رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

واعلم أن إطلاق نفي الإحرام وجوازه في الخبرين يعمّ الإحرام للعمرة المفردة ، وعليه فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات ، كما حكي التصريح به عن بعض الأصحاب (١).

وردّ بأنه ليس بجيّد ولا موافق لكلام الأصحاب ، فإنهم إنما صرّحوا ببطلان الحج أو وجوب إعادته ، إلاّ الفاضل في القواعد والإرشاد (٢) ، والماتن في الشرائع (٣) ، ففي كلامهما : لا يصح له الإحرام إلاّ من الميقات ، والشهيد في الدروس ففيه بطلان النسك (٤) ، واللمعة ففيها بطلان الإحرام (٥) ، والكل يحتمل ما صرّح به غيرهم ، أي من أن المراد بطلان الحج خاصة ، لا العمرة المفردة ، فإن أدنى الحلّ ميقات اختياري لها ، غاية الأمر إثمه بتركه مما مرّ عليه من المواقيت.

( ويحرم من موضعه ) أينما كان إذا كان لم يدخل الحرم ( إن كان ناسياً أو جاهلاً أو لا يريد النسك ) ويندرج فيه من لا يكون قاصداً دخول مكة عند مروره على الميقات ثم تجدّد له قصده ، ومن لا يجب عليه الإحرام لدخولها ، كالمتكرر ، ومن دخلها لقتال إذا لم يكن مريداً للنسك ثم تجدّد له إرادته.

أما من مرّ على الميقات قاصداً دخول مكة وكان ممن يلزمه الإحرام لدخولها لكنه لم يرد النسك فهو في معنى متعمد ترك الإحرام ، بل أولى.

( ولو دخل ) أحد هؤلاء ( مكة ) أو الحرم ( خرج إلى الميقات ) مع الإمكان وأحرم منه كما مرّ ( ومع التعذر ) فـ ( من أدنى الحلّ ، ومع

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٠٩.

(٢) القواعد ١ : ٧٩ ، الإرشاد ١ : ٣١٤.

(٣) الشرائع ١ : ٢٤٢.

(٤) الدروس ١ : ٣٤١.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٢٣.

١٨١

التعذر يحرم من ) موضعه ( مكة ) أو الحرم.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبه صرّح بعض الصحاح المستفيضة ، المتقدمة إلى جملة منها الإشارة ، بعد حمل مطلقها على مقيدها هنا أيضاً على نحو ما مضى ، وهي وإن اختصت بالناسي والجاهل إلاّ أن الأخير ملحق بهما بلا خلاف.

قيل : أما في وجوب خروجه إلى الميقات إذا أمكن وأراد الحج أو عمرة التمتع فظاهر ، وأطلق الشافعي إحرامه من موضعه. وأما إجزاء إحرامه من موضعه أو أدنى الحلّ إذا لم يمكن فلأن مجاوزته الميقات بلا إحرام كانت تجوز له إذا لم يكن يريد النسك ، أمّا نحو الحطّاب فظاهر ، وأما غيره ممن لا يريد الحرم فللأصل ، ومروره صلى‌الله‌عليه‌وآله بذي الحليفة مرّتين لغزوتي بدر محلاًّ هو وأصحابه ، وكأنه لا خلاف فيه (١).

واعلم أن إطلاق العبارة ونحوها بجواز الإحرام من أدنى الحلّ أو موضعه حيث يتعذر العود إلى الميقات يقتضي عدم وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق ، وهو مقتضى إطلاق أكثر النصوص ، إلاّ أن بعض الصحاح المتقدّمة منها يقتضي وجوبه ، ويعضده حديث : « الميسور لا يسقط بالمعسور » وهو فتوى الشهيد كما قيل (٢).

( الثالثة : لو نسي الإحرام أو جهله حتى أكمل مناسكه فالمروي ) في الصحيح (٣) والمرسل لجميل (٤) ( أنه لا قضاء ) عليه على تقدير وجوبه إذا كان قد نوى ذلك كما في الثاني ، وفيه ذكر الناسي ، ويرجع إليه الأول‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٠٨.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٠٩ ، وانظر الدروس ١ : ٣٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٧٦ / ١٦٧٨ ، الوسائل ١١ : ٣٣٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦١ / ١٩٢ ، الوسائل ١١ : ٣٣٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ١.

١٨٢

فيهما بالتقييد وحمل الجاهل فيه على معنى يعمّ الناسي ، بل يفهم من بعض أنه معناه الحقيقي (١) ، مضافاً إلى الأولوية المصرَّح بها في كلام جماعة (٢).

ولكن لبعض فيها مناقشة ، وأراد بها الصحيحة ، بناءً على ان موردها الجاهل خاصة ، وهو غير مفروض المسألة في كلام الجماعة ، قال : مع أنها مخصوصة بإحرام الحج دون العمرة ؛ وردّ المرسلة بضعف السند (٣).

