رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

( ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختياراً ففي جوازه قولان ) للشيخ ، أحدهما الجواز ، كما عنه في المبسوط والخلاف (١) ، وحكي عن الجامع أيضاً (٢) ؛ لوجوه ضعيفة ، أجودها الصحيح : عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ، ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، له أن يتمتّع؟ فقال : « ما أزعم أن ذلك ليس له ، والإهلال بالحج أحبّ إليّ » (٣).

وليس نصاً في حجة الإسلام ، فيحتمل الحمل على التطوع ، سيّما مع بُعد بقاء المكي بغيرها إلى أن يخرج من مكة ويرجع إليها عادةً ، مع أن له تتمة ربما تشعر بوروده في التطوع دون الفرض ، كما أشار إليه بعض (٤).

نعم ، ربما كان في قوله : « الإهلال بالحج أحبّ إليّ » إشعار بإرادة الفرض ، بناءً على أفضلية التمتع في التطوع مطلقاً إجماعاً.

ولعلّه لذا أفتى بمضمونه جماعة ، كالشيخ في كتابي الحديث والنهاية والمبسوط (٥) ، والفاضل في التحرير والمنتهى (٦) ، وعنه وعن الماتن في المعتبر والتذكرة (٧) أيضاً ، لكن خصّوه بمورده وهو ما إذا خرج أهلها إلى بعض الأمصار ثم رجعوا فمرّوا ببعض المواقيت ، وحينئذ فليس فيه حجة على الجواز مطلقاً ، كما هو المدّعى ، هذا.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠٦ ، الخلاف ٢ : ٢٧٢.

(٢) الجامع للشرائع : ١٧٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣ / ١٠٠ ، الإستبصار ٢ : ١٥٨ / ٥١٨ ، الوسائل ١١ : ٢٦٢ أبواب أقسام الحج ب ٧ ح ١.

(٤) الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٤٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠ و٣١ ، الاستبصار ٢ : ١٥٩ ، النهاية : ٢٠٦ ، المبسوط ١ : ٣٠٨.

(٦) التحرير ٢ : ٩٣ ، المنتهى ٢ : ٦٦٤.

(٧) المعتبر ٢ : ٧٩٨ ، التذكرة ١ : ٣١٩.

١٢١

مع أن في موافقة الجماعة إشكالاً ؛ لقصور الرواية عن الصراحة في الفريضة ، بل ظهور بعض ما فيها على إرادة النافلة.

ويجاب عن القرينة المقابلة : باحتمال أن يكون وجه أحبّية الإهلال بالحج التقية ، كما أشار إليه بعض الأجلّة ، وقال : بل يجوز أن يُهلّ بالحج وينوي العمري (١) ، كما في الصحيح : « ينوي العمرة ويُهلّ بالحج » (٢) إلى غيره من الأخبار.

أقول : وكيف كان ، فلا ريب أن عدم العدول والإهلال بالحج أولى ، كما صرّحت به الرواية. وفيه خروج عن شبهة القول بالمنع مطلقاً حتى في الصورة التي وافق فيها الشيخ الجماعة ، كما هو صريح العماني كما حكي (٣) ، وظاهر الفاضل في المختلف والمقداد في الشرح (٤) ، بل كلّ من جعل ( أشبههما المنع ) مطلقاً ، من غير تفصيل بين الصورة المفروضة وغيرها.

وممّا ذكرنا ظهر وجه أشبهية المنع كذلك ، وأنه يجب القطع به في غير الصورة المزبورة. ويستظهر فيها أيضاً ، بناءً على عدم صراحة الرواية في الفريضة. والقرينة المشعرة بإرادتها مع ضعفها معارضة بمثلها ، بل أظهر منها.

وحينئذ فيكون التعارض بينها وبين الأدلة المانعة تعارض العموم والخصوص من وجه ، يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخرة ، والترجيح‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٧٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٠ / ٢٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٨ / ٥٥٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٨ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٦١.

(٤) المختلف : ٢٦١ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٣٩.

١٢٢

للمانعة بموافقة الكتاب والكثرة.

وعلى تقدير التساوي يجب الرجوع إلى الأصل ، ومقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينية ، ولا يتحقق أولا بما عدا المتعة ، للاتفاق على جوازه فتوًى وروايةً دونها ، فتركه هنا أولى ، وقد صرّحت به الرواية أيضاً كما مضى.

وعلم أن شيخنا في المسالك والروضة (١) صرّح بأن لمذهب الشيخ رواية ، بل روايات.

فإن أراد بها نحو الصحيحة ، وإلاّ فلم نقف على شي‌ء منها ، ولا أشار إليه أحد من الطائفة.

نعم ، وردت روايات بأن للمفرد بعد دخول مكة العدول إلى المتعة ، إلاّ أن ظاهر الأصحاب أنها مسألة على حدة ، وفرق بينها وبين هذه المسألة ، حيث منعوا عن العدول عنا مطلقاً أو في الجملة ، وأباحوه ثمّة من غير خلاف ، بل نقل فيها الإجماع جماعة ، كما ستعرفه.

