رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

( ولو أحرم بغير غسل أو بغير صلاة أعاد ) الإحرام بعد تداركهما استحباباً ، على الأظهر الأشهر ، كما عن المسالك ، وفيه : وقيل بوجوبها (١).

أقول : ولعلّه لظاهر الأمر بها في الصحيح : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً ، ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن يصنع؟

فكتب : « يعيد » (٢).

ويضعف بظهور السؤال في الاستحباب ، فيطابقه الجواب ؛ مضافاً إلى فحوى ما دلّ على استحباب أصل الغسل والصلاة ؛ مع أن القول بالوجوب لم ينقل في كلام أكثر الأصحاب ، وإنما المنقول القول بنفي الاستحباب.

نعم ، عبارة النهاية المحكية ظاهرة في الوجوب (٣) ، لكنه رجع عنه في المبسوط (٤) ، وكذا عبارة الإسكافي المحكية وإن كانت أيضاً ظاهرة في الوجوب بل صريحة (٥) ، إلاّ أن المستفاد منها أنه لوجوب أصلهما ، لا الإعادة ، كما هو مفروض المسألة.

ويكف كان فلا ريب في الاستحباب.

خلافاً للحلّي ، فأنكره إن أُريد من الإحرام ما يشمل النية ، قال : فإنه إذا نواه انعقد (٦) ، ولم يمكنه الإخلال إلاّ بالإتمام أو ما يقوم ما يقوم مقامه إذا صدّ أو أُحصر.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٣٦٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٧ أبواب الإحرام ب ٢٠ ح ١.

(٣) النهاية : ٢١٣.

(٤) المبسوط ١ : ٣١٤.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٦٤.

(٦) السرائر ١ : ٥٣٢.

٢٠١

قيل : وليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها وبالنية ، فلا يتوجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحبّ إعادتها إذا نسي الأذان والإقامة.

والجواب : أن الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال ، لمَ لا يجوز أن يستحب تجديد النية وتأكيدها للرواية ، وقد ينزل عليه ما في المختلف (١). انتهى.

وهو حسن إن تمّ منع افتقار الإعادة إلى الإبطال. وفيه نظر ؛ لتبادره منها عرفاً ، وقد صُرّح في الأُصول بأنها عبارة عن الإتيان بالشي‌ء ثانياً بعد الإتيان به أوّلاً لوقوعه على نوع خلل ، قالوا : كتجرّده عن شرط معتبر ، أو اقترانه بأمر مبطل ، فتدبر.

ولعلّه لذا لم يُجب عن الحلّي أحد من المتأخرين إلاّ بابتناء مذهبه هنا على مذهبه في أخبار الآحاد من عدم حجيتها ، وهو ضعيف.

وعلى هذا فالمعتبر من الإحرامين ثانيهما ، كما هو ظاهر المختلف والمنتهى وغيرهما (٢).

خلافاً للشهيدين فأولهما (٣). قال ثانيهما : إذ لا وجه لإبطال الإحرام بعد انعقاده (٤) ، فلا وجه لاستئناف النية ، بل ينبغي أن يكون المُعاد هو التلبية واللبس خاصة. انتهى.

وفيه ما عرفته من ظهور النص في الإبطال ، من جهة لفظ الإعادة ، المفهوم منه ذلك عرفاً وعادةً.

هذا ، مضافاً إلى ما ذكره بعض المحدّثين في الجواب عنه : بأن النية الأُولى إنما كانت معتبرة بمقارنة اللبس أو التلبية ، مثل نية الصلاة المقارنة‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣١١.

(٢) المختلف : ٢٦٤ ، المنتهى ٢ : ٦٧٣ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٨٦.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٤٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٦.

(٤) إلى هنا عبارة المسالك ، وما بعد عبارة المدارك ٧ : ٢٥٤.

٢٠٢

للتكبيرة ، فاذا أبطل تكبيرة الإحرام بطلت النية الأُولى ، فكذا هنا.

وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للتخلل بين الإحرامين ، واحتساب الشهر بين العمرتين ، والعدول إلى عمرة التمتع لو وقع الثاني في أشهر الحجّ.

لكن ظاهر القواعد خروج الأول من البين ، ووجوب الكفارة على القولين (١). فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فهو منفي على المختار قطعاً ، وكذا مع التردد بينه وبين مقابله ، عملاً بالأصل السالم عن المعارض ، إلاّ أن يمنع باستصحاب بقاء الإحرام الأول الموجب للكفارة بالجناية فيه ، والإعادة لا تقطعه بناءً على الفرض ، وفيه نظر.