ويضعّف بانجبار ضعف السند بعمل الأكثر ، كالشيخ في كتابي الحديث والنهاية والمبسوط والجمل والعقود والاقتصاد (٤) ، وابن حمزة في الوسيلة والقاضي في المهذّب والماتن في المعتبر وابن عمّه في الجامع (٥) والفاضل في القواعد والتحرير والمنتهى (٦) ، والفاضل المقداد في التنقيح والشهيدين في النكت والمسالك (٧) ، وفيه : أنه فتوى المعظم ، وفي الدروس : أنه فتوى الأصحاب عدا الحلّي (٨). ولعلّه كذلك ؛ إذ لم نقف على مخالف صريح عداه ، والمناقش المتقدم قد وافق الأصحاب.

ويستفاد من المرسل أن الإحرام المنسي هو التلبية دون النية ، فيفسد بتركها الحج ، كما صرّح به الشيخ في المبسوط في فصل فرائض الحج (٩) ،

__________________

(١) انظر كشف اللثام ١ : ٣٠٩.

(٢) منهم : الشهيدان في غاية المراد ١ : ٣٩٢ ، والمسالك ١ : ١٠٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٠٩.

(٣) المدارك ٧ : ٢٣٨.

(٤) لم نعثر عليه في الاستبصار ، التهذيب ٥ : ٦٠ ، النهاية : ٢١١ ، المبسوط ١ : ٣١٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٣ ، الاقتصاد : ٣٠٥.

(٥) الوسيلة : ١٥٩ ، المهذّب ١ : ٢٤٣ ، المعتبر ٢ : ٨١٠ ، الجامع للشرائع : ١٨٠.

(٦) القواعد ١ : ٧٩ ، التحرير ١ : ٩٧ ، المنتهى ٢ : ٦٨٤.

(٧) التنقيح الرائع ١ : ٤٥١ ، غاية المراد ١ : ٣٩١ ، المسالك ١ : ١٠٥.

(٨) الدروس ١ : ٣٥٠ ؛ وهو في السرائر ١ : ٥٢٩.

(٩) المبسوط ١ : ٣٨٢.

١٨٣

واشترط النية في النهاية وفصلِ ذكر كيفية الإحرام من المبسوط (١) ، كالمرسل.

ولا يخلو من وجه ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الآتي بيانه على المتيقن من الفتوى والنص ، وهو ما عدا النية وإن أُطلق الإحرام في الصحيح ، بناءً على ما يستفاد من المرسلة وغيرها من الأخبار الصحيحة من أن المراد بالإحرام هو التلبية ، وسيأتي في بحثها إليها الإشارة.

ولئن تنزلنا عن كون الإحرام حقيقة فيها نقول : لا ريب في جهالة حقيقته بحسب الفتوى والرواية ، إذ لم يستفد منها خلاف ذلك ، وكذا من الفتوى ، لاختلافها في بيانها :

فبين قائلٍ بأنها مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين ، كالفاضل في المختلف (٢).

وقائلٍ بأنها الأولان خاصة ، كالحلّي (٣).

وقائلٍ بأنها الأول خاصة ، كما عن الجمل والمبسوط (٤) ، وفيه ما عرفته. وقريب منه ما عن الشهيد من أنها توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمناسك ، والتلبية هي الرابطة لذلك التوطين ، فنسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة ، والأفعال هي المزيلة لذلك الربط ، ويتحقق زواله بالكلية بآخرها ، أعني التقصير وطواف النساء بالنسبة إلى النسكين (٥).

وقائلٍ بغير ذلك (٦).

وعليه فيكون الإحرام مجملاً يجب فيه الأخذ بالاحتياط ، وهو العمل‌

__________________

(١) النهاية : ٢١١ ، المبسوط ١ : ٣١٤.

(٢) المختلف : ٢٦٣.

(٣) السرائر ١ : ٥٣٢.

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٣٦٥.

(٥) غاية المراد ١ : ٣٨٩.

(٦) انظر جامع المقاصد ٣ : ١٦٢ ، وكشف اللثام ١ : ٣٠٩.

١٨٤

بمتقضى الفساد بترك كل ما يحتمل كونه إحراماً ، خرج منه ما عدا النية فتوًى وروايةً ، لاتفاقهما على الصحة في [ تركه ، فيبقى تركها (١) ] تحت الأصل مندرجاً.

وفيه نظر ، أما أولاً : فلمنع الإجمال بإمكان ترجيح الأول من الأقوال بالتبادر عند المتشرعة ، فيكون مراداً من الصحيحة ولو على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، لوجود القرينة ، وهي اتفاق الطائفة.

وأما ثانياً : فلدخول النية الإحرام على جميع الأقوال وإن اختلف في الزيادة ، بل ظاهر جملة منها أنها الإحرام خاصة ، فتركها يدخل في الصحيحة.