ولعلّ وجه الفرق ما أشار إليه الفاضل المقداد بأن تلك في العدول بعد الشروع ، وهذه فيه قبله (٢).

أو ما يظهر من جماعة من أنها فيما إذا لم يتعيّن عليه الإفراد كالتطوّع والمنذور كذلك (٣). ولعلّ هذا أظهر فتوًى ، لما سيأتي إليه الإشارة ثمّة إن شاء الله سبحانه.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠١ ، الروضة ٢ : ٢٠٦.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٤٢.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٠٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٠٥ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٤٠٤.

١٢٣

( وهو ) أي العدول ( مع الاضطرار ) المتحقق بخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر ، وخوف عدوّ بعده ، وفوت الصحبة كذلك ( جائز ) على المعروف من مذهب الأصحاب من غير ظهور مخالف على الظاهر ، المصرَّح به في المدارك (١) ، وفي غيره الاتفاق عليه (٢).

قيل : للعمومات ، وفحوى ما دلّ على جواز العدول عن التمتع إليهما معه فالعدول إلى الأفضل أولى منه إلى المفضول (٣).

ولعلّ المراد بالعمومات إطلاق نحو الصحيح : عن رجل لبّى بالحج مفرداً ، ثم دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ متعة ، إلاّ أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه » (٤).

قيل : وفي الكل نظر ، وظاهر التبيان والاقتصاد والغنية والسرائر العدم. ولو قيل بتقديم العمرة على الحج للضرورة مع إفرادهما ، والإحرام بالحج من المنزل ، أو الميقات إن تمكّن منه كان أولى ؛ إذ لا نعرف دليلاً على وجوب تأخيرهم العمرة. وفي الخبر : عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ، ثم خرج إلى بلاده ، قال : « لا بأس ، وإن حج من عامة ذلك وأفراد الحج فليس عليه دم » (٥) وظاهره الإتيان بعمرة مفردة ثم حج مفرداً (٦). انتهى.

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٨٩.

(٢) انظر المفاتيح ١ : ٣٠٥ ، والحدائق ١٤ : ٣٧١.

(٣) المدارك ٧ : ١٨٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٩ / ٢٩٣ ، الإستبصار ٢ : ١٧٤ / ٥٧٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٢ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٥٣٥ / ٣ ، الوسائل ١٤ : ٣١٠ أبواب العمرة ب ٧ ح ٢.

(٦) كشف اللثام ١ : ٢٧٨.

١٢٤

ولعلّ وجه النظر في الصحيح ظهور سياقه في الفرق بين حجّي القران والإفراد في جواز العدول وعدمه مع أنهم لم يفرّقوا بينهما.

وفي الفحوى بابتنائها على ما هو المعروف بينهم من وجوب تأخير العمرة عن الحج ، ولا دليل عليه كما ذكره ، وهو حسن.

إلاّ أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب تأخيرها ، وقد مضى عن المنتهى وغيره كونه مجمعاً عليه بيننا (١) ، فيشكل المصير إلى جواز تقديمها وإن أومأت إليه الرواية التي ذكرها ، ونحوها اخرى : « أُمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيّهما بدأتم » (٢) لقصورهما سنداً ، بل ودلالةً كما لا يخفى.

( وشروطه ) أي الإفراد ثلاثة : ( النية ) كما مرّ في المتعة.

( وأن يقع في أشهر الحج ) بلا خلاف بين الأصحاب أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٣) ، معرباً عن دعوى إجماعهم عليه ، كما هو أيضاً ظاهر جماعة ، بل فيها وفي المدارك (٤) عن المعتبر أن عليه اتفاق العلماء كافة.

للعمومات كتاباً وسنّةً ، وخصوص نحو الصحيح في قول الله عزّ وجلّ : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ) (٥) : « والفرض التلبية والإشعار والتقليد ، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحج ، ولا يفرض الحج إلاّ في هذه الشهور التي قال الله عزّ وجل : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) وهو شوّال وذو القعدة وذو الحجة » الحديث (٦).

__________________

(١) راجع ص ٢٧٨٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٣١٠ / ١٥٤٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٦ أبواب العمرة ب ١ ح ٦.

(٣) الذخيرة : ٥٧٣.

(٤) المدارك ٧ : ١٩١.

(٥) البقرة : ١٩٧.

(٦) الكافي ٤ : ٢٨٩ / ٢ ، الوسائل ١١ : ٢٧١ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ٢.

١٢٥

وفي المنتهى وغيره (١) : خلافاً لأبي حنيفة وأحمد والثوري ، فأجازوا الإحرام به قبلها.

