رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

تقبل النيابة ، ولا تبرأ الذمة عنها بيقين ما لم يواقعها بنفسه أو بنائبه ، وكما يجب تحريك اللسان للتلبية يجب التلفظ بها ليوقع الأول بنفسه والثاني بنابه ، ولا دلالة لكلامه ولا للخبر على الاجتزاء بالتلبية عنه وعدم وجوب الإشارة ليخالف الخبر الأول وعمل الأصحاب به ، بل الأولى الجمع بين الأمرين. ولا ينافيه قوله أوّلاً : يجزئه تحريك لسانه إلى آخره ، فلعلّه أراد أنه يجزئه فيما يلزمه مباشرته ، فلا يرد عليه ما في المختلف من أنه يشعر بعدم وجوب التلبية عليه ، وأنه يجزئه النيابة مع أنه متمكن من الإتيان بها على الهيئة الواجبة عليه مباشرة ، فكيف يجوز له فيها الاستنابة (١). انتهى.

وفيما ذكر جملة مناقشة :

أما الرواية فمع عدم وضوح سندها ومخالفتها لما عليه الأصحاب هنا غير واضحة الدلالة ؛ لكونها قضية في واقعة ، فيحتمل الورود في غير مفروض المسألة ، بل لعلّه الظاهر ، فإن الظاهر ممن لا يحسن نحو الأعجمي الغير القادر على التكلم بالعربية ، دون الأخرس ، فإنه غير قادر على التلبية ، لا غير محسن لها.

ويميل إلى هذه الرواية في الأعجمي الشهيد حيث قال : ولو تعذر عليه التلبية ففي ترجمتها نظر ، وروى أن غيره يلبّي عنه (٢).

والظاهر أن مراده من الرواية هذه ، وإلاّ فلم نجد غيرها وارداً في خصوص الأعجمي ، وهو مؤيد لما ذكرنا من أنه المفهوم من الرواية ، ومع ذلك فتحتمل هي وكلام الإسكافي الاختصاص بالأخرس الذي لا يتمكن من الإشارة ، كالأصمّ الأبكم الذي لم يسمع التلبية ولا يمكن تعريفها له‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣١٤.

(٢) الدروس ١ : ٣٤٧.

٢٢١

بالكلية.

وأما قبول أفعال الحجّ النيابة فعلى تقدير تسليمه كليّةً إنما هو مع العجز عن المباشرة ، ولا عجز عنها بعد ورود النص المعتبر المتفق عليه بكفاية تلبيته بتحريك اللسان والإشارة.

وإلحاق التلفظ بها بتحريك اللسان فيجب الإتيان به ولو نيابةً قياس ؛ لأن وجوب الأصل إنما هو للنص عليه بالخصوص أو العموم ، ولا شي‌ء منهما في الفرع بموجود ، لفقد الخصوص ، بناءً على ما مرّ من ضعف دلالة الخبر على الحكم في محل البحث ، وكذا العموم ، لأنه حديث الميسور (١) ، والمراد به جزء المامور به الذى الأصل فيه المباشره عرفا ولغه وتلفظ الغير ليس بجزء حتى يكون ميسوراً من المأمور به ، وإنما الميسور منه هنا تحريك اللسان وعقد القلب خاصة.

ودعوى عدم المنافاة بين الخبرين والكلامين مكابرة ، بل المنافاة سيّما بين الخبرين ؛ لظهور كلّ منهما ولا سيّما الأول بإجزاء ما فيه عن الفرض مطلقاً.

وكيف كان ، فما عليه الأصحاب أقوى وإن كان الجمع بين الأمرين أحوط وأولى.

( الثالث : لبس ثوبي الإحرام ، وهما واجبان ) بغير خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة (٢) ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه ، كما في صريح التحرير وغيره (٣) ، بل في المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً (٤).

__________________

(١) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(٢) منهم : السبزواري في الكفاية : ٥٨ ، والذخيرة : ٥٨٠.

(٣) التحرير ١ : ٩٦ ؛ والمفاتيح ١ : ٣١٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٨١.

٢٢٢

والأصل فيه بعده التأسي ، والصحاح المستفيضة المتضمنة للأمر به (١). وضعف دلالته على الوجوب فيها لكونه من الأئمّة عليهم‌السلام ، ووروده في سياق الأوامر المستحبة مجبور بالإجماع عموماً وخصوصاً كما عرفته.

وما يقال على الأول من أن اللبس من العادات التي لم يثبت كونه من العبادات ، فيه ما فيه ؛ فإن الاستمرار على مثل هذا النوع من اللبس ، والتجرد من المخيط في الوقت ، ممّا يقطع بكونه من العبادات ، فتأمل.