وأما ثالثاً : فلأن الإجمال يقتضي الرجوع في المشتبه إلى مقتضى الأصل ، وهو هنا البراءة ؛ لأن الإحرام المأمور به عموماً فتوًى وروايةً ، والمصرَّح في الصحيح بعدم البأس بتركه جهلاً ، إما ما أفادته الأخبار من خصوص التلبية فلا دليل على وجوب غيرها مطلقاً ، لا مجملاً ولا مبيّناً ، أو ما ذكره الأصحاب وهو يشمل النية فتركها يدخل في الصحيحة. وتقييدها بالمرسلة فرع حجيتها ، وهي هنا ممنوعة ؛ لخلو فتوى الأكثر الجابرة لها عن التقييد بما إذا نوى ، وإنما هو شي‌ء مذكور في عبارة الشيخ ، هذا ، مع نوع إجمال فيها.

فالإطلاق كما عليه الأكثر لعلّه أقوى.

والمناقشة باختصاص الصحيحة بالجاهل فلا يتعدّى إلى الناسي الذي هو مفروض المسألة ، مدفوعة بما عرفته من الأولوية إن لم نقل بعمومه لهما لغة ، وإلاّ فالصحيحة مطلقة.

ومنع الأولوية محل مناقشة ، كيف وقد فهمها الجماعة ، واتّضح في الناسي وجه الحكمة ، وهو ما استدل به جماعة (٢) من أن السهو والنسيان‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : تركها خاصة ، فيبقى ما عداها .. ، والمعنى معه غير مستقيم كما يظهر بالتأمّل ، وقد راجعنا للتصحيح إلى جواهر الكلام ١٨ : ١٣٥.

(٢) كالفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٥١ ، والمهذب البارع ٢ : ١٥٨.

١٨٥

كالطبيعة الثانية للإنسان ، فلو أوجبا القضاء للزم العسر والحرج المنفيان شرعاً ، ولا كذلك الجاهل ، فإنّ هذه الحكمة غير موجودة فيه أصلاً.

( وفيه وجه بالقضاء ) للحلّي ( مخرَّج ) من أن الأعمال بالنيات ، قال : فكيف تصح بلا نية ، وردّ به كلام شيخ الطائفة (١).

ويضعّف : بأنه لا عمل هنا بلا نية كما في المختلف والمنتهى (٢) ، واستغرب فيه كلامه وقال : إنه لا يوجبه فيه البتة ، والظاهر أنه قد وهم في ذلك ؛ لأن الشيخ قد اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهّم أنه قد اجتزأ بالفعل بغير نية ، وهذا الغلط من باب إبهام العكس. انتهى.

وفي المعتبر : ولست أدري كيف يحلّ له هذا الاستدلال ولا كيف يوجّهه ، فإن كان يقول : إن الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير وقوع نية كل منسك على وجهه ظاناً أنه أحرم أو جاهلاً بالإحرام ، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله (٣).

وهو حسن ، وبناؤه كالفاضل على أن المراد بالإحرام المنسي في كلام الشيخ إنما هو ما عدا النية ، كما عرفته من مذهبه المتقدم إليه الإشارة ، فلا يرد ما ذكره الشهيد من أن نسيان نية الإحرام يبطل سائر المناسك ؛ لعدم صحة نياتها مُحلاًّ (٤).

والأولى في توجيه مذهبه حيث لا يذهب إلى حجية الآحاد التمسك بأصالة وجوب الإتيان بالمأمور به على وجهه ، ولم يحصل ، وغاية النسيان رفع المؤاخذة ، لا صحة العبادة. وهو متين لولا الرواية المنجبرة بفتوى الأصحاب.

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٢٩.

(٢) المختلف : ٢٦٤ ، المنتهى ٢ : ٦٨٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٨١.

(٤) غاية المراد ١ : ٣٩١.

١٨٦

( المقصد الأول : )

( في ) بيان ( أفعال الحج )

( وهي : الإحرام ، والوقوف بعرفات والمشعر ، والذبح بمنى ، والطواف وركعتاه ، والسعي ) بين الصفا والمروة ( وطواف النساء وركعتاه ) لما سيأتي من الأدلة لكل في مبحثه.

( وفي وجوب الرمي ، والحلق أو التقصير تردّد ) واختلاف بين الأصحاب ، خصوصاً في الرمي ، فقد حكي الخلاف فيه في المختلف والدروس (١) عن الشيخ والقاضي وظاهر المفيد والإسكافي.

وأما الثاني فلم يحلك الخلاف فيه في الأول ، وحكي في الثاني عن التبيان خاصة ، قال : وهو نادر (٢).

وكذا في المنتهى ، وفيه زيادة على ذلك : إن الوجوب مذهب علمائنا‌

__________________

(١) المختلف : ٣٠٢ ، الدروس ١ : ٤٣٣.

(٢) الدروس ١ : ٤٥٢.

١٨٧

اجمع (١). مؤذناً بدعوى الإجماع ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٢).

ونحوهما في دعوى الشذوذ غيرهما.

وبالجملة : دعوى شذوذ الخلاف وندوره هنا مستفيضة في كلام الجماعة.