وأن يعقد إحرامه ( من الميقات ) وهو أحد الستّة الآتية وما في حكمها ( أو من دويرة أهله إن كانت أقرب ) من الميقات إلى ( عرفات ) كما هنا وفي اللمعة وعن المعتبر (٢) ، أو إلى مكة كما عليه جماعة (٣) ، تبعا لما في النصوص كما سيأتي إليه الإشارة ولا خلاف في هذا الشرط أيضا على الظاهر المصرح به في كلام جماعة (٤) وعن التذكرة الإجماع على أن أهل مكة يحرمون من منزلهم (٥) ، وفي الذخيرة : إنه المعروف من مذهب الأصحاب (٦) ، وسيأتي من الأخبار ما يدلّ عليه.

( والقارن كالمفرد ) في كيفيته وشروطه ( إلاّ أنه يضمّ إلى إحرامه سياق الهدي ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ؛ للصحاح المستفيضة ، منها : « القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت ، وسعى واحد بين الصفا والمروة ، وينبغي له أن يشترط على ربه إن لم يكن حجة فعمرة » (٧).

ومنها : « لا يكون قِران إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعى بين الصفا والمروة ، وطواف بعد‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٥ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٣١٩ ، وكشف اللثام ١ : ٢٨١.

(٢) اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢١٠ ، المعتبر ٢ : ٧٨٦.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٧ : ١٩٢ والسبزواري في الذخيرة : ٥٧٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام.

(٤) التذكرة ١ : ٣٢٢.

(٥) الذخيرة : ٥٧٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٥ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٥ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٣.

١٢٦

الحج وهو طواف النساء » (١).

ونحوه آخر ، بزيادة قوله : « كما يفعل المفرد ، وليس أفضل من المفرد إلاّ بسياق الهدي » (٢).

والتقريب فيها حصر أفعال القِران فيما ذكر فيها ، فيكون أفعال العمرة خارجة عنه ، وجعل امتياز القِران عن الإفراد بسياق الهدي خاصة ، فلا يكون غيره معتبراً.

وظاهر التذكرة والمنتهى (٣) أنه لا خلاف فيه بيننا ، إلاّ من العماني ، وفاقاً لجمهور العامة ، فزعم أن القارن يعتمر أوّلاً ، ولا يحلّ منها حتى يحلّ من الحج ، مع أنه في غيرهما عُزي إلى الجعفي والشيخ في الخلاف أيضاً (٤).

وحجتهم عليه غير واضحة ، عدا روايات استدلّ لهم بها (٥). وهي غير ظاهرة الدلالة ، كما اعترف به جماعة (٦).

نعم قيل بعد نقل القول من العماني : ونزّل عليه أخبار حجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه قدم مكة وطاف وصلّى ركعتيه وسعى ، وكذا الصحابة ، ولم يحلّ ، وأمرهم بالإحلال وقال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ولكني سقت الهدي ، وليس لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه ، وشبّك أصابعه بعضها إلى بعض ، وقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١ / ١٢٢ ، الوسائل ١١ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٢ / ١٢٣ ، الوسائل ١١ : ٢٢٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٠.

(٣) التذكرة ١ : ٣١٨ ، المنتهى ٢ : ٦٦١.

(٤) حكاه عنهما في الدروس ١ : ٣٣٠ ، وهو في الخلاف ٢ : ٢٨٢.

(٥) منها : صحيحة الحلبي ، انظر الوسائل ١١ : ٢٥٤ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٢.

(٦) منهم صاحبا المدارك ٧ : ١٩٤ ، والحدائق ١٤ : ٣٧٤.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٥ / ٧٤ ، ٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٥٠ / ٤٩٣ ، علل الشرائع : ٤١٣ / ٢ ، الوسائل ١١ : ٢٣٩ أبواب أقسام الحج ب ٣ ح ١ ، ٢.

١٢٧

والمعظم نزّلوها على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما طاف طواف الحج وسعى سعيه مقدّماً على الوقوفين ، وأمر الأصحاب بالعدول إلى العمرة وقال : دخلت العمرة في الحج أي حج التمتع ، وفقهه أن الناس لم يكونوا يعتمرون في أيام الحج ، والأخبار الناطقة بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحرم بالحج وحده كثيرة.

أقول : وجملة منها صحيحة.