( وأن يحرم عقيب ) الصلاة بلا خلاف ؛ للصحاح المستفيضة (٢).

ولا يجب ؛ للأصل المعتضد بعدم الخلاف فيه إلاّ من الإسكافي (٣) ، وهو نادر.

وأن يكون ( فريضة الظهر ) فقد فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في الصحيح (٤) ، وفي آخر : إنه أفضل (٥).

وما دلّ على التسوية لنا ، وأن فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لضرورة فقد الماء (٦) ، محمول على التسوية في غير الفضيلة ، يعني الإجزاء ؛ لما عرفت من‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٨٠.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٤ أبواب الإحرام ب ١٨.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٦٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ / ٥٤٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٩ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٨ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ١. وفيه : « إنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس ».

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٩ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ٥.

٢٠٣

تصريح الصحيحة بالأفضلية.

( أو عقيب فريضة ) مكتوبة ؛ لظاهر إطلاق الصحيحين (١) ، وصريح الخبرين الآمرين بتأخير الإحرام عما بعد العصر إلى المغرب (٢). وهما مختصان بها ، وما قبلهما بالمكتوبة ، وظاهرها الفرائض الخمس اليومية المؤدّاة خاصة. خلافاً لإطلاق نحو العبارة فعمّمت لها وللمقضيّة وللكسوف ونحوها ، وبه صرّح الشهيدان في المسالك والدروس (٣).

( ولو لم يتّفق ) فريضة ( فعقيب ستة ركعات ) لرواية ضعف سندها بعمل الأصحاب مجبورة ، مضافاً إلى أدلة المسامحة ، وفيها : « تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها » (٤).

وظاهرها استحباب هذه الستّ مطلقاً ولو أحرم عقيب الفريضة ، كما هو ظاهر أكثر الأصحاب وإن اختلفوا في استحباب تقديمها على الفريضة والإحرام في دبرها ، كما يعزى إلى المشهور (٥) ، ومنهم : المفيد في المقنعة ، والشيخ في المبسوط والنهاية ، والحلّي والشهيدان (٦) ، غيرهما (٧) ؛ لصريح‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣١ / ٢ و٣٣٤ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣ ، ٧٨ / ٨ ، ، الإستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٠ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١ ، وص ٣٤٤ ب ١٨ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٤٥ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٦ أبواب الإحرام ب ١٩ ح ٣ ، ٤.

(٣) المسالك ١ : ١٠٦ ، الدروس ١ : ٣٤٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٥ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣١١.

(٦) المقنعة : ٣٩٦ ، المبسوط ١ : ٣١٥ ، النهاية : ٢١٣ ، الحلّي في السرائر ١ : ٥٣١ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٤٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٦.

(٧) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٦٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣١١.

٢٠٤

الرضوي : « فإن كان وقت فريضة فصلِّ هذه الركعات قبل الفريضة ثمّ صلِّ الفريضة » (١).

أو العكس ، كما عن الجمل والعقود والمهذّب والإشارة والغنية والوسيلة (٢).

وهو أحوط ، عملاً بعموم : « لا نافلة في وقت فريضة » وإن كان الأول لا يخلو عن وجه ؛ لصراحة المستند ، وانجبار قصور السند بفتوى الأكثر.

ويعضده بالإضافة إلى الحكم بتأخير الفريضة وإيقاع الإحرام دبرها أنّ فيه الأخذ بظاهر الأخبار الصحيحة الحاكمة باستحباب الإحرام في دبر الفريضة ؛ إذ المتبادر منها التعقيب بغير فاصلة ، كما أشار إليه في الرضوي أيضاً ، فإن فيه بعد ما مرّ : « أنّ أفضل ما يحرم الإنسان في دبر الصلاة الفريضة ، ثمّ أحرم في دبرها ليكون أفضل ». نعم ، ينافيه ظاهر الرواية ؛ فإن المتبادر منها أيضاً التعقيب للإحرام عقيب النافلة بغير فاصلة ، إلاّ أن صرفها إلى المعنى الأعم ممكن ، وهو أولى من العكس ، لضعف سند هذه ووحدتها ، ولا كذلك ما دلّ على التعقيب للفريضة ، فإنها بطرف الضد من الأُمور المزبورة ، مضافاً إلى الشهرة.

