رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

ثم إن إطلاق الأخبار بجواز العدول يشمل ما لو كان لبّى بعد طوافه وسعيه أم لا ( لكن ) الأحوط والأولى أن ( لا يلبّي بعد طوافه وسعيه ، و ) ذلك لتصريح جماعة كالتهذيب والنهاية والمبسوط والوسيلة والمهذّب والجامع والشرائع والقواعد (١) وغيرهم (٢) بأنه ( لو لبّى بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجه ) اعتماداً ( على رواية ) موثقة تقدّم ذكرها قبيل المسألة متصلة بها (٣) ، مؤيدة بالأمر بالتلبية إذا طاف قبل عرفات لعقد الإحرام كما قيل (٤).

خلافاً للمحكي عن الحلّي فقال : إنما الاعتبار بالقصد والنية ، لا التلبية (٥) ؛ لحديث « الأعمال بالنيات » (٦) مع ضعف الخبر ووحدته.

وإليه ميل الماتن هنا ؛ لنسبة الأول إلى رواية ، وبه أفتى فخر الإسلام مع حكمه بصحة الخبر ، وقال : وهو اختيار والدي (٧).

والأقرب الأول ؛ لاعتبار سند الخبر ، وعدم ضير في وحدته على الأظهر الأشهر ، سيّما مع اعتضاده بعمل جمع ، فيخصَّص به عموم الحديث السابق ، مع أخصّيته من المدّعى ، فإنه إنما يتمّ في العدول قبل الطواف ، فإنّ العبرة بالنية في الأعمال ، فإذا عدل فطاف وسعى ناوياً بهما عمرة التمتع‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٤ ، النهاية : ٢٠٨ ، المبسوط ١ : ٣١١ ، الوسيلة : ١٦٢ ، المهذّب ١ : ٢١٧ ، الجامع للشرائع : ١٧٩ ، الشرائع ١ : ٢٤٧ ، القواعد ١ : ٨١.

(٢) انظر المدارك ٧ : ٢٨٤.

(٣) راجع ص ٢٧٩٨.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٢٠.

(٥) السرائر ١ : ٥٣٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٨٦ / ٥١٨ ، الوسائل ١ : ٤٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ٦.

(٧) إيضاح الفوائد ١ : ٢٩٠.

١٤١

لم يضرّ التلبية بعدهما شيئاً ، والمدّعى أعم منه ومن العدول بعدهما. بل قيل : إن كلامهم فيه ، ولا يعمل حينئذ عملاً يقرنه هذه النية ، ولا دليل على اعتبار هذه النية بلا عمل ، إلاّ أن يتمسكوا بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصحابة بالعدول بعد الفراغ من السعي من غير تفصيل (١).

وهو حسن لولا الخبر المفصِّل المعتبر.

واعلم أن التلبية بعد الطواف والسعي إنما تمنع من العدول إذا كان بعدهما. إلا إذا كان قبلهما فالظاهر أنه متمتع لبّى في غير وقتها ، ولا يضرّ ذلك بعدوله ، ولا تقلب عمرته المعدول إليها حجة مفردة ؛ اقتصاراً فيما خالف العمومات الدالة على جواز العدول من غير تقييد بعدم التلبية على مورد الرواية التي هي الأصل في تقييدها به ، وعزاه بعض الأصحاب إلى الأكثر ، قال : خلافاً لظاهر التحرير والمنتهى (٢). وتردّد الشهيد (٣).

( ولا يجوز العدول للقارن ) بالنص والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (٤) ، ولا فرق فيه بين من تعيّن القرآن عليه قبل الإحرام أم لا ؛ لتعيّنه عليه بالسياق.

وإذا عطب هديه قبل مكة لم يجب عليه الإبدال. فهل يصير كالمفرد في جواز العدول؟ احتمال ؛ لتعليل المنع عنه في الأخبار بأنه لا يُحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه.

( والمكّي إذا بَعُد ثم حجّ على ميقات ) من المواقيت الخمسة التي‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٢٠.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٢٠ ؛ وانظر التحرير ١ : ٩٣ ، والمنتهى ٢ : ٦٦٣.

(٣) الدروس ١ : ٣٣٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٦٣ ، التنقيح ١ : ٤٤٢ ، كشف اللثام ١ : ٢٨٣.

١٤٢

للآفاق ( أحرم منه وجوباً ) بغير خلاف ظاهر ، مصرّح به في جملة من العبائر (١) ، وسيأتي من النصوص ما يدل عليه.

وليس في العبارة وما ضاهاها دلالة على تعيين النوع الذي يحرم به من الميقات ، والظاهر أنه فرضه ، واختلف في جواز التمتع له ، وقد سبق الكلام فيه.

