رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

لما مرّ من حرمة تغطية وجهها (١). ففي الحكم هنا منافاة لما مضى ، إلاّ أن يحمل النقاب على السدل الجائز ، لكن إثبات كراهته لا يخلو عن إشكال ، إذ لا أعرف له مستنداً إلاّ إذا أصاب الوجه ، فلا يخلو عن وجه.

( ودخول الحمّام ) للنهي عنه في الخبر (٢) ، المحمول على الكراهة ، جمعاً بينه وبين الصحيح (٣) وغيره (٤) ، النافيين للبأس عنه ، وفيهما « ولكن لا يتدلّك ». وبكراهة التدلّك فيه أفتى جماعة (٥) ، وزاد بعضهم فحكم بكراهته مطلقاً (٦). ولا بأس به ؛ للصحيح : عن المحرم يغتسل؟ فقال : « نعم ، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه » (٧).

( وتلبية المنادي ) بأن يقول له : لبيك ، على المشهور ؛ للنصّ.

وعلّل بأنه في مقام التلبية لله تعالى فلا يشرك غيره فيها (٨) ، وفي الصحيح بعد النهي عنها أنه يقول : « يا سعد » (٩).

__________________

(١) راجع ص ٢٩٣٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٧٦ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٨١ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٧٦ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٧٦ ح ٣.

(٥) منهم : الحلي في السرائر ١ : ٥٤٧ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٥٢ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٣٤٠ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٥٦٢.

(٦) منهم الشهيد في المسالك ١ : ١١٢ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٧٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٣٩.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٥ أبواب تروك الإحرام ب ٧٥ ح ١.

(٨) كما في المسالك ١ : ١١٢ ، والروضة ٢ : ٢٣٥ ، والمدارك ٧ : ٣٨٠.

(٩) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٥٦١ أبواب تروك الإحرام ب ٩١ ح ١.

٣٢١

وظاهره التحريم ، كما في ظاهر التهذيب. لكن ينبغي حمله على شدة الكراهة ؛ لعدم القول بالتحريم كما قيل (١) ؛ مضافاً إلى الأصل والمروي عن الصدوق ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « لا بأس أن يلبّي المجيب » (٢).

( واستعمال الرياحين ) وفاقاً للنهاية والحلّي والإسكافي كما حكي (٣) ، وجماعة من المتأخرين (٤) ؛ للنهي عنه في الصحيحين (٥) ، في أحدهما : « لا يمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذذ به ». وإنما حمل على الكراهة جمعاً بينهما وبين الصحيح : « لا بأس أن تشمّ الإذخِر (٦) والقَيصوم (٧) والخُزامي (٨) والشِّيح (٩) وأشباهه وأنت محرم » (١٠).

__________________

(١) مجمع الفائدة ٦ : ٣٥٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١١ / ٩٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٨ أبواب تروك الإحرام ب ٤٢ ح ٢ ؛ إلاّ أن فيهما : الجنب.

(٣) النهاية : ٢١٩ ، نقله عن الحلّي والإسكافي في المختلف : ٢٦٨ ، ولكن الموجود في السرائر ١ : ٥٤٥ الحكم بالحرمة.

(٤) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٢٥٢ ، والعلاّمة في الإرشاد ١ : ٣١٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٣.

(٥) الأول : التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩١ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.

الثاني : الكافي ٤ : ٣٥٥ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٠.

(٦) تقدّم معناه في ص : ٢٩٤٧.

(٧) القيصوم : نبات طيب الرائحة من رياحين البرّ ، ورقه هدب وله نورة صفراء ، وهي تنهض على ساق وتطول. لسان العرب ١٢ : ٤٨٦.

(٨) الخزامى : بقلة طيبة الرائحة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة ، وهي من أطيب الأزهار. لسان العرب ١٢ : ١٧٦.

(٩) الشيح : نبات سهلي ، له رائحة طيبة وطعم مرّ. لسان العرب ٢ : ٥٠٢.

(١٠) الكافي ٤ : ٣٥٥ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ / ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ / ١٠٤١ ، الوسائل ١٢ : ٤٥٣ أبواب تروك الإحرام ب ٢٥ ح ١.