وهل هو شرط في صحة الإحرام حتى لو أحرم عارياً أو لابساً مخيطاً لم ينعقد ، كما عن ظاهر الإسكافي (٢) ؛ أم لا ، بل يترتب عليه الإثم خاصة ، كما صرّح به من المتأخرين جماعة (٣)؟

ظاهر الأصحاب كما ذكره الشهيد العدم (٤) ، قال : لأنهم قالوا : لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه ، ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقه وإخراجه من تحت ، كما هو مروي (٥).

ويضعف : بأن كلامهم هذا قد يدل على عدم الانعقاد ، فإن الشق والإخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس ، فلعلّهم لم يوجبوه في الأول لعدم الانعقاد.

وفيه نظر ؛ لبعد الاحتمال ، إذ لو كان لعدم الانعقاد للزمهم التصريح‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٦٤.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٢ : ٢٣٢ ، وصاحب المدارك ٧ : ٢٧٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٨٠.

(٤) الدروس ١ : ٣٤٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٨ أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٢.

٢٢٣

كي لا يتوهم الخلاف ، سيّما وأنه ظاهر جملة من النصوص الدالّة على هذا الحكم :

منها : الخبر فيمن أحرم في قميصه وهو ينتف شعره ويضرب وجهه بعد ما لامه الناس وقالوا له : عليك بدنة والحجّ من قابل وحجك فاسد ، فدنا من مولانا الصادق عليه‌السلام ، فقال له عليه‌السلام : « اسكن يا عبد الله ، ما تقول؟ » قال : كنت رجلاً أعمل بيدي ، فاجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ لم أسأل أحداً عن شي‌ء ، فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي وأن حجي فاسد وأن عليّ بدنة ، فقال عليه‌السلام : « متى لبست قميصك ، أبعد ما لبّيت أم قبل؟ » قال : قبل أن أُلبّي ، قال : « فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك حجّ من قابل ، أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي‌ء عليه ، طُف بالبيت سبعاً ، وصلّ عند مقام إبراهيم ، واسعَ بين الصفا والمروة ، وقصّر من شعرك ، فاذا كان يوم التروية فاغتسل وأهلّ بالحجّ واصنع كما يصنع الناس » (١).

وقريب منه آخر (٢).

وفرقهما بين الجهل والعمد الظاهر أنه إنما هو بالإضافة إلى نفي الكفارة ، وإلاّ فالجهل ليس عذراً لصحة العبادة مع المخالفة وعدم المطابقة ، فتأمل.

هذا ، ويؤيد عدم الاشتراط إطلاق ما مرّ من الصحاح من أن الإحرام ينعقد بالتلبية وما في معناه ، وأنه عبارة عنها ، فتدبر.

والمراد بالثوبين الإزار والرداء بلا إشكال فيه ، ولا في كون المعتبر من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٨ أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٨ / ٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٩ أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٤.

٢٢٤

الأول ما يستر العورة وما بين الركبتين إلى السرّة ، ومن الثاني ما يوضع على المنكبين ، كما في صريح المسالك وظاهر غيره (١) ، ويستفاد من النصوص.

ففي الصحيح : « والتجرد في إزار ورداء أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء » (٢).

وفي التوقيع المروي في الاحتجاج ، عن مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه : « جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثاً بمقراض ولا إبرة يخرجه عن حدّ المئزر وغرزه غرزاً (٣) ، ولم يعقده ولم يشدّ بعضه ببعض ، وإذا غطّى السرة والركبتين كليهما ، فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين ، والأحب إلينا والأكمل لكل أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة [ للناس ] جميعاً إن شاء الله تعالى » (٤).

وما فيه من النهي عن عقد الإزار الأحوط مراعاته ، فقد ورد في غيره كالقولي ، أو الصحيح كما قيل ـ : نهى عن عقده في عنقه (٥).

والمروي في قرب الإسناد : « المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنّيه على عنقه ولا يعقده » (٦).

وحكي عن الفاضل والشهيد في الدروس وغيرهما (٧).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٧ ؛ وانظر الروضة ٢ : ٢٣٣ والمدارك ٧ : ٢٧٤.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٩ / ٧ ، الوسائل ١١ : ٢٢٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٥.

(٣) غَرَز الإبرة في الشي‌ء : أدخلها. لسان العرب ٥ : ٣٨٦.

(٤) الاحتجاج : ٤٨٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ٣ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ١.

(٦) قرب الإسناد : ٢٤١ / ٩٥٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٣ أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ٥.

(٧) حكاه عنهم السبزواري في الذخيرة : ٥٨٠.

٢٢٥

ولم أقف في كيفية لبس الرداء على نصّ ، وظاهر الأصحاب عدم الخلاف في جواز الارتداء به (١) ، وزاد جمع جواز التوشح (٢) ، كشيخنا في المسالك ، نافياً الإشكال عنه (٣) ، ولا بأس به ، عملاً بالإطلاق.