( و ) النائي : ( المجاور بمكة ) لا يخرج بمجرد المجاورة عن فرضه المستقرّ عليه قبلها مطلقاً قطعاً ، وكذا بعدها إذا لم يقم مدة توجب انتقال الفريضة إلى غيرها.

بل ( إذا أراد حجة الإسلام خرج إلى ميقاته فأحرم منه ) للتمتع وجوباً ، بلا خلاف أجده ، بل قيل : إجماعاً فتوًى ونصّاً ، وإن اختلفا في تعيين الميقات الذي يخرج إليه ، أنه هل هو ميقات أهله ، كما هو ظاهر العبارة والخلاف والمقنعة والكافي والجامع والمعتبر والتحرير والمنتهى والتذكرة وموضع من النهاية (٢) كما حكي ؛ للخبر : عن المجاور إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : « نعم ، يخرج إلى مُهَلّ أرضه فيلبّي إن شاء » (٣).

معتضداً بالصحاح الواردة في ناسي الإحرام أو جاهلة أنه يرجع إلى ميقات أهل أرضه (٤) ، بناءً على عدم تعقل خصوصية للناسي وتاليه ، بل‌

__________________

(١) كالمدارك ٧ : ٢٠٥ ، والذخيرة : ٥٥٥ ، والحدائق ١٤ : ٤٠٦.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٨٥ ، المقنعة : ٣٩٦ ، الكافي : ٢٠٢ ، الجامع للشرائع : ١٧٨ ، المعتبر ٢ : ٧٩٩ ، التحرير ١ : ٩٥ ، المنتهى ٢ : ٦٧١ ، التذكرة ١ : ٣١٩ ، النهاية : ٢١١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٢ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٥٩ / ١٨٨ ، الوسائل ١١ : ٢٦٤ أبواب أقسام الحج ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٢٨ أبواب المواقيت ب ١٤.

١٤٣

لكون الميقات للنائي مُهَلّ أرضه ، كما يفصح عنه العمومات الواردة بالمواقيت.

أو أيّ ميقات كان ، كما يقتضيه إطلاق الشرائع والقواعد والإرشاد والنهاية والمبسوط والمقنع (١) كما حكي ، وصرّح به شيخنا الشهيد الثاني (٢) ؛ للمرسل : « ليس له أن يحرم من مكة ولكن يخرج إلى الوقت » الخبر (٣).

مؤيداً بعدم خلاف في أن من مرّ على ميقات أحرم منه وإن لم يكن من أهله.

أو أدنى ألحّ ، كما عن الحلبي (٤) ؛ للصحيح (٥) وغيره (٦) : قلت : من أين؟ قال : « يخرجون من الحرم ». وفي الجميع نظر ؛ لضعف الخبر الأول سنداً بمعلّى ، ودلالةً بقوله « إن شاء » منع احتمال كون المراد الاحتراز عن مكة.

وبنحوه يجاب عن الصحاح ، مع أن التعدّي عنها قياس ، وعدم تعقّل الفرق غير تعقّل عدم الفرق ، وهو المعتبر فيه دون الآخر.

وشمول أخبار المواقيت لنحو ما نحن فيه محل مناقشة ؛ لعدم تبادره‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٤٠ ، القواعد ١ : ٧٩ ، الإرشاد ١ : ٣١٥ ، النهاية : ٢١١ ، المبسوط ١ : ٢١٣ ، المقنع : ٨٥.

(٢) انظر المسالك ١ : ١٠٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٢ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٠ / ١٨٩ ، الوسائل ١١ : ٢٦٩ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٩.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٠٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥ / ١٠٣ ، الوسائل ١١ : ٢٦٧ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٤ ، الوسائل ١١ : ٢٦٨ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٧.

١٤٤

منها بلا شبهة.

والمرسل كالخبر في الضعف سنداً ، بل ودلالةً ؛ لإجمال الوقت فيه المحتمل لإرادة مهلّ أهل الأرض ؛ باحتمال اللام للعهد.

وعدم الخلاف في إجزاء الإحرام من غيره بعد المرور به غير المفروض من حكم المروي.

والصحيح وغيره نادران ، مع أن خارج الحرم فيهما مطلق يحتمل التقييد بمهلّ أهل الأرض ، أو مطلق الوقت ، أو صورة تعذّر المصير إليهما ؛ للاتفاق على الجواز حينئذ كما يأتي ، فيتعيّن ، حملاً للمطلق على المقيّد ولو قصر السند ، للانجبار هنا بالعمل ، لاتفاق من عدا الحلبي (١) على اعتبار الوقت وإن اختلفوا في إطلاقه وتقييده.