٣٢٢

خلافاً للمفيد وجماعة (١) فحرّموه ، ولعلّه الأظهر ؛ عملاً بظاهر النهي ، مع سلامته عن المعارض ، سوى الأصل المخصَّص به لكونه خاصاً ، وأخبار قصر الطيب في أربعة (٢) ، والصحيح الأخير ، وفيهما نظر :

فالأول بتوقفه على كون المنع عنه من جهة الطيب ، وليس كذلك ، بل من جهة النهي عنه بالخصوص.

والثاني بعدم نفي البأس فيه عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه وبين المانع تعارضاً كلياً ، فيكون صريحاً في الجواز ، فيقدّم على النهي الظاهر في التحريم ، تقدّمَ النص على الظاهر. وإنما غايته نفي البأس عن أُمور معدودة يمكن استثناؤها عن أخبار المنع على تقدير تسليم صدق الريحان عليها حقيقةً ، ولا مانع من ذلك.

ولا موجب للجمع بالكراهة سوى تضمنه لفظ « أشباهه » وهو كما يحتمل المشابهة في إطلاق اسم الريحان عليه ، كذا يحتمل ما هو أخص ممّا يشبهه من نبت البراري ، ويكون استثناؤه لكونه كما قال في المختلف من نبت الحرم فيعسر الاحتراز عنه (٣) ، ومعه لا يمكن صرف النهي عن ظاهره.

مضافاً إلى عدم إمكانه من وجه آخر ، وهو : أن النهي عن مسّ الريحان في الصحيح الماضي إنما هو بلفظ النهي عن الطيب بعينه ، وهو للتحريم قطعاً ، فلا يمكن حمله بالإضافة إلى الريحان على الكراهة ، للزوم‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٤٣٢ ؛ وانظر المختلف : ٢٦٨ ، وجامع المقاصد ٣ : ١٧٩ ، والمدارك ٧ : ٣٨٠.

(٢) انظر الوسائل ١٢ : ٤٤٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٨.

(٣) المختلف : ٢٦٨.

٣٢٣

استعمال اللفظة الواحدة في الاستعمال الواحد في المجاز والحقيقة ، وهو خلاف التحقيق ، وصرفه إلى المجاز الأعم يعني مطلق المرجوحية بعيد جدّاً.

( ولا بأس بحكّ الجسد والسواك ما لم يُدمِ ) أو يقطع الشعر ، كما في المعتبرة المستفيضة (١).

وهنا‌ ( مسألتان ) : ‌

( الاولى : لا يجوز لأحد أن يدخل مكة ) شرّفها الله تعالى ( إلاّ محرماً ) بحجّ أو عمرة بالنص والإجماع ( إلاّ المريض ) ومن به بَطَن ، كما في الصحيح : هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال : « لا إلاّ مريضاً أو من به بَطَن » (٢).

ونحوه آخران ، (٣) إلاّ أن في السؤال فيهما : هل يدخل الرجل الحرم؟

وبهما أفتى أيضاً جمع (٤).

وظاهر هذه الأخبار كالمتن وجمع سقوط الإحرام عن المريض.

وربما يعارضها الصحيح : عن رجل به بَطَن ووجع شديد يدخل مكة‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٣٣ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٩ / ١١٤٠ ، التهذيب ٥ : ٤٤٨ / ١٥٦٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٣ أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ٤.

(٣) الأول : الإستبصار ٢ : ٢٤٥ / ٨٥٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٣ أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ٢.

الثاني : التهذيب ٥ : ١٦٥ / ٥٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٥ / ٨٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٢ أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ١.

(٤) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٢٥٢ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٦٨٨ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٨٠.

٣٢٤

حلالاً؟ قال : « لا يدخلها إلاّ محرماً » وقال : « يحرمون عنه » (١).

وحمله الشيخ على الاستحباب (٢). ولا بأس به جميعاً.

قيل : والظاهر أن الإحرام عنه إنما يثبت مع المرض المزيل للعقل ، وهو محمول على الاستحباب أيضاً.