والظاهر أنه لا يجب استدامة اللبس ، كما صرّح به جماعة (٤) ؛ لصدق الامتثال ، وعدم دليل على وجوب الاستمرار.

( والمعتبر ) منهما ( ما يصح الصلاة فيه للرجل ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير والمنتهى والقواعد واللمعتين والمسالك (٥) ، وعن المبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والاقتصاد والكافي والغنية والمراسم (٦) ، وفي الكفاية : إنه المعروف بين الأصحاب (٧) ، معرباً عن عدم خلاف فيه ، كما صرّح به في المفاتيح (٨) ، وهو ظاهر المنتهى وغيره (٩) ممن ديدنهم نقل الخلاف حيث كان ، ولم ينقلوه هنا.

فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فمستنده من النصّ غير واضح ، عدا الصحيح‌

__________________

(١) أي جَعْله على المنكبين.

(٢) أي جَعْله على منكب واحد كما عن الشهيد في بعض حواشيه. وعن جماعة من أهل اللغة أنه إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر. ( منه رحمه الله ).

(٣) المسالك ١ : ١٠٧.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٧٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٨٠ ، والكفاية : ٥٨٠.

(٥) الشرائع ١ : ٢٤٦ ، التحرير ١ : ٠٦ ، المنتهى ٢ : ٦٨١ ، القواعد ١ : ٨٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٣١ ، المسالك ١ : ١٠٧.

(٦) المبسوط ١ : ٣١٩ ، النهاية : ٢١٧ ، مصباح المتهجد : ٦١٨ ، الاقتصاد : ٣٠١ ، الكافي في الفقه : ٢٠٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، المراسم : ١٠٨.

(٧) كفاية الأحكام : ٥٨.

(٨) مفاتيح الشرائع ١ : ٣١٧.

(٩) المنتهى ٢ : ٦٨١ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٨١ ، وكشف اللثام ١ : ٣١٥ ، والحدائق ١٥ : ٨١.

٢٢٦

« كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه » (١).

وهو بعد تسليمه لا يدل على الحرمة صريحاً ؛ لأعمية البأس المفهوم منها ومن الكراهة ، لو سلّم فلم يفهم منه العموم ، وخصوصاً إن الجلود لا تدخل في الثوب عرفاً فلا يجوز الإحرام فيها مطلقاً.

نعم ، لا شبهة في حرمة لبس المغصوب والميتة مطلقاً ، والحرير للرجل. ويحتمل حرمة النجس ؛ لفحوى الصحيح : عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة ، قال : « لا يلبسه حتى يغسله ، وإحرامه تامّ » (٢).

وأما سائر ما يشترط في ثوب الصلاة من عدم كونه مما لا يؤكل لحمه ولا شافاً فلا أعرف عليه دليلاً سوى الاتفاق المستشعر مما مرّ ، مع أن المحكي عن كثير من الأصحاب أنهم لم يتعرضوا لذلك كالشيخ في الجمل وابني إدريس وسعيد ، ولم يذكر المرتضى في الجمل سوى الحرير ، فقال : ولا يحرم في إبريسم (٣). وابن حمزة سوى النجس (٤). وقال المفيد : ولا يحرم في ديباج ولا حرير ولا خزّ مغشوش بوبر الأرانب والثعالب (٥).

فالتعدي مشكل ، سيّما بعد الأصل وإن كان أحوط.

واعلم أنه يحرم على المحرم لبس المخيط كما سيأتي ، وعليه الإجماع في المنتهى هنا (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٩ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٧ ح ١.

(٣) رسائل المرتضى ٣ ) : ٦٦.

(٤) الوسيلة : ١٦٣.

(٥) المقنعة : ٣٩٦.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٨١.

٢٢٧

( و ) عليه فلا ( يجوز ) له ( أن يلبس القباء ) إلاّ ( مع عدمهما ) أي ثوبي الإحرام ( مقلوباً ) بلا خلاف فيه في الجملة ، وعلى الظاهر ، المصرح به في عبائر جماعة (١) ، بل قيل : بالإجماع (٢) ، والمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : « إذا اضطر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره فيلبسه مقلوباً ولا يدخل يديه في يدي القباء » (٣).

والصحيح : « وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه » (٤).

والصحيح المروي في آخر السرائر عن جامع البزنطي : « من اضطرّ إلى ثوب وهو محرم وليس له إلاّ قباء فلينكّسه ويجعل أعلاه أسفله وليلبسه » (٥) ونحوه الحسن (٦).

ويستفاد من هذه الأخبار عدا الأول أن المراد من القلب هو النكس ، وبه صرّح جمع ، ومنهم الحلّي مبالغاً فيه (٧).