وأما ما نقله في التنقيح عن الحلّي (٣) فضعيف ، فإنّ الموجود في السرائر خلافه وإن وجد في صدر عبارته ما يوهمه من قوله : يستحب أن يحلق رأسه بعد الذبح ؛ لظهور عبارته بعد ذلك في الوجوب ، ورجوع الاستحباب إلى الترتيب بينه وبين الذبح (٤).

وكيف كان ، فلا وجه للتردّد هنا ؛ لمكان الإجماع الظاهر ، والمحكي في عبائر هؤلاء ؛ مضافاً إلى ما سيأتي.

بل ولا في الأوّل أيضاً ؛ لنفي الحلّي الخلاف فيه بين أصحابنا ، بل قال : ولا أظن من المسلمين مخالفاً (٥). ونحوه في التذكرة والمنتهى (٦).

ولا يقدح فيه مخالفة من مرّ من العظماء ؛ لعدم معلومية مخالفتهم صريحاً ، إذ الموجود في عبائرهم نحو لفظ « السنّة » المحتمل قريباً في كلامهم جمله على كون المراد بها ما ثبت وجوبه بالسنّة ، في مقابلة الفريضة الإلهيّة ، لا المعنى المصطلح عليه بين المتشرعة ؛ ولذا قطع الحلّي بعدم المخالفة ، طاعناً به على من توهّمها من عبارتهم ، آتياً بقرائن من عبارة الشيخ وفتاواه ما يستأنس به لهذا الحمل.

وكيف كان ( أشبهه الوجوب ) لتظافر الأخبار بالأمر بهما ، بل‌

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٧٦٢.

(٢) كصاحب المدارك ٨ : ٨٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٦٠.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٤٥٣.

(٤) السرائر ١ : ٦٠٠.

(٥) السرائر ١ : ٦٠٦.

(٦) التذكرة ١ : ٣٧٦ ، المنتهى ٢ : ٧٧١.

١٨٨

تواترها ، كما صرّح به الحلّي ، وزاد على هذا الدليل فقال ولنعم ما قال ـ : ثم فعل الرسول والأئمة عليهم‌السلام يدل على ما اخترناه وشرحناه ؛ لأن الحج في القرآن مجمل ، وفعله عليه‌السلام إذا كان بياناً للمجمل جرى مجرى قوله ، والبيان في حكم المبيّن ، ولا خلاف أنه عليه‌السلام رمى الجمار ، وقال : « خذوا عني مناسككم » (١) فقد أمرنا بالأخذ ، والأمر يقتضي الوجوب عندنا إلى أن قال ـ : وأيضاً دليل الاحتياط يقتضيه ؛ لأنه لا خلاف بين الأُمة أن مَن رمى الجمار برئت ذمته من جميع أفعال الحج ، والخلاف حاصل إذا لم يرم الجمار (٢). انتهى.

ولا معارض لهذه الأدلة سوى الأصل إن جوّزنا جريانه في نحو المقام ، وهو مخصَّص بالأوامر ، وإلاّ فليس بمعارض أيضاً.

وأما التشكيك في دلالتها على الوجوب في أخبارنا في الذخيرة (٣) ، فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ، ولا العروج في مقام التحقيق عليه ؛ لضعفه من أصله كما بيّن في الأُصول مستقصى ، ولا سيّما هنا ، لفهم الأصحاب إياه منها ، وهو أقوى قرينة عليه ، كما صرّح به نفسه مراراً ومنها المقام ، ولكن في موضع منها ، ولكن رجع عنه أخيراً.

ونحوه في الضعف تشكيكه في وجوب التأسّي ، وتخصيصه بما إذا علم وجهه لا مطلقاً ، فإنه مسلّم في غير ما وقع بياناً للمجمل ، وأما فيه فلا ، وخصوصاً في الوضوء والصلاة والحج ، لورود الأمر به فيها ، زيادةً على الدليل الاعتباري المبيَّن في الأُصول مفصّلاً.

وأما القدح في دلالة النص هنا على الوجوب بأنه يدل على وجوب‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٤ : ٣٤ / ١١٨ ، المستدرك ٩ : ٤٢٠ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ٤.

(٢) السرائر ١ : ٦٠٧.

(٣) الذخيرة : ٦٨٠.

١٨٩

الأخذ عنه ، لا على وجوب كلّ ما أُخذ عنه ، وإلاّ لكان المندوب المأخوذ وأجابا ، وهو باطل.

فهو كما ترى ؛ لظهوره في الثاني ، كما فهمه الأصحاب كافةً قديماً وحديثاً ، ولا ينافيه خروج المندوب بالإجماع وغيره ، فإنّ العام المخصَّص حجّة في الباقي ، وجعله قرينة على الاستحباب أو المعنى الأول دون التخصيص خلاف التحقيق ، فإنه أولى من المجاز حيثما تعارضا.

وبالجملة : فلا إشكال في وجوبهما.

( ويستحب الصدقة أما التوجه ) إلى السفر مطلقاً ، فيخرج ولا يبالي ولو في يوم مكروه ، كما في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة : منها : « افتتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدا لك » (١).