وإنما يجب الإحرام للدخول إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم ، فلو خرج أحد من مكة ولم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها عاد بغير إحرام (٣).

ومتى أخلّ الداخل بالإحرام أثم ولم يجب قضاؤه.

واستثنى الشيخ وجماعة (٤) من ذلك العبيد ، فجوّزوا لهم الدخول بغير إحرام. قيل : لأن السيّد لم يأذن لهم بالتشاغل بالنسك عن خدمته ، فإذا لم يجب عليهم حجة الإسلام لهذا المعنى فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى (٥).

( أو من يتكرر ) دخوله كل شهر ، بحيث يدخل في الشهر الذي خرج كما قيل (٦) ، أو مطلقاً ؛ للعسر والحرج ، وللصحيح : « إن الحطّابة والمجتلبين أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه ، فأذن لهم أن يدخلوا حلالاً » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٥ / ٥٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٥ / ٨٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٣ أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٥.

(٣) المدارك ٧ : ٣٨١.

(٤) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٢٧ ؛ وانظر جامع المقاصد ٣ : ١٧١ ، والمسالك ١ : ١١٢ ، والمدارك ٧ : ٣٨٢ ، والحدائق ١٥ : ١٢٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٨٩.

(٦) انظر كشف اللثام ١ : ٣١٩.

(٧) التهذيب ٥ : ١٦٥ / ٥٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٥ / ٨٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٧ أبواب الإحرام ب ٥١ ح ٢.

٣٢٥

ويدخل في المجتلبة ناقل الحشيش والحنطة وغير ذلك.

ومقتضى عبارة المتن وغيره استثناء مطلق من يتكرر دخوله وإن لم يدخل في اسم المجتلبة. وهو غير بعيد ؛ للدليل الأول وإن كان الاقتصار على مورد النصّ أحوط.

( ولو خرج ) من مكة من وجب عليه الإحرام للدخول فيها ( بعد إحرامه ) السابق الذي أحلّ منه ( ثم عاد في شهر خروجه أجزأه ) الإحرام الأول عن الإحرام الثاني للدخول.

( وإن عاد في غيره ) أي غير شهر خروجه ( أحرم ثانياً ) للدخول فيها بلا خلاف ظاهر.

ولا إشكال في الحكمين إن كان المراد من شهر خروجه هو الشهر الذي أحرم فيه للتمتع مثلاً ، ومن غيره غيره ، بمعنى عوده بعد مضي ثلاثين يوماً من إحرامه المتقدم إلى يوم دخوله مكة ؛ للمعتبرة ، منها الموثق : « يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه ، لأن لكلّ شهر عمرة وهو مرتهن بالحج » (١).

وظاهره اعتبار مضي الشهر من حين الإحلال ليتحقق تخلل الشهر بين العمرتين ، وبه أفتى الأكثر.

خلافاً لظاهر المتن والنهاية والمقنعة وغيرهما (٢) ، فلم يعتبروا ذلك ؛ لإطلاق المعتبرين ، أحدهما الصحيح أو الحسن في المتمتع : فإن جهل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٢ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ / ٥٤٩ ، الوسائل ١١ : ٣٠٣ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٨.

(٢) النهاية : ٢٤٧ ، لم نعثر عليه في المقنعة ، وهو موجودٌ في التهذيب ٥ : ١٦٣ ، وانظر المدارك ٧ : ٣٨٣.

٣٢٦

وخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً » (١).

وأصرح منه الآخر المرسل (٢). لكنه ضعيف السند ، ويحتمل كالأول تقييد شهر الخروج بشهر الإحرام المتقدم ، وغيره بغيره على النهج الذي سبق.

مضافاً في الأول إلى أن ضمير « شهره » يحتمل الرجوع إلى الإحرام السابق ، فيحتمل الحمل السابق من هذا الوجه.

هذا مع أن إطلاقهما يشمل صورة ما إذا كان شهر الخروج بعد الإحرام المتقدم بأزيد من شهر ، ولا أظنّهم يقولون به ، ولا صرَّح به أحد.