ثم في كلام القيل : وممّا يصرّح بجميع ذلك : الخبر المروي في علل الصدوق ، وفيه : عن اختلاف الناس في الحج ، فبعضهم يقول : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُهلاًّ بالحج ، وقال بعضهم : مُهلاًّ بالعمرة ، وقال بعضهم : خرج قارناً ، وقال بعضهم : خرج ينتظر أمر الله عز وجل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « علم الله عز وجل أنها حجة لا يحجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدها أبداً ، فجمع الله عزّ وجلّ له ذلك كلّه في سفرة واحدة ليكون جميع ذلك سنّة لأُمته ، فلمّا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أمره جبرئيل عليه‌السلام أن يجعلها عمرة إلاّ من كان معه هدي ، فهو محبوس على هديه لا يحلّ ، لقوله عزّ وجل : ( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) فجمعت له العمرة الحج ، وكان خرج على خروج العرب الأول ، لأن العرب كانت لا تعرف إلاّ الحج ، وهو في ذلك ينتظر أمر الله عز وجل وهو عليه‌السلام يقول : الناس على أمر جاهليتهم إلاّ ما غيّره الإسلام ، وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ، [ فشقّ على أصحابه حين قال : اجعلوها عمرة ، لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج ، ] وهذا الكلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما كان في الوقت الذي أمرهم بفسخ الحج ، فقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وشبّك بين أصابعه » يعني في أشهر الحج ، قال الراوي : قلت له : أفيعتدّ بشي‌ء من الجاهلية؟

فقال : « إن أهل الجاهلية ضيّعوا كل شي‌ء من دين إبراهيم عليه‌السلام إلاّ الختان‌

١٢٨

والتزويج والحج ، فإنهم تمسّكوا بها ولم يضيّعوها » (١).

وفي الصحيح : « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهلّ بالحج وساق مائة بدنة وأحرم الناس كلّهم بالحج لا يريدون العمرة ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ، ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام واستلم الحجر ، ثم أتى زمزم فشرب منها ، وقال : لو لا أن أشقّ على أُمتي لاستقيت منها ذَنوباً أو ذَنوبين ، ثم قال : ابدءوا بما بدأ الله عزّ وجل به فأتى الصفا ثم بدأ به ، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعاً ، فلمّا قضى طوافه عند المروة قام فخطب أصحابه وأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة ، وهو شي‌ء أمر الله عزّ وجلّ به ، فأحلّ الناس وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم » الخبر (٢).

وعن الإسكافي يجمع بين النسكين بنية واحدة ، فإن ساق الهدي طاف وسعى قبل الخروج إلى عرفات ولا يتحلل ، وإن لم يسق جدّد الإحرام بعد الطوف ولا يحلّ له النساء وإن قصّر. وكأنه نزّل عليه نحو الصحيح : « أيّما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح ، إلاّ أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده ، والإشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها ، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة » (٣).

ونزّله الشيخ في التهذيب على قوله : إن لم يكن حجّة فعمرة ، قال : ويكون الفرق بينه وبين المتمتع أن المتمتع يقول هذا القول وينوي العمرة‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٤١٤ / ٣ ، ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٨ / ٦ ، علل الشرائع : ٤١٢ / ١ ، الوسائل ١١ : ٢٢٢ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢ / ١٢٤ ، الوسائل ١١ : ٢٥٤ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٢.

١٢٩

قبل الحج ، ثم يحلّ بعد ذلك ويحرم بالحج فيكون متمتعاً ، والسائق يقول هذا القول وينوي الحج ، فإن لم يتم له الحج فيجعله عمرة مقبولة. وبُعده ظاهر.

والأظهر في معناه أن القِران لا يكون إلاّ بالسياق ، أو أنه عليه‌السلام نهى عن الجمع بين الحج والعمرة وقال : إنه لا يصلح ، وأن قوله « إلاّ أن يسوق » استثناء من مقدّر ، كأنه قال : ليس القران إلاّ أن يسوق ، فإن لم يسق فليجعلها متعة ، فإنها أفضل من الإفراد ، ويدلُّ عليه قوله عليه‌السلام أول الخبر متصلاً بما ذكر : إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام وسعي واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج ». ولعلّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « بين الصفا والمروة » متعلق بالنسك ، أي إنما نسك القارن أي سعيه بين الصفا والمروة ، أو سعيه وطوافه ؛ لأن الكعبة محاذية لما بينهما ، كنسك المفرد بينهما ، وإنما عليه طوافان بالبيت وسعى واحد ، كلّ ذلك بعد الحج أي الوقوفين ، أو الطواف الثاني وهو طواف النساء بعده ، ثم صرّح عليه‌السلام بأنه لا قران بلا سياق ، أو بأن القران بين النسكين غير صالح (١). انتهى كلامه أعلى الله مقامه. وإنما نقلناه بطوله لتكفّله لتحقيق البحث كما هو ، وجودة محصوله.

واعلم أن إحرام القارن ينعقد بالتلبية والإشعار والتقليد على الأظهر الأشهر كما سيذكر.

( و ) ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف (٢) ، وربما قيل (٣)

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٧٧.

(٢) انظر المفاتيح ١ : ٣١٣.

(٣) المدارك ٧ : ١٩٥ ، الذخيرة : ٥٧٩.

١٣٠

المشهور أنه ( إذا لبّى ) وعقد إحرامه بها ( استحب له إشعار ما يسوقه من البُدن ) ولعلّه لإطلاق الأمر بهما في النصوص ، وإلاّ فلم نقف في ذلك على أمر بالخصوص.