( وأقلّه ) أي المندوب من الصلاة التي يحرم عقيبها إن لم يتفق في وقت الفريضة ( ركعتان ) للصحيح ( وإن كانت نافلة صلّيت ركعتين وأحرمت دبرها ) (٣).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٦ ، المستدرك ٩ : ١٧٠ أبواب الإحرام ب ١٣ ج ٢.

(٢) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٧ ، المهذّب ١ : ٢١٥ ، إشارة السبق : ١٢٦ و١٢٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥ ، الوسيلة : ١٦١.

(٣) تقدّم مصدره في ص ٢٨٦٠ الهامش (٢).

٢٠٥

وفي رواية : أربع (١) ، وعمل بها بعض (٢). ولا بأس به ؛ للمسامحة في أدلة السنن ، مع استحباب أصل الصلاة مطلقاً.

ويستحب أن ( يقرأ في الاولى ) من هاتين الركعتين ( الحمد والصمد ، وفي الثانية : الحمد والجحد ) كما في كلام جماعة (٣) ، وبالعكس في كلام آخرين (٤).

وفي الصحيح : « لا تدع أن تقرأ بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين من أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها [ وركعتي الطواف ] » (٥).

وليس فيه دلالة إلاّ على استحباب السورتين ، دون الترتيب بينهما مطلقاً ، إلاّ أن يراعى الترتيب الذكري فيدل على الأول.

ويدلّ عليه صريحاً المرسل في الكافي والتهذيب والشرائع ، فإن في الأولين بعد نقل الرواية : وفي رواية اخرى أنه : « يبدأ في هذا كلّه بقل هو الله أحد ، وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون ، إلاّ في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد » (٦).

__________________

(١) تقدّم مصدره في ص ٢٨٦٠ الهامش (٣).

(٢) كالشهيد في الدروس ١ : ٣٤٣.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٢١٣ ، والحلي في السرائر ١ : ٥٣٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٣٢٥.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٣١٥ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٤٤ ، والعلامة في التحرير ١ : ٩٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٦ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٧٤ / ٢٧٣ ، الخصال : ٣٤٧ / ٢٠ ، الوسائل ٦ : ٦٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٥ ح ١ ، ما بين المعقوفين من المصادر.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٦ ذيل حديث ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٧٤ / ٢٧٤ ، الوسائل ٦ : ٦٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٥ ح ٢.

٢٠٦

وفي الثالث بعد الفتوى بعكس ما في المتن : وفيه رواية أُخرى (١).

ولعلّها المرسلة.

وفي المسالك : إن الكل مستحب (٢). ولا بأس به ؛ لإطلاق الصحيح وإن كان ما في المرسل أفضل.

( و ) اعلم أنه يجوز أن ( تصلّى نافلة الإحرام ولو في وقت الفريضة ما لم يتضيق ) فتقدّم ؛ لما عرفته ، مضافاً إلى ظاهر الخبرين بتأخيرها إلى المغرب (٣) ، ونحو النصوص الدالّة على أنها من الصلاة التي تصلّى في كلّ وقت ، أظهرها دلالةً الخبر : « خمس صلوات تصلّيهن في كلّ وقت : صلاة الكسوف ، والصلاة على الميت ، وصلاة الإحرام ، والصلاة التي تفوت ، وصلاة الطواف ، من الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى الليل » (٤).

وهو صريح في جواز الإتيان بها في الأوقات المكروهة. ولا ينافيه الأخبار الناهية عن فعلها بعد العصر ؛ لتصريحها بعد النهي بأنه لمكان الشهرة (٥).

( وأما الكيفية. )

( فيشمل ) على ( الواجب والندب. )

( فالواجب ثلاثة. )

الأول : ( النية ، وهو أن يقصد بقلبه إلى ) إيقاع المنوي مع‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٤٤.

(٢) المسالك ١ : ١٠٦.

(٣) المتقدمين في ص : ٢٨٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٧١ / ٦٨٢ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٥.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٤٦ أبواب الإحرام ب ١٩ ح ٣ ، ٤.

٢٠٧

مشخصاته الأربعة من ( الجنس من الحجّ أو العمرة ، والنوع من التمتع أو غيره ) القرآن والإفراد ( والصفة من واجب أو غيره ، وحجّة الإسلام أو غيرها ) متقرباً إلى الله تعالى ، كما في كل عبادة.

ولا خلاف ولا إشكال في اعتبار القربة ، وكذا في الباقي حيث يتوقف عليه التعيين ؛ لتوقف الامتثال عليه مطلقاً ؛ وظواهر الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة هنا ، ففي الصحيح : « ينوي العمرة ويحرم بالحجّ » (١).