وإنما ثمرة النزاع تظهر على ما صرّح به بعضهم في صورة العكس ، وهي ما لو خرج آخر شهر ودخل أول آخر فيدخل محرماً على هذا القول ، ولا حتى يمضي ثلاثون يوماً على قول الأكثر ، ولعلّه الأظهر.

واعلم أن المستفاد من العبارة وغيرها من الفتاوي عدم الفرق في الإحرام السابق بين كونه لعمرة أو حج مع أن المستفاد من الأخبار إنما هو الأول.

ولذا قيل : إنّ الذي دلّت عليه الدلائل جواز الدخول محلاًّ مع سبق الإحرام بعمرة قبل مضيّ شهر ، فالصواب القصر عليه كما في الجامع ، فلو‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٣ / ٥٤٦ ، الوسائل ١١ : ٣٠٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٦ / ٥٥٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ / ٨٥٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٧ أبواب الإحرام ب ٥١ ح ٤.

٣٢٧

كان سبق إحرامه بحجّ لم يدخل إلاّ محرماً بعمرة مفردة وإن لم يمض شهر ، ففي الأخبار العمرة بعد الحج إذا أمكن الموسى من الرأس (١). انتهى (٢). وهو حسن.

ويعضده عموم أخبار النهي عن الدخول محلاًّ (٣) ، مع سلامته عن المعارض كما مرّ.

( الثانية : إحرام المرأة كإحرام الرجل ) في جميع الأحكام ( إلاّ ما استثني ) سابقاً من تغطية الرأس ، ولبس المخيط ، والتظليل سائراً ، وعدم استحباب رفع الصوت بالتلبية لها ، ولبس الحرير على الخلاف ؛ بلا خلاف ظاهر ولا محكي ؛ وللصحيح الآتي : « تصنع كما يصنع المحرم ولا تصلِّ ». ( ولا يمنعها الحيض ) وما في معناه ( من الإحرام لكن لا تصلّي له ) للصحاح وغيرها :

منها : عن الحائض تحرم وهي حائض؟ قال : « نعم ، تغتسل وتحتشي وتصنع كما يصنع المحرم ولا تصلِّ » (٤).

ومقتضاه كغيره أنها كالطاهر غير أنها لا تصلّي ستّة الإحرام ، فتغتسل أيضاً. خلافاً لبعضهم فيه (٥) ، وهو ضعيف.

ولو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه اجتيازاً ، فإن تعذّر أحرمت من خارجه. وعليه يحمل النهي عن دخولها المسجد في الموثق (٦) ،

__________________

(١) انظر الوسائل ١٤ : ٣١٥ أبواب العمرة ب ٨.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣١٩.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٠٢ أبواب الإحرام ب ٥٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٨ / ١٣٥٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٠ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٤.

(٥) قال به الشهيد الثاني في مناسك الحج على ما نقله عنه في المدارك ٧ : ٣٨٦.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨٨ / ١٣٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٩ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٢.

٣٢٨

أو على الدخول مع اللبث ، أو على الكراهة كما قيل (١).

( ولو تركته ) أي الإحرام من الميقات ( ظنا ) أي لظنها ( أنه لا يجوز ) لها الإحرام حتى جاوزت الميقات ( رجعت إلى الميقات ) وجوباً ( وأحرمت منه ) مع الإمكان ؛ لتوقف الواجب عليه فيجب مقدمةً ؛ وللصحيح : « فإن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت ولتحرم منه » (٢).

( ولو دخلت مكة ) فكذلك ترجع إلى الميقات أيضاً مع الإمكان ( فإن تعذّر ) الرجوع ( أحرمت من أدنى الحلّ ، ولو تعذّر ) إحرامها منه ( أحرمت من موضعها ) للضرورة ، ونفي الحرج ، وخصوص الصحيح : عن امرأة كانت مع قوم فطمثت ، فسألتهم فقالوا : ما ندري عليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم ، فقال : « إن كانت عليها مهلة فلترجع إلى الوقت ولتحرم منه ، وإن لم يكن عليها وقت فلتخرج إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها » (٣).