وأما الصحيح : « من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من جعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما » (٢) فمحمول على العمرة المفردة كما وردت به المستفيضة (٣).

مع أنه معارض بصريح الموثق في المجاور ، وفيه : « فإن هو أحبّ أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج حتى يجاوز ذات عرق ويجاوز عسفان فيدخل متمتعاً بعمرة إلى الحج ، فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها » (٤) فتدبر.

وحيث ظهر ضعف أدلة الأقوال وجب الرجوع في المسألة إلى‌

__________________

(١) في « ك‍ » و« ح » : الحلّي ؛ انظر السرائر ١ : ٥٢٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٦ / ١٣٥٠ ، الوسائل ١١ : ٣٤١ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ١.

(٣) انظر الوسائل ١١ : ٣٤١ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٢ ، وج ١٤ : ٢٩٨ أبواب العمرة ب ٢ ح ٣ ، ٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٤ / ١٣٣٥ ، الوسائل ١١ : ٢٧٠ أبواب أقسام الحج ب ١٠ ح ٢.

١٤٥

مقتضى الأصل الشرعية ، وهو هنا البراءة عن تعيين ميقات عليه إن اتّفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه ، ووجوب الأخذ بالمبرئ للذمة منها يقيناً إن كان ما يوجب عليه شرطاً.

فالذي ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت ، أهو أمر شرطي ، أم تكليفي خاصة؟

والظاهر : الثاني ؛ لما مرّ من عدم الخلاف في صحة الإحرام من كل وقت يتفق المرور عليه ، وتصريح بعض من صار إلى اعتبار أدنى الحلّ بجوازه وصحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة (١).

وعليه فيعود النزاع إلى وجوب الخروج إلى مهلّ أهل الأرض ، أم لا ، بل يجوز الخروج إلى أيّ وقت كان ولو أدنى الحلّ.

والحقّ : الثاني ، إلاّ بالنسبة إلى أدنى الحلّ ، فلا يجوز الخروج إليه اختياراً ؛ لدلالة الروايات المعتبرة ولو بالشهرة على وجوب الخروج إلى غيره فيتعيّن.

وأما وجوب الخروج إلى مهلّ الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله وإن كان أحوط ؛ للاتفاق على جوازه.

( ولو تعذّر ) الخروج إليه ( خرج إلى أدنى الحلّ ) فأحرم منه كغيره.

( ولو تعذّر أحرم من مكة ) بلا خلاف أجده فيهما ، وقد مرّ ما يصلح أن يكون مستنداً في الأول ، وأمّا الثاني فيدل عليه ما دلّ على ثبوت الحكم في ما نحن فيه.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٠٢.

١٤٦

( ولو أقام ) بها ( سنتين ) كاملتين ( انتقل فرضه ) في الثالثة ( إلى الإفراد والقِران ) لا يجوز له غيرهما.

وفاقاً للشيخ في كتابي الأخبار والفاضلين والشهيدين وغيرهما (١) ، بل في المسالك وغيره (٢) : إنه المشهور بين الأصحاب ، وربما عزي إلى علمائنا من عدا الشيخ (٣).

للصحيحين (٤) ، في أحدهما : « من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له ، فقلت له عليه‌السلام : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة ، قال : « فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله ». خلافاً للمحكي عن الإسكافي والنهاية والمبسوط والحلّي (٥) ، فاشترطوا ثلاث سنين ؛ للأصل. ويخصَّص بما مرّ.

وما ورد من الصحاح وغيرها بأقلّ من ذلك كالسنة والستة أشهر (٦) شاذّ مطروح ، أو مؤوّل.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٥٩ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٧٩٩ ، والشرائع ١ : ٢٤٠ ، والعلامة في التحرير ١ : ٩٣ ، والمنتهى ٢ : ٦٦٤ ، والمختلف : ٢٦١ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٣١ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٢ : ٢١٧ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٢٠٧.

(٢) المسالك ١ : ١٠٢ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٥٦ ، والحدائق ١٤ : ٤٢٥.

(٣) انظر المنتهى ٢ : ٦٦٤.

(٤) الأول : التهذيب ٥ : ٣٤ / ١٠١ ، الإستبصار ٢ : ١٥٩ / ٥١٩ ، الوسائل ١١ : ٢٦٥ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ١. الثاني : التهذيب ٥ : ٣٤ / ١٠٢ ، الوسائل ١١ : ٢٦٦ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٢.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٦١ ، النهاية : ٢٠٦ ، المبسوط ١ : ٣٠٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٢٢.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٦٤ أبواب أقسام الحج ب ٨ ح ٣ ، ٤ ؛ وب ٩ ح ٧ ، ٨ ، ٩.

