رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

بعض العبائر (١) ، وفي المنتهى : إنه ووجوب جبره بدم قول عامة أهل العلم ما عدا مالك (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح : عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطريق » (٣).

ونحوه في إيجاب البدنة وبدلها آخر (٤) ، والخبر (٥).

ومن هذه الأخبار يستفاد الوجه في قوله : ( وجبره ببدنة ) وعليه المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٦).

خلافاً للصدوقين فبدم شاة (٧) ، ولم أعرف مستنده ، ولكن عن الجامع وروى شاة (٨).

وعن الخلاف أن عليه دماً (٩) ؛ للإجماع ، والاحتياط ، والنبوي : « من ترك نسكاً فعليه دم » (١٠).

__________________

(١) المدارك ٧ : ٣٩٨.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٧ / ٦٢١ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٨٠ / ١٧٠٢ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠.

(٧) الصدوق في المقنع : ٨٦ ، ونقله عن والده في المختلف : ٢٩٩.

(٨) الجامع للشرائع : ٢٠٧.

(٩) الخلاف ٢ : ٣٣٨.

(١٠) سنن الدارقطني ٢ : ٢٤٤ / ٣٧ ، ٣٩ وفيه بتفاوت.

٣٤١

قيل : ولو لم يكن في المسألة إلاّ هذا الخبر كان مؤيداً لقولهما ، مع أصل البراءة من الزائد ، بل انصراف إطلاقه إلى الشاة (١). انتهى.

وهو حسن لكن لا محيص عن المشهور بعد أن دلّت عليه ما مرّ من النصوص ؛ وهي الحجّة في قوله : ( ولو عجز ) عنها ( صام ثمانية عشر يوماً ) ويستفاد من الرواية الأُولى جواز صوم هذه الأيام في السفر ، وعدم وجوب المتابعة فيها ، تصريحاً في الأول ، وإطلاقاً في الثاني ، كما فيما عداها. والأمرين صرّح جماعة (٢) ، خلافاً للدروس فأوجب المتابعة (٣) ، وهو أحوط وإن لم أعرف مستنده.

ثم إن كلّ ذا إذا لم يَعد قبل الغروب ، وإلاّ فالأقوى سقوطها وإن أثم ؛ للأصل ، واختصاص النصوص المتقدمة المثبتة لها بحكم التبادر وغيره بصورة عدم الرجوع قبل الغروب.

ولو رجع بعد الغروب لم تسقط قطعاً ؛ لأصالة البقاء.

( ولا شي‌ء عليه لو كان ) في إفاضته قبل الغروب ( جاهلاً أو ناسياً ) بلا خلاف أجده ، بل عليه في ظاهر جماعة الإجماع (٤) ، وعن ظاهر المنتهى والتذكرة أنه موضع وفاق بين العلماء كافة (٥) ؛ وهو الحجّة.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٥٤.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في الروضة البهية ٢ : ٢٧١ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٩٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٣.

(٣) الدروس ١ : ٤١٩.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٤٠٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٣.

(٥) المنتهى ٢ : ٧١٩ ، التذكرة ١ : ٣٧٣.

٣٤٢

مضافاً إلى الصحيح في الجاهل : « إن كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه ، وإن كان متعمداً فعليه بدنة » (١).

وبه يقيد إطلاق ما مرّ من المعتبرة.

ولو علم الجاهل أو ذكر الناسي قبل الغروب وجب عليه العود مع الإمكان ، فإن أخلّ به قيل : كان كالعامد (٢).

( ونَمِرَة ) بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء قيل : ويجوز إسكان ميمها ، وهي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف ، كذا في تحرير النووي والقاموس وغيرهما (٣).

وفي الأخبار أنها بطن عُرَنة (٤).

( وثَوِيَّة ) بفتح المثلّثة وكسر الواو وتشديد الياء المثنّاة من تحت المفتوحة كما في كلام جماعة (٥).

قيل بعد الضبط المذكور مع السكوت عن حال الواو مطلقاً : كما في السرائر ، ولم أظفر لها في كتب اللغة بمميز (٦).

( وذو المجاز ) قيل : وهو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٧ / ٦٢١ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ١١٢.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦١ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩ ح ١.

(٥) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٧٠ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٩٦ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٣٧٧.

