رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

خلافاً للثوري وإسحاق في الأكل مطلقاً (١).

ولأبي حنيفة إذا ذبحه وصاده المحلّ (٢).

والسنّة من طرقنا مضافاً إلى عموم الكتاب بردّ هؤلاء ، وإثبات تحريم الصيد مطلقاً مستفيضة ، بل متواترة.

ففي الصحيح : « لا تستحلّنّ شيئاً من الصيد وأنت حرام ، ولا تدلّنّ عليه محلا ولا محرماً فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحلّ من أجلك ، فإن فيه فداءً لمن تعمّده » (٣).

وفيه : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ، ولا تأكل ممّا صاده غيرك ، ولا تشر إليه فيصيده » (٤).

وفيه : « ولا تأكل من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محلّ » (٥).

إلى غير ذلك من الصحاح وغيرها.

وهل يحرم الإشارة والدلالة لمن يرى الصيد بحيث لا يفيده ذلك شيئاً؟ الوجه العدم ، وفاقاً لجمع (٦) ؛ للأصل ، واختصاص النص بحكم التبادر وغيره بما تسبّب للصيد ، والدلالة عرفاً بما لا يعلمه المدلول بنفسه.

وإن ضحك ، أو تطلّع عليه ففطن غيره فصاده ، فإن تعمّد ذلك للدلالة عليه أثم ، وإلاّ فلا.

__________________

(١) كما نقله عنهما في المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٢) على ما حكاه عنه في المغني ٣ : ٢٩٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨١ / ١ ، الوسائل ١٢ : ٤١٥ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠٢١ ، الوسائل ١٢ : ٤١٦ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٦٨ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ١.

(٦) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٨ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٠٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٨٩ ، وصاحب الحدائق ١٥ : : ١٣٩.

٢٦١

وكما يحرم الصيد يحرم فرخه وبيضه بلا خلاف يعرف ، كما في الذخيرة ، قال : ونقل المصنف في التذكرة الإجماع عليه ، ويدلُّ عليه الروايات المتضمنة لثبوت الكفارة فيه (١). وسيأتي ذكرها ، وتحقيق معنى الصيد ، والخلاف الواقع فيه ، في بحث الكفّارات إن شاء الله تعالى.

( ولو ذبحه ) المحرم ( كان ميتة ) كما في الشرائع والإرشاد والقواعد وغيرها (٢) ، وعن الخلاف والسرائر والمهذّب والجامع (٣) ، وفيه : أنه كذبيحة المجوسي.

للحسن أو الموثق : « إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محرم ولا مُحلّ » (٤).

وعن التذكرة والمنتهى (٥) الإجماع عليه.

وعن النهاية والمبسوط والتهذيب والوسيلة والجواهر (٦) أنه كالميتة ، وفي الأخير الإجماع عليه ؛ للخبر (٧). ومرجعه هنا إلى شي‌ء واحد ، وهو كونه ( حراماً على المحلّ والمحرم ) وإن اختلفا في نحو النذر.

ولا ريب في شهرة هذا الحكم كما اعترف به جماعة من‌

__________________

(١) الذخيرة : ٥٨٩.

(٢) الشرائع ١ : ٢٤٩ ، الإرشاد ١ : ٣١٧ ، القواعد ١ : ٨١ ؛ وانظر التحرير ١ : ١١٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٤٠٤ ، المهذب ١ : ٢٣٠ ، السرائر ١ : ٥٤٦ و٥٦٩ وقال فيه : كان حكمه حكم الميتة سواء ، الجامع للشرائع : ١٨٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٦ ، الإستبصار ٢١٤ / ٧٣٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٥.

(٥) التذكرة ١ : ٣٢٩ ، المنتهى ٢ : ٨٠٣.

(٦) النهاية : ٢٣٠ ، المبسوط ١ : ٣١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٧٧ ، الوسيلة : ١٦٣ ، جواهر الفقه : ٤٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ / ٧٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٤.

٢٦٢

المتأخرين (١) ، بل ظاهر جماعة ممن دأبهم نقل الخلاف حيث كان عدم الخلاف فيه ؛ لعدم نقلهم له هنا (٢) ، وقد مرّ نقل الإجماع عليه صريحاً.

وبجميع ذلك يجبر قصور الخبرين سنداً ، مع اعتباره في أحدهما ، وتأيدهما بالأخبار الآمرة بدفنه :

منها المرسل كالصحيح : قلت له : المحرم يصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : « إذاً يكون عليه فداء آخر » قلت : فما يصنع به؟

قال : « يدفنه » (٣) وقريب منه الخبر (٤).