ومنها : « من تصدّق بصدقة إذا أصبح دفع الله تعالى عنه نحس ذلك اليوم » (٢).

ويستحب أن يكون عند وضع الرِّجل في الركاب ، كما في الخبر ، بل الصحيح كما قيل ـ : « كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من الله عزّ وجلّ بما تيسّر له ، ويكون ذلك إذا وضع رجليه في الركاب » (٣).

( وصلاة ركعتين ) أو أربع ركعات ، ففي النبوي الخاصي : « ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين إذا أراد الخروج إلى‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٥ / ٧٨٢ ، الوسائل ١١ : ٣٧٥ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٥ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ١٧٦ / ٧٨٤ ، المحاسن : ٣٤٩ / ٢٧ ، الوسائل ١١ : ٣٧٧ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٥ ح ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ١٧٦ / ٧٨٥ ، المحاسن : ٣٤٨ / ٢٥ ، الوسائل ١١ : ٣٧٦ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٥ ح ٥.

١٩٠

سفر ويقول : اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي ، إلاّ أعطاه الله عزّ وجلّ ما سأل » (١).

وفي آخر مروي عن أمان الأخطار : « ما استخلف عبد في أهله من خليفة إذا هو شدّ ثياب سفره خيراً من أربع ركعات يصلّيهن في بيته ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويقول : اللهم إني أتقرب إليك بهنّ فاجعلهنّ خليفتي في أهلي ومالي » (٢).

( وأن يقف على باب داره ) وإن كان في مفازة فمن حيث يريد السفر منه ( ويدعو ) بالمأثور ( و ) ذلك بعد أن ( يقرأ فاتحة الكتاب أمامه ، وعن يمينه وشماله ، وآية الكرسي كذلك. )

ففي الخبر أو الصحيح : « لو أن رجلاً منكم إذا أراد السفر أقام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله ، وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ، ثم قال : اللهم احفظني واحفظ ما معي ، وسلّمني وسلم ما معي ، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل ، لحفظه الله تعالى وحفظ ما معه وبلّغه وبلّغ ما معه » (٣) وزيد في بعض النسخ المعوّذتان والتوحيد كذلك قبل آية الكرسي.

( وأن يدعو بكلمات الفرج ) ففي الصحيح : « إذا خرجت من بيتك تريد الحج والعمرة إن شاء الله تعالى فادع دعاء الفرج ، وهو : لا إله إلاّ الله الحليم الكريم ، لا إله إلاّ الله العليّ العظيم ، سبحان الله ربّ السموات السبع‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٧٧ / ٧٨٩ ، التهذيب ٥ : ٤٩ / ١٥٢ ، الوسائل ١١ : ٣٧٩ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٨ ح ١.

(٢) أمان الأخطار : ٤٤ ، الوسائل ١١ : ٣٨١ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٢ : ٥٤٣ / ١١ وج ٤ : ٢٨٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٧٧ / ٧٩٠ ، التهذيب ٥ : ٤٩ / ١٥٣ ، المحاسن : ٣٥٠ / ٣١ ، الوسائل ١١ : ٣٨١ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٩ ح ١.

١٩١

وربّ الأرضين السبع وربّ العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين » (١).

( وبالأدعية المأثورة ) وهي كثيرة :

منها : المروي في الصحيح السابق بعد كلمات الفرج ، ففيه : « ثم قل : اللهم كن لي جاراً من كلّ جبّار عنيد ومن كلّ شيطان مريد ، بسم الله دخلت وبسم الله خرجت وفي سبيل الله ، اللهم إني أُقدّم بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله ما شاء الله في سفري هذا ، ذكرته أو نسيته ، اللهم أنت المستعان على الأُمور كلّها وأنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم هوّن علينا سفرنا ، واطوِ لنا الأرض ، وسيّرنا فيها بطاعتك وطاعة رسولك ، اللهم أصلح لنا ظهرنا ، وبارك لنا فيما رزقتنا ، وقنا عذاب النار ، اللهم إني أعوذ بك من وَعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد ، اللهم أنت عضدي وناصري ، بك أحلّ وبك أسير ، اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور والعمل بما يرضيك عني ، اللهم اقطع عنّي بُعده ومشقته ، واصحبني فيه واخلفني في أهلي بخير ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم ، اللهم إني عبدك ، وهذا حُملانك ، والوجه وجهك ، والسفر إليك ، وقد اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد ، فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من ذنوبي ، وكون عوناً لي عليه ، واكفني وَعَثه ومشقته ، ولقّني من القول والعمل رضاك فإنما أنا عبدك وبك ولك ».

( القول في ) بيان ( الإحرام )

( والنظر ) فيه ( في مقدماته وكيفيته وأحكامه ) :

( و ) اعلم أن‌ ( مقدماته كلّها مستحبة ) على اختلاف في بعضها يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٥ / ١٥٤ ، الوسائل ١١ : ٣٨٣ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٩ ح ٥.