(٦ و ٧) كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

٣٤٣

وعُرَنَة بضم العين المهملة وفتح الراء والنون.

قيل : وفي لغة بضمتين ، قال المطرزي : وادٍ بحذاء عرفات ، وبتصغيرها سمّيت عرينة ، وهي قبيلة ينسب إليها العرنيون وقال السمعاني : إنها وادٍ بين عرفات ومنى (١).

( والأراك ) بفتح الهمزة كسحاب ، قيل : هو موضع بعرفة قريب نَمِرَة ، قاله في القاموس (٢).

( حدود ) لعرفة ( لا يجزئ الوقوف بها ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٣) ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (٤) ، وفي المنتهى : إنه مذهب الجمهور كافة إلاّ ما حكي عن مالك أنه لو وقف ببطن عرنة أجزأه ولزم الدم (٥).

والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : « وحدّ عرفة من بطن عُرَنَة وثَوِيَّة ونَمِرَة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف » (٦).

وفي الموثق : « واتقّ الأراك ، ونَمِرَة وهي بطن عُرَنَة ، وثَويّة ، وذا المجاز ، فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه » (٧).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٢) القاموس ٣ : ٣٠١.

(٣) الذخيرة : ٦٥٥.

(٤) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٩٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤٤.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٢٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤٦١ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٣١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٨١ / ١٣٧٧ ، التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ٦.

٣٤٤

وفي الصحيحين : « حدّ عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف » (١) كما عن العماني والحلبي (٢) ، لكن أسقطا لفظ « الأقصى ». وكذا عن الإسكافي إلاّ أنه بدّل قوله « إلى الموقف » بقوله « إلى الجبل » (٣).

وفي المختلف : ولا تنافي بين القولين يعني ما في الكتاب وأحد هذين القولين لأن ذلك كلّه حدود عرفة لكن من جهات متعددة (٤).

( والمندوب : أن يضرب خباءه بنَمِرَة ) للصحيحين ، فعلاً في أحدهما (٥) ، وأمراً في الآخر (٦).

( وأن يقف في السفح ) أي سفح الجبل ، أي أسفله ، كما عن الجوهري (٧) ؛ للخبر (٨) ؛ وفي الموثق : عن الوقوف بعرفات فوق الجبل‌

__________________

(١) الأول : الكافي ٤ : ٤٦٢ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠١ ، الوسائل ١٣ : ٥٣١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ٢.

الثاني : الفقيه ٢ : ٢٨٠ / ١٣٧٥ ، الوسائل ١٣ ٥٣٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ٨.

(٢) نقله عن العماني في المختلف : ٢٩٨ ، الحلبي في الكافي : ١٩٦.

(٣) كما حكاه عنه في المختلف : ٢٩٨.

(٤) المختلف : ٢٩٨.

(٥) الكافي ٤ : ٢٤٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ / ١٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٦) الكافي ٤ : ٤٦١ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩ ح ١.

(٧) الصحاح ١ : ٣٧٥.

(٨) الكافي ٤ : ٤٦٣ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١١ ح ٢.

٣٤٥

أحبّ إليك أم على الأرض؟ فقال : « على الأرض » (١).

( مع ميسرة الجبل ) للصحيح (٢).

والظاهر على ما ذكره جماعة (٣) أن المراد ميسرة القادم إليه من مكة ، وحكى بعضهم قولاً بميسرة المستقبل للقبلة ، قال : ولا دليل عليه (٤).

قال الشهيد : ويكفي في القيام بوظيفة الميسرة لحظة ولو في مروره (٥).

( في السهل ) دون الحَزْن ، قيل : لتيسر الاجتماع والتضامّ المستحب كما يأتي ، وغير السهل لا يتيسر فيه ذلك إلاّ بتكلّف (٦).

( وأن يجمع رحله ) ويضمّ أمتعته بعضها إلى بعض ليأمن عليها الذهاب ويتوجه بقلبه إلى الدعاء.

( ويسدّ الخَلَل ) والفُرَج الكائنة على الأرض ( به ) أي برحله ( وبنفسه ) وأهله بأن لا يدع بينه وبين أصحابه فرجة ؛ للصحيح (٧) وغيره (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٣ / ٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١١ ح ١.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٤٠٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٥) انظر الدروس ١ : ٤١٨.