وأخبارِ تعارض الميتة والصيد للمحرم المضطرّ (٥) ، سيّما ما رجّح منها الميتة على الصيد وإن كان العكس لعلّه أظهر ، فتدبّر وتأمّل.

خلافاً للمحكي عن الصدوق في المقنع والفقيه والإسكافي والمفيد والمرتضى (٦) ، فلا يحرم مذبوح المحرم في غير الحرم على المحلّ ؛ للأصل ، والصحاح المستفيضة ، أظهرها دلالةً قول الصادق عليه‌السلام في أحدها : « إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدّق بالصيد على مسكين » (٧).

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣٠٦ والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٢٠ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ١٤٣.

(٢) كالعلاّمة في المنتهى ٢ : ٣٠٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٥ / ١١٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٨ / ١٣٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ / ٧٤٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٢٣٣ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٧٨ / ١٣١٩ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ / ٧٣٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٣١ أبواب تروك ١٠‌

(٦) المقنع : ٧٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٧٩ ، المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، المرتضى في الجمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٧ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ / ٧٣٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٦.

٢٦٣

وقوله عليه‌السلام في آخر : « إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحلّ فإنّ الحلال يأكله وعليه هو الفداء » (١).

والإصابة في ذيله وإن احتمل ما عدا القتل كما في باقي الصحاح ، إلاّ أن المراد بها في صدره خصوصه بقرينة الدفن ، فيتعدّى إلى الذيل بشهادة السياق.

والمسألة محل إشكال وإن كان الأوّل أرجح ؛ للشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة المرجحة لأخباره وإن ضعفت ، على أخبار الثاني وإن صحّت ، مع قصور أكرهها دلالةً ، لما عرفته ، والباقي سنداً عند الأكثر ، لكونه من الحسن عندهم بإبراهيم ، بل ودلالةً ، لاحتمال الباء في « بالصيد » في الخبر الأوّل للسببية ، والصيد المصدرية ، وضعف القرينة في الثاني بعد اختلاف النسخة كما قيل (٢) في « يدفنه » فإن بدلها « يفديه » في أُخرى.

وحملهما الشيخان على ما إذا قتله برميه إياه ، ولم يكن ذبحه ، جمعاً (٣). ولا بأس به.

( و ) منها : ( النساء وطئاً وتقبيلاً ولمساً ونظراً بشهوة ) لا بدونها ( وعقداً ) عليهم مطلقاً ( له ) أي للمحرم نفسه ( أو لغيره ، وشهادةً ) له ( على العقد ) عليهن.

بلا خلاف يظهر للعبد فيما عدا النظر ، بل عليه الإجماع في عبائر‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٨ / ١٣١٨ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ / ٧٣٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٢.

(٢) قال به الحرّ العاملي في الوسائل ١٢ : ٤٢٠.

(٣) المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، الطوسي في التهذيب ٥ : ٣٧٨.

٢٦٤

جماعة ، كالتحرير في الأوّل (١) ، والمدارك صريحاً وغيره ظاهراً فيه وفي العقد (٢) ، والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة (٣) كما حكي في العقد ، وصريح المحكي عن الخلاف وظاهر غيره في الأخير (٤) ؛ وفيه الحجة.

مضافاً إلى الكتاب في الأوّل ؛ لنفي الرفث فيه في الحج (٥) ، بناءً على تفسيره بالوطء في الصحيحين (٦).

والصحاحِ المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة من التواتر ، بل المتواترة في الجميع ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة في بحث الكفّارات إن شاء الله تعالى.

وأما النظر بشهوة فقيل فيه أيضاً أنه لعلّه لا خلاف فيه (٧) ، بل زيد في بعض العبارات فادّعى الإجماع عليه (٨) ، مع أنه صرّح الصدوق في الفقيه بأنه لا شي‌ء عليه (٩).

ويعضده الأصل ، مع عدم دليل على تحريمه من حيث الإحرام عدا النصوص الدالة على لزوم الكفارة به مع الإمناء ، كالصحيح : في المحرم‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١١٢.

(٢) المدارك ٧ : ٣١٠ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٨٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٣١٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، المنتهى ٢ : ٨٠٨ ، التذكرة ١ : ٣٤٢.

(٤) الخلاف ٢ : ٣١٧ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، وحكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ٣٢٣.

(٥) البقرة : ١٩٧.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣ / ١٠٩٦ ، ١٠٩٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ١ ، ٢.

(٧) الحدائق ١٥ : ٣٤٤.

(٨) كما في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٢٧.

(٩) الفقيه ٢ : ٢١٣.