مضافاً إلى ما مرّ في بحث المواقيت ، ومرّ ثمة أن ما اقتضته هذه الرواية من وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق حيث يتعذر العود إلى الميقات فتوى الشهيد (٤) ، ويعضده حديث : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٠٠ ذيل الحديث ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٨٩ / ١٣٦٢ ، الوسائل ١١ : ٣٢٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٨٩ / ١٣٦٢ ، الوسائل ١١ : ٣٢٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٤.

(٤) راجع ص ٢٨٣٩.

(٥) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

٣٢٩

قيل : ويمكن حملها على الاستحباب ؛ لعدم وجوب ذلك على الناسي والجاهل مع الاشتراك في العذر ، وللموثق : عن أُناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم ، فقدموا إلى الوقت وهي لا تصلّي ، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن يحرم ، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي طامث حلال ، فسألوا الناس فقالوا : تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج ، فسألوا أبا جعفر عليه‌السلام فقال : « تحرم من مكانها قد علم الله نيتها » (١) انتهى (٢).

والأول أحوط إن لم يتعين ؛ لإمكان تقييد الموثقة بصورة عدم الإمكان ، وهو أولى من الحمل على الاستحباب ، سيّما مع صحة سند المقيِّد دون الموثق.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٣٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٦.

(٢) المدارك ٧ : ٣٨٧.

٣٣٠

( القول في الوقوف بعرفات )

( والنظر ) فيه ( في المقدمة والكيفية واللواحق )

( أما المقدمة فتشتمل ) على ( مندوبات خمسة )

أحدها :

( الخروج إلى منى بعد صلاة الظهرين يوم التروية ) عند جماعة (١) ؛ للصحيح : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله تعالى فاغتسل ، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار ، ثم صلِّ الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحِجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك » الحديث (٢).

وليس فيه التصريح بالظهرين ، وغايته المكتوبة ، وظاهره الظهر خاصة ، كما عليه جماعة (٣) ، ويعضده عموم الأخبار باستحباب إيقاع الإحرام عقيب فريضة (٤).

خلافاً لآخرين (٥) ، فاستحبوا الخروج إلى منى قبل صلاة الظهرين ؛

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٣٦٤ والمحقق في الشرائع ١ : ٢٥٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١.

(٣) منهم : الشيخ في النهاية : ٢٤٩ ، والعلامة في قواعد الأحكام ١ : ٨٥ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ) ٢ : ٢٦٩.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٣٤٤ أبواب الإحرام ب ١٨.

(٥) كالمفيد في المقنعة : ٤٠٨ ، والسيد في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٦٨ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٨٨.

٣٣١

للصحيح الآخر : « إذا انتهيت إلى منى فقال » إلى أن قال : « ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، والإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلاّ ذلك ، وموسّع لك أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر » (١).

وقريب منه آخر : عن الوقت الذي يتقدم فيه إلى المنى الذي ليس له وقت أول منه ، فقال : « إذا زالت الشمس » (٢).

وجمع بين الأخبار جماعة من المتأخرين بالتخيير لمن عدا الإمام ، واستحبوا فيه الأخذ بالقول الثاني (٣).

وهو حسن بالإضافة إلى ما اختاروه للإمام ؛ لما يأتي. وأما بالإضافة إلى غيره فله وجه غير أن اختيار الأول أحوط ؛ لقوة احتمال ورود الأخبار الأخيرة للتقية ، فقد نقل القول بمضمونها عن العامة (٤) ؛ مضافاً إلى اعتضاد الأول بما مرّ ، وبما استدل به له في المختلف بأن المسجد الحرام أفضل من غيره فاستحب إيقاع الفريضتين فيه (٥).

ثم إن ظاهر الرواية الأخيرة أنه لا يجوز الخروج إلى منى قبل الزوال كما صرّح به الشيخ ( إلاّ لمن يضعف عن الزحام ) كالمريض والشيخ الكبير والمرأة التي تخاف ضغاط الناس ، وغيرهم من ذوي الأعذار ، قال‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦١ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ / ٥٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٥ / ٥٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ / ٨٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢ ح ١.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣٨٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٠ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٣٥١.