(٦) المدارك ٧ : ٤١٤.

(٧) الكافي ٤ : ٤٦٣ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٨١ / ١٣٧٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٣ ح ٢.

(٨) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٣ ذيل الحديث ٢.

٣٤٦

وأن يصرف زمان الوقوف كلّه في الذكر ( والدعاء ) كما يستفاد من الأخبار (١) ، وعن الحلبي القول بوجوبه (٢) ، وهو نادر ، وفي المنتهى بعد الحكم بالاستحباب وعدم الوجوب : ولا نعلم في ذلك خلافاً (٣).

وأن يكون حال الدعاء ( قائماً ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد وغيرها (٤) ، وعلّل تارة بأنه إلى الأدب أقرب (٥) ، وفيه نظر.

وأُخرى بأنه أفضل أفراد الكون الواجب ؛ لكونه أشقّ ، وأفضل الأعمال أحمزها (٦).

وعن ظاهر التذكرة الاتفاق على أن الوقوف راكباً أو قاعداً مكروهان ، وأنه يستحب قائماً داعياً (٧).

واستثنى جماعة ما لو نافى ذلك الخشوع ، لشدة التعب ونحوه ، فيستحب جالساً (٨). ولا بأس به.

( ويكره الوقوف في أعلى الجبل ) لما مرّ ، وقيل بالمنع (٩) ، وفيه نظر وإن كان أحوط ، إلاّ لضرورة فلا كراهة ولا تحريم إجماعاً ، كما عن التذكرة (١٠) ؛

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٣٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٩٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٧١٩.

(٤) الشرائع ١ : ٢٥٥ ، القواعد ١ : ٨٦ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٤١٥ ، والذخيرة : ٦٥٥.

(٥) كما في كشف اللثام ١ : ٣٥٤.

(٦) انظر المدارك ٧ : ٤١٥.

(٧) التذكرة ١ : ٣٧١.

(٨) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٤١٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤٦.

(٩) قال به القاضي في المهذّب ١ : ٢٥١ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٥٨٧.

(١٠) انظر التذكرة ١ : ٣٧٢.

٣٤٧

وللموثق : فإذا كان بالموقف وكثروا كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون الجبل » (١).

( وقاعداً وراكباً ) لما مضى.

( وأما اللواحق فمسائل ) ثلاث :

( الاولى : ) مسمى ( الوقوف ) بعرفة ( ركن ، فإن تركه عامداً بطل حجه ) إجماعاً ، كما في كلام جماعة (٢) ، وعن التذكرة وفي المنتهى وغيره (٣) أنه قول علماء الإسلام ؛ لفحوى الأخبار بأنه لا حج لأصحاب الأراك وأن الحج عرفة (٤). وما ورد بخلافه (٥) شاذّ مؤولّ.

وإطلاق العبارة ونحوها ، بل ظاهرها يقتضي عدم الفرق في الحكم بالبطلان بترك الوقوف عمداً بين قسميه الاختياري والاضطراري ، حتى لو ترك الاختياري عمداً بطل الحج مطلقاً وإن أتى بالاضطراري ، وكذا لو ترك الاضطراري عمداً حيث يفوته الاختياري مطلقاً.

وهو الموافق للأُصول ؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه. وليس فيما يدل على كفاية الاضطراري عموم يشمل نحو ما نحن فيه ؛ لاختصاصه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٥ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١١ ح ٤ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣٩٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤٥.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٣ ، المنتهى ٢ : ٧١٩ ؛ وانظر الحدائق ١٦ : ٤٠٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٥٣٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ١١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٧ / ٩٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٢ / ١٠٨٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٩ ح ١٤.

٣٤٨

بغيره كما يأتي.

نعم ، في القواعد قصر الحكم على الاختياري ، فقال : الوقوف الاختياري بعرفة ركن ، من تركه عمداً بطل حجه (١).

وهو مشعر بأن الاضطراري ليس كذلك ، فلو تركه حيث يتعين عليه عمداً لم يبطل حجه ، ولا دليل عليه ؛ ولذا قيل : إنما اقتصر عليه ليعلم أنه لا يجزئ الاقتصار على الاضطراري عمدا ، بل من ترك الاختياري عمدا بطل حجه وإن أتى بالاضطراري (٢). وهو حسن.