خلافاً لظاهر إطلاق المتن ، والمحكي عن النهاية والمبسوط والمهذّب والوسيلة وغيرها (٨) ، فالتخيير بينه وبين قلب ظهره لباطنه ، وبه‌

__________________

(١) منهم : المجلسي في مرآة العقول ١٧ : ٢٩٥ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٩١.

(٢) المفاتيح ١ : ٣١٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٩ بتفاوت ، الوسائل ١٢ : ٤٨٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٢.

(٥) مستطرفات السرائر : ٣٣ / ٣٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٨.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٧ / ٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٣.

(٧) السرائر ١ : ٥٤٣.

(٨) النهاية : ٢١٨ ، المبسوط ١ : ٣٢٠ ، المهذب ١ : ٢١٢ ، الوسيلة : ١٦٢ ؛ وانظر الإرشاد ١ : ٣١٦.

٢٢٨

صرّح من المتأخرين كثير ، ومنهم الفاضل في المنتهى والمختلف (١) ؛ جمعاً بينها وبين ظاهر الأول وغيره ، وصريح الخبر ، بل الصحيح كما قيل (٢) ـ : « ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ويقلب ظهره لباطنه » (٣).

وليس بذلك البعيد وإن كان الأول أولى وأحوط ؛ لكثرة ما دلّ عليه وصحته وصراحته ، مضافاً إلى نقل الإجماع في المسالك على إجزائه (٤).

والجمع بينهما أكمل ، كما صرّح به جمع (٥).

وظاهر أكثر النصوص اشتراط فقد الثوبين معاً ، كما هو صريح المتن وكثير ، حتى جعل مشهوراً بين القدماء ، بل الفتاوي كلّها ، عدا الشهيدين ، فاكتفيا بفقد الرداء خاصّة ؛ للصحيح الثاني والأخير ، وزاد ثانيهما فقال : أو أحدهما (٦). ولم نجد له مستنداً ، وما عليه الأكثر أحوط وأولى.

وفي اشتراط الاضطرار كما في أكثر النصوص ، أو العدم كما في الباقي ، وجهان. أحوطهما الأول ؛ اقتصاراً في الرخصة على المتيقن ، مضافاً إلى التأيد بالشرط وإن لم يصلح سنداً ، لاحتمال وروده كالإطلاق مورد الغالب ، وهو الاضطرار ، فلا ينصرفان إلى غيره.

ثم ظاهر النصوص والفتاوي أنه ليس بذلك فداء ، إلاّ إذا أدخل اليدين في الكمّين فكما إذا لبس مخيطاً. وبه صرّح جماعة من أصحابنا ، كالفاضل‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨٣ ، المختلف : ٢٦٨.

(٢) الحدائق ١٥ : ٩٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٧.

(٤) المسالك ١ : ١٠٧.

(٥) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٦١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٧ ، والروضة البهية ٢ : ٢٣٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٢٢١.

(٦) اللمعة و ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٣٢ ، والمسالك ١ : ١٠٧.

٢٢٩

في التحرير والتذكرة والمنتهى (١) ، والفاضل المقداد في التنقيح (٢) ، وغيرهما (٣) ، ونفي الخلاف عنه إذا توشّح به في الخلاف (٤).

( وفي جواز لبس الحرير ) المحض ( للمرأة روايتان ، أشهرهما المنع ) وهو مستفيض :

منها الصحيح : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقُفّازَين » (٥).

والصحيح المروي عن جامع البزنطي : عن المتمتع كم يجزيه؟ قال : « شاة » وعن المرأة تلبس الحرير؟ قال : « لا » (٦).

وعليه الشيخ والصدوق (٧) ، ويوافقه إطلاق عبارتي المفيد والمرتضى المتقدّمتين (٨).

خلافاً للمفيد في كتاب أحكام النساء والحلّي وأكثر المتأخرين (٩) ،

__________________

(١) التحرير ١ : ٩٦ ، التذكرة ١ : ٣٢٦ ، المنتهى ٢ : ٦٨٣.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٦١.

(٣) انظر جامع المقاصد ٣ : ١٦٨ والروضة البهية ٢ : ٢٣٣ ، وكشف اللثام ١ : ٣١٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٩٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٨ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٩. القفاز بالضم والتشديد شي‌ء يعمل لليدين ويمشي بقطن وتكون له أزرار تلبسه المرأة من نساء العرب تتوقى به من البرد. مجمع البحرين ٤ : ٣١.

(٦) مستطرفات السرائر : ٣٣ / ٣٦ ، ٣٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٨ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٨.

(٧) الشيخ في النهاية : ٢١٨ ، الصدوق في المقنع : ٧٢.

(٨) في ص : ٢٨٨١.