وفيه : « ولا تسمِّ حجاً ولا عمرة ، وأضمر في نفسك المتعة ، فإن أدركت متمتعاً ، وإلاّ كنت حاجّاً » (٢).

وفيه (٣) « انو المتعة » (٤).

وغير ذلك من الأخبار الكثيرة الآمرة بتشخيص المنوي وتعيينه ، المعتضدة بأخبار الدعاء المتضمنة لتعيينه (٥) ، وبأنه لو جاز الإهمال كان هو الأحوط لئلاّ يفتقر إلى العدول إذا اضطرّ اليه ، ولما احتاج إلى اشتراط : إن لم يكن حجة فعمرة.

خلافاً للمحكي عن المبسوط والمهذّب والوسيلة (٦) ، فيصحّ الإحرام من غير نية كونه لحجّ أو عمرة ، وينصرف إلى العمرة المفردة إن كان في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٠ / ٢٦٤ بتفاوت ، الإستبصار ٢ : ١٦٨ / ٥٥٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٨ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٩ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٤.

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر أن الخبر موثّق لأن راويه إسحاق بن عمّار.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٨٠ / ٢٦٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٨ / ٥٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٨ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٤ أبواب الإحرام ب ١٦.

(٦) المبسوط ١ : ٣١٦ ، المهذب ١ : ٢١٩ ، الوسيلة : ١٦١.

٢٠٨

غير أشهر الحج ، ويتخير بينهما إن كان فيها.

قيل : وهو خيرة التذكرة والمنتهى. ولعلّه أقوى ؛ لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته ، ولا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً ولا صنفاً باختلاف غاياته ، فالأصل عدم وجوب التعيين ، وأخباره مبنية على الغالب أو الفضل ، وكذا العدول والاشتراط (١). انتهى.

وفيه نظر كسائر ما استدل به لهذا القول.

وأما اعتبار نية الوجه ففيه حيثما لا يتوقّف عليه التعيين الكلام المعروف المتقدم في كتاب الطهارة.

( ولو نوى نوعاً ) مثلاً ( ونطق بغيره ) عمداً أو سهواً ( فالمعتبر النية ) أي المنوي ؛ كما في بعض الصحاح المتقدّمة (٢) ؛ مضافاً إلى (٣) أن النية أمر قلبي فلا اعتبار بالنطق ، فيصحّ الإحرام بمجرد النية ولو من دونه.

وعليه يدل نحو الصحيح : إني أُريد التمتع بالعمرة إلى الحجّ ، فكيف أقول؟ فقال : « تقول : اللهمّ إني أُريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد » (٤).

( الثاني : التلبيات الأربع ) الآتي بيان صورتها.

( ولا ينعقد الإحرام للمفرد والمتمتع إلاّ بها ) بإجماع علمائنا ، كما في الانتصار والغنية والخلاف والتذكرة والمنتهى (٥) ، عن‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣١٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥٤ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٨.

(٣) في « ق » و« ك‍ » زيادة : ما دلّ على.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٢ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤١ ، التهذيب ٥ : ٧٩ / ٢٦١ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ / ٥٥١ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٢ أبواب الإحرام ب ١٧ ح ١.

(٥) الانتصار : ١٠٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، الخلاف ٢ : ٢٨٩ ، التذكرة ١ : ٣٢٧ ، المنتهى ٢ : ٦٧٦.

٢٠٩

وغيرها (١) ، والنصوص مستفيضة جدّاً كما سيأتي إليها الإشارة أيضاً.

وهل يعتبر مقارنة النية لها ، كما في صريح السرائر واللمعة والمنتهى والتنقيح (٢) ، وعن غيرها صريحاً وظاهراً (٣) ، أم لا ، كما عن جملة من القدماء (٤) ، وذهب إليه جماعة من متأخري المتأخرين أيضاً (٥) ، وعزاه في الروضة إلى المشهور؟ إشكال :

من استفاضة الصحاح وغيرها برجحان تأخيرها لمن حجّ من طريق المدينة من المسجد إلى أن تعلو راحلته البيداء ، ففي الصحيح بعد ذكر الدعاء المستحب عند الإحرام : « ويجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً أو راكباً فلبِّ » (٦).

وظاهره وإن أفاد الوجوب كغيره إلاّ أنه محمول على الفضيلة ، كما يستفاد من آخر : « إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبّيت من موضعك ، والفضل أن تمشي قليلاً ثم تلبّي » (٧).