( وإن كان ) تركه ( ناسياً تداركه ليلاً ولو إلى الفجر ) متصلاً به إذا علم أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس ؛ لما مرّ من الإجماع والصحاح فيمن لا يتمكن من الوقوف نهاراً أجزأه ليلاً (٣). وهي وإن قصرت عن التصريح بالناسي إلاّ أنه مستفاد من التعليل في بعضها بأن الله تعالى أعذر لعبده (٤) ، فإنّ النسيان من أقوى الأعذار.

بل قيل : يمكن الاستدلال به على عذر الجاهل ، كما هو ظاهر اختيار الدروس.

ويدلُّ عليه عموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج » (٥).

وقول الصادق عليه‌السلام : « من أدرك جَمْعاً فقد أدرك الحج » (٦) (٧).

__________________

(١) القواعد ١ : ٨٦.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٥٤.

(٣) راجع ص ٢٩٦٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٦ أبوا الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٢.

(٥) سنن البيهقي ٥ : ١٧٣ بتفاوت يسير.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٨٤ / ١٣٩٤ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤ / ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ / ١٠٩٥ ، الوسائل ١٤ : ٤٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٢.

(٧) قال به في المدارك ٧ : ٤٠٢ ، وانظر الدروس ١ : ٤٢١.

٣٤٩

وهو (١) حسن حيث يكون الجهل عذراً ، بأن يكون ساذجاً لم يشبه تقصيراً أصلاً ، وإلاّ فمشكل.

ولعلّ في اشتراط العبارة النسيان إشعاراً باختصاص الحكم به. ولا ينافيه اشتراط التعمد في البطلان سابقاً ؛ لاحتمال كون الجهل المشوب بالتقصير عند المصنف عمداً.

ثم إن وجوب التدارك ليلاً إنما هو مع الإمكان ، ويتحقق بعلمه بإدراك المشعر قبل طلوع الشمس لو وقف بها كما قدّمنا ، وكذا لو ظنّ ذلك كما في صريح الأخبار (٢) ، وينتفي بظن الخلاف كما فيها (٣).

وفي تحققه باحتمال الأمرين على السواء إشكال ، بل قولان ، ومفهوم اشتراط الظن في الأخبار متعارضة ، فلم يبق فيها ما يدل على شي‌ء من القولين وإن توهّم لأحدهما ، وهو نفي الإمكان بذلك والاجتزاء بالمشعر (٤).

نعم ، في بعض الأخبار ما يرشد إليه ، وفيه : « إن ظن أن يدرك الناس بجَمْع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات ، وإن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تمّ حجه » (٥) وإطلاقه صدراً وذيلاً ، مفهوماً ومنطوقاً دالّ على ذلك ، إلاّ أنه قاصر سنداً ، لكن لا بأس به ، والله سبحانه أعلم.

( ولو فاته ) التدارك ليلاً أيضاً ( اجتزأ ) بالوقوف ( بالمشعر )

__________________

(١) قال به في المدارك ٧ : ٤٠٢ ، وانظر الدروس ١ : ٤٢١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٦ ، ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٣ ، ٤.

(٣) انظر الوسائل ١٤ : ٣٥ ، ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ١ ، ٤.

(٤) كما في الحدائق ١٦ : ٤٠٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٨٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٣.

٣٥٠

إجماعاً بسيطاً ، كما في كلام جماعة ، وعن الانتصار والخلاف والغنية والجواهر (١) ، ومركّباً ، كما في المنتهى (٢) ، وعن الانتصار أيضاً (٣) ؛ فإنّ من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختياريته إذا فات الوقوف بعرفة لعذر ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة المتقدم إليها الإشارة.

( الثانية ) : قد ظهر مما سبق أنه ( لو فاته الوقوف الاختياري ) بعرفة لعذر مطلقاً ( وخشي طلوع الشمس ) من يوم النحر ( لو رجع ) والأولى : وقف ، أو أتى ، ونحوهما ، إلى عرفات ليتدارك الوقوف ليلاً ( اقتصر على ) الوقوف ب ( المشعر ليدركه قبل طلوع الشمس ، وكذا لو نسي الوقوف بعرفات أصلاً ) أي نهاراً وليلاً ( اجتزأ بإدراك المشعر قبل طلوع الشمس. )

( ولو أدرك عرفات قبل الغروب ولم يتفق له المشعر حتى طلعت الشمس ) من يوم النحر ( أجزأه الوقوف به ) أي بالمشعر ( ولو قبل الزوال ) من يومه ، بغير خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في المنتهى وعن التذكرة (٤) ، وفي التنقيح وغيره (٥) بلا خلاف.