(٩) أحكام النساء ( مصنّفات الشيخ المفيد ٩ ) : ٣٥٠ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٣١ ؛ ومن المتأخرين : العلامة في المختلف : ٢٦٦ والإرشاد ١ : ٣١٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٦٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٨١.

٢٣٠

فالجواز مع الكراهة ؛ أخذاً بالأصل ، والرواية الثانية ، وهي الصحيح : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ فقال : « نعم لا بأس به » (١).

والخبر : عن المحرمة أيّ شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال : « تلبس الثياب كلّها إلاّ المصبوغة بالزعفران والورَس ، ولا تلبس القُفّازَين » (٢).

والأول مخصِّص بما مرّ من الأدلة. والصحيحة غير صريحة في المحرمة. والخبر ضعيف السند والدلالة ؛ لقبوله التخصيص بما عدا الحرير ، كما وقع التصريح به في آخر ، وفيه : ما يحلّ للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ فقال : « الثياب كلّها ما خلا القفّازَين والبرقع والحرير » الحديث (٣).

وهو أولى من الجمع بالكراهة حيثما حصل بينهما معارضة ، كما مرّ غير مرة.

وأما الاستدلال على الجواز بالصحيحة المتقدّمة (٤) : « كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه » والأخبار المعتبرة (٥) المتضمنة للفظ « لا يصلح » أو « لا ينبغي » أو الكراهة الظاهرة فيها بالمعنى المصطلح عليه الآن ، ففيه ما فيه :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٦ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٦ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٢. الوَرس : صبغ يتخذ منه الحمرة للوجه ، وهو نبات كالسمسم ليس إلاّ باليمن. مجمع البحرين ٤ : ١٢١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ / ٢٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٧ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٣.

(٤) في ص : ٢٨٨٠.

(٥) انظر الوسائل ٤ : ٣٦٧ أبواب لباس المصلي ب ١١.

٢٣١

لأن الخطاب في الصحيح إلى الرجل حتماً أو احتمالاً متساوياً ، وهو غير ما نحن فيه. هذا على القول بجواز صلاة المرأة في الحرير ، وإلاّ فالاستدلال ساقط من أصله.

والألفاظ المزبورة كثيرة الورود في الأخبار للحرمة ، ولذا كانت فيها أعم منها ومن الكراهة.

لكن الإنصاف أن الصحيحة الأُولى ظاهرة الورود في المحرمة ، لا يقصر ظهورها عن ظهور النهي في الحرمة. فالمسألة محل إشكال وشبهة ، ولكن المنع أحوط بلا شبهة.

( ويجوز أن يلبس أكثر من ثوبين ) إن شاء يتّقي بها الحر والبرد ، كما في الصحيح (١) ، وفي آخر : « لا بأس إذا كانت طاهرة » (٢).

( وأن يبدّل ثياب إحرامه ) كما في الصحيحين (٣) وغيرهما (٤).

( و ) لكن ( لا يطوف إلاّ فيهما ) كما في أحدهما ، وظاهر الأمر فيه الوجوب ، قيل : وقد يوهمه عبارات الشيخ وجماعة (٥) ، إلاّ أن ظاهر المتأخرين الاتفاق على كون ذلك ( استحباباً ) قيل : للأصل ، وعدم نصوصية الخبر في الوجوب (٦). وفيه لولا الاتفاق نظر.

ولا خلاف أجده في شي‌ء من هذه الأحكام ، وبه صرّح في الأول‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٣٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٢ أبواب الإحرام ب ٣٠ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٠ / ٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٣ أبواب الإحرام ب ٣٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ / ١٠٠٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٣ أبواب الإحرام ب ٣١ ح ١ ، ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٦٤ أبواب الإحرام ب ٣١ ح ٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣١٥.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣١٥.

٢٣٢

بعض الأصحاب (١).

( والندب : رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا عَلَت راحلته البيداء ) وهو على ميل من ذي الحليفة ، على ما في التحرير والمنتهى (٢) ، وعن السرائر والتذكرة (٣) ( إن حجّ على طريق المدينة ، وإن كان راجلاً فحيث يحرم ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد والتحرير والمنتهى والروضة والمسالك (٤) ، وغيرها (٥) ، وعن الشيخ وابن حمزة (٦) ، لكنهما لم يذكرا الجهر ، بل نفس التلبية.

للصحيح (٧). وبه جمع الشيخ (٨) بين الأخبار الآمرة بالتأخير إلى البيداء بقول مطلق ، وما دلّ على جواز التلبية من المسجد كذلك من الموثق وغيره (٩) ، بحمل الأوّلة على الراكب ، والأخيرين على غيره.

وفيه : أن من جملة الأوّلة ما صرّح بالعموم ، كالصحيح : « صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة [ واخرج ] بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك ، فاذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبِّ » (١٠).

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٣١٧.