١٤٧

وحمله على التخيير ضعيف ؛ لفقد التكافؤ بالشذوذ.

وأضعف منه الميل إلى العمل بها ، وصَرف التوجيه إلى ما قابلها ، بحمله على أن المراد الدخول في الثنية ؛ إذ لا داعي له سوى الكثرة ، وهي مضمحلة في جنب الشذوذ والندرة.

مع أن الصحيح الثاني لا يقبله على نسخة ، وفيها : « فإذا جاوز سنتين كان قاطناً وليس له أن يتمتع ». والمجاوزة صريحة في اعتبار تمام الثانية بل وزيادة ، ولذا جعل على هذه النسخة دليلاً للنهاية ، ولكنه محل مناقشة.

لكن النسخة المشهورة كما قيل (١) بدل جاوز بالزاء المعجمة جاور بالراء المهملة ، وهو يقبل الحمل الذي ذكره.

ومقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة ، كما ذكره جماعة ، ومنهم شيخنا في المسالك وسبطه وغيرهما (٢).

وربما قيّد بالثاني ؛ ولعلّه لإطلاق ما دلّ على أن أهل مكة فرضهم الإفراد والقران ، بناءً على صدق العنوان على من جاوز بنية الدوام بمجرد النية ، وبه صرّح في المسالك.

وفي كلّ من القولين نظر ؛ لأن بين إطلاقيهما عموماً وخصوصاً من وجه ؛ لتواردهما في المجاور سنتين بنية الدوام ، وافتراق الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية ، والعكس فيما نحن فيه. فترجيح أحدهما‌

__________________

(١) انظر الوافي ١٢ : ٤٥١.

(٢) المسالك ١ : ١٠٢ ، سبطه في المدارك ٧ : ٢١٠ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٥٦ ، والحدائق ١٤ : ٤٢٩.

١٤٨

على الآخر وجعله المقيّد له غير ظاهر الوجه ، ولكن مقتضى الأصل وهو استصحاب عدم انتقال الفرض يرجح الأول (١).

ولو انعكس الفرض فأقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه ولو أقام سنتين فصاعداً ؛ عملاً بالأصل ، مع اختصاص النص بالانتقال مع إقامتهما بصورة العكس ، وحرمة القياس. معم ، لو أقام بنية الدوام اتّجه انتقال فرضه إلى التمتع مطلقاً ؛ لصدق النائي عليه حينئذ حقيقةً عرفاً ، بل ولغةً ، مع خلوه عن المعارض.

( ولو كان له منزلان ) أحدهما ( بمكة ) وما في معناها ( و ) الآخر بمحلّ ( ناء ) عنها ( اعتبر ) في تعيين الفرض ( أغلبهما عليه ) إقامةً ، فيتعين عليه فرضه ، ولو تساويا تخيّر في التمتع وغيره ، بلا خلاف في المقامين ظاهراً.

استناداً في الثاني إلى عدم إمكان الترجيح من غير مرجّح ، وانتفاء التكليف بالحج المتعدد بالعسر المنفي ؛ مضافاً إلى قوة احتمال الإجماع على نفيه.

وفي الأول إلى الصحيح المتقدم. ويجب تقييده وفاقاً لجماعة (٢) بما إذا لم يكن إقامة بمكة سنتين متواليتين ، فإنه حينئذ يلزمه حكم أهل‌

__________________

(١) مع أنه يمكن أن يقال : مقتضى أخبار المسألة اشتراط الإقامة سنتين في صدق إطلاق الكون من أهل مكة ، وحينئذ فلا يكون المقيم أقلّ من سنتين من أَهل مكة ، ولا يشمله إطلاق أخبار تلك المسألة وموضوعها أهل مكة ، ولا يصدق على من لم يمض عليه السنتان مقتضى أخبار المسألة. وذلك واضح بحمد الله سبحانه. ( منه رحمه الله ).

(٢) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٣٤ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢١١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٥٥.

١٤٩

مكة وإن كانت إقامته في النائي أكثر ؛ لما مرّ من أن إقامة السنتين توجب انتقال حكم النائي الذي ليس له بمكة منزل أصلاً ، فمن له مسكن أولى.

ومنع الأولوية كما اتّفق لبعض المعاصرين (١) لم أعرف له وجهاً.

( و ) اعلم أنه ( لا يجب على المفرد والقارن هدي ) التمتع ( و ) إن استحب لهما الأُضحيّة ، بل ( يختص الوجوب بالتمتع ) بالكتاب والسنّة والإجماع. وسيأتي الكلام مفصّلاً في المقامين إن شاء الله تعالى.

( ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ) بمعنى أن يكتفي بها لهما ولم يحتج إلى إحرام آخر ، بل ولا إحلال في البين ، سواء في ذلك القران وغيره ، على المشهور ، بل عن الخلاف أنّ عليه الإجماع (٢).