للصحيح أو ما يقرب منه : في رجل أفاض من عرفات إلى منى ، قال : « فليرجع فليأت جمعاً فيقف بها وإن كان الناس أفاضوا من جمع » (٦)

__________________

(١) الانتصار : ٩٠ ، الخلاف ٢ : ٣٤٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠ ، جواهر الفقه : ٤٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٠.

(٣) الانتصار : ٩٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٢٧ ، التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٤٨٠ ؛ وانظر الذخيرة : ٦٥٨.

(٦) الكافي ٤ : ٤٧٢ / ٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢١ ح ٢.

٣٥١

ونحوه الموثق (١).

وكذا لو عكس فأدرك اختياري المشعر واضطراري عرفة أجزأه بلا خلاف ، كما في التنقيح وغيره (٢) ، مشعرين بالإجماع ، كما في صريح المنتهى (٣) ، وعن الانتصار والخلاف والجواهر والتذكرة (٤) ؛ وعموم أخبار : « من أدرك المشعر فقد أُدرك الحج » وهي صحاح مستفيضة (٥) ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة ؛ وخصوص الصحاح المستفيضة المتقدمة فيمن لم يتمكن من الوقوف بعرفة نهاراً أجزأه الوقوف بها ليلاً ، وهي صريحة في إجزاء اختياري المشعر وحده ، وعليه الإجماع في كلام جماعة (٦).

وفي إجزاء اختياري عرفة وحده إشكال ، ذكره الفاضل في المنتهى والتحرير (٧) ، وحكي عنه في التذكرة (٨).

قيل : من عموم الصحيح : « إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج » (٩) وفي المرسل : « الوقوف بالمشعر فريضة ، والوقوف بعرفة سنّة » (١٠) والخبر :‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٨٨ / ٩٧٨ ، الوسائل ١٤ : ٣٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢١ ح ١.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٨٠ ؛ وانظر الحدائق ١٦ : ٤٠٨.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢٠.

(٤) الانتصار : ٩٠ ، الخلاف ٢ : ٣٤٢ ، جواهر الفقه : ٤٣ ، التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٥) الوسائل ١٤ : ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣.

(٦) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٤٠٤ والذخيرة : ٦٥٨ والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٥.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٢٨ ، التحرير ١ : ١٠٣.

(٨) التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٩) التهذيب ٥ : ٢٩٢ / ٩٩١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٨٩ ، الوسائل ١٤ : ٣٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٢.

(١٠) الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٧ / ٩٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٢ / ١٠٨٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٩ ح ١٤.

٣٥٢

« وإن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له » (١).

وممّا اشتهر من النبوي : « الحج عرفة » (٢) لكن لم نره مسنداً من طريقنا ، والحسن : « الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار » (٣) والأخبار فيمن جهل فلم يقف بالمشعر حتى فاته إنه لا بأس (٤) ، وفيمن تركه متعمداً إنّ عليه بدنة (٥) ، وهي خيرة الجامع والإرشاد والتبصرة والدروس واللمعة (٦).

أقول : بل المشهور كما في كلام جماعة (٧) ، وعزاه إلى الأصحاب في الذخيرة (٨) ، مشعراً بعدم الخلاف فيه ، كما هو ظاهر المختلف والدروس (٩) أيضاً ، وصرّح به جماعة (١٠).

ولا ينافيه تردّد العلاّمة ؛ فإنه وإن تردّد أوّلاً إلاّ أنه فيما وقفت عليه من الكتابين الأوّلين صرّح بما عليه الجماعة ثانياً ، فقال : ولو نسي الوقوف‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩١ / ٩٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ / ١٠٨٥ ، الوسائل ١٤ : ٣٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٣.