وهو على ما ذكره الأصحاب كما في المدارك والذخيرة (١) أن ( يشقّ سنامه من الجانب الأيمن ويلطّخ صفحته بالدم ) والصحاح به مستفيضة ، إلاّ أنها خالية عن الأمر بلطخ الصفحة بالدم ، منها : عن البدنة كيف يشعرها؟

قال : « يشعرها وهي باركة ، وتنحرها وهي قائمة ، وتشعرها من الجانب الأيمن ثم تحرم إذا قلّدت أو أشعرت » (٢) هذا إذا كان معه بدنة واحدة.

( ولو كانت ) معه ( بدناً ) كثيرة ( دخل بينها وأشعرها يميناً وشمالاً ) من غير أن يرتبها ترتيباً يوجب الإشعار في اليمين ، كما في الصحيح (٣) وغيره (٤).

( و ) كما يستحب إشعارها كذا يستحب ( التقليد ) لها كما يستفاد من المعتبرة ، منها الصحيح : « البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلّدها بنعل قد صلّى فيها » (٥).

وفي القويّ : ما بال البدنة تقلّد النعل وتشعر؟ فقال : « أما النعل فتعرف أنها بدنه ويعرفها صاحبها بنعله ، وأما الإشعار فإنه يحرم ظهرها‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٩٥ ، الذخيرة : ٥٧٩.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٧ / ٤ بتفاوت ، الوسائل ١١ : ٢٧٥ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٩٧ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٢٧٦ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٨ ، الوسائل ١١ : ٢٧٩ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٦ ، الوسائل ١١ : ٢٧٨ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٧.

١٣١

على صاحبها من حيث أشعرها ، فلا يستطيع الشيطان أن يمسّها » (١).

وهو على ما يستفاد منهما ومن غيرهما ( أن يعلِّق في رقبته نعلاً قد صلى فيها ) السائق نفسه كما هو ظاهرهما ، ولا سيّما الثاني ، وأظهر منهما الصحيح : « تقلّدها نعلاً خلقاً قد صلّيت فيها » (٢).

هذا حال البُدن.

( و ) أما ( الغنم ) وكذا البقر ف ( يقلّد لا غير ) فيما ذكره الأصحاب ، قالوا : لضعفهما عن الإشعار (٣) ، وفي الصحيح : « كان الناس يقلّدون الغنم والبقر ، وإنما تركه الناس حديثاً ويقلّدون بخيط وسَيْر » (٤).

وإنما حكم الأصحاب باستحباب التقليد والإشعار مع إفادة الأمر بهما الوارد في النصوص الوجوب ؛ للأصل ، والصحيح : في رجل ساق هدياً ولم يقلّده ولم يشعره ، قال : « قد أجزأ عنه ، ما أكثر ما لا يقلّد ولا يشعر ولا يجلّل » (٥).

( ويجوز للقارن والمفرد الطواف ) إذا دخلا مكة ( قبل المضي إلى عرفات ) واجباً ومندوباً ، على الأشهر الأقوى في الأول ، ويأتي الكلام فيه في أحكام الطواف مفصّلاً.

ولا خلاف في الثاني على الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (٦) ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٨ / ٨٠٤ ، علل الشرائع : ٤٣٤ / ١ ، الوسائل ١١ : ٢٧٩ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٦ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١١.

(٣) كما في المدارك ٧ : ١٩٦ والمفاتيح ١ : ٣١٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٢ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٩. السَّيْر : ما يُقَدّ من المجلد ، والجمع : السُّيُور. لسان العرب ٤ : ٣٩٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٣ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٠.

(٦) كالتنقيح ١ : ٤٤٠ ، والحدائق ١٤ : ٣٧٦.

١٣٢

بل قيل : اتفاقاً كما في الإيضاح (١).

وفي معناه الواجب بنذر وشبهه غير طواف الحج ؛ للأصل ، والعموم ، السالمين عن المعارض.

( لكن يجدّد ان التلبية عند كلّ طواف ) عقيب صلاته ( لئلاّ يحلاّ ) كما يستفاد من الصحيح : إني أُريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ قال : « إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجَعرانة (٢) فأحرم منها بالحج » فقلت له : كيف أصنع إذا دخلت مكة ، أُقيم إلى التروية ولا أطوف بالبيت؟

قال : « تقيم عشراً لا تأتي الكعبة ، إنّ عشراً لكثير ، إنّ البيت ليس بمهجور ، ولكن إذا دخلت مكة فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة » [ فقلت له :] أليس كل من طاف وسعى فقد أحلّ؟ فقال : « إنك تعقد بالتلبية » ثم قال : « كلّما طفت طوافاً وصلّيت ركعتين فاعقد بالتلبية » (٣).

