين.

ومقتضى الإجزاء أنه لا يستفاد من تركته من الأُجرة شي‌ء ، وعن الغنية أنه لا خلاف فيه (٥) ، وعن الخلاف إجماع أصحابنا على أنه منصوص‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٧٦ / ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ / ١٣١٣ ، الوسائل ١١ : ٦٨ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٦ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ / ١٣١٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٧ / ١٤١٦ ، الوسائل ١١ : ٦٨ أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ٢.

(٣) المقنعة : ٤٤٥ ، الوسائل ١١ : ٦٩ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ٤.

(٤) المختلف : ٢٥٨. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

٧٦

لا يختلفون فيه (١). وعن المعتبر أنه المشهور بينهم (٢).

فإن ثبت عليه نصّ أو إجماع ، وإلاّ توجه استعادة ما بإزاء الباقي من الأُجرة إن استوجر على الأفعال المخصوصة ، دون المبرئ للذمة.

واحترز بالشرطية عما لو مات قبل ذلك ولو كان قد أحرم فإنه لا يجزي. ولو قبض الأُجرة استعيد منها بنسبة ما بقي من العمل المستأجر عليه.

فإن كان الاستيجار على فعل الحج خاصة أو مطلقاً وكان موته بعد الإحرام استحقّ بنسبته إلى بقية أفعاله.

وإن كان عليه وعلى الذهاب استحق اجرة الذهاب والإحرام واستعيد الباقي.

وإن كان عليهما وعلى العود فبنسبته الى الجميع.

وإن كان موته قبل الإحرام ففي الأولين لا يستحق شيئاً ، وفي الأخيرين بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي منه من المستأجر عليه.

هذا ما يقتضيه الأُصول ، وبه صرّح جماعة قاطعين به ، وفاقاً للمحكي عن السرائر والإصباج والمبسوط (٣).

خلافاً للفاضلين في الشرائع والقواعد وغيرهما (٤) فقالوا بأنه يستحقّ مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه ومن أفعال الحج والعود ، كما عن النهاية والكافي والمهذّب والغنية والمقنعة (٥) من غير ذكر‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٩٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٨.

(٣) السرائر ٢ : ٦٢٨ ، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ٢٩٧ ، المبسوط ١ : ٣٢٣.

(٤) الشرائع ١ : ٢٣٢ ، القواعد ١ : ٧٧ ؛ وانظر الإرشاد ١ : ٣١٢.

(٥) النهاية : ٢٧٨ ، الكافي في الفقه : ٢٢٠ ، المهذّب ١ : ٢٦٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، المقنعة : ٤٤٣.

٧٧

العود.

وهو في غاية الضعف ؛ لأن مفهوم الحج لا يتناول غير المجموع المركب من أفعاله الخاصة ، دون الذهاب إليه وإن جعلناه مقدمة للواجب ، والعود الذي لا مدخل له في الحقيقة ولا ما يتوقف عليه بوجه.

هذا ، ويمكن تنزيل إطلاقهم على ما إذا شهدت قرائن العرف والعادة بدخول قطع المسافة في الإجارة وإن لم يذكر في صيغتها ، فيكون اللفظ متناولاً له بالالتزام ، كما هو المتعارف في هذا العصر ، بل جميع الأعصار ، ولهذا يعطى الأجير من الأُجرة الكثيرة ما لا يعطى مَن يحجّ مِن الميقات.

( ويأتي النائب بالنوع المشترط ) عليه من أنواع الحجّ ضمن العقد من تمتّع أو قران أو إفراد ، ولا يجوز له العدول إلى غيره ، بلا خلاف في الأفضل إلى غيره ، وفي العكس خلاف.

فبين مَن جعله كالأول مطلقاً ، كالمتن والجامع (١) والتلخيص كما حكي (٢) ؛ عملاً بقاعدة الإجارة من وجوب الإتيان بما تعلّقت به ، دون غيره ، لعدم الأمر بالوفاء به.

أو إذا كان المشترط فريضة المنوب ، فيجوز في المندوب ، والواجب المخيّر ، والمنذور المطلق ، مطلقاً كما في عبائر (٣) ، أو بشرط العلم بقصد المستنيب التخيير والأفضل ، وأنّ ما ذكر في العقد إنما هو للرخصة في الأدنى ، كما في أُخرى (٤).