(٢) عوالي اللئلئ ٢ : ٩٣ / ٢٤٧ ، سنن ابن ماجه ٢ : ١٠٠٣ / ٣٠١٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٤ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٩ ح ٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٢ / ٩٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٩٠ ، الوسائل ١٤ : ٤٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٣ / ٦ بتفاوت يسير ، الفقيه ٢ : ٢٨٣ / ١٣٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤ / ٩٩٦ ، الوسائل ١٤ : ٤٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٦ ح ١.

(٦) راجع كشف اللثام ١ : ٣٥٨.

(٧) منهم : ابن فهد في المهذب البارع ٢ : ١٨٩ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٤٠٨.

(٨) الذخيرة : ٦٥٦.

(٩) المختلف : ٣٠٠ ، الدروس ١ : ٤٢١.

(١٠) التنقيح الرائع ١ : ٤٨٠ ، والمسالك ١ : ١١٣ ، والمفاتيح ١ : ٣٤٨.

٣٥٣

بالمشعر فإن كان قد وقف بعرفة صحّ حجه وإلاّ بطل (١).

وعليه فلا إشكال في المسألة ، سيّما وأن في الأخبار الأوّلة التي أتى بها وجهاً للمنع مناقشة ؛ لقصور أسانيدها جملةً حتى الرواية الأُولى التي وصفها بالصحة ؛ فإنّ في سندها على ما وقفت عليه قاسم بن عروة ، وحاله بالجهالة معروفة.

نعم منطوقها مفهوم من أخبار صحيحة ، منها : « من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج » (٢).

لكن دلالتها كمنطوق الرواية بالعموم كما ذكره ، فيحتمل التخصيص بما إذا لم يدرك اختياري عرفة ، ويتعيّن جمعاً بين الأدلة.

وحيث كفى اختياري أحدهما في صحة الحج فاختياريهما معاً أولى.

فهذه صور خمس ، لا خلاف يعتدّ به ولا إشكال في إدراك الحج بكل منها : اختياريهما ، واختياري أحدهما ، مع اضطراري الآخر وبدونه.

وبقي ثلاث صور أُخر : اضطراريهما معاً ، واضطراري أحدهما.

أما اضطراري عرفة وحده فلا يجزئ بلا خلاف أجده إلاّ من إطلاق عبارة الإسكافي خاصة (٣) ، ولكن قيل : مراده اضطراري المشعر خاصة (٤) ، ولعلّه لذا ادّعى على عدم الكفاية الإجماع جماعة (٥).

وأما الصورتان الأُخريان ففيهما خلاف أشار إليه في إحداهما بقوله :

__________________

(١) انظر المنتهى ٢ : ٧٢٨ ، والتحرير ١ : ١٠٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٤ / ١٣٩٤ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤ / ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ / ١٠٩٥ ، الوسائل ١٤ : ٤٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٣٠١.

(٤) المختلف : ٣٠١.

(٥) انظر الدروس ١ : ٤٢٦ ، والتنقيح الرائع ١ : ٤٨١ ، ومرآة العقول ١٨ : ١٣٩.

٣٥٤

( الثالثة : لو لم يدرك عرفات نهاراً وأدركها ليلاً ولم يدرك المشعر ) الحرام ( حتى طلعت الشمس فقد فاته الحج ) وفاقاً للمحكي عن ظاهر النهاية والمبسوط (١) ؛ للنصوص المستفيضة القائلة إنّ من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له (٢) ، فإنها بعمومها تشمل محل النزاع ، بل وما إذا أدرك اختياري عرفات أيضاً ، لكنه خرج بالإجماع ، وبقي الباقي.

لكنها معارَضة بالصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة القائلة إنّ من أدرك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج (٣). وتقييدها بمن أدرك اختياري عرفة خاصة ليس بأولى من تقييد تلك بصورة عدم إدراك عرفة مطلقاً ولو اضطراريها. بل هذا أولى ؛ لرجحان المعارَضة بالكثرة والشهرة واعتبار الأسانيد جملة ، مع كون صحاحها مستفيضة ، بخلاف تلك ، لضعف أسانيدها جملة عدا صحيحة واحدة. وهي وإن صحّ سندها لكنها ظاهرة في عدم إدراك عرفات بالكلية ؛ فإنّ فيها : عن رجل فاته الموقفان جميعاً ، فقال : « له إلى طلوع الشمس يوم النحر ، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » (٤) ونحن نقول بها في هذه الصورة كما ستعرفه ، هذا.