١٩٢

( وهي توفير شعر الرأس ) بل اللحية أيضاً ، كما في عبائر جماعة (١) وإن اقتصر آخرون على ما في العبارة (٢) ؛ لوروده في المعتبرة (٣) ( من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع ) بل مطلق الحجّ على الأقوى ، وفاقاً لجمهور محقّقي متأخري أصحابنا (٤) ؛ لإطلاق الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

وظاهرها الوجوب ، كما عليه الشيخان في المقنعة والاستبصار والنهاية (٥).

خلافاً لمن عداهما ، ولا سيّما المتأخرين (٦) ، فحملوها على الاستحباب ؛ جمعاً بينها وبين المعتبرة المصرِّحة بالجواز ، ففي الصحيح : « يجزي الحاج أن يوفّر شعره شهراً » (٧).

وفي آخر مروي عن كتاب علي بن جعفر أنه سأل أخاه : عن الرجل إذا همّ بالحجّ يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم ، قال : « لا بأس » (٨).

والموثق : عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحجّ ، فقال : « لا بأس‌

__________________

(١) النهاية : ٢٠٦ ، المهذب ١ : ٢١٥ ، الجامع للشرائع : ١٨١ ، التحرير ١ : ٩٥.

(٢) الوسيلة : ١٦٠ ، القواعد ١ : ٧٩ ، جامع المقاصد ٣ : ١٦٣ ، المدارك ٧ : ٢٤٥.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤ أبواب الإحرام ب ٢.

(٤) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٦٣ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢٤٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣١٠.

(٥) المقنعة : ٣٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ، النهاية : ٢٠٦.

(٦) كالمحقق في الشرائع ١ : ١٤٤ ، والعلامة في القواعد ١ : ٧٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٦٣.

(٧) الفقيه ٢ : ١٩٧ / ٩٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٣١٦ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٣.

(٨) مسائل علي بن جعفر : ١٧٦ / ٣١٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٠ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٦.

١٩٣

به ، والسواك والنورة » (١).

وفي الخبر : « أمّا أنا فآخذ من شعري حين أُريد الخروج يعني إلى مكّة للإحرام » (٢).

ولا بأس به وإن كان الوجوب أحوط ؛ لإمكان الجمع بين النصوص بوجه آخر أوضح من هذا الجمع ، إلاّ أنه لما اعتضد بالأصل والشهرة القريبة من الإجماع كان أظهر.

( ويتأكد ) الاستحباب ( إذا أهلّ ذو الحجة ) قيل : للصحيح : عن متمتع حلق رأسه بمكّة ، قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك في أول الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإن عليه دماً يهريقه » (٣). ويحتمل اختصاصه بتمتع دخل مكّة وهو حينئذ محرم. وألزمه المفيد الدم بالحلق بعد هلال ذي القعدة ، وهو الذي أوجب نسبة وجوب التوفير اليه ، مع أن ابن سعيد وافقه فيه مع أنه قال : ينبغي لمن أراد الحجّ توفير شعر رأسه ولحيته (٤). انتهى.

وفي كل من الاستدلال والاحتمال نظر.

( وتنظيف الجسد ) عن الأوساخ على ما يقتضيه نحو العبارة ؛ لعطف قوله : ( وقصّ أظفاره ، والأخذ من شاربه ، وإزالة شعره عن جسده

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٩٨ / ٩٠٢ ، التهذيب ٥ : ٤٧ / ١٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ / ٥٢٢ ، الوسائل ١٢ : ٣١٩ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٨ / ١٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ / ٥٢٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٠ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، الفقيه ٢ ٢٣٨ / ١١٣٧ ، التهذيب ٥ : ٤٨ / ١٤٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٢١ أبواب الإحرام ب ٥ ح ١.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣١٠ ؛ وانظر المقنعة : ٣٩١ ، والجامع للشرائع : ١٨١.

١٩٤

وإبطيه بالنورة ) عليه ، فإن العطف يقتضي المغايرة.

وفي اللمعة بدّل الواو بالباء (١) ، مؤذناً بالاتحاد ، ولعلّه لخلو الأول عن النص ، وأن المنصوص في الصحاح المستفيضة هو ما عداه (٢).

ويمكن الاستدلال بها عليه أيضاً ؛ للتلازم بينه وبين ما عداه غالباً عادةً ، فتأمل جدّاً.

واستدل عليه أيضاً بعموم استحباب الطهور ، واختصاص الإحرام باستحباب الغسل له المرشد اليه ، ومنعه منه مدّة طويلة (٣).

أقول : ومن العموم تعليل استحباب الاطلاء بالنورة بأنه طهور الوارد في جملة من النصوص (٤) ، ومنها الوارد في الإحرام بالخصوص ، كالصحيح : عن التهيؤ للإحرام ، فقال : « أطل بالمدينة فإنه طهور » (٥).

وفي الخبر : « أطليا » قالا : فعلنا منذ ثلاثة أيّام ، فقال : « أعيدا فإن الاطلاء طهور » (٦) ونحوه آخر (٧).