٢٦٥

ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل ، قال : « عليه بدنه » (١).

والحسن : « ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته ولازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه » (٢).

وهي مخصوصة بصورة الإمناء ، فلعلّ الكفارة لأجله ، لا للنظر ، بل هو المفهوم من الخبر الثاني.

وأما الموثق الموجب للكفارة في هذه الصورة ، معلّلاً ب « إني لم أجعلها عليه لأنه أمنى ، إنما جعلتها عليه لأنه نظر إلى ما لا يحلّ له » (٣) فهو وإن كان ظاهراً في لزوم الكفارة بالنظر خاصة ، لكنه ليس نصّاً في النظر مطلقاً حتى إلى المحلّلة ، فلعلّه النظر إلى الأجنبية خاصة ، كما ربما يفهم من التعليل ، ويرشد إليه تنكير المرأة في الرواية ، وفهم الشيخ لها منها ، فذكرها في حرمة النظر إليها ، وأردفها بالصحيح : في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى ، قال : « عليه دم ، لأنه نظر إلى غير ما يحلّ له ، وإن لم يكن أنزل فليتّق الله ولا يعد ، وليس عليه شي‌ء » (٤).

ويستفاد منه أن للإمناء مدخلاً في لزوم الكفارة مع تضمنه التعليل المذكور في الموثقة ، وعليه فيزيد ضعف دلالتها على خلاف ما قلناه ، ويتأتى فيها الاحتمال الذي ذكرناه في الخبرين السابقين عليها ، وحينئذٍ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٥ / ١ ، الوسائل ١٣ : ١٣٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢١ ، الإستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤١ ، الوسائل ١٣ : ١٣٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٧ بتفاوت ، الفقيه ٢ : ٢١٣ / ٩٧١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٥ ، علل الشرائع : ٤٥٨ / ١ ، المقنع : ٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١٣٣ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٨ ، الوسائل ١٣ : ١٣٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٥.

٢٦٦

فالجواز أقوى إن لم يكن خلافه إجماعاً.

واعلم أن الظاهر رجوع القيد في العبارة إلى مجموع الأُمور الثلاثة ، فلا تحرم بدون الشهوة ، وفاقاً لجماعة (١) ؛ للأصل ، والمعتبرة ، منها الصحيح : عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته ، قال : « نعم يصلح عليها خمارها ، ويصلح عليها ثوبها ويحملها » (٢) قال : أفيمسّها وهي محرمة؟ قال : « نعم » قال : المحرم يضع يده بشهوة ، قال : « يهريق دم شاة » (٣).

والحسن : « من مسّ امرأته وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته ولازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه » (٤).

إلى غير ذلك من النصوص المتقدم بعضها أيضاً ، وهي صريحة في الحكمين ، وعليه يحمل ما أُطلق فيه المنع من الأخبار ، حملَ المطلق على المقيّد ، مع كونه الغالب ، فيحمل عليه أيضاً ما أُطلق فيه من الفتاوى المحكية عن جمل العلم والعمل والسرائر والكافي (٥) ، ويحتمله الكتاب فيما عدا النظر.

__________________

(١) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٥٩٠ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٣٤٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٢٢ و٣٢٣.

(٢) في المصدر : محملها.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٥ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ١٣٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢١ ، الإستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤١ ، الوسائل ١٣ : ١٣٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٣.

(٥) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٢٢ ، وهو في الجمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٠ ، والسرائر ١ : ٥٥٢ ، والكافي في الفقه : ٢٠٣.

٢٦٧

ولا فرق في حرمة الشهادة على العقد بين كونه لمحلّ أو محرم ، كما صرّح به جمع (١) ؛ لإطلاق المرسل : « المحرم لا يَنكَح ولا يُنِكح ولا يشهد » (٢).

وصريح آخر في الأوّل : في المحرم يشهد على نكاح محلّين ، قال : « لا يشهد » (٣).

وبفحواه يستدل على الثاني ، وضعف السند مجبور بالعمل ، بل الإجماع كما مرّ.

والشهادة هو الحضور لغةً ، فيحتمل حرمته وإن لم يحضر للشهادة عليه ، كما عن الجامع (٤).

ولم يذكر الماتن حرمة إقامة الشهادة عليه هنا ، مع أنه ذكرها في الشرائع (٥) ، تبعاً للمبسوط والسرائر (٦) ، وعزيت إلى المشهور (٧).