(٤) انظر مغني المحتاج ١ : ٤٩٦ ، والمغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١ ، وعمدة القارئ ١٠ : ٥.

(٥) المختلف : ٢٩٦.

٣٣٢

فلا بأس أن يتقدمه بثلاثة أيام ، فأما ما زاد عليه فلا يجوز على كل حال (١).

أقول : وله بكلا الأمرين الموثق (٢) ، وهو أحوط وإن ذكر الفاضل في المنتهى أن مراد الشيخ بلا يجوز شدة الاستحباب ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه (٣).

( والإمام ) يعني أمير الحاج ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب (٤) ( يتقدم ) في خروجه ( ليصلّي الظهرين ) (٥) ( بمنى ) للصحاح المستفيضة (٦) وإن اختلفت في التعبير ب « لا يسعه إلاّ ذلك » المفيد للزوم ، كما هو ظاهر الشيخ في التهذيب (٧) ، أو ب « لا ينبغي » الظاهر في الاستحباب كما عليه الأصحاب ، وأجرى الحمل السابق في كلام الشيخ في كلامه هنا أيضاً الفاضل في المنتهى (٨).

وهذه الصحاح حجة على من أطلق استحباب الخروج بعد الفريضة من الأصحاب.

وكما يستحب الخروج في هذا اليوم يستحب إيقاع الإحرام فيه ، وفي‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٦ / ٥٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٣ / ٨٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٣ ح ١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧١٥.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣٨٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٠ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٣٥٤.

(٥) في المختصر المطبوع : الظهر.

(٦) الوسائل ١٣ : ٥٢٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤.

(٧) التهذيب ٥ : ١٧٥.

(٨) المنتهى ٢ : ٧١٥.

٣٣٣

المنتهى إنه لا يعلم فيه خلافاً (١). وعن التذكرة الإجماع عليه (٢).

خلافاً لابن حمزة فأوجب الإحرام فيه (٣) ، قيل : ولعلّه لورود الأمر به في الصحيح الماضي (٤). ويندفع بالأصل ، مع كون أكثر أوامر الخبر للندب.

( و ) ثانيها : ( المبيت بها ) أي بمنى للإمام وغيره ( حتى يطلع الفجر ) من يوم عرفة ؛ لبعض الصحاح المتقدمة.

( و ) ثالثها : أن ( لا يجوز وادي محسِّر ) بكسر السين ، وهو حدّ منى إلى جهة عرفة ( حتى تطلع الشمس ) على الأشهر ، بل قيل بتحريمه (٥) ؛ للنهي عنه في الصحيح (٦) ، وهو أحوط.

( ويُكْرَه الخروج ) من منى للإمام وغيره ( قبل الفجر ) في المشهور ، قيل : للأمر بصلاته فيها في الصحيح المتقدم (٧) ؛ وللصحيح : هل صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر بمنى يوم التروية؟ قال : « نعم ، والغداة بمنى يوم عرفة » (٨).

وفيهما نظر ، ولذا قيل : يمكن المناقشة في الكراهة ؛ لعدم الظفر بما‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧١٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٠.

(٣) الوسيلة : ١٧٦.

(٤) الذخيرة : ٦٥٠ وكشف اللثام ١ : ٣٥٠.

(٥) كما قال به في المبسوط ١ : ٣٦٦ ، والمهذّب ١ : ٢٥١ وجعله في المدارك ٧ : ٣٩١. أحوط.

(٦) التهذيب ٥ : ١٧٨ / ٥٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٧ ح ٤.

(٧) كشف اللثام ١ : ٣٥٢.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٣٧٤ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ / ٥٩٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٤.

٣٣٤

يتضمن النهي عن ذلك ، نعم لا ريب أنه خلاف الأولى (١).

والأجود الاستدلال عليه بالنهي عن الجواز عن وادي محسِّر قبل طلوع الشمس ، فإنه بإطلاقه يشمل محل البحث ، ولعلّه لذا قيل بتحريمه هنا كما فيما سبق (٢) ، فالمسألة من متفرعات الخلاف السابق ، فتأمل.