قيل : لأنهما عبادتان متباينتان لا يجوز الإتيان بإحداهما إلاّ مع الفراغ من الأُخرى ، ولا بدّ في النية من مقارنتها المنوي ، فهو كنية صلاتي الظهر والعصر دفعة (٣).

وفيه : أن مقتضاه الفساد ، لا التحريم ، كما هو محل البحث في ظاهر العبارة وغيرها ، بل صريح بعضها ، إلاّ أن ينضم إلى النية قصد التشريع فيحرم من جهته ، فلا بدّ من ذكر هذا القيد في الدليل.

ثم إن ما أفاده الدليل من الفساد هو ظاهر كل من منع من الأصحاب على ما يظهر من المختلف وصرّح به (٤) ، وكذا الشهيدان في الدروس واللمعتين (٥) ، وعلّله ثانيهما بالنهي المفسد للعبادة ، وغيره بفساد النية ،

__________________

(١) الحدائق ١٤ : ٤٣١.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٦١.

(٣) كشف اللثام ١ : ٢٨٤.

(٤) المختلف : ٢٦١.

(٥) الدروس ١ : ٣٣٤ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢١٩.

١٥٠

لكونها غير مشروعة ، وهو يستلزم فساد العمل ، وخصوصاً الإحرام الذي عمدته النية (١).

لكنه فصلّ فقال : والتحقيق أنه إن جمع في النية على أنه محرم بهما الآن وأن ما يفعله من الأفعال أفعال لهما ، أو على أنه محرم بهما الآن ولكن الأفعال متمايزة إلاّ أنه لا يحلّ إلاّ بعد إتمام مناسكهما جميعاً ، أو على أنه محرم بالعمرة أوّلاً مثلاً ثم بالحج بعد إتمام أفعالها من غير إحلال في البين ، فهو فاسد ، مع احتمال صحة الأخير ، بناءً على أن عدم تخلل التحلل غير مبطل ، بل يقلّب العمرة حجّا.

وإن جمع بمعنى أن قصد من أول الأمر الإتيان بالعمرة ، ثم الإحلال ، ثم بالحج ، أو بالعكس ، فلا شبهة في صحة النية وأوّل النسكين ، إلاّ من جهة مقارنة النية للتلبية إن كانت كتكبيرة الإحرام في الصلاة ، فإن جدّد للنسك الآخر نيّةً صحّ أيضاً وإلاّ فلا.

ثم قال : وفي الخلاف : إذا قرن بين العمرة والحج في إحرامه لم ينعقد إحرامه إلاّ بالحج ، فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم ، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويحل ويجعلها متعة جاز ذلك ويلزمه الدم.

وبمعناه ما في المبسوط من أنه متى أحرم بهما يمضي في أيّهما شاء.

وما في الجامع من أنه إن كان فرضه المتعة قضى العمرة ثم حجّ وعليه دم ، وإن كان فرضه الحج فعله ولا دم عليه.

وكأنهما أرادا المعنى الأخير ، وأنّ قصده إلى ثاني النسكين عزم لا نية ،

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٨٤.

١٥١

ولا ينافي صحة الأول ونيته.

وإن أرادا أحد المعنيين الأوّلين بناءً على أن الإحرام بهما إحرام بأحدهما وزيادة ، فغاية الأمر إلغاء الزائد لا إبطالهما جميعاً ، فيرد عليهما أنه نوى عبادةً مبتدعةً ، كما إذا نوى ركعة من صلاته أنها من صلاتي الظهر والعصر جميعاً.

وإن أرادا المعنى الباقي احتمل البطلان ؛ لأن الذي قصده من عدم التحلل في البين مخالف للشرع ، والصحة ؛ بناءً على أنه أمر خارج عن النسك ، والواجب إنما هو نيته ، ولا ينافيها نية خارج مخالف للشرع ، بل غايتها اللغو ؛ مع أن عدم التحلل في البين مشروع في الجملة ، لأنه لا يبطل العمرة بل يقلّبها حجة (١). انتهى.

ومرجعه إلى تحقيق موضوع المسألة ، وأن المراد بالقِران ما هو؟

والظاهر من كلمة القوم أنه المعنيان الأوّلان ، لا الأخيران ، مع أن النية فيهما بالإضافة إلى النسك الثاني عزم لا نية ، وقد أشار هو إليه أيضاً ، فلا يرتبطان بموضع مسألتنا ، فرجع حاصل البحث إلى الفساد كما أطلقه القوم.