واستشكل فيها في القواعد (٨) ، ولعلّه من احتمال دخولها في عموم الشهادة المنهية في الخبرين والفتاوي ؛ ومن عموم أدلة النهي عن الكتمان ،

__________________

(١) منهم : العلاّمة في المنتهى ٢ : ٨٠٩ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣١١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٩٠ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٣٤٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٣ / ١١٣٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣ / ١٠٩٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ / ٦٣٠ ، الوسائل ١٢ : ٤١٧ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٨.

(٤) الجامع للشرائع : ١٨٤.

(٥) الشرائع ١ : ٢٤٩.

(٦) المبسوط ١ : ٣١٧ ، السرائر ١ : ٥٤٧ و٥٥٣.

(٧) كما في المدارك ٧ : ٣١٢ والمفاتيح ١ : ٣٢٧ والذخيرة : ٥٩٠.

(٨) القواعد ١ : ٨١.

٢٦٨

وتوقف ثبوت النكاح شرعاً عليها ، ووقوع مفاسد عظيمة إن لم يثبت ، بخلاف إيقاعه ، إذ لا يتوقف عليه عندنا.

قيل : ولأنها إخبار لا إنشاء ، والخبر إذا صدق ولم يستلزم ضرراً لم يحسن تحريمه ، ولأنها أولى بالإباحة من الرجعة ، فإنها إيجاد النكاح في الخارج ، وإقامة الشهادة إيجاد له في الذهن (١).

ولعلّ هذا أولى ؛ لقوة أدلته ، مضافاً إلى الأصل ، وعدم ثبوت المنع باحتمال الدخول في الخبرين ، مضافاً إلى ضعفهما وعدم وضوح جابر معتدّ به لهما هنا.

وبالجواز مع ترتب الضرر على تركها قطع بعض الأصحاب (٢).

والمنع على القول به ثابت مطلقاً ولو تحمّلها محلا ، على الأشهر ، كما قيل.

خلافاً للشيخ فيما إذا تحمّلها محلا (٣) ، وللتذكرة فخصّه بما إذا وقع بين محرمين ، أو محرم ومحلّ (٤).

( و ) منها : ( الاستمناء ) باليد أو التخيّل أو الملاعبة ، بلا خلاف على الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٥) ؛ للصحاح المستفيضة المتقدم إلى بعضها قريباً الإشارة ، ويأتي آخر منها في بحث الكفّارة إن شاء الله تعالى.

( و ) منها : ( الطيب ) بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٢٩٢.

(٢) المدارك ٧ : ٣١٢.

(٣) كما في المبسوط ١ : ٣١٧.

(٤) التذكرة ١ : ٣٤٣.

(٥) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٢٧.

٢٦٩

المصرَّح به في عبائر جماعة (١) ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ولكن اختلفوا كالنصوص في عموم تحريمه أو تخصيصه بما يأتي ، والأكثر فتوًى ونصاً على الأوّل.

( وقيل : لا يحرم ) منه ( إلاّ أربع : المِسك والعنبر والزعفران والوَرْس ) (٢) والقائل الصدوق في المقنع في نقل (٣) ، وابن سعيد كما قيل (٤) ، والشيخ في التهذيب (٥) ؛ للصحيح : « إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء » وعدّها كما في العبارة (٦).

وفي آخر : « الطيب : المسك » وعدّها إلى آخرها (٧).

ونحوه ثالث ، لكن مبدّلاً فيه الورس بالعود (٨).

وفيه : وخلوق الكعبة لا بأس به (٩).

والظاهر أن المراد من هذه الأخبار حصر الطيب الذي يحرم على‌

__________________

(١) منهم : المجلسي في مرآة العقول ١٧ : ٣٠٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٩٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٣٥.

(٢) الوَرس صبغ يتخذ منه الحمرة للوجه ، وهو نبات كالسمسم ليس إلاّ باليمن. مجمع البحرين ٤ : ١٢١.

(٣) المقنع : ٧٣.

(٤) ابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٨٣ ، وحكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٢٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٨.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨ / ٥٩٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٦.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧٩ / ٥٩٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٦.

(٩) هذا من كلام الشيخ في التهذيب ٥ : ٢٩٩ ذيل الحديث ١٠١٥ ؛ نعم ، هناك روايات تدلّ على المطلوب. انظر الوسائل ١٢ : ٤٤٩ أبواب تروك الإحرام ب ٢١.

٢٧٠

المحرم ، كما يدل عليه الزيادة في الأخير ، وبها وبنحوها يقيّد ما عمّم فيه الطيب أو أُطلق ، أو يحمل على الاستحباب ، كما يفصح عنهما نفس الصحيح الأوّل ، حيث تضمّن صدره المنع عنه بالعموم بقوله : « لا تمسّ شيئاً من الطيب وأنت محرم ولا من الدهن ، واتّق الطيب ، وأمسك على أنفك من الريح الطيبة ، ولا تمسك عليها من الريح المنتنة » وقال بعده : « فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذّذ بريح طيبة » إلى أن قال : « وإنما يحرم عليك ».