والكراهة ثابتة لكل أحد ( إلاّ للمضطر ) وذوي الأعذار ( كالخائف والمريض ) فإن الضرورات تبيح المحظورات ، فضلاً عن المكروهات ، قيل (٣) : وللصحيح : إنّا مشاة فكيف نصنع؟ فقال عليه‌السلام : « أما أصحاب الرجال فكانوا يصلّون الغداة بمنى ، وأما أنتم فامضوا حتى تصلّوا في الطريق » (٤).

( ويستحب للإمام الإقامة بها حتى تطلع الشمس ) استحباباً مؤكداً ؛ للصحاح (٥).

وفي التحرير : إن الأفضل لغير الإمام ذلك أيضاً ، ولو خرج قبل طلوعها جاز ، لكن لا يجوز وادي محسِّر حتى تطلع الشمس ، والإمام لا يخرج حتى تطلع الشمس (٦).

وفيه نوع إشعار بوجوب ذلك على الإمام ، وأكثر النصوص ظاهرة في‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ٣٩٢.

(٢) قال به الشيخ في النهاية : ٢٥٠ ، والحلبي في الكافي : ٢١٣ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٢٥١.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٠.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٥٩٩ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٧ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٥٢٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤.

(٦) التحرير ١ : ١٠١.

٣٣٥

الاستحباب ، وفي المرسل : « إن السنّة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس » (١).

وفي الصحيح في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس قال : « لا بأس به » الحديث (٢). فتدبر.

( و ) رابعها وخامسها : ( الدعاء عند ) التوجه إليها و ( نزولها وعند الخروج منها ) بالمأثور ، ففي الصحيح : « إذا توجهت إلى منى فقل : اللهم إياك أرجو وإياك أدعو ، فبلّغني أملي وأصلح لي عملي » (٣).

وفيه : « إذا انتهيت إلى منى فقل : اللهم هذه منى ، وهذه ممّا مننت بها علينا من المناسك ، فأسألك أن تمن عليّ بما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك » (٤).

وفيه : « إذا غدوت إلى عرفة فقل وأنت متوجه إليها : اللهم إليك صمدت ، وإياك اعتمدت ، ووجهك أردت ، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي ، وتقضي لي حاجتي ، وأن تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦١ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٨ / ٥٩٨ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ١٩٣ / ٦٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٦ / ٩٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦٠ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ / ٥٩٥ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٦ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦١ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ / ٥٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٨ ح ١.

٣٣٦

( وأما الكيفية فالواجب فيها النية ) المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرباً خاصةً على الأظهر ، على ما مرّ في الطهارة ؛ أو مع الوجوب ، كما في التحرير والمنتهى (١) ؛ أو مع الكون لحج التمتع أو غيره ، حجّ الإسلام أو غيره ، كما عن التذكرة (٢) ، وهما أحوط.

وعنها وعن السرائر (٣) الإجماع على وجوبها عندنا ، خلافاً للعامة فلم يوجبوها (٤) ، والأدلة العامة عليهم حجة.

قيل : ووقتها بعد الزوال ، سواء وجب الوقوف منه إلى الغروب ، أو كفى لمسمّى ، ويجب على الأول المبادرة إليها بعد تحقّقه ، فلو أخّر أثم وأجزأ كما في الدروس (٥).

وأشار بقوله : سواء وجب الوقوف .. إلى الخلاف الآتي.

( والكون بها ) أي بعرفات اختياراً ( إلى الغروب ) المعتبر عندنا (٦) بزوال الحمرة المشرقية على ما عرفته ، فلا يجوز التأخير عنه إجماعاً ، كما في كلام جماعة (٧) ، وللمعتبرة (٨) ، وفيها الصحيح وغيره.

قيل : وما في الخلاف والمبسوط من أن وقت الوقوف فجر يوم العيد فهو مجموع الاختياري والاضطراري ، فلا يرد عليه ما في السرائر من‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٠١ ، المنتهى ٢ : ٧١٦.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧١.

(٣) السرائر ١ : ٥٨٦.

(٤) كما في المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٤٢.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٦) في « ك‍ » : هنا.

(٧) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٧١٦ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٩٤ ، والحدائق ١٦ : ٣٨٠.