ولعلّ المقصود من هذا التحقيق الإشارة إلى عدم القطع بمخالفة الشيخ في الفساد في محل البحث ، لاحتمال إرادته المعنيين الأخيرين الخارجين عنه.

واعلم أنه يستفاد من بعض الأصحاب اتّحاد هذه المسألة مع المتقدمة في الفرق بين القارن والمفرد ، حيث لم يشبع الكلام هنا بل أحال إلى ما مضى (٢).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٨٤.

(٢) وهو صاحب المدارك ٧ : ٢١٢.

١٥٢

وهو كما ترى ؛ فإنّ مورد هذه المسألة حرمة القِران أو جوازه كما عليه الإسكافي والعماني (١) ، وتلك إن الفارق بين المفرد والقارن ما هو ، من غير نظر إلى جواز القران بهذا المعنى وعدمه.

( ولا إدخال أحدهما على الآخر ) بأن ينويه قبل الإحلال من الآخر وإتمام أفعاله ، أتمّ الأفعال بعد ذلك أولا ؛ لأنه بدعة وإن جاز نقل النية من أحدهما إلى الآخر اضطراراً ، أو مطلقاً ، وحكمنا بانقلاب العمرة حجة مفردة إن أحرم بالحج قبل التقصير.

وكأنّ الحكم إجماعي كما ذكره جماعة (٢) ، وحكاه بعضهم عن الخلاف والسرائر (٣) ، وهو الحجة المعتضدة بعد ما مرّ بالصحيح الوارد في الفاعل ذلك ناسياً أنه يستغفر الله تعالى (٤).

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في الدروس ١ : ٣٢٩ ، وعن العماني في المختلف : ٢٥٩.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٣ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢١٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٨٤.

(٣) حكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ٢٨٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٩١ / ٢٩٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ / ٥٧٩ ، الوسائل ١٢ : ٤١١ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٣.

١٥٣

( المقدمة الرابعة : )

( في ) تعيين ( المواقيت )

أي الأمكنة المحدودة شرعاً للإحرام ، بحيث لا يجوز لأهلها من غيرها اختياراً ، إلاّ إذا لم يؤدّ الطريق إليها.

( وهي ستة ) في المشهور بين الأصحاب ، كما في المسالك (١) ، ولكن اختلفت عبائرهم في التعبير عن السادس بعد الاتفاق على الخمسة الأُول ، وهي إلى قَرن المنازل ، فجعل في عبارة دويرة الأهل (٢) ، وفي اخرى بدلها مكة لحج التمتع (٣) ، وفي ثالثة ذكرا معاً (٤).

فتصير المجموع سبعة مع أنها فُرضت ستة ، فيحتمل كون الزائد عليها منها دويرة الأهل كما يفهم من بعض ، قال : لأن المنزل الأقرب غير محدود (٥).

ويفهم من الشرائع كونه الآخر حيث عدّ من الستة الدويرة بدله (٦).

وربما حُصرت في عشرة ، وهي مجموع السبعة ومحاذاة الميقات لمن لم يمرّ به وحاذاه ، وأدنى الحلّ أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ ، وفَخّ لإحرام الصبي (٧).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٣.

(٢) كما في النهاية : ٢١١ ، والسرائر ١ : ٥٢٩.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ٢٢٥.

(٤) راجع القواعد ١ : ٧٩ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣١٠.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٠٤.

(٦) الشرائع ١ : ٢٤١.

(٧) كما في الدروس ١ : ٣٤٠.

١٥٤

وفي المنتهى والتحرير (١) اقتصر على الخمسة ، وهو المستفاد من جملة من الصحاح :

منها : « الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها ، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة يصلي فيه ويفرض الحج ، ووقّت لأهل الشام الجحفة ووقّت لأهل نجد العقيق ، ووقّت لأهل الطائف قَرن المنازل ، ووقّت لأهل اليمن يلملم » الخبر (٢).

وقريب منه آخر ، وفيه : « ومن تمام الحج والعمرة أن يحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم ، فإنه وقّت لأهل العراق ولم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة وهي مَهْيَعة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله » (٣) فتدبر.

وهي أي الخمسة بل الستة مجمع عليها بين الطائفة ، كما صرّح به جماعة (٤) ، بل العلماء كافة ، إلاّ مجاهد في دويرة الأهل فجعل بدلها مكة ، وأحمد في إحدى الروايتين في مكة لحج التمتع ، فقال : بدله يخرج من‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٥ ، التحرير ١ : ٩٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٩٨ / ٩٠٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ / ١٦٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣١٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٥٤ / ١٦٦ ، علل الشرائع : ٤٣٤ / ٢ ، الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١ ح ٢.

(٤) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٣٢٠ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢١٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٠٤.