__________________

(١) جواهر الفقه : ٤١ ، الذخيرة : ٥٧٨ ، الحدائق ١٥ : ٤٠.

(٢) السرائر ١ : ٥٣٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٢٩ ، المنتهى ٢ : ٦٧٦ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٥٩.

(٣) الدروس ١ : ٣٤٧ ، المسالك ١ : ١٠٦ ، وحكاه فيه عن المحقق الثاني أيضاً.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٣١٦ ، والتهذيب ٥ : ٨٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٦١.

(٥) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٥٧٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣١٣ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٤١.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣١ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٤ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٤٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٣ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ١.

٢١٠

ونحوه غيره ممّا يأتي.

ومن استفاضة النصوص أيضاً بعدم جواز المرور عن الميقات إلاّ محرماً كما مضى (١).

والجمع بينهما ممكن بأحد وجهين :

إما بجمل الأوّلة على أن المراد بها استحباب رفع الصوت بالتلبية ، وإلاّ فلا بد من المقارنة ، عملاً بالأخبار الأخيرة.

ويستأنس لهذا الجمع ملاحظة الصحيح : « إن كنت ماشياً فاجهر بإحرامك وتلبيتك من المسجد ، وإن كانت راكباً فاذا علت راحلتك البيداء » (٢).

والخبر : هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال : « نعم » الحديث (٣).

وذلك لأن المأمور به فيهما الإجهار بالتلبية ، لا نفسها ، وفيهما إشعار لذلك ولا سيّما الثاني بأن التلبية لا بدّ منها.

أو بحمل الثانية على أن المراد بالإحرام فيها الذي لا يجوز المرور عن الميقات إلاّ به إنما هو نيته وليس الثوبين خاصة ، لا التلبية.

ويستأنس لهذا الجمع بأنّ في الصحاح السابقة ما لا يقبل الجمع الأول إلاّ بتكلّف بعيد ، كالصحيح : إنه عليه‌السلام صلّى ركعتين وعقد في مسجد‌

__________________

(١) في ص : ٢٨٣٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٧ / ٥٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٩ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٤ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ٨٤ / ٢٨٠ ، الإستبصار ٢ : ١٧ / ٥٦٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٢.

٢١١

الشجرة ثم خرج فأتى بخَبيص (١) فيه زعفران ، فأكل قبل أن يلبّي منه (٢).

وقريب منه النصوص الآتية.

وثانياً ملاحظة كلام الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الأخبار الأخيرة حيث قال.

والمعنى في هذه الأحاديث أن من اغتسل للإحرام وصلّى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً ، وإنما يكون عاقداً للحجّ والعمرة ، وإنما يدخل في أن يكون محرماً إذا لبّى ، والذي يدل على هذا المعنى ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار ، وغير معاوية ممن روي عنه صفوان هذه الأحاديث ، يعني هذه الأحاديث المتقدّمة ، وقال : هي عندنا مستفيضة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « إذا صلّى الرجل ركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حجّ أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض على نفسه الحج وعقد عقد الحجّ » وقالا : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صلّى في مسجد الشجرة صلّى وعقد الحجّ » ولم يقولا : صلّى وعقد الإحرام ، فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه فيما أكل ممّا يحرم على المحرم. ولأنه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبّي وقد صلّى وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلبِّ ، وقالوا : قال أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يأكل الصيد وغيره فإنما فرض على نفسه الذي قال ، فليس له عندنا أن يرجع حتى يتم إحرامه ، فإنما فرضه عندنا عزيمة حين فعل ما فعل ، لا يكون له أن يرجع إلى أهله حتى‌

__________________

(١) الخَبيص : طعام معمول من التمر والزبيب والسمن. مجمع البحرين ٤ : ١٦٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٤٨ ، التهذيب ٥ : ٨٢ / ٢٧٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ / ٦٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٣.

٢١٢

يمضي ، وهو مباح له قبل ذلك ، وله أن يرجع متى ما شاء ، وإذا فرض على نفسه الحج ثم أتمّ بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم ؛ لأنه قد يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : الإشعار والتلبية والتقليد ، فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم ، وإذا فعل الوجه الآخر قبل أن يلبّي فقد فرض (١). انتهى.

ولعلّ الترجيح لهذه الجمع ؛ لوضوح الشاهد عليه من النصوص المعتبرة المفتى بها عند شيخ الطائفة.

إلاّ أن يقال : إن ظاهرها انعقاد الإحرام بالنية من غير تلبية من جهة ، وعدمه من جهة أُخرى.