ونحوه آخر : عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : « نعم ما شاء ويجدّد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة ، يعقدان ما أحلاّ من الطواف بالتلبية » (٤) والظاهر ما ذكره الشيخ من الطواف مندوباً بعد طواف الفريضة مقدّماً على الوقوف (٥).

__________________

(١) قال به في كشف اللثام ١ : ٢٨٢ ، وهو في الإيضاح ١ : ٢٦٢.

(٢) الجَعرانة : هي بتسكين العين والتخفيف ، وقد تكسر وتشدد الراء : موضع بين مكة والطائف على سبعة أميال من مكة. مجمع البحرين ٣ : ٢٤٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٥ / ١٣٧ ، الوسائل ١١ : ٢٨٥ أبواب أقسام الحج ب ١٦ ح ١. بدل ما بين المعقوفين في النسخ : فقال ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٤ / ١٣١ ، الوسائل ١١ : ٢٨٦ أبواب أقسام الحج ب ١٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٤.

١٣٣

ونحو منهما ثالث (١).

والموثق : « من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحلّ ، أحبّ أو كره » (٢).

وأصرح منها ما رواه الفضل عن مولانا الرضا عليه‌السلام في العلل : من أنّهم أُمروا بالتمتع إلى الحج لأنه تخفيف ، إلى قوله : « وأن لا يكون الطواف محظوراً ، لأن المحرم إذا طاف بالبيت أحلّ إلاّ لعلّة ، فلولا التمتع لم يكن للحاجّ أن يطوف ، لأنه إن طاف أحلّ وأفسد إحرامه وخرج منه قبل أداء الحج » (٣).

وعليه الشيخ في المبسوط والنهاية والخلاف (٤) ، وعن الشهيد أنّ الفتوى به مشهورة ، وبه صرّح في اللمعة وشيخنا في الشرح واختاراه فيهما وفي المسالك (٥) ، ونفى عنه البأس في التنقيح وذهب إليه المحقّق الثاني (٦).

( وقيل : إنما يحلّ المفرد ) بذلك خاصة ، القائل به الشيخ في التهذيب (٧) ؛ للنصوص المستفيضة ، منها زيادةً على ما قد عرفته ممّا دلّ على أن السائق لا يحلّ ما لم يبلغ الهدي محلّه خصوص جملة من المعتبرة ، منها الصحيح : إنّ رجلاً جاء إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو خلف المقام قال : إني قرنت بين حج وعمرة ، فقال له : « هل طفت بالبيت؟

»

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٤٦ / ١٥٥٤ ، الوسائل ١١ : ٢٦٦ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٣ / ٩٢٧ ، التهذيب ٥ : ٤٤ / ١٣٢ ، الوسائل ١١ : ٢٥٥ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٥.

(٣) علل الشرائع : ٢٩٩ / ٩ ، عيون الأخبار ٢ : ١١٨ / ١ ، الوسائل ١١ : ٢٣٢ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٢٧.

(٤) المبسوط ١ : ٣١١ ، النهاية : ٢٠٨ ، انظر الخلاف ٢ : ٢٨٢.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢١٤ ، المسالك ١ : ١٠٢.

(٦) التنقيح الرائع ١ : ٤٤١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١١٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٤.

١٣٤

فقال : نعم ، قال : « هل سقت الهدي؟ » فقال : لا ، فأخذ عليه‌السلام بشعره ، ثم قال : « أحللت والله » (١).

ومنها الموثق : « من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحلّ ، أحبّ أو كره ، إلاّ من اعتمر في عامه ذلك أوساق الهدي وأشعره وقلّده » (٢).

ومنها الموثق : رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة ، فقال : « إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له » (٣).

ومنها المرسل : « ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة أحد إلاّ أحلّ ، إلاّ سائق الهدي » (٤).

وبهذه النصوص يقيد ما أطلق من الأخبار المتقدمة.

وأمّا ما صرّح فيه بتحلّل القارن كالمفرد فيمكن حمله على القارن بغير معنى السائق (٥) ، كما وقع التصريح به في الصحيح من هذه المستفيضة. ومع ذلك فهو قاصر عن المكافأة لها ؛ لكثرتها ، واعتضادها بغيرها ، دونه : ومع ذلك فهي أوفق بمقتضى الأصل الدالّ على بقاء عدم التحلل من الاستصحاب.

فهذا القول لا يخلو عن قوة ، واستظهره أيضاً في الذخيرة (٦).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٣ / ٩٢٨ ، الوسائل ١١ : ٢٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٣ / ٩٢٧ ، الوسائل ١١ : ٢٥٥ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٤ / ٩٣١ ، التهذيب ٥ : ٩٠ / ٢٩٥ ، الوسائل ١١ : ٢٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٩.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٤ / ١٣٣ ، الوسائل ١١ : ٢٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٦.

(٥) وهو القارن بين الحج والعمرة في النية.

(٦) الذخيرة : ٥٥٥.