ويستفاد منها أجمع استحباب التنور مطلقاً ولو قبل مضي خمسة عشر يوماً ، وبه صرّح جماعة من المتأخرين (٨) ، تبعاً للمحكي عن النهاية‌

__________________

(١) اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٢٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٢٢ أبواب الإحرام ب ٦.

(٣) كما في كشف اللثام ١ : ٣١٠.

(٤) الوسائل ٢ : ٦٤ أبواب آداب الحمام ب ٢٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٣ ، الوسائل ٩ : ١٠ أبواب الإحرام ب ٧ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٦٢ / ١٩٩ ، الوسائل ٢ : ٦٩ أبواب آداب الحمام ب ٣٢ ح ٥.

(٧) الكافي ٦ : ٤٩٨ / ٩ ، الوسائل ٢ : ٦٩ أبواب آداب الحمام ب ٣٢ ح ٣.

(٨) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٦٧٢ ، والشهيد في الدروس ١ : ٣٤٣ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢٤٨.

١٩٥

والمبسوط والمنتهى (١).

ولا ينافيه قوله : ( ولو كان مطلياً أجزأ ما لم يمض خمسة عشر يوماً ) كما قيل (٢) ، بل ربما يؤكده ؛ لمكان لفظ « الإجزاء » المستعمل عرفاً في أقل الواجب أو المستحب ، وإنما المقصود من ذكر المدة بيان تأكد الاستحباب بعدها للخبر : إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع للطلية الأخيرة ، وكم بينهما؟ قال : « إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوماً فأطل » (٣).

( والغسل ) كما مرّ في كتاب الطهارة.

( ولو أكل أو لبس ) بعد الغسل ( ما لا يجوز له أعاد غسله استحباباً ) للصحيحين (٤) وغيرهما (٥) ، وزيد في أحدهما التطيب ، كما أفتى به في التهذيب والدروس وغيرهما (٦).

ولا يحلق بالمذكورات غيرها من تروك الإحرام ؛ للأصل السالم عن المعارض ، المؤيد بصريح الصحيح في الادّهان قبله وبعده ومعه : « ليس به بأس » (٧). والمرسل في قصّ الأظفار وتقليمها ، وفيه : « لا يعيد الغسل بل‌

__________________

(١) النهاية : ٢١١ ، المبسوط ١ : ٣١٤ ، المنتهى ٢ : ٦٧٢.

(٢) المدارك ٧ : ٢٤٨.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٧ ، التهذيب ٥ : ٦٢ / ١٩٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٥ أبواب الإحرام ب ٧ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٢ ، ٢٣١ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٢ أبواب الإحرام ب ١٣ ، ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢١٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣١ أبواب الإحرام ب ١١ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٧٠ ، الدروس ١ : ٣٤٣ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٨٦ ، وكشف اللثام ١ : ٣١١ ، والحدائق ١٥ : ١٢.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٨٢ / ٦٠٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٦١ أبواب تروك الإحرام ب ٣٠ ح ٦.

١٩٦

يمسحها بالماء » (١).

واعلم أن المتبادر من النص والفتوى أنّ مكان الغسل هو الميقات ، أو ما يكون قريباً منه ، كما صرّح به في الروضة شيخنا (٢) ، ومقتضى ذلك عدم جواز تقديمه عليه مطلقاً.

( وقيل : يجوز تقديم الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء ، ويعيد ) في الميقات ( لو وجده ) فيه ، والقائل الشيخ وأتباعه (٣) ، كما في التنقيح (٤) ، وعليه عامة المتأخرين ، بل لا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٥) ، مشعراً بدعوى الإجماع ، كما صرّح به في المدارك بالنسبة إلى جواز التقديم لخائف عوز الماء (٦) ؛ للصحاح وغيرها (٧).

بل ظاهر جملة منها جواز التقديم مطلقاً ولو لم يخف عوز الماء ، وقوّاه جماعة من متأخري أصحابنا (٨) ، إلاّ أن في التنقيح أنه لم يقل به قائل ، مؤذناً بدعوى الإجماع ، وجعله السبب في التقييد.

ومما ذكرنا ظهر الإجماع المنقول على كلّ من جواز التقديم مع خوف عوز الماء ، وعدمه مع عدمه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٤ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١١ ، الوسائل ١٢ : ٣٣١ أبواب الإحرام ب ١٢ ح ٢.

(٢) الروضة البهية ٢ : ٢٢٩.

(٣) المبسوط ١ : ٣١٤.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٤٥٤.

(٥) الذخيرة : ٥٨٦.

(٦) المدارك ٧ : ٢٥١.

(٧) الوسائل ١٢ : ٣٢٦ أبواب الإحرام ب ٨.

(٨) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٥١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣١١ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ١٣.

١٩٧

وهو معتضد في الأوّل بعدم ظهور الخلاف فيه ، إلاّ من العبارة ؛ لنسبتها إياه إلى القيل ، المشعرة بالتوقف فيه أو التمرض. ولا وجه له بعد استفادته من الصحاح وغيرها ، المعتضدة بعمل الأصحاب كافّة عداه.