١٥٥

الميقات فيحرم منه ، كما في المنتهى (١) ، ولم ينقل خلافاً من أحد في شي‌ء من الخمسة ، بل قال بعد عدّها : وهو قول علماء الإسلام ، ولكن اختلفوا في وجه ثبوته ، أمّا الأربعة الأُول وأشار بها إلى ما عدا العقيق فقد اتفقوا [ أهل العلم ] على أنها منصوصة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنها مأخوذة بالتوقيف عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

أقول : والنصوص من طرقنا بالجميع زيادةً على ما مرّ مستفيضة ، سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

فـ ( لأهل العراق العقيق ) وهو في اللغة كلّ وادٍ عقّه السيل ، أي شقّه ، فأنهره ووسّعه ، وسمّي به أربعة أودية في بلاد العرب ، أحدها الميقات ، وهو واد يندفق سيله في غوريّ تِهامة ، كما عن تهذيب اللغة (٣).

( و ) المشهور أن ( أفضله المسلح ) (٤) وليس في ضبطه شي‌ء يعتمد عليه ، وفي التنقيح وعن فخر الإسلام (٥) أنه بالسين والحاء المهملتين ، واحد المسالح ، وهي المواضع العالية. وقيل : بالخاء المعجمة ، لنزع الثياب (٦).

( و ) أنه يليه في الفضل ( أوسطه غَمرة ) بالغين المعجمة والراء المهملة والميم الساكنة ، منهلة من مناهل طريق مكة ، وهي فصل ما بين‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٧ ، ونقله عن مجاهد وأحمد في المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٧ ، ٢١٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٦٥.

(٣) تهذيب اللغة ١ : ٥٩.

(٤) في « ك‍ » : المسلخ.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٤٤٦ ، ونقله عن فخر الإسلام في كشف اللثام ١ : ٣٠٤.

(٦) كما حكاه في المسالك ١ : ١٠٣.

١٥٦

نجد وتهامة ، كما عن الأزهري (١). وفي التنقيح وعن فخر الإسلام (٢) أنها سمّيت بها لزحمة الناس فيها.

( و ) أن ( آخره ذات عرق ) بعين مهملة مكسورة فراء مهملة ساكنة ، وهو الجبل الصغير ، وبه سميت ، كما عن النهاية الأثيرية (٣). وفي التنقيح وعن فخر الإسلام (٤) أنها سمّيت بذلك لأنها كان بها عِرق من الماء ، أي قليل.

ويجوز الإحرام منها عندهم اختياراً ؛ للخبرين ، في أحدهما : « حدّ العقيق أوّله المسلخ وآخره ذات عِرق » (٥).

وفي الثاني : « وقّت رسول ٩ لأهل العراق العقيق ، وأوله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، وأوّله أفضله » (٦).

ونحوه الرضوي إلاّ أن بعده بأسطر : « ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلاّ لعليل أو تقية [ فإذا كان الرجل عليلاً أو اتّقى ، فلا بأس بأن يؤخّر الإحرام إلى ذات عرق ] » (٧).

وبظاهره أخذ والد الصدوق كما في المختلف (٨) ، وتبعه الشهيد في الدروس وزاد الشيخَ في النهاية (٩) ، وعزاه بعض متأخري الأصحاب إلى‌

__________________

(١) تهذيب اللغة ٨ : ١٢٩.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٤٦ ، ونقله عن فخر الإسلام في كشف اللثام ١ : ٣٠٥.

(٣) النهاية ٣ : ٢١٩.

(٤) التنقيح ١ : ٤٤٧ ، ونقله عن فخر الإسلام في كشف اللثام ١ : ٣٠٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٥٦ / ١٧١ ، الوسائل ١١ : ٣١٣ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٧.

(٦) الفقيه ٢ : ١٩٩ / ٩٠٧ ، الوسائل ١١ : ٣١٣ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٩.

(٧) فقه الرضا (٧) : ٢١٦ ، المستدرك ٨ : ١٠٤ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١. أضفنا ما بين المعقوفين من المصدر.

(٨) المختلف : ٢٦٢.

(٩) الدروس ١ : ٣٤٠ و٣٤١ ، النهاية : ٢١٠.

١٥٧

الصدوق أيضاً في المقنع والهداية (١).

واستدل لهم بالصحيح : « وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين ، ما بين بريد البعث إلى غَمرة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم » (٢).

والصحيح : « أول العقيق بريد البعث ، وهو دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق ، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلاً بريدان » (٣).

والخبر : « حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة » (٤).