فهذا القول في غاية القوة ، لولا ما سيأتي مع ندوره ورجوع الشيخ عنه إلى العموم كما حكي عنه في المبسوط (١).

( وأضاف ) الشيخ ( في الخلاف ) إلى الأربعة ( الكافور والعود ) ناقلاً الإجماع على نفي الكفارة فيما عدا الستة (٢) ، ونحوه من غير نقل الإجماع النهاية وابن حمزة في الوسيلة وابن زهرة في الغنية (٣) ، لكنه أسقط الوَرس من الستّة ، نافياً الخلاف عن الخمسة الباقية ، وحكي الحصر فيها عن الجمل والعقود والمهذّب والإصباح والإشارة (٤).

وهو ضعيف في الغاية ؛ لوجود أخبار صحيحة بالورس ، وهي أرجح من أخبار العود من وجوه وإن كان لا بأس بإضافته وإضافة الكافور ، للإجماع المنقول في الغنية فيهما.

مضافاً في الكافور إلى فحوى ما دلّ على منع الميت المحرم منه‌

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٢٤ ؛ وانظر المبسوط ١ : ٣١٩.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٠٢.

(٣) النهاية : ٢١٩ ، الوسيلة : ١٦٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٤) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٢٤ ، وهو في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٨ ، المهذب ١ : ٢٢٠ ، إشارة السبق : ١٢٧.

٢٧١

فالحي أولى ؛ وفي العود إلى ما ورد فيه من النصوص.

ولا ينافيها ، ولا ما دلّ على إضافة الكافور ، الحصر في باقي الأخبار في الأربعة التي ليسا منها ؛ لقوة احتمال كونه لقلّة استعمال الأحياء للكافور ؛ وجواز كون ترك العود لاختصاصه غالباً بالتجمير مع ورود الأخبار الحاصرة فيما عداه فيما يستعمل بنفسه.

وممّا ذكرنا ظهر قوة ما في الخلاف وإن كان الأحوط المصير إلى ما عليه أكثر الأصحاب ، سيّما مع ( احتمال ) (١) تطرّق الوهن إلى الصحيح الذي هو الأصل في التخصيص ، بتضمنه في الكفّارة ما هو خلاف المجمع عليه بين الطائفة فتوًى وروايةً ، ولزوم صرف الحصر عن ظاهره كما مرّ بالإضافة إلى الكافور والورس أو العود ، بجعله إضافياً ، أي بالنسبة إلى ما يستعمله الأحياء بنفسه لا تجميراً.

وهو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله ، وحمله على ما هو أغلظ تحريماً ، كما فعله جماعة من أصحابنا (٢) ، بل لعلّه أولى وإن كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيثما تعارضا ؛ فإنّ ذلك حيث لا يلزم إلاّ أحدهما ، وأما إذا لزم المجاز على كل تقدير فلا ريب أن اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص أيضاً ، كما لا يخفى.

مضافاً إلى أولويته هنا بالشهرة العظيمة بين أصحابنا ، وبها يوهن إجماع الخلاف على نفي الكفّارة فيما عدا الستّة ، فلا يصلح أيضاً مخصّصاً لعموم الأدلّة.

( و ) منها : ( لبس المخيط للرجال ) بلا خلاف ، كما عن الغنية (٣) ،

__________________

(١) ليست في « ق ».

(٢) منهم صاحب المدارك ٧ : ٣٢٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

٢٧٢

وفي التحرير والتنقيح وموضع من المنتهى (١) ، وظاهره نفيه بين العلماء ، مؤذناً بإجماعهم كافة ، كما صرح به في موضع آخر منه والتذكرة (٢) ؛ للصحاح المستفيضة.

منها : « لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوباً تزرّه ولا تدرّعه ، ولا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار ، ولا الخفين إلاّ أن لا يكون لك نعلان » (٣) وفي معناه غيره (٤).

لكن ليس فيها إلاّ النهي عن القميص والقباء والسراويل والثوب المزرّر والمدرّع ، لا مطلق المخيط.