(٢) التحرير ١ : ٩٦ ، المنتهى ٢ : ٦٧٩.

(٣) السرائر ١ : ٥٣٥ ، التذكرة ١ : ٣٢٧.

(٤) الشرائع ١ : ٢٤٨ ، القواعد ١ : ٨٠ ، التحرير ١ : ٩٦ ، المنتهى ٢ : ٦٧٩ ، الروضة ٢ : ٢٣٣ ، المسالك ١ : ١٠٨.

(٥) انظر التذكرة ١ : ٣٢٧.

(٦) الشيخ في التهذيب ٥ : ٨٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦١.

(٧) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ / ٥٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٩ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ١.

(٨) التهذيب ٥ : ٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠.

(٩) الوسائل ١٢ : ٣٦٩ أبواب الإحرام ب ٣٤ ، وص ٣٧٢ ب ٣٥ من تلك الأبواب.

(١٠) الكافي ٤ : ٣٣٤ / ١٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٦ ما بين المعقوفين في النسخ : أحرم ، وما أثبتناه من المصادر.

٢٣٣

وحكي العمل بها عن جملة من القدماء ، كالشيخ في أحد قوليه والقاضي والصدوق والحلّي (١).

لكن القاضي لم يذكر الجهر ، بل نفس التلبية ، أخذاً بظاهر الأخبار المطلقة.

والصدوق والحلّي استحبّا الإسرار بها قبل البيداء والجهر فيها ، وهو ظاهر العبارة وما ضاهاها.

والظاهر أنه لاعتبار المقارنة عندهم ؛ أخذاً بما دلّ على عدم جواز التجاوز عن الوقت بغير إحرام ، فحملوا الأخبار على الإجهار.

وبذلك صرّح في المنتهى هنا ، حيث قال بعد الحكم باستحباب الإجهار : وهذا يكون بعد التلبية سرّاً في الميقات الذي هو ذو الحليفة ؛ لأن الإحرام لا ينعقد إلاّ بالتلبية ، ولا يجوز مجاوزة الميقات إلاّ محرماً (٢).

ونحو الفاضل المقداد في التنقيح (٣).

ورجّحه في المسالك ، قال : فتكون هذه التلبية غير التي يعقد بها الإحرام في المسجد (٤).

أقول : ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ؛ فإن من الصحاح ما لا يقبل الحمل على الجهر إلاّ بتكلّف بعيد كما مرّ.

ولو حجّ من غير طريق المدينة لبّى من موضعه إن شاء ، وإن مشى‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ١ : ٣١٦ ، القاضي في المهذب ١ : ٢١٦ ، الصدوق في الهداية : ٥٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٣٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٧٩.

(٣) التنقيح ١ : ٤٥٩.

(٤) المسالك ١ : ١٠٨.

٢٣٤

خطوات ثم لبّى كان أفضل ، كما في التحرير والمنتهى والمسالك (١) ، وغيرها (٢) ؛ للصحاح المتضمنة للأمر بالتلبية بعد المشي خطوات (٣).

وحملت على الأفضلية ؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز حيث شاء.

( ولو أحرم من مكّة رفع بها ) صوته ( إذا أشرف على الأبطح ) للصحيح : « فأحرم بالحجّ ، وعليك السكينة والوقار ، فاذا انتهيت إلى الرَّقطاء دون الرَّدم فلبِّ ، فاذا انتهيت إلى الرَّدم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى » (٤).

وحمل على الفضل ؛ للآخر : « وإن أهللت من المسجد الحرام بالحجّ فإن شئت لبّيت خلف المقام ، وأفضل ذلك أن تمشي حتى تأتي الرَّقطاء وتلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح » (٥).

وإطلاقهما كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الراكب والماشي.

خلافاً للشيخ فيلبّي الماشي من الموضع الذي يصلّي فيه ، والراكب يلبّي عند الرَّقطاء وعند شعب الدب (٦) ؛ للخبر (٧). وفيه ضعف سنداً‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٩٦ ، المنتهى ٢ : ٦٧٩ ، المسالك ١ : ١٠٧.

(٢) انظر السرائر ١ : ٥٣٦ ، والجامع للشرائع : ١٨٣ ، وجامع المقاصد ٣ : ١٧٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١. الرَّدم بمكّة وهو حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم ، والرقطاء موضع دون الردم ويسمى المدعى. راجع مجمع البحرين ٤ : ٢٤٩ ، ٦ : ٧١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٦ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ١.

(٦) انظر التهذيب ٥ : ١٦٨.

(٧) التهذيب ٥ : ١٦٩ / ٥٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ / ٨٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٧ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ٢.

٢٣٥

ودلالةً.

ثم المستفاد من الرواية الأُولى تأخير التلبية إلى الرقطاء دون الرَّدم فيلبّي سراً ، ثم إذا أشرف على الأبطح جهر بها ، وهو نصّ في عدم اعتبار المقارنة.