١٣٥

( وقيل : لا يحلّ أحدهما إلاّ بالنية ، ولكن الأولى تجديد التلبية ) القائل الحلّي (١) ، وتبعه الفاضل وولده (٢) ؛ للأصل ، والاتفاق على أن القارن لا يمكنه العدول إلى التمتع والإحلال ما لم يبلغ الهدي محلّه ، وتظافر الأخبار به كما مرّ إليها الإشارة.

ولأن الإحرام عبادة لا تنفسخ إلاّ بعد الإتيان بأفعال ما أُحرم له أو ما عدل إليه وإن نوى الانفساخ ، كالمعتمر لا يحلّ ما لم يأت بطواف العمرة وسعيه ، والحاجّ ما لم يأت بالوقوفين والطوافين للحج ، وإنما الأعمال بالنيات ، فلا ينصرف الطواف المندوب إلى طواف الحج ، ولا ينقلب الحج عمرة بلا نية ، بل حج القارن لا ينقلب عمرة مع النية أيضاً.

وفي الجميع نظر ؛ لوجوب تخصيص الأصل بما مرّ. والثاني نقول بموجَبه. والثالث اجتهاد في مقابلة النص ، وتخصيصه بالمفروض من الطوافين في العمرة أو في الحج بعد الوقوفين غير ظاهر الوجه ، مع أني أجد بين الأصحاب قائلاً بالفرق بينه وبين الندب ، بل صريح التهذيب ثبوت الإحلال بالطواف من غير تلبية في الفرض (٣).

وهنا قول آخر بالتفصيل بين المفرد والقارن ، عكس الأول ، حكاه في التنقيح عن المرتضى والمفيد (٤). ولكن الموجود في غيره (٥) عنهما أنهما وكذا الديلمي والقاضي (٦) أوجبوا تجديد التلبية على القارن دون المفرد ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٢٥.

(٢) الفاضل في المختلف : ٢٦٢ ، والتذكرة ١ : ٣٦٠ ، والقواعد ١ : ٧٣ ، وولده في إيضاح الفوائد ١ : ٢٦٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٤.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٤٤١.

(٥) المختلف : ٢٦٢ ، وكشف اللثام ١ : ٢٨٢.

(٦) الديلمي في المراسم : ١٠٣ ، القاضي في المهذب ١ : ٢١٠.

١٣٦

ولم يصرّحوا بالتحلل بدونها.

ومستندهم غير واضح ، وبه صرّح في التنقيح.

قيل : وكأنهم استندوا إلى أن انقلاب حج المفرد إلى العمرة جائز ، دون حج القارن ؛ وأن الطواف المندوب قبل الموقفين يوجب الإحلال إن لم يجدّد التلبية بعده ، فالمفرد لا بأس عليه إن لم يجدّدها ، فإنّ غاية أمره انقلاب حجته عمرة ، وهو جائز ، خلاف القارن ، فإنه إن لم يجدّدها لزم انقلاب حجه عمرة ولا يجوز (١). انتهى.

وهو مبني على القول الأول من تحلل القارن والمفرد بترك التلبية ، وأما على المختار من عدم تحلّل القارن بذلك فينبغي أن لا يجب عليه التلبية ، ولا على المفرد أيضاً حيث لا يتعيّن عليه الإفراد. وما يحكى عن الشيخ وغيره (٢) من وجوب التلبية لعلّه مخصوص بالصورة الأُولى ، وإلاّ فلم أعرف للوجوب وجهاً.

وربما يظهر من عبارة القيل عدم خلاف بينهم في أن بالتحلل ينقلب الحج عمرة ، كما نقل التصريح به عن المبسوط والنهاية (٣) ، وفي المسالك عن جماعة (٤) ، وفي المدارك إنه ليس في الروايات عليه دلالة (٥) ، وهو كذلك.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٨٣.

(٢) الشيخ في النهاية : ٢٠٨ ، المفيد في المقنعة : ٣٩١ ، سلاّر في المراسم : ١٠٣ ؛ وحكاه عنهم في المهذب البارع ٢ : ١٥٤.

(٣) المبسوط ١ : ٣١١ ، النهاية : ٢٠٨.

(٤) المسالك ١ : ١٠٢.

(٥) المدارك ٧ : ٢٠١.

١٣٧

نعم ، في الموثق السابق : « إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له » ومفهومه أنه إن لم يكن لبّى له متعة. وهو نصّ في أن له المتعة مع النية ، أما بدونها بحيث يحصل الانقلاب إلى العمرة قهراً كما هو ظاهر الجماعة فغير مفهوم من الرواية.

( ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول بالحج إلى المتعة ) إذا لم يتعيّن عليه ، بلا خلاف بيننا أجده ، بل عليه إجماعنا في ظاهر عبائر جماعة (١) ، وصريح الخلاف والمعتبر والمنتهى (٢) ؛ للمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : عن رجل لبّى بالحج مفرداً ثم دخل مكة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ وليجعلها متعة ، إلاّ أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه » (٣).