مضافاً إلى خصوص الصحيح الصريح : « إذا أدرك الحاج عرفات قبل‌

__________________

(١) النهاية : ٢٧٣ ، المبسوط ١ : ٣٨٣.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ الأحاديث ١ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٢٠.

(٣) كما في الوسائل ١٤ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ الأحاديث ٦ ، ٨ ، ٩ ، ١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩١ / ٩٨٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ / ١٠٨٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١.

٣٥٥

طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا فليقف بالمشعر قليلاً ، وليلحق الناس بمنى ، ولا شي‌ء عليه » (١).

( و ) حينئذ فالأصح ما ( قيل ) بأنه ( يصح حجه ) : مطلقاً ( ولو أدركه ) أي المشعر ( قبل الزوال ) من يوم النحر ، والقائل الأكثر ، ومنهم : الصدوق والإسكافي والمرتضى والحلبيّان (٢) فيما حكي ، وأكثر المتأخرين ، بل عامّتهم.

وظاهر الأوّلين وجملة من الآخرين كفاية إدراك اضطراري المشعر خاصة ؛ لعموم الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدم إليها الإشارة ، بل خصوص بعضها ، وهو الصحيح فيمن قال : إني لم أُدرك الناس بالموقفين جميعاً ، فقال : « إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج » (٣).

لكنه ليس بصريح ، بل قيل : ظاهر في إدراك عرفات أو مجمل فيه (٤) ، فسبيله كما عداه.

ومع ذلك معارض بالصحيحة السابقة المضاهية لهذه الصحيحة فيما يوجب الخصوص من التعبير في السؤال بمن فاته الموقفان جميعاً ، وتعلّق‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٢ / ٩٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٨٨ ، الوسائل ١٤ : ٤٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٤ ح ١.

(٢) حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٨ ؛ وهو في الفقيه ٢ : ٢٨٢ ذيل الحديث ١٣٨٣ وجمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٨ ، والكافي في الفقه : ١٩٧ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٩١ / ٩٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ / ١٠٨٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٤.

٣٥٦

الجواب بأنه لا حج له إذا أدرك اضطراري المشعر خاصة.

مضافاً إلى صحيحة أُخرى أظهر من هذه الصحيحة ، بل لعلّها صريحة فيما تضمنته : عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : « إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليله فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا ، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وفاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ الله تعالى أعذر لعبده ، وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فيجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل » (١).

فلم يبق إلاّ عموم ما عداه ، وهو معارض بعموم النصوص المقابلة في المسألة السابقة القائلة إنّ من لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس فلا حج له (٢) ، لكنّها ضعيفة الأسانيد كما عرفت. ومع ذلك ظاهر عمومها مخالف للإجماع ؛ لشموله ما إذا أدرك اختياري عرفة. ولا كذلك عموم الصحاح ؛ لموافقتها بعمومها لما عرفت من فتوى هؤلاء الجماعة ، ولا ريب أن هذا العموم أولى من العموم السابق ، سيّما مع الأولوية عدداً وسنداً كما مضى ، فيترجح ما عليه هؤلاء.

خلافاً للأكثر ، فمنعوا عن ذلك ؛ ولعلّه لخصوص الصحيحة الأخيرة ، فإنها أوضح دلالة من الصحاح المقابلة ، فلتحمل على ما إذا أدرك اختياري عرفة أو اضطراريها ، حمل المطلق على المقيد أو [ العام على الخاص (٣) ].

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٢.

(٢) راجع ص ٢٩٧٨.

(٣) في النسخ : الخاص على العام.

٣٥٧

هذا مضافاً إلى الشهرة الجابرة للنصوص المقابلة في مفروض المسألة ، المعاضدة لهذه الصحيحة الصريحة ، وبذلك تترجح هذه النصوص على ما عارضها من الصحاح. مع أن في العمل بعمومها اطراحاً لتلك النصوص طرّاً ، ولا كذلك العكس ، فإنّ غايته تقييد الصحاح بمن أدرك عرفات ، وهو أهون بالإضافة إلى طرح النص. ولا يقدح عمومها لما أدرك عرفات مطلقاً بعد وجود الدليل على تخصيصها بما إذا لم يدركها أصلاً ، كما هو ظاهر الصحيح منها.