وحكي التصريح بمضمونها بعينه عن الصدوق في الهداية (١) ، مع أنه نقل عنه سابقاً اعتبار المقارنة. وهو مناقضة ، إلاّ أن يكون لم يعتبرها هنا واعتبرها ثمة ، كما هو ظاهر المحكي عن السرائر والمنتهى والتذكرة (٢) ، حيث إنهم عبّروا عن المستحب هنا بما حكي عن المبسوط والنهاية والجامع والوسيلة (٣) من أنه إن كان ماشياً لبّى من موضعه الذي صلّى فيه ، وإن كان راكباً لبّى إذا نهض به بعيره ، فاذا انتهى إلى الرَّدم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية ، وحينئذ فينبغي القطع بعدم اعتبارها هنا.

خلافاً لشيخنا في المسالك ، حيث قال : والكلام في التلبية التي يعقد بها الإحرام كما مرّ ، فيلبّي سرّاً بعد النية ويؤخر الجهر إلى الأبطح (٤).

واعلم أن استحباب الإجهار للرجل دون وجوبه هو المشهور على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جمع (٥) ؛ للأصل السليم عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للشيخ في التهذيب فيجب بقدر الإمكان (٦) ، قال : للصحيح‌

__________________

(١) الهداية : ٦٠.

(٢) السرائر ١ : ٥٨٤ ، المنتهى ٢ : ٥٨٥ ، التذكرة ١ : ٣٢٧.

(٣) المبسوط ١ : ٣٦٥ ، النهاية : ٢٤٨ ، الجامع للشرائع : ٢٠٤ ، الوسيلة : ١٧٧.

(٤) المسالك ١ : ١٠٨.

(٥) منهم : العلامة في المختلف : ٢٦٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٨٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣١٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٩٢.

٢٣٦

« واجهر بها كلّما ركبت ، وكلّما نزلت ، وكلّما هبطت وادياً ، أو علوت أَكَمَة ، أو لقيت راكباً وبالأسحار » (١).

وهو نادر ، مع أنه رجع عنه في الخلاف ، قائلاً : لم أجد من ذكر كونه فرضاً (٢) ، ومع ذلك ففتواه بالوجوب بالمعنى المصطلح غير معلوم ، وفي المدارك : ولعلّ مراده تأكد الاستحباب (٣). ولذا ادّعى بعض الإجماع على خلافه ، قال : كما هو الظاهر (٤).

والأمر في الصحيح للاستحباب بلا خلاف ، ولذا قال في المنتهى في الجواب عنه : انه قد يكون للندب ، خصوصاً مع القرينة ، وهي حاصلة هنا في قوله : « كلّما ركبت » الحديث ؛ إذ ذلك ليس بواجب (٥).

أقول : وقريب منه باقي الأخبار المتضمنة للأمر به ، حتى المرسل القريب من الصحيح : « لمّا أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه جبرئيل عليه‌السلام فأمره بالعَجّ والثجّ ، والعَجّ : رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البدن » فإن في آخره : قال جابر بن عبد الله : فما مشى الرَّوحاء حتى بَحَّتْ أصواتنا (٦).

فإن ظاهره الإجهار بالتلبية المكررة ، فحالها حال الصحيحة السابقة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩١.

(٣) المدارك ٧ : ٢٩٤.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣١٦.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٧٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٠ ، التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٨ أبواب الإحرام ب ٣٧ ح ١. الرَّوْحاء كحمراء : بلد من عمل الفُرع على نحو أربعين يوماً والفُرع : قرية من نواحي المدينة بينها وبين المدينة ثمانية بُرُد على طريق مكّة. معجم البلدان ٣ : ٧٦ و٤ : ٢٥٢. بَحَّتْ أصواتنا أي : خشنت. انظر القاموس ١ : ٢٢٢.

٢٣٧

واحترز بالرجل عن المرأة فليس عليها إجهار بلا خلاف ؛ للمستفيضة : منها : « وضع عن النساء أربعاً : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، والاستلام ، ودخول الكعبة » (١) والمراد بالسعي الهرولة ، كما وقع التصريح به في رواية عن الفقيه مروية (٢).

( وتكرارها ) للمعتبرة المتقدم بعضها قريباً.

وحدّها : ( إلى يوم عرفة عند الزوال للحاجّ ) فيقطعها بعده بلا خلاف أجده ، والصحاح وغيرها به مستفيضة (٣) ، وظاهر الأمر فيها الوجوب ، كما حكي التصريح به عن والد الصدوق والخلاف والوسيلة (٤).