وربما يميل إليه بعض متأخري المتأخرين ، قال : ولا يبعد عندي حمل الخبرين المشار إليهما على التقية (٥) ؛ للصحيح المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام : عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلاً بهم ، يحجّ ويأخذ عن الجادة. ولا يحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة ، أم لا يجوز أن يحرم إلاّ من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب : « يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبّي في نفسه ، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره » (٦).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٠٥ ؛ وانظر المقنع : ٦٩ ، والهداية : ٥٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٥٦ / ١٧٠ ، الوسائل ١١ : ٣٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢١ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٥٧ / ١٧٥ ، الوسائل ١١ : ٣١٢ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٠ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٣١٢ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٥.

(٥) الحدائق ١٤ : ٤٤٠.

(٦) الاحتجاج : ٤٨٤ ، الوسائل ١١ : ٣١٣ أبواب المواقيت ب ٢ ح ١٠.

١٥٨

وفيه نظر ، أمّا أوّلاً فلفقد التكافؤ بين الأخبار ؛ لاشتهار الخبرين بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون إجماعاً ، كما يشعر به كلمات جملة من الأصحاب ، حيث إنهم لم ينقلوا الخلاف مع أن ديدنهم نقله حيث كان.

وآخرون منهم عزوا مضمونهما إلى الأصحاب والمعروف بينهم (١) ، مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، كما في صريح الناصرية والخلاف والغنية (٢) ، فتشذّ الروايات المقابلة.

مع ظهورها أجمع في خروج غمرة أيضاً ، كذات عرق ، ولم يقل به أحد من الطائفة.

مضافاً إلى قصور دلالة الصحيح الثاني منها على الخروج مطلقاً ، وعدم دلالته عليه بالكلية ، وتضمنه أن أول العقيق دون المسلخ ، وهو خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب والأخبار ؛ وضعف سند الرواية بعده.

وثانياً : بأن أحد الخبرين والروضي مصرِّحان بأن العقيق من المواقيت المنصوصة عن رسول الله ٩ ، وأن أفضله المسلخ ، وهما مخالفان لمذهب العامة (٣) ، ومن متفردات الإمامية.

وحينئذ فيتعيّن الجمع بينهما بحمل هذا الروايات على أن المراد أن ذات عرق وإن كانت من العقيق إلاّ أنها لمّا كانت ميقات العامة ، وكان الفضل إنما هو فيما قبلها ، فالتأخير إليها وترك الفضل إنما يكون لعذر من علّة أو تقية.

ويشير إليه كلام الحلّي في السرائر ، فإنه قال : ووقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨ ، الخلاف ٢ : ٢٨٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤.

(٢) انظر المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٤.

(٣) انظر المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٤.

١٥٩

لأهل كل صُقع ولمن حجّ على طريقهم ميقاتاً ، فوقّت لأهل العراق العقيق ، فمن أيّ جهاته وبقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها ، إلاّ أن له ثلاثة أوقاتٍ ، أولها المسلخ ، وهو أفضلها عند ارتفاع التقية ، وأوسطها غمرة ، وهي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية ، وآخرها ذات عرق ، ، وهي دونها في الفضل ، إلاّ عند التقية والشناعة والخوف فذات عرق هي أفضلها في هذه الحال ، ولا يتجاوز ذات عرق إلاّ محرماً (١). انتهى.

ويحتمل ذلك كلام المخالفين في المسألة ، ولعلّه لذا لم يجعلهم الفاضل والشهيد مخالفين صريحاً ، بل قال الأول : وكلام علي بن بابويه يشعر (٢). والثاني : وظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية (٣).

هذا ، ولا ريب أن الأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق ، بل ولا إلى غمرة ؛ لما عرفته من دلالة بعض الصحاح على خروجها من العقيق أيضاً ، ولمّا لم يوجد قائل به كان الإحرام منها أفضل من الإحرام من ذات عرق ، وهي دونها في الفضل ، لوجود قائل بخروجها أو عدم جواز الإحرام منها اختياراً ، ولعلّه الوجه في أفضلية غمرة من ذات عرق ؛ مضافاً إلى ما فيه من المشقة اللازمة لزيادة الأجر والمثوبة ، وإلاّ فلم نجد من النصوص ما يدل عليها ، لدلالتها على أفضليتة المسلخ خاصة.

( ولأهل المدينة مسجد الشجرة ) كما هنا وفي الشرائع والإرشاد والقواعد والمقنعة والناصرية (٤) ، وعن جمل العلم والعمل والكافي‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٢٨.

(٢) الفاضل في المختلف : ٢٦٢.

(٣) الشهيد في الدروس ١ : ٣٤٠.

(٤) الشرائع ١ : ٢٤١ ، الإرشاد ١ : ٣١٥ ، القواعد ١ : ٧٩ ، المقنعة : ٣٩٤ ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨.

١٦٠