وهذا التفصيل لم يظهر به قائل من الفقهاء ، بل ظاهرهم أنه إن انعقد بها من دون التلبية انعقد مطلقاً ، فيحرم عليه الصيد أيضاً ، وإلاّ فلا كذلك ، فيجوز له الرجوع والمضي إلى أهله. وفتوى الشيخ غير معلومة ؛ لاحتمال ذكره ذلك احتمالاً وجمعاً. لكنه خلاف الظاهر ، وعدم ظهور قائل بخلاف ذلك أو ظهور كلام الأكثر فيه ليس إجماعاً ، سيّما مع فتواهم بجواز المحرّمات بعد النية قبل التلبية من غير تصريح بوجوب إعادتها عند التلبية كما يأتي ، فيكون النصّ الشاهد عن المعارض سليماً ، فيتعيّن العمل به جدّاً.

وعلى هذا فمعنى عدم الانعقاد إلاّ بها أنه ما لم يلبِّ كان له ارتكاب المحرّمات على المحرم ، ولا كفارة عليه وإن لم يجز له فسخ النية. ولكن الأحوط مراعاة المقارنة ، خروجاً عن شبهة الخلاف فتوًى وروايةً.

( أمّا القارن فله أن يعقده ) أي الإحرام ( بها ) أي بالتلبية ( أو

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٣.

٢١٣

بالإشعار أو التقليد على الأظهر ) الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي ظاهر الخلاف والغنية بل المنتهى والمختلف الإجماع عليه (١) ؛ للصحاح المستفيضة الصريحة ، وغيرها من المعتبرة :

منها زيادةً على ما مرّ هنا قريباً ، وفي بحث امتياز القرآن عن الإفراد سابقاً (٢) الصحيح : « يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية أو الإشعار أو التقليد ، فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم » (٣) وبمعناه كثير.

ومنها الصحيح (٤) وغيره (٥) : هما بمنزلة التلبية.

خلافاً للمرتضى والحلّي (٦) ، فاقتصرا على التلبية ؛ لأدلة لا وقع لها في مقابلة ما سمعته ، إلاّ على تقدير عدم الاعتماد على الآحاد ولو كانت صحيحة ، كما هو أصلهما فيها.

وفيه : أنها محفوفة بالقرينة ، وهي عمل الأصحاب كافة ، بل المرتضى مخالفته غير معلومة ، كما أشار إليه في المختلف ، فقال بعد نقل أدلته على وجوب التلبية : والظاهر أنه ذكرها مبطلة لاعتقاد مالك والشافعي وأحمد من استحباب التلبية مطلقاً ، فتوهّم ابن إدريس أن ذلك في حق القارن أيضاً (٧).

انتهى.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٨٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، المنتهى ٢ : ٦٧٦ ، المختلف : ٢٦٥.

(٢) في ص ٢٧٨٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٩ ، الوسائل ١١ : ٢٧٩ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٦ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٩٧ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٢٧٦ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٧.

(٦) المرتضى في الانتصار : ١٠٢ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٣٢.

(٧) المختلف : ٢٦٥.

٢١٤

وهو حسن ، ويعضده أنه في المنتهى والشيخ وابن زهرة في كتابيهما المتقدم إليهما الإشارة قد ذكروا أدلة السيّد على وجوب التلبية ، مع أنهم ادّعوا الإجماع في عنوان المسألة على وجوبها أو ما يقوم مقامها من الإشعار والتقليد.

ومع ذلك فمذهبهما في الآحاد ضعيف ، كما حقّق في الأُصول.

ويحكى عن الشيخ في الجمل والمبسوط وابني حمزة والبّراج (١) اشتراط الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية ؛ وكأنهم جمعوا بين هذه الأخبار وعمومات الأمر بالتلبية.

وفيه : أنه ليس أولى من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن ، بل هو أولى كما لا يخفى.

( وصورتها ) كما هنا وفي الشرائع وعن المقنعة في نقل (٢) ، ويميل اليه الفاضل في المنتهى والتحرير (٣) ( لبّيك ، اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ) واختاره شيخنا في المسالك ، وسبطه (٤) ، وجماعة ممن تأخر عنهما (٥).

للصحيح : « التلبية أن تقول : لبّيك ، اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك‌

__________________

(١) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣١٤ ، وانظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٨ ، والوسيلة : ١٥٨ ، والمهذَّب ١ : ٢١٥.