( والمعتمر بالمتعة ) يكررها ندباً ( حتى يشاهد بيوت مكّة ) فيقطعها وجوباً ؛ بالإجماع ، كما في الخلاف (٥) ؛ وللصحاح المستفيضة وغيرها (٦).

وأما الموثق : « إذا دخل البيوت ، بيوت مكّة ، لا بيوت الأبطح » (٧) فمع قصور السند وعدم مقاومته لباقي الأخبار المصرّحة بالنظر إليها لا الدخول يحتمل الحمل على الإشراف ، كما في الصحيح : « إذا دخلت مكّة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٩ أبواب الإحرام ب ٣٨ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٠ أبواب الإحرام ب ٣٨ ح ٢.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٣٩١ أبواب الإحرام ب ٤٤.

(٤) حكاه عن والد الصدوق في الدروس ١ : ٣٤٨ ، الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، الوسيلة : ١٧٧.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٩٣ و٣٣١.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٨٨ أبواب الإحرام ب ٤٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٦٨ / ١٦٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٩ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٧.

(٨) الكافي ٤ : ٣٩٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ / ٥٨٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٨ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ١.

٢٣٨

وأما الخبر : عن تلبية المتمتع متى تقطع؟ قال : « حين يدخل الحرم » (١) فهو مع ضعف السند يحتمل الجواز كما في (٢) الفقيه والاستبصار (٣) ، بمعنى أنه إذا دخله لم يتأكد استحبابها ، كهي قبله.

وحدّ بيوت مكّة على ما في شرح القواعد للمحقّق الثاني والمسالك والروضة (٤) عقبة المدنيّين إن دخلها من أعلاها ، وعقبة ذي طوى من أسفلها.

وفي الصحيح : « وحدّ بيوت مكّة بيوت التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين ، فإن الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن ، فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والثناء على الله عزّ وجلّ بما استطعت » (٥).

وفسّر عقبة المدنيّين في الخبر ، بل الصحيح كما قيل (٦) بحيال القصّارين (٧).

وفي آخر : عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال : « إذا نظر إلى عراش مكّة ذي طوى » قال : قلت : بيوت مكّة؟ قال : « نعم » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٢ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٩١ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٩.

(٢) في « ك‍ » : عن.

(٣) حكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ٣١٦ ؛ وانظر الفقيه ٢ : ٢٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧.

(٤) جامع المقاصد ٣ : ١٦٩ ، المسالك ١ : ١٠٨ ، الروضة ٢ : ٢٣٤.

(٥) تقدّم مصدره في ص : ٢٨٩٠ الهامش (٨).

(٦) ملاذ الأخيار ٧ : ٣٦٩.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٧٧ / ١٣٥٣ ، التهذيب ٥ : ٩٦ / ٣١٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٥ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١١.

(٨) الكافي ٤ : ٣٩٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣١٠ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ / ٥٨٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٩ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٤.

٢٣٩

قيل : وجمع السيّد والشيخ بينهما بأن الأول أتى على طريق المدينة ، والثاني لطريق العراق ، وتبعهما الديلمي والحلّي. وجمع الصدوقان والمفيد بتخصيص الثاني بطريق المدينة ، قال في المختلف : ولم نقف لأحدهم على دليل. وفي الغنية والمهذّب : حدّها من عقبة المدنيّين إلى عقبة ذي طوى. وعن العماني : حدّها عقبة المدنيّين والأبطح. وذو طوى على ما في المصباح المنير : وادٍ بقرب مكّة على نحو فرسخ في طريق التنعيم ، ويعرف الآن بالزاهر. ونحو منه في تهذيب الأسماء ، إلاّ أنه قال : موضع بأسفل مكّة ، ولم يحدّد ما بينهما بفرسخ أو غيرها (١). انتهى.

أقول : ومذهب العماني مخالف لظاهر الموثقة ، المؤذنة بتغاير بيوت الأبطح لبيوت مكّة ، فكيف تدخل في بيوتها كما ذكره؟! فتدبر.

( و ) المعتمر ( ب ) العمرة ( المفردة ) يكرّرها ( حتى يدخل الحرم إن كان أحرم ) من بعض المواقيت ( من خارجه ، وحتى يشاهد الكعبة إن أحرم من الحرم ) فيقطعها على المشهور في الظاهر ، المصرح به في بعض العبائر (٢) ؛ للصحيح : « من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة » (٣).

ومرسل المفيد : أنه عليه‌السلام سئل عن الملبّي بالعمرة المفردة بعد فراغه من الحج متى يقطع التلبية؟ قال : « إذا رأى البيت » (٤).

وبهما يقيّد إطلاق المعتبرة بقطع التلبية عند دخول الحرم كالصحيح‌

__________________

(١ و ٢) كشف اللثام ١ : ٣١٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٦ / ١٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٥ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٥ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٨.

(٤) المقنعة : ٤٤٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٦ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١٣.

٢٤٠