__________________

(١) الجامع للشرائع ٢٢٦.

(٢) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢٩٩.

(٣) كما في المعتبر ١ : ٧٦٩ ، والمختلف : ٣٢٣.

(٤) كما في المنتهى ٢ : ٨٦٧.

٧٨

وهذا هو الأقوى لكن في القيد خروج عن مفروض المتن ، وهو العدول عن المشترط ؛ إذ فرض العلم بقصد التخيير ينافي اشتراط الفرد الأدنى ، لظهوره في عدم الرضا بتركه ، إلا أن يراد من الاشتراط مجرد الذكر في متن‌العقد كما هو مورد النص وأكثر الفتاوي في المسألة وإن خالفهما التعبير في نحو العبارة.

وكيف كان ، فلا ينبغي أن يجعل هذا محل نزاع ولا إشكال ؛ لأن الشرط بهذا المعنى لا ينفي جواز العدول بعد فرض العلم برضا المستنيب به ، لأن ذلك في حكم المأذون.

وإنما الإشكال في جوازه مع فرض فقد القيد. فالذي يقتضيه القاعدة المنع ، مضافاً إلى تأيدها برواية مقطوعة : عن رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها حجّة مفردة ، قال : « ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج ، لا يخالف صاحب الدراهم » (١).

ولكن في الموثق بل الصحيح كما قيل (٢) في رجل أعطى رجلاً حجّة مفردة ، فيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : « نعم ، إنما خالف إلى الفضل » الخبر (٣).

وظاهره الجواز كما عليه معظم الأصحاب ، وإنما قيّدوه بما مرّ عملاً بما فيه من ظاهر التعليل ، فإن الإتيان بغير فريضة المنوب ليس فيه فضل فضلاً أن يكون أفضل.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٦ / ١٤٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ / ١١٤٦ ، الوسائل ١١ : ١٨٢ أبواب النيابة في الحج ب ١٢ ح ٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ١٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ / ١٢٧٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ / ١١٤٥ ، الوسائل ١١ : ١٨٢ أبواب النيابة في الحج ب ١٢ ح ١.

٧٩

وهنا يظهر ضعف القول بجواز العدول إلى التمتع على الإطلاق المشار إليه بقوله : ( وقيل : يجوز أن يعدل إلى التمتع ولا يعدل عنه ) والقائل الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط والقاضي والإسكافي (١).

وذلك لعدم دليل عليه حتى من النص ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى مخالفته القاعدة والاعتبار.

هذا ، والذي ينبغي تحقيقه أن مراد هؤلاء ليس الإطلاق ، بل مع الشرط المتقدم ، كما يفهم من عبارة الشيخ في كتابي الحديث (٢).

مضافاً إلى ما ذكره الحلّي بعد نقل ذلك عنهم بقوله : هذا رواية أصحابنا وفتياهم ، وتحقيق ذلك أن من كان فرضه التمتع فحجّ عنه قارناً أو مفرداً فإنه لا يجزيه ، ومن كان فرضه القرآن أو الإفراد فحجّ عنه متمتعاً فإنه لا يجزيه ، إلاّ أن يكون ق حجّ المستنيب حجة الإسلام فحينئذ يصحّ إطلاق القول والعمل بالرواية.

قال : ويدلُّ على هذا التحرير قولهم : لأنه يعدل إلى ما هو الأفضل.

فلو لم يكن قد حجّ حجة الإسلام بحسب حاله وفرضه وتكليفه لما كان التمتع أفضل ، بل كان إن كان فرضه التمتع فهو الواجب ، وليس لدخول أفضل معنى ، لأن أفعل لا يدخل إلاّ في أمرين يشتركان ثم يزيد أحدهما على الآخر ، وكذا لو كان فرضه القرآن أو الإفراد لما كان التمتع أفضل ، بل لا يجوز له التمتع ، فكيف يقال : أفضل. فيخصّ إطلاق القول والأخبار بالأدلة ، لأن العموم قد يخصّ بالأدلة إجماعاً (٣). انتهى.

__________________

(١) النهاية : ٢٧٨ ، الخلاف ٢ : ٣٩٠ ، المبسوط ١ : ٣٢٤ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٨ ، ونقله الإسكافي في المختلف : ٣١٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٣.

(٣) السرائر ١ : ٦٢٧.

٨٠