وعن التذكرة أنه قال : ألحق أهل العلم بما نصّ به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما في معناه ، فالجبّة والدرّاعة (٥) وشبههما ملحق بالقميص ، والتبّان والران (٦) وشبههما ملحق بالسراويل ، والقلنسوة وشبهها مساوٍ للبرنس ، والساعدان والقفّازان وشبههما مساوٍ للخفّين ، قال : إذا عرفت هذا فيحرم لبس [ الثياب ] المخيطة وغيرها إذا شابهها كالدرع المنسوج والمعقود ، كجبة اللبد والملصق بعضه ببعض ، حملاً على المخيط ؛ لمشابهته إياه في المعنى من الترفه والتنعم (٧). انتهى.

__________________

(١) التحرير ١ : ١١٤ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٦٩ ، المنتهى ٢ : ٧٨١.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٨١ ، التذكرة ١ : ٣٣٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٢٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ١.

(٥) الدُّرّاغة والمِدرع : ضرب من الثياب التي تلبس ، وقيل : جُبّة مشقوقة المقدّم. لسان العرب ٨ : ٨٢.

(٦) التبّان كرُمّان : سراويل صغير يستر العورة المغلّظة. الران : كالخفّ إلاّ أنه لا قدم له وهو أطول من الخفّ. القاموس ٤ : ٢٠٧ ، ٢٣٢.

(٧) التذكرة ١ : ٣٣٢.

٢٧٣

وفيه نظر.

والأولى الاستدلال عليه بعموم النص ؛ إذ ليس فيه اشتراط الخياطة إلاّ فيما له أزرار ، إلاّ أن يمنع انصرافه بحكم التبادر والغلبة إلى غير المخيط ، فيرجع فيه لو لا الإجماع على الإلحاق إلى حكم الأصل ، وهو عدم المنع.

وفي الدروس : يجب ترك المخيط على الرجال وإن قلّت الخياطة في ظاهر كلام الأصحاب ، ولا يشترط الإحاطة ، ويظهر من كلام الإسكافي اشتراطها ، حيث قيّده بالضامّ للبدن ، فعلى الأوّل يحرم التوشح بالمخيط والتدثر (١). انتهى.

ولا يتم الاستدلال على ما يظهر من كلام الأصحاب بالمنع مما له أزار ؛ لجواز كونه للضم ، كما يستفاد من الصحيح في الطيلسان المزرّر : « إنما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل ، فأما الفقيه فلا بأس أن يلبسه » (٢).

وفي آخر : « يلبس كل ثوب إلاّ ثوباً يتدرّعه » (٣).

( وفي ) جواز لبس ( النساء ) له ( قولان ، أصحّهما الجواز ) وفاقاً لأكثر الأصحاب ، بل عامتهم عدا النادر على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جماعة (٤) ، مشعرين بدعوى الإجماع ، كما في صريح السرائر والمنتهى والتذكرة (٥) ، وعن المختلف والتنقيح (٦) ، بل ظاهر ما عدا‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٧٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٠ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٥ ، علل الشرائع : ٤٠٨ / ١ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٥.

(٤) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٣١. وقال في المدارك ٧ : ٣٣١ والحدائق ١٥ : ٨٨ والذخيرة : ٥٨٢ : إنه المعروف من مذهب الأصحاب.

(٥) السرائر ١ : ٥٤٤ ، المنتهى ٢ : ٢ / ٧٨٣ ، التذكرة ١ : ٣٣٣.

(٦) المختلف : ٢٦٦ ، التنقيح ١ : ٤٦٩.

٢٧٤

الأخيرين كونه مجمعاً عليه بين العلماء ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، مع اختصاص الأدلة المانعة فتوًى وروايةً بالرجل خاصة دون المرأة ، والمعتبرة بها مع ذلك مستفيضة ، وفيها الصحاح ، منها : « المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقُفّازَين » (١).

خلافاً للنهاية فمنع عما عدا السراويل والغِلالة (٢) ، وحجته مع شذوذه ، ورجوعه عنه في المبسوط (٣) ، بل وعدم وضوح عبارته في الكتاب في المنع على بعض النسخ غير واضحة.

عدا ما قيل له من عموم المحرم في خبر النهي لهنّ ، والخطاب لكل من يصلح (٤). وهو ممنوع ؛ لاختصاص الخطاب حقيقة بالذكر ، والتغليب مجاز ، والقرينة مفقودة ، بل على الجواز كما عرفت موجودة.

نعم لا بأس بالمنع عن القُفّازين ؛ للنصوص ، منها زيادةً على ما مرّ خبران آخران (٥) ، مجبور ضعف سندهما بالإجماع المحكي في صريح الخلاف والغنية (٦) ، وعن ظاهر المنتهى والتذكرة (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٨ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٢) النهاية : ٢١٨.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣١.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٢٩.