(٢) الشرائع ١ : ٢٤٦ ، وحكاه عن المقنعة في كشف اللثام ١ : ٣١٣ وهو في المقنعة : ٣٩٧ على نسخة أُشير إليها في الهامش.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٧٧ ، التحرير ١ : ٩٦.

(٤) المسالك ١ : ١٠٧ ، وسبطه في المدارك ٧ : ٢٦٨.

(٥) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٥٧٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣١٣ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٦٠.

٢١٥

لبّيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك » إلى أن قال عليه‌السلام : « واعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبّى المرسلون » (١).

فإنه إنما أوجب التلبيات الأربع ، وهي تتم بلفظ « لبيك » الرابع.

( وقيل : ويضيف إلى ذلك : إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) والقائل جماعة من أعيان القدماء كالقديمين والصدوقين والمقنعة على نقل (٢) ، وغيرهم (٣) ؛ لوروده في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٤).

ولا ينافيها الصحيحة السابقة ؛ لاحتمال رجوع الإشارة إلى ما قبل الخامسة ، كما هو ظاهر المختلف (٥) ، والرضوي ، وفيه : « تقول : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك ، هذه الأربعة مفروضات » (٦) ونحوه المروي في الخصال (٧).

وهو أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ؛ لضعف الأحمال في الصحيح ، وقصور الخبرين سنداً عن تقويته ، مع معارضتهما بصريح الصحيح‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٢ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

(٢) نقله عن العماني والإسكافي ووالد الصدوق في المختلف : ٢٦٥ ، الصدوق في المقنع : ٦٩ ، المقنعة : ٣٩٧.

(٣) كالمراسم : ١٠٨.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ أبواب الإحرام ب ٤٠.

(٥) المختلف : ٢٦٥.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٦ ، المستدرك ٩ : ١٧٦ أبواب الإحرام ب ٢٣ ح ٢.

(٧) الخصال : ٦٠٣ / ٩ ، الوسائل ١١ : ٢٣٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٢٩.

٢١٦

المتضمن لحذفه ، وفيه : « تقول : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك بحجة تمامها عليك » الحديث (١).

فمختار المتن أقوى ، إلاّ أن يضعف بعدم ظهور قائل به من القدماء ولا المتأخرين عدا الماتن وجملة ممن تأخر عنه ، وقولهم بالإضافة إلى الباقين نادر ، كاد أن يقطع بمخالفتهم ؛ لاتفاقهم ، فإن كلماتهم مطبقة على اعتبار هذه الزيادة وإن اختلفت في محلّها :

فبين من جعلها بعد ما في العبارة ، كمن تقدّم إليهم الإشارة.

وبين من جعله بعد لبيك الثالثة ، وهم أكثر المتأخرين كما في المدارك (٢) ، بل القدماء أيضاً ، فقد حكي عن جمل السيّد وشرحه والمبسوط والسرائر والغنية والكافي والوسيلة والمهذّب والنهاية والإصباح (٣) ، وبه أفتى الفاضل في القواعد والتحرير والمنتهى (٤) أوّلاً.

فمخالفتهم مشكل ، سيّما مع موافقة الصحاح المستفيضة وغيرها لهم من غير معارض صريح ، عدا الصحيح الأخير. وصرف التوجيه اليه باحتمال سقوط الزيادة من القلم أسهل ، سيّما مع تضمنه الزيادة المستحبة اتفاقاً ، وهذه الزيادة راجحة إجماعاً ، فكيف لا تتضمنها؟! ويكف كان فمراعاة وجوب الإضافة لعلّه أولى.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

(٢) المدارك ٧ : ٢٦٨.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٧ ، شرح جمل العلم والعمل : ٢٢٤ ، المبسوط ١ : ٣١٦ ، السرائر ١ : ٥٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، الكافي في الفقه : ١٩٣ ، الوسيلة : ١٦١ ، المهذب ١ : ٢١٥ ، النهاية : ٢١٥.

(٤) القواعد ١ : ٨٠ ، التحرير ١ : ٩٦ ، المنتهى ٢ : ٦٧٦.

٢١٧

وأمّا محلّها فهو ما عليه الطائفة الأُولى ؛ لكونه الوارد في الصحاح وغيرها. وأما ما عليه الأُخرى فلم أجد لهم مستنداً ، وبه صرّح جمع من متأخري أصحابنا (١) ، وتعجّبوا عن الشهيد في الدروس حيث جعل ما هم عليه أتمّها ، وما اخترناه حسناً ، وما في المتن مجزياً (٢).