مع احتمال رجوع تردّده ولو على بُعد إلى تقييد الجواز بخوف عوز الماء ؛ لإطلاق الأخبار ، حتى ما ذكر فيه خوف عوز الماء (١) ، فإن غاية ذلك الاختصاص ، لا التخصيص ، فلا ينافي الإطلاق.

ومرجعه إلى احتمال جواز التقديم على الإطلاق ، كما عليه جماعة من المتأخرين. وهو حسن ، لولا الإجماع المنقول الموجب للتقييد ، مع نود تردّد في شمول الإطلاق لصورة عدم خوف عوز الماء.

ويحتمل رجوع التردّد إلى الحكم الأخير ؛ لعدم دليل واضح عليه.

وما استدل به جماعة من المتأخرين من قوله عليه‌السلام في بعض الصحاح بعد رخصة التقديم لخوف عوز الماء : « ولا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم » أي الماء « إذا بلغتم ذا الخليفة » (٢) غير واضح الدلالة ؛ فإنّ نفي البأس غير الاستحباب.

وفيه مناقشة ؛ فإنه إذا لم يكن به بأس كان راجحاً ، لكونه عبادة.

وممّا ذكر ظهور عدم وجه للتردّد في شي‌ء من الأحكام الثلاثة.

( ويجزئ غسل النهار ليومه ، وكذا غسل الليل ) لليلته ، بلا خلاف أجده ؛ للنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما.

بل في الصحيح : « غسل يومك يجزيك لليلتك ، وغسل ليلتك‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ / ٢٠٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٦ أبواب الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٦ أبواب الإحرام ب ٨ ح ٢.

١٩٨

يجزيك ليومك » (١).

وبه أفتى جماعة من متأخري المتأخرين (٢) ، تبعاً للمحكي عن المقنع (٣). ولا بأس به.

ولكن الأفضل الإعادة ؛ لصريح بعض الأخبار السابقة ، المؤيد بلفظ الإجزاء في هذه الرواية.

وذلك ( ما لم ينم ) وإلاّ فيستحب الإعادة ، وفاقاً للأكثر ؛ للصحيح : عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل » (٤) ونحوه غيره (٥).

مؤيدين بما يدل على مثله لمن اغتسل لدخول مكّة أو الطواف ، كالصحيح : عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمّ ينام فيتوضأ قبل أن يدخل ، أيجزيه ذلك أو يعيد؟ قال : « لا يجزيه ، لأنه إنما دخل بوضوء » (٦).

ويفهم منه نقض الغسل بالنوم ، ومشاركة باقي الأحداث له في ذلك.

وصرّح بالأخير الشهيدان في الدروس والمسالك (٧) ، مستنداً ثانيهما‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٨ أبواب الإحرام ب ٩ ح ١.

(٢) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٥٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٨٦ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ١٥.

(٣) المقنع : ٧٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٨ ، ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٦ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٩ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٠ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٩٩ / ٣٣٥ ، الوسائل ١٣ : ٢٠١ أبواب مقدمات الطواف ب ٦ ح ١.

(٧) الدروس ١ : ٣٤٣ ، المسالك ١ : ١٠٦.

١٩٩

بالفحوى ؛ للاتفاق على ناقضية الحدث غيره مطلقاً ، والخلاف فيه على بعض الوجوه.

وهو مبني على كون الإعادة للنقض لا تعبّداً ، كما قدّمنا ؛ ويدلُّ عليه الموثق صريحاً ، وفيه : عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد ، قال : « يجزيه إن لم يحدث فإن أحدث ما يوجب وضوءاً فليعد غسله » (١).

خلافاً لسبطه وبعض من تأخر عنه (٢) ، فجعلاها تعبداً ، ولم يستحباها لباقي الأحداث.

وخلاف الحلّي بعدم استحباب الإعادة ولو في النوم (٣) مبني على الأصل ، وعدم حجيّة الآحاد. وهو ضعيف.

نعم ، في الصحيح : عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « ليس عليه غسل » (٤).

وهو قاصر عن المقاومة لما مرّ بعد صراحته وتعدّده واعتضاده بالعمل ، فيحمل على نفي الوجوب كما هو ظاهره من وجه ، وعليه الشيخ (٥) ، أو على نفي تأكد الاستحباب كما هو ظاهره من آخَر ، وعليه جماعة ممن تأخر (٦). ولعلّه أظهر.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥١ / ٨٥٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٤٨ أبواب زيارة البيت ب ٣ ح ٢.

(٢) المدارك ٧ : ٢٥٣ ، وانظر الذخيرة : ٥٨٦ ، وكشف اللثام ١ : ٣١١.

(٣) السرائر ١ : ٥٣٠ و٦٠٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٥ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٨ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٠ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤.

(٦) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٢٥٤ ، وصاحب الإحرام ٧ : ٢٥٣ ، والعلامة المجلسي في ملاذ الأخيار ٧ : ٣١٤.

٢٠٠