(٨) انظر الوسائل ١٣ : ٥٥٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢.

٣٣٧

مخالفته الإجماع (١).

ومبدؤه من زوال الشمس يوم التاسع ، بمعنى عدم جواز تقديمه عليه بإجماع من عدا أحمد ، فإنه جعله من طلوع فجره كما في المنتهى وغيره (٢) ، وهو الظاهر من أخبارنا فعلاً وقولاً ، وعلى هذا فوقته الاختياري من الزوال إلى الغروب.

وهل يجب الاستيعاب حتى إن أخلّ به في جزء منه أثم وإن تم حجّه كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس واللمعة وشرحها (٣) ، بل صريح ثانيهما (٤) ؛ أم يكفي المسمّى ولو قليلاً كما عن السرائر (٥) ، وعن التذكرة إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازاً مع النية (٦) ، وربما يفهم هذا أيضاً عن المنتهى (٧)؟ إشكال.

وينبغي القطع بفساد القول الأول ؛ لمخالفته لما يحكى عن ظاهر الأكثر (٨) ، والمعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل وصلاة الظهرين ، ففي الصحيح الوارد في صفة حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « انتهى إلى نَمِرَة ، فضرب قبّته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد‌

__________________

(١) قال به في كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٠ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٣٧٢.

(٣) الدروس ١ : ٤١٩ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٦٩.

(٤) الروضة البهية ٢ : ٢٦٩.

(٥) السرائر ١ : ٥٨٧.

(٦) التذكرة ١ : ٣٧٢.

(٧) المنتهى ٢ : ٧١٩.

(٨) حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

٣٣٨

فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلّى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم مضى إلى الموقف ووقف فيه » (١).

وفيه : « فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنَمِرَة وهي بطن عُرنَة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلِّ الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وإنما يعجّل العصر ويجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة » الحديث (٢).

وفي الموثق كما في كلام جماعة (٣) ، بل الصحيح كما في المنتهى (٤) : « إنما يعجّل الصلاة ويجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة ، ثم يأتي الموقف وعليه السكينة الحديث » (٥).

إلى غير ذلك من النصوص.

والأحوط العمل بمقتضاها وإن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب ؛ للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه ، وعدم اشتراط شي‌ء زائد منه فيه مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة ، ودلالتها على الوجوب غير واضحة.

أما ما تضمّن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ / ١٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦١ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩ ح ١.

(٣) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٦٥٢ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ٧ : ٥٣١.

(٤) المنتهى ٢ : ٧١٨.

(٥) التهذيب ٥ : ١٨٢ / ٦١١ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٤ ح ١.

٣٣٩

الفورية ، ومع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة.

وأما ما تضمن منها فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكذلك ؛ بناءً على عدم وجوب التأسي ، وعلى تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي ، وكلامنا فيه لا في سابقه ؛ للاتفاق كما عرفت على عدمه.

( ومن لم يتمكن من الوقوف ) بها ( نهاراً أجزأه الوقوف ) بها ( ليلاً ) قليلاً ( ولو قبل الفجر ) متصلاً به إذا علم أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس ، بلا خلاف فيه على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جماعة (١) ، وفي المنتهي : إنه قول علماء الإسلام كافة (٢).

أقول : والصحاح به مع ذلك مستفيضة.

منها : في رجل أدرك الإمام بجَمْع ، فقال له : « إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلاً ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها وقد تمّ حجه » (٣) ونحوه غيره (٤).

وفي المنتهى : وجاز له أن يدفع من عرفات أيّ وقت شاء بلا خلاف ، ولا دم عليه إجماعاً (٥).

أقول : وهو ظاهر ما مرّ من الصحاح.

( ولو أفاض ) وذهب من عرفات ( قبل الغروب عامداً عالماً بالتحريم ) أثم و ( لم يبطل حجّه ) إجماعاً على الظاهر ، المصرَّح به في‌

__________________

(١) منهم : العلاّمة في التذكرة ١ : ٣٧٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٦ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٤ / ١٣٩٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٣.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٢١.

٣٤٠