(٥) الأوّل : الكافي ٤ : ٣٤٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٦ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٢.

الثاني : الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ / ٢٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٧ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٣.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٩٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٨٣ ، التذكرة ١ : ٣٣٣.

٢٧٥

خلافاً لبعض متأخري المتأخرين ، فأحتمل الإباحة ، قال : لأنهما على أحد التفسيرين داخلان في جنس الثياب ، وقد دلّ الدليل على جواز لبسها ، وعلى الآخر داخلان في جنس الحُليّ ، فيتحد حكمهما معه ، وهو جواز اللبس لغير زينة.

وأشار بالتفسير الأوّل إلى ما في السرائر ومجمع البحرين (١) ، وحكي عن الصحاح والمنتهى والتذكرة (٢) من أنهما شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد ، وتلبسه المرأة في يديها.

وبالثاني إلى ما حكاه والأوّل عن القاموس من أنهما ضرب من الحُليّ لليدين أو للرجلين (٣). ونحوه عن جماعة من أهل اللغة (٤).

وفيه : أن ما ذكره من أدلة الجواز على التقديرين عامة ، والمانعة خاصة ، فلتكن عليها مقدمة.

والجمع بالكراهة مرجوح بالإضافة إلى التخصيص كما مرّ غير مرّة ، ولفظ الكراهة بدل النهي في بعض الأخبار لا يصلح قرينة عليها بالمعنى المصطلح ؛ لكونه في الأخبار أعم منها ومن الحرمة ، والعام ليس فيه على الخاص دلالة.

هذا مع قطع النظر عن الإجماعات المنقولة ، وإلاّ فهي على المنع وترجيحه أقوى حجة.

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٤٤ ، مجمع البحرين ٤ : ٣١.

(٢) الصحاح ٣ : ٨٩٢ ، المنتهى ٢ : ٧٨٣ ، التذكرة ١ : ٣٣٣.

(٣) القاموس ٢ : ١٩٤.

(٤) منهم : ابن منظور في لسان العرب ٥ : ٣٩٥ ، وابن فارس في معجم مقاييس اللغة ٥ : ٦.

٢٧٦

( ولا بأس بالغلالة ) بكسر الغين المعجمة ، وهي ثوب رقيق تلبس تحت الثياب ( للحائض تتقي بها ) عن الدم ( على القولين ) أي حتى قول الشيخ في النهاية ، فإنه مع منعه عن لبس المخيط لهن قال : ويجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تتقى ثيابها من النجاسات.

وبالإجماع الظاهر من العبارة صرّح الفاضلان في الشرائع والمنتهى والتذكرة (١) وغيرهما (٢).

والأصل فيه بعده وبعد الأصل والعمومات المتقدمة خصوص الصحيح : « تلبس المرأة الحائض تحت ثيابها غلالة » (٣).

( و ) يجوز أن ( يلبس الرجل السروال إذا لم يجد إزاراً ) بغير خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٤) ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه ، كما عن ظاهر المنتهى وصريح التذكرة (٥) ، ففيها : بإجماع العلماء ، وفي الأوّل : لا نعلم فيه خلافاً ؛ للصحيحين (٦).

وليس فيه والحال هذه فدية على ما صرّح به جماعة ، ومنهم الفاضل في المنتهى والتذكرة ، وفيها : عند علمائنا ، وفي الأوّل : اتّفق عليه العلماء إلاّ مالكاً وأبا حنيفة.

قيل : فإن ثبت الإجماع ، وإلاّ عمّه دليل الوجوب الآتي في بحث‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٤٩ ، المنتهى ٢ : ٧٨٣ ، التذكرة ١ : ٣٣٣.

(٢) انظر المدارك ٧ : ٣٣٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١١ ، التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥١ ، الوسائل ١٢ : ٥٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٥٢ ح ١.

(٤) الذخيرة : ٦٠١.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٨٢ ، التذكرة ١ : ٣٣٢.

(٦) المتقدمين في ص : ٢٩١٨.

٢٧٧

الكفارة (١).

وفي الغنية وعن الإصباح (٢) : أنه عند قوم من أصحابنا لا يلبس حتى يفتق ويجعل كالمئزر ، وأنه أحوط.

وفي الخلاف : لا يلزمه الفتق ؛ للأصل ، وخلوّ النص (٣).

وهو حسن ، مع أنه على اعتبار الفتق يخرج عن المخيط ، ولا يتقيّد بالضرورة.

( ولا بأس بـ ) لبس ( الطيلَسان وإن كان له أزرار و ) لكن ( لا يزرّه عليه ) كما في الصحاح (٤).