( وما زاد على ذلك ) من التلبيات الواردة في الصحيح وغيره ( مستحب ) وليس بواجب ، بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر ، والمصرَّح به في جملة من العبائر ، بل عن التذكرة وفي المنتهى (٣) الإجماع ، وفي الأخير : إن على عدم الوجوب إجماع العلماء.

وقد مرّ من النصوص ما يصلح لأن يكون لكل من الاستحباب وعدم الوجوب مستنداً.

( و ) يتفرع على عدم انعقاد الإحرام إلاّ بأحد الأُمور الثلاثة أنه ( لو عقد الإحرام ) أي نواه ولبس الثوبين ( ولم يلبِّ ) ولم يشعر ولم يقلّد ( لم يلزمه كفارة بما يفعله ) مما يوجبها في الإحرام. وبالإجماع هنا بالخصوص صرّح جماعة (٤) ، والصحاح به مع ذلك بالخصوص مستفيضة ، مضافاً إلى غيرها من المعتبرة ، وقد مرّ إلى جملة منها الإشارة (٥) ، ومنها زيادةً عليه الصحيح : « لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة ويقول‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٧٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣١٣ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٦٠.

(٢) الدروس ١ : ٣٤٧.

(٣) التذكرة ١ : ٣٢٧ ، المنتهى ٢ : ٦٧٧.

(٤) منهم السيّد المرتضى في الانتصار : ٩٦ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢٧٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣١٣.

(٥) في ص ٢٨٦٦.

٢١٨

الذي يريد أن يقوله ولا يلبّي ، ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره وليس عليه شي‌ء » (١).

والصحيح : في الرجل يقع على أهله بعد ما يقعد الإحرام ولم يلبِّ ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٢).

وما يخالف ذلك من بعض الصحاح (٣) مع قطعه شاذ ، وحمله الشيخ تارة على ما إذا أسرّ بالتلبية (٤) ، وأُخرى على الاستحباب (٥).

وهل يلزمه تجديد النية بعد ذلك؟ ظاهر جملة من الروايات ، ولا سيّما ما تقدم : العدم.

لكن في المرسل : رجل يدخل مسجد الشجرة فصلّى وأحرم وخرج من المسجد ، فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء ، أله ذلك؟ فكتب : « نعم » أو : « لا بأس به » (٦).

وفيه إشعار باللزوم ؛ لمكان لفظ النقض في السؤال ، مع التقرير له منه عليه‌السلام ، وبه صرّح في الانتصار ، فقال : ويجب على هذا إذا أراد الإحرام أن يستأنفه ويلبّي ؛ فإن الإحرام الأول قد رجع عنه (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٢ / ٢٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ / ٦٣١ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٢ / ٢٧٤ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ / ٦٣٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٦٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٧.

(٥) الاستبصار ٢ : ١٩٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣١ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٥٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٢.

(٧) الانتصار : ٩٦.

٢١٩

وهو أولى وأحوط ، وفاقاً لجمع ممن تأخر (١).

ولا ريب في لزومه على القول باعتبار المقارنة وثبوته ، وعليه فلا بدّ من تجديد النية في الميقات مع فعل المنافي قبل التلبية بعد تجاوزه مع إمكانه.

قيل : وعلى تقدير لزوم التجديد يكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية (٢).

( والأخرس يجزئه تحريك لسانه والإشارة بيده ) أي بإصبعه ، كما في القوي : « تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (٣).

وليكن مع عقد قلبه بها ، كما في الشرائع وغيره (٤) ؛ لأنها بدونه لأ يكون إشارة إليها ، ولذا لم يصرّح به الأكثر ، ولا ذكر في الخبر ، وتعرّض له الإسكافي ولم يتعرض للإشارة ، بل قال : يجزئه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه ، ثم قال : ويلبّى عن الصبي والأخرس والمغمى عليه (٥).

قيل : استناداً إلى خبر زرارة : إن رجلاً قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له أبو عبد الله عليه‌السلام ، فأمر أن يلبّي عنه (٦). ولأن أفعال الحجّ والعمرة‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٧٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣١٣.

(٢) المدارك ٧ : ٢٧٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٨١ أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ١.

(٤) الشرائع ١ : ٢٤٥ ، القواعد ١ : ٨٠ ، الدروس ١ : ٣٤٧ ، والمدارك ٧ : ٢٦٦ ، كشف اللثام ١ : ٣١٤.

(٥) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٦٦.

(٦) الكافي ٤ : ٥٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٨١ أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ٢.

٢٢٠