وإطلاقه كغيره يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان في نيته العدول حين الإحرام وعدمه ، والثاني ظاهر الصحيح وغيره ، والأول صريح الموثق والصحيح المروي في الكشّي عن عبد الله بن زرارة ، وفيه : « وعليك بالحج أن تهلّ بالإفراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما أهللت به ، وقلّبت الحج عمرة ، وأحللت إلى يوم التروية ، ثم استأنف الإهلال بالحج مفرداً إلى منى » إلى أن قال : « فكذلك حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهكذا أمر أصحابه أن يفعلوا أن يفسخوا ما أهلّوا به ويقلّبوا الحج عمرة » ‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٠٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٥٤ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٣٩٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٨٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٦٩ ، المعتبر ٢ : ٧٩٧ ، المنتهى ٢ : ٦٦٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٩ / ٢٩٣ ، الإستبصار ٢ : ١٧٤ / ٥٧٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٢ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٥.

١٣٨

الحديث (١).

ومنه يظهر فساد ما عن الإسكافي من اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة (٢).

وقريب منه ما في المدارك من تخصيص الحكم بما إذا لم يكن في نيّته العدول حين الإحرام (٣).

ويستفاد من قوله عليه‌السلام : « وكذلك حجّ رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله » جواز الاستناد لإثبات هذا الحكم بالأخبار المتظافرة بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالعدول ، كما فعله جماعة (٤).

ولكن أُورد عليه بأنها ليست من محل البحث في شي‌ء ؛ فإن الظاهر منها أن هذا العدول على سبيل الوجوب ، حيث أنه نزل جبرئيل عليه‌السلام بوجوب التمتع على أهل الآفاق ، ومبدأ النزول كان فراغه من السعي ، ونزلت الآية في ذلك المقام بذلك ، فأمرهم بجعل ما طافوا وسعوا عمرة حيث إن جملة من كان معه من أهل الآفاق وأن يحلّوا ويتمتعوا بها إلى الحج ، فهو ليس ممّا نحن فيه من جواز العدول وعدمه في شي‌ء (٥).

ويمكن الجواب عنه بأن أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع أصحابه بذلك أوضح دليل على ذلك ؛ للقطع بأن منهم من أدّى الواجب عليه من فريضة حج الإسلام‌

__________________

(١) رجال الكشي ١ : ٣٤٩ / ٢٢١ ، الوسائل ١١ : ٢٥٧ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ١١.

(٢) نقله عنه في الدروس ١ : ٣٣٣.

(٣) المدارك ٧ : ٢٠٥.

(٤) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٤٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٢ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢٠٤.

(٥) الحدائق ١٤ : ٤٠٢.

١٣٩

قبل ذلك العام ، فيكون حجّه فيه مندوباً ، فعدوله المأمور به من محل البحث وإن كان فيهم أيضاً من وجب عليه الحج في ذلك العام ؛ فإنّ دخوله فيها غير قادح بعد شمولها لما هو من محل البحث.

وحيث قد عرفت شمولها لمن وجب عليه حجّ الإفراد اتّضح وجه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من أن تخصيص الحكم بمن لم يتعيّن عليه الإفراد بعيد عن ظاهر النص (١) ، وذلك فإنّ ممن صحبه عليه‌السلام ذلك العام كان قد وجب عليه حج الإفراد فأحرم له ، كما هو الفرض ، وقد أُمر بالعدول ، ولا يكاد يظهر فرق بينه وبين سائر من وجب عليه من أهل مكة وغيرهم ، لاشتراكهم قبل نزول التمتع في كون الواجب عليهم حج الإفراد.

اللهم إلاّ أن يقال : إن الأخبار الدالة على أن فرض أهل مكة الإفراد تعمّ محل النزاع ، فيشكل الخروج عنها بمجرّد أخبار المسألة :

أمّا المعتبرة المستفيضة منها فلأنها أيضاً عامة ، والتعارض بينها وبين تلك الأخبار تعارض العموم والخصوص من وجه ، يمكن تخصيص كلّ منهما بالأُخرى ، وحيث لا ترجيح فالأخذ بالمتيقن واجب.

وأما الأخبار بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلأنها لا عموم لها تشمل محل البحث صريحاً ؛ لأنها قضية في واقعة ، فيجب الأخذ بالمتيقن منها ، وليس إلاّ من وجب عليه الحج وهو ناءٍ ، وهو غير من وجب عليه وهو حاضر ، وعدم ظهور الفرق غير ظهور عدم الفرق ، وهو المعتبر دون الأول.

فإذاً الأولى والأحوط الاقتصار في العدول على من لم يتعيّن عليه الإفراد بنذر وشبهه ، كما عليه جماعة.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٢.

١٤٠