وإطلاقها يشمل حالتي الضرورة والاختيار ، وهو ظاهر الكتاب والشرائع والقواعد والتحرير والدروس والمحكي عن الفقيه وفي المقنع والمبسوط والتذكرة (٥).

خلافاً لظاهر الإرشاد فخصّه بالضرورة (٦) ، وهو كما قيل (٧) شاذّ ، ودليله غير معروف.

وهو كما في مجمع البحرين واحد الطيالسة ، وهو ثوب محيط بالبدن ينسج للّبس ، خالٍ عن التفصيل والخياطة ، وهو من لباس العجم ، والهاء‌

__________________

(١) كما قاله في كشف اللثام ١ : ٣٢٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، وحكاه عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ٣٢٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٩٧.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٧٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦.

(٥) الشرائع ١ : ٢٥٠ ، القواعد ١ : ٨٢ ، التحرير ١ : ٩٦ ، الدروس ١ : ٣٧٦ ، حكاه عن الفقيه في كشف اللثام ١ : ٣٢٩ ، وهو في الفقيه ٢ : ٢١٧ ، المقنع : ٧١ ، المبسوط ١ : ٣٢٠ ، التذكرة ١ : ٣٢٦.

(٦) الإرشاد ١ : ٣١٨.

(٧) قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٣١.

٢٧٨

في الجمع للعجمة ، لأنه فارسي معرّب تالشان (١).

ونحوه عن شيخنا الشهيد الثاني (٢).

وعن المطرزي أنه من لباس العجم مدوّر أسود (٣).

( و ) منها : ( لبس ما يستر ظهر القدم كالخفّين والنعل السندي ) فيما قطع به المتأخرون على الظاهر ، المصرَّح به في الذخيرة (٤) ، بل في المدارك الأصحاب كافة (٥) ، ونفى عنه الخلاف في الغنية (٦) ، مؤذناً بدعوى إجماع العلماء كافة.

للمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح :

منها : « ولا خفّين إلاّ أن لا يكون لك نعلان » (٧).

ومنها : « أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لبسهما » (٨).

ومنها : عن المحرم يلبس الجوربين؟ قال : « نعم ، والخفّين إذا اضطرّ إليهما » (٩).

لكنها مختصة بالخفّ والجورب. قيل : وعليهما اقتصر في المقنع‌

__________________

(١) مجمع البحرين ٤ : ٨٢.

(٢) المسالك ١ : ١١٠.

(٣) راجع المغرب ٢ : ١٦.

(٤) الذخيرة : ٥٩٤.

(٥) المدارك ٧ : ٣٣٧.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٧ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ١. ١‌

(٨) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤١ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٢.

(٩) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٦ ، الوسائل ١٢ : ٥٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٤.

٢٧٩

والتهذيب ، وعلى الخفّ في النهاية ، وعليه وعلى الشُّمِشك في المبسوط والخلاف والجامع ، ولم يتعرض لشي‌ء من ذلك في المصباح ومختصره ، ولا في الكافي ولا في جمل العلم والعمل ولا في المقنعة ولا في المراسم ولا في الغنية (١).

والظاهر كفاية نفي الخلاف في الغنية مع سابقيه اللذين أقلّهما الشهرة العظيمة في التعدية. ويحتمل قوياً خروج الخف والجورب في الفتوى والنص على مجرى الغالب.

ولا يحرم إلاّ ستر ظَهر القدم بتمامه باللبس ، لا ستر بعضه ، ولا الستر بغير اللبس ، كالجلوس ، وإلقاء طرف الإزار ، والجعل تحت الثوب عند النوم ، وغيره.

كلّ ذلك للأصل ، والخروج عن مورد الفتوى والنص ، وهو نص جمع (٢) ، بل قيل : عندنا (٣) ، مشعراً بدعوى إجماعنا.

ومن ذلك يظهر ( قوة ) (٤) اختصاص المنع بالرجل ، دون المرأة ، كما هو خيرة جماعة ومنهم الشهيد ، ناقلاً له عن العماني (٥) ، مؤيداً بالصحيح : « تلبس ما شاءت من الثياب » (٦) إن دخل نحو الخفّ فيها ، والنصوص بأن إحرامها في وجهها (٧).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٢٩.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٣٧ ، وصاحب الذخيرة : ٥٩٤.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٢٩.

(٤) ليست في « ش ».

(٥) انظر الدروس ١ : ٣٧٧.

(٦) تقدم مصدره في ص : ٢٩٢٠.

(٧) انظر الوسائل ١٢ : ٤٩٣ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨.

٢٨٠