فما عليه الأكثر أظهر ، سيّما وفي صريح المختلف والتنقيح والمنتهى (١) كما حكي الوفاق عليه ، وهو حجة أُخرى عليه جامعة كالصحيحة المتقدمة بين الأخبار المتعارضة ، بتقييد الصحاح منها بمن أدرك عرفات مطلقاً ولو اضطراريها ، والضعيفة بما إذا لم يدركها كذلك.

وقد تلخّص مما ذكرنا أن أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية ، وكلّها مجزئة إلاّ الاضطراري الواحد منها ، كما عليه جماعة ، ومنهم الشهيد في الدروس واللمعة (٢).

__________________

(١) المختلف : ٣٠١ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٨٢ ، المنتهى ٢ : ٧٢٧.

(٢) الدروس ١ : ٤٢٦ ، اللمعة ٢ : ٢٧٨.

٣٥٨

( القول في الوقوف بالمشعر )‌

( والنظر في مقدمته وكيفية ولواحقه )

( فالمقدمة تشتمل على مندوبات خمسة : )

( الاقتصاد ) والتوسط ( في السير ) إلى المشعر بسكينة ووقار ، كما في الصحيح (١) ؛ سائلاً العتق من النار ، كما فيه ؛ مستغفراً ، كما فيه وفي الآية (٢).

( والدعاء عند الكثيب ) (٣) ( الأحمر ) عن يمين الطريق بقوله : « اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلم لي ديني ، وتقبّل مناسكي » كما في الصحيح (٤).

( وتأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو صار ربع الليل ) بل ثلثه كما في الصحيح (٥) ، وفي المنتهى وعن التذكرة (٦) : إنّ عليه إجماع أهل العلم كافة.

ولعلّ الاقتصار على الربع كما هنا وفي الشرائع وعن الهداية والمقنعة والمراسم والجمل والعقود والخلاف (٧) نظراً إلى أخبار توقيت المغرب إليه ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٧ / ٦٢٣ ، الوسائل ١٤ : ٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١ ح ١.

(٢) البقرة : ١٩٩.

(٣) الكثيب : الرمل المستطيل المحدودب. مجمع البحرين ٢ : ١٥٦.

(٤) المتقدّم مصدره في الهامش (١).

(٥) التهذيب ٥ : ١٨٨ / ٦٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٤ / ٨٩٥ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ١.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٢٣ ، التذكرة ١ : ٣٧٤.

(٧) الشرائع ١ : ٢٥٥ ، الهداية : ٦١ ، المقنعة : ٤١٦ ، المراسم : ١١٢ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٤ ، الخلاف ٢ : ٣٤٠.

٣٥٩

وحمل الثلث على أن يكون الفراغ من العشاء عنده.

وفي الموثق : « وإن مضى من الليل ما مضى » (١) ولعلّه بمعنى : وإن مضى منه ما مضى بشرط بقاء وقت الأداء ، وقد يكون ممّا أشار إليه الشيخ فيما حكي عنه في الخلاف بقوله : وروى إلى نصف الليل (٢).

ويقرب منه قول ابن زهرة : لا يجوز أن يصلي العشاءين إلاّ في المشعر ، إلاّ أن يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر (٣).

ويجوز تنزيل الموثق على الغالب من ذهاب ربع الليل أو ثلثه.

وظاهر ابن زهرة وجوب التأخير ، كما عن الشيخ والعماني (٤) أيضاً ، وهو ظاهر النهي في المعتبرين السابقين. وإنما حمله الأصحاب على الكراهة جمعاً بينهما وبين الصحيحين المتضمن أحدهما لنفي البأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة (٥) ، وثانيهما ما يقرب من الأول فعلاً (٦).

وفي المختلف : الظاهر أن قصد الشيخ الكراهة دون التحريم ، وكثيراً ما يطلق على المكروه أنه لا يجوز (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٨ / ٦٢٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٤ / ٨٩٤ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٤٠.

(٣) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٤) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٦٧ ، ونقله عن العماني في المختلف : ٢٩٩.

(٥) التهذيب ٥ : ١٨٩ / ٦٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٥ / ٨٩٨ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ١٨٩ / ٦٢٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٥ / ٨٩٧ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٤.

(٧) المختلف : ٢٩٩.

٣٦٠